أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - من يوميات مكتوم














المزيد.....

من يوميات مكتوم


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 3324 - 2011 / 4 / 2 - 09:08
المحور: كتابات ساخرة
    


لا أزال أذكر أنني في سبعينيات القرن الماضي أمضيتُ ثلاثة أرباع اليوم، وعيني مُركَّزة على شباكٍ حديدي صدئ، أنتظر أن يعطف عليّ ضابط الأمن في مركز حدود سورية لبنان ليمنحني تأشيرة دخول مدة أربع وعشرين ساعة إلى بيروت، بعد أن طلب مني ما يُثبتُ حُسن نيَّتي، وإثباتٍ بأنني مقيمٌ في بلد آخر، وهو الجزائر، ولم يكتفِ بإقامتي المختومة على صفحة في وثيقة سفري الفلسطينية الصادرة من مصر، ولم يكتفِ الضابط بختم الجزائر ، بل أصرَّ أن أدعم خاتم الجزائر بوثائق أخرى ، ومن حظي أنني كنت أملك إشعارا من البنك العربي في بيروت، وأملك بعض الأوراق الأخرى التي تثبت إقامتي في الجزائر.
وأخيرا أفرج عني الضابط بعد أن سلمتني مفرزة الأمن الصباحية لمفرزة الأمن المسائية وتركتني السيارة التي أقلتني من سوريا، وبحلول الظلام ندر قدوم السيارات إلى نقطة الحدود.
تذكرتُ هذه الحادثة لأنني كنتُ أشاهدُ الوفود تصل وتغادر بسرعةٍ، ولا تنتظر سوى دقائق في المكان، كنتُ أصوِّبُ ناظريّ في وثائق سفرهم التي يحملونها، وقد كنتُ في الحقيقة أبحثُ عن وثيقة سفرٍ أخرى تشبه وثيقتي، فلعلي أحظى برفيق في سجني الانفرادي أمام شباك الضابط المسؤول.
كانتْ وفود القادمين تتراوح بين الأجناس البيضاء اللامعة والمصقولة والبرنزية، وكانتُ أسرعَ الجنسيات التي تُختم جوازاتُ سفرها، هي الجنسياتُ غير العربية.
وعندما هبط الليل ولم يعد هناك كثيرون يمارسون رياضة البحلقة في شباك ضابط الأمن المسؤول، ظللتُ مواظبا أن أحافظ على أن تتقاطع نظراتي مع نظرات الضابط الذي يجلس خلف قضبان النافذة الصغيرة ، في انتظار أن يُشفق عليّ، أو يأمرني بالمثول أمامه.
لم أنتبه إلى شاب في عمري كان يقف بعيدا عن الشباك حضر بعد الظهر، وكنتُ أظنه فلسطينيا مثلي،غير أنه قال لي:
أنا من المكتومين، نظرتُ إليه مستغربا لأن هذه الكلمة جديدةٌ على مسامعي، ولما سألتُه قال:
نحن أكراد ، نصف عائلتي تعيش في لبنان والأخرى تعيش بين سوريا والعراق!
وأنا أرغب في أن أتزوج ابنة عمي التي تعيش في لبنان، وهأنا أنتظر مثلك!
إذن فلوثيقتي الفلسطينية توأمٌ جديد اسمه (المكتوم) الكردي !
وقد أزال هذا المكتوم عني غُمة الانتظار المقيت عند نقطة الحدود، وكنتُ أحاول أن أُسليَ نفسي فردَّدتُ ساخرا بصوتٍ خفيض المقطوعة التي أحفظها منذ صغري للشاعر فخري البارودي:
بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن
إلى مصر فتطوان
لسان الضاد يجمعنا
بعدنانٍ وقحطان
فهبوا يا بني أمي
وغنوا يا بني قومي
بلاد العرب أوطاني
فرد جليسي الكردي مصطفى وقال:
إلى متى سنظل (مشبوهين) أينما ذهبنا، في حاجة إلى أن نُثبت براءتنا من ذنوبٍ مُفتَرَضةٍ لم نرتكبها؟!
قلت: لو جلس معنا الشاعر فخري البارودي لتبرأ من قصيدته المشهورة ولكتبَ قصيدةًَ أخرى تقول: بلاد (الغرب) أوطاني، وليس بلاد العرب!
سأظلُّ أحلم بأن أرى اليوم الذي يعاملني فيه إخوتي في الجغرافيا والعقيدة والتراث في مراكز الجوازات والعبور، كما يعاملون الغرباء، فيُلغونَ (جواز السفر) سيء السمعة والصيت، ويستبدلونه بالهويات الشخصية ورخص القيادة وحتى بطاقات العمل !
سأظلُّ أحلم بأن يفعل العرب كما تفعل دول السوق الأوروبية المشتركة ذات التراث المملوء بالشقاق والنزاع، عندما ركلوا هذا التراث بأقدامهم، وعثروا على قواسم مشتركة جديدة تجمعهم تتمثل في التبادل التجاري والتواصل الحضاري.
وسأظل أحلم بأن (نُحَِّنِّط) الشعارات العربية في مرحلة المراهقة الثورية العربية، ونُعلِّقها في متحف تاريخنا:
سأظل أحلم بأن تكون تكلفة الاتصالات بين ما يسمى بدول العرب، مثل تكلفة الاتصال مع أبعد الدول وأقصاها، فما تزال المكالمات بين دول عربية ، وجارتها العربية الملاصقة لها، أغلى من سعرها بين الدول العربية ودول أخرى في أقصى العالم كأمريكا وكندا!
كيف نستفيد من الشتات؟
هل استفاد الفلسطينيون من شتاتهم في كل بقاع الأرض؟ سؤال سيظل مطروحا على الفلسطينيين ومن يشبههم من الأعراق التي فُرض عليها النفي والتشتت والتهجير والإبعاد والإقصاء.
مارست سنوات شبابي مهجّرا، أمارس طقوس الدعاية لوطني ، وأبحث عن نُظرائي وأشباهي في بلاد الهجرة، وأُعيش حياتين منفصلتين، حياةً الواقع في بلاد الهجرة ، وحياة الأمل المرجوِّ، وكنتُ في الحقيقةِ، أعيش الثانية بعمقٍ أكثر، راغبا في أن أتمكن من رفع عماد الوطن وتعزيز بنائه ، ونشر الثقافة في ربوعه، وللحقيقة فإنني ما أزال بعد عودتي إلى الوطن أسأل نفسي:
هل نجحتُ في مسعاي؟



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما سرُّ عبقرية محمود درويش؟
- مرض القهر التراكمي
- المستبدون في كتاب محظور
- كاوبوي إسرائيل
- هل سيصمد مفاعل ديمونا للزلازل؟
- ألفية صراع الأعراق
- من مقامات الحاكم بأمره
- ذكرياتي مع العقيد
- قانون حنين زعبي وعزمي بشارة
- حكام بعقود
- تحليل إسرائيلي 2011/2/12
- أركاننا وأركانهم
- بكائية على أطلال الإعلام
- أمراء التطهير العرقي
- وداعا مائير داغان
- هههههه
- ترسانة التربية والتعليم
- الموت لكل العرب
- فضائيات الدمار الشامل
- بطولة أولمبياد الحكومة العنصرية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - من يوميات مكتوم