أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - خلدون جاويد - نزهة مع أصدقائي الموتى في كوبنهاغن















المزيد.....


نزهة مع أصدقائي الموتى في كوبنهاغن


خلدون جاويد

الحوار المتمدن-العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1 - 03:50
المحور: سيرة ذاتية
    


كان النهار مشمسا وحزينا .. لا ألِقا ً ولابهيجا ً . البهجة ظلـّتْ ورائي ... كنت منذ الصباح ادندن شطرا من اغنية لاُم كلثوم " واتبدل الزهر البسام ، لاعطر ينعش ولا أنغام "ـ الآهات ـ .
تناولت فطوري على مضض ، خرجت الى الشوارع على مضض ، رحت أسير وحيدا متمنيا أن لا يراني أحد فيتكلم معي لا بل يقطع عليّ دَرْوَشتي ويحد من خشوع دامع يحتلـّني .. لقد خصصت هذا النهار لمرافقة أصدقائي الموتى . كانوا عددا من أصدقاء قررت أن أمر بهم .. لا الى المقبرة ... بل الى الأماكن التي كنا نلتقي فيها عندما كانوا أحياءا .
كان الشارع المسمى "نوروبرو" يعج بالمخازن بالناس بالسيارات... قرب الجسر كانت شقته ... مررت من هناك ... دنوت كما أدنو من ضريح ، من بابها حيث عناوين الساكنين ومضاغط الجرس والمايكرفون الذي كنت اسلم عليه من خلاله ويحدث ان اُسمعه ممازحا اصواتا غريبة فمرة صوت طرزان ومرة صوت شيبوب واخرى اغني له بالهندي . انه الصديق الحبيب الفنان كمال السيد ...
كنت احدق بمكان اسمه الذي رفعوه بعد موته من قائمة الساكنين المدونة اسماؤهم قرب الباب ... كانت تأسر تلافيفي اغنية بيرم ـ ام كلثوم " الآهات " .

" ارجع واسأل عقلي هوه الزمان حيروق لي
آه آه آه "
يقول لى قلبي آه "

وقفت هناك أتطلع للباب ... وحشة ... آلاف الناس لكنْ وحشة ... " إني لأفتح عيني حين أفتحها .... على كثير ٍ ولكن لا أرى أحدا " .. كان هو هناك قبل نقله الى المستشفى .. تذكرت آخر الأيام معه .. كان وئيد الخطى .. متعبا .. كنت أتصل به بكثرة .. كأن قلبي على علم بفراقه ..

" يقول لى قلبي آه
العقل يا ربي ضايع ومتبدد
والقلب فى جنبي يسكت ويتنهد "

مرت بي أطياف الذكرى . الاحتفالات ، اللقاءات ، الأحاديث في المقاهي ، المطاعم البسيطة القريبة من شقته ..
قصيدتي التي أهديتها له ... والتي اعبر بها عن اعماقه ... اذ عاش كمال السيد ومات وهو ذلك الأبي والمنيف والصامد في منفاه حتى الموت .
القصيدة " نجمة سامية " مهداة اليه حرفا حرفا وليس الى المتهالكين على اعتاب المال السلطوي او سواه . لقد علمني استاذي الفاضل هادي العلوي أن أجد وأدأب على اسداء المحبة للصامدين وتثمين مواقفهم الأبية :
نجمة سامية
تجد القصيدة منشورة في ص 184 من ديواني قم ياعراق المطبوع في دار أضواء ـ بيروت عام 2004

( مهداة الى الصديق الحبيب كمال السيد في أيام محنة! )

عزوفٌ عن الشرفة العالية ْ
عفيفٌ وإنْ قدمي حافية ْ
ونسرٌ على قمة ٍ في الخيالْ
وان كنتُ في القاع والهاوية ْ
ولست اريد مياهَ البحار
ولا الغيث بل قطرة كافية ْ
ولستُ ولوعا بعنف الحياة ْ
ولا ناطحات السما العالية ْ
وياليتني حبة من ندى
على شفة الوردة الغافية ْ
وحيدا وراء جبال الجبال ْ
غريبا وراء القرى النائية ْ
ومهما اكتستْ بالجفاف حياتي
سعيدٌ بأنْ دمعتي جارية ْ
وان لم أجدْ ملجئي في اللحود ْ
تغمّدَني الوزنُ والقافية ْ
بلادي متى تنجلي بالجروحْ
وضوحا ً فعِلـّـتـُها خافية ْ
وذاتي أُخبّرها من تكونْ
وهيهات تخبرني ماهيَ
ومهما اذلّت ظلالي السجونْ
شفيعي بأن هامتي عالية ْ
ومهما تدنّى شعاع الشموسْ
ففي الحلم لي نجمة سامية ْ

*******

كنت قد تركت مكان شقته واتجهت نحو الجسر .. جسر بلا كمال السيد .. مصاطب يسترخي الناس عليها أمام بحيرات تنعكس عليها فضة السماء ، وتلك الطيور العابرة والاوز المنساب . وكمال هناك ، بعيدا بعيدا فيما وراء الكون في الغيب ، في السر ، في غموض الوجود .. في عدم او لا عدم الحياة .. ولا أقول مات ان فناني الشعب الحقيقيّن لايموتون .
لقائي قبل الأخير معه يوم نصبنا الكاميرا في حجرته وأمامنا ابنة الشعير والعنب ، وقمنا بتسجيل له انا وصديقان لي .. يومها كان قد رد على أسئلة بإجابات غاية بالروعة .. كان اجمل لقاء لي في حياتي مع فنان أصيل : "الكاسيت المسجّل مفقود".
كنا نضع أحيانا مسجلة صغيرة على صخرة أمام البحر من جهة هيلاروب ونستمع الى صوت المغنية الميلاء.

" آه من لقاك فى أول يوم ومن رجايا ومن حبي آه
وآه لما بلغت آمالي وفرحت بك والجو صفالي
ومليت كاساتك وسقيتها لي
آه من حلاوتها آه من قساوتها
اشرب بإيدي كاس يرويني واشرب بإيدك كاس يكويني
بات السرور كله بينى وبينك متقسم
والزهر ويانا ينظر لنا ويتبسم

كان يشرح لي هو جماليات الانتقالات الصوتية وطبيعة المقام والانغام ، بل جعلني انتبه لمونتاج الاغنية الداخلي فضلا عن دور ابو فينوس عماد فيديو الاختصاص بتراث ام كلثوم وبمطربي الزمن الجميل كان هو والفنان الهالة قحطان العطار يتناوبان على التغزل بالألحان ويتذاوبان شوقا وتحنانا بطقس الكلام والتناسق الرائع للسمفونية المرافقة للصوت :

والطير يغني لي والموج يقول وياه آه
يادي النعيم اللي وجدناه واللي دخلنه آه
وآه لما منعت ودادك والانس ده اتبدل ببعادك
غالطت حسادي وحسادك
اصبر واتظاهر بالفرح والبهجة
والصبر فى الظاهر والمر فى المهجة "

وفي المستشفى كان اللقاء الأخير اذ كان منتهيا تقريبا .. وكان عليّ ان اقولها له بطلب من صديق لي وهو رفيق معروف في الحزب الشيوعي العراقي : " كمال .. الحزب كرّمك ............ " همست الكلمات في اذنه كأمانة يجب إيصالها ، بينما كان هو بلا جهد ولا مهجة ! يئن ويتلوى بإعياء . تذكرت بيتا للشعر يقول :
" أتت وحياض الموت بيني وبينها .... وجادت بوصل ٍ حيث لاينفع الوصل ُ" .
سمعنا انه فارق الحياة في اليوم التالي رافقناه بجمع غفير الى المقبرة :
"تعال شوف الطير اهو نام من قبل وقت النوم فى ظلام
واتبدل الزهر البسام لا عطر ينعش ولا أنغام
دا الانس كان انت والانسجام انت
والزهر كان انت والابتسام انت
ما احسبش دا كله فى يوم يضيع مني
واجرى ورا ظله اللي ابتعد عني
ما تقول لى فين انت
آه يا للي اسست وهديت آه يا للي عمرت واخليت
آه يا للي اضحكت وابكيت آه من رضاك وصدودك آه. "

كانت هذه الدندنات الموجعة في رأسي كلمات من نار ينشف اللسان لترديدها لقوتها ، ولأن شاعرها شاعر عظيم من الوزن الثقيل الآ وهو بيرم التونسي .
رحت ادندن عابرا الجسر " واتبدل الجو البسام لاعطر ينعش ولا أنغام " هذا المقطع احبه وهو موح ٍ بالذكرى .. الذكرى التي تفترسنا كل يوم وتدبغ جفن الشيخوخة بالدموع .
مضيت وأنا في حيرة من أمري .. في وحدتي ووحشتي ... في مدينة جميلة للغاية وصحراء للغاية .. انسابت قدماي الى حديقة قرب محطة النوروبرو .. هناك على مصطبة أمام بركة جلست ... أغصان خضراء ورائي وأشجار باسقة ومنحدر من السندس والورد في كل مكان .. النسمة عطيرة والضوء ساطع لكن القلب معتم وحزين . لا يهمك كيف هو النهار مشمس ام غائم المهم انت مشمس في اعماقك أم لا؟ .
على هذه المصطبة استحضرته .. رأيت روحه تجلس الى جانبي .. بل راح يتكلم معي .. ما اروع كلامه وتلك الكاريزما العراقية الحبيبة في صوته .. كان موسوعة تاريخية عراقية .. كان قاموس أرقام وأيام .. انه الشيخ بل الجبل الشامخ ابو علي الجادري .. كم كان غنيا مهذب اللفظ ، عراقيا أصيلا غيورا ..
كان يحدثني عن سفرته الى العراق وبالذات عن مآسي الناس ومأساته هو اذ سافر الى هناك حيث " المقابر الجماعية " للبحث عن عدد غير قليل من ابنائه الشهداء الذين وضعوا كأجساد قتيلة في أكياس سوداء وسط آلاف من أكياس أخرى متروكة في العراء مكتوبة عليها اسماؤهم ، والناس تتنقل بين الجثث للبحث عن فلذات الأكباد . ياله من مشهد دامع ومفجع .
كان قد رجاني ونحن نتنقل بالأحاديث من جانب الى آخر رجاني ان يذهب لها ليرجوها لماذا لا وهو الرجل الختيار المهيب حقا وفعلا ، قال لي وبالحرف الواحد لو تسمح لي قلت على عجالة لا لا اسمح لك وبارتباك اعتذرت على خشونتي بالرد قلت له لا لا اعتذر لك لم أقصد لا أسمح لك قصدت لا اريد .. يكيفني ان كيسي الأسود معي وخط طلاقي بيدي .. انا ربما أفضل حالا من عذاباتك في فقد الغالين . كانت دمعتان مختبئتان في عينينا :
" اتبدل الزهر البسام لاعطر ينعش ولا أنغام "
كان وجهه الباسم لايفارقني فكم من احتفال ذهبت اليه في مناسبات وطنية واجتماعية هنا في كوبنهاغن وهو الحاضر بين الناس ببساطته الشعبية وغناه السياسي .. كنت اراه وقد رفع يده لي او لوّح بقبعته من بعيد يريدني ان اجلس بجانبه وفي كل مرة يقول لي هذا الكرسي حجزته لك . لم يكن يدري اني قادم الى الاحتفال ام لا لكنه كان يحجز الكرسي . ياليته اليوم يحجز لي مترا من رمل قربه .
كنت قد ودعته بقصيدة ورافقته حتى الطائرة التي نقلت جثمانه الى العراق لينام كالبذار الغني في ارضه وليتفتح برعما وفسيلة .
القصيدة
رثائية الى العراقي الأشم جابر الجادري

" أبا علي الأب والأخ والصديق ، ايها العارف المتحمس الغيور : اشهد اني جالستك فذا ً وفارقتك وانت النبالة الصامدة والنيافة الكاملة ومحط اعجاب محبيك وخلطائك .. يا أبا الشهداء الكثار المؤتلقين في المقابر الجماعية وفاءا وابتلاءاً بوطن المآسي والدواهي والاشجان ، أشهد انك ابٌ بار لشهداء ابرار ومواطن صامد حتى الموت في منفى فجيعة لاتنتهي لكنه منفى يأبى الهوان " .

أرأيت كيف تبدد الحلم الجميلْ ؟
وتناثرت ايامُنا
في البحث عن شهدائِنا
والصبر حتى الموت في " الوطن ـ الرحيل "
وطن وهبناه النواظر
وهو يمنحنا الظلامَ
التيهَ ،
والاشواقَ دامعة ًعلى ارق الوسادة
والظلالَ الهائمات
وكذبة َ الآمال ِ
وهي يتيمة في المهد تـُقتل ْ
من قال ان لنا على الاولمب مشعل ْ ؟
فالمرتجى قد مات وانتحر المؤجل ْ
لا آذار بشـّر َ بالمطرْ
كلا ولانيسان بالآزهار رفرف والحمامْ
هي اعينٌ تبكي كسرب من عصافير على الأسلاك
عاما بعد عامْ
لا بل ملايين ٌ من الارواح في منفى وفي وطن تـُضامْ
العمر ضاع
على هباء ٍ مرة ً وعلى خواء ٍ
من شعارات ٍ ومن وطن ٍ يُدجـّلُ
لو تحدث
بالهناءة والسلامْ
بغداد تأكلُ كلما ولدت بنيها
او تـُجند للحروب
جريمة ٌ يدعونها : " دار السلامْ " !.
الجادريّ ُ كنخلة خضراء تهوي
من قلوب السومريين
العراقيين
ترتطم ارتطامْ
هي الجروحُ وقد تشظـّتْ بالدماء وبالدموع ْ
" مامر ّ عام ٌ والعراق ـ بدون ـ جوع ْ "
الله ما أحلاك يا " جبر " الخواطر
ياصديق المعدمين
يا ايها القمر الفراتي ّ الأصيل ْ
يامن حلمت بلعبة ٍ للطفل
وردٍ للحبيبة ِ
غنوة ٍ حمراء للوطن الجميلْ .
نحُبّ ُ صوتك
نشتهي كلماتك الولهى بحب الكادحينْ
يامجدنا الذهبيّ
والطود الرصينْ
عذرا اذا انتكسَ الكناريْ !!!!!
والنوارسُ قد غصَصْنَ من النحيب ِ
من النواح ِ من العويلْ
عذرا اذا يبكيك قرص الشمس
يبكيك الفراتُ ودجلة ٌ
ويظل يحنو بالدموع على جنازتك النخيلْ .
عذرا اذا ماجف وادي الرافدينْ
عذرا فقد نصبوا على الماء المشانقَ والسجونْ
عذرا ً اذا نسقيك من ماء العيون ْ.
*******
14/9/2009

تركت المكان الأسيف .. لم اتجه نحو محطة القطار بل ذهبت رغم آلام الظهر والقدمين ، ماشيا على رصيف موحش كي لا ارى أحدا فقد كنت سوداويا الى حد بعيد ... وقد كنت اريد ان احتفي بيوم حِداد ...
بعد جولتي مابين كمال السيد والصديق ابو علي الجادري ، قررت الذهاب الى آخر مكان رأيت فيه أبا عادل الشايب ، في عرض الشارع المسمى فيستربرو .. رجل عبر بصدق عن تجارب الآخرين ولم يبخس الناس أشياءهم ولذا احبتته من اعماقي ، وأهديت له زهرة . رحت هناك لأقف بخشوع أمام طيفه او شبحه .. واعرف بالضبط أين التقيته ، ولذا فالمكان مزاري . بعد أيام لم أجده في سريره اذ غادر المستشفى وقالوا تحسن المريض وغادر الى البيت .. فعدنا دون ان نراه ... وهناك، هناك بعد أيام انتهى ، وكان في المقبرة موعدنا " مقبرة شيلير " . بعدها كتبت له تخليدا لذكراه الغالية :

زهرة الى الفقيد الشيوعي أنور طه

" اكراما لذكرى محبة وامتنان كبيرين لأب ومربي ومناضل أصيل أحب شعبه العراقي بكادحيه ومثقفيه وكل قومياته واقلياته ، الى الصديق الحنون أنور طه محمد ( أبو عادل الشايب ) أهدي هذه القصيدة التي كتبت اثر تشييعه صبيحة يوم 29/9/1995، وقد قرأت في قاعة اوكسنه هيلن وسط العاصمة كوبنهاغن في عامها الثقافي .
نشرت القصيدة في ديوان قم ياعراق ص 107 " :

حبيبي لقد باغتّ عينيّ بالعمى
وقد كنت للأهداب شمعا وأنجما
طريقي وقد عبدته بقلائد ٍ
تلألأ بالأمجاد أرضا الى سما
وماكنت الاّ فكرة يُحتفى بها
ونور شمعدان المدامع والدما
فما لك أطبقت الجفون بليلة
وغادرت صبحا أسود اللون معتما
وقد كنت متبولا بنبراس فجره
كما كنت بالزهد الغفاري متيما
وفي حالك الأسرار كنت التماعة ً
وثغرا يزيح الجرح كي يتبسما
وتغريدة الأحلام كنت رحيقها
وانشودة الغيث العراقيّ لوهمى
أُقبل أرضا دستها فهي تربة
على عطرها صلى فؤآدي وسلما
حبيبي لقد أثقلت بالوحشة الحمى
وفارسك المطعون في الوهدة ارتمى
وقد كنت تسقي كل روح بقبلة
باكسيرها الصوفي ّفاغتالك الظما
الى أين تمضي وردة بحنينها
اذا ابصرت غصن الحنان محطما
تسائلت والمنفى تطامن جرحه
وتغفو رجال غفوة الدود في الطما
لمن طال منفانا وطاحت نفوسنا
وفارق طير عشه الأُم مرغما
وقد كان كأس العيش بالمر مترعا
كما كان كأس العمر بالموت مفعما
تواريت َ في صمت اللحود وبردها
وكنت َ بأبراج النواقيس مغرما
وما أكثر الخيبات تلوي بعزمنا
وقد كنت َ لو عز ّ الرجاء المعلما
عهدناك في ليل الغياهب كوكبا
وبرجا الى صبح الحياة وسلّما
سراجا ينير الدرب من وقد ِ روحه
وان أحلك الجلاد ومضا ً وأعتما
عهدناك ياشيخ الأماني لشعبنا
ضمادا ، وللقلب الممزق بلسما
عهدناك ممراحا جوادا ووردة
وسفحا وفانوسا وكأسا ومبسما
وشئناك رمحا في الرزايا مهوّما
وسيفا ً لأغلال الحصار محطما
مراحك وجدان النطاسي ّ بهجة
لفارسنا يوم اشتكى او تجهما
وان جوادا قابعا في هزيمة
شددت َ عليه صهوة ً فتقدما
وأسلافك الأبرار مالت ظهورهم
وما لقنوا درس البكا والتشاؤما
وقافلة الأحرار أبقى وان بدت ْ
سنابكها تشكو الونى والتشرذما
وقافلة النخل العراقي ّ حكمة
مخلدة تفني خؤونا ومجرما
ومهما ارتمى شعب ٌ فمن حلكة الأسى
سيغدو لفجر الانتفاضات ملهما
بنفسجة التابوت مهلا فربما
فقيد على ارواحنا قد ترحما
فكم رجل قد هدّه ُ الدمع ( ثاكل ٌ )
بحائط مبكى الضائعين قد احتمى
فغصّت بأثباج الجراح اختناقة
وماتت لكي يحيا العراق ويسلما
أخا الود لاتطبق جفونا أسيفة
فان لنا سبقا وعزما ومقدما
وجثتك الأبهى من النور بذرة
ستطلع أغصانا وزهرا وأنجما
كفاك جلالا أن تجسّدت َ فكرة ً
وصُورت َ جذرا بل تجسّدت َ برعما
ويابن الشذى والماء والنخل والضيا
ويا ألف قارون ٍ وان كنت َ معدما
" لقد قيّدتني في هواك محبة "
كما قيّد الاسلام بالحب مسلما
كما يعشق الحزن الفراتي ّ نخلة
ويلثم سعف وجنة الماء والطما
كما يذكر البركان شوقا صهيره
ارى قلبي َ الباكي الى جرحك انتمى
أُقبل منك الصدغ والخد والفما
وصدرا وأضلاعا وكعبا ومعصما
*********

وأنا في سفرة اضطرارية الى خارج الدانمارك ، قرأت نبأ وفاة صديقي الرابع الذي درت في أكثر من حلم على ذكراه .
أمام مجمع السينمات في الفيستربورت كانت هناك مقهى أنيقة للغاية ... تضع مظلات على كراسي متراصفة مع أغطية حمراء يتلحف بها رواد المقهى عندما يجلسون متحفظين من نسمة باردة . هناك وقبل سنوات كنت التقي ذلك العصامي الذي صنع نفسه بنفسه ، ذلك النبيل البابلي الأصيل صديقي المهذب ماجد يحيى .
حلمت ليلة سماعي بالخبر الموجع بأني ادور هناك حيث ذكرياتنا . كنت اضع أمامي كوب قهوة بلا سكّر . ومن غريب الصدف ان اكون حتى في حلمي وحيدا اتطلع لآلاف الناس والسيارات المارة .. لا أرى أحدا كما قال الشاعر بشار بن برد . كان وجهي في اتجاه وتلافيفي في اتجاه " عندكم روحي وعندي بدني " ... لشاعر قديم . كنت انتظر ماجد الذي جاء ليعتذر لي فقد قال انه سيسافر !
كان ماجد يبني هرمه الشخصي مثل " ل . شاغال " الفلاح الفرنسي الذي وجد ازهار الرمل في صحراء فقام ببناء الآلاف منها لبناء بيت جميل كتب على بابه كلمات محبة لبني الانسان .
ماجد الكرم والضيافة والحنين الى العراق .. المتابع لأخباره المتشوق الى عالم عادل جميل تسوده المحبة ومثل الصداقة .. هو الآخر عاش ومات صامدا لم يطأطىء رأسه لأعدائه .
ظلت عالقة في ذاكرتي هديته وهي مجموعة من مقطوعات موسيقية احداها قصة حب love story التي احتفظ بها للآن منذ عام 1979 يوم التقيته في فندق زدرافتس في العاصمة صوفيا ، وكنا قد تركنا العراق هاربين من جحيم الفاشية التي كانت تروم تبعيثنا او تصفيتنا .. كان هو أحد الذين سافروا الى صوفيا ودرس هناك وانتقل الى الدانمارك ، وهو من أول الناس الكرام الذين استضافوني ووقفوا الى جانبي في الصغيرة والكبيرة . رحت اتذكر ماجد وهو يدعوني الى طبيعة شاعرية في صوفيا واجواء حالمة هناك . كان هذا مشروع لقاء بيني وبين ماجد .. الذي هممت بالبحث قبل أيام ، عن رقم تلفونه بين اوراقي لكي نلتقي ، فاذا بي افجع بنبأ رحيله .
سوف أمضي اليوم الى بيتي البعيد الموحش ـ في احدى المجرات ـ لأضع على طاولتي كأسا من العرق العراقي الشديد اللهجة اخبطه خبط َ عشواء مع وسكي وفودكا وريكارد وقليلا من السم السقطلي ! واستمع الى ذات الكاسيت " قصة حب " نعم الحياة قصة حب، وذلك ما أحبه ماجد من الحياة . وما علي سوى ان ادخل في عمق المعاني بل ان احول حياتي الى قصة تقوم على محبة الناس .
أشهد اني عشت نهار حِداد في المدينة الصحراء كوبنهاغن .. وفي حلم ليلة مريرة على وسادة في بلاد قصية ... عدت ادراجي في الحلم الذي استحال بذهاب ماجد الى كابوس ، تاركا المقهى مارا من قرب المصطبة واضعا يدي على جدار بيت كمال السيد وهناك نسجت الدمعة اولى خيوطها .
اصدقائي الأحبة .. انحني لأقبل تراب قبوركم اينما حل بها المكان والزمان .
ـ واطمئنوا : ليس الذي تحت التراب هو الوحيد الميّت ْ .

*******

كتبت بعض هذه الذكريات بالحبر الأسود على اوراق سوداء بكوبنهاغن في 2/1/2011 ونشرت في 31/3/2011 .



#خلدون_جاويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا جوهرة على جبين الكون ...
- قصيدة الى الرئيس - الخَرَنْكَعي ...- !...
- - كل من يطالب له بعمل قالوا شيوعي ... !- ...
- إنحناءة في حضرة الإمام علي ...
- ليبيا العروسُ على الضفاف تحوم ُ ...
- سبعة اُدباء لايدخلون -الجنّة- ! ...
- الرقطاء بثينة شعبان ؟ أم بثينة ثعبان ؟
- ياجعفر الصادق لايصدقون ! ...
- تنبؤآت إخطبوط بهروب الأسد الى إيران ! ...
- ثرواتنا حكرٌ على الخلفاء ِ ...
- السوريون الشجعان
- عجّتْ فدعْها تزدهي بعجيجها ...
- لماذا يا استاذ سلام كبة ؟
- شهداء -درعا- نوركم متواصل ُ ...
- قصيدة لأبطال اليمن ...
- - سلامٌ من صبا بردى أرق ّ ُ-
- شكوى عبر الأثير
- بنغازي لا ... سحقا ً لما قال العقيد ْ ...
- صنعاء هبي نجوم الكون تنتظرُ ...
- قصيدة أمام تمثال الرصافي ...


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - خلدون جاويد - نزهة مع أصدقائي الموتى في كوبنهاغن