أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - ربيع محمد العربي - نحو خريطة طريق للثورات العربية















المزيد.....


نحو خريطة طريق للثورات العربية


ربيع محمد العربي

الحوار المتمدن-العدد: 3317 - 2011 / 3 / 26 - 02:16
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


ان المصير العربي واحد ويجب ان يكون كذلك، ومن يتشارك المصير لا بد ان يتشارك الحاضر مع شركائه الأشقاء تماما كما تقاسم معهم الماضي.
ألهمت الثورة التونسية العظيمة الشعب العربي في كل الأقطار التي يعيش بها تحت طائلة الأوضاع المنسوخة في السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وبحكم تناسخ الاوضاع بين الاقطار العربية اصبح الإلهام مستعراً ويترجم نفسه بتسارع فاق كل التوقعات على شكل ثورات تملأ الشارع العربي في كل مكان، التالي كان مصر التي جعلت من الالهام الذي صدرته تونس قانوناً جامعاً مانعاً قوامه أن الشعب ينتصر لا محالة، والأمر فعلا كذلك !
ثم ليبيا واليمن والبحرين بينما بقية الاقطار في الانتظار وتسير الاوضاع فيها باتجاه النضوج للوصول لدرجة يمكن التجرّؤ معها لاندلاع ثورة شعبية. ليبيا شكلت نموذجا اختلف عن الحالتين المصرية والتونسية، وفي الواقع لم اكن احب ان تؤول الأمور الى ما الت اليه للتدليل على عدم صواب اللجوء للسلاح هناك. ولهذا الموقف العديد من الأسباب الوجيهة ليس أقلها ان اللجوء للسلاح سيخطف الثورة من الجماهير المليونية – بمعنى تحييدهم – ويعطي المبادرة للقادرين على حمل السلاح فقط وهذا مقتل استراتيجي لأنه يختصر كل أشكال الثورة واسهامات كل أطياف الجماهير بل ويستغني عنها لصالح شكل وحيد للنضال. ويتبع هذا المقتل مقتل أخر يتصل بفلسفة القوة التي تمتلكها الثورات الشعبية ضد نظام الحكم – اي نظام . هذه الفلسفة على غاية من البساطة وهي ان الشعب الذي يخرج للشارع على شكل حشود كبيرة يسحب الشرعية من الحاكم مهما كانت دعايته أو قوته العسكرية. انه الشرط الضروري والكافي ، أعيد : الكافي، لإسقاط اي نظام عندما تقول الجماهير كلها انها لا تريده لأن التاريخ لم يذكر أحداً استطاع تبرير حكمه لجماهير ترفضه فبأي شرعية يبقى؟ ان هذه القوة السحرية وحدها هي التي أجبرت بن علي ومبارك وقبلهم سوهارتو وشاه إيران وبينوشيه وماركوس - وإن شئتم ميلوسوفيتش وشاوشيسكو وياروزلسكي وغورباتشوف وهونيكر - على الرحيل. عرف التاريخ أناس أخرين أجبروا على الرحيل بفعل ثورات مسلحة – سموزا في كوبا وموبوتو في الكونغو وغيرهم، لكن قانون هذه الثورات استمد نفسه من قدرتها على تغيير موازين القوى المعتمدة على السلاح لصالحها. القانون واحد : أن تخوض الصراع في ساحة تفوقك انت وليس في ساحة تفوق خصمك! الثورة الشعبية تتفوق بالجماهير التي هي صاحبة الكلمة في منح الشرعية وهي مصدرها الأوحد فلا يجوز – بل لا يحق – لأحد ابعادها عن الصورة ، ومن قبيل عدم الحصافة فقط خوض الصراع في ساحة تفوق النظام وهي السلاح الذي لم يعد النظام معه يشعر بأي حرج باستخدامه بكل عسف ممكن.
المقلق في الأمرأن ذلك ساعد القذافي على استعادة المبادرة وبنفس الوقت زاد من وتيرة المطالبة من قبل المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا بفرض حظر طيران على ليبيا ! هذا أمر شاذ وفيه خروج على أولويات العمل التحرري : فأولا وقبل كل شيء لا يوجد حظر طيران بدون التهديد بالتدخل العسكري – وأقلّه اسقاط الطائرات وتدمير الرادارات التي تتحدى الحظر- وإلا يفقد الحظر معناه وهذا ما حصل فعلاً! وثانيا : لا تتحالف الثورات مع الإمبرياليات العالمية الأشد خطراً ضد نظام محلّي مهما كان موغلا في الرجعية، ما هكذا فعل الفيتكونغ ولا الثورة الصينية بقيادة ماوتسي تونغ وقبلهم لم يفعل ذلك الظاهر بيبرس ولا أي من المنتصرين. الأسباب التي جعلت بيبرس يتحالف مع أمراء محليين هنا وهناك – كان قد قاتلهم سابقا – ويتحالف مع بعض أمارات الفرنجة لهزيمة التتار ، هي نفس الأسباب التي جعلت ماو تسي تونغ يتحالف مع عدوه المحلي اللدود الكومنتانغ ضد الإمبريالية اليابانية – الأجنبية من جهة والصاعدة على نحو خطر من ناحية أخرى، وهي نفس الأسباب التي حدت بالفيتكونغ التحالف مع عدو أقل خطرا وينتمي لمعسكر الاستعمار القديم (فرنسا) ضد اليابان الأكثر خطرا دون ان يمنع ذلك – فيما بعد التخلص من الياباني – القائد المظفر فونغوين جياب من الحاق الهزيمة بالفرنسيين في معركة ديان بيان فو. مرة أخرى القانون واحد وهو قانون السلّم العدائي: تتحالف الثورة مع القوى التي تتناقض معها ضد القوى التي تتناقض معها اكثر والتي يكون التناقض معها اكثر عدائية ، وبكلمة أخرى تتغاضى الثورة عن التناقض الثانوي في سبيل حل التناقض الرئيسي مع العدو المركزي. قد يتبدل العدو الرئيسي عبر الزمن فمن يكون اليوم عدوا ثانويا قد يصبح رئيسيا فيما بعد ، لكن لا تتحالف الثورات مع الأعداء الأكثر خطرا ولا يتم استدعائهم للحضور اذا كانوا غائبين عن الصراع المحلي - والذي يكون فيه المستبد المحلي عدوا رئيسيا - لأنهم هم الأعداء المركزيون. هذا الأمر له علاقة بالتوتر الإنساني الفطري الذي يرتب أولوياته وفق الحاجة الأشد الحاحاً تماما كما يضع الإنسان الماء و الغذاء في سلم أولوياته وبمجرد اشباع هذه الحاجة يبرز الأمن والكساء والسكن كحاجة ، وهكذا تسير الفطرة شيئا فشيئا لتتطور باتجاه اشباع الغرائز وتحقيق الذات ...الخ. ثم يتجمع البشر على شكل جماعات تطور مصالحا مشتركة لحماية حدودها وتحقيق مصالح افرادها. بلغة السياسة يعني هذا حماية الاستقلال، وعندما يكون هناك تهديد خارجي تذهب كل الخلافات الداخلية التي تصبح غير ذات صلة بالواقع الجديد. لا يقصد بهذا القول التصالح مع القذافي من أجل صد العدوان الخارجي ، فليس هذا هو الواقع، لكن يقصد منه التحذير من الإستقواء بالأجنبي من اجل حل التناقض المحلي لأنه لا يعقل استبدال نظام ديكتاتوري مستبد بنظام ملحق بالاستعمار. تلك كانت رسالتنا للذين استقووا بالاجنبي في العراق وخسروا بلدهم وأنفسهم (دون ان يعني ذلك اعترافا من الكاتب بأنهم يمثلون حركة معارضة وطنية بل على العكس فليسوا الا عملاء).
ليس من الحكمة اهمال موضوع التدخل الأجنبي سواء في الموضوع الليبي او غيره، وأتوقع ان يتكرر المشهد مع بلدان أخرى، ولهذا اجد من الضروري ذكر مساوىء هذا التدخل وخطورته:
• سيقوض المد الشعبي ويضعف الثقة بقدرة الجماهير على الحسم معتمدة على ذاتها، وثمة خشية مبررة من تأثير ذلك على الثورات العربية الأخرى وقد يفقدها الزخم التي اكتسبته حتى الأن.
• يعطي المبادرة لقوى خارجية تعمل من أجل مصالحها على تراب الوطن، وأخشى من استمالة للأحداث فيما بعد بحيث يبدو خيار تقسيم البلد خيارا مقبولا.
• يعطى الأجنبي الحق في اقتسام الغنائم – هذا ان لم يكن كل الغنائم، ومن السخف الاعتقاد ان التدخل الاجنبي سيكون من اجل الأخلاق أو أنهم سينسحبون لمجرد طلب الثورة منهم الانسحاب.
• يشكل اللجوء للأجنبي قبل الانتصار موافقة على شروطه لا سيما اذا شهد الصراع تقدما للنظام واستعاد المبادرة، ويشكل بعد الانتصار ابتعادا بالبلد عن اهداف الثورة العربية وخروجا على ما تتوقعه الجماهير العربية من الثورة.
• تخسر الثورة ذاتها وستتكون قوى من داخل الثورة ترتبط مصالحها مع الأجنبي وسيتحول هؤلاء الى عملاء لا محالة.
• سيكون من العسير التفسير عندها معنى "الانتصار" لأنه يكون معاكسا لحركة التطور التاريخي بحكم نشوء وضع موغل في السيطرة الأجنبية على البلد.
• سيتم تدمير البلد ومرافقه الحيوية ليتعذر معه استمرار الحياة المدنية بدون مساعدة تقنية اجنبية وعبر المسميات السقيمة التي عادة ما يلجأ لها الغرب كسمفونية اعادة الإعمار التي ستغرق البلد في عقود وديون لصالح الأجنبي الذي نشعر اننا مدينون له بالتحرير والذي لولاه لتمت ابادة الثورة وقواها.

التدخل الأجنبي واحد من الإشكالات التي تواجهها حركة الثورة العربية، لكن ثمة اشكالات أخرى لا تقل أهمية تبرز في الصورة يوما بعد يوم مما يستدعي تشكل عقيدة مرشدة ومرجعية فكرية لهذه الثورات المصيرية على نحو يشارك فيه كل مفكري الأمة – ليس بالضرورة المفكرين الذين تعترف بهم قناة الجزيرة فقط – فهذا امر جلل لا يتسع للمجاملات ولا يتسع لأن يصغر المرء امامه فعندما يكون الصراع كبيرا فمن العار ان لا تكون اكبر منه. الإشكالات المقصودة هي على النحو التالي:
1- استخلاص العبر من تجربتي تونس ومصر: فبرغم عظم التجربتين لكنهما انطوتا على بعض الأخطاء التي سيكون مفيدا تجنبها في ثورات اخرى بل واستدراكها في نفس البلدين –تونس ومصر- لأن التحدي لايزال قائما هناك. ففي البلدين المظفرين يتولى الجيش الحسم – بما ينطوي ذلك على مخاطر- نتيجة عدم طرح الثورات لأي مجلس مؤقت لإدارة الدولة مما سمح بالفراغ الذي أعطى العسكر زمام المبادرة، بالإضافة الى عدم طرح ميثاق قومي باسم الثورة ليمأسس نتائجها وليمنع الالتفاف عليها، وعوضا عن ذلك يذهب الناس لبيوتهم بعد النصر معتمدين على النوايا الحسنة لمن يستلم زمام الأمور، ثم سرعان ما يكتشف الشعب ان الثورة مهددة بثورة مضادة فيتنادى مرة أخرى للميادين – بزخم أقل – للمطالبة بمطالب محددة لحماية الثورة وتغيير الحكومة: هذا امر غريب فالشعب لا "يطالب" من أحد فهو المرجع والشعب يأمر ، لكنه يأمر عبر قيادة يكون قد عقد لها اللواء في الميدان لتنفيذ ميثاقه العظيم الذي يكون قد وقعه في الميدان وتعاقد عليه الناس. هذا الميثاق سموه في انكلترا في القرن الثالث عشر بالماغناكارتا وفي ايطاليا سموه مانفستو الشعوب وفي فرنسا مبادىء الثورة الفرنسية، هو عقد اجتماعي سياسي جديد يخطه الشعب بنفسه وهو حر : كم كان مؤلما ان لا تخرج الثورات بإعلان ميثاق قومي كهذا، وكم سيكون مؤلما استمرار تجاهل هذا الأمر! هو يحدد مسار الثورة ونجاحها او اخفاقها وهو "أثر" متروك ملموس بالتاريخ يحدد هوية الأمة ومصالحها وشكل نظامها السياسي والاجتماعي ويصون المواطن ويحدد الحق والواجب ويعرف الفضاء القومي والإنساني للثورة ويفضح بشكل مسبق كل محاولة لتحريفة او افراغه من مضمونه.
2- اشكال النزعات القطرية أوالطائفية أوالقبلية: سواء ما هو موجود بالفعل اوما هو موجود "بالإمكان"، هل من الصواب بقاء شعار انفصال الجنوب في اليمن ولو على نحو متردد؟ أم هل المصريون منيعون على فتنة المسلم-مسيحي بعد الثورة؟ هل من إجابة على المرارة التي تعتصر البحرينيين من الفتاوى السلطانية؟ ومن التجاهل ؟ ومن اقتصار مداخلات مفكرينا على المدى الذي يسمح به سؤال صحفيي استوديو الجزيرة لهم؟ هل من اطار مرجعي يحدد الموقف من مطالبات الأمازيغ في المغرب العربي؟ هل لنا رأي فيما يجري بالسليمانية في كردستان العراق؟ ألم تستلهم الثورة الشعبية هناك مزايا الثورتين المصرية والتونسية؟ اليسوا اخوانا لنا نتشارك العيش معهم على الأرض العربية وانهم جزء لا يتجزأ من الحضارة العربية الاسلامية؟ ثم الإسفاف الذي يخرج به علينا بعض السطحيين – او المشبوهين الذين يعملون بثقافة مراكز الإستشراق - في استنهاض فتنة الشيعة والسنة: ألا من نهاية له؟
3- إشكال التزاحم في الثورات: اليمن وليبيا والبحرين والمغرب والجزيرة العربية وعمان والأردن والعراق – ثم سوريا مؤخراً – كلها دفعة واحدة. هذا يجعل كل بلد مهتم بشأنه الداخلي وحسب، ويجعل من امكانية نجاح الثورة او اخفاقها معتمدا على الظرف الداخلي للبلد وقدرة الثورة على احداث تغيير في الموازين لصالحها، لكنه يجردها من "النصرة" العربية الشعبية ويحرمها من فعاليات التأييد العربي الحاسم لها. صحيح ان في الأمر ميزة الاستفادة من الزخم الموجود في المنطقة لكن له مخاطره. ليس أقل المخاطر تشتيت الجهد العربي الشعبي وإعطاء الفرصة للنظام لللإستفراد بالشعب تماما كما يوظف النظام اليمني ما يجري في ليبيا لحساب اشتداد القمع في اليمن. وثمة أمر اخر متصل، وهو التزاحم بدون معرفة الأولويات، فهل نترك النظام الاستبدادي المرتبط تاريخيا بالغرب والذي يقوم بدور الوكيل الممتهن في الجزيرة وننشغل بسوريا مثلاً؟ هل من الصواب ان يبقى السودان خارج زخم الثورة في المنطقة العربية ونعطي الفرصة لنظام تنازل عن ربع مساحة بلده من اجل انقاذ نفسه؟ ومن الذي يضع الأولويات في هذه الأيام ومن اين له بالمصداقية؟ وما هي المعايير التي نصنف بها بلدا على انه ذو اولوية؟ هذه دعوة لوقفة فكر للإستفادة من دروس التاريخ ودعوة مرة أخرى للتفكير بالشأن العربي كشأن واحد ولا مناص من ذلك.
4- إشكال منعة وحصانة بعض الأقطار على الثورة: بعض دول الخليج التي تمتاز بعدد السكان القليل والمرفه او تلك التي يشكل الغالبية من سكانها الوافدون المقيمون، كيف يمكن استمالة الرأي العام بها لصالح الثورة واقناعه بأن الثورة في مصلحته وأن سيكون في وضع أفضل من وضعه الحالي وتبديد مفاعيل "الرشاوى" التي تقدمها الأنظمة حاليا في محاولة لإحتواء مشاعر المواطنين المتجهة صوب التغيير؟
5- إشكال تعدد الشعارات في الثورات الشعبية والوقفات: فهناك ثورات تطرح مطالب اصلاحية سطحية ومضللة لا تتلائم مع الحس الشعبي العام لا في القطر ولا على المستوى القومي، وبعضها لا يزال لا يجرؤ على التصريح بإسقاط النظام وبعضها لايريد التصريح بهذا ويجامل النظام وربما يعمل لحسابه لإجهاض الفكرة ، فهل من أحد ينقذ الجماهير التواقة للتغيير من هؤلاء ؟
6- إشكال خطر الإنفلات: كالدعوة للتدخل الأجنبي في بلدان أخرى غير ليبيا وكيفيات التحوط ضد خطر كهذا؟ أو الفتنة الداخلية؟
7- ليس أخيرا : فلسطين! أين موقعها مما يجري وهي قضية العرب الأولى؟ هل من رؤية لإستهدافها وكيف؟ وكيف يكون المد الشعبي في المنطقة العربية في خدمة هذه القضية؟ هل من عمل يضمن توظيف انتصار الثورات العربية والاستفادة منها في تجاوز الإسفاف الذي حكم مقاربات الأنظمة لهذه القضية العادلة ويبشر بجملة سياسية جديدة تعيد القضية الى نصابها الصحيح؟ أيهما أفضل: أن ترفع الثورة المصرية شعار اسقاط كامب ديفيد الأن في ميدان التحرير ويظهر الأمر على أنه مطلب شعبي يرغم العالم على احترامه قبل تبدد التعاطف العالمي مع شعب يريد التخلص من ديكتاتور، أم تأجيل الموضوع ليصبح جزءا من سياسة الحكومة فيما بعد وبهذا يظهر الأمر على انه "تراجع حكومة" عن التزام دولي؟ وهل تنطلق فلسطين الأن بإنتفاضة ثالثة أم نتريث قليلا؟
هذه تحديات لا نستطيع الهرب منها وعلينا ان نجيب عليها بمسؤولية من يكافح لتقرير مصيره، لكن السؤال يبقى من هو الجدير بالإجابة؟ ولو أجبنا كمثقفين على هذه الأسئلة فهل لحضورنا ولفلسفتنا صلة؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة لا بد من الإستدراك بالدعوة العاجلة لتشكيل وإعمال جسم تنسيقي عربي بين قوى الثورة في الوطن العربي فهي الجسم ذو الصلة بالأمر ولا ينفع حديث المثقفين –على أهميته – بدون هذا الجسم.
الحديث يدور هنا عن صيانة الإنجازات التي تمت حتى الأن وتطويرها واعطائها الأبعاد الحيوية -تحديدا القومية- التي لا تزال تعتريها ضبابية وتثير قلقا مشروعا للمراقب القومي العربي:أيها الأصدقاء: انتصرت ثورات عربية في مصر وتونس حتى الأن والعاصفة ماضية في المنطقة العربية وسيفعل التغيير فعله، لكن ما يتم حتى الأن هو في الإطار القطري ويفتقد لجملة قومية تحل محل الجملة القطرية التي سادت في الحقبة السابقة ، فلا يجوز بقاء الثورة المصرية مثلا في حدود مصر وكذا التونسية أو الليبية او اليمنية وغيرها، وإذ ذاك فلا بد اذن من وجود جسم تنسيقي لهذه الثورات يهدف الى توحيد الخطاب ويتطلع الى الأتي:

أولا: ان وجود جسم ناطق باسم الثورة العربية يساعد في توحيد وتطوير شعارات ومطالب الثورات العربية ، فهناك ثورات تطرح مطالب اصلاحية لا تتلائم مع الحس الشعبي العام لا في القطر ولا على المستوى القومي ، لذلك فإن وجود جسم واحد للثورة العربية يطور من وضع هذه الثورات وأحيانا سيعجل في انطلاقها ويجعل من شعاراتها محلا للإجماع.

ثانيا: هناك صعوبات تهدد مجرد انطلاق ثورات في بعض البلدان، فلا يجوز ان تبقى قوى الثورة في هذه البلدان رهنا للضعف او لموزين القوى داخل القطر نفسه ، سيختلف الأمر عندما يكون جمهور هذه القوى ليس محصورا بامكانياتها داخل البلد اي عندما يكون الجمهور هو كل العرب. بهذا يمكن اعادة الاعتبار لثورة البحرين وتجاوز المأزق الديموغرافي في دول الخليج.

ثالثا: قد يكون من المفيد تنسيق انطلاق الثورات حتى نتجنب التشتيت وحتى نحشد قوانا على نحو منتج.

رابعا: وجود هيئة تنسيق كهذه يجعل الأمر ممكنا أن يتم بلورة ميثاق قومي عام يحدد بوصلة الثورة ويجيب على قلق الجماهير الثائرة ازاء القضايا المفصلية المتعلقة بكيفيات الوصول للعدالة الاجتماعية والديمقراطية واللاستقلال الحقيقي في اطار الدولة القومية وكذلك كيفيات ضمان ذلك وفق تصور سياسي رصين.

خامسا: هيئة كهذه هي وحدها الضمان الذي يتحوط مسبقا ضد اي فوضى قد تساق اليها الجماهير انسياقا وهذا خطر قائم وقد يفسد ما تم او ما هو قادم.
جسم (هيئة ) لقيادة الثورات العربية وحده سيكون المنبر المسؤول والذي سيركِز النقاش المعمق للإشكالات التي تعرضنا لها أعلاه والذي سيتحلى وحده بالأهلية والجدارة اللازمتين لحلها . في حضرة منبر كهذا يمكن لأحدنا القول عندها بأن تدخل نظام ال سعود ودول الخليج في البحرين يجعل من دعم ثورة البحرين ضرورة قومية ليس للحفاظ على النسيج القومي للأمة بعيدا عن التطوف فحسب وإنما لأن انتصار ثورة البحرين أصبح مهما لهزيمة الأنظمة الأخرى التي تشارك في قمع الثورة هناك.
في ظل منبر مقرر كهذا يمكننا تحديد المعايير التي تجعل من هذا البلد او ذاك مرشحا أولى من غيره للثورة. أحد المعايير التي يمكن نقاشها هو تلمس الفارق بين نظام وطني – لكن ديكتاتوري – قد يستفيد الأعداء من انهياره اكثر من استفادة العرب أو حتى جماهير البلد نفسه وبين نظام تفوح منه رائحة العمالة ومدان بمعاداته لطموحات الأمة.
في حضرة جسم كهذا يمكن تصنيف الأنظمة بين نظام تشكل الإطاحة به تحولا استراتيجيا في المصير العربي وفي امتلاك الأمة لإمكاناتها المهدورة وبين نظام سينهار اوتوماتيكيا اذا انهار النظام الحاضن له . قطعاً ثمة فارق بين نظام يسمي جزيرة العرب وموطنهم الأصلي بإسم شخص او عائلة ويغطي الدولار الأمريكي بغطاء النفط – الذي بدونه يفقد الدولار معظم قوته الإبرائية – وعلى علاقة وثيقة بإسرائيل سراً، وبين نظام لا يتساوق مع اسرائيل وأمريكا. طبعا من المحظور الإستنتاج بأنه سيكون من المسموح للنظام الوطني الديكتاتوري ان يمضي في تجاهل ارادة الشعب المطالبة بالإصلاح. بل عليه ان يفهم انه تحت التهديد وان دوره قادم اذا لم يفهم الرسالة جيدا. المقصود من هذا السرد اطلاق النقاش باتجاه حيوي نحو ترتيب الأولويات العربية بشكل يساعد الثورة العربية على تحقيق اهدافها ، لأنها لن تستطيع عمل ذلك بدون إعمال لفكر استراتيجي وعملي قائم على فهم قوامه اننا لا نستطيع تغيير العالم دفعة واحدة دون تحديد من يقع في مركز الإهتمام الأول ومن يقع دون ذلك او دون دون ذلك. يجب التذكير هنا بأنه بدون معايير لتحديد النظام الذي علينا استهدافه سنخسر الكثير، وأبرز الأمثلة على ذلك السودان. في هذا البلد نظام تخلى عن عما يزيد عن نصف مليون كيلومتر مربع من الأرض العربية الغنية بالنفط والأراضي الزراعية والمعادن والمياه في سبيل اقامة كيان معادي للمصالح العربية يهدد مصر والسودان بالعطش. يتبوأ الصدارة في هذا النظام حاكم عسكري أعطى نفسه لقب "فريق" دون ان يقول للأمة أي معركة خاض وفي أي خندق قاتل! وبقليل من الشرف العسكري يبدو انه لا يشعر بالخجل من فشله في أهم المعارك التي واجهها بلده وهي الحفاظ على ترابه الوطني. إسقاط نظام كهذا ربما يكون في مرتبة أولى الأولويات للأمن العربي عموما والمصري والسوداني خصوصا، لأنه سيكون من المشروع لنا القول بعدها ان سقوط النظام يعني سقوط الإتفاقيات المشينة التي وقع عليها ويؤهلنا لإستعادة المبادرة ازاء مسألة انفصال الجنوب التي ما كانت تتم ايضا لولا حالة الإنكفاء التي أخذت (بضم الهمزة) بها مصر على يد النظام البائد. على مصرالثورة ان تتعامل مع الشأن السوداني وانفصال الجنوب شأنا مصريا داخليا – وقوميا – ولها من التاريخ دروس، لا تناقض بين الأمرين فلا مجال لصيانة الثورة في مصر بدون مناصرة مصر نفسها لشقيقاتها من الثورات العربية فمقتل مصر يكمن في الإنكفاء على ذاتها: تامر العالم أجمع على محمد علي لينكفىء على نفسه وخسرت مصر بعد ذلك نفسها وخسرت مصر مرة أخرى عندما أجبرها السادات على الخروج من قضايا أمتها ..أرجو أن تعي الثورة ذلك إلا اذا كانت مصر تستطيع الحياة بدون النيل!
بمجرد تشكيل "الهيئة العربية العليا للثورة" أو " الهيئة العربية الموحدة " أو " إتحاد الشعب العربي من أجل تقرير المصير" التي تتشكل من كافة قوى الثورة في كل البلدان العربية والتي تعلن عن نفسها بشكل متزامن عبر اعلان قومي عربي (من سيدي بوزيد وميدان التحرير وبنغازي وميدان التغيير في صنعاء وساحة عدن والمنامة وعمان وبغداد والخرطوم والقدس والناصرة ومسقط ومكة والجزائر وتطوان ونواكشوط ودمشق وابوظبي والدوحة والكويت)، ستصبح الأنظمة الطاغية غير ذات صلة وجزء من التاريخ، وستميل الكفة في كل البلدان العربية لصالح الثورة وستصل الرسالة لثوار البلد في مركز الاهتمام بأنهم ليسوا وحدهم بل ان كل العرب قد توحدوا لدعم ثورتهم، ولن يصبح بمقدور أحد ان يهدد هذه الثورة او ان يدعو الى تدخل اجنبي او يلعب على وتر الطائفية. كما ستكون مهمة قيادة الثورة في اي بلد عربي ليست قصراً على قوى البلد ذاته بل يشاركها في ذلك ويعززها إلهام "الهيئة العربية العليا للثورة".
وليعيد البيان القومي وصف الحالة العربية التي كانت مفروضة علينا وتلك التي يريدها الشعب العربي وليعيد الإعتبار لقضية فلسطين. في ظل هيئة كهذه فقط يمكن ان نقرر متى يكون موعد الزحف على فلسطين ، وكيفيات ذلك. لأن هيئة تحظى بمبايعة الأمة وحدها التي يمكنها الطلب من الدول الإسلامية ودول عدم الانحياز وكافة دول العالم البدء بمقاطعة "اسرائيل " اقتصاديا ودبلوماسيا وسنرى حينها كم ستصمد هذه ال "اسرائيل".



#ربيع_محمد_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - ربيع محمد العربي - نحو خريطة طريق للثورات العربية