أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - بهاءالدين نوري - ماذا رأيت في سوريا؟ -1















المزيد.....

ماذا رأيت في سوريا؟ -1


بهاءالدين نوري

الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 19:06
المحور: سيرة ذاتية
    


حلقة من مذكرات بهاءالدين نوري
من الجزء الثاني غير المنشور

بعد أن استحصلت وثيقة (ليساباس) لدى السلطات الإيرانية ذهبت الى القنصلية السورية في طهران وطلبت لقاء مع القنصل فاستجاب واخذوني الى غرفته . وقدمت نفسي اليه باسمي الصريح كاحد رجال المعارضة العراقية المعروفين وابلغته برغبتي في السفر الي سوريا وذكرت انني بقيت في العراق مختفيا الي أواخر صيف 1988 وتحركت هناك بهوية مزورة ودخلت ايران بتلك الهوية وحصلت على وثيقة السفر هذه بنفسى الاسم المدرج في الهوية المزورة دون أن اخفي اسمى الحقيقي عن السلطات في طهران . و انا مضطر على السفر بهذه الوثيقة دون أن اخفي اسمي الحقيقي عن السلطات السورية . رحب القنصل بي وسألني بعض الاسئلة عن وضع العراق وحركة المعارضة العراقية. ولم استطع تصوره الا كضابط في المخابرات السورية مرسل لأداء المهمات القنصلية والمخابراتية معا. وقد وعدني بالسعي لتلبية طلبي وقال انه يريد امهاله اسبوعا ثم العودة اليه. وعندما عدت اليه في الموعد المحدد أخبرني :
- وافقت الحكومة السورية على طلبك، واليك رقم برقية السماح لك بدخول دمشق – عليك ابراز هذا الرقم في المطار هناك، واتمني لك سفرة سعيدة.
سافرت من مطار طهران الى دمشق دون أن اجد أية عقبة بالنسبة للسلطات الاسلامية الايرانية. وبدالي في مطار دمشق ان كل شئ يسير بشكل اعتيادي. أجريت المعاملات الاصولية وخرجت من مكتب تدقيق الجوازات كما اجتزت نقطة تفتيش الحقائب . معنى ذلك أنني ذاهب لركوب سيارة اجرة تنقلني من المطار الى أحد الفنادق – ولكن مهلا يا بهاء ! فانك الآن في أرض يحكمها البعثيون تماما كما كان في العراق ! هناك يدعى الدكتاتور " صدام حسين " وهنا " حافظ الأسد ". ورغم الصراع والتطاحن بينهما فانهما يتعاملان مع الناس بنفس العقلية! قبل مغادرة مبنى المطار ببضعة أمتار اعترضني شاب متوسط القامة، وهو في زي مدني، وطلب مني مرافقته لدقيقة. سألته:
ــ من أنت وماذا تريد مني؟
ــ انا من الدائرة، يعني مخابرات. يريد الآمر توجيه سؤال اليك ثم تعود الى هنا.
كنت أحس بالخطر من هذا الرجل ولكنني لا اسطتيع العصيان. قادني عبر درج الى قاعة كبيرة تحت الارض لا يوجد فيها بشر. ويبدو أنه كان من سجون المخابرات السورية طلبت من الشاب السماح لي بالخروج فرفض وقال:
ــ اجلس بانتظار التحقيق معك، أنت الآن موقوف.
ــ أنا عراقي جئت الى سوريا بصورة قانونية وأجريت المعاملات الاصولية في المطار، فما هو سبب توقيفي وعلى أي جريمة يجري التحقيق معي؟
ــ ستعرف عندما يأتي المحقق.
اذن فانني الآن في سجن من سجون المخابرات البعثية افكرت فيما اذا كان هناك سبب لتوقيفي ولم اتوصل الى أي شئ. وعبثا حاولت اقناع هذا الرجل المستهتر باطلاق سبيلي.
وقلت له بعد فشل كل محاولاتي في التخلص:
ــ أنا من رجال المعارضة العراقية، ويعرفني جميع رجال المعارضة العراقية الموجودين هنا في دمشق، كما يعرفني المسؤولون البعثيون العراقيون من اعضاء القيادة القومية والقطرية هنا، وكما يعرفني مسؤولو الحزب الشيوعي السوري. اطلب السماح لي بالاتصال تلفونيا مع أي من هؤلاء والاستفسار عني.
ــ لايمكن ذلك.
ــ أعطني المجال لاتصل أنا تلفونيا مع البعض من هؤلاء، كعضو القيادة القومية فاضل الانصاري.
ــ لاتلفون ولا اتصال. ممنوع ! ممنوع!
كان التحدث الى هذا الفاشتي الصغير عديم الجدوى. ابقاني رهن التوقيف في سجن المطار حتى العاشرة مساءا ثم نقلوني في سيارة مخابرات، ومعصب العينين، الى سجن المخابرات المركزي. وعلمت انني سلمت هناك باسم مخابرات القوة الجوية! وأي سجن هذا الذي نقلت اليه؟ وجدت في الزنزانة، التي أدخلوني اليها، ثلاثة موقوفين من الاكراد العراقيين المنتسبين الى أوك. وقالوا انهم اعتقلوا بنفس الطريقة التي اعتقلت بها، وهم في هذه الزنزانة منذ أيام. والزنزانة صممت من قبل الفاشست لغرض التعذيب. فهي مظلمة حتى في النهار المشمس، اذ فيها شباك صغير على ارتفاع مترتين أو أعلى تتسلل منه حزمة ضعيفة من الضوء لتضيىء سقف الزنزانة واعالي الجدران. ويبلغ عرضها قرابة 120سم فيما يبلغ الطول 180سم . ولها باب حديدي سميك على الممر الطويل الضيق الواقع بين صغين متقابلين من الزنزانات المتشابهة. وافترشت داخل الزنزانة قطعة كمبار عتيقة ذات لون رصاصي غامق. وقد كنت أنا الشخص الرابع من قاطني الزنزانة، علما أننا لم نتهم بالقيام بأي نشاط ضد نظام البعث. وتساءلت مع نفسي، وأنا في هذه الزنزانة: "كم من الموقوفين يحشرون في زنزانة واحدة في حالة تصاعد الحركات السياسية المعارضة للنظام في سوريا؟" الباب مقفول ليل نهار سوى الدقائق المحدودة التي يفتح فيها الباب مرة في الصبح واخرى في المساء كي يذهب الموقوفون بصحبة الحارس ووسط اهانات وشتائم بعض الحراس المتواجدين في الممر، الى المرافق الصحيه. وفي القسم العلوي من الباب بويبة أو ثقب يفتح لمنا ولة الاكل للموقوفين أو المراقبة وازعاج الموقوفين من قبل بعض الحراس. وأي أكل تقدمه السلطات!! وزينت الجدران داخل الممر بصفين متقابلين من الصور الكبيرة الملونة لرئيس الدولة حافظ الاسد، صورة فوق كل باب لايقل حجمها عن 50×50 سم، وكأن السلطة تؤكد للموقوفين في الزنزانات بأن الرجل صاحب الصورة "هو السجان الاكبر والجلاد الاشرس، ونحن نسجن كل شخص يشك في ولائه لهذا الرئيس!" ومن المغارقات ان جل الحراس من الاكراد االسوريين، الذين سخروا لخدمة جهاز المخابرات في دولة بوليسية عنصرية أبت ان تمنح هؤلاء مجرد حق المواطنة وحيازة الجنسية السورية و رفضت قبول كثرة من أطفالهم في المدارس بسبب عدم حيازتهم للجنسية. لكنهم يستخدمون كحراس في المخابرات اذ يستغل النظام فقرهم كما يستغل ضعفهم وعدم وجود علاقات لهم مع اهالى الموقوفين الذين غالبا ما يكونون من العرب السوريين.
ويجدر بالاشارة أن الكثير من هؤلاء الحراس الأكراد كانوا من سكان القرى الحدودية في كردستان سوريا هجرهم النظام البعثي العنصري عنوة وأحل محلهم العرب في عملية تعريب مبرمجة تماما على طريقة الدكتاتور العوجوي في كردستان العراق. وقد سمى البعث السوري ذلك بـ "الحزام الامني لسوريا". وقد بقي الكردي هناك مواطنا من الدرجة الثانية أو الثالثة حتى ولو حاز على الجنسية السورية.
واذ مارس النظام سياسة التمييز القومي ضد الاكراد، فانه مارس أيضا سياسة التمييز الطائفي ضد العرب غير العلويين. فقد كانت الغالبية الساحقة من ضباط المخابرات، وهي الجهاز القمعي الذي ظل يحكم سوريا عبر عشرات السنين، من منتسبي الطائفة العلوية التي انتمى اليها الاسد والتي تشكل اقل من عشر سكان سوريا.
اعود الى المخابرات. رغم اننا لم نلق التعذيب الجسدي في زنزانتنا، لا انا ولا الثلاثة الآخرون، الا ان التعذيب كان للآخرين في بعض الزنزانات مستمرا بلا رحمة. وكان الوقت المفضل لممارسته ساعات الليل. ولم يكن بالامكان ان أرى بعيني تعذيب احد ولكن كنت اسمع واراقب. تراءى لي أن اغلب الموقوفين، الذين كانوا عرضة للتعذيب، من حركة الإخوان المسلمين. عندما كان الضرب يسلط بالسوط على احد المعتقلين في زنزانته فان سائر الزنزانات كانت تسمع اصوات السياط واستغاثة المعتقل المغلوب على امره. كنت أعد احيانا الضربات المنهالة بالسوط على احدهم وكنت اسمع استغاثاته اليائسة وقد حسبت ذات مرة ليلا (135) ضربة، كان الرجل يستغيث بصوت عال واثر كل ضربة: (خاطرالله! خاطر الرسول! ارحموني، الستم مسلمين....؟) . انقطع صوته بعد ذلك رغم استمرار الضربات اربع مرات. اظن انه فقد وعيه ولم يعد يحس بالألم. ومن المؤكد أن الضرب بالسوط كان شكلا من أشكال التعَديب الكثيرة، كما أن الزنزانة كانت مكانا واحدا من اماكن التعذيب. وكان التعذيب الاشد همجيةيمارس في غرف خاصة. خلال الأيام الثلاثة التي بقيت فيها مسجونالم اتحسس وجود أية مواجهة أو زيارة للمسجونين هناك. ولم اكن معصب العينين داخل الزنزانة. لكنهم عصبوا عيني بقماش اسود مرتب لهذا الغرض عندما اخذوني من الزنزانة الى غرفة لغرض التحقيق. كانت الاسئلة روتينية بسيطة من قبيل: ما اسمك؟ ما اسم ابيك؟ كم عمرك؟ لماذا جئت الى سوريا؟ وكان يكرر عمدا اسئلته مرارا مع التقديم والتأخير. واضح انه كان يحاول المحقق ارباك المعتقل ومعرفة ما اذا كان يناقض نفسه بنفسه أو يغير رأيه. لم يكن لدي ما يستحق الاخفاء اجابة على اسئلته، ولهذا كان من المستبعد أن ارتبك واناقض نفسي في اجاباتي المتكررة.
أخبرني زملائي في الزنزانة، عند وصولي اليهم، بأنهم سيخرجون بعد يوم او يومين. وكانت تلك فرصة جيدة لأطلب منهم ايصال خبر اعتقالي في سجن المخابرات الى الطالباني لعله يستطيع مساعدتي في الخروج من هذا السجن. وقد أوصلوا اليه الخبر يوم خروجهم دون تأخير وتدخل مشكورا بصورة فورية وطلب اطلاق سراحي بوصفي واحدا من رجال المعارضة العراقية. وقد جاءني شاب وقدم نفسه باسم (عبدالرزاق) كممثل لاوك في سوريا وأخبرني ان الطالباني اهتم بأمري واجرى اللازم فورا وارسلني اليك ايضا. وعلى أثر تدخل الطالباني وزيارة عبدالرزاق الي جاءني ضابط علوي من المخابرات برتبة مقدم ودعي ابوالطيب واعتذر لي عما حدث ونقلني من الزنزانة الى غرفة فيها سرير واحد للنوم، وقال:
- اعذرنا عما حدث وننظر اليك كضيف عندنا وستخرج من هنا بمجرد ان يوقع اللواء امر الافراج عنك.
- اقدم لك الشكر ولكني لا اعذركم على ما فعلتم معي دون وجه حق.
وقد كذب ابوالطيب فيما قال اذ ظللت تلك الليلة ايضا في سجن المخابرات، رغم خروجي من الزنزانة تلك الى احدى الغرف، وأخذوني في صبيحة اليوم التالي معصوب العينين لجولة جديدة من التحقيق وكرر المحقق ذات الاسئلة السابقة واضاف اليها بعض الاسئلة الجديدة. وحضر عبدالرزاق بعيد الظهر بصحبة ابو الطيب واطلق سراحي.
وكرر الضابط الاعتذار ورجا قبول العذر، فرفضت للمرة الثانية قبول العذر لانني- قلت له-
لم ارتكب جرما ولم اخالف قانونا حتى يبرر هذه المعاملة. وهنا علي أن اعترف بأني كنت معرضا للبقاء في سجن المخابرات لاسابيع أو اشهرا لولا مساعدة الطالباني لانقاذي من براثن نظام بوليسي استبدادي حلت فيه ارادة الدكتاتور محل القوانين والقيم الانسانية.
رحب الطالباني بي حين زرته في شقته، التي كان قد اشتراها في دمشق قبل سنوات.
وقد أيدني في رفضي لقبول الاعتذار الذي قدمه لي ضابط المخابرات ابو الطيب. وتطرقتا الى بعض الأمور في كردستان والعراق.
كان علي أن عيش في سوريا لأجل غير محدود لأنني لم اكن قادرا على العودة الى العراق كما كنت افعل في الماضي ولم اكن راغبا في اللجوء الى بلد أوروبي – على الاقل في تلك الايام. وكانت مشكلتي هي المال الضروري للمعيشة اذ لم يكن هناك من استطيع الاعتماد عليه في معيشتي. غير ان جيبي حوى على ما كان يكفي لحوالي السنة شريطة الاقتصاد في الصرف. ذهبت برفقة عبدالرزاق الى مكتب عقاري في حي ركن الدين واستأجرت شقة بمئتين وخمسين دولارا شهريا.



#بهاءالدين_نوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاصفة الثورة تجتاح العالم العربي
- مقابلة مع الأستاذ بهاءالدين نوري
- دعوة لمناصرة المناضل (بهاءالدين نوري)
- هل اصبح العراق ساحة حرب اهلية
- تزايد العمل الارهابي في العراق ومسؤولية الحكومة العراقية
- العراق بعد الانتخابات النيابية الاخيرة
- العراق بين مطرقة التخبط الأمريكي و سندانة القوى الظلامية
- ملاحظات ومقترحات حول التصدي للارهاب


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - بهاءالدين نوري - ماذا رأيت في سوريا؟ -1