أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - جهاد علاونه - ممن يتعلم الأطفال الكذب!














المزيد.....

ممن يتعلم الأطفال الكذب!


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 14:28
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


أولادكم, وأولادي, وأولاد الجيران يتعلمون من تصرفاتنا وسلوكياتنا أمامهم ولا يتعلمون من كلامنا شيئا وخصوصا ونحن نعلم بأن سلوكنا أمام أعينهم مخالفٌ لتعاليمنا لهم وبصراحة سلوكياتنا أمام الأطفال مخالفة لِما يتعلمونه في المدارس أو لِما نُعلمه لهم ويغيب عن الأذهان هذه الحقيقة وهي أن الطفل يتعلم من سلوك أمه وأبيه ولا يتعلم مما ينطق به لسان أمه أو لسان أبيه , فالطفل إذا قلت له لا تسرق فإنه سيسرق إذا رآك أمامه تسرق, وإن قلت للطفل لا تكذب فإنه حتما سيكذب إذا رآك أمامه تكذب ولا يتعلم الأطفال من تعليمهم النظري شيئا عن الصدق والأمانة وعدم الكذب والحرص والواجب والمواطنة إلى آخره من سلسلة أهم المدرجات على جداول التعليم , فهم يكذبون علينا وأولهم أولادي علما أنني أقول لهم (الكذب فساد وصفة بذيئة في الإنسان ولكنهم هكذا يكذبون لأنهم يشاهدون سلوكنا أمامهم كله كذب ودجل وإن لم يشاهدونني أكذب أمامهم فإنهم يشاهدون كافة أفراد عائلتنا والحارة والناس حيثُ إن سلوكهم والذي كله كذب وغش وخداع هو الذي يُذكي نار الكذب أو عادة الكذب وأنا كرجل عربي كنتُ وما زلتُ مثل أبي وجدي ومثل كل رجال حارتنا ومثل كل الناس في قريتنا حريصٌ جدا على تربية أولادي تربية مثالية على الصدق والشرف والأمانة وخصوصا أنني أركز كثيرا على تعليمهم فن الصدق وبأن لا يكذبوا وبأن الغش فساد وبأن السرقة فساد وبأن العنصرية جهل وتخلف وأسرد لهم قصصا واقعية من الخيال عن الصدق والأمانة وعن الإنسان الصادق المثالي جدا وأحثهم على اتخاذه مثلاً لهم في الحياة وعن كيف ينجينا مثلاً الصدق من المهالك وكثيرا ما أنتبه إلى هذه الظاهرة التي لا ينتبه إليها الأولاد في هذا السن المبكر وهي أنه لا توجد عن الصدق قصة واحدة واقعية بل كل القصص عن الصدق والأمانة خيالية وغير واقعية وحتى هذه اللحظة لم أقرأ قصة عن الصدق واقعية وأقول بيني وبين نفسي بأنه من الممكن أن تكون الأجيال السالفة والسابقة لنا مثلنا في تصرفاتها أي أنهم كانوا يحكون قصصاً عن الصدق وبنفس الوقت تصرفاتهم أمام أطفالهم كانت كلها كذب وغش وخداع , ومع ذلك أستمرُ في المسلسل الدرامي معهم عن الصدق وأسرد لهم قصصاً عن الزمن الغابر وهي نفس القصص التي كانت تحكيها أمي وجدتي لنا وأتابع معهم مجريات الحديث أيضا عن كثير من الأمور التي تهم الناس والإنسان المعاصر وبنفس الوقت أتصرف أمامهم بتصرفات أكثرها غير عصرية مخالفة لما أقوله وأنسا في لحظة واحدة كل ما قلته لهم ليلة الأمس وأرمي وراء ظهري كل ما قلته لهم وأمارس أمام أعينهم شذوذي العقلي والفكري والاجتماعي بكل ما تعلمته من تناقضات فحين يأتي أحد الأصدقاء إلى منزلي ليسأل عني أقول لهم (قولوله بابا مش هون) علماً أنني (هنا) وبعد ذلك أعطيهم درسا شفويا عن (الصدق) وعدم الكذب وأقول لهم (الصدق أفضل من الكذب) وأسرد لهم قصة من قصص ألف ليلة وليلة عن الإنسان الصادق مع الجنية العفريته أو عن الممسوخ الذي حولته العفريته إلى مسخ نصفه بشر ونصفه حيوان بسبب كذبه وغشه وخداعه وكيف عاد إلى أصله الطبيعي بسبب صدقه وعدم كذبه على نفسه وعلى الناس, طبعا وأولادي يهزون رؤوسهم إعجاباً وطربا لقصصي الخيالية عن الكذب والصدق والأمانة وبعد أقل من ساعة على تلقيهم درس الصدق والأمانة أقول لهم إذا سمعتم جرس الباب يدق وخرجتم وفتحتم الباب ووجدتم رجلا يسأل عني أو أي مخلوق يمشي على رجلين اثنتين فلا تقولوا له أنني موجود في الدار بل انتظروا لحين أسألكم عن اسمه وعن ماذا يريده مني وغالبا طبعا ما أقول لهم (احكوله بابا طلع مش موجود في الدار) فيستغربون ويقولون لي (مش قبل قليل قلت الكذب حرام والكذاب بروح النار) فأقول لهم (أنا قلت هيك؟ ) فيقولون : طبعا , فأتهرب من الموضوع وأحاول إشغال نفسي في شيء آخر لكي لا أجيب على هذا السؤال المحرج الذي لن أستطيع الإجابة عليه إجابة مباشرة ,وأحياناً أقول لهم إذا جاء طالب (دين قديم) )احكوا له بابا نايم) علما أنني صاحي ومرة من ذات المرات فضحوني جميعاً حين قلت لهم قولوا لصديقي (خالد) بأنني نائم, فخرجوا إليه جميعا وقالوا له (بحكيلك بابا نايم) فضحك (خالد) وقال: انتوا معاتيه أم أبوكوا كذاب؟ فخرجت عليه وأنا مبتسما ضاحكا للسماء وللأرض وقلت له: لا أنا قلتلهم أحكوا له بابا يريد الآن أن ينام, وهذه تعليمة جديدة عن فن الدهاء وهي مصيبة أكبر بكثير من الكذب الذي يتعلمونه من سلوكي.

والمصيبة الكبرى هي أننا جميعنا نحتار ونصاب بالدهشة حين نكتشف بأن أحد أبنائنا يكذب علينا وأول ما يخطر ببالنا هو هذا السؤال: من أين تعلموا الكذب؟ وبهذا السؤال نكون وكأننا نضحك على أنفسنا, فقبل أسبوعين تقريبا اكتشفت بأن ولدي علي قد هرب من المدرسة قبل نهاية الحصة المدرسية السابعة وكان يقول لي بأن معلمة الحصة غائبة, اكتشفت ذلك حين اتصلت بي مديرة المدرسة وقالت لي : تكرر غياب ولدك علي عن الحصة السابعة, وحين جلست أحقق معه أنا وأمه وأمي (جدته) توقفت قليلا وقلت لأمي: طيب غريب هذا الولد من أين تعلم الكذب!! أنا فعلا مندهش الولد يكذب علينا عينك عينك!!ولكن حين فكرت بالموضوع عرفت بأن ولدي يتعلم من سلوكي وتصرفاتي ولا يتعلم من لساني.
ومن الملاحظ أن الأولاد يكذبون في كل شيء بسبب أو بدون سبب, فإن رأوا أباهم نائما يقولون للسائل عنه بأنه صاحي ومفتوح العينين وإن كان مفتوح العينين وجالسا فإنهم يؤكدون للضيف على أنه نائم , وهذا ما ألاحظه عند غالبية الناس حتى غدونا مجتمعا يكذب في كل شيء سواء أكان للكذب ضرورة أم لا, وبنفس الوقت لدينا مجلدات تعليمية عن الكذب والأمانة وعدم الغش والخداع وكلها بدون جدوى طالما أننا نكذب في سلوكنا مع أنفسنا ومع أولادنا ومع غيرنا من الناس.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة تستعمل لسانها للحوار والرجل يستعمل يده للحوار
- الريموت كنترول
- مظاهرة تأييد في لواء الطيبه
- تأويل النص
- أمة عرصه ورب غفور
- كيف ينام الرؤساء والملوك العرب!
- يعيش النظام الأردني
- نهاية العرب في السياسة والأدب
- السلاح السري
- مش معقول الفساد في السعودية
- نقد الاسلام السياسي
- آخر ما توصل إليه العلم
- مطلوب طبالين
- جاسوس حارتنا
- مطلوب مرتزقة
- وأخيرا أصبحت خطيرا
- أنا أمام المرآة
- فطرني جبنه وزيتونه وعشيني بطاطه
- من فوق فوق فوق فوق
- انحرافي


المزيد.....




- الرئيس الصيني يستقبل المستشار الألماني في بكين
- آبل تمتثل للضغوطات وتلغي مصطلح -برعاية الدولة- في إشعار أمني ...
- ترتيب فقدان الحواس عند الاحتضار
- باحث صيني عوقب لتجاربه الجينية على الأطفال يفتتح 3 مختبرات ج ...
- روسيا.. تدريب الذكاء الاصطناعي للكشف عن تضيق الشرايين الدماغ ...
- Meta تختبر الذكاء الاصطناعي في -إنستغرام-
- أخرجوا القوات الأمريكية من العراق وسوريا!
- لماذا سرّب بايدن مكالمة نتنياهو؟
- الولايات المتحدة غير مستعدة لمشاركة إسرائيل في هجوم واسع الن ...
- -لن تكون هناك حاجة لاقتحام أوديسا وخاركوف- تغيير جذري في الع ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - جهاد علاونه - ممن يتعلم الأطفال الكذب!