أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية!( عدد 1 / مارس 2011)القلب على - اليسار- و - اليسار- على -اليمين-!















المزيد.....



لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية!( عدد 1 / مارس 2011)القلب على - اليسار- و - اليسار- على -اليمين-!


ناظم الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 02:36
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية!
( عدد 1 / مارس 2011)
======================

القلب على " اليسار" و " اليسار" على "اليمين"! ============================

تقديم عام للعدد الأوّل :
بمناسبة " يو م الأرض" بما يعنيه من تحرّر وطني و مناهضة للإمبريالية و كلبها الصهيونية وإنطلاقا من كوننا كشيوعيين ماويين نتطلّع إلى أن نكون من قادة المستقبل ومحرّري الإنسانية من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي و من كوننا نعى جيّدا أنّه على البروليتاريا أن تخوض الصراع على جبهات ثلاثة – إقتصادية و سياسية و نظرية- و أنّه قطريّا و عربيّا و لعقود تمّ تقريبا تجاهل الجبهة النظرية ، قرّرنا النهوض بمسؤولية الحثّ على إيلاء هذا الجانب النظري من النضال ما يستحقّ من الأهمّية ذلك أنّه لا حركة ثورية دون نظريةّ ثورية .
من تقييماتنا لواقع الحركة الشيوعية العربية التي تهيمن عليها إلى حدّ كبير جدّا التحريفية و الإصلاحية و الدغمائية ، إستخلصنا حقيقة أنّ الغالبية الغالبة من شخصيات و منظّمات و أحزاب هذه الحركة تمارس التحريفية بمعنى الحركة كلّ شيئ و الهدف لا شيئ كما قال لينين. وقد أصاب الرفاق الشيوعيون الماويون فى المغرب برفعهم و تكريسهم لشعار الوضوح الإيديولوجي و السياسي تعميقا للصراع الإيديولوجي و السياسي قصد الفرز ، دحض الخطوط الخاطئة و إرساء خطّ شيوعي ماوي يراكم القوى من أجل تأسيس الحزب الشيوعي الماوي كحلقة مركزية مرحلية ثمّ يلج مرحلة بنائه شعبيا و الإعداد للإنطلاق فى حرب الشعب الطويلة الأمد لإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية بتحطيم دولة الإستعمار الجديد و تشييد دولة الديمقراطية الجديدة بقيادة الطبقة العاملة خدمة لمصالح البروليتاريا و الشعب كجزء من قيادة الموجة الجديدة للثورة البروليتارية العالمية المسترشدة بالماركسية –اللينينية –الماوية على طريق الهدف الأسنى ، المجتمع الشيوعي.
صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي أم عدم صحّته هي المحدّدة فى كلّ شيئ . تلخّص مقولة ماو تسى تونغ هذه البالغة الدلالة حقيقة عميقة أثبتها تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و بيّنت صوابها مجدّدا حركة الصراع الطبقي ونضالات الشيوعيين الماويين فى الكثير من البلدان عبر العالم ،منذ الستينات إلى يومنا هذا. و نحن نعيد التشديد على هذه الحقيقة التي لا بدّ لنا كماديين جدليين أن نقرّ بها و نعمل وفقها، إخترنا عنوانا لهذه النشرية شعارا معبّرا عن متطلبات المرحلة و قد أخذ يتردّد هذه الأيّام : لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
سيطبّق خطّ هذه النشرية سلاح النقد الشيوعي الماوي على الحركة الشيوعية فى تونس أساسا بما يعنى محاولة تفكيك و نقد أهمّ الوثائق النظرية و السياسية لمجموعات و أحزاب التي تدعى تبنّى الشيوعية بغية فضح التحريفية و الدغمائية و الإصلاحية و بيان مدى صحّة الخطّ الشيوعي الماوي كبديل بروليتاري ثوري حقّا.
ومن البداية نقولها صراحة إنّ عملنا هذا لا يطمح إلى - و ليس بإمكانه حاليّا - تناول جميع وثائق كافة الأحزاب و المنظّمات فنحن لا نملكها إلاّ النزر القليل منها و سنسلّط سياط النقد عليه و على ما قد نحصل عليه لاحقا و يكون ذا دلالة. و صراحة أيضا لن نلتزم لا بدورية زمنية للنشرية و لا بعدد معيّن أدنى أو أقصى من الصفحات و لا بتواصلها لسنوات. ما تسمح لنا الظروف الذاتية و الموضوعية بإنجازه سنسرع لوضعه بين أيدى القراء. هذا ما نلتزم به .
و لسنا عدميين ولن ننطلق من الصفر فقد وجدت بعدُ بعض الكتابات فى هذا المضمار سنأخذها بعين الإعتبار و نؤكّد أفكارها الصائبة و نبنى عليها و نعمّقها قدر الإمكان . ونتوجّه بالشكر سلفا لكلّ من يساعدنا فى هذا المشروع بالنقد و بتوفير الوثائق أو بمساهمات تنسجم طبعا مع خطّ النشرية .
لهذا العدد الأوّل الذى نضع فى متناولكم إخترنا عنوان " القلب على "اليسار" ، و "اليسار" على اليمين" ومقالاته الأربعة تعرّى مدى إنحراف المجموعات "اليسارية" عن الشيوعية الحقيقية ، الشيوعية الثورية ، كما تعرّى يمينية خطّها الإيديولوجي و السياسي قطريا و قوميا و بطبيعة الحال تتضمّن هذه المقالات أيضا عرضا مقتضبا لبديلنا الشيوعي الماوي المرحلي – الديمقراطية الجديدة الماوية.
1- أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس.
2- تعليق مقتضب على بيان حزب العمل الوطني الديمقراطي بمناسبة غرة ماي والذكرى الثانية للإعلان عن تأسيسه.
3-- قراءة فى بيانات المجموعات" اليسارية" حول العدوان على غزّة.
4- الديمقراطية القديمة البرجوازية أم الديمقراطية الجديدة الماوية.
و ننطلق فى الإشتغال على العدد الثاني الذى سيتضمّن قراءة نقدية لمشروع برنامج الوطنيين الديمقراطيين الماركسيين اللينينيين...
لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
============================================================================================
1- أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس.
على الشيوعيين أن يكونوا مستعدين فى كلّ وقت للتمسّك بالحقيقة ، فالحقيقة ، أية حقيقة ، تتفق مع مصلحة الشعب . وعلى الشيوعيين أن يكونوا فى كلّ وقت على أهبة لإصلاح أخطائهم ، فالأخطاء كلّها ضد مصلحة الشعب " ماو تسى تونغ- 1945

حقّا أذهلتنا رؤية أناس يدعون تبنّى الماركسية و الشيوعية يخبطون خبط عشواء فى الحديث عن الإنتفاضة فى تونس ناشرين أوهاما برجوازية صغيرة و مستعملين مفاهيما فى غير محلّها و مهوّلين جوانبا فى نفس الوقت الذى ينسون فيه جوانبا أخرى و مسقطين على الواقع قراءات لا يحتملها. لذا لزم علينا أن نساهم بهذه الملاحظات النقدية التي نسوقها بسرعة لعلّها تفيد فى توضيح الرؤية الشيوعية الحقيقية و تنير ممارسة المناضلين و المناضلات و جماهير شعبنا فى هذه اللحظة الدقيقة من النضال مع ما يحتمله من إمكانيات تحقيق بعض المكاسب و إمكانيات حصول إنتكاسات و إلتفاف على ما تحقّق إلى حدّ الآن و إمكانيات إرتكاب أخطاء قد تكون قاتلة إستراتيجيا إن لم تكن كذلك تكتيكيا.

و نحن نمارس حقّنا المشروع فى النقد و نهدف لأن تنير النظرية الممارسة ،لا يهمّنا هنا التعرّض لمواقف الذين كانوا إلى يوم هروب الجنرال رئيس دولة الإستعمار الجديد يعربون المرّة تلو المرّة و إثر كلّ خطاب له أنّ هناك جملة من النقاط الإيجابية التي ينبغى التفاعل معها إيجابيا و لم يرفعوا أبدا مطلب الإطاحة بالجنرال و زمرته بل أرادوا العمل ضمن الحدود التي رسمها لهم القانون الذى سطّره كما أراد. ما يهمّنا هنا هو التركيز على المجموعات "اليسارية" فى تونس التي تعتبر نفسها نوعا ما راديكالية.

1- إنتفاضة أم ثورة :

بداية وجبت ملاحظة أنّ التمرّد إنطلق فى مطالبه إجتماعيا عفويّا ليتحوّل شيئا فشيئا و يوما فيوما إلى رفع واعي مصمّم و منظّم بأشكال مختلفة و متفاوتة القوّة لمطالب سياسية لم تعد منحصرة فى جهة أو جهتين و إنّما عمّت البلاد كافة تقريبا. و رغم الطابع العفوي الطاغي فى البدء خاصة فإن قوى سياسية مختلفة فى النقابات و فى منظّمات شتى و فى الجهات المتنوّعة ( أفرادا و جماعات) نظّمت إلى حدود النضالات و نسقها التصاعديّ و الصمود و الهجوم و إن لم يهيمن حزب معيّن على التحرّكات فإنّ عديد المجموعات سجّلت حضورا ملحوظا منذ البداية أو إلتحقت بالحركة الإحتجاجية بجدّ بعد تردّد أو تلكؤ ووقوف موقف المتفرّج لأيام أو لأسابيع.

ثمّ إنّ تمرّد الشعب حين توسّع صار إنتفاضة جماهيرية طالت و تعمّقت فحقّقت هدفا كان بعيد المنال بالنسبة للكثيرين حتى من الأحزاب و المجموعات السياسية ألا وهو الإطاحة برأس النظام الرئيس الجنرال و قد يحقّق تواصل التمرّد إسقاط حكومة الغنوشي فى الأيام القادمة. و مع ذلك ليس بإمكاننا علميا و من منظور البروليتاريا و منهجها المادي الجدلي أن ننعت ما حصل بالثورة إذ هو لا يتعدّى كونه إنتفاضة و ذلك لأنّه اطاح برئيس الدولة و لم يطح بالدولة ، دولة الإستعمار الجديد ، دولة الإقطاع و الكمبرادور المتحالفة مع الإمبريالية و خادمتها .

ماركسيا، الدولة جهاز قمع طبقة لطبقة/ الطبقات أخرى متكوّن أساسا من الجيش كعمود فقري و آلة بيروقراطية لإدارة دواليب الدولة و مؤسساتها . و تطبيقا على تونس و إن تعرّض الجهاز البيرروقراطي للدولة إلى بعض الضربات فى جهات معينة و مؤسسات معينة و إلى حدود معينة فهو لا يزال قائما و قادرا على إعادة إنتاج هيمنة دولة الإستعمار الجديد. هذا من جهة و من جهة ثانية ،الجيش لم يطله أي ضرر بل بالعكس صار الشعب يعتبره حليفا له يحبّه و يقدّره فى حين أنّه ليس البتّة بالجيش الشعبي و إنّما هو جيش الدولة القائمة و عمودها الفقري و قياداته عملت لدى الجنرال المخلوع و تحت إمرته و فى إتفاق معه لسنوات طوال وهي تأتمر بأوامر الإمبريالية العالمية و تخدم مصالح التحالف الطبقي الرجعي الحاكم و إن إختلفت فى لحظة ما فى التكتيك الذى يجب توخّيه تحت ضغط الشارع.

و لئن قدّمت الطبقات المهيمنة بعض التنازلات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية فإنّها لم تسلّم الدولة جهازا و مؤسسات للشعب الذى عليه ليس تحسين هذا الجهاز و هذه المؤسسات بل تحطيمهما و تعويضهما بدولة جديدة مثلما شرح ذلك ماركس و لينين ( "الدولة و الثورة" ، لينين). و فى إرتباط بالجيش ، من الأكيد أن نذكّر أن ما يسمىّ بأجهزة الأمن – شرطة وحرس و ما شابه و منها " أمن الدولة"- قائمة الذات و بأمر من مسؤوليها قد تغرق البلاد فى أية لحظة فى القمع أو فى حمّام دم من جديد. و حينها لن تستطيع جماهير الشعب العزلاء التي لا تملك جيشا شعبيا صدّ الرصاص و الدبابات و الطائرات و التغلّب عليها و تحطيم كافة أجهزة دولة الإستعمار الجديد دون جيش شعبي و عبر حرب شعبية طويلة الأمد.

و إضافة إلى الإعلام بالتلفزة و الراديو و الصحف و غيرها الذى لا زالت بأيدى دولة الإستعمار الجديد كما لاحظ ذلك حتى أبسط المواطنين و إن سمح بمساحات محدودة للرأي المعارض قد تتتقلّص لاحقا تدريجيا مع خفوت نبرة الإنتفاضة ، فإنّ- إقتصاديا- نمط / أسلوب الإنتاج لم يتغيّر و طبيعة المجتمع كذلك لم تتغيّر. و هذا أمر مركزي بالنسبة للماديين الماركسيين الذين يعتبرون أنّ السياسة تعبير مركّز عن الإقتصاد و الذين يدعون للثورة الوطنية الديمقراطية أو الديمقراطية الوطنية أو الوطنية الديمقراطية /الديمقراطية الجديدة أو الإشتراكية . فإن كان تمرّد الشعب التونسي ثورة فهل هي من الأنواع المذكورة أعلاه؟ لا طبعا فعن أيّة ثورة يتحدّثون إذا؟ إنهم يسبحون فى بحر الخيالات البرجوازية الصغيرة.

إنّ رموز بعض التيارات أو الأحزاب اليسارية الذين طلعوا علينا فى التلفزة يوم 22 جانفي منطلقين فى حديثهم من إعتبار ما حصل إنتفاضة ليختموه بأنّها ثورة –حمّه الهمّامي الناطق بإسم حزب العمّال الشيوعي التونسي- أو الذين يصيحون بأنّها ثورة و يا لها من ثورة متميّزة – شكرى بلعيد الناطق بإسم حركة الوطنيين الديمقراطيين- أو الوطنيين الديمقراطيين الوطد الذين كتبوا فى بيان يوم 14 أنّها إنتفاضة شعبية ليتحدّثوا فى نداء يوم 16 عن ثورة عارمة و مضمون وطني و شعبي و ديمقراطي و أهداف داعية للحرية و العدالة الإجتماعية من وجهة نظر العمال و الكادحين، إنّ هؤلاء جميعا من جهة ينشرون الأوهام حول الإنتفاضة و دولة الإستعمار الجديد عوض نشر الحقيقية التي هي وحدها الثورية كما قال لينين و من جهة ثانية يقدّمون خدمة من حيث يعلمون أو لا يعلمون لأعداء الشعب حيث هؤلاء الأخيرين نفسهم يستعملون كلمة الثورة لمغالطة الجماهير و دعوتها بعد القيام بها إلى الركون و السكون و الكفّ عن خوض النضالات و توسيعها و عدم المسّ من مختلف أجهزة بيروقراطية الدولة و الجيش و العودة إلى الحياة العادية مكتفين بما حصل من تغيير على أنّه ثورة ناجزة.

و فضلا عن هذا الخلط النظري و الضرر السياسي و العملي الذى يلحقه بالصراع الطبقي إستعمال مفاهيم مضلّلة ،ثمّة خطر إعتبار الثورة تمّت و إيهام الجماهير بأنّه لا رجعة عن المكاسب المحقّقة فى حين أنّ واحد من أهمّ دروس الصراع الطبقي فى العالم التي إستخلصتها البروليتاريا العالمية هي أنّ مثل هذه المكاسب أو الإصلاحات قابلة للذوبان و التآكل و الإلتفاف عليها لاحقا حتى و إن سجّلت فى الدستور و فى قوانين و عليه لا بدّ من إبقاء الجماهير متيقّضة و رفع وعيها لتحافظ عليها و توظّفها لمزيد رفع الوعي و التقدّم بالنضال نحو الثورة الوطنية الديمقراطية/ الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا و حزبها الماركسي-اللينيني-الماوي و الكفيلة بحلّ التناقضات الأساسية الوطنية و الديمقراطية و تمهيد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية.

2- إصلاح أم ثورة :

كما علّمنا لينين نناضل من أجل الإصلاحات لكن لا كإصلاحيين و إنّما كثوريين :" يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الإصلاحات ، أي من اجل تحسينات فى أوضاع الكادحين تترك السلطة ،كما من قبل ، فى يد الطبقة السائدة . و لكن الماركسيين يخوضون فى الوقت نفسه نضالا فى منتهى الحزم ضد الإصلاحيين الذين يحدون ،بواسطة الإصلاحات ، مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، من تطلعات الطبقة العاملة و نشاطها. فإنّ الإصلاحية إنّما هي خداع برجوازي للعمّال الذين يبقون دائما عبيدا مأجورين ، رغم مختلف التحسينات ، ما دامت سيادة الرأسمال قائمة.

إنّ البرجوازية الليبرالية تمنح الإصلاحات بيد و تسترجعها بيد أخرى، و تقضى عليها كلّيا،و تستغلها لأجل إستعباد العمال ، لأجل تقسيمهم إلى فرق مختلفة ، لأجل تخليد عبودية الكادحين المأجورة. و لهذا تتحوّل الإصلاحية بالفعل ، حتى عندما تكون مخلصة كليا ، على أداة لإضعاف العمّال و لنشر الفساد البرجوازي فى صفوفهم. و تبيّن خبرة جميع البلدان أنّ العمّال كانوا ينخدعون كلما وثقوا بالإصلاحيين.

أمّا إذا إستوعب العمال مذهب ماركس، أي إّذا أدركوا حتمية العبودية المأجورة ما دامت سيادة الرأسمال قائمة ،فإنهم ، على العكس، لن يدعوا الإصلاحات البرجوازية ، أيّا كانت ، تخدعهم. إنّ العمال يناضلون من اجل التحسينات مدركين أنّ الإصلاحات لا يمكن ان تكون لا ثابتة و لا جدّية ما دامت الرأسمالية قائمة ، و يستغلّون التحسينات لأجل مواصلة النضال بمزيد من العناد ضد العبودية المأجورة.إنّ الإصلاحيين يحاولون أن يقسموا العمّال الذين يدركون كذب الإصلاحية، فإنهم يستغلون الإصلاحات لأجل تطوير و توسيع نضالهم الطبقي" ( لينين " الماركسية و الإصلاحية").

مبدئيا لسنا ضد النضال من أجل الإصلاحات و لكن يجب ألاّ نكون إصلاحيين ، يجب أن نكون شيوعيين ثوريين ننشر المضمون الحقيقي للماركسية ، المضمون الثوري نسعى جهدنا لإنجاز المهمّة التاريخية للبروليتاريا الثورية.

يزعق البعض ممّن رأينا على جهاز التلفزة أنّ ما وقع ثورة سلمية بإمتياز هدفها الآن النضال ضد من يريدون سرقتها من الشعب.و نعلّق على هذا الكلام المليئ مغالطات فنقول فضلا عن كون ما حدث ليس ثورة ، إن العنف كان حاضرا فى كلّ مكان و إن لم يكن من طرف الجماهير الشعبية فى شكل كفاح مسلّح .فعدوّ الجماهير لجأ لكافة أنواع العنف حتى المسلّح منه متسبّبا فى قتل العشرات و جرح المئات أمّا الجماهير فإستعملت ألوانا من العنف تمتدّ من العنف اللفظي و الهجوم بالحجارة إلى الحرق و التكسير ضد رموز الدولة بوجه خاص. و الرئيسي فى مجمل مناطق البلاد و على إمتداد أربعة أسابيع تقريبا كان التحركات العنيفة و بصورة ثانوية حصلت مسيرات سلمية و حتى فى العاصمة كانت التحركات عنيفة من قبل الجماهير و مسلّحة من قبل مختلف أجهزة الشرطة . و أكثر من ذلك حتى يوم الجمعة 14 جانفي فرضت المسيرة فى العاصمة فى شارع الحبيب بورقيبة فرضا بالقوّة بعد معركة مع الشرطة و فى أحياء من العاصمة و أماكن أخرى من البلاد كان الرصاص لا يزال يطلق.

و إذن كانت الإنتفاضة عنيفة وإن لم ترتق فيها الجماهير إلى رفع البندقية فى وجه الأعداء لا لشيئء - فى جهات معيّنة- إلاّ لفقدان الجماهير للسلاح و قد مارست الجماهير العنف المنظّم لطرد قوات الأمن من عدّة مدن و إنكار ذلك إنكار لحقائق فاقعة يراد منه توجيه الرأي العام إلى مفاهيم الإنتقال و التحوّل السلمي بعيدا عن إستهداف أجهزة دولة الكمبرادور و الإقطاع المتحالفين مع الإمبريالية ،و العمل فى إطارها. ومن هنا نرى الإرتباط بين أطروحة "الثورة" و "نموذج التغيير السلمي" الإصلاحي.

طريق الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات كتيار من تياري الثورة البروليتارية العالمية ( التيار الآخر هو الثورة الإشتراكية عبر الإنتفاضة المسلّحة المتبوعة بالحرب الأهلية فى البلدان الإمبريالية ) ليس الإنتفاضة فى المدن الكبرى ثمّ التوجّه إلى الريف لتحريره و إنما هو طريق حرب الشعب الطويلة الأمد و محاصرة الريف للمدن.و فى خلط الأوراق بصورة إنتقائية تضليل للجماهير و إنحراف نظري خطير بل شديد الضرر. و إن كان حزب العمّال واضحا فى تبنيه ،حسب وثائقه، للطريق الإنتفاضي فإن الوطنيين الديمقراطيين يتحدّثون عن حرب الشعب دون تحديد مضمونها و أشكالها و كيفية خوضها و علاقتها بالقوى الطبقية للثورة و يعكس تقييمهم للصراع الطبقي فى المدّة الأخيرة فى تونس هذه الضبابية فى الرؤية و هذا الخطإ النظري الفادح.

إنّ مقولات الإصلاحيين و النقابويين الإقتصادويين تضرب عمليا وواقعيا فى العمق المقولات اللينينية فى "الدولة و الثورة" التي يدّعون نظريا تبنّيها .و نشر الأوهام حول الدولة بكافة مكوّناتها التي لم يقع تحطيمها عبر النضال المسلّح لإقامة دولة جديدة يصبّ فى خانة الإصلاحية و تخريب الوعي الثوري للمناضلين والمناضلات و الجماهير عوض رفعه. و هذا من جانبهم يلحق أضرارا جسيمة بالثورة الحقيقية التي من غير الممكن قيامها دون حزب ثوري و ليس إصلاحي و شعب ثوري و ليس إصلاحي بمعنى تحوّل قطاعات كبرى منه ثمّ غالبيته إلى تبنّى الأهداف الثورية و العمل على كافة الجبهات وتقديم التضحيات اللازمة من أجل تحقيقها، فى ظروف وضع ثوري بالمفهوم اللينيني فى البلدان الإمبريالية و فى مرحلة الهجوم الإستراتيجي لحرب الشعب فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات. ف " الثورة إنتفاضة و عمل عنيف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى"( ماو تسى تونغ-1927).

وتمدّنا تجربة الثورة البروليتارية العالمية بدروس تاريخية منها ما لخّصه ماو تسى تونغ " بدون جيش شعبي ، لن يكون هناك شيئ للشعب" .و كي لا ندخل فى تفاصيل كثيرة نذكّر بما حصل فى أندونيسيا فى الستينات من تقتيل للشيوعيين و للجماهير الشعبية بالآلاف بفعل خطإ فى فهم طبيعة الدولة و الجيش .و الشيئ ذاته حصل فى الشيلي فى السبعينات إثر إنقلاب عسكري نفّذه بينوشى بتنسيق مع السي آي آي . وفى الثمانينات ، هلّل حزب العمّال الشيوعي التونسي لآكينو و ما سمّاه بالتحوّل الديمقراطي فى الفليبين و أثبتت التاريخ و التحليل الملموس للواقع الملموس للصراع الطبقي هناك مدى تهافت هكذا آراء و المجازر التي إرتكبتها آكينو فى حقّ جماهير الشعب و الشيوعيين و تخريبها فى تحالف وثيق مع الجيش و الأمريكان البلاد و إستغلال و إضطهاد العباد . و يكفى بهذا الصدد النظر إلى ما آل إليه الوضع هناك و قراءة وثائق الرفاق الماويين فى الحزب الشيوعي الفليبيني الذى قاد و لا زال حرب الشعب الماوية فى الفليبين وهو فى السنوات الأخيرة يخطو خطوات جبّارة فى التقدّم بالثورة من مرحلة الدفاع الإستراتيجي نحو مرحلة التوازن الإستراتيجي قبل مرحلة الهجوم الإستراتيجي بتضحيات تفوق التصوّر فى مواجهة كافة أجهزة دولة الإستعمار الجديد و تحطيمها و بناء دولة الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا الثورية.

و أعمق من ذلك حتى، فى العقدين الأخيرين شهد جنوب آسيا نهوضا جبّارا لحرب الشعب الماوية فى النيبال و فى الهند . و قد قاد الماويون – الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) قبل إنحرافه منذ خمس سنوات تقريبا – حرب الشعب طوال سنوات عشر ( من 1996إلى 2006) بعد فشل تجربة ما سمّاها الإصلاحيون من مدعى تبنّى الماركسية و البرجوازيين الليبراليين "ثورة ديمقراطية" حصلت فى بداية تسعينات القرن الماضي. و الجدير بالذكر أنّ من كان يقود حكومة دولة الإستعمار الجديد أو يشارك فيها كان من الحزب الشيوعي النيبالي( الموحّد الماركسي-اللينيني) الذى إرتكب جرائما لا تحصى فى حقّ الماويين و جماهير الشعب خدمة للطبقات الحاكمة و الإمبريالية. و الشيئ نفسه يمكن قوله بصدد الحزب الشيوعي الهندي و الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) اللذان كانا يحكمان ولايات/دول فى الهند و يقدّمان أجلّ الخدمات للكمبرادور و الإقطاع و حليفهما الإمبريالية متصدّين بوحشية لحرب الشعب التي يقودها الماويون الذين توحّد أهمّ تيارين منهما فى إطار الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) و هم يتصدّون اليوم لأعنف و أعتى عملية وحشية للتطويق و السحق،عملية الصيد الأخضر.

3- الديمقراطية / الدكتاتورية :

لطالما مثّل الموقف من "الديمقراطية" مسألة فى منتهى الأهمّية ذلك انّ هذه الكلمة مستخدمة بصورة فضفاضة و تعميمية تعويمية تبثّ الخيالات و الأوهام لذا وجب تسليط بعض الضوء عليها و لو بعجالة .

" فى المجتمع الطبقي يعيش كلّ إنسان كفرد من أفراد طبقة معيّنة ، و يحمل كلّ نوع من أنواع التفكير دون إستثناء طابع طبقة معيّنة " ( ماو تسى تونغ " فى الممارسة العملية") .فى هذا العالم المتميّز بإنقسام المجتمعات إلى طبقات متناحرة و عدم مساواة إجتماعية ، لا يمكن للديمقراطية إلاّ أن تكون ديمقراطية طبقة من الطبقات- او مجموعة طبقات – و لا وجود البتّة لديمقراطية لا طبيعة طبقية لها وخارج الطبقات و لا تخدم طبقة أو طبقات ضد طبقات أخرى.لا وجود "للديمقراطية للجميع". و منذ المجتمع اليوناني العبودي ،وجدت ديمقراطية و لكنها كانت ديمقراطية أسياد العبيد كما وجدت فى التاريخ المعاصر ديمقراطية برجوازية و ديمقراطية شعبية و ديمقراطية بروليتارية .

و كلّ ديمقراطية هي فى الوقت ذاته دكتاتورية أراد ذلك من أراد و كره من كره .فالواقع يؤكّد أنّ ديمقراطية الأسياد فى اليونان كانت دكتاتورية ضد العبيد و كانت الديمقراطية البرجوازية دكتاتورية ضد البروليتاريا مثلما كانت دكتاتورية البروليتاريا فى الإتحاد السوفياتي من 1917إلى 1956 و فى الصين الماوية من 1949 إلى 1976 ( بشكلين ) دكتاتورية ضد أعداء البروليتاريا لا سيما البرجوازية القديمة منها و الجديدة التى تظهر فى المجتمع الإشتراكي. و من ثمّة صار الماويون يدعون على إستعمال مفهوم الديمقراطية/ الدكتاتورية كوحدة أضداد أو تناقض معبّر عن واقع مجتمع طبقي.

و عليه نعدّ حديث من يعتبرون أنفسهم راديكاليين ضمن اليسار عن الديمقراطية بصيغ هلامية غير علمية و غير محدّدة طبقيا تنكّر من جهة للتحليل الملموس للواقع الطبقي الملموس و للنظرية اللينينية فى هذا الشأن كما صاغها لينين فى "الدولة و الثورة" من جهة ثانية و إنبطاح أمام الأوهام البرجوازية الصغيرة من جهة ثالثة و تضليل للجماهير من جهة رابعة.

و عمليا هل ستقدر الإصلاحات الديمقراطية البرجوازية الشكلية أن تعالج تناقضات نمط/أسلوب الإنتاج و البنية الإقتصادية و الفوقية لدولة البرجوازية الكمبرادورية/البيروقراطية و الإقطاع المتحالفين مع الإمبريالية لتقضي على البطالة مثلا ؟ لا هذا غير ممكن إلاّ فى مجال الخيال فالبطالة ملازمة للرأسمالية وفق تحاليل ماركس العلمية و لم تقض عليها الإمبريالية فى عقر دارها فما بالك ان تقضي عليها دولة الإستعمار الجديد المندمجة فى النظام الإمبريالي العالمي الذى لا يزرع فى المستعمرات سوى مزيد التفقير و التجويع و الإستغلال و الإضطهاد. و تجربة الفليبين من الثمانينات إلى يومنا هذا تثبت صحّة قراءتنا و مدى مجانبة الأوهام البرجوازية الصغيرة للحقيقة.

بل أكثر من ذلك حتى إن مسك أي حزب شيوعي بالسلطة فى إطار دولة الإستعمار الجديد أي الدولة القائمة دون تحطيمها و تعويضها بدولة جديدة أخرى و تغيير نمط الإنتاج و علاقات الإنتاج ...فإنّه إمّا أن يطاح به إذا حاول تجاوز الخطوط الحمر التي سترسم له و إمّا سيتحوّل هو ذاته إلى أداة فى يد الطبقات الحاكمة لإضطهاد و إستغلال الجماهير الشعبية لا لتحرّرها. و التجارب العالمية التي ذكرنا تشهد على ذلك.

موضوعيا ،تحتاج جماهير شعبنا و جماهير المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و إن لم تع غالبيتها بعد هذا، إلى ثورة وطنية ديمقراطية/ ديمقراطية جديدة عبر حرب الشعب بقيادة بروليتارية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية للقطع مع الإمبريالية و بناء دولة جديدة ، دولة الديمقراطية الجديدة فالإشتراكية بغاية بلوغ الشيوعية عالميا و تحرير الإنسانية جمعاء .و هذه الحقيقة العلمية الماركسية-اللينينية –الماوية العميقة تجد تعبيراتها واضحة جلية فى الصراع الطبقي فى الهند و الفليبين و غيرها من البلدان.

4- مثالية ميتافيزيقية أم مادية جدلية و تاريخية لمعالجة التناقضات و التقدّم بالإنتفاضة :

و قد بلغنا هذا الحدّ من النقاش ، نودّ بصفة مقتضبة التطرّق لبعض التناقضات التي تحتاج إلى المعالجة لإنارة الممارسة الثوريّة ميدانيا وفى صفوف الجماهير:

1- يعتقد البعض المنبهرين بما صنعته نضالات شعبنا بأنّه صار من المستحيل مستقبلا فقدان المكاسب المحقّقة و هذا وهم ينبغى التصدّى له فإلى اليوم و ليس مستقبلا بإمكان مناورات دولة الإستعمار الجديد حكومة و جيشا و مؤسسات و إعلام ... النجاح فى وضع القطار على السكّة التي يرغبون فيها و إعادة المسك بزمام الأمور و زمام المبادرة و لاحقا الإلتفاف على مكاسب الشعب الحالية .و الحال أنّ الإعلام و الشرطة و حتى الجيش شرعوا فى ممارسة شتى الضغوطات على الجماهير لتفكّ الإعتصامات وتكفّ عن طرد المجرمين من رؤساء بعض المؤسسات و لتلتزم بالعودة إلى الإستقرار و للقبول بالحكومة الحالية و بقيّة أجهزة السلطة و عدم المساس بها مستعملين فى ذلك من ناحية التنازلات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و من ناحية أخرى فزّاعات لا تحصى : فوضى و إفلاس و مصلحة البلاد و حبّ تونس ...و مع وجود إمكانية إنتصار الشعب فى الإطاحة بحكومة الغنّوشي ثمّة إمكانية تدخّل الجيش ليضع إدارة شؤون دولة الإستعمار الجديد بين ايديه و يفرض إن لزم الأمر ما يرسمه والإمبريالية بالحديد و النار.

وتاريخيا فى تونس، ليتذكّر الجميع ما آل إليه إنفتاح مزالي فى الثمانينات و إنفتاح الرئيس الجنرال المخلوع و تمكينه حتى حزب العمّال و النهضة من جرائد قبل الإنقضاض عليهما و على الشعب عامة.و طالما ليس للشعب جيش يحميه و يحمى مكاسبه فإن الرجعية قادرة على الإلتفاف عليها بشتى السبل. و إلى ذلك نضيف أنّ حركة التاريخ لولبية و إمكانيات التراجع و الإنتكاسات واردة جدّا فالبروليتاريا بعد مسكها بسلطة عدّة دول لا سيما فى الإتحاد السوفياتي و الصين خسرتها جميعها!

2- يلاحظ متتبّع بيانات و كتابات التيارات التي ننقد تركيزها الإحادي الجانب على المطالب الآنية التكتيكية دون التطرّق للمطالب و الشعارات الإستراتيجية و هذا منها خطير إذ هو يفصل التكتيك عن الإستراتيجيا و يجعل التكتيك يلتهم الإستراتيجيا بمعنى تحويل التكتيك إلى إستراتيجيا و إحلاله محلّها و هكذا يصبح ما حصل "ثورة". ويشهد التاريخ بأنّ حزب العمال الشيوعي التونسي حوّل تكتيك الحريات السياسية إلى إستراتيجيا حيث لم يغيّر هذا التكتيك لعقود و عندما لاحت فى الأفق إمكانية تحقيق هذه الحريات السياسية الديمقراطية البرجوازية الشكلية بات يتحدّث عن "ثورة".

3- لاحظ الكثيرون أنّ الأحزاب والمجموعات السياسية - فى هذا الصدد يجب الإعتراف بأنّ حزب العمّال كان أفضل بكثير من الوطنيين- لم تكن تقود الجماهير مطالبا و تنظيما و برمجة بقدر ما كانت تتبع الجماهير التي كانت تفرض و ترفع سقف المطالب يوما فيوما .التيارات ( و هذا قد لا يصحّ هذا على أفراد) التي تعتبر نفسها طليعة ألفيناها متذيّلة لحركة الجماهير المتسمة فى بداياتها أساسا بعفوية كبيرة و التي بلغت نضجا معيّنا ،و لا نقول وعيا طبقيا ،مكّنها من إنجاز تحرّك تاريخي هو زحف الجهات صوب العاصمة وهو أمر لم يخطر على بال جميع المشاركين فى" جبهة 14 جانفي"، على حدّ بياناتهم و علمنا.و اليوم أضحى من الضروري أن تعالج القوى التقدّمية هذا التناقض و تطرح برامجا و مبادرات تحافظ على زخم الحركة الشعبية و ترفع من وعي الجماهير و إستعدادها للمقاومة بشتى الأشكال لتحول دون إنتكاسة ممكنة و لتحقّق ما أمكن من المكاسب مراكمة النضالات لمعارك قادمة.

4- و فى إرتباط بما تقدّم ، تتعيّن معالجة علمية و عملية لتناقض المركزة /عدم المركزة بمعنى انّه على القوى التقدّمية أن تخلق نواة لها فى كلّ مدينة و قرية إن أمكن و أن تعدّ برامجا و أشكال تنظيم و عمل راهنا و لاحقا .و فى العاصمة، ينبغى عدم تركيز كلّ القوى فى نقطة واحدة-فى بطحاء محمّد علي أو ساحة القصبة- إذ ينبغى إستنهاض الجماهير فى الأحياء و الأسواق و الضواحي و تخصيص قوى لا سيما قوى شبابية لإبلاغ البيانات و تنظيم نقاشات و الردّ على تساؤلات الجماهير لرفع وعيها ...ليتفاعل المركز مع الأطراف فى علاقة ترابط جدلي أخذا و عطاء لإستنهاض أوسع الجماهير لتصنع التاريخ ف" الشعب، و الشعب وحده، هو القوّة المحرّكة فى خلق تاريخ العالم" ( ماو تسي تونغ -1945).

5- و قد شرعت الجماهير فى مؤسسات و جهات فى خلع المسؤولين التجمّعيين أو المتورّطين فى القمع و النهب و السرقة و الرشوة ، يتعيّن معالجة تناقض الهدم / البناء بتشجيع عملية طرد من يعتبر عدوّا للجماهير و إنتفاضتها و لكن من جهة أخرى ينبغى الحذو حذو بعض المناطق المتقدّمة أي النهوض بعملية البناء بإفتكاك السلطة و تغيير المسؤوليات و إنشاء لجان متنوّعة تملئ الفراغ فى السلطة و تعوّد الجماهير على تصريف شؤونها و شؤون المنطقة عموما و تمكّنها من بذل أقصى الجهود لتحقيق المطالب الشعبية المرفوعة فى المنطقة أو فى البلاد بأسرها وليكن الشعار اليوم لتنظّم الجماهير و القوى التقدّمية عملية الهدم و البناء!. ----------إنتهى---- شيوعي ماوي – تونس فى 24/01/2011 .
==============================================================
2- تعليق مقتضب على بيان حزب العمل الوطني الديمقراطي بمناسبة غرة ماي والذكرى الثانية للإعلان عن تأسيسه.
" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظرية و أن يتخلصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أن الاشتراكية ، مذ غدت علما ، تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلب أن تدرس .و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمال بهمة مضاعفة أبدا..."( انجلز ، ذكره لينين فى "ما العمل؟")
" التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون إليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي " (ماو تسي تونغ :خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية ، مارس 1957 )
------------------------------------------
بمناسبة عيد العمال العالمي أتحفنا "العود" ببيان إسترعى إنتباهنا و إستحق منا شيئا من التعليق فهو بيان يمكن تلخيص فحواه بالمضي إلى أبعد مدى فى الإنحطاط الشرعوي الإصلاحي الليبرالي فى قطيعة تامة مع الفكر البروليتاري الثوري .
من العنوان نلمس التوجه من الإنتهازية إلى إنتهازية أشمل و أعمق حيث أمسى عيد العمال العالمي عيدا للشغل و بذلك يتم إنكار الصفة الطبقية لهذا العيد و يستحيل إلى عيد العمال و الأعراف على حد السواء وهي صيغة ليبرالية تريد الإلتفاف على البعد الطبقي البروليتاري لهذا اليوم العالمي و طمسه و من هنا يردد العود المفاهيم التى لجأ إليها النظام كما لجأت إليها البيروقراطية النقابية لتخدير وعي العمال الطبقي .
و العمال فى البيان المهزلة لمن يدعون زورا أنهم من الماركسيين يناضلون "للحصول على نصيب عادل من الثروة التى ينتجونها " و يتطلعون "إلى مجتمع تسوده العدالة الإجتماعية و المساواة " . عن أي " نصيب عادل " يتحدثون ؟ متى كان ما يحصل عليه العمال نصيبا عادلا؟ أين المفاهيم الماركسية عن فائض القيمة و عن أساليب الإنتاج الطبقية الإستغلالية و عن ضرورة الإطاحة بالدول المبنية على إستغلال الإنسان للإنسان و ضرورة دكتاتورية البروليتاريا كشكل دولة طوال المرحلة الإشتراكية الممتدة من الرأسمالية إلى الشيوعية ؟
ثم إن العمال لا يناضلون من أجل "مجتمع ..." حسب "العود" بل يتطلعون لذلك فقط مجرد التطلع !!! تاريخيا و راهنا لم يبذلوا و لا يبذلون دماءهم و أنفسهم من أجل الثورة البروليتارية العالمية بتياريها الثورة الإشتراكية و ثورة الديمقراطية الجديدة الممهدة للثورة الإشتراكية و لم يقوموا بثورات مظفرة و لم يحققوا تاريخيا تجربة مسك سلطة فى عديد البلدان و لا يخوضون اليوم فى نفس السياق نضالات أخرى قصد إفتكاك السلطة السياسية و بناء مجتمع بديل ثوري ، ديمقراطي جديد أو إشتراكي وهدفهم الراسخ ،هدف الماركسية هو الشيوعية ، كل هذا لا يقومون به و إنما هم يتطلعون لا غير !!!
و أي " مجتمع تسوده العدالة الإجتماعية و المساواة " ؟ إن كانوا يقصدون المجتمع الطبقي مهما كان فهذه مغالطة قديمة تصدى لها منظرو الشيوعية من عقود و لا نحتاج الخوض فيها الان و إن كانوا يحيلوننا على المجتمع الشيوعي ،وهو أمر مستبعد بحكم توجه الجماعة التحريفي الليبرالي ، فلماذا لم يستعملوا المصطلح وهو متداول حتى لدى أعداء الشيوعية من كل رهط . إن تعويلهم على هذه الصيغ الهلامية الزئبقية غير المحددة علميا هو تعويل على خطاب برجوازي ليبرالي ممجوج يتبرؤون به من الإشتراكية و الشيوعية – و هما مصطلحان على فكرة غير موجودين فى البيان أصلا . و هكذا يؤكد جماعة "العود" مجددا توبتهم و تملصهم الكلى و التام من ما سبق و روجوا له من خطاب مع إحتفاظهم لدى من لم يفقه بالعمق اللازم جوهرهم الشرعوي البرجوازي الليبرالي بقناع الإنتماء إلى "اليسار" .
و هذا العود الذى يدعى زورا و بهتانا تكريس "الأفكار التقدمية و الخط الوطني الديمقراطي و التوجهات العقلانية النيرة " يشدد فى نقطة أولى على أنه "متشبث بحقه فى العمل القانوني و مقر العزم على مواصلة السعي للحصول على كل حقوقه التى لا يزال محروما منها " فهو حينئذ لن يناضل من أجل ما سماه حقوقه و إنما س" يسعى" و لن يفتك تلك الحقوق و إنما س" يحصل عليها " منّة من النظام الحاكم ! و قد تخلى عن النضال الثوري نراه هنا يتخلى عن النضال عموما حتى بالمفهوم الليبرالي .
وفى نقطة لاحقة كغيره من الأحزاب الكرتونية أو التى تعمل على أن تكون كذلك يعزف معزوفة " إتخاذ إجراءات إنفراجية عاجلة " خوفا من أن تتعرض "البلاد إلى هزات خطيرة ... و إلى غير ذلك من الأخطار " و بذلك يقدم "العود" النصح للنظام من ناحية و يستجدى منه الإجراءات الإنفراجية العاجلة التى لن تتخذها سوى السلطة الحاكمة .و عليه ما يدعو إليه العود أبعد ما يكون عن خوض صراع طبقي جماهيري و شعبي لفرض ما يمكن فرضه من حقوق الشعب وفق موازين القوى و عن تعويد الجماهير على إفكاك حقوقها و ممارستها فى الواقع تحضيرا لإحداث نقلة ثورية تجعل هذه الجماهير سيدة نفسها و مصيرها و تمارس سلطتها / دكتاتوريتها على أعدائها .
و لئن إعتبر "العود" المطالب الإجتماعية العمالية "معقولة " (هكذا !) و تحدث عن "الصراع الوطني و الإجتماعي " فمن "موقع مسؤوليته و تشبثه بقواعد النضال الديمقراطي " . لقد صار الجماعة يخشون حتى مصطلح "الصراع الطبقي " مع أنه فى حد ذاته لا يجعل مستعمليه ماركسيين فقد إستعمله ، كما إعترف ماركس نفسه بذلك صراحة ، مفكرون برجوازيون قبله ف"ليس بماركسي غير الذى يعمم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بدكتاتورية البروليتاريا " (لينين،" الدولة و الثورة " ) و الجماعة منذ نصوصهم الأولى قد أسقطوا دكتاتورية البروليتاريا من قاموسهم و إعتبروا من تمسك بها من الدغمائيين و الإنعزاليين و ما إلى ذلك من الأوصاف .
فضلا عما سبق نلفت النظر إلى أن "العود" فى بيانه المهزلة يساند "نضالات الشعوب و الأمم الضطهَدة عبر مختلف قارات العالم و يثمن إنتصاراتها فى العديد من الأقطار و خاصة فى أمريكا اللاتينية ". و بهذا شأنه شأن كافة الإصلاحيين المدعين الماركسية أو حتى الماركسية –اللينينية يضخمون ما يحدث فى بعض بلدان أمريكا اللاتينية و ينفخون فيه ليحولوه بعصا سحرية مثالية لا تقرأ الواقع بطريقة علمية و طبقية من منظور بروليتاري إلى إنتصارات ديمقراطية و شعبية وصلت حد نعتها بالإنتصارات إشتراكية و أحيانا شيوعية !
فقد وردت مثلا فى "صوت الشعب " العدد 253 فيفري /مارس 2007- جريدة حزب العمّال الشيوعي التونسي، فقرة فى مطلع مقال "الحلف المعادي للإمبريالية الأمريكية يتدعم " و على لسان "رفآل كوريا " يتبناها المقال وهي تقول : " كأنها معجزة قلبت الحكومات العميلة و نمطها الإقتصادي النيوليبرالي ، و بدأ ظهور أمريكا لاتينية حرة و مستقلة و إشتراكية فى القرن 21" (التسطير منا)
و يختتم المقال بفقرة أخرى عظيمة الدلالة :
" إنها بداية النهاية للهيمنة الإمبريالية. و على الشعوب العربية الوعي بذاتها و على أحزابها التقدمية و الثورية و كل فصائل المجتمع المدني التوحد حول برنامج وطني معاد للإستعمار و الصهيونية و العملاء من الحكام العرب (هكذا ثمة حكام غير عملاء! ) ، مستلهمين فى ذلك الدروس من الشعوب الصديقة فى أمريكا اللاتينية و من تجربة اليسار فى تلك البلدان الإستخلاصات و العبر الضرورية ."
لا يستلهم الإصلاحيون الدروس من الصراع الطبقي المسلح فى البيرو و الهند و الفليبين إلخ الذى يقوده الشيوعيون الماويون بغرض التغيير الراديكالي للمجتمع والقضاء على الدولة القائمة و تحقيق دولة الديمقراطية الجديدة بل أنكى من ذلك يتبعون إزاءها سياسة النعامة فيتجاهلونها و لا يذكرونها و لو بكلمة و يساهمون فى التعتيم الإعلامي المضروب حولها. بالعكس مصدر إستلهام الدروس لديهم هو الأحزاب و المنظمات "اليسارية " ذات التوجهات الجبهوية والبرلمانية العاملة فى إطار الأنظمة القائمة و المدعية الماركسية و حتى الماركسية –اللينينية مغالطة للجماهير الشعبية ومردّ ذلك بسيط ألا وهو أن الإصلاحيين هم أنفسهم بما هم إصلاحيون يتغيون العمل ضمن إطار الدولة القائمة وفى حدودها لا أكثر .
أما نشرية "الإشتراكية العلمية هي الحل " العدد 35 ، ديسمبر 2006 – نشرية الوطد - فطلعت علينا بمقال معنون "فى نيكاراغوا : عودة زعيم الجبهة السندينية أورتيغا إلى الحكم هل تعنى عودة الشيوعية إلى هذا البلد ؟ " و هذا العنوان ذاته يفيد أن نيكارغوا كانت شيوعية حتى تعود إليها الشيوعية و هذا تخريج ينم عن عدم التفرقة بين الشيوعيين الحقيقيين و الشيوعيين المزيفين و التحريفيين عموما . و المجال لا يسمح بالتوغل فى تفاصيل برنامج و خط و ممارسات الجبهة السندينية قديما و حديثا و لكن من اللازم إبداء الملاحظات التالية :
1- يتحفنا المقال الذى يحل الخيال محل الواقع بأن أورتيغا شيوعي ( جميل جدا هذا الأورتيغا الشيوعي - فى حين يعتبر الجماعة ماو تسى تونغ برجوازيا صغيرا !) و الجبهة الساندينية "معادية للإمبريالية و الأنظمة الرجعية الأخرى " شيوعية "قادها الشيوعيون "، هذه الجبهة ( و ليست حزبا و هذا فى حد ذاته لمن لديه أدنى معرفة بعلم الثورة البروليتارية العالمية مناقض للينينية ) التى كانت تحريفية الفكر و الممارسة و عميلة الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية .
2 – كما يتحفنا المثاليون ذوى الخيال المريض بأن "مضت الجبهة بعد وصولها إلى السلطة فى إنجاز برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية "! و "دعمت الجبهة العالمية المعادية للإمبريالية " ! و هذا يعنى شيئا واحدا هو أن هؤلاء الذين يدعون الماركسية –اللينينية لا يعتبرون الإمبريالية الإشتراكية إمبريالية و هذا ليس بالغريب من أناس قد غرفوا الأفكار الواردة فى" بحثهم" التشويهي لماو و لتاريخ البروليتاريا العالمية : "هل يمكن ..." من الأفكار التحريفية السوفياتية مقتفين أثر أنور خوجا .
و ننصح من يود الحقيقة - و الحقيقة وحدها هي الثورية – بصدد الجبهة السندينية فعليه على الأقل بالنظر فى برنامج الجبهة بتفرعاتها و تحالفاتها وهي خارج السلطة وكذلك وهي فى السلطة و فى الفترة الأخيرة وخلال الإنتخابات و أيضا عليه بالإطلاع على مواقف أورتيغا القديمة و الجديدة من قضية المرأة و الكنيسة إلخ و الكثير من هذا فى المتناول على الأنترنات .
" على الشيوعيين أن يكونوا مستعدين فى كل وقت للتمسك بالحقيقة ، فالحقيقة ،أية حقيقة ، تتفق مع مصلحة الشعب . و على الشيوعيين أن يكونوا فى كل وقت على أهبة لإصلاح أخطائهم ،فالأخطاء كلها ضد مصلحة الشعب " ( ماو تسى تونغ ، الحكومة الإئتلافية ، م3) .
===================================================
3- قراءة فى بيانات المجموعات" اليسارية" حول العدوان على غزّة.

عند إطلاعنا على بيانات هذه المجموعات ( ولن ننظر فى بيان "المود" المدافع عن الأنظمة العربية الرجعية والداعي للتوحد معها إذ نحن نعتبر أنهم غادروا سفينة "اليسار" منذ عقود الآن) نستنتج ان المجموعات المتحدثة زيفا باسم الشيوعية لاتعبر في الحقيقة الا على اراء اشتراكية ديمقراطية عامة في تناقض كلي وتطلعات البروليتاريا والشعب العربي نحو التحرر من كافة أشكال الإستغلال القومي و الوطني و الطبقي و الجندري بل إنها تروج لمفاهيم وأفكار رجعية سائدة أو تقدمية فى العام. أعدنا القراءة مرارا وتكرارا فإستفزنا ما سطّر فى تلك البيانات التى كتبها قادة محنكون يختارون بدقة متناهية كلماتهم لتعبر بصرامة عن فكرهم وتوجهاتهم لذلك نصوغ في ما يلي ملاحظات سريعة مساهمة منّا فى دفع الصراع حول مسائل اساسية مثل الأهداف و المبادئ و النظرة و المنهج الشيوعيين والمسالة الوطنية الخ.

1- عن الأهداف و النظرة الشيوعيين الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة :

تفتقد هذه البيانات غالبا للأهداف و المبادئ و النظرة و المنهج الشيوعيين رغم ادعاء اصحابها الانتماء الى الفكر الشيوعي وهي تعكس في احسن الاحوال الافكار السائدة والتوجهات "الوطنية " أو"البرجوازية الديمقراطية" عامة.
على طول هذه البيانات وعرضها يظل الغائب البارز هو البعد الطبقي تحليلا وموقفا ومنهجا. ويطغى على هذه البيانات التوجه الوطني المسموح به امبرياليا والذي لا يربط التحرر الوطني بالنضال ضد الامبريالية والعملاء كما يطمس النضال ضد الاقطاع والقوى الظلامية هذا فضلا عن عزل المسالة الوطنية عن التحول الاشتراكي وبالتالي عن البعد الاممي للنضال. إن إهدار البعد الطبقي موقفا ووجهة نظر ومنهجا يضع هذه المجموعات فى خانة اليمين. وبالفعل فما من بيان دعا إلى تغيير العالم ثوريا وبأهداف شيوعية وفى موضوع الحال ما من بيان رفع راية تحرير فلسطين تحريرا للأرض والبشر، للبلاد والعباد من منظور شيوعي شامل كجزء من تحرير الإنسانية قاطبة من جميع أشكال الإضطهاد والإستغلال وحين نعلم أن الحركة الشيوعية فى القطر عانت ولا تزال من فقدان الهدف الأسمى وربطه بالتكتيكات والمعارك المرحلية أو الآنية ومن إنحرافات وتذيّل للقومجة والخونجة جريا وراء تحالفات ووحدة دون صراع وعلى حساب الفكر والمبادئ الثوريين وبالتنازل عنهما، نطلق سفارة الإنذار : إن الإستقلالية الفكرية والسياسية للبروليتاريا ليست فى خطر فحسب وإنما هي بالتاكيد لاتقدر على التنفّس وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة ! فهل نسكت عن هذا أم نخوض صراعا مبدئيا لتجاوز هذه الإنحرافات المميتة ؟ من موقعنا، بلا أدنى شك ، ندعو ونعمل على إيلاء القضية الأهمية التى تستحق فى النضال على الجبهات الثلاث النظرية والسياسية والإقتصادية و نسعى للتشديد على أهمية الجبهة النظرية المهملة كلّيا تقريبا. وما مساهمتنا هذه إلا دليل على ذلك .

2- عن التوجه الأممي :

فى إرتباط وثيق بالنقطة السابقة، رصدنا إنحرافا آخر بالغ الدلالة بشأن الفهم الشيوعي للاممية البروليتارية. فحزب العمال الذى يضع إلى جانب عنوان جريدته ، اللسان المركزي للحزب ،"صوت الشعب" شعار" يا عمال العالم إتحدوا!" ( هكذا فقط دون و"شعوب العالم وأممه المضطَهَدة " و ليس هذا مجال التعليق على هذا الإنحراف و مغزاه ) فى الفقرة الأخيرة من بيانه يدعو " كافة القوى المعادية للإمبريالية والصهيونية فى الوطن العربي وفى العالم إلى التحرك وتفعيل التضامن مع الشعب الفلسطيني لوقف أعمال الإبادة التى يتعرّض لها ". ولايذكر تحديدا الحركة العمالية أو البروليتارية أو الشيوعية العالمية وإنما يلجأ إلى صيغة تعميمية تعويمية لا غير!
بينما ورد فى أعلى بيان " الكتلة " المنشقة عن حزب العمال والتى صارت معروفة ب "الحزب الإشتراكي اليساري" :" يا عمال العالم وشعوبه وأحراره إتحدوا ضد العدوان الصهيوني وضد الإمبريالية ". وبهذا تغيّب الأمم وتغيّب صفتها وصفة الشعوب ونقصد " المضطهَدَة " وتحلّ محلّها مفردة من مفردات البرجوازية الليبرالية التى طالما نقدها ماركس وإنجلز، هي " أحراره " ذات الطابع الرومنسي وغير المضبوط طبقيا وغير الواقعية فى عالم رأسمالي –إمبريالي. وحسب المبادئ الماركسية فان الأمم التى تضطهد أمما أخرى ليست أمما حرّة ولا حرّية للإنسانية فى ظل الإضطهاد والإستغلال الرأسمالي –الإمبريالي الرجعي ولن تبلغ البشرية مملكة الحرية كما سماها إنجلز إلآ بحلول الشيوعية عالميا .
زيادة على ذلك يدعو "الحزب الإشتراكي اليساري" إلى الوحدة "ضد العدوان الصهيوني وضد الإمبريالية " بما يخوّل لنا ملاحظة غضّ النظر عن الرجعية العربية المتورّطة والمتواطئة والمشاركة فى ضرب المقاومة ليس فى فلسطين فقط بل فى الأقطار العربية كافة. هذا من ناحية اما من ناحية ثانية فان الوحدة وفق جماعة هذا الحزب ليست ضد الصهيونية كما هي ضد الإمبريالية وإنما ضد"العدوان الصهيوني " بمعنى عدم معاداة الصهيونية على طول الخط وما يؤكّد ذلك متن البيان الذى لا يتحدث عن ضرورة القضاء على الكيان الصهيوني البتة إلى جانب بيان"المبادرة" الذى تشمل ضمن منخرطيها هذا الحزب. وما يجب الوقوف ضده حسب رأيهم هو هذا العدوان والطابع العدواني أما الكيان الصهيوني ككلّ والمشروع الصهيوني الإستعماري الإستيطاني وحق الشعب الفلسطيني فى تقرير مصيره فيجرى التعامي عنهم وما يزيد هذا الإستنتاج تأكدا ورسوخا هو أن الفقرة الأخيرة من البيان الذى نحن بصدده لا تعرج على تحرير فلسطين ولا على تحطيم الكيان الصهيوني بل تتحدث بلغة الخطاب السائد والرسمي تقريبا قائلة : " إننا واثقون أن الشعب الفلسطيني سوف يعرف كيف يفرض وحدة فصائله من أجل الظفر بحقوقه المشروعة وبناء دولته المستقلّة وعودة اللاجئين إلى ديارهم".

ويخاطب بيان" الوطنيون الديمقراطيون" "أحرار العالم" بنفس المفاهيم البرجوازية عوض مخاطبة الحركة العمالية أو البروليتارية أو الشيوعية العالمية وحركات التحرر الوطني عبر العالم. وتزداد هذه النزعة تأكدا مع الشعارات ذات الدلالة الوطنية العامة المتّسمة بصبغة قومية ضيقة لا أممية والمستعملة لكلمة "حرّة " بذات المعنى الهلامي:-"عاشت حركة التحرّر الوطني العربية. وعاشت فلسطين حرّة أبية على الغاصبين ".
وهنا نفتح قوسين لنشير إلى أن البيان الذى وزّع مباشرة من يد ليد إنطوي فقط على "عاشت حركة التحرّر الوطني العربية " بينما ذلك المنشور على الشبكة العنكبوتية، الإنترنت، حمل تتمة لذلك الشعار "على طريق التحرر والوحدة والإشتراكية " فهل يعكس هذا خلافا داخليا فى وجهات النظر أم سقط الجزء الثاني سهوا ؟ ثم ما مدى علاقة هذا الجزء من الشعار بالشيوعية ؟ وألا يترجم هذا تذيلا للقومجة ؟ مع التذكير بشعارات القوميين "وحدة حرية إشتراكية "و"حرية إشتراكية وحدة "، نترك لهم الإجابة.
ويلمع بتألق حزب العمل بإنغلاقه القومي الشوفيني وتناسيه تماما للحركة البروليتارية العالمية ولحركات التحرّر وللقوى التقدمية فى العالم مما ذكرنا ولو للحظة بالمنهل الفكري الأول لبعض قياداته. وهو يدعو " كل القوى السياسية الوطنية واليسارية التقدمية وكل القوى الديمقراطية المناضلة...". ويبرز هذا إنحرافا من جملة إنحرافاته عن الشيوعية ،إنحرافا يمينيا جعله يخلط عمدا بين مبادئ الشيوعية ورموزها ومعلميها وبين الأفكار التحريفية البرجوازية ويجرى وراء العمل القانوني فى ظل النظام العميل والديمقراطية الإستعمارية .
ويهمّنا هنا بإعتبار مشاركة حزب العمل والحزب الإشتراكي اليساري فى "المبادرة " أن نشير إلى أن بيان هذه الأخيرة جاء كما هو متوقع أولا طافحا بلغة الحزب الشيوعي [التحريفي] التونسي سابقا ومن ذلك مناشدته "جميع قوى السلم والحرية فى العالم للضغط بغاية ردع المعتدى وإيقاف الجريمة " وثانيا متضمنا مغالطات فجة وطمسا للحقائق والوقائع ومن ذلك" فى ظلّ عجز واضح لجميع دول العالم بما فيها الدول العربية ".
و من هنا ، نستشف تغطية على مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية على أكثر من نطاق فى دعم الكيان الصهيوني الذى ليس سوى كلب حراستها فى الشرق الأوسط وبالتالي نستشف تمسّح "المبادرة" على أعتاب الإمبريالية الأمريكية بعدما كان المدّعى الحزب الشيوعي التونسي زورا وبهتانا يتمسح على أعتاب الإمبريالية السوفياتية. فما قول حزب العمل الذى يدعى أنه وطني ديمقراطي فى هذا التوجه ؟ و هل يقدر على التمايز معه أم هو غارق فيه أيضا إلى العنق؟

أماّ الوطد فى نصهم "العدوان الإمبريالي الصهيوني الرجعي على شعبنا فى فلسطين(غزّة) : الخلفيات و الأبعاد" فمن ناحية ، يعربون عن أن "الهبات الجماهيرية البطولية التى إكتسحت شوارع كل الأقطار العربية و عدد هام من البلدان فى العالم ..."
و لا يحلّلون القوى التى وقفت وراء تلك الإحتجاجات فى بلدان لم يذكروا حتى أسماءها و مدى مساهمة الشيوعيين فيها و كأن الأمر ثانويا للغاية لا يأبه له و كأن الطبقة العاملة ليست واحدة عالميا بالنسبة لهم وهم يدعون تمثيلها ! و من ناحية ثانية ، يعتبرون أن "النضال ضد الإمبريالية و الصهيونية و الرجعية هو نضال أممي ما فتئ ستوسع و يحتد يوما بعد آخر." و لا يشرحون بأي معنى هو كذلك و عن أي أممية يتحدثون و هم ينأون بها عن الصفة الطبقية لها فى عالم منقسم إلى طبقات و مجتمعات طبقية ؟ و هكذا فى نصهم هذا الموسوم بصبغة وطنية عامة بالأساس و ليس من منظور شيوعي صارم يغيّبون الأممية البروليتارية بأكثر من وسيلة فضلا عن أنهم واقعيا و منذ عقود منغلقين عن ذاتهم و بالكاد يعرفون فتات معلومات عن الصراعات و النضالات داخل الحركة الشيوعية العالمية و تكريس فعلي للأممية البروليتارية نحو و إيجاد مركز وحدة شيوعية ثورية و بناء أممية جديدة إلى جانب تقييم تجارب الماضي فى هذا المضمار و إستخلاص الدروس الإيجابية منها و السلبية. و نشير بعجالة إلى أن المنهج المثالي الذاتي ( الذى يذكّرنا بإدعاء أن الوطد كان فى طليعة ما سمّاها البعض بإنتفاضة الخبز) فى تأكيد "نضال أممي ما فتئ يتوسّع و يحتد يوما بعد آخر" حيث لا يعكس حقيقة الواقع عالميا و يشوّه المادية الجدلية التى لا ترى أن التطوّر يحصل بصورة خطّ تصاعدي دون تراجعات و إنتكاسات وإلتواءات و منعرجات. و على سبيل المثال فليبيّنوا لنا كيف أن هذا النضال "يتوسع و يحتدّ يوما بعد آخر" فى القطر أو فى الجزائر أو فى ليبيا و ما إلى ذلك.

3- عن الرجعية العربية :

نقرأ فى بيان حزب العمال أنه " يدعو كافة التونسيات والتونسيين إلى التعبير عن غضبهم وعن مساندتهم لإخوتهم وأخواتهم فى غزة الشهيدة . كما أنه يدعو كافة القوى المعادية للإمبريالية والصهيونية فى الوطن العربي وفى العالم إلى التحرّك لتفعيل ...".
و يهدف هذا التعميم من خلال استعمال كلمة ( "كافة" ) الى غض النظر عن موقف النظام القائم وعمالته ورجعيته .
" عملاء الأمريكان ، شركاء فى العدوان" بهذا صدحت حناجر الجماهير عاكسة ما لمسته لمس اليد من وقائع فاقعة وبذلك تكون هذه الجماهير أكثر تقدما ووعيا من حزب العمال وقيادته فى المسك بحقيقة الوقائع الدامغة والجرأة على التعبير عنها فى وجه النظام العميل .
وفضلا عن ذلك يلجأ حزب العمال إلى خطاب رجعي إخوانجي قومي شوفيني فى دعوته للمساندة من منطلق الروابط الدموية " إخوتهم وأخواتهم " فينحطّ بالوعي بدلا من الإنطلاق من عدالة قضية حق تقرير المصير وطابعها الإنساني ومناهضة الإستعمار والصهيونية وجرائمها وإنتصارا للنضال الوطني للشعب العربي الفلسطيني. ويترافق هذا الإنحطاط مع نظرة إحادية الجانب تقدم "غزة الشهيدة "و تنسى غزة المقاومة .
وإن دعا حزب العمال "التونسييين والتونسيات" للتعبير عن غضبهم فإنه لم يحدّد ضد من يتوجه هذا الغضب أي لم يوجه إصبع الإتهام والغضب ضد الإمبريالية والصهيونية والأنظمة العربية الرجعية. وهذه الأخيرة هي بالذات الغائب البارز فى بيان حزب العمال ! فضلا عن ان عبارة "كافة التونسيين" تشمل الطبقات الحاكمة وتذكرنا كذلك بالاطروحة التروتسكية للأمة التونسية.
وبالوضوح نفسه تقريبا ومنذ العنوان "ضد العدوان الصهيوني وضد الإمبريالية " ، يتعمّد "الحزب الإشتراكي اليساري" عدم النبس ببنت شفة عن ضرورة إدانة الرجعية العربية وهو فى ثنايا البيان لاحقا يعرّج على "صمت الدول العربية " وليس على عمالتها أوخيانتها أو تواطئها أو مشاركتها أو كلها معا ويحثّ على العمل " لحمل الأنظمة على التحرّك من أجل الضغط لإيقاف العدوان " لا لفضح عمالتها ومشاركتها فى الجريمة .

فى حين أن بيان "الوطنيين الديمقراطيين" حمل على "صمت وتواطؤ الأنظمة العربية الرجعية " ورماها دون تخصيص وتحديد بالخزي والعار " الخزي والعار للعملاء الخونة " بيد أنه لم يحضّ على فضحها وضرورة الإطاحة بها .
والشيئ عينه يمكن قوله بشأن بيان حزب العمل الذى بدوره دون تخصيص وتحديد هاجم " أطراف عميلة " و " تواطؤ عربي من أنظمة باتت حريصة على تصفية المقاومة والإنخراط فى مسار التطبيع مع العدو الصهيوني " و" الخزي للصهاينة والإمبرياليين وعملائهم " وما تحدث عن ما يجب القيام به شيوعيا وشعبيا تجاه هذه الأنظمة العميلة التى يودّ أن يعمل فى ظلّ قوانينها الرجعية وديمقراطيتها الإستعمارية .
و نمضى إلى بيان "المبادرة" التى ينضوى تحت رايتها كلّ من الحزب الإشتراكي اليساري وحزب العمل، وفيه يتم الحديث عن "عجز النظام العربي الرسمي عن إتخاذ إجراءات دنيا لحماية الشعب الفلسطيني وردع العدوان " وتحميل الدول العظمى "والدول العربية مسؤولية ترك العدوان يتواصل دون إتخاذ إجراءات حازمة لإيقافه". وهكذا فان"مسؤولية" الأنظمة العميلة ليست التواطؤ والمشاركة فى الجريمة والعمالة والتطبيع مع الكيان الصهيوني وإنما تقف مسؤوليتها عند " ترك العدوان يتواصل" فيتفادى من إدعوا الشيوعية سابقا وهي منهم براء ومن يدعون "اليسارية والديمقراطية " راهنا توصيف هذه الأنظمة حتى بأنها رجعية فما بالك بأنها عميلة وبذلك يقطعون أشواطا أخرى فى مغالطة جماهير الشعب وفى تمسحهم على أعتاب النظام العميل مثلما تمسحوا على أعتاب الإمبريالية الأمريكية .

و جاء نص الوطد المذكور أعلاه واضحا منذ عنوانه فى إدانة الرجعية التى إتبرها مشاركة تماما إلى جانب الإمبريالية و الصهيونية فى العدوان على غزّة. و كذلك من الجلي فيه أن " كل الأنظمة العربية دون إستثناء عميلة و متواطئة بهذا الشكل أو ذاك مع العدوّ." و أن مشاريع الإمبريالية و الأنظمة العربية المتعلّقة بالقضية الفلسطينية " "حلول إستسلامية" إلاّ أن هذا النصّ لم يتعرّض هو الآخر إلى الدولة التونسية و نظامها بصفة مباشرة مثلما لم يشرح بشيئ من التفصيل ما الذى ينبغى القيام به فى هذه المعركة وإكتفى بعبارة "النضال""ضد الإمبريالية و أداتها الصهيونية والأنظمة العربية الرجعية العميلة".

4- عن المقاومة :

بينما نعت بيان حزب العمال غزة بأنها "شهيدة" (فى لغة دينية ممجوجة) مغفلا بنظرة إحادية الجانب/ المظهر الآخر لواقع غزة ونقصد غزة المقاومة ، ذكر فى مكان آخر المقاومة ضمن هذه الصيغة : " لا تفاهم مع الصهاينة النازيين إلا بالمقاومة " . حسنا من الأكيد أن قيادة حزب العمال المتمرّسة لعقود الآن تفقه جيدا أن كلمة مقاومة كلمة عامة لأنها قد تنطبق على أشكال متنوعة من المقاومات التى تمتدّ من المقاومة السلبية إلى المقاومة النشيطة ومن اللائحة والعريضة إلى حمل البندقية، فعن أية مقاومة تتحدث ؟ هل يكتفى الشعب الفلسطيني بشكل المقاومة من خلال اللوائح و العرائض مثلا؟!!! ما لم يجرأ حزب العمال ولا حزب العمل ولا الحزب الإشتراكي ولا الوطنيون الديمقراطيون..( طبعا لا" المبادرة ") عن التصريح به فى بياناتهم هو مفهوم "المقاومة المسلحة " أو الكفاح المسلح وأسباب ذلك قد تتقارب أو تتباعد لكن هذا بالنسبة للشيوعيين الثوريين حقا تنازل فى المبادئ وخفض شديد فى سقف البرنامج والخطاب السياسي الإستراتيجي والتكتيكي وإنحراف عن نهج الثورة وهو علاوة على ذلك مغالطة للجماهير سيما و ان منها من أطلق حناجره مردّدا مع من ردّد " ثوار ثواّر بالشعب المسلح نكمّل المشوار " وفوق ذلك كله هو نظرة مثالية تنكر واقع الكفاح المسلح المتفجّر فى أكثر من مكان سواء فى الوطن العربي أو فى العالم،علما وأن الكفاح المسلح لينينيا وماويا إمتداد للنضال السياسي بشكل عنيف. ومن منطلق شيوعي ثوري ماركسي-لينيني-ماوي فى هذا المضمار ثمة شعار يفيد الغرض "حرب الشعب هي الحلّ ضد الرجعي والمحتل" وكلمة رجعي تؤدى المعنى أفضل من الخائن الذى يبدو وكأنه متنكّر لعهد بينه وبين الشعب نكثه وغيّر بذلك طبيعته والحال أننا نعتبر هذه الأنظمة عميلة ورجعية أصلا وما تأتيه ناجم عن طبيعتها التى لم تتغير والشيئ من مأتاه لا يستغرب .
وفى بيان الحزب الإشتراكي لا ذكر البتة حتى لمفردة "مقاومة " ناهيك عن مقاومة مسلحة !
وغايته فى آخر البيان بلهجة وخطاب رسمي سائد " دعم دائم للقضية الفلسطينية "،لا للشعب الفلسطيني وحقه فى تقرير مصيره ولا للمقاومة المسلحة ولا للثورة الفلسطينية، فقط " القضية الفلسطينية "! ولا دعوة للتعبير عن الغضب ولا للتنديد بالرجعية ! وتهربا من أي حرج فى هذا المجال، وتجنبا للإشارة للمقاومة المسلحة ولكيفية تحرير فلسطين يعمد إلى صيغة هلامية تحيل هي الأخرى على الخطاب الرسمي السائد :" إننا واثقون من أنّ الشعب الفلسطيني سوف يعرف كيف يفرض وحدة فصائله من أجل الظفر بحقوقه المشروعة وبناء دولته المستقلّة وعودة اللاجئين إلى ديارهم ".
والحقيقة أن بناء الدولة المستقلّة كما أثبت الواقع بجلالته لن تبنى إلا على أنقاذ الكيان الصهيوني ولن يعود اللاجئون إلا بعد تحطيم دولة الإستعمار الإستيطاني. وترويج وهم الدولتين يضلّل الشعب بخصوص طبيعة الصهيونية وأهدافها ويسدّ أمامه الأفاق الأرحب ويضغط عليه ليقبل بالأمر الواقع وتأبيد الإضطهاد والإستغلال القومي والوطني والطبقي والجندري/النوع الإجتماعي فى إطار ليس خارج ولا هو على أنقاذ عالم تهيمن عليه الإمبريالية والصهيونية والرجعية .

وإن شعار" الوطنيين الديمقراطيين" فى ختام بيانهم :"عاشت حركة التحرر الوطني العربية " لا يغنى من جوع فأين هي حركة التحرر الوطني العربية ؟ وما هي قياداتها وبرامجها وآفاقها ؟
ثمّ هل يظلّ الوطنيون الديمقراطيون يردّدون مفاهيما عفى عليها الزمن والتاريخ إذ نظنهم مدركون أنه لا وجود من منظور بروليتاري، فى عصر الإمبريالية والثورة الإشتراكية وفى القرن الواحد والعشرين، لحركة تحرر وطني تحقق التحرر الوطني الفعلي ولا تتحول إلى عميلة لإمبريالية من الإمبرياليات. وما تقدر على التحرر الوطني والإجتماعي هي حركة التحرر الوطني الديمقراطي فى المستعمرات وأشباهها أي بكلمات أدق بروليتاريا حركة الثورات الوطنية الديمقراطية /الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا وكتيار من تياري الثورة البروليتارية العالمية (التيار الآخر هو الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية-الإمبريالية).
نعتقد أن الوطنيين الديمقراطيين واعون أو عليهم أن يعوا أن حركة التحرر الوطني الديمقراطي/ الديمقراطية الجديدة لن تنجز مهامها التاريخية وتعبّد الطريق للثورة الإشتراكية وقياداتها رجعية أو برجوازية صغيرة أوبرجوازية وطنية. ونرجو أن يدرسوا هذه القضايا على ضوء أحداث القرن العشرين والواحد والعشرين وتجارب الصراع الطبقي عربيا وعالميا ليستخلصوا الدروس اللازمة. ونحن كشيوعيين ماويين مقتنعين تمام الإقتناع بشعار "لا تحرير لا حرية دون قيادة عمالية " وأكثر من ذلك صرنا موقنين بانه لا ثورة وطنية ديمقراطية/ديمقراطية جديدة عبر إستراتيجيا حرب الشعب طويلة الأمد كجزء من الثورة البروليتارية العالمية دون قيادة بروليتارية شيوعية ماوية ونبذل جهدنا للمساهمة فى جعل الماوية تقود الموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية بغايتها الأسمى تحقيق لا أقل من الشيوعية عالميا.
وورد ذكر مفردة المقاومة فى بيان "العود" فى الجملة التالية : "...أطراف عميلة تسعى لتصفية النضال الوطني والإجهاز على مشاريع التحرّر التى تمثّل المقاومة عمادها الأساسي ". عن أي مشاريع تحرّر يتحدثون ؟ ما هو مضمونها الطبقي وما هي أساليبها الرئيسية والثانوية ؟ هذا فضلا عن كون كلمة مقاومة مشحونة بدلالات غير مضبوطة وماركسيا لا تفيد شكلا معينا وبالأخص لا تفيد الكفاح المسلح ولا حرب الشعب. فإذا كان المقصود هو الكفاح المسلح أو حرب الشعب فلماذا لم يعرب عن ذلك صراحة ونحن نعلم أن قيادة "العود" لا يعوزها الوضوح بهذا الشأن بمعنى أنها إختارت عمدا عامدة هذه الصيغة التى تبدو ثورية وهي فى الواقع غير ثورية وغير شيوعية وغير دقيقة لغويا أيضا. ويتهرب حزب العمل –العود- من استعمال عبارات توحي باي شكل من اشكال العنف كما يتجنب استعمال عبارة صراع طبقي لتخليه عن المفاهيم الشيوعية ولخوفه من القانون الرجعي الذي يعاقب كل من يدعو الى العنف او يقرّ بمبدأ الصراع الطبقي.
ومثلما سألنا الوطنيين الديمقراطيين نسأل "العود" أن يبيّن دون مراوغة لقواعده وللجماهير طريق تحرير فلسطين تحريرا للأرض والشعب للبلاد والعباد ليس من الإستعمار الإستيطاني فحسب بل من ربقة العالم الإمبريالي ومن الرجعية أيضا.

ورد فى وثيقة الوطد التى مرّت بنا :" إن الوقائع الميدانية تؤكد بما لا يدع مجالا للشكّ
أن القضية الفلسطينية لن تقبر و أن حلها يكمن فى خيار الحرب الشعبية الثورية و الكفاح المسلح لتحرير كلّ فلسطين من الإستعمار الإستيطاني و عملائه هناك فى إرتباط وثيق بتحرير الوطن العربي". هذه الصيغة و إن ركّزت على الشكل الأساسي و الرئيسي للمقاومة بما هو " الحرب الشعبية الثورية و الكفاح المسلح" فإنها تنطوى على هنات نسوق بصددها الملاحظات التالية : أولا ، ما المقصود بالحرب الشعبية الثورية؟ ما هي أسسها و ما هي مبادؤها ؟ و ما هي مراحلها ؟ و من يقودها و من يشارك فيها ؟ إلخ من الأسئلة التى لا ندّعى أنه كان لزاما أن يجاب عنها فى النص ذاته و لكننا نثيرها راجين من الوطد تقديم إجابة شافية عن مفهومهم هذا. و ثانيا ، إن الوقائع الميدانية " أكّدت" فى الماضي و "تؤكد " حاضرا أن حق الشعب العربي الفلسطيني فى تقرير مصيره ثابت و لكن من المثالية و ليس من المادية الجدلية نفي قبر القضية الفلسطينية مستقبلا ( لن تقبر) فهذه حتمية تتناقض مع المنهج الشيوعي فمن يضمن عدم قبرها فى المستقبل القريب أو البعيد إذا تظافرت جهود كافة الرجعيين و لم تنشأ قوى شيوعية ثورية حقيقية لتقود الشعب ليس لتحرير الأرض فقط و إنما لتحرير الإنسان أيضا و ليس "فى إرتباط وثيقة بتحرير الوطن العربي "( مرّة أخرى يقفون عند حدّ الوطن العربي و يلتفون على الأممية البروليتارية !) فقط بل بتحرير الإنسانية جمعاء و بلوغ الشيوعية عالميا. من الأكيد و ما أكدته الوقائع أيضا هو أنه " لا تحرر لا حرية دون قيادة بروليتارية ، شيوعية ماوية "و أنه "لا حركة ثورية دون نظرية ثورية" و أن الطبقات التى تقود حركة التحرّر الوطني- بإستثناء البروليتاريا - تنزع إلى الإرتماء فى أحضان الإمبريالية و الرجعية عاجلا أم آجلا و إلى عدم القطع مع النظام الإمبريالي العالمي و العمل فى إطاره . هذا ما دلّلت عليه تجارب حركات التحرّر الوطني منذ القرن العشرين.

5- عن الوحدة الوطنية الفلسطينية :

تجدر الملاحظة أن بيان حزب العمال - إضافة إلى نصّ الوطد الذى سنعود إليه لاحقا- هو الوحيد الذي وجه إصبع الإتهام لليمين الفلسطيني المستسلم إلى جانب الأنظمة العربية الرجعية على تواطئها مع الإمبريالية والصهيونية (" تواطؤ الأنظمة العربية الرجعية واليمين الفلسطيني المستسلم") غير أنه لم يحدّد ممثل هذا اليمين المستسلم وكيفية تواطئه عمليا وما الذى ينبغى القيام به. وبعد ذلك يؤكد حزب العمال :" إن القوى الوطنية الفلسطينية مطالبة فورا بوعي أن لا بديل لوحدتها الوطنية فى مواجهة الإحتلال وأن الإختلافات والصراعات الفئوية لا يستفيد منها غير العدوّ المشترك". وكذلك لا يوضّح من هي القوى الوطنية المعنية وهل يدخل ضمنها اليمين الفلسطيني المستسلم أم لا؟ والحديث عن الوحدة دون تعيين أرضية وبرنامج هذه الوحدة وشجب الصراعات فضلا عن كونه يعني سياسيا الجري وراء الوحدة مهما كانت قاعدتها و مهما كان أساسها ( وهو ما يذكرنا بتحالف حزب العمال مع تيارات رجعية ضمن "حركة18 أكتوبر" ) وهذا التصرف يطمس ضرورة خوض الصراع من اجل بناء وحدة ثورية أو على الأقل تقدمية وتجاوز " اليمين الفلسطيني المستسلم" كما يتضمن هذا الموقف التنكر للفهم السليم للمادية الجدلية القائلة بأن الصراع مطلق والوحدة نسبية ومؤقتة وعرضية (عن لينين وماو تسى تونغ ). وإلى ذلك لا يتعين مطلقا الإستهانة بالصراعات والإختلافات فالصراع هو أصل ومصدر الحركة والحياة، هو النمو والتطوّر كما يقول إنجلز فى "جدلية الطبيعة" وقد نبّه لينين فى " ما العمل؟" إلى خطورة وأهمية العناية بشرح الخلافات لأن مستقبل الحركة الشيوعية – ويمكن سحب هذه الحقيقة حتى على حركات التحرّر الوطني الديمقراطي - مرتبط بها إذ كتب : "يمكن لغلطة تبدو لأول وهلة "غير ذات شأن " أن تسفر عن أوخم العواقب ،و ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق والتحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له. فعلى توطد هذا "الفرق الصغير" أو ذلك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية –الديمقراطية [الشيوعية] الروسية لسنوات طويلة، طويلة جدا ". (لينين ، "ما العمل؟" ،الفقرة الخاصة ب "إنجلز وأهمية النضال النظري " ضمن كتاب "ماركس إنجلز الماركسية "، دار التقدم ، موسكو، الطبعة العربية ، صفحة 154 ).
و ينفرد الوطد بفضح جوانب من حقيقة حماس من ناحية تاريخها و أفقها وهي مسألة صائبة فى تقديرنا و ينبغى أن يتمّ خوض النضال اللازم لتدركها جماهير الشعب و ليس فقط بعض الفئات أو بعض الأفراد لكن من حقّنا هنا أن نطالب الوطد بأن يحللوا لنا من و ماذا يقصدون ب "الشقّ العميل من حركة فتح" و نسألهم هل بفتح شقّ غير عميل ؟ و ما هي الأسس البرنامجية و الممارسات العملية التى خولت لهم بلوغ مثل هذه الإستنتاجات التى لا نودّ إطلاق وصف عليها الآن ؟ هذا من ناحية و من ناحية أخرى ، نودّ منهم من منطلق ماركسي-لينيني على حدّ تعبيرهم هم تعليل واقعيا ملموسا جعلهم لدور الجبهة الشعبية و الجبهة الديمقراطية فى القتال الميداني دورا أساسيا و نشدّد على"أساسيا" وبينما نذكّرهم بأن الجبهتين كانتا مرتبطتين بالإمبريالية السوفياتية و برنامجهما المرحلي لا يخرج عن إطار دويلة ضمن النظام الإمبريالي العالمي القائم فإننا نرجو أن يشرحوا و بالتفصيل اللازم موقفهم من الجبهتين آخذين بعين الإعتبار كونهم (الوطد) يدعون تبنى الماركسية-اللينينية و أنهم عادوا الإمبريالية الإشتراكية .

ويندب بيان الحزب الإشتراكي " تمزّق الوحدة الفلسطينية " و " إنقسام القيادة السياسية بشكل لم يعد يمكنها من أن تضع المصلحة الوطنية الفلسطينية فوق كل إعتبار". ومن هنا نلمس إنكار هذا الحزب للواقع وبالتالي مثاليته أضف إليها تهرّبه من إتخاذ موقف ضد الحلول الإستسلامية وممثليها فى صفوف الفلسطينيين بما يفيد أنه لا يودّ التفريق بين المتواطئين والعملاء وغيرهم ولا يريد الجماهير أن تعي وتميّز بدورها بينهما غير أن الجماهير التى شاركت فى المسيرات والتجمعات أبرزت أنها أقدر من قيادة هذا الحزب على قراءة الواقع وأحداثه الجلية دون نظارات تحريفية وإصلاحية فتفاعلت أيما تفاعل مع شعارات نذكر منها "عملاء الأمريكان شركاء فى العدوان " وأحيانا أشارت بجلاء لرموز العملاء فى صفوف الفلسطينيين ب" أبو مازن و دحلان شركاء فى العدوان" .
ومسار الصراع الطبقي الفلسطيني ليس فريدا من نوعه فى هذا الصدد حيث أن فى المستعمرات وأشباهها توجد برجوازية كمبرادورية /بيروقراطية تخدم مصالح الإمبريالية وتشكل إلى جانب الإمبريالية هدفا لنضال الشعب بمعنى وحدة أضداد/ تناقض إمبريالية وعملاءها من جهة والشعب من الجهة الأخرى والبرجوازية الصغيرة والبرجوازية الوطنية المتذبذبتان فى معاداة الإمبريالية والرجعية غير القادرتين فى عصرنا هذا عصر الإمبريالية والثورة الإشتراكية ، على قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية /الديمقراطية الجديدة والمضي بها إلى نهايتها ومن ثمة تحت الضغط الإمبريالي والمدّ الشعبي تلتحقان بصفّ الإمبريالية والرجعية، علما وان تذبذب البرجوازية الصغيرة لا يعني البتة انها طبقة رجعية بل تظل طبقة ضمن الشعب و طبقة يمكن أن تكون ثورية معنية مباشرة بالثورة الوطنية الديمقراطية بقيادة البروليتاريا التى عليها جلبها إلى خندق الشعب قولا و فعلا ضد الأعداء الإمبرياليين و الرجعيين بكافة أصنافهم.
وهذا الحزب الذى يدعى الإشتراكية واليسارية وهو منهما براء يطمس هذا التناقض فيضع الشعب وأعداءه فى خندق واحد شأنه فى ذلك شأن جميع المجموعات التى تسعى جاهدة وتعمل فى إطار دولة تحالف الإمبريالية –الكمبرادور-الإقطاع والديمقراطية الإستعمارية وتذرّ الرماد على المسألة الوطنية وعمالة النظام برمته.
إلى ذلك يبدو أن قادة هذا الحزب "واثقون أن الشعب الفلسطيني سوف يعرف كيف يفرض وحدة فصائله " ما هو المضمون الطبقي لهذه الوحدة ؟ سؤال يتجنبه هؤلاء كمن يتجنب الطاعون لأن الخوض فيه والإجابة عليه سيضطرهم لفضح رؤاهم الرأسمالية اليمينية وليس"الإشتراكية اليسارية ". وما معنى "الحقوق المشروعة " ؟ وما معنى طبيعة " الدولة المستقلة " ؟ هل بالإمكان أن تنشأ هذه الدولة والكيان الصهيوني قائم الذات؟ ان الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها تعنى كشف المستور وكشف حقيقة مدعى الإشتراكية واليسارية الذي طعن إنتفاضة الحوض المنجمي فى الظهر فى كراسه حول الحوض المنجمي .

و" الوطنيون الديمقراطيون" ينقدون "صمت وتواطؤ الأنظمة العربية الرجعية " كما ينقدون "مسار التسوية و الإستسلام" و ينهون بيانهم ب" الخزي و العار للعملاء والخونة " غير أنهم لا يحدّدون رموز التسوية والإستسلام ولا القوى السياسية والطبقية التى تقف وراءهما فلا يساهموا فى رفع وعي المناضلين والمناضلات والجماهير بل يشيعون خطابا بعيدا عن التحليل الملموس للواقع الملموس. وهم يدعون إلى " الوحدة على أرضية الثوابت الوطنية للثورة الفلسطينية " فنستخلص أنهم يستعملون خطابا مناقضا للمنهج البروليتاري حيث يحصرون أرضية الوحدة ب " الثوابت الوطنية للثورة الفلسطينية " دون أن يفصلوها .هذا علاوة على أن "الثوابت " لم تكن أبدا وطوال عقود ثابتة بل كانت متحركة كل مرّة فى إتجاه مزيد التفريط فى الأدنى وتقديم التنازل تلو التنازل أحيانا مجانا. وحتى "الثابت" الذى يمكن أن يعود إلى السبعينات فهو لدى كافة قيادات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التى غدت منذ عقود الآن فاسدة وأداة بيد الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية ،"ثابت" التنازل عن تحرير كامل فلسطين بتعلات متنوعة ومن أجل برنامج مرحلي متقلص بإستمرار يتلخص عمليا فى دويلة دون سيادة فى ظل الإستعمار الإستيطاني الصهيوني. ونلفت إنتباه
" الوطنيين الديمقراطيين" إلى أن ما نفهم من كلامهم على أنه القوى الوطنية الفلسطينية – الجبهات – رسمت لنفسها سقف" البرنامج المرحلي " وأنها تاريخيا كانت مرتبطة بالإمبريالية الإشتراكية السوفياتية التى كانت تعتبرها صديقة للشعوب. ونظرا لأن واقع السبعينات والعقود التالية مغاير لواقع اليوم ، أيظن الوطنيون الديمقراطيون أنه بإمكان الجبهات أو حزب الشعب أو حماس والجهاد أن يقودوا تحرير فلسطين ( إذا كانوا يعنون ب"الثوابت "تحرير فلسطين" )؟ أيمكن لممثلى الطبقات الرجعية والبرجوازية الصغيرة وحتى البرجوازية الوطنية – التى أعلنت الجبهة الشعبية خيانتها للثورة منذ الثمانينات- أن تقود وتنجز الثورة الوطنية الديمقراطية /الديمقراطية الجديدة فى عصر الإمبريالية والثورة الإشتراكية وفى القرن الواحد والعشرين وعلى ضوء التجارب المكدسة ؟ هذه بضعة أسئلة على هؤلاء الإجابة عنها فى نصوص أخرى ليوضحوا لنا موقفهم ولينيروا الجماهير إن كانت أجوبتهم صائبة من منظور بروليتاري ثوري.
وحزب العمل /العود ليريح ويستريح خيّر عدم التطرّق أصلا لما يسمى بالوحدة الوطنية الفلسطينية ونادى ل"نصرة أهل غزّة" وختم بيانه ب "عاش صمود الجماهير المناضلة فى فلسطين". ولكن بيان "المبادرة " التى إليها ينتمى حزب العمل /العود يعرب عن كل الثقة فى قدرة الشعب الفلسطيني على تجاوز..."فى إطار بناء الوحدة الوطنية الضرورية لمجابهة العدوّ المشترك". وبالطبع على أي أسس طبقية ستقام هذه الوحدة؟ و بأية أفاق؟ توضع هذه المسائل جانبا فالمهمّ أن توجد وحدة " لمجابهة العدو المشترك" دون تحديد هذا الأخير وهل أن "اليمين الفلسطيني المستسلم " (وفق عبارات "حزب العمال") جزء من هذه الوحدة أم هو يعدّ عدوا مشتركا بدوره؟
يعتمد بيان "المبادرة" على لغة إنشائية مائعة على غرار " محنة " و" أوقات عصيبة " ويغلب على بيانات غالبية المجموعات خطاب الدعوات إلى الوحدة بلا أسس ومضامين طبقية وبرنامجية واضحة وجلية لتحرير الأرض والإنسان كذلك فالوحدة السياسية يفرضها " العدو المشترك " الذى لا ندرى من هو على وجه الضبط وحسب أية معايير طبقية حدّد. والوحدة ضمن "المبادرة" كما رأينا وحدة رجعية إنتهازية تتمسح على أعتاب الإمبريالية الأمريكية والنظام العميل القائم الذى تعمل فى إطار تأبيده وتضلّل الجماهير الشعبية وبعض المناضلين والمناضلات الشرفاء. والوحدة حتى فى صفوف غالبية المجموعات التى ننقد وحدة غير شيوعية ،غير ثورية ينبغى كسرها عبر الصراع، وتجاوزها لأجل وحدة أخرى على قواعد شيوعية ثورية صلبة. والوحدة السياسية أو النقابية المعتمدة على التذيّل للقومجة والرجعية والإنتهازية والبيروقراطية والكفّ عن خوض الصراعات المبدئية ضدها وحدة أبعد ما تكون عن الثورية والتقدمية. لذا وجب شنّ الصراع فى سبيل وحدة أخرى نضالية تقدمية وإن أمكن ثورية. بالصراع نبنى الوحدة التقدمية أو الثورية ونطوّرها كذلك بالصراع وفى إطار الوحدة الجبهوية السياسية والنقابية مثلا من المفروض أن يحافظ الشيوعيون على إستقلاليتهم الفكرية وعلى حقهم فى خوض الصراع الإيديولوجي والسياسي. وتعتبر المادية الجدلية ان الصراع مطلق والوحدة نسبية كما أشرنا أعلاه وبالتالى لا تنفى الوحدة ولا يجب أن تنفي الصراع لذلك ينبغى كسر الوحدة الرجعية من أجل بناء وحدة قوامها برنامج وأساليب وممارسات تقدمية و ثورية .

خاتمة :

نستخلص مما سبق أن المجموعات المدعية الإنتماء إلى المرجعية الشيوعية أو المحسوبة عليها بتخليها عن أهداف الشيوعية الحقيقية، الثورية و نظرتها و منهجها وإنحرافها عنها ، تكشف أنها لم تعد تمثّل طلائع أو طليعة تقود الجماهير بقدر ما صارت تضلّلها وتحرفها عن طريق الفهم المادي التاريخي والمادي الجدلي والعلمي للعالم من أجل تغييره. كما تكشفت عن كونها غدت متخلفة نسبة حتى لتطوّر أفكار الجماهير المتسمة بالعفوية. وباتت على عكس ما نظّر له لينين فى "ما العمل؟" متذيلة للعفوية وللجماهير وللفكر السائد عوض أن تكون طليعة بروليتارية ترفع وعي الجماهير الطبقي وتقودها للقضاء على النظام العالمي السائد سواء قطريا أو عربيا أو عالميا فالبروليتاريا وبقية الطبقات الشعبية لن تأخذ مصيرها بيدها وتصنع التاريخ طالما ترزح تحت وطأة الفكر الرجعي وهي غير ماسكة بأسس الشيوعية الثورية كسلاح من الأسلحة التى تجعلها قادرة على النضال من أجل القضاء على الإضطهاد والإستغلال القومي و الوطني والطبقي والجندري/ النوع الإجتماعي .
ومن الأكيد أن للهجمة الشرسة على الشيوعية وإدعاء موتها ونهاية التاريخ- ضمن عديد الأسباب الأخرى المتنوعة والمتداخلة والمعقدة- تأثير سلبي على الشيوعيين وخاصة منهم الذين لم يسعوا لدراسة الهجمة والردّ عليها نظريا وعمليا ولكن من الأكيد أيضا أن الذين وضعوا أعينهم وتوجههم على القانونية والعمل القانوني فى ظلّ النظام العميل والديمقراطية الإستعمارية إضطروا لتقديم التنازلات تلو التنازلات لينالوا رضا النظام فصاروا "مسؤولين "جدا ، جدا فى خطاباتهم وسلوكاتهم نابذين لبّ الشيوعية الحقيقية وتبنوا اطروحة الوفاق الطبقي والمصالحة الوطنية وتخلوا نهائيا عن اطروحة الصراع الطبقي والنضال الوطني وبلا أدنى شكّ أن الإنحراف الإقتصادوي النقابوي نخر بعض المجموعات التى فقدت الأفق والمبادئ والأساليب الشيوعية وإنحلت لتصبح تيارات نقابية همها الوحيد والأوحد هو الحصول على مواقع باعتماد كل الاساليب بما في ذلك التحالف مع البيروقراطية ممثلة النظام داخل الحقل النقابي وبأساليب إنتهازية وصولية بحتة على حساب المبادئ التى تدعى تبنيها في حين انها تمارس عكسها. لقد تمكّن النظام من ترويض وإستيعاب البعض الذى أمسى يتطلع للعمل القانوني العلني ومن إعادة البعض الآخر الذى حصر كل نشاطه تقريبا فى الحقل النقابي القانوني العلني هو الآخر إلى حضيرته ومن توظيفه بشكل أو آخر لخدمة مصالحه. ففقدت "شيوعية "هذه المجموعات ثوريتها وإستقلاليتها وإنحدرت إلى هوّة الإصلاحية والشرعوية والقانونية والنقابوية وغيرها من الآفات القاتلة.
لقد مثلت" إنتفاضة غزة" بالقطر حدثا جماهيريا بارزا كسر الحصار البوليسي الذى يعاني منه الشعب بيد أن هذه المجموعات أهدرت إمكانية حقيقية للتقدم خطوات نحو الردّ العملي الميداني والنظري على موت الشيوعية سيما وأن الوضع المحلي والعربي وحتى العالمي مناسب للغاية فالشيوعيون الثوريون عالميا لم يبخلوا بإستنهاض الجماهير لمساندة و دعم الشعب العربي الفلسطيني ويشهد النظام الرأسمالي-الإمبريالي العالمي أحد أشدّ أزماته الإقتصادية والمالية بما فتح مجالا لدحض الترهات حول النظام الرأسمالي كأفضل نظام ممكن ولعودة الإهتمام الواسع بالشيوعية وبماركس كأحد أهم رموزها وكذلك لدفع حرب الشعب بقيادة شيوعية ماوية إلى الأمام فى كثير من البلدان وبوجه خاص فى آسيا و أمريكا اللاتينية والإعداد للثورة الإشتراكية فى أوروبا وأمريكا من خلال تأسيس منظمات وأحزاب جديدة وبناءها و توسيع القاعدة الإجتماعية للأحزاب والمنظمات التى نشأت منذ سنوات أو عقود.
-----------------------------------
ماوتسى تونغ :

- إن الحرب هي إمتداد للسياسة ". إن الحرب بهذا المعنى هي السياسة ، و الحرب نفسها عمل سياسي . و لم يحدث قط منذ أقدم العهود أن نشبت حرب لم يكن لها طابع سياسي .
- بدون جيش شعبي لن يكون هناك شيئ للشعب .

- تعلمنا تجارب الصراع الطبقي فى عصر الإمبريالية بأن الطبقة العاملة والجماهير الكادحة لا تستطيع إنزال الهزيمة بالبرجوازيين وملاك الأراضي المسلحين إلا بقوّة البنادق .

- إن الثورات والحروب الثورية لا يمكن تجنبها فى المجتمع الطبقي ، وبدونها يستحيل تحقيق أي قفزة فى التطوّر الإجتماعي ،والإطاحة بالطبقات الحاكمة الرجعية ، ليظفر الشعب بالسلطة السياسية .

- لا يوجد فى العالم شيئ إلا وله طبيعة مزدوجة ( هذا قانون وحدة الأضداد)، وكذلك تتصف الإمبريالية وجميع الرجعيين بطبيعة مزدوجة، فهم نمور حقيقية، وفى الوقت نفسه نمور من ورق.

==========================================================
4- الديمقراطية القديمة البرجوازية أم الديمقراطية الجديدة الماوية .

لا زال مفهوم الثورة الديمقراطية الجديدة غامضا أو مشوّها لدى الكثيرين ،إن لم يكن مجهولا تماما. فقلّة هم المناضلون و المناضلات ، في أوساط الحركة الشيوعية العربية لا سيما الشباب منهم ،الذين يعرفونه حق المعرفة فى الوقت الحالي. في الستينات و السبعينات و إلى حدود معيّنة فى بدايات الثمانينات ، كان أكثر رواجا و إنتشارا إلاّ أنّ الماويين فى الأقطار العربية باتوا أقلّ تأثيرا و إستعمالا لهذا المفهوم لصالح مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الذى شابته تشويهات لا تحصى. لذلك إنسجاما مع مفاهيم الحركة الماوية العالمية و توضيحا لمفهوم الثورة الديمقراطية الجديدة للرفاق و الرفيقات وللأجيال الجديدة ، نصوغ هذا المقال ونرجو من القرّاء شيئا من رحابة الصدر لطول بعض الإستشهادات التي نراها ضرورية لملامسة مختلف جوانب الموضوع الذى نحن بصدده و للردّ بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الترهات و الخزعبلات و التشويهات التحريفية و الرجعية للماوية.
1 – ديمقراطية أم ديمقراطيات :
----------------------------------
لعلّ قول إنّ الديمقراطية ديمقراطيات قد يصدم أصحاب الرؤى المثالية و القوالب الجاهزة بينما فى الواقع طبقيا. فمنذ العبودية وجدت الديمقراطية فكانت ديمقراطية أسياد العبيد و فى نفس الوقت مظهرها الآخر ، دكتاتورية على العبيد المشكّلين للسواد الأعظم للشعب. و بعد ذلك عرفت الإنسانية ديمقراطية / دكتاتورية الإقطاعيين و النبلاء ضد الأقنان و تاليا الديمقراطية/ الدكتاتورية البرجوازية ضد البروليتاريا فى المجتمعات الرأسمالية ( و الرأسمالية الإمبريالية منذ القرن العشرين و بلوغ الرأسمالية مرحلتها العليا الإمبريالية). و بفضل الثورة الإشتراكية بقيادة شيوعية فى روسيا، شهد الإتحاد السوفياتي زمن لينين و ستالين ديمقراطية/ دكتاتورية البروليتاريا كما شهدت الصين الماوية ديمقراطية جديدة/ دكتاتورية الديمقراطية الشعبية إلى أواسط الخمسينات فديمقراطية /دكتاتورية البروليتاريا إلى حدود الإنقلاب التحريفي لسنة 1976 و إعادة تركيز الرأسمالية هناك .(1)
و تعلّمنا الماديّة التاريخية أنّ الطبقة ( أو الطبقات ) الحاكمة تمارس الديمقراطية فى صفوفها و تسمح حتى لمعارضيها من الطبقات الأخرى الذين يقبلون بإطار دولتها و لا يطالبون سوى ببعض الإصلاحات بهوامش من ديمقراطيتها غير أنّها تمارس الدكتاتورية المتستّرة أو المفضوحة ضد أعدائها من الطبقات الأخرى الذين يعملون فى سبيل تحطيم دولتها و الثورة عليها و إيجاد دولة بديلة تحكمها طبقة أو طبقات أخرى تجعل من الطبقة(الطبقات) السائدة و المهيمنة سابقا طبقة (طبقات) مسودة و مهيمن عليها و عرضة لدكتاتورية الطبقة (الطبقات) الحاكمة الجديدة. و ليس من المستغرب أيضا أن تلجأ الطبقة أو الطبقات الحاكمة ، فى ظروف معينة من تطوّر الصراع الطبقي،إلى إستعمال العنف و الدكتاتورية حتى ضد فئات من صفوفها إذا ما إقتضت المصالح العامة للطبقة أو الإئتلاف الطبقي الحاكم ذلك كما لا يستغرب أبدا أن تعمد الطبقة أو الطبقات الحاكمة إلى تقديم تنازلات إقتصادية و إجتماعية و سياسية - ديمقراطية برجوازية- إن لزم الأمر فى ظرف تاريخي معيّن من تطوّر الصراع الطبقي محلّيا و عالميّا من أجل المحافظة على حكمها و دولتها لتعود لاحقا إلى الإلتفاف على هذه الإصلاحات البرجوازية كلّما خوّل لها ذلك ميزان القوى الطبقي و مدى تطوّر الصراع الطبقي أو فرضه عليها سير نظامها و مصالحها الآنية و البعيدة المدى.
ومسألة ذات صلة بما نحن بصدده هي مسألة الأقلية والأغلبية.و فى هذا المضمار أكّد التاريخ أنّ ديمقراطيات/دكتاتوريات أسياد العبيد و الملوك و النبلاء و البرجوازيات كانت بلا مراء ديمقراطيات/ دكتاتوريات الأقلّية ضد الأغلبية فالطبقات الحاكمة لم تكن تمثّل إلاّ نسبة مائوية قليلة جدّا من المجتمع. و بالمقابل كانت الديمقراطية الجديدة فى الصين فى المناطق المحرّرة ثمّ فى الصين قاطبة من 1949 إلى أواسط الخمسينات ديمقراطية/دكتاتورية الأغلبية ضد الأقلية ، ديمقراطية/دكتاتورية الطبقات الثورية – الأغلبية بقيادة البروليتاريا وهم من العمّال و أقرب حلفائهم الفلاحين الفقراء ثمّ الفلاحين المتوسطين و البرجوازية الصغيرة المدينية و فئات من البرجوازية الوطنية - ضد الأقلية و هم أعداء الثورة من إمبرياليين و كمبرادور و إقطاع .
و خلال مرحلة بناء الإشتراكية و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا فى الصين منذ أواسط الخمسينات إلى أواسط السبعينات ،عرفت الصين ديمقراطية/ دكتاتورية البروليتاريا المتحالفة مع الفلاحين الفقراء خاصة وهي أيضا ديمقراطية/ دكتاتورية الأغلبية بقيادة البروليتاريا و حزبها الطليعي الماوي آنذاك، الحزب الشيوعي الصين ، ضد الأقليّة من البرجوازية القديمة منها و الجديدة التي تظهر داخل الدولة و الحزب البروليتاريين.و إبّان الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كطريقة و وسيلة لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، تمّكنت جماهير الكادحين بقيادة ماويّة من منع إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين لعقد (فضلا عن مكاسب أخرى ليس هذا مجال تفصيلها) و تكريس ديمقراطيتها و دكتاتوريتها على أوسع نطاق عرفه تاريخ البشرية، فى الأرياف و الحقول و فى المدن و المصانع وفى الحقل الثقافي إلخ و مارست اهمّ حقّ من حقوقها السياسية ألا وهو حقّ التحكّم فى وسائل الإنتاج و الدولة و الحزب القائد للدولة البروليتارية و توجيه المجتمع صوب الشيوعية . و بذلك كانت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التي هزّت الصين و العالم هزّا والتى شرّكت إلى أقصى حدّ الجماهير الشعبية فى الصراع الطبقي من أجل المضيّ قدما فى بناء الإشتراكية فالشيوعية أعلى قمّة بلغتها البروليتاريا العالمية فى تكريسها للديمقراطية/ الدكتاتورية البروليتارية فى سيرها نحو الشيوعية و إلغاء كافة الطبقات و كافة أنواع الإضطهاد و الإستغلال.
و إذن من مغالطات البرجوازية و تضليلاتها الحديث عن ديمقراطية كتعبير مطّاط و بصفة عامة دون ربطها بالطبقة أو الطبقات التي تستفيد منها و الطبقات التي تمارس عليها الدكتاتورية ،المظهر الآخر الملازم لأية ديمقراطية ،كوحدة أضداد أو تناقض.و فى المجتمع الطبقي، من الحقائق الموضوعية أنّه لا وجود لديمقراطية فوق الطبقات أو خارجها وليس هناك طبعا بالنسبة لمن يتبنىّ وجهة النظر البروليتارية للعالم و المنهج المادي الجدلي و المادي التاريخي ديمقراطية للجميع مثلما يدافع عنها أتباع المنطق الشكلاني البرجوازيين لتضليل الجماهير.و فى عالم اليوم ، عالم القرن الواحد و العشرين ، لم تعد هناك (و منذ 1976) أية ديمقراطية/ دكتاتورية بروليتارية بينما تتواصل الديمقراطية /الدكتاتورية البرجوازية الإمبريالية مهيمنة فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية وهي تفرض فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات شكلين أساسيين لدول الإستعمار الجديد حسب تطوّر الصراع الطبقي ؛ شكل ديمقراطية دولة الإستعمار الجديد أو شكل فاشية دولة الإستعمار الجديد. "الديمقراطية هي شكل للدولة ،نوع من أنواعها" ( لينين "الدولة و الثورة" ص106).و نظرة سريعة على ما يحصل فى العالم لعقود تأكّد ذلك بلا أدنى شكّ.
و لا ينبغى أن ننسى أو نتناسى أنّ حتى البرجوازية الإمبريالية عادة ما تعتمد الشكل الديمقراطي للحكم إلاّ أنّها فى فترات معيّنة من إحتداد الصراع الطبقي تلجأ إلى الشكل الفاشي لصيانة دولتها و مصالحها الطبقية و تاريخيا ألمانيا النازية و إيطاليا الفاشية خير أمثلة على ذلك. وقد أخطأ الشيوعيون خطأ فادحا و مميتا فى إيطاليا و فرنسا و غيرها من البلدان حينما ساندوا ديمقراطية الدولة البرجوازية و إكتفوا بالعمل فى إطارها ضد الشكل الفاشي عوض الإطاحة بالدولة البرجوازية الإمبريالية مهما كان شكلها و تركيز دولة بروليتارية /إشتراكية عوضا عنها.
و بما هي شكل من أشكال الدولة فإنّ الديمقراطية آيلة للزوال مع زوال الدولة ذاتها التي تعدّ مرحلة من مراحل تطوّر المجتمع الإنساني و نتاجا تاريخيا له بدايته و نهايته التي تستدعى الخروج من إطار المجتمع البرجوازي و إعادة بنائه على أسس إشتراكية و توسيع و تعميق الديمقراطية البروليتارية و التقدّم نحو الشيوعية التي بحلولها عالميا تضمحلّ الدولة الديمقراطية البروليتارية ذاتها و بالتالى الديمقراطية.
قال لينين فى "الدولة و الثورة " : " الديمقراطية ليست البتّة بحدّ لا يمكن تخطّيه ، فهي ليست غير مرحلة من المراحل فى الطريق من الإقطاعية إلى الرأسمالية و من الرأسمالية إلى الشيوعية" (ص 105) و" إنّ إلغاء الدولة هو إلغاء الديمقراطية أيضا و إنّ إضمحلال الدولة إضمحلال الديمقراطية" ( ص 87) . و عليه من الأكيد و الأكيد للغاية أن نتصدّى للأوهام التحريفية البرجوازية حول الديمقراطية /الدكتاتورية كأحد أهمّ و أوكد المهام فى الصراع الإيديولوجي و السياسي للشيوعية الحقيقية ،الثورية ضد مشوهيها و أعدائها.
2- الديمقراطية القديمة أم الديمقراطية الجديدة :

"إنّ التناقضات المختلفة من حيث طبيعتها لا يمكن أن تحلّ إلاّ بطرق مختلفة طبيعيّا" (ماو تسى تونغ "فى التناقض")
كانت الثورات الديمقراطية القديمة ضد الإقطاع، قبل القرن العشرين، ثورات برجوازية تفرز دولا رأسمالية برجوازية.أمّا الثورات الديمقراطية الجديدة فتتعارض تمام التعارض مع الديمقراطية القديمة أي مع الديمقراطية البرجوازية الراسمالية-الإمبريالية بمعنى أنّ نتيجة الثورة الديمقراطية الجديدة الحقّة لن تكون دولة ديمقراطية قديمة برجوازية و مجتمع رأسمالي تسوده البرجوازية و إنّما دولة ديمقراطية جديدة ، دولة ديمقراطية شعبية لطبقات ثورية مناهضة للإمبريالية و البرجوازية الكمبرادورية/البيروقراطية و الإقطاع تقودها البروليتاريا و تمهّد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
بهذا المعنى الديمقراطية الجديدة مرحلة إنتقالية من مجتمع المستعمرات الجديدة أو أشباه المستعمرات إلى مجتمع مستقلّ ديمقراطي بقيادة بروليتارية و بتحالف وثيق مع الفلاحين الفقراء كخطوة اولى تليها خطوة ثانية لبناء مجتمع إشتراكي و هذا تيّار من تياّري الثورة البروليتارية العالمية و تياّرها الثاني هو الثورات الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية.
و لشرح الديمقراطية الجديدة كتب ماو عام 1940كتيّبا لم يكن فى منتهى الأهمّية لإنتصار الثورة فى الصين فحسب بل بات ذا مغزى عالمي و أحد أهمّ مساهمات ماو تسى تونغ فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية ، و منه نقتطف لكم الفقرات التالية الطويلة نسبيّا للضرورات التي ألمحنا إليها فى المقدّمة :
--- " فى هذا العصر إذا نشبت فى أي بلد مستعمر أو شبه مستعمر ثورة موجهة ضد الإمبريالية ، أي ضد البرجوازية العالمية و الرأسمالية العالمية، فهي لا تنتسب إلى الثورة الديمقراطية البرجوازية العالمية بمفهومها القديم ،بل تنتسب إلى مفهوم جديد، و لا تعدّ جزءا من الثورة العالمية القديمة البرجوازية و الرأسمالية ، بل تعدّ جزءا من الثورة العالمية الجديدة، أي جزءا من الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية. و إنّ مثل هذه المستعمرات و شبه المستعمرات الثورية لم تعد تعتبر فى عداد حليفات الجبهة الرأسمالية العالمية المضادة للثورة ، بل أصبحت حليفات للجبهة الإشتراكية العالمية الثورية." ( من فقرة "الثورة الصينية جزء من الثورة العالمية").
--- " إن الجمهورية الديمقراطية الجديدة تختلف عن الجمهورية الرأسمالية من النمط الأوربي الأمريكي القديم والخاضعة لديكتاتورية البرجوازية ، إذ أن هذه الأخيرة هي جمهورية الديمقراطية القديمة التي قد فات أوانها ، و من جهة أخرى فإنها تختلف أيضا عن الجمهورية الإشتراكية من النمط السوفياتي والخاضعة لديكتاتورية البروليتاريا ،فإن مثل هذه الجمهورية الاشتراكية تزدهر في ارض الاتحاد السوفياتي وسوف تعمم في جميع البلدان الراسمالية ، وأكيد أنها ستصبح الشكل السائد لتركيب الدولة والسلطة السياسية في جميع البلدان المتقدمة صناعيا . ولكن مثل هذه الجمهورية ، خلال فترة تاريخية معينة لا تصلح للثورات في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ، ولذا فلا بد أن يتبنى خلال تلك الفترة التاريخية المعينة شكل ثالث للدولة في ثورات جميع البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة . ألا و هو جمهورية الديمقراطية الجديدة . وبما أن هذا الشكل مناسب خلال فترة تاريخية معينة ، فهو شكل انتقالي ، ولكنه ضروري لا بديل له."(من فقرة " سياسة الديمقراطية الجديدة")
--- " ان الجمهورية التي يجب إقامتها ...لا بد أن تكون جمهورية للديمقراطية الجديدة سياسيا واقتصاديا على حد سواء . ستكون المصاريف الكبرى والمشاريع الصناعية والكبرى ملكا للجمهورية " إن كافة المشاريع أكانت صينية أم أجنبية والتي تحمل طابعا احتكاريا أو هي أكبر من أن يديرها الأفراد، مثل المصارف والسكك الحديدية والخطوط الجوية يجب ان تشرف عليها الدولة وتديرها ، حتى لا يستطيع الرأسمال الخاص أن يسيطر على وسائل معيشة الشعب ، هذا هو المبدأ الرئيسي لتحديد الرأسمال " ...ففي الجمهورية الديمقراطية الجديدة الخاضعة لقيادة البروليتاريا سيكون القطاع العام ذا طبيعة اشتراكية ، وهو يشكل القوة القائدة في مجموع الاقتصاد القومي بيد ان هذه الجمهورية لا تصادر الأملاك الرأسمالية الخاصة الأخرى ، ولا تحظر تطور الإنتاج الرأسمالي الذي " لا يسطر على وسائل معيشة الشعب " وذلك لأن اقتصاد الصين لا يبرح متخلفا جدا .
وستتخذ هذه الجمهورية بعض التدابير اللازمة من أجل مصادرة أراضي ملاك الأراضي وتوزيعها على الفلاحين الذين لا يملكون أرضا أو يملكون قطعا صغيرة ، تطبق بذلك شعار ... القائل " الأرض لمن يفلحها " وتلغى العلاقات الإقطاعية في المناطق الريفية ، وتحيل ملكية الأرض إلى الفلاحين . أما اقتصاد الفلاحين الأغنياء في المناطق الريفية فوجوده مسموح به . تلك هي سياسة تحقيق المساواة في ملكية الأرض و شعار " الأرض لمن يفلحها " هو الشعار الصحيح الذي يترجم تلك السياسة. وفي هذه المرحلة لن نسعى على العموم الى إقامة الزراعة الاشتراكية . بيد ان أنوعا مختلفة من الاقتصاديات التعاونية التي تكون قد تطورت على أساس " الأرض لمن يفلحها " سوف تحتوي على عناصر اشتراكية" ( من فقرة " إقتصاد الديمقراطية الجديدة").
---" أمّا الثقافة الجديدة فهي إنعكاس إيديولوجي للسياسة الجديدة و الإقتصاد الجديد وهي كذلك فى خدمتها." ( من فقرة : ثقافة الديمقراطية الجديدة.) " إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة وطنية تعارض الإضطهاد الإمبريالي و تنادي بالمحافظة على كرامة الأمة ... و إستقلالها. هذه الثقافة تخصّ أمتنا ، و تحمل خصائصها الوطنية. و يجب عليها أن ترتبط بالثقافة الإشتراكية و ثقافة الديمقراطية الجديدة لسائر الأمم ، بحيث تتشرّب من بعضها البعض و تتبادل المساعدة لتتطوّر سويّا فى سبيل تشكيل ثقافة جديدة للعالم ...إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة علمية تعارض سائر الأفكار الإقطاعية و الخرافية و تنادي بالبحث عن الحقيقة من الوقائع، و بالإلتزام بالحقيقة الموضوعية ، كما تنادى بالوحدة بين النظرية و الممارسة العملية... إنّ ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه هي ثقافة جماهيرية وهي بالتالى ديمقراطية . و ينبغى لها أن تخدم الجماهير الكادحة من العمّال و الفلاحين الذين يشكّلون أكثر من 90% من سكّان بلادنا ، و أن تصبح بصورة تدريجية ثقافتهم الخاصّة." ( من فقرة " ثقافة وطنية علمية جماهيرية ").
و عليه، واهمون هم أولئك الذين يتصوّرون إمكانية وجود مجتمع رأسمالي ديمقراطي برجوازي على غرار ما يوجد فى أوروبا ، فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات فى حين أنّ هذه الإمكانية منعدمة تاريخيا وواقعيّا.و القوى القومية و "اليسارية" المرتكبة لإنحراف قومجي ،الداعية للتحرّر الوطني رئيسيا و المتناسية للطابع الديمقراطي أو المقلّصة من أهمّيته مشدّدة على مواجهة العدوّ الإمبريالي غاضة الطرف عن البرجوازية الكمبرادورية/البيروقراطية ( و متحالفين معها أحيانا) و الإقطاع على خطإ واضح و جلي ؛ و القوى "اليسارية" التي تشدّد التشديد كلّه على الطابع الديمقراطي بمعنى الحرّيات السياسية حصريا تقريبا مخطئة هي الأخرى لتقليصها لمضمون الثورة التي تتطلبها المرحلة فى المستعمرات الجديدة وأشباه المستعمرات و طبيعتها و إستهتارها بالجبال الرواسي الثلاثة ألا وهي الإمبريالية و البرجوازية الكمبرادورية و الإقطاع.
3- الديمقراطية الجديدة تطوير لعلم الثورة البروليتارية العالمية أم تحريف له :

رغم محاولات الحركة الشيوعية العالمية و الأممية الشيوعية بقيادة البلاشفة الذين كانوا على رأس جماهير الشعب فى إنجاز ثورة أكتوبر المجيدة ،أن تطوّر خطّا متكاملا للثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ،فإنّ لينين أقرّ بمحدودية تلك الجهود و بالحاجة الأكيدة لتطوير طرق جديدة و عدم إتباع طريق أكتوبر.و قد صرّح فى تقرير فى المؤتمر الثاني لعامة روسيا للمنظمات الشيوعية لشعوب الشرق فى 22 نوفمبر 1919 ، بالآتى :
" أنتم تمثلون منظمات شيوعية و أحزابا شيوعية تنتسب لمختلف شعوب الشرق . و ينبغى لى أن أقول إنه إذا كان قد تيسر للبلاشفة الروس إحداث صدع فى الإمبريالية القديمة ، إذا كان قد تيسر لهم القيام بمهمة فى منتهى العسر وإن تكن فى منتهى النبل هي مهمة إحداث طرق جديدة للثورة ، ففى إنتظاركم أنتم ممثلى جماهير الكادحين فى الشرق مهمة أعظم و أكثر جدة ...
و فى هذا الحقل تواجهكم مهمة لم تواجه الشيوعيين فى العالم كله من قبل : ينبغى لكم أن تستندوا فى الميدانين النظري و العملي إلى التعاليم الشيوعية العامة و أن تأخذوا بعين الإعتبار الظروف الخاصة غير الموجودة فى البلدان الأوروبية كي يصبح بإمكانكم تطبيق هذه التعاليم فى الميدانين النظري و العملي فى ظروف يؤلف فيها الفلاحون الجمهور الرئيسي و تطرح فيها مهمة النضال لا ضد رأس المال ، بل ضد بقايا القرون الوسطى . وهذه مهمة عسيرة ذات طابع خاص ، غير أنها مهمة تعطى أطيب الثمرات ، إذ تجذب إلى النضال تلك الجماهير التى لم يسبق لها أن إشتركت فى النضال ، و تتيح لكم من الجهة الأخرى الإرتباط أوثق إرتباط بالأممية الثالثة بفضل تنظيم الخلايا الشيوعية فى الشرق ... هذه هي القضايا التى لا تجدون حلولا لها فى أي كتاب من كتب الشيوعية ، و لكنكم تجدون حلولها فى النضال العام الذى بدأته روسيا . لا بد لكم من وضع هذه القضية و من حلها بخبرتكم الخاصة ..."
و بفضل التجارب العملية و النظرية، السلبية منها و الإيجابية، المراكمة وإستجابة لمتطلبات واقع المستعمرات الجديدة و اشباه المستعمرات ،طوّر ماوتسى تونغ ضمن مساهماته العديدة فى تطوير علم الثورة البروليتارية العالمية و الماركسية فى مكوناتها الثلاثة ، طرقا جديدة للثورة بداية مع ثورة الديمقراطية الجديدة ثم الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لمواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا.
و إثر وفاة القائد البروليتاري الصيني العظيم و إنقلاب التحريفيين فى الصين معيدين تركيز الرأسمالية هناك ، نظّم هجوم سافر على ماو تسى تونغ و مساهماته التى أثبت التاريخ صحّتها ، من طرف الإمبريالية العالمية و الرجعية و التحريفيين الصينيين و كذلك الخوجيين عبر العالم .و إنبري الشيوعيون الثوريون الماويون حقّا للدفاع عن إرث ماو تسى تونغ الذى هو إرث البروليتاريا الثورية العالمية و خاضوا جملة من الصراعات على شتى الأصعدة أدّت ضمن ما أدّت إليه إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية سنة 1984 من عدّة أحزاب و منظمات من جميع قارات الكوكب أصدرت بيانا عالميا فى تلك السنة منه نقتطف لكم بضعة فقرات متصلة بالموضوع الذى نحن بصدده وبدروس متعلّقة بهذا النوع من الثورات:
" و لا تزال النظرية التى بلورها ماو تسى تونغ خلال السنوات الطويلة للحرب الثورية فى الصين تمثل المرجع الأساسي لصياغة الإستراتيجيا و التكتيك الثوريين فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة أو المستعمرات الجديدة . فى هذه البلدان تمثل الإمبريالية الأجنبية و كذلك البرجوازية البيروقراطية "والكمبرادورية " و الإقطاعيون- بإعتبار الطبقتين الأخيرتين طبقات تابعة و مرتبطة بقوة بالإمبريالية- مرمى الثورة (هدفها ). و تعبر الثورة فى هذه البلدان مرحلتين : ثورة أولى هي الثورة الديمقراطية الجديدة التى تؤدي مباشرة فيما بعد إلى ثورة ثانية هي الثورة الإشتراكية . و طبيعة و هدف و مهام المرحلة الأولى من الثورة تخوّل للبروليتاريا وتقتضى منها إقامة جبهة واسعة متحدة تجمع كل الطبقات و الشرائح الإجتماعية التي يمكن كسبها لمساندة برنامج الديمقراطية الجديدة .و مع ذلك ، فإن البروليتاريا تسعى إلى بناء هذه الجبهة المتحدة بما يتفق مع مبدأ تطوير و دعم قواها الذاتية المستقلة وهو ما يستتبع مثلا أنه على البروليتاريا أن تكون لها قواتها المسلحة الخاصة متى حتمت الظروف ذلك و أنه عليها أن تفرض دورها القيادي تجاه قطاعات الجماهير الثورية خاصة تجاه الفلاحين الفقراء. و يتخذ هذا التحالف كمحور أساسي له تحالف العمال مع الفلاحين كما يجب أن تحتل الثورة الزراعية (أي النضال ضد الإستغلال شبه الإقطاعي فى الريف و /أو شعار " الأرض لمن يفلحها") مكانة مركزية فى برنامج الديمقراطية الجديدة . ...
و من أجل تتويج ثورة الديمقراطية الجديدة، يترتب على البروليتاريا أن تحافظ على دورها المستقل و أن تكون قادرة على فرض دورها القائد فى النضال الثوري وهو ما تقوم به عن طريق حزبها الماركسي -اللينيني-الماوي . و قد بينت التجربة التاريخية مرارا و تكرارا أنه حتى إذا ما إشتركت فئة من البرجوازية الوطنية فى الحركة الثورية فإنها لا تريد (ولا تستطيع ) قيادة ثورة الديمقراطية الجديدة و من البداهة إذا ألآ توصلها إلى نهايتها. كما بينت التجربة التاريخية أن "جبهة معادية للإمبريالية " (أو "جبهة ثورية " أخرى من هذا القبيل ) لا يقودها حزب ماركسي-لينيني–ماوي لا تؤدى إلى نتيجة حتى إذا ما كانت هذه الجبهة (أو بعض القوى المكوّنة لها ) تتبنى خطا "ماركسيا" معينا أو بالأحرى ماركسيا كاذبا . و بالرغم من أن هذه التشكيلات الثورية قد قادت أحيانا معاركا بطولية بل و سدّدت ضربات قوية للإمبريالية ، فإنها أظهرت أنها عاجزة على المستوى الإيديولوجي و التنظيمي ،عن الصمود أمام التأثيرات الإمبريالية و البرجوازية. و حتى فى الأماكن التى تمكّنت فيها هذه العناصر من إفتكاك السلطة، فإنها بقيت عاجزة عن تحقيق تغيير ثوري كامل للمجتمع فإنتهت جميعا ،إن عاجلا أم آجلا ، بأن قلبتها الإمبريالية أو أن تحولت هي نفسها إلى نظام رجعي جديد يعمل اليد فى اليد مع الإمبرياليين .
و يمكن للحزب الشيوعي فى الوضعيات التى تمارس فيها الطبقات المسيطرة ديكتاتورية عنيفة أو فاشية أن يستغل التناقضات التى يخلقها هذا الوضع بما يدعم الثورة الديمقراطية الجديدة و أن يعقد إتفاقات أو تحالفات مؤقتة مع عناصر من طبقات أخرى . و لكن هذه المبادرات لا يمكن لها أن تنجح إلا إذا واصل الحزب المحافظة على دوره القيادي و إستعمل هذه التحالفات فى النطاق المحدّد بمهمته الشاملة و الرئيسية و المتمثلة فى إنجاح الثورة ، دون أن يحوّل النضال ضد الديكتاتورية إلى مرحلة إستراتيجية للثورة بما أن محتوى النضال المعادي للفاشية ليس إلا محتوى الثورة الديمقراطية الجديدة
ويتعين على الحزب الماركسي -اللينيني- الماوي لا فقط أن يسلّح البروليتاريا و الجماهير الثورية بوسائل فهم طبيعة المهمّة الموكولة للإنجاز مباشرة (إنجاح الثورة الديمقراطية الجديدة ) و الدور و المصالح المتناقضة لممثلى مختلف الطبقات (الصديقة أو العدوّة ) و لكن أيضا أن يفهمهم ضرورة تحضير الإنتقال إلى الثورة الإشتراكية وواقع أن الهدف النهائي يجب أن يكون الوصول إلى الشيوعية على مستوى العالم .
ينطلق الماركسيون –اللينينيون- الماويون من مبدإ أن على الحزب أن يقود الحرب الثورية بما يجعلها حرب جماهير حقيقية . و يجب عليهم حتى خلال الظروف العسيرة التى تفرضها الحرب أن يعملوا على تربية واسعة للجماهير و مساعدتها على بلوغ مستوى أرقى نظريا و إيديولوجيا و من أجل ذلك يتوجب تأمين نشر و تطوير صحافة شيوعية منتظمة الصدور و العمل على أن تدخل الثورة الميادين الثقافية .
فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة ( أو المستعمرات الجديدة )، تمثّل الإنحراف الرئيسي فى الفترة الأخيرة (و لا تزال) فى الميل إلى عدم الإعتراف أو إنكار هذا التوجه الأساسي للحركة الثورية فى مثل هذه البلدان : الميل إلى إنكار الدور القيادي للبروليتاريا و للحزب الماركسي -اللينيني- الماوي و إلى رفض أو تشويش إنتهازي لنظرية حرب الشعب و إلى التخلى عن بناء جبهة متحدة على أساس تحالف العمال و الفلاحين تقودها البروليتاريا .
و قد تجلى هذا الإنحراف التحريفي فى الماضي فى شكل "يساري " أو فى شكل يميني مفضوح . و لطالما نادى التحريفيون الجدد ب " الإنتقال السلمي للإشتراكية " (و خصوصا إلى حدود الماضى القريب ) و سعوا إلى دعم القيادة البرجوازية فى نضالات التحرر الوطني و لكن هذه التحريفية اليمينية التى لا تخفى سياستها الإستسلامية ، كانت دائما ما تجد صداها فى شكل آخر للتحريفية تتقاطع معها اليوم أكثر فأكثر : نوع من التحريفية المسلحة " اليسارية " تدعو لها فيمن يدعو لها ، من حين لآخر القيادة الكوبية و تؤدى إلى سحب الجماهير بعيدا عن النضال المسلح و التى تدافع عن فكرة دمج كل مراحل الثورة و عدم القيام إلا بثورة واحدة، ثورة إشتراكية مزعومة. و تؤدى هذه السياسة عمليا إلى محاولة دفع البروليتاريا إلى أفق محدود جدا و إلى إنكار واقع أن على الطبقة العاملة أن تقود الفلاحين و قوى أخرى وأن تسعى بذلك إلى تصفية كاملة للإمبريالية و للعلاقات الإقتصادية و الإجتماعية المتخلفة و المشوّهة التى يتمّعش منها رأس المال الأجنبي و التى يجتهد فى تدعيمها . و يمثل هذا الشكل من التحريفية اليوم واحدة من الوسائل الرئيسية التى يستعملها الإمبرياليون الإشتراكيون للإندساس فى نضالات التحرر الوطني و مراقبتها .
ويجب على الماركسيين-اللينينيين -الماويين ، حتى يمكّنوا تطور الحركة الثورية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات (أو المستعمرات الجديدة ) من إتخاذ توجه صحيح ، أن يواصلوا تكثيف النضال ضد كلّ أشكال التحريفية و الدفاع عن مساهمات ماو بإعتبارها أساسا نظريا ضروريا من أجل تحليل عميق للظروف الملموسة و بلورة خط سياسي مناسب فى مختلف البلدان من هذا النوع . ( من فقرة " المهام فى المستعمرات و أشباه المستعمرات (أو المستعمرات الجديدة ) ")
و عقب أقلّ من عقد من النضال النظري و العملي و تطوير منظّمات و أحزاب و حرب الشعب فى عدّة بلدان لا سيما فى البيرو فى ثمانينات القرن العشرين ، خطت الحركة الأممية الثورية خطوة نوعية أخرى بتبنّيها للماركسية-اللينينية-الماوية و إعتبارها الماوية مرحلة ثالثة جديدة و أرقى فى علم الثورة البروليتارية العالمية .وهي تفسّر مساهمات ماو تسى تونغ فى "لتحي الماركسية-اللينينية-الماوية" سنة 1993خطّت الأسطر التالية بشأن الثورة الديمقراطية الجديدة :
" و تمكّن ماوتسي تونغ من حلّ مسألة كيفية إنجاز الثورة في بلد تهيمن عليه الإمبريالية . فالطريق الأساسي الذي رسمه للثـورة الصينيــــــة يمثــــل مساهمة لا تقدر بثمن فى نظرية وممارسة الثورة وهي مرشد لتحرير الشعوب التى تضطهدها الإمبريالية. و هذا الطريق يعنى حرب الشعب و محاصرة الأرياف للمدن ويقوم على الكفــــــاح المسلح كشكل أساسي للنضــال وعلى الجيش الذى يقوده الحزب كشكل أساسي لتنظيم الجماهير وإستنهاض الفلاحين وخاصة الفقراء منهم و على الإصلاح الزراعي و بناء جبهة موحدة بقيادة الحزب الشيوعي وذلك قصد القيــام بثـورة الديمقراطية الجديدة ضد الامبريالية والإقطاع والبرجوازية البيروقراطيــــــة و تركيز ديكتاتورية الطبقات الثورية تحت قيادة البروليتاريا كتمهيـــد ضروري للثورة الإشتراكية التي يجب أن تتلو مباشرة إنتصار المرحلة الاولى من الثـورة . وقدم ماو الأطروحة المتمثلة في " الأسلحة السحرية الثلاثة " : الحزب والجيش والجبهة المتحدة " كأدوات لا بد منها لإنجاز الثــــورة فى كل بلـــــد طبقا للظروف و طريق الثورة الخاصين . "
و بناء على ما تقدّم نستشفّ أنّ الديمقراطية الجديدة ليست تحريفا و تشويها لعلم الثورة البروليتارية العالمية و إنّما هي تطوير خلاّق قائم على دراسات وتجارب عملية فى الصين طوال عقود من الحرب الأهلية و على حقيقة أثبت تاريخ الصراع الطبقي فى الصين و غيرها من البلدان صحّها و انّ مدعي إتباع طريق أكتوبر – الإنتفاضة المسلحة المتبوعة بحرب أهلية و ليس حرب الشعب و محاصرة الريف للمدن- يطرحون طريقا خاطئا لن يقدر الشعب إذا ما إنتهجه أن يحقّق التحرّر الديمقراطي الجديد و التمهيد للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية و فى تحالف مع التيار الآخر للثورات البروليتارية ، تيار الثورات الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية –الإمبريالية. و كلّ القوى الشرعوية و الإصلاحية "الديمقراطية " من الطراز القديم التي تسعى إلى العمل فى إطار دولة الإستعمار الجديد لن تستطيع أبدا ان تنجز الثورة الديمقراطية الجديدة التي تستدعى القضاء على هذه الدولة لبناء دولة الديمقراطية الجديدة عوضا عنها و على أنقاضها.
4- الثورة الديمقراطية الجديدة / الثورة الوطنية الديمقراطية :

فى خضمّ الجدال الكبير للحزب الشيوعي الصيني و على رأسه ماو تسى تونغ ضد التحريفية المعاصرة منذ الخمسينات و خاصة الستينات ، صاغ الرفاق الماويون الصينيون وثيقة تاريخية مثّلت حجر الزاوية فى القطع النظري و العملي مع التحريفية المعاصرة السوفياتية منها و اليوغسلافية و الفرنسية و الإيطالية ...و فى بناء الحركة الماركسية-اللينينية العالمية و نقصد "إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية" بتاريخ يونيو/ حزيران عام 1963( دار النشر بالغات الأجنبية ، بيكين 1963) .
فى تناقض مع الأطروحات التحريفية المعاصرة و للتشديد على التناقضين الأساسيين الذين على حركة التحرّر الوطني بقيادة شيوعية معالجتهما ، كتب الرفاق الماويون الصينيون ضمن النقطة 8 :
- " إنّ مناطق آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية الواسعة هي المناطق التي تتجمّع فيها مختلف أنواع التناقضات فى العالم المعاصر، و الإستعمار أضعف ما يكون سيطرة فى هذه المناطق ، وهي مراكز عواصف الثورة العالمية التي تسدّد الآن الضربات المباشرة إلى الإستعمار.
إنّ الحركة الوطنية الديمقراطية الثورية فى هذه المناطق و حركة الثورة الإشتراكية العالمية هما التياران التاريخيان العظيمان فى عهدنا الحاضر. إنّ الثورة الوطنية الديمقراطية فى هذه المناطق هي جزء هام من الثورة البروليتارية العالمية المعاصرة. " ( ص 14)
وشرحوا مهام الأحزاب البروليتارية وحذّروها من مغبّة السقوط فى خطإ التذيّل لقوى برجوازية أو إقطاعية فى النقطة 9:
" و إذا أصبحت البروليتاريا ذيلا للإقطاعيين و البرجوازيين فى الثورة ، فإنه لا يمكن أن يحقّق نصر حقيقي كامل للثورة الوطنية الديمقراطية بل و حتى إذا تحقّق نوع من النصر فإنّه من غير الممكن أيضا أن يوطّد ذلك النصر. و فى مجرى النضالات الثورية التي تخوضها الأمم و الشعوب المضطهَدَة يجب على الحزب البروليتاري أن يضع برنامجه الخاص به الذى هو كلّيا ضد الإستعمار و الرجعية المحلّية و من أجل الإستقلال الوطني والديمقراطية الشعبية، و عليه أن يعمل مستقلاّ بين الجماهير و يوسّع بلا إنقطاع القوى التقدّمية و يكسب القوى الوسطى و يعزل القوى الرجعية؛و بذلك فقط يمكنه ان يسير بالثورة الوطنية الديمقراطية إلى النهاية و يوجه الثورة إلى طريق الإشتراكية."( ص 20)
و هكذا ماويا الثورة الوطنية الديمقراطية التي طرحت فى "الإقتراح..." صياغة مساوية و متماهية مع الثورة الديمقراطية الجديدة ، موجهة سياسيا إلى الحركة الشيوعية العالمية بكلمات مشدّدة على المهام الأساسية و الصراع ضد الأطروحات التحريفية المعاصرة. و قد تبنّت عديد الأحزاب و المنظّمات الماركسية-اللينينية عبر العالم حينها و فى لاحق الأيام هذا المفهوم ، مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية.
وفى تونس مثلا ، أكّد عليه أنصار الحركة الماركسية-اللينينية بقيادة ماو تسى تونغ فى تناقض مع الأطروحات التروتسكية و التروتسكية الجديدة القائلة بطبيعة المجتم الرأسمالية وبالثورة الإشتراكية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات، إلى درجة أن البعض بات فى السبعينات و الثمانينات من القرن العشرين يطلقون خطأ على أنفسهم إسم طبيعة الثورة المنشودة فى بلد شبه مستعمر شبه مستعمر ( الوطنيون الديمقراطيون بتلويناتهم العديدة) . و فى المغرب أيضا تبنّت الحركة الماركسية-اللينينية ، لا سيما "إلى الأمام"، أفكار ماو تسى تونغ ومفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية و طبيعة المجتمع شبه المستعمر شبه الإقطاعي ( أنظروا: دفاعا عن التاريخ -موقع فكر ماو تسي تونغ في تجربة الحملم بالمغرب - طريق الثورة - ).
و فى أواخر الستينات و إثر إعادة تشكيله و قطعه مع التحريفية المعاصرة إستجابة لدعوة "الإقتراح..." والحزب الشيوعي الصيني على رأس الحركة الماركسية-اللينينية العالمية لأن يتمايز الشيوعيون الثوريون على كافة الأصعدة مع هذه التحريفية ، إنطلق الحزب الشيوعي الفليبيني بعد إعادة تشكّله فى حرب الشعب و بنى الجيش الشعبي الجديد كما شيّد الجبهة الوطنية الديمقراطية الشهيرة عالميّا .و ما إنفكّت هذه "الأسلحة السحرية الثلاثة" تناضل إلى يومنا هذا من أجل إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة كجزء من الثورة البروليتارية العالمية... و على من يرنو دراسة دقيقة و تفحّص عن كثب لأمثلة خاصة و ذات خصوصيات لبرامج الماويين فى الثورة الديمقراطية الجديدة فعليه البحث فى الأنترنت- مواقع الأحزاب التي نذكر- عن مثلا برنامج الحزب الشيوعي الفيليبيني و برنامج الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) و برنامج الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي-اللينيني-الماوي) إلخ.
و تأسيسا على ما مرّ بنا و نظرا للتشويهات التي طالت مفهوم "الثورة الوطنية الديمقراطية "( من تذيّل للقوى القومية و الأصولية ؛ إلى الشرعوية و النقابوية /الإقتصادوية و الإنتفاضوية إلخ) و إنسجاما مع المفاهيم الماوية المتداولة عالميّا على الشيوعيين الماويين بذل قصارى الجهود النظرية و العملية لإزالة الغبار من على المضمون الأصلي و الحقيقي لهذا المفهوم و ربطه بالديمقراطية الجديدة فى إتجاه ترسيخ مفهوم الثورة الديمقراطية الجديدة و نقترح أن نستعمل من هنا فصاعدا صيغة الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية للتمايز مع الأطروحات و المفاهيم غير الماوية .
5 – طريق الثورة الديمقراطية الجديدة : حرب الشعب أم الإنتفاضة المسلّحة :

إذا تجاوزنا الحديث عن التحريفيين الكلاسيكيين الذين يدعون إلى الإنتقال السلمي و بالتالى البرلمانية ،و الإصلاحيين من كلّ رهط الذين لا يسعون إلاّ إلى إصلاحات فى إطار دولة الإستعمار الجديد ، دولة الكمبرادور و الإقطاع المتحالفين مع الإمبريالية ، فإنّ ما يسترعي الإنتباه هنا هما تياران إثنان خطيران على البروليتاريا و قيادتها الشعب لتحقيق الثورة الديمقراطية الجديدة : التيّار الخوجي و التحريفية المسلّحة.
فى تنكّر لتاريخ الثورة الألبانية التى تحقّقت بفضل حرب الشعب و محاصرة الريف للمدينة ( أنظروا " حرب التحرير فى ألبانيا " لمحمّد شيخو، دار الطليعة ، لبنان) و إنقلاب على المواقف المساندة و المتبنّية و المثمّنة للخطّ الماوي طوال الستينات و النصف الأوّل من السبعينات ، نظّم أنور خوجا ، أواخر السبعينات ( فى "الإمبريالية و الثورة") هجوما مسعورا لا مبدئيا و دغمائيا تحريفيا ضد الماوية و ممّا أدار له ظهره طريق الثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات مدافعا من جهة عن "طريق أكتوبر" أي الإنتفاضة فى المدن الكبرى المتبوعة بحرب أهلية لإفتكاك السلطة و الزحف من المدن إلى الأرياف و مدينا من جهة أخرى طريق الثورة الصينية أي طريق حرب الشعب طويلة الأمد. وهو بذلك ينكر التاريخ الألباني و الصيني و الفتنامي و الكوري ... و الواقع العياني حينها حيث كانت قوى ماوية عديدة تواصل حرب الشعب التى إنطلقت فيها منذ سنوات ،فى تركيا و الهند و الفيليبين ...
و قد أثبت تاريخ الصراع الطبقي أنّ طريق حرب الشعب الماوية هو الطريق السليم و الصحيح الذى مكّن الشعب الصيني بقيادة بروليتارية ماوية من الظفر فى الثورة الديمقراطية الجديدة شأنه فى ذلك شأن الفيتنام لاحقا كما أثبت أنّ ما من بلد شهد مطلقا إنتصار ثورة الديمقراطية الجديدة التى شوّهها أنور خوجا مستعملا مفاهيم أخرى تحريفية برجوازية ،عن طريق الإنتفاضة فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و ذلك لأنّه طريق خاطئ أصلا لا يميّز بين البلدان الرأسمالية-الإمبريالية و البلدان المستعمرة أو شبه المستعمرة شبه الإقطاعية و بالتالى لا يميّز مثله مثل التروتسكيين بين تياري الثورة البروليتارية العالمية كما حدّدهما لينين. و أثبت تاريخ الصراع الطبقي للقرنين العشرين و الواحد و العشرين أنّ الخطّ الماوي هو الخطّ الصائب و القادر على تحقيق الظفر للبروليتاريا و الشعوب التوّاقة للتحرّر الديمقراطي الجديد و الإشتراكي و أنّ الخطوط الأخرى بشتّى تلويناتها فشلت فى ذلك و لا تستطيع بحكم خطإ خطّها إلاّ أن تفشل. و الأنكى هو أنّ الحركات و الأحزاب التى تجاهلت التعاليم الماركسية-اللينينية –الماوية بهذا الصدد تعرّضت لمذابح و نكسات لم تقدر على تجاوزها لعقود و يكفينا هنا التذكير بما حصل فى أندونيسيا و الشيلي كأمثلة لا أشهر منها.
و يشهد تاريخ الثورة الصينية انّ خطّ وانغ مينغ – الإنتفاضة فى المدن الكبرى و إفتكاك السلطة فيها أوّلا – لم يؤدّ إلى خسائر جسيمة فحسب بل أيضا إلى كوارث كادت تسحق الثورة سحقا لولا المسيرة الكبرى وإنتصار الخطّ الماوي فى قيادة الحزب منذ 1935 . و نجم عن الخطّ الماوي الصحيح تعزيز قوى الثورة و تمكّنها من الإنتصار على أعدائها عبر البلاد بأسرها ( بإستثناء هونكونغ) سنة 1949 و مكّن الفيتنام و كوريا من إلحاق الهزيمة بالأمريكان( هذا دون الحديث عن حرب التحرير بألبانيا) .
و الأحزاب الماوية التى إنطلقت فى حرب الشعب الطويلة الأمد كطريق للثورة الديمقراطية الجديدة فى المستعمرات الجديدة و اشباه المستعمرات منذ الستينات – الهند و الفيليبين- و السبعينات- تركيا – و الثمانيات –البيرو- و التسعينات – النيبال- خوّل لها الخطّ الماوي الصحيح تعزيز قوّتها و التقدّم بالثورة غير أنّ إغتيال قادتها أو سجنهم و إرتكاب أخطاء و إنحرافات عن الجوهر الثوري الحقيقي للماوية جعلها فى فترات معيّنة تفقد الكثير من قوّتها و زخم الثورة . و مع ذلك تلك القوى التى لا تزال ماوية رئيسيا قولا و فعلا لم تسحق وهي مع تصحيحها للأخطاء تعود بقوّة لقيادة تقدّم الثورة مثلما هو الحال راهنا فى الفيليبين و الهند .
أمّا التحريفية المسلّحة فى نسختيها الغيفارية و الجبهوية/الإنتفاضية ( على غرار الجبهة السندينية و خطّ فيالوبوس الذى أسقطه الثوريون الماويون داخل الحزب الشيوعي الفليبيني و خطوط مماثلة فى السلفادور و كولمبيا ...) فإنّها تسعى إلى تحقيق إنتصار يعدّونه سريعا و تقاسما للسلطة مع فئات من الطبقات الحاكمة لدولة الإستعمار الجديد بعيدا عن تحطيمها و تشييد دولة الديمقراطية الشعبية و تمهيد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية.وهي إن لجأت إلى الكفاح المسلّح فكتكتيك مكمّل للبرلمانية أو لتفرض على فئات من حاكمة فى الدولة المفاوضات و الحلّ الذى ينعتونه بالسياسي و ليس كحرب شعب طويلة الأمد ماوية لإستنهاض الجماهير الشعبية و بناء سلطة حمراء و أجهزة دولة جديدة فى مناطق الإرتكاز بالريف للزحف شيئا فشيئا على المدن و الدولة القديمة و تحطيمها كلّيا جيشا و شرطة و بيروقراطية/ دواوينية كي تمارس الجماهير الشعبية و الطبقات الثورية بقيادة البروليتاريا ديمقراطية صلب الشعب و دكتاتورية ضد الأعداء من إمبرياليين و برجوازية كمبرادورية/ بيروقراطية وإقطاعيين؛ و تعبّد الدولة الجديدة الطريق للثورة الإشتراكية على كافة الأصعدة. و لأنّ المجال لا يسمح بالخوض فى تفاصيل خطّ من هذا القبيل، نحيلكم على دراسة وثائق ماوية منها "غيفارا ، دوبريه و التحريفية المسلّحة" لماويين أمريكان –متوفّر بموقع الفكر الممنوع بالأنجليزية- و وثيقة نشرها ماويون من الهند بمجلّة "عالم نربحه" عن الإقتصادوية المسلّحة ووثيقة أخرى نشرها ماويون من كولمبيا فى ذات المجلّة عن حرب الشعب و الإستراتيجيا الإنتفاضية فضلا عن وثائق حملة التصحيح للحزب الشيوعي الفليبيني.
ودون التوسّع أكثرفى الموضوع، من المهمّ هنا أن نشير إلى أنّ الطريق الإنتفاضى الخوجي يلقى صداه فى تونس عن وعي و تنظير مفضوح أو متستّر او عن غير وعي لدى مجموعات تطلق على نفسها نعت الوطنية الديمقراطية إضافة إلى حزب العمّال الشيوعي التونسي الذى تبنّى الخوجية و دافع عنها صراحة منذ نشأته و هو عالميّا منخرط فى منظمة الأحزاب و المنظمات الخوجية . و فى هذه المدّة الأخيرة يبثّ أصحاب الطريق الإنتفاضي الخوجي و الإصلاحيين الإنتهازيين الآخرين الأوهام البرجوازية حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس معتبرينها ثورة فى حين أنّ ما حقّقته و قد تحقّقه لا يتجاوز الإصلاحات البرجوازية ( تنازلات إقتصادية و سياسية و إجتماعية طفيفة قابلة للإتفاف عليها فى أقرب الفرص السامحة لأعداء الشعب بذلك ) فرضتها النضالات الشعبية التى لا تمسّ من جوهر دولة الإستعمار الجديد و جيشها و نمط إنتاجها و الطبقات التى هي تمثّلها وتخدمها (2). و عربياّ تجسّد الجبهات الفلسطينية ، و منها بالخصوص الديمقراطية و الشعبية النزعة التحريفية المسلّحة ، علما أنّ هتين الجبهتين كانتا تعدّان الإتحاد السوفياتي الإمبريالي الإشتراكي صديقا للشعوب و كانتا تنسّقان معه المواقف و هما لعقود تقدّمان التنازلات تلو التنازلات إلى درجة أضرّت بقضية التحرّر الوطني الديمقراطي الفلسطينية حتى لا نستعمل كلمات أخرى.
و بإختصار نستخلص من تاريخ الصراع الطبقي للبروليتاريا العالمية أنّ طريق حرب الشعب الطويلة الأمد الماوية هو الطريق الثوري الوحيد فى المستعمرات و أشباه المستعمرات للقضاء على الجبال الرواسي الثلاثة ،الإمبريالية و البرجواية الكمبرادورية/البيروقراطية و الإقطاع وهو طريق أهمّ ما يقتضيه محوريا و مركزيّا تأسيس و بناء حزب بروليتاري ثم جيش شعبي و جبهة متحدة كأسلحة سحرية ثلاثة قادرة على قيادة الشعب لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و بناء دولة جديدة ،دولة الطبقات الثورية بقيادة البروليتاريا تمهّد الطريق للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية المسترشدة بالماركسية-اللينينية-الماوية.
و من هذا تتجلّى حقيقة ساطعة على الثوّار البروليتاريين إدراكها ألا وهي" لا حركة ثورية دون ماوية ! ".
========================
الهوامش :

1- و كذلك الواقع طبقيا الإشتراكية إشتراكيات . و يكفى بهذا المضمار التذكير بعنوان كتاب إنجلز "الإشتراكية العلمية و الإشتراكية الطوباوية" من ناحية أولى ؛ و فقرات ماركس و إنجلز فى البيان الشيوعي :"الإشتراكية الرجعية : أ- الإشتراكية الإقطاعية ب- الإشتراكية البرجوازية الصغيرة ج- الإشتراكية الألمانية و الإشتراكية "الحقّة" ، الإشتراكية المحافظة أو البرجوازية ، من ناحية ثانية؛ و مقالات لينين عن الإشتراكية الديمقراطية و عن الإشتراكية الإمبريالية من ناحية ثالثة ؛ و كتابات الشيوعيين الماويين،زمن ماو و بعده، عن الإمبريالية الإشتراكية و عن مفهوم الإشتراكية دون صراع طبقي الخوجية و عن الإشتراكية ( دكتاتورية البروليتاريا و نمط إنتاج) كمرحلة إنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية مديدة تعجّ بالصراعات الطبقية و تتضمنّ كلا من إمكانية التقدّم نحو المجتمع الشيوعي العالمي و إمكانية إعادة تركيز الرأسمالية ...
2- مثال ذلك ما ورد فى جريدة "الشروق" التونسية – السبت 5 فيفري 2011 بالصفحة 15- على لسان شكري بلعيد الناطق الرسمي بإسم حركة "الوطنيون الديمقراطيون"، متحدّثاعن "طبيعة هذا النظام و طبيعة هذه المرحلة التاريخية"من:
- " نحن اليوم فى مرحلة إنتقال ثوري" و"نحن إزاء ثورة ذات طبيعة ديمقراطية" دون ربط هذه الديمقراطية بطبقة أو طبقات معينة مع إستعمال مصطلح ثورة عوض ما هو فى الواقع ،ماركسيا إنتفاضة قد تؤدّى إلى إصلاحات ديمقراطية برجوازية شكلية أو تنازلات أخرى يمكن الإلتفاف عليها و سحبها لاحقا مثلما حصل فى الشيلي فى السبعينات و الفليبين فى الثمانينات...
- " مرحلة سياسية تتميّز بإزدواجية السلطة" التي لا نراها فى الواقع أصلا حيث لا تزال حكومة الجنرال المخلوع-حكومة الغنوشي القديمة الجديدة- مطعّمة بوجوه إصلاحية غير تجمّعية صراحة تحكم البلاد و الرئيس هو ذات رئيس مجلس النواب سابقا و المجلسين –النواب و المستشارين- لم يحلاّ بل رأيناهم بفضل الإعلام المرئي ينشطان بصفة عادية تقريبا و حيث مراكز القوّة و النفوذ فى السلطة و فى كافة نواحي الحياة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الإعلامية لا تزال تسيّر جوهريّا دواليب الحكم و حيث فى خيال بلعيد فقط توجد سلطة أخرى موازية لمؤسسات وسلطة دولة الإستعمار الجديد التي لم يطل عامودها الفقري ( الجيش و شتى أصناف قوات القمع) إضعاف كمّي أو نوعي لا بل إنّ حتى فى المناطق التي هجرتها لفترات معيّنة قوات الأمن/ القمع تولّى السكّان بصفة مؤقتة و بتنسيق مع جيش دولة الإستعمار الجديد القيام باللازم من حماية الأشخاص و المؤسسات و منها مؤسسات حكومة الغنوّشي القديمة –الجديدة و لم يشكّلوا بالتالى سلطة موازية فما بالك بسلطة دولة جديدة موازية!
- و " بناء الجمهورية الديمقراطية الإجتماعية " كمفهوم غريب عن الماركسية نرجو من صاحبه شرحه فى لاحق الأياّم، هو و جملة المفاهيم الأخرى التي نجدها فى ذات الصفحة و الفقرة :" المجلس التأسيسي ... أداة الثورة...و أداتها أيضا فى بناء مؤسسات النظام الديمقراطي الجديد لتونس الحرّة." !!!
وبالمناسبة نسأل أصحاب حركة الوطنيين الديمقراطيين هل أنّ هذه و غيرها من المقولات إمتداد للأطروحات الوطنية الديمقراطية للثمانينات أم هي قطيعة معها؟ و إن كانت قطيعة كمّية أو نوعيةّ فكيف تمّت و لماذا و متى ؟ و نكون شاكرين سلفا لمن يقدّم لنا أجوبة على هذه الأسئلة تكون مدعومة طبعا بالوثائق التاريخية لهذه المجموعة.
===================== شيوعي ماوي – تونس فى 15 فيفري2011===========



#ناظم_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس : قراءة فى بيانات المجموعات- اليسارية- حول العدوان على ...
- بعض النقد لبعض نقاد الماوية ( ملاحظات نقدية ماوية لوثيقة - ا ...
- تونس : مسرحية وزارة الداخلية (1 فيفري )
- أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى ت ...
- مواصلة الإنتفاضة الشعبية فى تونس: نقاط عملية
- الديمقراطية القديمة البرجوازية أم الديمقراطية الجديدة الماوي ...


المزيد.....




- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...
- جامعة كولومبيا تعلق المحاضرات والشرطة تعتقل متظاهرين في ييل ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية!( عدد 1 / مارس 2011)القلب على - اليسار- و - اليسار- على -اليمين-!