أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - تجليات بطلسوما* قبل موته الأخير















المزيد.....

تجليات بطلسوما* قبل موته الأخير


طالب عباس الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 3315 - 2011 / 3 / 24 - 12:51
المحور: الادب والفن
    



من سكوني المتأرجح بالصراخ اسمع صدى طرق خفيض من عوالم نائية على أبواب وجدران وشبابيك مهجورة بذاكرتي.
يتكسر جليد النسيان، وينقشع ضباب الغبش.. يتكرر الطرق الأليف.. ويتكرر.. أستيقظ نافضاً بقايا كسل عالق بالجفنين وتراكم غبار الأزمان، ومكوث استطال في كهفي المسحور، لأفتح نوافذاً للحلم صدأت.. وعشعش فيها نسيج الإهمال.
عجبا!! ما زال العالم هو العالم والدنيا هي الدنيا.. لم تمسخ ألوانها أنفاس البرزخ، فالأزرق.. أزرق، والأحمر.. أحمر، وحتى الأخضر.. مخضوضر..!!
أطلقُ أسراباً من طيور السنونو من صقيع غربتها نحو نقاء الطهر ونصاعة بياض العفة، فتشرَئِبْ إليّ حشود الرقاب، ومعها تلك التقاطيع الألفية لأشيائي الحبيبة من زمني الغابر، الحُلميَ الألوان، العابق بالغفلة، كي أفك أسرها الأبدي فيطرقني صدى نداءات.. تتقاطع وتمتزج وتتفرق.. و..و..!!
إلا إنها تذوي متلاشية.. تهتف بي.. أنت سجنك وسجّانك والمسجون، وفيك الطعنة والطاعن والمطعون.
ويغوصُ رأسي بين الركبتين، فأشبكُ فوقه بعشري.. آه رفاقي.. أحبتي ..أصدقائي أعينوني فأني تعب حدّ الخواء عبر تناسل الأنين في الأربعين من سنيني، وأنتم تبغون ما لا أطيق لأنه عصرٌ جليديٌ آخر زحفت فلوله فوق جسدي، مخلفة هذه الأجداث برؤاي.. فيداهمني أريج الأمس ورطوبة الأزقة المعتمة وشظايا بريئة من ضحكات طفولتنا، كم عاجز عن الالتئام، والديدان تنخر اللحظة المضيئة بأدق خلاياي، كلما رمت ترميم تصدعي وتماهي الأشياء مع كينونتي.. مستعيراًَ ذاكرة الأرض للانسلال من رميمي، وتحليها الى مجرد رماد.. رماد في ذاكرتي.. رماد في دمي.. رماد في أنفاسي.. رماد.. رماد.. رماد!!
أمدّ البصر كرتين نحو مديات المستحيل المضببة لاقتناص الذكرى الهاربة الى ما قبل البداية، أو خلف النهاية الباحثة في الانسلاخ عن نشأتها الأولى وحنينها للأخرى.. فيرتد إليّ الطرف خاسئا وهو حسير.
إذاً فلابد من امتلاك الاستعداد الكافي لأغراء الومضة الخالدة، وصافات الرؤى لاختراق الحُجُب، والإمساك بناصية الأزمان.
ولابد من حنين فذٌّ لطيّ الأرض، وهرب المسافات واقتحام وحشة القفار وزمهرير الدهاليز المظلمة.. لأيقاظ الأمس اللذيذ النائم بسرير الغفلة الوردي.. حي العامـ.. كتبه.. شا.. ع.. (ع)!!
يا ترى أين ذهبت تلك الأشياء.. والأصدقاء.. أين هم الأصدقاء؟!
ان أغلبهم موجود.. أجل.. ولكن أين أنا؟ أين نحن في تبعثرنا المرير في عقم منحنيات المتاهة.. وحشيٌّ ليل المنفى والصباحات داكنة المعنى..!! أنين النداءات ينساب كالناي الحزين... ويتلاشى..!!
كم أحتاج أن أخلو بنفسي.. بعيدا عني، كي أهَدِّئ من فوضى الأشياء بذاكرتي، فأستعيد صورة الماضي الذاوي وأجتر الألم، لم يبق سوى الذكريات، وبدأتُ أنسى الوجوه، وكثيراً ما كنت أنسى معهم نفسي.. أأنا موجود حقا.. أم..!! وكم مرّة فاجأني وجودي..!!
عجبا لهذا الصمت، أريد أنسانا أسأله، أريد أنساناً يسألني، أريد حركة.. أية حركة تنتزع هذا السكون المخيف من عروقي، وهذا التشتت.. وهذا التحجر.. وهذا التوقف.. وهذا الـ........!!
أكاذب صوت زقزقة العصافير وحفيف أوراق وغُصون الحديقة؟ وهذه الخشخشة لسقوط الوريقات الجافة.. وزحفها على الأرض؟
أكاذب هذا النداء الجنائزي لمقرئ الجامع الذي يصلني واهناً.. متذبذبا. شبه متلاش (حتى أذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون * لعلي أعمل صالحا في ما تركت كلا أنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون*).
*** *** ***
يا أيها الشيخ الطاعن بالمأساة، الصامت أبداً بوجه المحنة، قد تحتاج لألف ذراع من فولاذ، كي لا تمزق أربا.. أربا، فتمرّ بك العاصفة بسلام، وألفٌ أخرى لغدر الزمان، وألفٌ ثالثة لفرقة الإخوان.. وألف ألف لـ...!!
أيا لهذا الخراب وخطوط التدمير الذاتي.
(أمسك مداك).. يطرقني من جديد استفهام ذاك النداء.. فتتجذر غابات ظنوني، وتصهل غربة روحي مخترقة أثير المسافات وعتمة أنفاس الغابات وضباب المدن المنسيّة وأعجاز القرون الضوئية..!! بيد أني لا ولن أمتلك سوى التسليم، وفيه منتهى شجاعتي.
فيا مارد التمزق، أرحم قلق النبض في خلاياي، حتّامَ أظل أتعثر بهواجسي ويخنقني اللهاث وعصف الريح، وكلما غلّقت أبواباً ينزغ في رأسي سيل من الشرفات؟!
أأطلقُ المدى لجناح العبرات المتكسرة بصدري لتضجّ بالعويل، واكسر طوق الحصار عن نهر الدموع ليتمرّد على بركة الصبر التي أشرفت أن تكون آسنة..!!
وأفكُّ عقال نسر الجموح نحو إغراءات الجنون، وأذري رمادي في مهب الريح، فأقف شامخاً ليشم أنفي دخان أحتراقات النجوم، ثم أطلقها ضحكة مدوية بوجه الخنوع لهذا الوجود النائم في صحوة.. أم الحكمة أن أتمهل الآن، وأتعزى بعزاء الأيمان؟! لأن الإنسان بي رغم كل هذا العمر من الضحايا ما زال يبتسم.. بل يحاول أن يبدأ من جديد مستهزءاً بغنج المحن..!!
إذاً فمسكينٌ من لا تطهره الأحزان، ويغسل غبرته مطر الدمع، ويمحّص معدنه بالصبر، ويجلى.. ليصلي في محراب ذاته.. صلاة المحبة الأزلية، ثم يبكي تضرعا من اجل الإنسانية المغمضة الضمير.. التي لا تدري ما تفعل ولن تدري..!!
مسكين مَن لا يزرع روحه عند مفترقات الطرق كشاخص ودليل، فيسرج قناديل القلب بليل العابرين، كي يحس نبض الخرائط واتجاهات الخطوط الوهمية ونوايا الريح، ثم تقوده المعرفة نحو فردوس الحياة.
ومسكين من لا يكسر حجر المعقول ويمزق شرنقة المحدود ويزيح الستار عن حواسه الاستثنائية ليبصر أناه العليا.. ضاربة بأجنحتها الشفافة مع أسراب الملائكة.. في وهج نور العرش.. بغبش الإنثيالات السرمدية في الذر ما قبل التكوين.. ليلمس عري أخاه الماء وأخَيّاتِهِ الأشياء حين ولادتها الأولى.
فكم بدائيٌ هذا النزيف، وكم نهائيٌّ جرح المدى.. تدور الدوائر، وكلما توغلنا في بؤر الدوائر.. تنبثق بوجوهنا الدوائر، الدوائر تُوَلِّدُ دوائراً ودائرة العمر عقيمة..!!
سأطلق لخطاي العنان.. فيحتويني الظلام، ويومئ إليّ بؤس ليلنا الطويل القاتم أن أتبع خطوات ظلٍ مجهول لست أدركه، لعلّه الحزن أو الجنون.
حزن شفيف كالبلور سوف أسميه (أسطوريا)، وجنون مشعٌّ كالماس سوف أسميه (أدبياً)، وأمضي الى حافات وجودي الآيل للسقوط، نحو عالم ـ ربما ـ أشدّ سطوعا ونبلاً وصدقاً نحو الموت الجميل.
آه.. مدينتي (كربائيلو*) يا منبع النور، يا مرضعة الأنبياء لبن الإباء، يا بدء البدئ والمنتهى، أيتها الطاهرة المطهّرة بدم المظلوم، قد حملتك جرحاً ينزّ قيحا كلما لامسته النسيمات، وفي دمي يصرخ ظمأ.. فنبذتني طريداً.. شريداً، غريب.. غريب.. يا غريب، فرحلت أحمل عُري روحي بكفي، وأتوكأ عكازة حزن قلَّ نظيره بين الأحزان، كي أحفر حروفك بروحي وشماً أباهل به التيجان، وأضحيت وحيدا تطاردني خطى الوحشة، فأسمع أنين ينداح بأوردتي، ونداء تحمله الريح من نهر الحسينية، يصرخ بي.. إنه ثمن الانتماء.. الانتما.. ماء.. ماء..!!.
الهوامش:
*ـ احد أصحاب الكهف.
*ـ قرآن كريم.
*ـ تعني باللغات القديمة (بيت الرب).
[email protected]



#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لص ومجانين
- تشييع الذي لم يمت..!!
- أزمة وطن؟ أم أزمة مواطنة؟!
- عروس الفجر
- صراخ الصمت
- هجرة الطيور-قصة قصيرة
- رحلة إلى العالم الآخر- قصة قصيرة
- رمياً بالزواج - قصة قصيرة
- الزهايمر - قصة قصيرة
- الإنتقام الصامت
- قصة قصيرة جداً الموناليزا طالب عباس الظاهر نظر إليها، كان ال ...
- رؤيا
- باراسيكلوجي


المزيد.....




- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - تجليات بطلسوما* قبل موته الأخير