أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - نظارة سوداء -قصة قصيره














المزيد.....

نظارة سوداء -قصة قصيره


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3313 - 2011 / 3 / 22 - 22:19
المحور: الادب والفن
    


نظارة سوداء
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي
البدايةُ عادةً كما في جميع الحكايات....، يدفعك الخوف من المجهول ، شحّ الموارد ،الطمع في تحقيق بيض الأماني التي تصطف بتلافيف مخك بطوابير طويله و أنت تدرك أن عينك ترمق ذيل الطابور، هكذا هو الأمر في كل بداية...، يدفعونك للقبول بشروط ، وشروط أخرى ، لعلك تفوز بواحدة ، هذا هو موقفك الذي اخترته مكرها بتلك الدوافع المسبقة، إذن لا بد من تحمل شروط المُخرج ولو جلَدك و إن سَلَقك كل يوم بلسانه،ولو تعدى الحدود بخدش جلدك الرقيق بسوطه اللاسع، بتلك الحركات المتقنه من ذلك السوط الطويل بحجة التدرب على المهنة و ضرورة إقرارك بتجنب خسارات جانبية من أجل تأمين ما يسد رمق صغارك و يحميهم من العوز في ظل الأُسود و ربما مغازلة بعض الأماني ولو من بعيد مستخدما لغة الإشارة، لا بد إذن من تحمل عسف سلطة المخرج ذلك المستأسد في المسرح ،و المضي قدما بتلقي سياطه و نظراته الشزرة و تهديده المبطن، ...،إن لم تمتثل..آه إن لم تمتثل ستكون على قارعة الطريق.. تنتظر من يقلك مجانا إلى حيث تريد، لأن جيبك فارغ و أفواه صغارك فاغرة تنتظر ما تستطيعه لها وهي صاغرة حد التضاؤل ممتثلة لقهر الجوع العاري و البرد الأجرد ثم تتسالم على مضض مع صيف ساخن وشمس لا تعترف بظل و هواء خفيف واقف عار عن رياحه، أنت تدرك ياعزيزي، إنني أعني من كل ذلك موقفي من سلطة مدربي المخرج الذي لم يصبر علي لحد الآن لوجه الله لكنني برأيه العبقري خير من يصلح لدور الأعمى الرثّ بنظارة سوداء مكسورة الزجاجة اليمنى على مسرحه الواسع المرموق وقد هددني مرة قائلا: إن لم تكن متعاونا معي على تطويعك بشكل كامل للدور الذي اخترته لك ، سألقيك في غيابة الشارع الدهليز الذي لا نهاية لغيابته ، لذلك و مع وجود أولئك الصغار المنتظرين و الزوجة التي تشبه دجاجة نفضت كل ريشها و بيضها مبكرا إثر قلشٍ طاريء ، من أجل كل ذلك تم تطويعي للدور في مسرحية الأعمى لمخرجها السلطوي الذي لا يقبل بأقل من الإمتثال دون مناقشة و لأن الجميع في مسرحه مثل نوعي ، ذلك النوع المغلوب برضاه ، كنت طائعا ، سلسا ، منقادا، لا يوجد في رأسي إلا أسبابي و هكذا و بشروطه أتقنت الدور ، قهرت أضوية المسرح الهائلة التي تضيء الخشبة مخترقة عيوني من جراء تهدل نظارتي المربوطة بخيطها المطاطي على رأسي وبعصاي الرثة مثلت دور الأعمى باتقان عال ، فقد كان مخرج المسرحية الفذ السلطوي قد ألبسني معدات تلك الشخصية بنجاح ساحق ، نظارة سوداء مكسوره الزجاجة اليمنى، دشداشة* رثة مهلهلة وعصا سيسبان ذات اعوجاج واضح وكوفية بيضاء وسوداء استحال لون بياضها إلى الأصفر الباهت ، نعلين جلديين مقطوعي السيور، و هكذا أطلقني في مسرحيته الجماهيرية التي كانت تعرض بانتظام في مسرحه الفخم و كنت أحفظ الدور عن ظهر قلب دربت عيني على النظر في قرص الشمس في حمّارة القيظ لئلا تطرف عيني من ضوء أو عاكس ضوء قوي في المسرح المنور دائما بوجود المخرج المعلم ، و هكذا و لأن دوري في المسرحية محوريٌ يعتمد بشكل رئيس على الأعمى الذي هو أنا ، فقد نجحت المسرحية نجاحا ساحقا و كانت شهرة المخرج قد غطت كل مناطق الوطن العزيز و لكي لا يُحرم شعبنا العزيز من التمتع بالمسرحية فائقة النجاح ،إقترح عليّ معلمي ومخرج المسرحية الفظّ و السلطوي، عرض علي السفر إلى مدينة في أقاصي الوطن لنبدأ من هناك إمتاع شعبنا بعبقريته و أدائي المجيد لدور الأعمى المذهل ونذهب بسفرة استكشافية لمكان العرض ومسرح المدينة هناك قال: إن علي شخصيا إلقاء نظرة على الخشبة هناك و أوصاني أن أستغل الطريق الطويل بصقل مهارتي بعدتي الكاملة عصاي ونظارتي وكوفيتي القذرة و نعلي المقطوع السيور و موهبتي و هكذا ذهبنا نغذ السير نحن الثلاثة ، سائق الميني باص ومخرجنا العتيد ذو العين الصقرية و أنا ، و في مفازة قاحلة من الطريق غير المعبد تعرضنا لكمين لصوص حرفيين تسلحوا جيدا بأسلحة فاتكة لا يريدون شيئا سوى ذلك الميني باص علامة متسو بيشي بموديل (2002) و من أول رصاصة أتت من فوق التلة قتل السائق المسكين و توقف الميني باص بعد مسافة قليلة ،لا زالت عدة الأعمى تجللني من النظارة للنعل مقطوع السيور و ازددت رثاثة بفعل الشحوب الناتج من هول ما حصل ربطوا أيدينا وكمموا أفواهنا بشريط لاصق متين ثم ألقوا بالمعلم مخرجنا العبقري بحفرة و أطلقوا عليه النار وهم يدمدمون عيونه وقحة كعيون الصقر حسنا فعلنا ، ربما يتعرف علينا، ثم التفتوا لي ولم يصدقوا ، إنه أعمى ، تصايحوا، إنه أعمى، قلت في سري هذا يومك أيها المسرح ، راحوا يستكشفونني قطعة قطعة ليتأكدوا من مرجعيتها لأعمى ، و كانت مفاجأة مذهلة عندما اكتشفوا إنني لا أساوي شيئا البتتة و إنني محض راكب أعمى ، ركلوني ركلات اختبار وأزالوا نظارتي المكسورة بعسف واضح و كان قد حل المساء فأراد حذقا منهم إختباري فوجهوا لعيني ضوء مصباحهم الباهر لكنه ليس أبهرُ من عين الشمس الذي تدربت جيدا في النظر إليها و الشمس في السمت فقد اجتزت الإختبار بنجاح و قرروا أنني أعمى ،و إن مظهري و عصاي و نظارتي ذات الزجاجة المكسورة و الخيط المطاطي، كل ذلك يعود لرجل أعمى لا يساوي شيئا فتركوني وسط الطريق غير المعبد وناولوني عصاي المعوجة ثم أطلقوا رصاصات أخرى على مخرج المسرحية وهو في الحفرة ليتأكدوا أنه مات أكثر من مره ، هم يعتقدون أنه تعرف عليهم ، أهالوا عليه التراب و أنا أنظر و أسمع ، مضوا إلى عمق الصحراء بالباص الصغير و لم يتركو أثرا إلا جثتيّ السائق و المخرج المطمورتين في الحفرة و رحت أسوق عصاي على طريق العودة ، لكن إلى أين ؟ لا أعلم و ها أنا أسير بعصاي سير الأعمى خوفا من رجوعهم لقتلي إذا اكتشفوا إنني مجرد ممثل ولست أعمى .
ــــــــــــــــــــــ* لباس الفقراء



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لما ذكرتكِ -قصيدة
- دمٌ مثل لون الشجر
- موت المدن
- موقف_ قصيدة
- الفقراء- قصيدة واضحة
- وطن كالقلب
- قال لي- قصيدة
- يا ساحة التحرير-قصيدة
- ذيول - نص تهويمي
- حييت مصر- قصيدة
- في ذلك النهار- قصة قصيرة
- غواية التباريح- قصيدة
- سلاما لمصر- قصيدة
- عثار الروح- قصيدة
- اغتيال-قصة قصيرة
- إحذري يا جميلة
- هموم الجميلة- نص
- عدوان -قصيدة
- الحلقةالثانية و العشرون و الأخيرة من سيرة المحموم(22) -هذيان ...
- ليلة -قصيدة


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - نظارة سوداء -قصة قصيره