أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - قطة شيرازية















المزيد.....

قطة شيرازية


فاتن الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 3322 - 2011 / 3 / 31 - 08:32
المحور: الادب والفن
    




قطة شيرازية

فاتن الجابري



مهداة الى الاديبة لانا راتب المجالي





المطر الربيعي ينهمر بشدة، شوارع المدينة غرقت بالسيول المذياع يبث تحذيراته إلى السائقين من خطورة الطريق وتوخي خطر الازدحام المروري بعد أن تشوشت الرؤية بسبب زخات المطر الكثيفة كنت أقود سيارتي متجها إلى عملي كما في كل صباح ..

السيارات منطلقة بسرعة جنونية مخلفة ورائها رشاشات المياه كشلالات، الناس يتراكضون وقد غسلتهم مياه المطر ولم تحمهم مظلاتهم الملونة التي يحملونها، أتابع الطريق الذي غرقت جوانبه محاولا الوصول إلى عملي دون تأخير ملامح مديرة مأوى المسنين الغاضبة أراها أمامي عاقدة حاجبيها المزججين بعصبية، تستقبلني عند الباب، تلاحقني بالتهديد المبطن بالفصل كلما تلكأت في تلبية رغباتها الصبيانية أو تأخرت عن موعد العمل الصباحي ..

ـ محمود أنت لا تدرك خطورة تأخيرك، عليك مسؤولية كبيرة واجبك رعاية هؤلاء المسنين هم أمانة في أعناقنا .

مجبرا وكارها لعمل الخدمة الاجتماعية بأجر يورو واحد للساعة الواحدة و تحت أمرة السيدة شنايدر العجوز المتزمتة التي ترهقني بالأوامر طوال اليوم مستثمرة قوة عضلاتي وفتوة شبابي في حمل وخدمة المسنين ونقلهم من وإلى غرفهم أوالحديقة للتنزه طوال النهار تراقبني في كل شاردة وواردة تطاردني بنظراتها الشبقة وقد دعتني إلى منزلها، أكثر من مرة أتهرب من تلميحاتها الجريئة السافرة تكبل سكناتي وحركاتي ويجن جنونها حين تراني منسجما أو مبتسما مع إحدى الزميلات حتى وقعت في حبائلها، جرجرتني إلى عالمها المقرف عنوة.

قطرات المطر تصفع الزجاج الأمامي بقوة وتخترق فتحات تهوية سقف السيارة ذات الزجاج المتصدع، تبلل يدي الممسكتين بالمقود ماسحتا السيارة تتراقصان من أمامي دون توقف أغلق صوت المذياع واستمع إلى أغنياتي الصباحية .. ينهمر صوت فيروز رقراقاً كخرير المياه في الجداول ،أسرح مع عذوبة الأغنيات، ثم فجأة تتوقف الماسحتان أحاول أعادة تشغيلهما دون جدوى تزداد تدفقات المياه من أمامي تحجب رؤية الطريق بوضوح ووقت بدء الدوام قد أزف وشتان مابين صورتها بعد دقائق حين تكيل كلمات التوبيخ اللاذعة، وصورتها ليلة البارحة وهي تجثو تحت أقدامي متضرعة باكية لاني هددتها بترك العمل هروبا من قيدها الذي كبلتني فيه ..تخنق أنفاسي ..ترتمي بين أحضاني بجسدها المترهل ..ووجهها السيرامكي الملامح والخطوط تضغط على أصابعي بيديها المعروقتين ..كأنها تمسك أقداري بلا رحمة .


أدلف إلى طريق فرعي بين الأزقة لاختصار الطريق تندفع من أمامي كتلة صغيرة، جسم يتحرك يبدو لي من بين ضبابية زجاج السيارة، أدرك أني اصطدمت بذلك الجسم الذي قفز من أمام السيارة فجأة ولم أتحقق من ماهيته،هل كان سنجاباً أو أرنباً، أحمد الله على أنه لم يكن انساناً أنطلق، ولا أدري أي كائن القيت الآن صريعاً على أسفلت الشارع، أحسست بالضيق رغم وصولي إلى العمل في الوقت المحدد ..

وخزات الضمير رافقتني طوال اليوم ومرارة في فمي تفقدني الإحساس بالسكينة والراحة، وأنا أفكر بذلك الجسم الذي تركته هامدا على الرصيف بعد عدة أيام وصلتني رسالة استدعاء من المحكمة للمثول أمامها بتهمة دهس على الطريق العام.

في قاعة المحكمة كانت السيدة صحبة محاميها تجهش بالبكاء وقد تورمت عينيها وأحمر أنفها وهي تغص بكلماتها وتطلب من القاضي إنزال اشد العقوبات بحق من حرمها رفيقة حياتها الوحيدة منذ سنيين، كاتي الجميلة، قطتها الشيرازية الراقية ذات الفراء الكثيف المنسدل على جسمها بلونها الأبيض وعينيها البرتقاليتين المستديرتين وانفها الصغير.

انبرى محامي السيدة قائلا أطلب يا سيادة القاضي تعويضا ماديا لموكلتي للضرر النفسي العميق الذي خلفه فقدان قطتها الجميلة ورفيقتها المدللة كاتي التي كانت تمارس نزهتها الصباحية في أزقة الحي قبل أن تدهسها عجلات سيارة المتهم الذي يفتقد إلى الرحمة حين تركها ملقاة على الرصيف تصارع الموت ولم يحاول طلب الإسعاف لنجدتها.

أقف مذهولا كيف أصبحت جانيا ومطلوبا للعدالة دون تخطيط سيثبتون جنايتي الحمقاء في ملفي الأمني . وربما أحرم من حقي في الحصول على الجنسية الألمانية، هتف دفاعي بقوة الواثق التي بثت الأمل في نفسي!

ـ هل بالإمكان تعريف المحكمة بفصيلة القطة قال موجها سؤاله إلى صاحبة القطة النافقة

ساد المحكمة صمت ووجوم والأنظار تتجه إلى السيدة كلاين التي اكفهرت سحنتها وهي تتبادل نظرات القلق مع دفاعها أجابت باقتضاب شديد:

ـ قطتي من فصيلة هجينة!

لكن دفاعي كان واثقاً من حججه حين بسط أمام المحكمة أوراقاً صادرة من جهات بيطرية مدون فيها أن القطة من النوع الشيرازي ذات المنشأ الأوربي وينحدر من الأنجورا أي إنها سلالة حديثة وصفاتها تنطبق على القطة المدهوسة من كثافة شعرها لونها الأبيض ولون عينيها البرتقاليتين.

كنت أتابع مندهشا من تلك المرافعة ولم أصدق بعد أني متهم بسبب دهس قطة وعلى بعد أمتار ترمقني صاحبتها بحنق وحقد شديدين وهي تتابع مرافعة محاميها الذي حاول دحض أشارات دفاعي إلى سلالة القطة النافقة

القاضي طلب توضيحا أكثر من دفاعي عن أهمية الربط بين سلالة القطة وحادثة الدهس:

ـ سيدي القاضي إن صفات هذه الفصيلة رأس كبير وسيقان قصيرة مكسوة بالشعر ومعظمها لا يسمع فكيف تسمح السيدة لقطة لا تسمع بالتنزه الصباحي، وحيدة بهذا الجو الممطر؟
وإن موكلي أطلق لها العنان طويلا في زامور السيارة المرتفع الصوت لكنها رمت، رغم ذلك، بجسدها أمام السيارة!

تتصاعد مجريات الجلسة كأني أشاهد فيلما سينمائياً، أقوم أنا بأحد أدواره الرئيسية، يعيدني صوت القاضي إلى قاعة المحكمة برده:
لكن شهادات الشهود تؤكد أن المتهم كان يقود سيارته بسرعة بالغة وسط الأزقة الضيقة.

يجيب محام
ـ نعم سيدي لأنه كان يؤدي خدمة اجتماعية سامية وهل أسمى من رعاية المسنين خدمة؟ ثم أنه كان يخشى التأخر عن خدمتهم في ذلك الصباح.

لم يقتنع القاضي بتبريرات الدفاع وكان قرار المحكمة مفاجأة للطرفين حين أعلن القاضي إلزامي بدفع غرامة مالية للسيدة صاحبة القطة المدللة النافقة، وإلزام السيدة بدفع غرامة مالية لصالح جمعيات الرفق بالحيوان جراء إهمالها وعدم المحافظة على حياة القطة.


من مجموعة أنثى الدفلى



#فاتن_الجابري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطن رقمي
- حلم في ليل كافكا
- الجليد الساخن
- هذيان الاسئلة
- ذاكرة الجدران
- سرير البنفسج
- لكل قبر زهرة
- رقص اخيرا
- نساء على قارعة الانتظار
- ذات ظهيرة
- هناك اضاع عينيه
- الموت بعيدا
- رحيل
- السيد الوزير
- أبعاد قسري
- ليلة الزينين
- أختطاف
- أمرأة الريح
- صباحات مألوفة


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن الجابري - قطة شيرازية