أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا















المزيد.....

ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 993 - 2004 / 10 / 21 - 10:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أحدث الاحتلال الأميركي للعراق تحولا مهما في الحقل السياسي والإيديولوجي السوري. فقد كان لا بد لدخول الولايات المتحدة على خط التغيير في العالم العربي أن يشكل محور استقطاب وتجاذب وسجال في أوساط الفاعلين العامين السوريين. وعلى الصعيد الإيديولوجي أخذ هذا التحول شكل تقابل بين تغيير خارجي وتغيير داخلي، ومال البعض إلى أن التغيير الحقيقي هو الذي ينبع من الداخل، فيما رأى آخرون أن التغيير لا يأتي إلا من الخارج. والخارج المقصود هو الولايات المتحدة دون زيادة أو نقصان.
وبموزاة التحضير الأميركي للغزو، وبتصاعد بلغ ذرورة أولى مع احتلال العراق، وذروة أخرى مع ظهور علائم جفاء اميركي حاد حيال نظام دمشق في الآونة الخيرة، تحول منظور "المعارضة التقليدية" السورية لدورها وموقعها في الحياة السياسية في بلدها.
المقصود بالمعارضة التقليدية التيارات والأحزاب التي تكونت وبرز دورها في مرحلة التحرر الوطني ونزع الاستعمار والحرب الباردة، وبالتحديد التنظيمات البعثية والناصرية والشيوعية والإسلامية. وقد تبلور التحول المشار إليه في مفهوم الخط الثالث المتمايز عن كل من الاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي. فالمعارضة التقليدية ترفض الالتحاق بالأميركيين الذي أضحوا قوة تغيير مؤثرة دون ان تتخلى عن معارضتها لنظام الحزب الواحد الحاكم في البلاد منذ اكثر من 41 عاما. وهي تعمل من أجل تغيير ديمقراطي في سوريا دون أن تراهن على التغيير عبر الغزو الخارجي.
كانت هذه معادلة عسيرة وصعبة الاستقرار. ذلك أن الاستقطاب الاستبدادي الاحتلالي الحاد اخضع الكتلة السورية المعارضة لشد عنيف من جانبيها، تسبب في تآكل وضعف التيارات الداعية للخط الثالث. فقد منح قسم من الطيف السوري المعارض أولوية مطلقة لمقاومة الضغوط والتهديدات الأميركية ما وضعه عمليا في موقع قريب من النظام. بينما منح قسم آخر أولوية مطلقة لتغيير الأوضاع ما أفضى به عمليا إلى تسويغ السياسة الأميركية بل والتبشير بالتغيير القادم على يد الجيوش الأميركية. اللافت على كل حال ان اعتراض الأخيرين ثقافي أكثر مما هو سياسي. فهم ضد حزب البعث اكثر مما ضد نظام الحكم القائم، وضد الأصولية أكثر مما ضد التسلطية، وضد الفكرة العربية أكثر مما ضد النزعة القومية المتعصبة.
فوق الاستقطاب الممزق كانت المعارضة التقليدية بالكاد تستعيد بعض اهليتها السياسية بعد أن عانت التنظيمات الأكثر نشاطا وديناميكية فيها من سحق مميت خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين. ولم تكد تتنفس حتى انقض النظام مجددا على بعض ناشطيها واعتقلهم في آب وايلول 2001. وكما هو متوقع فإنه لم تتح لتلك الأحزاب والتنظيمات فرصة كافية لتحديث نفسها أو اختبار آفاق جديدة للفكر والتنظيم.
بالنتيجة لدينا تيارات معارضة غير قوية تخضع لتجاذب بالغ الحدة وتعيش في بيئة محلية وإقليمية قاسية. الأمر الذي جعل من الخط الثالث موقعا مرغوبا اكثر مما هو قوى سياسية فاعلة، موقع يمكن تعريفه بما يرفض لا بما يدعو إليه. إنه يرفض الاستبداد والاحتلال، لكنه لم يتمكن من ترجمة هذا الرفض إلى سياسة عملية إيجابية قادرة على مخاطبة قطاعات واسعة من السوريين. وقد يغرى المرء بالقول إنه ليس من السهل على من تكونوا في مرحلة نزع الاستعمار أن يبقوا على قيد الحياة والعمل في مرحلة عودته!
الغريب أن قوى الخط الثالث المفترضة لم تتمكن حتى اليوم من استنفار نقاط قوتها الفعلية. فهي وحدها التي قدمت تضحيات جسيمة تقدر بعشرات الوف الضحايا والسجناء. وهي ايضا القوى التي تفكر في السياسة كتنظيم لقوى اجتماعية وعلى أرضية مفاهيم استقلالية وديمقراطية. وهي اليوم أبعد عن الانقلابية من النظام ومن الأميركيين. وهي القوى التي لم تنتظر احتلال العراق ولا 11 ايلول ولا حتى نهاية الحرب الباردة لتكتشف الديمقراطية وتحاول مركزة كفاح السوريين حولها.
ولعل نقطة ضعف هذه القوى التي شكلت الكتلة المعارضة لنظام الرئيس حافظ الأسد في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين تتمثل في أنها لا تنتظم في إطار موحد عابر للإيديولوجيات والحساسيات الحزبية. فقد بات التجمع الوطني الديمقراطي، الإطار المنظم الأساسي ونصف العلني للمعارضة الداخلية، متقادما فوق كونه لا يضم الإسلاميين الديمقراطيين، ولا تشارك تنظيماته جميعا في فلسفة الخط الثالث. من المفيد التذكر هنا أن عبارة الخط الثالث ظهرت في سوريا لأول مرة في ربيع عام 1980 في بيان اصدره التحالف الوليد وقتها، التجمع الوطني الديمقراطي المكون من تنظيمات ماركسية وقومية عربية، والذي اقترح على السوريين خيارا مختلفا عن الخيارين الفئويين والعنفيين لكل من النظام والإسلاميين. وقتها، لم يلبث الخط الثالث أن سحق، ومعه المجتمع السوري، في غمار العنف وعنجهية السلطان. لكن لا شك ان للتكوين الفكري والتنظيمي اللاديمقراطي (ولا أقول المعادي للديمقراطية) للتنظيمات التي دعت للخط الثالث وقتها دور مهم أيضا في إهدار المضمون التحرري لذلك التوجه. ومعلوم أن لمعظمها نظائر في "الجبهة الوطنية التقدمية"، الحصن الإيديولوجي والسياسي والتنظيمي للسلطوية بأعنف اشكالها واشدها تعصبا. هل كان للمضون التحرري لفكرة الخط الثالث أن يشكل نواة إعادة هيكلة ديمقراطية ونازعة للميول التسلطية في تلك التنظيمات؟ هل كانت الفكرة بداية قطيعة مع التسلطية الكامنة فيها أم التماعة حرية سياسية وروحية لا تلبث ان تتلاشى حتى لو لم تسحق فكرة الخط الثالث؟ لقد وفر السحق مشقة الإجابة على طالبيها.
خلال السنوات المنقضية على أول "موجة ثالثة"، وهي بالمناسبة الموجة الديمقراطية الأولى بعد استتباب الأمر لنظام الحزب الواحد في عام 1963، تحول موقع الخط الثالث وتشوش مفهومه. فهو اليوم يسعى إلى التمايز عن المنتصرين في مواجهات أواخر السبعينات واوائل الثمانينات من القرن المنقضي، كما عن القوة العالمية التي تحوز السيادة الحقيقة وتملك افضل موقع لإحداث التغيير في "الشرق الأوسط". بالمقابل تحول موقع الإسلاميين من الخط الثاني إلى الخط الثالث بموازاة احتلال الأميركيين موقع الخط الثاني او "قوة التغيير" الفعالة. والمؤسف انه لم يبذل جهد جدي، لا على الصعيد الفكري ولا على الصعيد السياسي، لتوضيح المفهوم وتجديد شبابه. لذلك لا يزال يبدو تعبيرا دفاعيا اكثر مما هو كسر لاستقطابات ليست في صالح السوريين، تمايز سلبي عن أعداء أكثر مما هو تعبير إيجابي عن الحرية.
هل يمكن للخط الثالث اليوم ان يستعيد المقاصد الديمقراطية لسلفه الأول قبل ربع قرن؟ هل يستطيع "الثالثون" اقتراح أفق متماسك لكل من التغيير الديمقراطي والوحدة الوطنية على السوريين؟ هل سيمكنهم توسيع طيف خيارات السوريين واقتراح مخرج من الاستقطاب الحالي المضاد للديمقراطية؟ وهل سيجتهد الديمقراطيون السوريون من أجل استيعاب "الخارج" ليتمكنوا من تغيير الداخل؟ هل يدركون أن استيعاب الخارج هو البديل الوحيد لتغيير يفرضه الخارج، كما لمزيد من التعفن الداخلي؟ وهل ايضا سيكون الخط الثالث خروجا من وعلى الموروث التسلطي للإيديولوجيات البعثية والناصرية والشيوعية والإسلامية ومحركا لإعادة تشكيلها وفتحها على فضاء الحرية والتعدد أم مجرد تمايز سلبي ولا ديمقراطي عن سلطتين لاديمقراطيتين؟ وأخيرا هل سيتمكن الخط الثالث من تحقيق اختراق سياسي يخرج به من النخبوية إلى الشعبية، ومن السلبية إلى وجود سياسي فعال؟
رغم سحق الخط الثالث الأول عام 1980 فقد كان له دور مشرف في إنقاذ كرامة السوريين وإثبات أهليتهم السياسية وجدارتهم بالحرية والكفاح من أجلها. لم يحقق شيئا ملموسا وقتها، لكن لولاه لكانت سوريا أفقر وأدنى كرامة وأقل جدارة ديمقراطية وحضارية. ولا ينقص الخط الثالث اليوم شيء من أجل أن يجسد في ذاته ومفهومه، قبل مضمون دعواه وقبل نصوص برامجه وقبل صيغه التحالفية، تلك الروح الكفاحية الحية التي لطالما تلامحت في تاريخ سوريا الحديث ولطالما ضاعت واهدرت.
إن إحياء الخط الثالث هو الاستمرار الحقيقي لرهان يوسف العظمة قبل 84 عاما.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذهب الضربات الوقائية والعقلانية في النظام العالمي
- فليستقل مدير عام مؤسسة الاتصالات!
- الجامعات الأسيرة صورة عامة للحال الجامعية السورية
- على أثر العاديين ...في شاتيلا
- في ذكرى اعتقال رياض سيف: احتجاج على شركتي الخليوي
- ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟
- نظام الهيمنة وإصلاح العلاقة السورية اللبنانية
- السوريون والمسالة اللبنانية: أسرار الصمت
- الرغبة في تقديس حكامنا؟!
- أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا
- الجفاف السياسي يجعل المجتمع سهل الاحتراق
- حوار حول بعض قضايا الحاضر السوري
- شكوى من فخري كريم وتوضيح من ياسين الحاج صالح
- سنوات الأسد الثاني الأربعة وتحدي -الاستقلال الثاني- لسوريا
- عرب وأميركيون وديمقراطية
- إعادة هيكلة الوعي القومي الكردي
- حظر الأحزاب الكردية ونزع مدنية المجتمع السوري
- المسألة الأميركية في النقاش السوري
- عن الحياة والزمن في السجن - إلى روح الصديق المرحوم هيثم الخو ...
- ماذا فعلتم بجمعيات الأكراد؟


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا