أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راسم المدهون - رؤيا الغائب رواية العراقي: سلام إبراهيم - وصف الجحيم على أرض عربية















المزيد.....

رؤيا الغائب رواية العراقي: سلام إبراهيم - وصف الجحيم على أرض عربية


راسم المدهون

الحوار المتمدن-العدد: 3319 - 2011 / 3 / 28 - 16:29
المحور: الادب والفن
    


رؤيا الغائب رواية العراقي: سلام إبراهيم - وصف الجحيم على أرض عربية -

راسم المدهون*





رواية الكاتب العراقي سلام إبراهيم "رؤيا الغائب" تراجيديا سوداء، تستحضر صورة الحياة الآفلة، تمتحها من مخيلة مقموعة، يحاصرها اليأس من كافة الاتجاهات. فلا تجد سوى الحلم نافذة مفتوحة على رؤيا تتجول هنا وهناك، في الأزقة المعتمة، والمتاهات المسكونة بالرعب والبشر الضائعين، حيث الحياة فسحة عذاب لا ينتهي وحيث الموت أمنية بعيدة المنال، حياة تحتاج إلى بلاغة دانتي في كوميدياه حين أطلق في وصف أصحابها قوله الخالد: رأيت في الجحيم بشراً، لا يحيون ولا يموتون. إنها بكلمات أخرى قراءة المخيلة المحمومة لذلك العالم الجهنمي الذي لا يقع في أية بقعة، أو تحتوية أية جغرافيا، لأنه في الحقيقة يقع في الأرواح المحطمة، والقلوب الكسيرة، عالم الارتطام الإنساني بالحد الأقصى من القسوة والفجيعة، ارتطاما يذهب بما ظل في النفوس من قدرة على استحضار الأمل، وما يعتمل في القلوب من حرارة العيش، إذ هو عالمنا الذي يلتصق بنا في الوقت الذي هو أيضاً العالم الذي ينأى عن مساحة الرؤية التي تقدرها عيوننا في حالاتها كلها.

"رؤيا الغائب" ( منشورات دار المدى ـ دمشق 1996 ) تقارب القمع الذي يعيشه الإنسان البسيط حين يجد نفسه منساقاً إلى موقف سياسي لم يخطط له، مدفوعا بإعجابه بأخيه الرسام المشغول بالسياسة والقضايا الكبرى، والذي يعيش حياة تشبه الألغاز فيما يكتنفها من عدم وضوح، وتنقل سريع لا يستقر إلا ليفضي إلى تنقل أخر، فيما على الحائط لوحاته المترعة بحيوات تفور بالانفعالات الجامحة والأمل المفتوح، حيوات تنبض في خطوط اللوحة، فيحاورها الأخ الأصغر، مشغوفاً بعالمها وما يشي به ذلك العالم من نبض يقارب بطريقة ما، غامضة وسحرية لواعج روحه، وانشغالاتها في الصباحات والأماسي. أخوان في عائلة واحدة تباعد بينهما آلة القمع الجهنمية وتوحدهما في الوقت ذاته حين يجد الأخ الأصغر نفسه جندياً فاراً من الخدمة في حرب ضروس صار من العبث عدَ شهورها وسنواتها... جندياً يرتطم عند كل منعطف بهاجس الموت الطالع من بنادق دوريات الجيش والشرطة، أو رعب الأهل، والأقرباء حين يدق أبوابهم في الليالي بحثاً عن ملاذ آمن ليكتشف في تلك الوجوه والعيون قسوة الخيار الصعب الذي يضعهم في لهيبه حيارى بين واجب الحماية الذي تفرضه قرابة الدم، وبين نذر الانتقام الذي ترتبه هذه الحماية على كل من يتجرأ على حماية جندي فار من الخدمة العسكرية في زمن الحرب " هو الأخر ملَّ شعور الذل الذي ينسحق تحت وطأته وهو يتحاشى وجوه الأحبة المتضايقة المرعوبة والكارهة حضوره المربك الخطير " ص9.

الحكاية الروائية في "رؤيا الغائب" تستخدم شواهد من الواقع. وتشير إلى أمكنة معروفة وزمان بعينه ولكنها مع ذلك تستعير من الكابوس لغته ولا معقولية أحداثه واللانهايات التي يفضي إليها. فبطل الرواية الذي يرفض أن يصدق قصة إعدام أخيه ـ الحبيب إلى قلبه، ومثله الأعلى ـ يلتقي في مشواره الصباحي امرأة بارعة الجمال تلفظ أسم أخيه على عجل وفي ارتباك، ما يدفعه إلى انتظارها في اليوم التالي ليعرف شيئاً عن أخيه الغائب. تأخذه المرأة الجميلة الغامضة إلى غرفة جانبية في بناء كبير مهجور تخلعت شبابيكه وتراكمت فيه طبقات الغبار حيث تهمس له أنها زوجة أخيه، تجمع أرغفة يابسة وتأمره أن يتبعها، يصعدان درجاً خرافياً لا ينتهي إلا بشق الأنفاس حيث تتركه هنالك بين مخلوقات بشرية شائهة، مبتورة الأعضاء ومفقوءة الأعين، يلعب كل منهم دوراً مختلفاً عن الآخر، غير أن ما يجمع بينهم أنهم يحملون ملامح ـ هو واثق أنه يعرفها ـ ملامح أصدقاء وأقرباء وأحبة يجاهد عبثاً أن يمنحهم أسماءهم الحقيقية أو أن يجعلهم هم يتعرفون عليه، لكنه يفشل في الحالتين، فيحاول أن يغادر المكان ليكتشف أن أدخل إلى متاهة جهنمية تكتظ بالأدراج الحلزونية التي لا تفضي إلى أي مكان. يحاول السير مع مشيعين بالآلاف يحملون نعشاً ولكن الازدحام يمنعه فينكص على أعقابه عائداً إلى طريق أخر، لعله يصل إلى منافذ العالم الواقعي، عالم المدينة التي يعيش فيها.

هذا العالم الكابوسي، الغريب والموحش، عالم افتراضي يستحضره الكاتب في لحظات الرعب القصوى ليكون معادلاً فنياً لذلك العالم الخفي والمسكون بالغموض والقسوة الذي يخبئ الغائبين الذين طالتهم يد القمع الرهيبة وأخذتهم إلى حيث الغياب الأبدي. أعتقد أن اختيار الكاتب لهذه اللوحة الكابوسية المرسومة بعناية فائقة والملتحمة بفنية عالية مع نسيج الرواية وخصوصا أحداثها الواقعية قد أضفى على هذا العمل فرادة بين كل الأعمال الروائية العراقية التي قاربت موضوعة القمع وحاولت تصوير أجواء المطاردات البوليسية للمعارضين. والكاتب ـ إذ أختار لروايته جواً كابوسياً ـ وجد المعادل الفني الحقيقي لأساليب القمع اللامعقولة، والتي لا يحيط بها خيال البشر العاديين أو الأسوياء، فمادام يجري في الغرف المظلمة والسرية شائهاً وغريباً إلى تلك الحدود اللامعقولة، فسوف تعجز اللغة الروائية السردية ـ الواقعية عن التعبير عنه أو الإمساك بمناخه العام وتفاصيله وجزئياته. إذ أن لا معقوليته تدفع نحو بنية روائية ترتكز بالأساس على خلق عالم يقع في المساحة الحرجة بين الواقع والخيال، بين الوجود المادي الملموس والقوة القهرية الجارحة في تحكمها والتي يمكننا أن نتلمس أذاها ورعبها باختلاجات الروح ربما، وبتهدج الأنفاس ربما، غير أننا كثيراً ما نعجز عن التقاط مشاهدها في عدسة التصوير لأنها باختصار حاضرة بطغيانها دون أن تكون بالضرورة مرئية للعين المجردة.

سلام إبراهيم يجعل بطله يتعرف على ملامح أخيه بين وجوه البشر المشوهين. إلا أننا نتمكن من عقد قراءة أخرى للحدث تقول لنا دون مباشرة أو تصريح أن ما نراه هنا ملامح البطل ذاته، في هذه اللحظة بالذات، أو ربما في لحظة أخرى حين يسقط فريسة الاعتقال، وما ذلك العالم السري الغامض بكل بشره المشوهين سوى الاختصار الموحي للبلاد كلها في حقيقتها الصحيحة ودون رتوش أو مساحيق. إنها مرآة كبرى، باتساع وطن بكامله. مرآة تطلع من حوافها صور مرعبة وتسيل على صفحتها جداول الدم الأحمر ولهاث المعذبين، الحائرين في الممرات الحلزونية والطرق التي تشبه ذلك الطريق الخرافي في ألف ليلة وليلة " طريق الندامة".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

· ناقد وشاعر فلسطيني مقيم بدمشق.



#راسم_المدهون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماء البارحة للسوري مروان علي ..إطلالة أولى تحمل وعدا وجماليا ...
- -حُلة حمراء وعنكبوت- القبض على حلم الأنثى
- في ذكرى تأسيس «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» ... أيديول ...
- يوميات يهودي من دمشق- لإبراهيم الجبين: مغامرة إستحضار شخصية ...


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راسم المدهون - رؤيا الغائب رواية العراقي: سلام إبراهيم - وصف الجحيم على أرض عربية