أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - نقاش فكري وسياسي مع السيد الدكتور عبد الخالق حسين - الحلقة الثانية - حكومة المالكي والمحاصصة الطائفية ومشكلات المجتمع















المزيد.....



نقاش فكري وسياسي مع السيد الدكتور عبد الخالق حسين - الحلقة الثانية - حكومة المالكي والمحاصصة الطائفية ومشكلات المجتمع


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 3319 - 2011 / 3 / 28 - 11:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أشرت في الحلقة الأولى إلى أن تصوراً نشأ باحتمال سير المالكي على طريق التغيير الإيجابي باتجاه المواطنة والحد من المحاصصة الطائفية ومعالجة مشكلات المجتمع. ولكن لم يحصل هذا الاحتمال وواصل نهجه الثابت المرتبط بنهج حزب الدعوة الإسلامية الطائفي الوجهة. إذ غاب عن الواقع عاملان أساسيان كان من شأنهما الدفع بهذا الاحتمال صوب التحقق, وأعني بذلك: غياب الإرادة الذاتية للمالكي بتغيير نهجه فعلياً صوب المواطنة المتساوية وتغلبت عليه نزعته الفردية وعضويته الحزبية الضيقة ورغبته العارمة في البقاء على رأس السلطة السياسية مهما كان الثمن من جهة, وعدم سعيه لتوفير مستلزمات تساهم في توفير الأرضية الصالحة لانتهاج طريق آخر غير الدرب لذي سار عليه من جهة أخرى. ونتيجة لذلك وغيره تشكلت حكومة عراقية بعد مرور تسعة شهور على انتهاء الانتخابات وبعد مرور عام لم ينته استكمال ملء حقائبها في أربع وزارات هي الداخلية والدفاع والأمن الوطني والتخطيط, والتي يسود حولها صراع شديد ببعد طائفي مقيت. يضاف إلى ذلك غياب فعلي لحصة المرأة في هذه التشكيلة الذكورية للوزارة الجدية, وبما يتناغم مع موقف الأحزاب السياسية الدينية من المرأة, إذ إنها لا تزال ترى في المرأة عورة ينبغي أن تغطى وناقصة عقل لا يمكن أيضاً! وهي مخالفة فظة للائحة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والدستور العراقي الذي منحها نصاً 25% من عضوية مجلس الوزراء والنواب ... الخ. وعلى هذا الأساس يرتكب رئيس الوزراء مخالفة دستورية كبيرة بحرمان المرأة من حقها الدستوري.
تشكلت الحكومة على أساس طائفي وليس من منطلقات سياسية واختيار الكفاءات التي يحتاجها المجتمع العراقي في هذه المرحلة من تاريخ العراق المتفاقم تعقيداً والمتشابك في مشكلاته الداخلية والإقليمية والدولية وفي جو إقليمي عاصف يتجه صوب تحقيق بعض مصالح الشعوب المضطهدة في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
فالوزارة الجديدة لا تمتلك برنامجاً موحداً للعمل وإنجاز المهمات, بل كل المعطيات التي تحت تصرفنا تشير إلى أن كل حزب سياسي دخل الوزارة له أجندته الخاصة وبرنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي, ابتداءً من قوى الإسلام السياسية الشيعية منها والسنية ومروراً بالقوى القومية العربية وانتهاءً بالقوى القومية الكردية. ولم يكن هذا كافياً لتعطيل مسيرة فعالة لمجلس الوزراء, بل زاد الأمر سوءاً أن توزعت كل قائمة من القوائم الثلاث المشاركة في مجلس الوزراء على كتل وأحزاب سياسية عديدة لكل منها برنامجه الخاص الذي يسعى إلى تطبيقه في الوزارة التي يشغلها وتلك التي يمكن أن يؤثر فيها, إضافة إلى تفاقم الصراعات في ما بين هذه المجموعات. وهذا يعني غياب الرؤية الموحدة لاتجاه تطور العراق أو تنفيذ مشاريع معينة موحدة اتحادياً أو مركزياً تنفذ من قبل الوزارات الاتحادية. وفي هذه الحالة ستسود الانتقائية والرغبات الذاتية لكل كتلة أو قائمة أو حزب مساهم في الحكومة المالكية لما يريد تنفيذه في وزارته. إضافة إلى أن هذه الوزارات سوف تعجز عن تنفيذ ما يحتاجه الجمهور العراقي من خدمات أصبح غيابها يشكل ثقلاً هائلاً على كاهله.
ومما يساهم في غياب الرؤية الواحدة والعمل المشترك والموحد في مجلس الوزراء إن هذه الوزارات لا تعود للشعب ولا لخدمته مجتمعاً, بل هي من عائدية هذا الحزب أو ذاك الذي يعود لهذه القوى الطائفة الدينية في الحب أو تلك, أو لقوى هذه القومية المرتبطة بأحزاب معينة أو تلك التي ينتمي إليها هذا الوزير أو ذاك, مع وجود وكلاء وزارات لطوائف وقوميات أخرى يختلف دور كل منهم من وزارة إلى أخرى. وفي مثل هذه الحالات كثيراً ما تنشأ صراعات في هذه الوزارات بين الوزير ووكيله بما يقود إلى عواقب وخيمة على الوزارة وتؤثر سلباً على إنجاز مهمات الوزارة ومستوى تنفيذها. كما أن رئيس الوزراء استطاع, عبر مكتبه ومسؤوله الأمني, زرع مخبرين سريين في كل الوزارات العراقية لتقديم التقارير السرية عن الوزير وعن إجراءاته وتصرفاته ...الخ.
إن تشكيلة مجلس الوزراء والصيغة التي تكونت فيها الحكومة جعلت الحكومة ضعيفة جداً ومفككة وتفاقم وضعها السلبي بسبب فردية رئيس الوزراء ورغبته في الهيمنة على كل شيء, بما في ذلك القوات المسلحة بكل صنوفها, ومنها القوات الخاصة التي تعمل بمعزل عن مجلس الوزراء وتحت أمرة وقرارات رئيس الوزراء والتي استخدمتها أسوأ استخدام خلال الأحداث الأخيرة في العراق والتي يمكن أن تجعل منه أكثر استبداداً بالرأي والقرار مما هو عليه حتى الآن.
منذ خمس سنوات يحكم نوري المالكي البلاد. وخلال هذه السنوات الخمس تعاظم تذمر الناس الاعتياديين والشباب لا لأنهم كانوا يملكون موقفاً مناهضاً ثابتاً لا يتغير إزاء رئيس ومجلس الوزراء, بل لأنه ووزرائه لم يحققوا ما كان الشعب يسعى إلى تحقيقه من منجزات. وما تحقق لا يرقى إلى الحدود الدنيا التي كان المفروض إنجازها والتي تُعدد أحيانناً من مؤيدي المالكي وحكومته وكأنها اجتراح المعجزات . فالنقص في الكهرباء والماء ونظافة المدن والمستنقعات المائية في شوارع الكثير من مناطق العاصمة بغداد, وخاصة الشعبية والكادحة منها, والفساد المتفشي في وزارة الكهرباء والصحة والتجارة وغيرها من الوزارات أزكمت أنوف المجتمع كله ولم تتخذ الإجراءات الكفيلة بتغيير هذه الحالة البائسة.
لينظر الناس إلى المدارس الابتدائية المخربة والمتعددة في دوامها التي يؤمها التلاميذ في مدينة بغداد, دعْ عنك البؤس المرعب في المدن الأخرى, في حين كان بالإمكان تغيير هذه الحالة بما هو متاح من أموال ومن أيدي عاملة عاطلة عن العمل. الجميع يكتب عن الأوساخ المتراكمة في مدن العراق في الوسط والجنوب وبغداد العاصمة سيجد الإنسان مدى تخلف الحكومة عن استخدام الأموال والأيدي العاملة العاطلة عن العمل في تنظيف هذه المدن ومنها بغداد. فرئيس الوزراء يعيش في أحد قصور الخضراء ولا يرى أكداس القمامة المتراكمة والتي تحيط ببيوت الشعب في المناطق الشعبية. لنتابع التجاوزات على العقارات والدور التي تمت السيطرة عليها دون قرارات من جهة رسمية, (وليس كمقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وحزب الأمة العراقية ومكتب جريدة طريق الشعب, إن أن هذه الدور الثلاثة يدفع مستخدميها إيجارات رسمية مقررة إلى وزارة المالية), وإليكم نموذجاً واحداً من شخصية هندسية علمية عراقية كبيرة ومعروفة وأستاذ جامعي هو الأخ الدكتور خالد السلطاني حيث كتب في مقال رائع ومهم تحت عنوان "مشاهدات عائد من بغداد (1-2) يتحدث فيه عن مجمع جامع الرحمن في حي المنصور ببغداد وكيف بني في زمن الدكتاتور صدام حسين وكيف صودر واستخدم من جهة دينية في زمن المحاصصة الطائفية بعد سقوط الدكتاتورية وكيف سكت الحكم الطائفي عن هذه التجاوزات الفظة. (راجع الملحق رقم 1 ويتضمن جزءاً من نص المقال في حلقتين ويدور حول الموضوع المشار إليه.
"لم تنتهِ "قصة" جامع الرحمن، بسقوط النظام عام 2003. فعند تاريخ سقوطه، كان الجامع قد بلغ مراحل بنائية متقدمه في حينها، لكنه لم يكتمل نهائياً. ولم تعرف حكومات ما بعد التغيير، ماذا تفعل به. فعملية إكماله تبدو وكأنها امتدادا لتنفيذ أعمال النظام السابق، ما يشي بنوع من "التمجيد" لانجازات تلك الفترة؛ وهو أمر لم يقدم عليه أي مسؤول في جميع الحكومات التي تشكلت بعد التغيير. أما فكرة هدمه فكانت عملية مكلفة، كما إنها قد توحي بإعطاء رسالة خاطئة، من إن الحكم الجديد مهتماً، (والعياذ بالله!)، بهدم أماكن العبادة.
وقد ادى تكثيف العمليات الإرهابية التي تسارعت وتيرتها لاحقاً في البلاد، الى جعل قضية وجود او اختفاء جامع الرحمن، أمرا ثانوياً وهامشياً لدى اهتمامات المسؤولين؛ ما مهد لعملية استيلاء هادئ ومنظم للجامع وأرضه الواسعة المحيطة به، من قبل احد الأحزاب الدينية الشيعية المتنفذة، واتخذه مسجدا له، رغم عدم اكتمال بناءه. وتبين لاحقاً، إن "تفعيل" عمل الجامع، كان بمثابة تغطية مدروسة للاحتيال على حيازة أرضه المحيطة، ذات القيمة المالية العالية، وإمكانية حق التصرف بها. وبدأت تظهر، بين فترة وأخرى، دورا سكنية، فُسّر وجودها بأنها "متجاوزة"، كما بدأت تظهر ساحات لوقوف السيارات، مقتطعة في ذلك الموقع، تؤجر لآخرين؛ وغير ذلك من "الأنشطة" الأخرى المتجاوزة.
لكن فكرة "تغطية" تلك الممارسات بذريعة "أداء" الجامع لوظيفته، اصطدمت بعقبة كبيرة، ظهرت بغتة، وهي النقص الفادح في عدد المصلين الذين "يرتادون" ذلك الجامع، أو حتى عزوفهم التام عن زيارته لأسباب عديدة؛ ما حدا بالجهة "الغانمة" للجامع وأرضه، ان "تجلب" المصلين من أمكنة بعيدة من إحياء بغداد ومجاوراتها، حتى تثبت ديمومة "أداء" الجامع لطقوسه الدينية واستمرارها. وقد شاهدت بنفسي، في أحدى أيام الجمع، سيارات نقل كبيرة وعديدة "محملة" بالمؤمنين من مناطق بعيدة عن المنصور، الذين تاقوا (؟!) لأداء صلاة الجمعة، في فضاء الجامع إياه. وقد تمادت الجهة المستولية على ارض الجامع ومبناه ومعداته‘ في "التشبث" بمبنى الجامع، والتمسك بأرضه وملحقاته، من دون مسوغ قانوني، يجيز لها مثل ذلك التشبث. وقد بلغ ذلك التشبث و"الاعتصام" لديها حدا، بحيث جعلها تتغاضى عن "التماس" وزارة الإعمار، وعدم تلبية مطلبها بالسماح لشركات الوزارة باستعادة ممتلكاتها الموجودة في الموقع، لاستخدامها في تنفيذ مشاريع العمرانية. وقد بررت الوزارة عدم استجـابة الجهة الغانمة لطلباتها العديدة في هذا الشـأن "لأسبـاب غير معروفة"!. (انظر خبر طلب استعادة الوزارة لمعداتها على الرابط التالي: اضغط هنا).
لا نأتي بجديد حين نشير إلى أن رئيس الوزراء وحكومته السابقة والجديدة مسؤولون مسؤولية كاملة وبالتضامن مع ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات الخمس المنصرمة. وسأشير هنا إلى ثلاث مسائل جوهرية, هي:
الفساد وموقف رئيس هيئة النزاهة, ثم التعذيب في السجون العراقية, وأخيراً حول الحريات العامة والموقف منها.
1 . الفساد وموقف رئيس هيئة النزاهة
في مناقشتي للأخ الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي أشرت إلى موضوع الفساد والذي يحتل العراق الموقع الثاني من حيث الفساد المالي بعد الصومال, ولكنه يحتل الموقع الأول من حيث حجم الفساد المالي وضخامة الأرقام التي تنهب من أموال الدولة العراقية في فترة حكومة نوري المالكي أو حتى في فترات حكم باول بريمر والدكتور أياد علاوي والدكتور إبراهيم الجعفري. وهذا النهب لأموال الدولة والفساد المتواصل والمتفاقم لا يحتاج إلى تأكيد كبير فالكل يتحدث عنه وبصدقية عالية, ومنهم رئيس هيئة النزاهة في العراق الأستاذ رحيم العگيلي. فقد نشرت جريدة المدى المعروفة بنزاهتها في النشر وحرفيتها العالية مقالاً تحت عنوان: العگيلي: لا نستطيع اختراق بيئة المسؤولين الكبار جاء فيه ما يلي:
" ... ويقول رئيس هيئة النزاهة إن وجود الخوف في اغلب الأحيان يتركز في نفوس الموظفين الصغار، ويضيف: "المسؤولون الكبار يستعينون بأحزابهم وبعلاقتهم برجال الدولة، ويعملون في بيئة صعبة الاختراق، لأنهم محاطون بالأقارب وعناصر الحمايات، لذلك فمن الصعب متابعتهم ومسكهم متلبسين بالرشوة، لان لهم أياديَ ورجالا وأشخاصا يقومون باستخدامهم لهذا الغرض، فيما يمكن للنزاهة مسك المتلبسين بالرشوة من الموظفين الصغار، لذلك يتطلب تقليل أعداد البطانة والأقارب والحمايات الذين يحيطون المسؤولين في الدولة".
ثم جاء في المقال نفسه ما يلي: "وكان عضو اللجنة القانونية البرلمانية والنائب عن التحالف الوطني أمير الكناني أكد وجود معارضة من ائتلاف دولة القانون على إقرار قوانين خاصة بمكافحة الفساد الإداري والمالي ولم يوضحوا أسباب اعتراضهم." (راجع: لا نستطيع اختراق بيئة المسؤولين الكبار في العدد 2082 بتاريخ 27/3/2011).
إن الواقع العراقي الراهن يشير إلى أن أموال الشعب المتأتية من صادرات النفط الخام على نحو خاص ينهب الجزء الكبير منها من خلال الفساد المالي والإداري في البلاد, وأن العراق يحتل اليوم المرتبة الثانية بعد الصومال عموماً ولكنه يحتل المرتبة الأولى من حيث حجم الأموال التي يتعامل بها الفساد المالي في العراق. أنا لست بصدد الحديث عن أبناء مسؤولي النظام الحالي أو ثرواتهم الخاصة التي تراكمت خلال الأعوام المنصرمة فليست لديَّ الأرقام الموثقة بهذا الصدد, ولكن ما ينشر مخيف حقاً إن كان صحيحاً, وخاصة ملكياتهم العقارية الجديدة في العراق وخارج العراق. ويتمنى الإنسان أن لا تكون صحيحة, ولكن هل يمكن أن نعيش على التمنيات والواقع يتحدث بلغة أخرى.

2 . التعذيب في السجون العراقية
قبل سنة تماماً نشر الكاتب والصحفي إبراهيم الحريري مقالاً مهماً عما كان يجري في السجون العراقية جاء في نهايته ما يلي:
"أنني أدعو، من فوق هذا المنبر، المعروف بدفاعه عن حقوق الإنسان وأدانته للانتهاكات التي تتعرض لها، أدعو لاجتماع عاجل يضم مثقفين وأكاديميين وناشطين سياسيين واجتماعيين وممثلين للرأي العام من أجل إدانة هذه الممارسة، ومن أجل تشكيل:
اللجنة العراقية ضد التعذيب! ذلك أنه لم يعد السكوت ممكناً ..".
وقد وافقته الرأي ونشرت مقالاً بتاريخ 15/4/2010 في جريدة المدى العراقية مؤيداً ذلك. (راجع: الملحق رقم 2 حول الإرهاب والتعذيب في العراق).
وخلال الفترة المنصرمة أوردت منظمة العفو الدولية مجموعة من الحقائق عن السجون العراقية وعن التعذيب الجاري فيها والذي لم يعد السكوت عنه ممكناً والذي لا يمارس بمعزل عن الحكومة العراقية ورئيسها ووزير العدل فيها, باعتباره المسؤول عن السجون العراقية.
وجاء في آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في الثامن من شهر شباط/فبراير 2011 ما يلي:
"قالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته الثلاثاء إن العراق يدير سجونا سرية يتعرض فيها السجناء لعمليات تعذيب روتينية من أجل انتزاع اعترافات يتم استخدامها لإدانتهم.
وقالت المنظمة الحقوقية ومقرها لندن في التقرير الذي عنونته (أجساد محطمة، عقول محطمة) إن نحو ثلاثين ألفا من الرجال والنساء ما زالوا رهن الاحتجاز في العراق، يقطن بعضهم في سجون سرية تديرها وزارات الدفاع والداخلية.
وأضافت إن "قوات الأمن العراقية تستخدم التعذيب وغيره من ضروب وسوء معاملة لانتزاع اعترافات من المعتقلين الذين يحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، ولاسيما في مرافق الاحتجاز التي بعضها سري يدار من قبل وزارتا الداخلية والدفاع".
وأحصى التقرير شهادات تم جمعها على مدى السنوات الماضية تشير إلى أن عمليات التعذيب شملت "الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب والضرب بالأسلاك الكهربائية وخراطيم المياه والصدمات الكهربائية والتعليق من الأطراف وثقب الجسم والخنق بحقائب بلاستيكية ونزاع أظافر بكماشة وكسر أطراف".
وأشار التقرير إلى أن أطفالا ونساء ورجالا عانوا جميعا من هذه الانتهاكات." (راجع: الملحق رقم 3: موقع جريدة الشعب. أخذ المقتطف بتاريخ 27/3/2011).
نحن أمام وقائع كثيرة في ممارسة التعذيب في السجون العراقية في الوقت الحاضر. والأحزاب الإسلامية السياسية كلها دون استثناء تمارس التعذيب النفسي والجسدي حين تكون في السلطة. والواقع السياسي في إيران يقدم نموذجاً صارخاً ومريعاً لما يجري في سحن أيفين وفي السجون الأخرى, وكذلك الحال في السودان. ولكن لا تنفرد الأحزاب الإسلامية السياسية بذلك بل تمارسه أيضاً الأحزاب القومية الشوفينية مثل حزب البعث وحزب المؤتمر الشعبي في اليمن وأجهزة الجماهيرية الليبية بقيادة القذافي وفي بقية الدول العربية وبلدان الشرق الأوسط. ويستوجب هذا الواقع النضال المكثف ضد هذه النظم وضد ممارساتها العدوانية والسادية في السجون, ومنها السجون العراقية.

3 . الحريات العامة والموقف منها
إن الطريقة التي سقط فيها النظام الدكتاتوري في العراق فرضت نوعاً من الحرية العامة في البلاد والتي بدت للبعض الكثير وكأنها تسير صوب التعزيز والتطوير إلى حريات ديمقراطية واسعة ومكرسة. إلا إن المساومات الجارية على الحكم ومع الطرف الأمريكي سمحت بقيام نظام يستند إلى المحاصصة الطائفية من جهة, كما سمحت بتقليص الحريات العامة من خلال الهجوم عليها من قبل الحكومة ومجالس المحافظات والسكوت عما يجري في العراق في هذا المجال تدريجاً من جهة أخرى.
في لقاء بين رئيس الوزراء نوري كامل المالكي وقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جيمز ماتس بمكتبه الرسمي، يوم أمس الأحد 27/3/2011 "أكد فيه رئيس الوزراء ضرورة استمرار التعاون بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في مختلف المجالات، خصوصا اتفاقية الإطار الاستراتيجي، مؤكدا إن القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية أصبحت على درجة عالية من الأداء وتحمل المسؤولية الكاملة في عموم البلاد.
وقال رئيس الوزراء: إن استقرار العراق في ضوء ما تشهده المنطقة من اضطرابات، كان نتيجة تثبيت أسس الديمقراطية واحترام إرادة الشعب وصيانة الحريات، وان العراق سيتبوأ مكانه المناسب في المنطقة والعالم، نظرا لما يتمتع به من استقرار سياسي وأمني واقتصادي ." )راجع: موقع صوت العراق الإلكتروني. 28/3/2011)
ولكن كل المعطيات التي تحت تصرفنا تشير إلى نهج تمارسه الحكومة الحالية برئيسها نوري المالكي مناهض للحريات العامة التي يتحدث عنها رئيس الوزراء, إضافة إلى عدم صحة ما يتحدث عنه من استقرار أمني واقتصادي وسياسي. وسنحاول في مجرى هذه الحلقات إيراد ما ينفي صحة ما تحدث به رئيس الوزراء. وفي مجال تعرض الحريات العامة إلى الإساءة وجدت هيئة تحرير جريدة المدى الوطنية والديمقراطية المتميزة والمقروءة جداً في العراق ومعروفة بنزاهتها وحرفيتها العالية وتتخذ موقفاً إيجابياً ومسانداً للعملية السياسية الجارية في العراق رغم تعثرها نفسها ملزمة على رفع شعار رئيسي واحد يقول:
"تضامنوا مع حملة المدى ... الحريات أولاً " , ثم "الحريات أولاً .. الحملة الوطنية من أجل عراق ديمقراطي متحضر ". لم يُرفع هذا الشعار بصورة عفوية أو عبثية, بل بسبب تراجع الحريات العامة في العراق وهجوم شرس من قوى تريد تطويق الإنسان العراقي وتقليص حرياته. وقد تجلى ذلك في سلسلة من المقالات الافتتاحية التي نشرها رئيس التحرير الأخ فخري كريم والأخ علي حسين وغيرهما.
بدأت هذه الحملة عندما بدأت محاولات وزارة التربية ورئيس مجلس محافظة بغداد ومحافظة البصرة وبابل بالهجوم على الحريات العامة, سواء أكان ذلك بمنع معاهد الفنون الجميلة بتدريس بعض الفنون الشعبية المهمة كالغناء والموسيقى والرقص والنحت أو منع الغناء والموسيقى والرقص في فعاليات ثقافية في الصرة وبابل, ثم ما تعرض له المقر المركزي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في بغداد ولمرتين متتاليتين, ثم الهجوم على جمعية اشوربانيبال الثقافية, وقبل ذلك بفترة سابقة الهجوم على مؤسسة المدى من قبل الشرطة المحلية وقوات الاحتلال الأمريكية قبل عقد الاتفاقية الأمنية الأخيرة. ولكن ليس هذا فحسب, بل كان الهجوم شرساً حين خرجت مظاهرات نقابية تطالب بتحقيق مطالب مهنية في البصرة جوبهت بهجوم مشين من جانب الشرطة وأجهزة الأمن في فترة الحكومة السابقة استشهد بسببها أحد المضربين, ثم حصل نفس المشهد في مدن أخرى من العراق والتي تظاهرت مطالبة بالخدمات العامة.
بالأمس اعتصم الصحفيون العاملون في جريدة الصباح مطالبين بالحريات العامة والكف عن التدخل بشؤون الجريدة ويوم الاثنين القادم ستعتصم جمهرة كبيرة من الإعلاميين والأدباء والفنانين وغيرهم مطالبين بالاستجابة للوعود التي قطعها رئيس الوزراء لهم ولم ينفذها, إضافة إلى مطالبتهم بإقالة رئيس مجلس محافظة بغداد الذي أساء كثيراً للحريات العامة وللثقافة الديمقراطية في بغداد.
نحن أمام نهج فردي جديد من جانب رئيس الوزراء, ولكن نحمل الحكومة العراقية كلها مسؤولية ما يمارسه رئيس الوزراء, إذ إنها لم يعترض عليه أعضاء الحكومة السابقة ولا أعضاء الحكومة الحالية ولا رئيس الجمهورية.
إن هذه الأوضاع وغيرها هي التي دفعت الشبيبة العراقية والكثير من فئات الشعب إلى التظاهر لإيصال صوتهم إلى المجتمع العراقي كله وإلى المسؤولين الذين في أذانهم صمم ليصغوا إلى مطالبهم العادلة والمشروعة. وهو موضوع الحلقة الثالثة وسنرى أهمية تلك المظاهرات التي أجبرت رئيس الوزراء إلى محاولة تهدئة الأوضاع واللقاء بالجامعيين والباحثين الذين لم يعرف الطريق إليهم من قبل.
انتهت الحلقة الثانية وستليها الحلقة الثالثة.
28/3/2011 كاظم حبيب





الملاحق 1-3

الملحق رقم 1
مشاهدات عائد من بغداد: "مدينة السلام"... وحروبها(1-2)
خالد السلطاني

GMT 15:30:00 2011 الثلائاء 22 مارس
5Share




مديرية التحقيقات الجنائية/ بغداد، تفصيل في الواجهة الامامية.

د. خالد السلطاني: يجترح كل من زار العراق مؤخراً انطباعاً معيناً، خاصاً به عن مشاهداته الشخصية ومعايشته لاحوال البلد المزار. وازعم ان غالبية العراقيين، او هم من اصول عراقية، الذين زاروا بلدهم الاصلي في الفترة الاخيرة، ينتابهم شعورا عاما ومحددا، يمكن وصفه بانه شعور مخيب للامال وينطوي على احباط كبير، وهم يروا ما آلت اليه امور مدن البلد وقصباته، ما يجعل كثر منهم "يجر" حسرات تكون عادة غاصة بالحزن والالم، نتيجة الوضع المتخلف لتلك المدن وخاصة وضع مدينة بغداد المزري، هي التى كانت يوما ما: حاضرة العالم الاسلامي وعاصمته التليدة. ويتساءل المرء؛ كيف قُدر لمدينة عظيمة مفعمة بالحيوية والآمال، وعلى جانب كبير من التمدن والحداثة والتعدد، ان يؤول مصيرها الى مثل هذا المصير التعس، سئ الحظ، منزوية بعيدا عن ايقاع حركات الاعمار وموجات الانماء الذي شهدته مدن العالم قاطبة، وبلا استثناء، وخصوصا مدن دول الجوار، هي التى لطالما تاقت ان ترتقي حضاريا وثقافيا ومدينيا الى مصاف بغداد المتطورة، وان تدرك مستوى اهلها المتبغددين؟ هل كان ذلك الامر مقصوداً، ام انه حدث جراء قصر نظر، وسوء ادارة واستبداد الحاكمين الذين تسلقوا دفة الحكم بغفلة من الزمن، ليحيلوا العراق الى تلك الحالة المزرية، التى لم يكن احد يتصور ان تبلغ ذلك المدى من التأخر والجهل والسقم والشقاء، مثلما هو مخيم الان على فضاء كل مدنه تقريبا، ومثلما هو حاصل في عاصمته العتيدة، العاصمة، التى نود ان نشاطر مع الاخرين انطباعاتنا الشخصية عنها.
واياً تكن الاسباب التى ادت ببغداد ان تصل الى تلك الحالة، فنحن ازاء مدينة/ عاصمة، لا تشبه مدن العالم ولا تماثل عواصمه. مدينة تائهة، فاقدة لذاكرتها، وطاردة لاهلها ومحبيها، هي التى شاهدة الآن على موجات عاتية لانزياحات سكانية فيها، تعيد بها ترتيب وضعها الانثروبولوجي، وتجترح "منظومة" تراتبية خاصة له!. بالاضافة الى قدر تعايشها مع النقائض، وخصوصاً واقعة معايشتها مع ثنائية الحرب والسلام على "سطح" واحد!. وهي معايشة نادرة في تاريخ المدن، من حيث مراعاتها اولاً، لمتطلبات "الحرب"، المفروضة عليها، (ففضاءها المكاني،الان، مسرحاً لعمليات عسكرية مجنونة، لا تعرف الشفقة، ولا تراعي حرمة مواطنيها)؛ في الوقت عينه، عليها، تأخذ في نظر الاعتبار اشتراطات "السلام" والتحايل للتعايش معه، وكأنها بذلك تسعى وراء تماثل حالها مع حال اية مدينة "مسالمة" آخرى. وهذا الوضع الغريب الذي تنوء المدينة بحمله الثقيل، افضي الى تلك الحالة الملتبسة، التى تعيشها بغداد اليوم. اذ بلحظة واحدة تنقلب مظاهر السلام الى حرب، او بالعكس. و تبعاً لذلك، فان سكنة العاصمة، كتب عليهم التعايش مع هذه الحالة التى يرصدها بارومتر العمليات العسكرية بين إرتفاع وانخفاض متواصل.. وهي حالة، من السهل وصفها كتابةً، او رصدها عن بعد؛ لكنها تغدو امرا لا يطاق لاؤلئك الذين يتعايشوا معها يومياً، وعن قرب، وباستمرار!.
لقد "انجزت" قوى عديدة ومختلفة دورها في تسريع وصول بغداد الى تلك المرحلة "المتطورة" من التأخر والسقم، بدءاً من مظاهر مدانة برزت بُعيد تأسيس الدولة الحديثة في عشرينات القرن الماضي، مرورا بادعاءات "ضباط" الانقلابات العسكرية، والعهود المظلمة شديدة القسوة ابان الحكم الشمولي الاستبدادي، وصولا الى المرحلة الحالية، التى سلمت بها امور المدينة وادراتها الى اناس غير كفوءيين، ومعظمهم بعيدين وغرباء، وفقا لقول النائب "صفية السهيل"، عن طباع وعادات مدينة بغداد وتقاليدها، فضلا على سوء ادارتهم للمدينة وفسادهم. (انظر تصريح النائب في الرابط الآتي: اضغط هنا).


مديرية التحقيقات الجنائية/ بغداد، الواجهة الجانبية
لكني ماانفكيت،اعتقد، بان خصائص الارث المسموم، الذي تشكل ابان الفترة الشمولية والاستبدادية ولحين سقوطه في 2003، هو المسؤول الاساس عن زرع "ثقافة" تريف العاصمة،التى كانت إجراءاتها قائمة على قدم وساق وقتذاك، بالاضافة الى منهجية استبدال تقاليدها بتقاليد فجة وغريبة عن طباع حاضرة مدينية عظيمة مثل بغداد. كما لا زلت اعتقد، ايضاً، بان الكثير من مشاكل المدينة التى تعاني منها الان، هي بسبب اؤلئك الذين تبؤوا مناصب ادارة المدينة بعد التغيير؛ غالبيتهم الذين ظلوا يستقوا مرجعيتهم المعرفية من ذلك "الزرع" المرّ، الذي اُنبت ابان ثلاثة عقود ونيف سابقة على التغيير، وما فتئ ان ظلّ مرشدا، وحاضرا ومستمرا وفاعلا في ذهنيتهم، وفي طريقة اتخاذ القرارت.
لا ابتغي وراء كتابة مقالتي، تقديم تحليل مهني وعلمي وشامل لواقع بغداد الراهن، او انشد تفسير العوامل العديدة التى ادت بلوغها تلك الحالة، والتى بسببها نراها الآن: متأخرة جداً، ومنهكة جداً، ومتناقضة جداً، وتائهة جداً. بيد اني اتوق الى الاشارة لبعض الامور والاحداث، التى رأيت، شخصياً، في وجودها تمثيلاً لذلك التدهور وحتى الانحطاط، الذي يثير لدى كثر منا لوعة، وقلقاً، واسفاً، والماً، واسى، وحزناً، ووجعا،ً وصدعاً، وانكسارا وبالطبع.. كأبة. هل غفلت عن ذكر كلمة آخرى تصف الحالة؟ اذاً، بمقدور المتلقي ان يستل من معجمه الكلامي ويضيف ماشاء له من كلمات مماثلة، واجزم ان وقعها سيكون متناغما، مع احساسي، واحساس كثر منا!.
تتداخل الازمنة، عادة في فضاء المدن التاريخية القديمة. وتمثل شواهدها المكانية، سجلاً قائما ومحفورا لوقائع مرّ بها تاريخ تلك المدن. وبغداد، كحاضرة "متروبوليتانية" بامتياز، لا تختلف طبيعتها عن طبائع المدن التاريخية القديمة. وبمقدور المرء ان يحفر حفرا "اركيولوجيا" في ذاكرتها، ليتسنى له بموضوعية بلوغ ما يرمي اليه. لقد اشرت توا، الى ظاهرة الاستبداد، التى اقترن حضورها بممارسات الغاء الآخر، وتكميم الافواه، واحتكار "الحقيقة"، المفصلة على مقاس المستبديين، كتمثيل واضح لبواعث تردي وضعية بغداد وتقهقرها. بالطبع، يمكن ايراد عشرات الامثلة والنماذج لذلك التمثيل، فتاريخ بغداد "متخم" بها. لكني ساصطفي بعضاً منها، تماشيا، مع مزاج المقالة وهدفها. ليس بالضرورة ان تكون اصطفاءاتي متوافقة مع رأي الآخرين، او حائزة على رضاهم. ذلك لان خطاب النص المقروء، في النتيجة، هو خطاب ذاتي، يسعى، كما آمل، وراء تأشير ومن ثم تفكيك ظواهر تدهور المدينة وتأخرها من وجهة نظر شخصية. ساحاول قدر الامكان تعقب ظواهر الاستبداد، وتقصي تمثلاته في فضاء تلك المدينة المحبوبة. كما اني سانزع الى عدم التركيز فقط على الظواهر الكبرى المعروفة، التى اسست للاستبداد، ومهدت لادامته. اذ بموازاة ذلك سامنح تجليات الامور الهامشية والصغيرة وتأثيراتها، اهتماما واسعا، معتقداً، انها بمقدورها ان تفضح نزعات الاستبداد وتعريته بصيغ، احياناً، تعجز الظواهر الكبرى تحقيقها بمثل تلك القناعة والوضوح!.
اقف، اذاً، امام باب "مديرية التحقيقات الجنائية"، (مديرية الامن العام لاحقا)، المديرية الاشهر لدى كثر من العراقيين، في "ربوع" العراق الملكي، هي التى كانت تمثل بامتياز "مقر" الاستبداد العراقي و"بعبعه" المخيف، ولاسيما لدى النخب المثقفة، وتحديدا اصحاب التوجه الديمقراطي والشيوعيين. انها تقع في وسط بغداد، بالقرب من شارع النهر، في نسيج بناء تقليدي، (وهي، ذاتها، نموذجا لبناء تقليدي)، مطلا على دجلة. ارى اثار


جامع الرحمن/ بغداد- المنصور، منظر عام
الزمن، الذي احالها الى بناء ايل للسقوط، والى "خسوف" مدخلها الى ماتحت مستوى الارض الحالي. والى تساقط جزء منه فعليا، كما هو واضح في واجهته الجانبية، التى بدت لي وكأنها "لوحة" لمقطع طولي، ولكن بابعاد حقيقية. وفي هذه الواجهة، بمقدور المشاهد ان يتابع "اسرار" انجاز مفردات المبنى الانشائية كالملاقف وتجويفات النوافذ والابواب المعمولة آجرياً. بل ان سطح هذه الواجهة يكتسي ابعاد ثلاثية، مكتسبا خاصية نحتية واضحة، جراء تناوب رصف الطابوق بمستويات مختلفة. ورغم هرم المبنى وتداعيه، فان تلك النحتية، اضافت بعدا جمالياً، وجدته لافتاً، هي التى يتكرس حضورها في المشهد جراء لعبة الضوء والظلال.
لكن نظرة المعمار للمبنى، يتعين هنا نسيانها حاليا، والاصغاء الى صدى صرخات الذين سجنوا فيه يوما ما، وتذكر معاناتهم وهم تحت التعذيب، ليس لسبب، سوى انهم امتلكوا فكرا مغايرا عن سياق ما كان ينبغي ان يكون "فكرا" احاديا وواحدا، يتعين على جميع فئات المجتمع بكل طبقاتة واطيافة الالتزام به وعدم الحيادة عنه. واتساءل عن مصير الافكار النيرة، والاحلام المفعمة بالآمال،التى حملها "نزلاء" هذا المبنى، هم الذين كانوا في غالبيتهم مثقفين وذوي اختصاص مهني عالٍ؛ وآخرين كانوا مشاريع لرجال ثقافة وحضارة ومهن مرموقة. وجميعهم كانوا تواقيين لان يروا وطنهم بلداً متقدماً ومتسامحاً، و"بغدادهم": مدينة متحضرة وجميلة، جميلة بسكانها، وجميلة بعمارتها. ذلك لان العمارة وحدها لا تكفي ان "تخلق" مدينة جميلة، ما دام سكنتها يرزحون تحت وطئة الخوف والقهر والظلم الذي يبثه وينشره عادة الاستبداد؛ ذلك الاستبداد الذي بدأت نشاطه هذه الدائرة، و"مبناها المهجوم"؛ (وفقاً لتعبير الصديق الدكتور كاظم حبيب، عندما رجوته التكرم في تأكيد هوية المبنى). لقد كنت مدركا، وانا اقف امام المبنى، مستعيدا دوره الذي لعبه بنجاح، بان كثرا من اللاحقين سيشمروا عن سواعدهم، ليشيدوا حجرا وراء حجر، و"ساف" وراء "ساف" على ما اسسته تلك الدائرة المخيفة، وليضحى عملهم بمثابة "بنيان" راسخ لا يتزعزع، احتمى المستبدون به ليحيلوا آمالنا الى رماد، الامآل الحالمة في رؤية مدننا: مدن حضارية وعصرية، على جانب كبير من الحيوية والجمال، يسكنها مواطنون سعداء، لا "رعايا" منهكون!.
قد لا تكون فترة الحكم الشمولي والاستبدادي، التى استمرت نيف وثلاثة عقود، حائرة، امام الاتيان بحجج تدين ذلك النظام، وتحمله مسؤولية تدهور وانحطاط مدن العراق بعامة، ومدينة بغداد بخاصة. انها، بالطبع ليست قاصرة عن ذلك ولا عاجزة عنه. فهي بالواقع كثيرة ومتنوعة، مثلما هي ايضاً، معروفة ومتداولة على نطاق واسع في المجتمع. وحده الاستبداد، الذي لا يعرف الحدود، مثالا لا حصرا، الذي خيم على البلد طيلة تلك الفترة، كفيل باحالة، (واحال بامتياز) الحالة الحضرية، الى ما يشبه الترييف، الذي تجاوزته مدن العالم منذ قرون. وبل ونظرة سريعة وخاطفة، من اي كان، الى حال مدن العراق مقارنة باحوال مدن دول الجوار، يتبين المأزق الحضري والانساني الذي عاشته (وتعيشه مع الاسف) مدن العراق قاطبة.
ساتغاضى، بتعمد، كما وعدت، عن اللجوء الى ذكر عوامل معروفة كثيرة، او ايراد اسباب مقنعة ومعلومة للجميع، افضت الى تدهور وانحطاط بغداد وتأخرها. ساثير، في هذا السياق، الى جزئية واحدة، تتعلق بقرار استبدادي وتعسفي ينضح تباهٍ وتبجحاً. انه قرار افسد بتبعاته نسيج المدينة الحضري، وابان اسلوب التعاطي مع قضايا تخطيط المدينة من قبل الحاكم/ الفرد. انا، هنا، اشير الى واقعة بناء "مجمع جامع الرحمن" في المنصور، الذي بدأ النظام السابق في تشييده قبيل سنين قليلة من سقوطه. ومعلوم ان فكرة البناء، وقرار اختيار الموقع، وتحديد مقياس ومقاس المبنى المستقبلي، كلها من "بنات" افكار الديكتاتور المشنوق. سوف لن اتحدث عن قيمة الحلول التكوينية للمبنى ومعالجاته التصميمية. ما يهمني، هو نوعية المبنى ومكان توقيعه، ومقياسه ومقاسه، وفي كل ما يمكن ان يكون شأنا خاصا يتعلق بذهنية الحاكم وقراراته الملزمة غير القابلة للاعتراض او المساءلة، من اي كان.
وحي المنصور، كما يعرف معظم العراقيين، من احياء بغداد الجميلة، إن لم يكن من اجملها. ويمتاز الحيّ، الذي شيد في منتصف الخمسينات، بدوره السكنية العائدة الى ممثلي الطبقة الوسطى المتنورة، ذات العمارة اللافتة. وقد خُطط الحيّ وفق نمط تخطيطي مميز، يعرفه المخططون جيدا، وهو نمط تخطيط "المدينة- الحديقة" Garden – City، التى تمتاز بحضور ملحوظ للمناطق المكشوفة والمزروعة "الحدائقية". وعادة ما تكون نسبة المساحات المكشوفة فيه، اعلى بكثير من مساحة التغطيات البنائية. كما تنطوي اشكال شوارع هذا التخطيط على شوارع ملتوية ومتعرجة غير مستقيمة؛ والتى يضفي وجودها انطباعاً حدائقياً ريفياً الى خصوصية الحي السكني. هذا بالاضافة، الى وجود ابنية عامة ترفيهية، معظمها نوادٍ اجتماعية ورياضية. ويشتمل الحيّ على ساحة كبيرة مزروعة ومكشوفة، هي بمنزلة "رئة" الحي السكني الذي يتنفس منه هذا الحي والاحياء الآخرى المجاورة. وقد اسثمر جزء منها كساحة خاصة لسباق الخيل. وبعبارة آخرى، فان حيّ المنصور، هو حيّ سكني مميز، وغني بامكنة الفعاليات الاجتماعية والترفيهية والخدمية، ولهذا فانه يمتلك كل


جامع الرحمن/ بغداد- المنصور، منظر من نادي الصيد
المقومات، التى تجعل منه، ليكون حياً سكنياً عصرياً،هادئاً، ومناسباً جداً لوظيفته.
وفجأة، ومن دون توقع، وحتى من دون حاجة ماسة، يأتي قرار بناء "مجمع جامع الرحمن" في ساحة المنصور ذاتها، الساحة الوسطية المكشوفة، والتى لطالما اعتبرت ميزة الحيّ، ومفردته التخطيطية البارزة. بالطبع، ليس من ثمة اعتراض على بناء "مسجد"، رغم ان بغداد، الآن، "متخمة" بهذا النوع من المباني. ولازلت اكن احتراما عميقا لجرأة احد رجال الدين الشيعة البارزين، الذي افتى، عندما خُـيّر بين بناء جامع، ام مدرسة؛ فختار الاخيرة، شرط ان تكون ثمة حاجة لها. وهل يمكن لاحدٍ ان يجادل في حاجة المدينة الى مدارس؟ سواء في بغداد ام في غيرها من المدن العراقية. ذلك لان مجرد التذكير بوجود، بما يطلق عليه الآن "المدارس الطينية" كفيل لوحده بادانة جميع الانظمة التى تعاقبت على حكم العراق، وتعرية سوء ادارتها للبلد ومقدراته.؛ واظهار حقيقتها كانظمة تكن عداءاً مستحكماً للثقافة والتعليم؛ تلك الانظمة التى "بفضلها" ورثنا هذه التركة/ الفاجعة. لكني، اعيّ، بان الاسترسال في هذا الموضوع ليس مكانه هنا بالطبع؛ ولهذا فساعود الى موضوعنا الرئيس.
لم يكن قرار تشييد المسجد في ساحة المنصور امراً عادياً او عفوياً. اذ اراد الحاكم بامره، ان يكون المبنى من الضخامة بمكان، بحيث يشار اليه بالبنان من جميع جهات المدينة. ولقد ترتب على هذه النزوة المفاجئة، غير المنطقية وغير المبررة، نتائج كارثية على الحي السكني وعلى نمط تخطيطه واشكال عمارته. لقد "سحقت" ضخامة هيكل الجامع المشيد، مجاوراته، واحالتها الى توابع صغيرة له. فمثل هذه الضخامة لا تتناسب بالمرة مع خصوصية النمط التخطيطي المختار للحيّ السكني، ولا تلائم مقياس مفردات عمارته. ثمة "فيل ابيض"، كما يدعوه المخططون، برز فجأة ومن دون مبرر في بانوراما الحي السكني، مغيرا من "سيلويته" Silhouette وخادشاً خط سماءه، و"ماحقاً" مجاوراته بجبروته العدائي ومقياسه غير الانساني.
قد تكون عمارة المسجد، وضخامته المطلوبة، امراً عادياً، لو تم اختيار موقعاً آخرا له، يكون ملائما لمقياسه ولمجاوراته. اما ان "يحتل" ساحة خضراء، اعتبرت دوما من مزايا التخطيط الحضري للحي السكني، وان يصار الى جعله بذلك "الانتفاخ" الكتلوي، غير الضروري وغير المسوغ في حي سكني


شارع الرشيد/ بغداد، منطقة الشورجة
هادئ، تاق مخططوه ان يكون مثالاً للاحياء السكنية المدينية، ونموذجا لها؛ فان قرار تشييد الجامع بالصيغة المتصورة، وفي المكان المخصص، يبدو وكأنه عقاباً للحي ولشاغليه معاً. كما انه يعكس، في الوقت ذاته، اسلوب تعاطي الحاكم بامره مع مشاكل البلد وقضايا اعماره وانماءه، بالصيغة التى ابانتها واقعة اختيار موقع الجامع، من دون ان تخطر على باله فكرة استئناس رأي المهنيين او سماع مشورتهم.
لم تنتهِ "قصة" جامع الرحمن، بسقوط النظام عام 2003. فعند تاريخ سقوطه، كان الجامع قد بلغ مراحل بنائية متقدمه في حينها، لكنه لم يكتمل نهائياً. ولم تعرف حكومات ما بعد التغيير، ماذا تفعل به. فعملية اكماله تبدو وكأنها امتدادا لتنفيذ اعمال النظام السابق، ما يشي بنوع من "التمجيد" لانجازات تلك الفترة؛ وهو امر لم يقدم عليه اي مسؤول في جميع الحكومات التى تشكلت بعد التغيير. اما فكرة هدمه فكانت عملية مكلفة، كما انها قد توحي باعطاء رسالة خاطئة، من ان الحكم الجديد مهتماً، (والعياذ بالله!)، بهدم اماكن العبادة.
وقد ادى تكثيف العمليات الارهابية التى تسارعت وتيرتها لاحقاً في البلاد، الى جعل قضية وجود او اختفاء جامع الرحمن، امرا ثانوياً وهامشياً لدى اهتمامات المسؤوليين؛ ما مهد لعملية استيلاء هادئ ومنظم للجامع وارضه الواسعه المحيطة به، من قبل احد الاحزاب الدينية الشيعية المتنفذة، واتخذه مسجدا له، رغم عدم اكتمال بناءه. وتبين لاحقاً، ان "تفعيل" عمل الجامع، كان بمثابة تغطية مدروسة للاحتيال على حيازة ارضه المحيطة، ذات القيمة المالية العالية، وامكانية حق التصرف بها. وبدأت تظهر، بين فترة وآخرى، دورا سكنية، فُسّر وجودها بانها "متجاوزة"، كما بدأت تظهر ساحات لوقوف السيارات، مقتطعة في ذلك الموقع، تؤجر لآخرين؛ وغير ذلك من "الانشطة" الآخرى المتجاوزة.
لكن فكرة "تغطية" تلك الممارسات بذريعة "اداء" الجامع لوظيفته، اصطدمت بعقبة كبيرة، ظهرت بغتة، وهي النقص الفادح في عدد المصلين الذين


شارع الجمهورية/ بغداد، منطقة سوق الغزل
"يرتادون" ذلك الجامع، او حتى عزوفهم التام عن زيارته لاسباب عديدة؛ ما حدا بالجهة "الغانمة" للجامع وارضه، ان "تجلب" المصلين من امكنة بعيدة من احياء بغداد ومجاوراتها، حتى تثبت ديمومة "اداء" الجامع لطقوسه الدينية واستمرارها. وقد شاهدت بنفسي، في احدى ايام الجمع، سيارات نقل كبيرة وعديدة "محملة" بالمؤمنيين من مناطق بعيدة عن المنصور، الذين تاقوا (؟!) لاداء صلاة الجمعة، في فضاء الجامع اياه. وقد تمادت الجهة المستولية على ارض الجامع ومبناه ومعداته‘ في "التشبث" بمبنى الجامع، والتمسك بارضه وملحقاته، من دون مسوغ قانوني، يجيز لها مثل ذلك التشبث. وقد بلغ ذلك التشبث و"الاعتصام" لديها حدا، بحيث جعلها تتغاضى عن "التماس" وزارة الاعمار، وعدم تلبية مطلبها بالسماح لشركات الوزارة باستعادة ممتلكاتها الموجودة في الموقع، لاستخدامها في تنفيذ مشاريع العمرانية. وقد بررت الوزارة عدم استجـابة الجهة الغانمة لطلباتها العديدة في هذا الشـأن "لاسبـاب غير معروفة"!. (انظر خبر طلب استعادة الوزارة لمعداتها على الرابط التالي: اضغط هنا ).
بالطبع، لم تكن ممارسة الجهة "الغانمة"؛ (وانا ادعوها بتلك الصفة، لاني لم اجد تعبيرا آخرا مناسباً، بمقدوره ان يصف وصفا موضوعيا و"شرعياً" للحالة اياها!)، اقول لم تكن ممارساتها غريبة عن ممارسات جهات كثر "ناشطة" في بغداد اليوم، وضعت نصب عينها الحصول على مزيد من "الغنائم" بطرق ملتوية وغير قانونية، احالت المدينة وفضاءها الى ما يشبة الخراب، بل واتجاسر واقول: الى خراب تام وشامل، هو الذي يلقي بظلاله اليوم على جميع احياء العاصمة بدون استثناء. انه ثمرة ذلك الغلو، الغلو غير المنطقي وغير المسبوق، في الرفع عالياً من شأن الامتيازات الشخصية والحزبية على مصالح المجتمع واحتياجاته. ثمة "سطوة" عارمة، من حب الامتلاك، والاستحواذ على الممتلكات العامة (وحتى الشخصية)، لدى البعض، (البعض المتنفذ على وجه الخصوص) يجيزها لنفسه بذرائع واهية ومسوغات غير منطقية، ساهمت في خراب بغداد، مثلما تسهم في تغريب وتشويه حالتها المدينية.....وللحديث صلة!.
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون , * جميع الصور المنشورة ملتقطة من قبل كاتب المقال.

الملحق رقم 2 حول الإرهاب والتعذيب في العراق
كاظم حبيب
جريمتان ترتكبان في العراق , فما هما؟
كل يوم ترتكب جريمة أو أكثر في العراق .. الجميع يسمع بها ويرى ضحاياها من شهداء وجرحى ومعوقين .. كل يوم يسود الحزن والأسى عائلات جديدة والسواد يملأ بيوت الناس .. لم يعد يستطيع العراقي ملاحقة المآتم التي تقام على أرواح تلك الضحايا البريئة التي لا ذنب لها سوى كونها من هذا الوطن الجريح النازف دماً ودموعاً دون انقطاع ومنذ أجيال وعقود وقرون ... الكل حزين على موتاه , فهم أبناء عائلة واحدة .. شعب يعتصر وتمرغ كرامته بالتراب في وطن يتصارع سياسيوه حتى اللعنة ..
هذه الجرائم أصبحت معتادة ترد في أخبار وتقارير وكالات الأنباء العالمية والإذاعات وقنوات التلفزة وكأن حدثاً عادياً يحصل في العراق .. الكل يتوقع أن يموت غداً بسبب انتحاري جبان أو سيارة مفخخة نصبها قاتل , إلا من يعيش في مواقع آمنة يسكنها المسؤولون ولا يصل إليها الإرهابيون القتلة .. هذه الجرائم يعيشها الشعب كل يوم, سواء أوقعت في الحلة أم بغداد أم كركوك أم ديالى والرمادي أم الموصل وضد المسيحيين على نحو خاص .. القتلة المجرمون معروفون للجميع, والقتلى الأبرياء معروفون أيضاً, فالقتلة هم أعدا الشعب والقتلى أبناء وبنات الشعب المخلصين .. هذا النوع من جرائم القوى الإرهابية مدانة من العراقيات والعراقيين , مدانة من شعوب العالم , ولكنها مسندة من قوى داخلية مريضة وجبانة وعدوانية تجد الدعم والتأييد من قوى ونظم جائرة مجاورة لا تعرف الرحمة طريقها إلى قلوب مسؤوليها وحكامها .. إنهم يملكون قلوباً جامدة باردة ميتة وعقولاً فارغة ولكنها محشوة بالنذالة والقذارة وكره الإنسان .. هذا النوع من الجرائم يعرفه الشعب ويعرف مرتكبيه وأصابع الاتهام موجهة إليهم دون أن يرتكب الشعب أي خطأ في التشخيص.
ولكن هناك جريمة أخرى ترتكب في العراق, جريمة تعذيب السجناء والمعتقلين لأي سبب كان. إنها الجريمة المغطاة والمستورة التي لا يعرف عنها إلا المعذبون أنفسهم ومن هو معهم في السجن أو المعتقل وكذلك الجلادون. إنها القاعدة العامة في السجون والمعتقلات العراقية وأولئك الذين في المعتقلات الأمريكية سواء بسواء. وربما يتساءل البعض: هل يمكن مقارنة الجرائم الأولى بالجرائم الثانية؟ على الرغم من بشاعة الجرائم الأولى وقتلها لعدد كبير من الأبرياء ويمارسها إرهابيون قتلة مدانون من المجتمع كله, إلا أن الجرائم الأخرى تمارس من قبل أجهزة الدولة الرسمية التي عليها احترام الإنسان والقانون وضمان تطبيقه في العراق , في حين أن هذه الأجهزة هي التي تقوم بهذه التجاوزات على الإنسان والقانون. فبالرغم من حديث السيد رئيس الوزراء الحالي عن دولة وقائمة القانون. فالقانون في العراق مستباح لا من الإرهابيين فحسب, بل ومن أجهزة الدولة التي تمارس التعذيب في السجون. حين يجري التجاوز على القانون سواء بتعذيب الناس أو بقتلهم تحت التعذيب فهو مجرم في نظر القانون الدولي والقوانين السارية في العراق ووفق لائحة حقوق الإنسان الدولية. ولهذا لا بد من مكافحة القوى التي تمارس الجريمتين.
إن ممارسة التعذيب في العراق تقليد سائد في المعتقلات والسجون العراقية, سواء أثناء التحقيق أم بعد صدور الأحكام. وهذا ما كان سائداً, في العهد الملكي وفي عهود الجمهوريات المتتابعة, ولكن بشكل خاص في عهد دكتاتورية البعث الأولى والثانية وهم لا تزال تمارس في عهد المحاصصة الطائفية. إنها الجريمة التي لا يريد الحديث عنها الكثير من الحكام في العراق, فهم "صم بكم عمي" لا يفقهون أو لا يعترفون بوجودها اصلاً في العراق بينما هي القاعدة وليست الاستثناء. إنهم يدعون بعدم العلم بما يجري في السجون! رغم أنهم جميعاً يعرفون ما يجري في السجون والمعتقلات العراقية التي يشرف عليها الأمن الداخلي ووزارة الأمن الوطني ووزارة الداخلية ومستشار الأمن القومي الذي نصبه المستبد بأمره بول بريمر مستشاراً لأمن العراق !!
النظم العربية والإسلامية عموماً معروفة في العالم كله على أنها فاقدة لكل قيم حقوق الإنسان وحقوق المواطنة وحقوق المرأة وتمارس أجهزتها التعذيب بمختلف أشكاله. والنظام العراقي الراهن, كما يبدو, هو واحد من تلك النظم التي تمارس التعذيب ضد السجناء والمعتقلين. ويبدو أن أجهزة الأمن العراقية تستلهم من النظام الإيراني أساليب وأدوات تعذيبه وسعيه لغسل أدمغة السجناء وفرض التوبة على المعتقلين والمحكومين. ولا شك في أن أجهزة الأمن العراقية أثناء التحقيق وفي السجون تأخذ من النظم في السعودية وسوريا وليبيا على نحو خاص الكثير من أساليبها وأدواتها في التحقيق والتعذيب أيضاً.
نحن أمام تاريخ طويل في التعذيب النفسي والجسدي. ويبدو أن الدولة الشرقية, ومنها دولة العراق, تعتبر ممارسة التعذيب جزءاً عضوياً من أدوات وأساليب الحكم وفرض الطاعة على الناس, وهو ما يفترض مكافحته وإزالته من عقلية الحكام والأجهزة المسؤولة عن أمن وسلامة العراق وشعبه.
حين أكتب عن هذه الظاهرة لا أتحدث عن هوى, ولا اضرب أخماساً بأسداس, إذ أن الوقائع على الأرض دامغة. نشر قبل أيام الصديق العزيز الكاتب والصحفي إبراهيم الحريري مقالاً بشأن التعذيب في العراق تحت عنوان "ضد التعذيب! لم يعد السكوت ممكناً...". وجدت نفسي متفقاً معه ومؤيداً له في ما كتب.
إن تقارير المنظمات الدولية تشير إلى وجود تعذيب منظم ومبرمج في سجون العراق وفي مرحلة التحقيق. ولم يقتصر على بغداد فحسب, بل ويشمل كردستان أيضاً. وقد جرى إنكاره مرة والاعتراف بوجوده جزئياً مرة أخرى!
وتشير المعلومات المنشورة في الصحافة العالمية والمؤكد عليها من منظمات الدفاع عن السجناء السياسيين وحقوق الإنسان في العالم إلى أن الكثير من حوادث الاختطاف والقتل تتم على أيدي الأجهزة الأمنية الحكومية أو على أيدي بعض عناصر الأحزاب التي تمتلك ميليشيات مسلحة أو قوى مخصصة للتأديب.
إن هذه المسائل لن تجلب الخير والأمن والسلام للبلاد, ولا تجلب الشرف لمن يمارسه, بل تجلب العار, إذ ما قيمة المحاكم والقضاء حين تمارس مثل هذه الأفعال الانتقامية ولأي سبب كان.
لقد كتبت في العام 2004 مقالاً أشرت فيه إلى أن من تعرض للتعذيب يوماً لا يمكن أن يقبل بتعذيب حتى جلاديه, إذ أن الاختطاف والتعذيب أو التعذيب في السجون والمعتقلات يتعارض كلية مع الحق الأساسي للإنسان الوارد في لائحة حقوق الإنسان الدولية, أعني به الحفاظ على كرامة الإنسان واحترامها, والتعذيب هو هدر لكرامة الإنسان وإذلال لإنسانيته, ولا يمارسها إلا من فقد الشرف والضمير أياً كان المشارك في ذلك.
اتفق مع الأستاذ إبراهيم الحريري بما ذهب إليه في مقترحه التالي:
"أنني أدعو، من فوق هذا المنبر، المعروف بدفاعه عن حقوق الإنسان وأدانته للانتهاكات التي تتعرض لها، أدعو لاجتماع عاجل يضم مثقفين وأكاديميين وناشطين سياسيين واجتماعيين وممثلين للرأي العام من أجل إدانة هذه الممارسة، ومن أجل تشكيل: اللجنة العراقية ضد التعذيب! ذلك أنه لم يعد السكوت ممكناً..".
السكوت ما كان ممكناً يوماً, ولا يمكن أن يكون, والساكت عما يجري في العراق ويعرف ما يجري, يشارك فيه شاء ذلك أم أبى.
لنعمل معاً من أجل تشكيل هذه اللجنة الإنسانية, أضع نفسي ضمن العاملين فيها لأنها تعبر عن وعي حضاري يتناقض مع الوعي السائد لدى الكثير من حكام وسياسيي العراق وليس كلهم طبعاً!
14/5/2010 كاظم حبيب
نشرت المقالة في جريدة المدى يوم السبت المصادف 15/4/2010

الملحق رقم 3 منظمة العفو الدولية والتعذيب في العراق
مأخوذ من جريدة الشعب المصرية المنشور بتاريخ 8/2/2011. والخبر منشور في عشرات المواقع الإلكترونية الأخرى أيضاًُ.
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته الثلاثاء إن العراق يدير سجونا سرية يتعرض فيها السجناء لعمليات تعذيب روتينية من أجل انتزاع اعترافات يتم استخدامها لادانتهم.
وقالت المنظمة الحقوقية ومقرها لندن في التقرير الذي عنونته (أجساد محطمة، عقول محطمة) ان نحو ثلاثين الفا من الرجال والنساء ما زالوا رهن الاحتجاز في العراق، يقطن بعضهم في سجون سرية تديرها وزارات الدفاع والداخلية.
واضافت إن "قوات الامن العراقية تستخدم التعذيب وغيره من ضروب وسوء معاملة لانتزاع اعترافات من المعتقلين الذين يحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، ولا سيما في مرافق الاحتجاز التي بعضها سري يدار من قبل وزارتا الداخلية والدفاع".
وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اكد في مقابلة مع وكالة فرانس برس السبت انه لا توجد سجون سرية في العراق، نافيا التقارير الأخيرة التي نشرتها منظمة هيومن رايتس ووتش التي تتخذ من نيويورك مقرا لها وتقارير اخرى لصحيفة لوس انجليس تايمز.

وقالت منظمة العفو ان المحكمة الجنائية المركزية في العراق غالبا ما تدين المتهمين على أساس "اعترافات" انتزعت تحت وطأة التعذيب بشكل واضح.
واحصى التقرير شهادات تم جمعها على مدى السنوات الماضية تشير الى ان عمليات التعذيب شملت "الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب والضرب بالاسلاك الكهربائية وخراطيم المياه والصدمات الكهربائية والتعليق من الاطراف وثقب الجسم والخنق بحقائب بلاستيكية ونزاع اظافر بكماشة وكسر اطراف".
واشار التقرير الى ان اطفالا ونساء ورجالا عانوا جميعا من هذه الانتهاكات.
واضاف انه "منذ عام 2004، تعرض مشتبه بهم محتجزون في السجون العراقية للتعذيب بصورة منهجية وقتل على اثر ذلك عشرات منهم نتيجة لذلك".
وتابعت الوثيقة ان منظمة العفو لاحظت في تقريرها في 2009 ان وزارة حقوق الإنسان العراقية سجلت 509 ادعاءات بالتعذيب على ايدي قوات الامن العراقية. لكنها قالت ان "العدد اقل بكثير من المستوى الحقيقي لاجمالي الاساءات.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاش فكري وسياسي مع السيد الدكتور عبد الخالق حسين
- النظام الشمولي السوري ومحاولات التهدئة الفاشلة !!
- نعم, ماذا يراد للعراق يا محمد ضياء عيسى العقابي؟ -الحلقة الخ ...
- من اجل دعم نضال الشعب الكردي السلمي في إقليم كردستان تركيا
- جوهر نامق سالم, الإنسان الغائب الحاضر في وعي وأفئدة الشعب ال ...
- شعوب الشرق الأوسط إلى أين؟
- نصف قرن وعائلة الأسد تحكم الشعب السوري بالحديد والنار!!
- نعم, ماذا يراد للعراق يا محمد ضياء عيسى العقابي؟ - الحلقة ال ...
- نوروز رمز الانعتاق والحرية والسلام
- الذكرى السنوية الحزينة لجريمة الإبادة البشرية في حلبجة
- نعم, ماذا يراد للعراق يا محمد ضياء عيسى العقابي؟ -الحلقة الث ...
- نعم, ماذا يراد للعراق يا محمد ضياء عيسى العقابي؟ -الحلقة الث ...
- نعم, ماذا يراد للعراق يا محمد ضياء عيسى العقابي؟
- هل من سبيل لبناء الثقة بين الأحزاب السياسية الحاكمة وفئات ال ...
- ماذا يراد للعراق؟
- حنة رئيس الوزراء العراقي ... ومحنة الشعب به!
- حين يتخلى الديمقراطيون عن ديمقراطيتهم حين يكونوا في الحكم!
- من المسؤول عن اختطاف مجموعة من صحفيي وشباب في بغداد؟
- رسالة جوابية موجهة إلى الأستاذ ديار غريب
- الشعوب العربية تنتزع الديمقراطية... والمالكي يريد انتزاع حري ...


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - نقاش فكري وسياسي مع السيد الدكتور عبد الخالق حسين - الحلقة الثانية - حكومة المالكي والمحاصصة الطائفية ومشكلات المجتمع