أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - نحو حزب شيوعي عربي جديد-2















المزيد.....



نحو حزب شيوعي عربي جديد-2


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 3312 - 2011 / 3 / 21 - 23:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نحو حزب شيوعي عربي جديد-2
الماركسية في الواقع الراهن عن الرؤية والمهمات


تعرّض العالم منذ عام1990 لاجتياح إمبريالي أميركي خصوصاً، فرض احتلال عديد من الدول من كوسوفو إلى أفغانستان إلى العراق، وهو مستمرّ رغم التعثر الذي تعرض له في هذين البلدين، ورغم كل الصعوبات التي باتت تعيشها الرأسمالية بفعل الأزمة التي ألمت بها. ولقد بدأ هذا الاجتياح على ضوء انهيار المنظومة الاشتراكية وإنتهاء الحرب الباردة، وبالتالي تفرّد الولايات المتحدة في القوة والمقدرة، ومشكلات اقتصادية عميقة تفرض عليها استخدام القوة من أجل ضمان السيطرة العالمية. ويهدف هذا الاجتياح السياسي الاقتصادي وبالأساس العسكري، إلى إعادة صياغة العالم بما يحقّق مصلحة الشركات الاحتكارية الإمبريالية التي باتت متعدّية الحدود وهائلة الرأسمال والتقنية وفائقة المقدرة على المناورة، لكنها المأزومة والتي تعاني من ضيق السوق والتنافس ومن تضخّم الرأسمال "المالي" ومن اختلال العلاقة بين الرأسمال المنتج (الذي بات يشكّل ما يقرب من ألـ10% من كتلة الرأسمال) والرأسمال المنفلت الذي يبحث عن منافذ لنشاطه مادام لا يحمل إمكانية التوظيف في القطاع المنتج خشية تفاقم المنافسة وبالتالي خطر الانهيار. ولهذا فان الاجتياح العسكري هو محاولة للعودة إلى أشكال السيطرة القديمة القائمة على الاحتلال والنهب المباشر، والتدمير والتهميش، من أجل فتح المنافذ لاستثمارات تدرّ الربح الأعلى. مما يسهم في تعمّق الاستقطاب وتوسيع اللاتكافؤ، ويقود إلى دمار ما تحقق في المجال الاقتصادي والمجتمعي في دول عديدة، خصوصاً في الصناعة، كما في المجال المجتمعي، مما يدخل الأطراف التي هي مخلّفة في حالة من التفكك والتفتت والموت السريري.
وإذا كانت فترة الحرب الباردة (1945- 1991) قد سمحت بتحقيق نهوض عام، وبالتالي قادت إلى انتصار حركات التحرّر القومي نتيجة التوازن الدولي الذي كان وجود الاتحاد السوفييتي يفرضه، الأمر الذي أفضى إلى تحقيق تطوّر صناعي ومجتمعي معيّن في العديد من الأمم. وكانت قد انهارت تلك التجارب بعد دخول الاتحاد السوفييتي في أزماته، ونتيجة التناقضات الداخلية فيها بفعل النهب الذي مارسته الفئات المسيطرة فيها. فان الاجتياح الإمبريالي الراهن يعقّد الوضع في مختلف بقاع العالم، ويجعل إمكانية التطوّر أكثر صعوبة، وكذلك أكثر ارتباطاً بالصراع ضد الرأسمالية، الأمر الذي يفتح على البحث من جديد عن بديل للرأسمالية يحقّق التطوّر بمعناه الاقتصادي الاجتماعي والثقافي السياسي والمجتمعي الشامل من جهة، ويزيل الاضطهاد والاستغلال والقهر وعدم المساواة واللاتكافؤ من جهة أخرى.
وإذا كان إخفاق التطوّر العربي قد ارتبط بالأحزاب القومية العربية التي قادت النشاط الثوري منذ خمسينات القرن العشرين، رغم كل الإنجازات التي تحقّقت في حينها، فان استعادة المشروع النهضوي العربي في وضع يفرض المواجهة مع الإمبريالية التي باتت قوّة احتلال مباشر، وكذلك مع جزئها العضوي (أي المشروع الصهيوني)، يتطلّب أن يسعى الشيوعيون في الوطن العربي لكي يكونوا قوّة فعل حقيقي، وأن يعملوا على أن يخوضوا الصراع من موقع الفعل الريادي. لقد كان عليهم لعب هذا الدور منذ تشكّل العمل الشيوعي، حيث كان يجب أن يقودوا النضال الثوري من أجل الاستقلال والوحدة والتطوّر، ومن أجل تجاوز الرأسمالية، لكن "العقل" الذي حكمهم، والرؤية التي مارسوا على أساسها، جعلتهم "يهربون" من السياسي إلى المطلبي ومن الثوري إلى "الديمقراطي" ومن الفعل إلى رد الفعل، ومن تغيير الواقع إلى القبول بالأمر الواقع، وبالتالي من تبنّي الأهداف العميقة والواقعية المعبّرة عن المشكلات الحقيقية، إلى لمس انعكاسات هذه المشكلات فقط، وتقديم حلول جزئية لها كذلك. كما أسّست هذه "العقلية" وتلك الرؤية لمنطق يقوم على القبول بالأمر الواقع والتكيّف معه والتخلّي عن ضرورة تجاوز الواقع انطلاقاً من ممكنات الواقع ذاته، هذه الممكنات التي ظلّت غائبة عن وعيهم لأنهم لم يستطيعوا وعي الواقع وظلّوا في مستوياته "الخارجية"، أي في المستويات التي تطال السياسي بما هو سطحي. لهذا عرفوا بـ" السلب" أو بالنقد ولم يعرفوا بالميل لتأسيس ما هو ابعد من الواقع ويتجاوزه عبر تحديد البديل والعمل على تحقيقه.

مسألة الريف:
ونتيجة ذلك اقتحم الريف واجهة المشهد، فقد دخلت الفئات الفقيرة والمتوسّطة الصراع وهي التي كانت تئنّ تحت وطأة استغلال عنيف طيلة قرون، حيث كان الإقطاع المتمدّن (أي الذي يسكن المدينة ويعمل في التجارة كذلك) يمارس أبشع نهبه، و بالتالي كان الصراع الطبقي يتمركز هناك، حيث كان الريف هو التكوين الأساسي للمجتمع. كما أن النمط الرأسمالي العالمي الذي كان قد مدّ سيطرته العامة كان يهمّشه بعد أن استغله عبر تكريس النمط الأحادي في الزراعة (القطن أو القمح، أو الحرير)، حيث كان يمنع التطوّر الذي كان يمكن أن يستوعب أزمات الريف عبر توظيف جيش العمل الاحتياطي، وكان يكرس البنى التقليدية مع تركيزه على انتاج السلع الزراعية الضرورية لصناعته.
وكانت وسيلة اقتحامه هي الجيوش المشكّلة أصلاً من القاعدة الريفية، حيث ضم الجيش تلك الفئات المفقرة في الريف، لكي تكون قوة قمع لسلطة الإقطاع والتجار المتبرجزين. ونتيجة أساسه الطبقي هذا دخل الصراع لمصلحة التغيير، بعد أن بدا أن ليس من قوة تتقدم إنهاء نظم باتت هشة بعد تخلخل النظام العالمي، في مرحلة صياغة طابعه بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا كانت الفئات التي انتصرت قد هدمت البنية القديمة ـ عبر الإصلاح الزراعي الذي كان هو مركز ثقل الثورة الديمقراطية، وأساس توحيد القطاعات الشعبية و تأسيس قوة تغيير حقيقية ـ فقد كانت تعمل على تحقيق مشروعها الخاص، البادئ بالمساواة والواصل إلى التحوّل إلى طبقة مترسملة عبر النهب. وهي لم تكن تحمل مشروعاً بديلاً عن المشروع الرأسمالي، رغم أنهاـ ولتحقيق مصالحهاـ قلّدت و استفادت من التجربة الاشتراكية. لقد نادت بـ "الاشتراكية" القائمة على المساواة و تقديس الملكية الخاصة، الأمر الذي كان يحوّل المساواة إلى لا مساواة، كما كان تقديس الملكية الخاصة يفرض النهب ومراكمة الثروة التي كانت تهرّب إلى البنوك في المراكز الإمبريالية. و لقد تحقق ذلك في ظل أنظمة دكتاتورية استبدادية حظيت بقاعدة اجتماعية واسعة نتيجة السياسات التي أنجزتها في المستوى الاقتصادي، والتي دمرت النشاط السياسي والاحتجاجات الشعبية والميول المطلبية، دون أن تستطيع مواجهة الأخطار الامبريالية الصهيونية.
وإذا كانت قد ترسملت حقيقة و أعادت التكيّف مع النمط الرأسمالي، أو سعت إلى ذلك، فان نهبها واستبداديّتها أفضيا إلى إدخال عملية التطوّر في مأزق عميق، وأوجدا أزمة اقتصادية وإفقار شديد، وأسسا لحالة من الرفض الشعبي، مع تدمير للحركة السياسية والقيم و تشويش على الأهداف. وها هي الآن تواجه الاجتياح الإمبريالي فتتكيّف معه أو تقف عاجزة عن ردّه. وهو الأمر الذي أفضى إلى تهميش الشيوعيين خصوصاً هؤلاء الذين أصبحوا جزءاً من السلطة التي كانت تمارس كل ذلك. والى تجاوزهم بفعل التغيير الطبقي العميق الذي حدث نتيجة سياسات تلك النظم. الأمر الذي جعلهم هامشاً في لحظة كان الصراع الوطني ضد الإمبريالية في تصاعد، والصراعات الطبقية تتفاقم.

دور الحركة الأصولية
لكن ليست الحركة الأصولية هي البديل، لأنها ترفض الغرب ليس لأنه رأسمالية تستغل وتنهب وتضطهد وتدمر وتحتل، بل ترفضه من منطلق "ديني" وقيمي أخلاقي ماضوي، وبالتالي فهي تعيد الصراع إلى شكله المغرق في القدم، و تفتح الأفق للتدمير والقتل على أسس بالية، دون رؤية لبديل يحقّق التطوّر والحداثة التي ترفضهما. لكنها في الواقع تكرّس الاستغلال والإثراء والنهب، وأيضا التفكك والتخلف والاستبداد. كما تكرّس التبعية لذاك "الغرب" الرأسمالي، لأن رؤيتها تقوم على الحق المطلق في الملكية الخاصة، وعلى أن النشاط الاقتصادي هو التجارة فقط. الأمر الذي يجعل صراعها مع "الاستكبار" (أو مع الإلحاد، أو المسيحية واليهودية) مؤسس على وعي ماضوي، وليس من منطلق مستقبلي وبهدف مستقبلي، ولكنه سرعان ما يتحوّل الى "تحالف" نتيجة توافقها مع ذاك "الغرب" في تعميم الحرية الاقتصادية القائمة على النشاط التجاري فقط، وإتحادهما ضد الإلحاد والشيوعية كما جرى لعقود طويلة قبل الحرب الباردة وخلالها.
وهي في كل الأحوال لا تستطيع توحيد القطاعات الشعبية لأنها تميّز على أساس الدين. وتتجاهل أوضاع الطبقات الفقيرة، وإن نشطت في "الاحسان". على العكس من ذلك تقف مع الفئات الرأسمالية التابعة (وهي جزء منها) من أجل إلغاء الاصلاح الزراعي وإعادة "الاقطاعيين"، ومن أجل إلغاء التأميم وخصخصة الصناعة وكل المرافق العامة. وهي ترفض الميول التحررية حتماً. وتتجاهل أن الواقع يؤسس لتكوين مدني حديث نتيجة العلاقات الرأسمالية التي أصبحت واقعاً لا يمكن شطبه، مما يجعل ميلها معاكساً لهذا المسار، ومدمراً لما هو ايجابي فيه، مع تكريس لما هو سلبي ومحافظ. لهذا ورغم أنها باتت تواجه "المسيحية واليهودية" فان التصوّر الذي تطرحه لا يحمل أي ملمح يطال المشكلات التي نعيشها، ولا يقدّم حلولاً حقيقية لها، على العكس من ذلك نجدها تقدّم الحلول المدمرة لمصالح الطبقة العاملة والفلاحين بالأساس، كما لتحررية الفئات الوسطى.
الوضع الراهن
إذن، يتقدم الاجتياح الإمبريالي في لحظة انهيار البنى التي تشكلت خلال فترة الحرب الباردة، وانهيار الأحزاب التي تشكلت خلالها، وفي إطار مقاومة ماضوية وهوجاء من قبل الحركة الأصولية. وفي وضع انتفت فيه البدائل، حيث أن انهيار النظم الاشتراكية فتح باب التشكيك في الاشتراكية كبديل، كما أن النهاية المأساوية لتجربة "رأسمالية الدولة" التي تحققت بقيادة الحركات القومية قد أبعدت التفكير في هذه الصيغة من التطوّر. ووهم السماء لا يحل مشكلات الأرض.
رغم أن الفقر والجوع ينخران كتلة هائلة من المواطنين، ويؤسسان لاحتقان شديد، ويحرّضان على الفعل، على الانتفاض وعلى الثورة. كما أن الوجود الصهيوني والإرهاب الذي يمارسه والأخطار التي يوجدها على الوطن العربي، وكذلك احتلال العراق والسعي لإعادة صياغة خريطة المنطقة لدمجها في العولمة الإمبريالية المتوحّشة، كلها تحرّض على التمرّد والاندفاع إلى المقاومة، وهو الأمر الذي بات هاجس كتلة شعبية هامة تعيش احتقاناً هائلاً نتيجة القهر الذي يسببه الاجتياح الامبريالي الصهيوني وكل الممارسات الوحشية التي يقوم بها، ونتيجة الافقار الشديد الذي باتت تعانيه، وبالتالي بدء تفاقم الصراع الطبقي.
وربما كان غياب البدائل هو الذي يجعل للحركة الأصولية هذا الدور الذي تلعبه في وضع يتّسم بالتفجّر، حيث يحل أمل السماء محل أمل الأرض، وحيث يلعب الاعلام دوراً في تضخيم الفعل الأصولي ضد الامبريالية مع تجاهل لكل المقاومات الأخرى. رغم أن النضالات الطبقية التي تجري تشير إلى غياب دور هذه الحركة، على العكس فقد أظهرت أنها بعيدة عن هذا الصراع الذي هو نتاج الاستغلال البشع الذي تعيشه الطبقات الشعبية.
لقد نشأت الحركة الأصولية ضد الحداثة والتطوّر، ولعبت دوراً في التدمير الداخلي القائم على أساس ديني ومذهبي، و قاتلت السلطات في بعض الدول انطلاقاً من ذلك وبالتحالف مع الامبريالية، كما سعت لفرض برنامج محافظ ورجعي (فيما يتعلق بالمرأة والعلاقات الاجتماعية والاقتصاد). وإذا كان الصراع العالمي قد حوّلها إلى قوة مناهضة لأميركا بعد أن تحالفت معها لعقود وتدرّبت لديها (كما في أفغانستان مثلاً). وبالتالي بدت إزاء انهيار اليسار والحركة القومية أنها القوة التي تناهض "الاستكبار" الأميركي، وتقاتل "المسيحية واليهودية"، لتصبح هي قائدة "التحرر"، فان الرؤية التي تنطلق منها والقائمة على أساس الدين (صراع المسيحية/الإسلام، أو اليهودية/الإسلام) تدخل الصراع، الذي هو صراع مصالح، في متاهات دموية لا تسمح بوصوله إلى الانتصار وبالتالي التحرّر. كما أنها يمكن أن تعيد التحالف مع القوى الامبريالية مادامت تنطلق من أولوية مواجهة الإلحاد والشيوعية والعلمانية لتكريس سلطة "الشريعة"، وفي إطار نظام اقتصادي ليبرالي تريده الرأسماليات الامبريالية.
وأيضا ربما استطاعت قوى لا تحمل بديلاً أن تواجه وتنتصر (رغم صعوبة ذلك الآن)، لكن ذلك لا يسمح بتحقيق التطوّر والحداثة، أي تحقيق المشروع النهضوي العربي، مشروع الاستقلال والتوحّد والدمقرطة و التطوّر الاقتصادي (بناء القوى المنتجة)، رغم أن هذا الاحتمال بات ضعيفاً جداً، حيث استنفذت الفئات الوسطى الريفية (التي كانت تشكل القاعدة الأساسية للنضال) كل دورها الممكن كقيادة، وحيث لا تستطيع الفئات الوسطى الحديثة لا التماسك والتوحد، ولا قيادة الطبقات الأخرى، لأنها باتت تبحث عن بنية سياسية تقبل نشاطها أكثر مما باتت تفكر في التغيير، في وضع بات الصراع مع النمط الرأسمالي بات حاسماً، الأمر الذي فرض تجاوز النمط ذاته، حيث عبر هذا التجاوز يمكن تحقيق التطور في القوى المنتجة والحداثة، وكذلك كل المشروع القومي الديمقراطي.
هذا يطرح دور الماركسية. لقد كان على الحركة الماركسية(الشيوعية) العربية أن تؤسس لنضال جذري ضد الاستعمار وضد الطبقات المسيطرة الحاكمة وضد التجزئة والتخلف والإقطاع والمشروع الصهيوني، لكنها لم تُقْدم، فتاهت في الفكر وفي الرؤية، ومالت إلى المساومة و"الاستسلام" والمهادنة والتكيّف.
أما الآن فيجب أن يختلف النظر، لكي تختلف الرؤية. وليس مطلوباً هنا الانتقال من طرف إلى آخر، لأن المعاكس ليس هو الحقيقة، ولقد حاولت قوى ذلك وفشلت كذلك. المطلوب يتمثّل في وعي الواقع ووعي حركته(صيرورته) من أجل أن يتحدّد دور القوى الماركسية على ضوء هذا الوعي، وبالتالي لكي تلعب دورها الممكن. والممكن يشير إلى أن لها دور محوري يستطيع لمّ تململات الطبقات والقوى، ويمكنه تطوير المقاومة بشكل عاقل وعقلاني، كما أن بامكانه بلورة بديل حقيقي، يتجاوز التخلف والتهميش ويحقق التطوّر ويزيل الاستغلال والاضطهاد وينحو لأن يحقق إنسانية الإنسان.
إن الطابع الإستقطابي للنمط الرأسمالي يفرض أن يتحقق التطور وتتحقق الحداثة عبر تجاوز النمط الرأسمالي (أي عبر نفيه)، وليس من مشروع يطمح إلى ذلك سوى المشروع الشيوعي، المشروع المعبّر عن الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. لقد حاولت الفئات الوسطى تجاوز احتجاز التطوّر عن طريق الدور الذي لعبته الدولة، وكان جوهر مشروعها يتمثّل في الرسملة، لكنها فشلت حيث أنها فئات تغلّب الخاص على العام، المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، ولهذا نهبت قبل أن تضمن تحقيق التطور فأعاقته. وإذا كان المشروع الرأسمالي مستحيل أصلاً نتيجة عالمية النمط الرأسمالي، فان الخروج على آليات النمط الرأسمالي تفرض الخروج على الرأسمالية ذاتها، و هنا يتحدّد دور المشروع الماركسي الطامح إلى تحقيق الاشتراكية. لكنه الساعي الآن لتحقيق كل المهمات الديمقراطية كضرورة يفرضها الواقع.



دور الشيوعيين

المسألة الآن هي مسألة مواجهة الاجتياح الإمبريالي الأميركي، لكنها كذلك وفي الوقت ذاته مسألة تحقيق التطوّر وتجاوز الاستغلال والاضطهاد والاغتراب والاستبداد. مسألة بناء الدولة/ الأمة الصناعية الحديثة، التي تعبّر عن العمال والفلاحين الفقراء وكل الطبقات الشعبية.
الأمر الذي يفرض على الشيوعيين في الوطن العربي أن تكون عنصر فعل حقيقي في الصراع، وأن تعمل على تطوير الصراع الطبقي ضد الطبقات المسيطرة. كما ضد الرأسمالية الإمبريالية، وخصوصاً رأسمالية الولايات المتّحدة. وأن تعطي لهذا الصراع اتساقه وشموله وأبعاده العميقة عبر تفعيل حركة اجتماعية شاملة، عن طريق تطوير نشاطات الطبقات الفقيرة، خصوصاً العمال والفلاحين الفقراء وكل المهمشين، والدفاع عن حقوقها وعن دورها وحق تشكلها كذات سياسية. وهذا الدور يفرض عليها إعادة بناء تصوّراتها ورؤاها، وتحديد أهدافها.
وفي هذا الوضع يجب التأكيد على الأمور التالية:
1) إن الصراع الأساسي هو صراع مع النمط الرأسمالي، وبالتالي مع الطغم الرأسمالية الامبريالية في المراكز. وإن الهدف هو تجاوزالرأسمالية من أجل تحقيق التطور والحداثة والاشتراكية. وهذا يعني أن نفي الرأسمالية هو ما يوجّه النشاط ويفرض تجاوز الميول القائمة على التكيّف معها باعتبارها "حقيقة" ليس من الممكن تخطيها الآن. على العكس، ليس من الممكن تحقيق التطوّر وأي من الأهداف المطلبية التي تهمّ الطبقات الفقيرة مباشرة دون تجاوز الرأسمالية، كما أن الرأسمالية غدت قوّة تدمير و تخريب للبيئة و قوّة إفقار و تهميش.
وإذا كانت الحركة الشيوعية القديمة قد بنت سياساتها على أرضية الرأسمالية وانطلاقاً من ضرورتها باعتبارها مرحلة " تقدمية" لا يمكن تجاوزها، فان أوهامها سقطت منذ زمن بعيد، الأمر الذي يستدعي التأكيد على أن الرأسمالية في الأطراف ليست قوة تقدم بل هي قوة إعاقة، وأن عالمية النمط الرأسمالي تشكل قوة منع وتخليف إضافة إلى كونها قوة نهب واستغلال واضطهاد وتدمير، أو نتيجة كونها كل ذلك. وإن التطور والحداثة وتجاوز الاضطهاد والاستغلال تفرض كلها صيغة أخرى للتغيير يلعب الشيوعيون دوراً محورياً فيها.
إذن يجب أن تكون الحركة الماركسية في طليعة القوى التي تخوض الصراع ضد الاجتياح الإمبريالي الراهن، و بالتالي تكون في طليعة القوى التي تقاتل من أجل طرد الاحتلال الأميركي من العراق وإنهاء الوجود الصهيوني في فلسطين، والتصدي للتوسّع الاحتلالي الأميركي المستمر. أن تبني استراتيجيتها على أنها قوّة مقاومة وتغيير من جهة، و أنها تحمل مشروعاً بديلاً من جهة أخرى. و بالتالي فان مراهنتها على أن تنتصر الرأسمالية، أو أن تتخلّف عن أن تصبح قوة مقاومة عبر الركض وراء أوهام راهنية الرأسمالية، يفسح لقوى أخرى أن تحل التناقضات دون أن تقدّم بديلاً حقيقياً، الأمر الذي يفتح على مشكلات جديدة.
إن تحوّل الرأسمالية إلى نمط عالمي فرض أن يرتبط التطوّر بالحركة الماركسية، الأمر الذي جعلها قوة تطوير قبل أن تكون القوة التي تحقق الاشتراكية . إنها وهي تقاتل من أجل تكريس الاستقلال، وهو الأمر الضروري والحاسم راهناً، تعمل من أجل تحقيق الأهداف الديمقراطية العامة، أهداف التطوّر والحداثة. وبالتالي فهي لا تسعى للرفض فقط بل تعمل من أجل تحقيق برنامج التطوّر والحداثة كخطوة في طريق تجاوز النمط الرأسمالي.
2) ولهذا يجب أن تعمل من أجل تحقيق مشروع نهضة في الوطن العربي،أن تجيب على أسئلة التقدم العربي و تعبّر عن حداثته. إن مواجهة الرأسمالية ترتبط بتحقيق التطوّر، الذي يفترض تحقيق جملة المهام التي يفرضها تحقيق الثورة الديمقراطية. أي مهام الانتقال من الاعتماد على المواد الأولية والخدمات والزراعة كقوى "منتجة" في الاقتصاد، إلى تأسيس قوى منتجة تكون الصناعة هي أساسها، ويجري تحديث الزراعة إعتماداً على ذلك. وكذلك الانتقال من التفكك السياسي الذي تكرّس خلال القرن العشرين إلى الدولة- الأمة. ومن أيديولوجيا القرون الوسطى والبنى القروسطية إلى المجتمع المدني الحديث الذي يتأسس على مفهوم المواطنة، والقائم على العلمانية والديمقراطية. ومن الفروق الطبقية الواسعة الى تحقيق مصلحة الطبقات الشعبية. وأيضاً الانتقال من التبعية والإلحاق إلى الاستقلال ولعب دور فاعل في العلاقات الدولية، وتكريس العلاقات الأممية وتشكيل التكتلات الاقتصادية الكبيرة.
هذا الدور يفرض إعادة النظر في كل الرؤية التي كانت هي الرؤية الرائجة، والتي همّشت الحركة الماركسية وأفضت إلى سيرها نحو التلاشي.




مسائل مبدئية

هذا الوضع يفرض تحديد الأسس التي ننطلق منها، والتي تمثل رؤيتنا لمشكلات الواقع في الوطن العربي، وأيضاً التي تحدد منظومة أهدافنا. ونحن هنا نعمل على إزالة الاختلاط الذي راج، والذي نتج عن سوء سياسة أحزاب وقوى قالت أنها تتبنى الماركسية، لكنها عجزت عن وعي الواقع وبالتالي رسمت سياسات وخاضت تكتيكات خاطئة. إننا ننطلق من رؤية شاملة للوضع العربي، في تاريخيته، وفي واقعه الراهن، لكن بالأساس فيما يؤدي إلى تحديد سياسة صحيحة تفضي إلى تحقيق مجمل المهمات التي يطرحها الواقع انطلاقاً من مصلحة العمال والفلاحين الفقراء بالتحديد.

وضع العمال والفلاحين الفقراء
إن الأساس هو حياة العمال والفلاحين الفقراء، ولهذا يجري التغيير من أجل تحقيق وضع أفضل يقوم على التكافؤ والمساواة،كما على توفير كل الظروف التي تحقق ذلك. وإذا كانت الحركة الشيوعية تطرح القضايا المعيشية في إطار مطلبي،فإن المسألة الجوهرية هنا تتمثل في التأكيد على أنه مهما تحققت هذه المطالب فإن النمط الرأسمالي سوف يلقي بأزماته على هؤلاء، وسوف ينهب ما قدّم.لهذا، ونحن نطرح القضايا المعيشية الحياتية اليومية، وننطلق منها، لأنها أساس الوعي الحسي لدى هؤلاء، حيث أنها تتعلق بحياتهم ذاتها، بعيشهم، أكثر من أي شيء آخر، ننطلق من أن تحقيق حياة أفضل ليست ممكنة في إطار النمط الرأسمالي، حيث لا تبدو المسألة هي مسألة رفع للأجور فقط، أو تحسين في ظروف العمل فحسب، بل أنها مسألة نمط إنتاج كامل. ولهذا فإن الهدف هنا هو تأسيس نمط بديل يعبّر عن مصالح العمال والفلاحين الفقراء.
إن الفارق بين الإصلاح والثورة يكمن في فهم حدود هذه المسألة، حيث أننا لا نكتفي بالمطالبة وقبول الفتات، بل نعتقد بأن مهمتنا هي تحشيد الطبقة، وإقناع مختلف قطاعاتها بأن المطالبة والمناشدة، دون فائدة، وبالتالي دفعها إلى التحرك والاحتجاج والإضراب وحتى الانتفاضة والثورة. حيث أنه ليس من الممكن أن تعيش هذه الطبقة في وضع إنساني إلا عبر تحولها إلى سلطة، إلى طبقة مهيمنة.
إن النشاط المطلبي أوليّ وأساسي، حيث أن الطبقة تبدأ مما هو محسوس، مما هو مباشر، استناداً إلى "الحس السليم" الذي تمتلكه. وهي انطلاقاً من ذلك تخوض صراعها، لكن الركون إلى هذا الشكل من النشاط يضفي طابعاً إصلاحياً على النضال، لأنه يعني فقط الضغط والمطالبة من أجل تحقيق وضع معيشي أفضل، في وضع لا يمكن للرأسمال أن يقدّم التنازلات إلا مضطراً. وهي في كل الأحوال لا تحل المشكلة الأساس التي هي الشرط الإنساني. ولهذا فإن نضال الشيوعيين يجب أن ينصبّ على تطوير نضالات العمال والفلاحين الفقراء المطلبية، لكن الأهم هو تطويرها لكي تتخذ شكل الصراع الطبقي الصريح. أي الذي يستند إلى برنامج بديل. ويكون الهدف هو السلطة، حيث ليس من الممكن حل مشكلة هؤلاء إلا عبر نمط اقتصادي اجتماعي بديل يتجاوز الرأسمالية: هو الاشتراكية.
إن الفارق بين الإصلاح والثورة يكمن هنا. بمعنى أنه يكمن في هل تبقى المسألة في حدود سيطرة النمط الرأسمالي والطبقة الرأسمالية، أم يجب السعي لسيطرة العمال والفلاحين الفقراء في نمط بديل؟ هل يتناول النضال المطالب الاقتصادية فقط، أم يهدف إلى "الاستيلاء على السلطة" من أجل تأسيس نمط بديل؟
وهنا يجب أن يكون واضحاً بأن نقل النضال من شكله المطلبي إلى شكله السياسي، ومن طابعه الإصلاحي إلى طابعه الثوري، مرتبط بتبلور البديل، بالرؤية السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الشاملة، التي تؤسس لنمط اقتصادي اجتماعي يحقق مصالح العمال والفلاحين الفقراء، ويحل مشكلاتهم الراهنة.


المسألة القومية:
وثاني هذه المسائل مسألة الموقف من المسألة القومية في الوطن العربي، فالدول القائمة على الأرض العربية هي التكيّف العملي مع النمط الرأسمالي العالمي وهي نتاجه، لهذا فهي متنافرة مع التشكل التاريخي الذي كان العرب نتاجه، ومتضادة مع "الشعور القومي". كما أنها المكمّل للتكوين الاقتصادي الذي فرضه الالتحاق بالنمط الرأسمالي العالمي والمكرّس له، وبالتالي المكرّس لهيمنة القوى الإمبريالية. وإذا كان التحديد لا ينطلق من الدولة بل ينطلق من الأمة ( إلا إذا اعتبرنا أن الدولة القطرية تشكل أمة وهذا منافِ للواقع) فان استراتيجية النضال تنطلق من الإطار القومي. وبهذا تكون المسألة القومية مسألة تحتاج إلى حل، وتكون في صلب برنامج التطوّر، ويصبح "الشعور القومي"أصيلاً في فهم ميول العرب وتحديد مطامحهم. ومن ثمّ يصبح النضال من أجل التوحيد القومي جزءاً جوهرياً في سياق تحقيق التطوّر، كما هو ميل لتجاوز اغتراب الذات عبر تحقّقها في الدولة/ الأمة، لكي يكون ممكناً تضمّنها في تكوين أشمل، وأقصد الأممية.
لكن التأكيد على حل المسألة القومية العربية يجب أن يرتبط بحل مسألة الأقليات والقوميات المتداخلة مع العرب. وكذلك إعادة صياغة العلاقات القومية في كل المنطقة على أسس واضحة تنطلق من مبدأ حق تقرير المصير للأمم، وحق تشكيل الدولة –الأمة، مع تأسيس الترابط الضروري الذي يفرضه التداخل البشري والتعايش التاريخي، والأمل في تشكيل كتلة قادرة على تحقيق التطور في كل المنطقة في عصر سيطرة الاقتصادات الضخمة للأمم الامبريالية.
ولهذا، فإذا كان من حق الأمم أو أجزاء من أمم المتداخلة مع العرب أن تستقل، وبالتالي أن يعمل الشيوعيون في الوطن العربي على مساعدتها على ذلك، فإن من حق الأقليات القومية أن تحصل على المساواة وحق المواطنة وكل حقوقها اللغوية الثقافية وحتى الادارية إذا إقتضت الضرورة ذلك.
إن الصيرورة الواقعية بما هي حركة من أجل التطوّر وتحقيق إنسانية الإنسان، هي أيضاً ميل لتحقيق هويته، ليكون "الشعور القومي" جزءاً عضوياً في الصيرورة ليس من الممكن إهماله. إن الترابط المتشكّل تاريخياً والمؤسِّس لنشوء الأمم لا يمكن شطبه أو القفز عنه أو تجاهل مفاعيله، وبالتالي حينما لا ينتظم في تكوين موحّد يؤسّس لميل إلى التوحيد، وهو ما يطلق عليه الشعور القومي الذي يكون وفق ذلك ميلاً موضوعياً ليس من الممكن تجاهله. لهذا كما أن في كل "دولة" مشكلات محلية تتعلّق بوضع الطبقات والاقتصاد والسلطة، ستكون التجزئة وبالتالي الميل لتشكيل الدولة- الأمة مشكلة داخلية في كل منها كما هي مشكلة عامّة. ولاشك في أن النشاط الشعبي تجاه العديد من المسائل العربية (فلسطين والعراق مثلاً) يعبّر عن ذلك.
من هنا يصبح تشكيل الدولة/ الأمة هدفاً في البرنامج الديمقراطي، وهو هدف محوري لأن تحقيق الوحدة القومية يؤسس لسوق واسعة قادرة على استيعاب التطوّر في القوى المنتجة ( الصناعة)، ولهذا كان دائماً الميل لتحقيق التطور مرتبطاً بطرح مسألة الوحدة القومية. كما أنه يؤسس الدولة/ الأمة القادرة على حفظ استقلالها وبناء علاقات متكافئة على الصعيد العالمي.
لقد اختار الشيوعيون النشاط القطري (خصوصاً منذ نهاية ثلاثينات القرن العشرين)، وكان ذلك من أسباب أزمتهم، كما عبّر عن تكيّفهم مع "المنطق البرجوازي" الذي حكم الرأسمالية المحلية المتكيّفة مع سياسات النمط الرأسمالي العالمي الذي أسس للصيغة الراهنة للوطن العربي، في سياق تكيّفهم مع كون الرأسمالية هي التي تحقّق التطور الراهن المتمثل في تحقيق المهمات الديمقراطية. ولهذا فان التأسيس لدور مختلف يفرض تجاوز المنطق البرجوازي والتأسيس لوعي عميق بالمسألة القومية، والانطلاق من أنها جزء عضوي في صيرورة التطور الراهنة، وتحققها هو من مهمات الشيوعيين، لتصبح على رأس برنامجهم، ويكونوا في مقدّمة المناضلين من أجل حلّها، بالترابط مع تحديد موقف واضح من وضع الأمم المتداخلة مع العرب نتيجة تقسيمات اتفاق سايكس/ بيكو، ينطلق من مبدأ حق تقرير المصير المحدّد في حق الاستقلال. وكذلك التأكيد على حق الأقليات القومية الديمقراطية والثقافية. ولاشك في أن دورهم هذا يعطي للمسألة القومية طابعها التقدمي، لأن أممية الماركسيين تجعلهم يؤكدون على ترابط النضال الأممي وعلى تحالف الطبقات الفقيرة والمستغَلّة ضد الرأسمال، و تحالف الأمم المضطهَدة ضد المراكز الإمبريالية. ليكون تحقيق التوحيد القومي خطوة ضرورية في مسار تشكيل عالم موحّد.
يجب إذن أن يخرج الشيوعيون من النظرة المحلّوية الضيّقة، وأن يؤسسوا لدور حقيقي ينطلق من تحقيق المهمات الديمقراطية ، فتكون المسألة القومية مسألة محورية في رؤيتهم، ويعملوا لكي يكونوا الأجدر في حلها عبر تحقيق الوحدة القومية العربية بالترابط مع حل مشكلة القوميات المتداخلة والأقليات القومية الأخرى.

المسألة الفلسطينية:
المسألة الأخرى التي يجب على الشيوعيين أن يؤسسوا لموقف مختلف منها هي المسألة الفلسطينية، حيث مال الموقف العام الذي راج وأصبح أساس سياسات الحركة الشيوعية إلى القبول بالأمر الواقع، واعتبار أن ميزان القوى المختلّ يفرض التكيّف مع "الحقائق"، والانطلاق من أنه يمكن التعايش مع التكوين الجديد الذي هو الكيان الصهيوني (أو إسرائيل)، وأن يكون مبدأ "التعايش السلمي" هو أساس الرؤية، وأساس القبول بالمفاوضات والاعتراف بهذا الكيان، وبالتالي رفض كل سياسة تدعو إلى المقاومة باعتبارها طفولية وتطرّفاً، والقبول بكل "المبادرات الدولية" والتزام قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية التي هي في الواقع تكرّس الوجود الصهيوني.
ولما كان هذا الوجود يؤسس لرفض عربي شعبي بالأساس، ويهيئ لنشاط سياسي مقاوم، فقد أصبح موقف الحركة الشيوعية العربية صعباً ومحلّ رفض من قبل الأوساط الشعبية، حتى تلك التي يدافع الشيوعيون عن قضاياها المعيشية والمطلبية. الأمر الذي كان يضيّق من قاعدتها الاجتماعية، ويضعف من تأثيرها العام، كما كان يجعلها مجال هجوم من قبل الاتجاهات القومية وكل الاتجاهات الأخرى. وبالتالي كان يضعف دورها في تحقيق التطوّر وتحقيق المهمات الديمقراطية.
لقد نبعت إشكالية موقفها من المسألة الفلسطينية من خلل في الرؤية كما من خلل في المنهجية. حيث كان هذا الموقف يتجاهل الطابع الإمبريالي للمشروع الصهيوني، كون تأسيس الكيان الصهيوني هو جزء من السياسة الإمبريالية العامة للسيطرة على الوطن العربي، وحيث كان تكريس التجزئة الجزء الآخر منها، بهدف تكريس البنى التقليدية القديمة وتأبيدها لضمان استمرار السيطرة في سياق تحقيق مصالح الرأسمالية المهيمنة عالمياً. لهذا كان الوجود الصهيوني ضرورياً كمركز إمبريالي متقدّم، وكحاجز يؤسس لظروف تشلّ امكانات تنامي الميول التوحيدية العربية، وكقوة ردع إمبريالية حينما تفرض الضرورة ذلك، ومن ثمّ كمركز اقتصادي متقدم حينما تتحقق الهيمنة. إذن ليس تأسيس الكيان الصهيوني حلاً للمسألة اليهودية (التي هي مشكلة أوروبية بالأساس جرى تصديرها إلى الوطن العربي)، الأمر الذي ينفي عن هذا الحل أي طابع إنساني، ويضعه في خانة الاستعمار الاستيطاني في إطار السيطرة الإمبريالية على العالم، وليكون موطئ السيطرة على الوطن العربي. وبالتالي فان مواجهة الرأسمالية بما هي نمط عالمي يستدعي مواجهة تمظهراتها. لهذا تكون مواجهة الوجود الصهيوني جزءاً من الصراع مع الرأسمالية من أجل التحرر والتطوّر، وليس من الممكن رؤيتها خارج هذا الإطار،لأنه ليس من الممكن فصل الوجود الصهيوني عن الإمبريالية، وليس من الممكن رؤية الطابع "الإنساني" لهذا الوجود دون الطابع الإمبريالي، كما لا يمكن رؤيته دون رؤية انعكاساته غير الإنسانية على العرب.
لهذا سوف تصطدم كل السياسات التي تنطلق من القبول بالوجود الصهيوني والتعايش معه، باستحالة أن يتخلى هذا الوجود عن طابعه الإمبريالي، وبالتالي عن ميوله التوسّعية الهيمنية، وعن كونه احتلال استيطاني متعصّب يقوم على أساس الدين، وكذلك عن كونه عنصر إعاقة وتوسّع وتدمير. الأمر الذي يجعل كل السياسات الهادفة إلى إيجاد "حل سلمي" تغرق في متاهات العدوانية الصهيونية وميلها التوسّعي ألاحتلالي. وما من شك في أن سنوات المفاوضات الطويلة التي مارسها العرب والفلسطينيون توضّح مدى الوهم الذي ينبني على مفهوم التسوية والتعايش. وفي هذا الإطار تتوضح إستحالة تحقيق أية تسوية، وخصوصاً أن كل الخطوات التي قامت بها الدولة الصهيونية منذ إحتلال سنة 1967، وخصوصاً بعد إتفاقات أوسلو، تشير الى سيطرتها على جزء مهم من أرض الضفة الغربية، وتعزيز الاستيطان، وحصر الفلسطينيين في كانتونات غير قابلة للحياة، وليس لإقامة دولة مستقلة فقط.
على الشيوعيين إذن أن يجعلوا المسألة الفلسطينية مسألتهم، وأن ينطلقوا من أن الصراع مع الوجود الصهيوني هو جزء من الصراع مع الإمبريالية، وأن فلسطين جزء من الوطن العربي، وبالتالي يجب أن تظلّ كذلك. وانطلاقاً من ذلك يجب التأكيد على بلورة حل ديمقراطي للمسألة اليهودية، لا يقوم على القتل، ويقبل العيش مع اليهود (الذين هم في قسم كبير منهم عرب يدينون بالديانة اليهودية عاشوا قروناً طوال في الوطن العربي) في إطار دولة ديمقراطية علمانية وفيدرالية عربية. وهنا يستطيع الشيوعيون العرب أن يقدّموا رؤية متماسكة لا تنطلق من التعصّب أو ارث التخلّف أو ردود الأفعال، بل تستند إلى كل ما هو إنساني وديمقراطي في التراث العالمي.
يجب إذن مقاومة الاستسلام لميزان القوى كما للوجود الصهيوني، وبالتالي يجب العمل من أجل "تغيير ميزان القوى" عبر تغيير الواقع العربي، ليصبح الصراع ضد الوجود الصهيوني جزءاً من الصراع العام من أجل التطوّر والتوحيد والحداثة. ولا شك في أن تداخل السيطرة الإمبريالية والوجود الصهيوني والتخلّف والتجزئة والتفكك يفرض هذا الترابط الضروري، حيث سنكون في صراع متشعّب الاتجاهات ومتعدّد الأشكال، الأمر الذي يجعل تفعيل نشاط الطبقات الشعبية مسألة حاسمة، مما يفرض وعي ظروفها والدفاع الحقيقي عن مصالحها، وهو ما يعطي للصراع عمقه الاجتماعي (الطبقي) الضروري.
مسألة الديمقراطية والعلمنة:
في هذا الوضع يصبح التأكيد على الديمقراطية والسعي من أجل العلمنة من المسائل الحساسة والضرورية كذلك. وإذا كانت الحركة الشيوعية قد بدت متجاهلة هاتين المسألتين أو رافضة لهما، أو كانت قد طرحتهما في سياق إشكالي، فان مآلات التجربة الاشتراكية وموقع الاستبداد في الوصول إليها، يفرض التأكيد على أهميتهما ويعزّز الحاجة لأن يكونا في صلب البرنامج الديمقراطي. لقد بدا أن الديمقراطية هي الطريق للانتقال إلى اشتراكية أرقى، وهي التي تنهي اغتراب البشر وتعيدهم إلى صلب السياسة، وبالتالي إلى تملّك مصيرهم، ومن ثمّ تحقيقهم التحولات الضرورية لتطوّر الاقتصاد وتحسّن الوضع المعاشي، لكن تجاهلها قاد إلى انهيار الاشتراكية، لأن السلطة التي تبلورت والتي حكمت باسم الاشتراكية دفعت البشر (وللتخلّص من اغترابهم ومسخ شخصياتهم اللذين كانا من نتاج التكوين السلطوي القائم) إلى التخلّص من الاشتراكية ذاتها، فساروا في هاوية مريعة، جلبت لهم الفقر والموت دون أن تجلب نهاية الاغتراب أو الديمقراطية الحقة.
إن سعي الشيوعيين إلى الوصول إلى السلطة لا يهدف إلى بناء سلطة استبدادية، بل سوف يعملون من أجل بناء سلطة ديمقراطية تسمح لأن تمارس الطبقات الشعبية كل فاعليتها في انتخاب المسؤولين ومحاسبتهم، وفي الرقابة المباشرة عليهم. إن النضال ضد الاستبداد الطويل، وضد كل الوعي الاستبدادي الموروث، يهدف إلى أن يكون للبشر دورهم الفاعل في ظروف حياتهم، ليس الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل والسياسية كذلك، لأن هذا هو الذي يوجد الضمانة لاستمرار التحسن في كلية وضعهم.
وإذا كان شعار "دكتاتورية البروليتاريا" يبرر كل الممارسات القمعية والاستبدادية التي حدثت في البلدان الاشتراكية، فإن سعي الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء للوصول إلى السلطة لا يهدف إلى تكريس الدكتاتورية، بل أنه يجب أن يؤسس لسلطة تعبّر عن كلية المجتمع، وخصوصاً عن الطبقات الشعبية، وبهذا فهي سلطة ديمقراطية، يجب أن تقوم على كل الإرث الديمقراطي الثوري الذي أنجزته البرجوازية، وأن تعمقه لكي يطلق كل طاقات هذه الطبقات، ويبلور فاعليتها.
آن لنا إذن أن نتخلص من صيغة للعلاقات وللحكم نهايتها الدمار، وأن نؤسس تصوّراتنا وعلاقاتنا على أساس ديمقراطي، خصوصاً وأن التجربة تكرّرت عندنا في صيغة مسخ، حيث سادت الدكتاتورية دون أن يتحقق التطوّر المرجو. وسادت "الحداثة" دون أن تتحقق القطيعة مع الأيديولوجية التقليدية، الأمر الذي أسس لعلمانية ملتبسة ومنخورة، مما أعاد نهوض الأصولية كحركة سياسية وجعلها قوة تدمير ببرنامج ظلامي وممارسات بشعة.


مسألة الدور:
ولم يكن التصور وحده هو الذي يعاني من قصور، أو خطل، بل كان في الدور الذي اعتقدت الحركة أنه دورها. إن الانطلاق من أن الدور القيادي هو للبرجوازية من أجل انتصارها وتحقيق برنامجها، فرض أن يتحدد دور الحركة الشيوعية في الدعم والمساعدة والمشورة، لكن مع النقد الخجول وطرح مطالب الفئات الشعبية بـ"رقة". ولهذا تبلورت تصوراتها انطلاقاً من شقين، الأول هو النضالات المطلبية التي لا تتجاوز المطالبة وبعض الاحتجاجات، والثاني النضال الديمقراطي الذي يعني المطالبة بنظام ديمقراطي على أسس رأسمالية. وهي في كلا الحالين كانت تحت سقف النضال الإصلاحي. وبالتالي لم تكن تدفع النضال الطبقي إلى الانتقال من القضايا المطلبية إلى السياسة، أي أنها لم تطرح مسألة السلطة على الإطلاق. لم تفكر في الوصول إلى السلطة أبداً. ومن فكّر تعرّض للنقد الشنيع وللعزل والعقاب. وهي، بالتالي، ظلت تحت سقف "النضال البرجوازي"، أو "السياسة البرجوازية"، حيث لا تلمس البنية الاقتصادية الاجتماعية بل يجري التركيز على "النشاط السياسي"، ووفق مطالب "سياسية"، الأمر الذي كان يحوّل القضايا المطلبية إلى قضايا في برنامج "ديمقراطي"، وليس طبقي.
إن الوضع الراهن، كما أشرنا للتو، لا يحمل دوراً تقدمياً للبرجوازية، وكل الطبقات التي تصدت لقيادة التغيير أوصلته إلى مأزق نتيجة مصالحها التي كانت تتغلب على مصلحة التطور الشامل ذاته. وهنا يجب أن يكون واضحاً بأن الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء هم من يقع عليه عبء تحقيق التغيير، لهذا فإن مسألة الوصول إلى السلطة مسألة جدية وضرورية في آن. كما يجب أن تربط النضال المطلبي بالنضال السياسي، أن تجعل للنضال المطلبي أفقاً سياسياً يهدف الوصول إلى السلطة. وأن تربطهما معاً بالنضال من أجل الاستقلال والتوحد والحداثة.
وبهذا فهي لا تنتظر انفراجاً ديمقراطياً لكي تقوم بدور هامشي، بل تخوض الصراع الطبقي، وتدفعه لكي يوصل إلى تحقيق التغيير من أجل تحقيق مجمل الأهداف.
إن البديل الضروري، لكي يكون الاستقلال حقيقياً، ولكي يصبح التطوّر فاعلاً، ولكي تتحقق المهمات الديمقراطية هو البديل المحقق لمصالح الطبقات الفقيرة في الوضع الحاضر. وهذا الأمر يجب أن يكون من أهداف الحركة الشيوعية ومن سياساتها. حيث أنها لا تعبّر عن القضايا المطلبية للعمال والفلاحين الفقراء فقط، بل أنها تعبّر عن مشروعهم السياسي الطبقي. لهذا يجب عليها أن تطرح بديلها الاقتصادي الاجتماعي والسياسي، وأن تدمج النضالات المطلبية في سياق فعل سياسي يحقق التغيير لكي يكون ممكناً تحقيق كل تلك المهمات.





عن الماركسية
ومهمات الاشتراكية الديمقراطية

الحركة الماركسية إذن هي حامل مشروع التطوّر، وهي التي يجب أن تقود تحقيقه. وإذا كانت لم تستطع الإمساك بهذه المهمة الكبيرة فيما مضى مما جعلها تتلاشى أو تكاد، فان تحقيق ذلك الآن يفرض إعادة النظر في "العقل"، أي في منطق التفكير، لأن الخطأ المعرفي هو الذي استحكم فيها في العقود الماضية، والذي فتح الأفق لتغلغل ميول طبقية عبرت عن فئات وسطى ولم تكن تعبّر عن الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. حيث كان ينقصها العمق والشمول والنسبية وكل النظر القائم على الجدل المادي الذي هو أس الماركسية وأساس تشكيلها الرؤية التي تحكم فعلها السياسي. لقد فشلت في أن تكون ماركسية حينما لم تستطع تجاوز المنطق الذي يترعرع ويجري توارثه، والمؤسس على الثنائية اللاهوتية التي تنطلق من رؤية الشكل (السطح) في أحاديته وسكونه وتضاده، هذا التضاد الذي يبدو ثنائياً (خير/شر). أي المنطق الصوري. لهذا فهمت السياسة في إطارها المبسّط والسطحي، معزولة عن الاقتصاد والمصالح الطبقية. كما فُهمت في حَدَثيّتها ولحظيّتها دون رؤية صيرورتها وتحوّلاتها،الأمر الذي أسس لسيادة المنطق التكتيكي، أي المنطق الذي يبدأ من التكتيك وينتهي به، لتغيب الرؤية وينتهي الفكر أو يتحوّل الى عنصر تبرير لسياسة تكتيكية ارتجالية في الغالب.
وهو الأمر الذي كان يقود إلى عدم رؤية الواقع بما هو صيرورة وتحوّلات. وبالتالي إلى العجز عن رؤية ممكنات التحوّل في ميزان القوى، مما كان يقود إلى التكيّف مع ميزان القوى الواقعي وليس رؤية ممكنات التغيير فيه من خلال استنهاض الحركة الاجتماعية، ورؤية أن فعل القوى المسيطرة يقود إلى استثارة الطبقات الشعبية، الأمر الذي يلقي على الحركة الشيوعية مهمة تنظيم وتطوير النشاط الشعبي من أجل قلب ميزان القوى وفرض انتصار برنامج بديل هو برنامج العمال والفلاحين الفقراء وكل الطبقات الشعبية. إذن يجب تجاوز منطق التكيّف مع الأمر الواقع والانطلاق من إمكانية تحويل الواقع لأنه يحمل هذه الإمكانية بفعل التناقضات التي يوجدها الاحتلال وتوجدها السيطرة والنهب والاضطهاد، أي التي توجدها ممكنات الصراع الطبقي. إن فعل البشر أساسيّ هنا، وهو جزء من الحركة الواقعية التي هي الصيرورة، وحيث لا يتحدّد ميزان القوى إلا بعد استنفاذ كل طاقات الطبقات الشعبية عبر نشاطها في الصراع الطبقي/ القومي. وهنا يكون وعي عمق الواقع حاسماً لأنه يؤسس لوعي فعل البشر هذا، مما يقود إلى بلورة الأشكال التي يمكن أن يتبلور فيها، و يفرض صياغة الرؤية الضرورية لتحقيق ذلك، والمؤسِّسة لتحديد الأهداف المحققة لمصالح البشر أنفسهم.
إن منطق المواجهة والمقاومة والتعبير عن أزمات الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، ووعي مفاعيل صيرورة الانسحاق التي تلقى فيها، وبالتالي العمل على تسييسها وتحويلها إلى فعل سياسي منظّم، هو ما يجب أن يكون في رأس أولويّات الحركة الشيوعية، حيث سيكون من مهمّتها وعي الظروف الواقعية من أجل وعي صيرورة التغيير التي هي مهمة هؤلاء. يجب الانطلاق من الدور الفاعل للماركسية والماركسيين دون الوقوع في الارادوية، لكن بما يحقق تجاوز منطق "الاستسلام" والتكيّف والعفوية، وبما يجعل الحركة الشيوعية قيادة حركة اجتماعية حقيقية.
هذا ما يجب أن يحاوله الماركسيون وأن يمارسوه، حيث يجب أن يقودوا حركة المجتمع من أجل تحقيق مشروع تطوّر حقيقيّ لما بعد الرأسمالية في القرن الواحد والعشرين. أن يقودوا القتال ضد الاحتلال الأميركي، وأن يتصدّوا للمشروع الصهيوني انطلاقاً من بديل ديمقراطي للمسألة اليهودية، وأن يحققوا التغيير الجذري في النظام الإقليمي العربي بما يؤسس لمجتمع جديد يفتح أفقاً لتطوّر محتجز، ويفضي إلى نقل العرب إلى القرن الواحد والعشرين.
الماركسيون الآن يجب أن يناضلوا ضد النمط الرأسمالي العالمي، وضد عولمته وضد الحروب الإمبريالية التي يخوضها، وضد الاحتلال الأميركي الجديد، وضد المشروع الصهيوني. من أجل الاستقلال والتوحيد والتطوّر وبناء عالم آخر يعزز قيم الإنسان ويؤسس التشارك والمساواة والتكافؤ والاعتماد المتبادل، هو عالم الشعوب.
الماركسية ليست تصوّراً فقط، إنها قوّة فعل كذلك، لهذا يجب أن يتحدّد دورها في الصراع الراهن.




نقاط برنامجية
لنضال العمال والفلاحين الفقراء
في الوطن العربي

إذن، على ضوء الأوضاع التي وصل إليها العمال والفلاحون الفقراء، والوطن العربي ككل، وعلى ضوء الانهيار الشامل الذي طال الحركة الشيوعية القديمة، وكل المحاولات الماركسية الأخرى، نطرح هنا هذا البرنامج كأساس لنضالنا، وأرضية لتفعيل نشاطنا وأفعالنا.
ونحن إذ نوضح بأننا، ونحن تناضل في بلداننا، نعمل على النشاط المشترك فيما يتعلق بالمسألة القومية في الوطن العربي، الذي يضم العرب وكل الأقليات المتعايشة فيه، من الأمازيغ والأكراد والأرمن والتركمان. وكذلك كل الأقليات التي كانت في ترابط مع العرب في صيرورة تشكلهم، مثل السريان والآشوريين والكلدان والأقباط. ونحن نعتبر بأن دورنا هو تنظيم نشاط الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في نضالهم الثوري من أجل تحقيق هذه المهمات الديمقراطية، وتحضير الظروف التي تسمح بالانتقال إلى الاشتراكية التي هي هدفهم الأساس. ولهذا قررنا هنا تثبيت التوافقات الخاصة بالمهمات الديمقراطية هذه.
ونحن إذ نطرح هذه المهمات نعتقد بأن علينا التنسيق مع كل القوى التي تتقاطع معنا حول مجمل الأهداف هذه أو بعضها، ونعتبر أن كل تنسيق أو تحالف هو ضرورة في مواجهة الإمبريالية والدولة الصهيونية والنظم الرأسمالية التابعة، ولتحقيق المهمات الواردة أدناه.
وأيضاً نرى بأن الصراع ضد الإمبريالية يفرض علينا إيلاء الاهتمام الكامل لمختلف أشكال النضال في العالم المتوافقة مع أهدافنا، وخصوصاً مع القوى والأحزاب الاشتراكية. حيث أن هزيمة الإمبريالية تتطلب هذا النضال العالمي وتقتضيه. وهم أساساً جزء من النضال الأممي من أجل تجاوز الرأسمالية نحو الاشتراكية.
وينطلق تكتيكنا من رفض الميول الليبرالية التي غزت قوى في اليسار لأنها تكرس البنى الرأسمالية التابعة القائمة في الواقع، وبالتالي تكرس كل المشكلات القائمة. كما تكرس التكيف مع السيطرة الإمبريالية. ونعتقد بأن نشاط القوى الأصولية لا يشكل بديلاً حقيقياً لأنه يدخل الصراع في متاهات "ثقافوية" وغيبية. وعلى العكس من ذلك فهو –إضافة إلى أنه يكرس الليبرالية التي هي جزء جوهري من منظور هذه القوى- يفتح أفق التفكك والتفتت والتدمير لأنه ينطلق من التمييز بين قطاعات الشعب، ويغلب التناقض فيما بينها على أساس ديني أو طائفي على الصراع ضد الإمبريالية، أو على الأقل لا يسمح بتوحيدها في جبهة متراصة انطلاقاً من التمايز الديني والطائفي.
إننا بالتالي ننطلق من النضال الطبقي، في أبعاده القومية والعالمية، ونهدف إلى تحقيق التطور والحداثة وصولاً إلى الاشتراكية التي هي هدفهم الأسمى.

مبادئ عامة
إننا ننطلق من مبادئ عامة، يمكن أن نجملها في التالي:
(1) إننا قوة ماركسية، ننطلق من أن الماركسية هي منهجية تحليل، هي الجدل المادي، وهي خاضعة ككل الظواهر لهذه المنهجية كذلك. لهذا نرى أن مهمتنا ليست القياس على مواقف وسياسات سابقة بل وعي الواقع والتأسيس من خلاله لمواقفنا وسياساتنا، مستفيدين من كل التراث الثري لكل الماركسيين.
ونحن هنا نؤكد على أننا لسنا معنيين بتقليد هذا المفكر الماركسي أو ذاك، ولا التمسك الحرفي بالنصوص، بل معنيون بتملك المنهجية التي تعيننا على وعي الواقع ووعي آليات تغييره.
(2) رغم انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية فإننا لا نعزو هذا الانهيار إلى خطأ أصلي في الماركسية، ولا إلى طموح البشر في العدالة من خلال تحقيق الاشتراكية. بل نرى أن التجربة قد انحكمت لظروف واقعية من الضروري مناقشتها في خضمها وليس قياسًا على أفكار وتصورات، لأن هذه الأفكار والتصورات، كما الأحكام والمثل، تخضع لممكنات الواقع.
ولقد حققت التجربة الاشتراكية ما عجزت عن تحقيقه كل أساليب التطور الأخرى، ونقصد نقل مجتمعات بأكملها من التخلف والتهميش، ومن هيمنة بنى القرون الوسطى إلى عصر الصناعة والحداثة، فتشكلت مجتمعات صناعية حديثة تستطيع أن تكافئ المجتمعات التي سارت في طريق الرأسمالية قبلها بقرنين.
ولهذا لا نستطيع أن نقول إنها فشلت من هذه الزاوية، لأنها حققت التقدم الضروري، ولكن فشلها يتحدد في أن صيرورة التقدم توقفت، وبالتالي توقف الانتقال إلى الاشتراكية برغم التطور الصناعي والحداثي المتحقق، أو بفعله.
ونؤكد أن تطور المجتمعات المتخلفة بات مرتبطًا بعمق بسياق الانتقال إلى الاشتراكية، ومهمتنا اليوم تتمثل في الإفادة الجادة من التجربة من أجل بلورة الآليات التي تسمح، ليس بتحقيق التطور الصناعي والحداثي فقط، بل بتحقيق الاشتراكية الفعلية، التي لن تكون ممكنة إلا بتحقيق هذا التطور الضروري في كل هذه المجتمعات المتخلفة من جهة، وفي إطار أوسع من الأطر القومية، أي في إطار عالمي، من جهة أخرى.
لذا لن نندب على الانهيار، بل يجب أن نستفيد من خبرة ثرة من أجل أن تستمر الصيرورة، وصولاً إلى تحقيق الاشتراكية.
(3) ننطلق من أن النمط الرأسمالي المهيمن هو نمط عالمي، ولقد أسس للتفاوت القائم بين تشكل أمم صناعية وأخرى زراعية أو مهمشة، حيث إن مصلحة الطغم المالية تفرض عليها حصر قوى الإنتاج فيها، وفي أممها، لهذا قاومت كل محاولات بناء الصناعة في الأمم الأخرى، وحاولت تدمير ما بُني في الأمم التي خرجت عن هيمنتها، خصوصًا في البلدان الاشتراكية.
وهذا يحدد جوهر التناقض على الصعيد العالمي، وليصبح السعي لتحقيق التطور مرتبطًا حكمًا بتجاوز الرأسمالية، وإنهاء هيمنتها.
وهو الأمر الذي يلقي على عاتق الحزب الشيوعي الدور الأهم في النضال من أجل تحقيق التطور والحداثة، وصولاًـ بالتالي ـ إلى الاشتراكية.
(4) إننا ننطلق من رؤية نقدية لتاريخ الحركة الشيوعية في الوطن العربي، ونعتقد أن الإستراتيجية التي قامت عليها كانت تعاني (في الغالب) من خطأ جوهري في فهم الواقع العالمي (طبيعة الرأسمالية) والعربي، لهذا راهنت على انتصار البرجوازية، وظلت موصولة الرحم بهذه الأوهام، حتى والبرجوازية تعمق ارتباطها بالإمبريالية، وتتشكل كطبقة كومبرادورية.
لقد انتهى دور البرجوازية في الأطراف منذ تشكل الرأسمالية كنمط عالمي بداية القرن العشرين، وبات التطور منوطًاـ كما أوضحت تجربة القرن ـ بالدور الأساسي للحركة الشيوعية، مستندة على الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء، وبالتحالف مع مختلف شرائح الفئات الوسطى في الريف والمدينة.
ولهذا نعتقد أن مشروع التطور والحداثة هو مشروع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبالتالي هو مشروعنا، ونحن معنيون بالنضال من أجل تحقيقه.
(5) إننا ننطلق من رؤية نقدية عميقة لتجربة الحركة الشيوعية في الوطن العربي، وهذا يطال طبيعة الوعي الذي حكمها، حيث لم ترتقِ (في الغالب) إلى مستوى الوعي الماركسي لأنها عجزت عن استيعاب وتمثل منهجية الماركسية، الجدل المادي، وبالتالي فشلت في وعي الواقع وتحديد السياسات الصحيحة، فتاهت في سياسات تابعة لطبقات أخرى (البرجوازية ثم البرجوازية الصغيرة) رغم بطولات أعضائها وتفانيهم في النضال، ورغم الظروف الصعبة التي عاشوها.
لقد عانت، بالتالي، من سوء فهم لكثير من القضايا، مثل دور البرجوازية، والمسألة القومية، والديمقراطية، ودور الحزب وبنيته.
ونحن نسعى لأن نؤسس متجاوزين كل هذه المشكلات، وبالتالي أن نركز على تأسيس الوعي الماركسي، كما على البنية الديمقراطية التي تنطلق من مبدأ الوحدة والاختلاف (وحتى التناقض)، ولا نعتبر أننا الوحيدون الذين نحتكر الحقيقة، والنشاط. وهو الأمر الذي يفرض الانفتاح على كل الطبقات والقوى التي نتفق معها على مجمل البرنامج، أو بعض أهدافه، في سياق السعي لتحقيق التطور والحداثة، والوحدة القومية.
إننا لا نلغي أحدًا، ونعتقد أن دورنا يرتبط بفاعليتنا، وبالتالي بمقدرتنا على توحيد قطاعات أوسع من العمال والفلاحين الفقراء، وكذلك مع توثيق التحالف مع الفئات الوسطى (الفلاحين المتوسطين، والفئات الوسطى المدينية).
قوتنا تنبع من دورنا وفاعليتنا، وقيادتنا للنضال تبدأ من ذلك.

برنامج المهمات
وانطلاقاً من ذلك نعمل من أجل:
أولاً: إذا كانت الدولة الصهيونية تحتل فلسطين وتهدد محيطها، وإذا كانت الإمبريالية الأميركية باتت تحتل العراق وتهدد محيطه وكل المنطقة حيث تؤسس قواعدها العسكرية وتمد نفوذها السياسي وسيطرتها الاقتصادية، فإن المشروع الإمبريالي الصهيوني يستهدف كل الوطن العربي ومحيطه، وربما كل العالم.
وانطلاقاً من أننا في صراع أساسي ضد النمط الرأسمالي ككل من أجل تشكيل نمط بديل: تحرري واشتراكي.
نرى أن من مهمتنا تتمثل في مقاومة هذا المشروع، ومواجهة قوى الاحتلال، ودعم كل القوى المقاتلة ضد الاحتلال والسيطرة والنهب والاضطهاد.
لهذا:
1) نناضل ضد الوجود العسكري الإمبريالي الصهيوني في كل الوطن العربي، وهو هنا نضال مسلح بالضرورة.
2) نقاوم قوى الاحتلال. مقاومة الاحتلال الأميركي الجديد، وتطوير المقاومة ضده في كل أماكن تواجده تتخذ أشكال القتال العسكري والمظاهرات الشعبية والإضرابات ومقاطعة المصالح والسلع. ولاشك في أن الاحتلال يفرض المقاومة المسلحة التي يجب أن تنصبّ على تدمير قوّاته وتكبيده أكبر الخسائر، والنضال ضد قواعده العسكرية الممتدة في الوطن العربي. والحرص على توحيد كل القطاعات الشعبية في هذا الصراع من أجل هزيمة الاجتياح الإمبريالي وتكريس الاستقلال. ومن أجل فتح الأفق لتحقيق التطور المجتمعي الشامل في كل الوطن العربي.
3) ندعم كل القوى التي تقاوم الاحتلال على أسس وطنية.
ونرى:
أ) أن إنهاء الدولة الصهيونية وبناء دولة ديمقراطية علمانية متلاحمة في الإطار العربي، هو هدف أساسي لنا.
بـ) أن طرد الاحتلال الإمبريالي الأميركي من العراق، حيث يجب أن تلعب القوى الماركسية دورها الأساس في المقاومة، هو هدف يخصنا جميعاً.
جـ) أن تحقيق الاستقلال التام لكل البلدان العربية هو المدخل لتحقيق نهضته وتطوره.
ثانياً: إننا كقوة ماركسية نتلمس أهمية تحقيق الوحدة في الوطن العربي، ونلمس الشعور القومي الذي ينغرس في نفوس الطبقات الشعبية، ولأن تحقيق الدولة/ الأمة هو الذي يعيد التوازن لصيرورة التطور التاريخي، وهو الأساس الذي يمكن في إطاره تحقيق التطور الاقتصادي، وخصوصاً الصناعة التي هي في حاجة إلى السوق الواسعة، وبالتالي أن يكون لهذه المنطقة موقع مكافئ في عالم يقوم على أساس الدول/ الأمم في العلاقات والتوازنات الدولية، ويتأسس على أساس نشوء التكتلات الاقتصادية الكبيرة،نرى،
1) إننا نناضل في بلداننا من أجل تحقيق الوحدة في الوطن العربي.
2) إن تحقيق الوحدة يرتبط بإقرار حقوق الأقليات القومية المتواجدة في حدوده، ونخص حقها في التكلم بلغتها والتعبير عن ثقافتها، والى حدود الحصول على الاستقلال الذاتي.
3) إن تحقيق الوحدة يجب أن يتم على أساس ديمقراطي، وبإقرار الطبقات الشعبية، وفي شكل فيدرالي يضمن الاستقلالية لمناطقه المختلفة.
4) إن حق المواطنة هو حق لكل مقيم على الأرض العربية، وهو الحق الذي يفرض تجاوز كل تمييز أو ظلم لحق بالأقليات القومية.
5) إقرار حق الانفصال للأمم أو أجزاء الأمم التي أدرجت في حدود أي من البلدان العربية التي تشكلت على أساس اتفاق سايكس/ بيكو.
6) التفاعل مع كل الأمم المحيطة بالوطن العربي، أو المتداخلة معه، لتأسيس تعايش حقيقي في إطار علاقات متكافئة وديمقراطية، وحل كل المشكلات ذات الطابع القومي عبر التفاوض، وبما يخدم تقدم المنطقة كلها، خصوصاً وأنها كانت منطقة تفاعل وتواشج وتطور مشترك خلال العهود الماضية.
7) إقرار حل ديمقراطي للمسألة اليهودية في فلسطين يقوم على أساس أن هناك عرب يدينون بالديانة اليهودية هم جزء طبيعي من الوطن العربي، ومن حقهم العيش حيثما شاءوا. أما الأشكناز (اليهود القادمين من مختلف بلدان أوروبا وروسيا) فمن حقهم البقاء وفق الأسس الجديدة، وفي إطار دولة عربية تضمن حقوق الأقليات. وإذا ما تبلوروا كأقلية يمكن أن تتخذ طابعاً قومياً فلها الحق بالتكلم بلغتها وتداول ثقافتها، والاستقلال الذاتي فيما إذا كانت أماكن تواجدها تسمح بذلك.
ثالثاً: إن تحقيق الاستقلال والوحدة، اللذين يحظيان بأولوية أساسية، يجب أن يترابطا مع السعي لبناء الاقتصاد، الذي لا يزال في غاية التخلف، ويعاني من التهميش، وسيادة النمط الريعي المعتمد على المواد الأولية، دون قوى منتجة حقيقية. وفي إطار علاقات تبعية مع النمط الرأسمالي المهيمن، تمتص الفائض المنتج، وتنهب الثروة النفطية، وتتحكم بمسار التطور، وبالتالي تكرس البنى التقليدية من أجل ذلك.
لهذا نرى،
1) إن تحقيق العلاقات المتكافئة مع العالم تفترض تطوير القوى المنتجة، وأساسها الصناعة التي هي أساس كل التطور الحديث، ومحور الاقتصاد العالمي الراهن. وأيضاً تطوير الزراعة بما يحقق الاكتفاء أولاً.
2) إن المقدرة على بناء القوى المنتجة تفترض حماية الدولة، ودورها الاقتصادي الاستثماري في عالم يعيش أشد أشكال التنافس حدة، في مرحلة من الاحتكار لم تبلغها من قبل.
3) ولهذا يجب أن نواجه الاختلال في التنافس عبر التحكم بالعلاقات الاقتصادية مع السوق الرأسمالي دون منعها. والتحكم بالاستثمارات الرأسمالية الخارجية بما يخدم تحقيق التطور المحلي دون تسرب الفائض إلى الخارج. وضمان منافسة متكافئة للقوى المنتجة المحلية. وكذلك ضمان عدم هروب التراكم الرأسمالي إلى الخارج.
4) صياغة برنامج تطوّر على الصعيد الاقتصادي تلعب الدولة دوراً محورياً في تحقيقه، ينطلق من بناء الصناعة وتطوير الزراعة وتأسيس البنية التحتية الحديثة. دون تجاهل دور الملكية الخاصة لكن مع ضبط نشاط الرأسمالية المافياوي والطفيلي. والانطلاق من ضبط العلاقة مع السوق العالمي بما يسمح بتحقيق فائض رأسمالي يكون أساس عملية التوسع في بناء القوى المنتجة وتطوير المستوى المعيشي لكل الطبقات الشعبية.
5) الاهتمام بتحديث البنية التحتية، وتحقيق التطور العلمي الذي هو مركزي من أجل تحقيق بناء الصناعة والتحديث العام.
رابعاً: إن هدف العمال والفلاحين الفقراء هو الوصول إلى السلطة من أجل تحقيق برنامجهم، لكنهم يعملون على تحقيق تحالف شعبي واسع يضم كل الطبقات الشعبية، التي هي معنية بتحقيق الأهداف المشتركة، وهم يرون بأنه يجب إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية تنطلق من:
1) تأسيس نظام فيدرالي ديمقراطي، يقوم على مبدأ المواطنة ورفض التمييز بين المواطنين على أساس طائفي أو ديني أو إثني، ويفصل بين السلطات، ويقرّ بكل الحريات العامة، ويقوم على الانتخاب، ويعطي دوراً مركزياً للنقابات والاتحادات وكل الروابط التي تعبر عن مصالح طبقات وفئات اجتماعية في الرقابة والمحاسبة واختيار المسئولين.
2) التأكيد على مبدأ العلمانية القائم على فصل الدين عن السياسة وبالتالي عن الدولة. والتأكيد على علمنة مؤسسات الدولة، وفي مجال التعليم خصوصاً.
3) التأكيد على حق المواطنة والحريات الأساسية وعلى التعددية وحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية / الاجتماعية وحق النشاط السياسي والنقابي والمدني. حرية الرأي والصحافة وتشكيل الأحزاب وحق تشكيل النقابات والاتحادات والجمعيات.
خامساً: لقد أصبح وضع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في غاية الصعوبة نتيجة النهب الإمبريالي من جهة، ونهب الرأسماليات الحاكمة من جهة أخرى، ولقد اتسعت حالة الإفقار وتعمقت بحيث باتت لا تجد سوى التمرد والمقاومة خياراً، ولهذا نرى،
1) إن تبني كل مطالب العمال والفلاحين الفقراء هو الأساس في نشاط الحركة.
2) إن تطوير آليات مقاومة هذه الطبقة هو من المهمات الضرورية اليوم، ولهذا يجب الدفع نحو تأسيس نقابات وروابط تعبر عنها، وتدافع عن مصالحها بأقصى المسئولية.
3) التوضيح بأن حصولها على مطالبها لن يتحقق إلا من خلال التحالف الشعبي وعبر الوصول إلى السلطة،لأنه ليس من الممكن أن تقوم الرأسمالية بذلك.
4) إن مهمتنا تتحدد في الاندغام وسط هذه الطبقة، وممارسة الدعاية الثورية والتحريض، وتنظيم نشاطها وتطويره وصولاً إلى تحقيق الانتصار.
5) وإن الهدف المطلبي يتحدد في النضال من أجل تحسين وضعها المعيشي، عبر ربط الأجور بالأسعار، وتوفير الضمان الاجتماعي، وتحقيق الضمان الصحي، وزيادة تأثيرها في مجمل السياسات المتبعة.
سادساً: لا بد من أن يحمل مشروعنا مهمة تحديث المجتمع، تحديث التعليم وضمان مجانيته. وتحديث المؤسسات وبناؤها على أساس الفاعلية والخبرة. وتحديث القوانين بما يجعل المساواة بين المرأة والرجل أساساً نهائياً، وبالتالي أن تنطلق القوانين من هذه البدهية. وكذلك تحديث الفكر بهدف تجاوز وعي وعقلية القرون الوسطى، لهذا:
1) النظر الجدّي إلى وضع المرأة ودورها، والتأكيد على دورها السياسي الفاعل، وإصدار التشريعات التي تكرّس ذلك عبر إصدار مدونة الأحوال الشخصية.
2) تحقيق الحداثة في التعليم وفي الثقافة وكذلك في التكوين المؤسسي، وتكريس الوعي العلمي والعقلاني ، من أجل تجاوز وعي ومفاهيم القرون الوسطى ، ولكي يكون ممكناً تحقيق التطور المجتمعي الشامل.
سابعاً: إن تحقيق ذلك، وأيضاً تحقيق التطور والحداثة، وانطلاقاً من أن النظم القائمة في البلدان العربية هي نظم رأسمالية تابعة تسهم في تكريس السيطرة الامبريالية والتخلف والتفكك،
1) يفرض تحقيق التغيير لمصلحة العمال والفلاحين وكل الطبقات الشعبية في هذه البلدان عبر إسقاط الرأسماليات التابعة في سياق الصراع ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني. إن مهمة الطبقات الشعبية هي تطوير الصراع الطبقي ضد هذه الطبقة التابعة، وهو هنا يتخذ طابعاً قومياً كذلك ما دام يرتبط بالصراع العام ضد المشروع الإمبريالي.
2) مواجهة المشروع الصهيوني والعمل على تغيير ميزان القوى عبر تحقيق التحويل العميق في المجتمع العربي، بما يسمح بإنهاء الدولة الصهيونية، وتقديم حلّ ديمقراطي للمسألة اليهودية تؤسس لتعايش سلمي في إطار دولة عربية ديمقراطية وعلمانية. وهذا الأمر يفرض تجاوز منطق التناحر الديني الذي تقيمه الحركات الأصولية، وبالتالي تجاوز منطق القتل العشوائي. كما يفرض الانطلاق من أن قضية الاحتلال الاستيطاني الصهيوني هي قضية تخص الطبقات الشعبية العربية كلها ولا ترتبط بالفلسطينيين وحدهم ما دام وجود الدولة الصهيونية هو جزء من أدوات السيطرة الإمبريالية على الوطن العربي. ومادام أن الصراع الأساسي هو ضد السيطرة الإمبريالية وأداتها، الدولة الصهيونية والكومبرادور العربي.
ثامناً: إن تحقيق هذا البرنامج لا يتأتى من المطالبة والمناشدة، والترجي، فهذه لا معنى لها، بل يتحقق عبر تطوير النضال الطبقي، وتفعيل الحراك المجتمعي، بما يسمح بأن تفرض الأغلبية منطقها وبرنامجها. ولهذا نرى بأنه يجب إتباع كل أساليب النضال،
1) المقاومة الثورية المسلحة ضد كل القوى المحتلة في فلسطين والعراق ولبنان، وأي منطقة يمكن أن تتواجد فيها قوى عسكرية إمبريالية. حيث أن الصراع على هذه الجبهة لن يكون بالأساس سوى صراع مسلح، فهذه شرعة المقاومة، وهذا هو طريقها. وهي مهمة لنا جميعاً ولا ترتبط بالبلد المعني فقط.
2) تطوير النضال المطلبي الاقتصادي، وتوسيع فاعليته. حيث يجب تطوير الإضرابات وكل أشكال الاحتجاج، وممارسة كل أشكال الضغط من أجل تحقيق المطالب.
3) تطوير الصراع الطبقي الذي يبدأ مطلبياً لكي يتحول إلى إضراب عام أو انتفاضة شعبية. حيث أن هدف النضال هو تحقيق مصالح كل الطبقات الشعبية.
4) خوض النضال الفكري/ الأيديولوجي ضد كل الاتجاهات والميول التي قد تضر بالنضال العام وبقضية الثورة والاشتراكية. مثل الميول الليبرالية، خصوصاً التي تتغطى بيسارية ما. وكذلك الميول والاتجاهات الأصولية والطائفية التي تعمق من المشكلات وتفتت حركة المواجهة، وتضيع الصراع الطبقي.
5) تطوير النضال السياسي ضد النظم الرأسمالية التابعة بهدف تحقيق التغيير الذي هو المدخل لتطوير الصراع ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني، والمدخل لتطوير الاقتصاد وتحديثه وتحويله إلى اقتصاد منتج. وأيضاً المدخل لتأسيس نظم ديمقراطية حقيقية.
تاسعاً: التأكيد على أن الهدف الذي يسعى كل الماركسيين الوصول إليه هو الاشتراكية، التي تمرّ بمرحلة تقوم على تجاوز الرأسمالية لتحقيق مجمل الأهداف الديمقراطية الواردة أعلاه، والمحددة في الاستقلال والوحدة والتطور والحداثة.
عاشراً: العمل مع كل القوى الماركسية في العالم، ومع حركات الشعوب التحررية من أجل هزيمة الرأسمالية وتأسيس نمط بديل يخدم تقدم الشعوب ومساواتها وتحقيق التكافؤ فيما بينها، عالم تستطيع فيه الاشتراكية أن تتطور إلى أقصى مدى. ولهذا نرى
1) أن نضالنا من أجل تحقيق المهمات الديمقراطية في الوطن العربي هو التعبير عن دورنا في الإطار القومي، ونحن المعنيون بتحديد مجمل السياسات وأشكال النضال التي تتعلق بهذا النضال.
2) أن ذلك يفرض علينا كذلك أن نربط نضالنا في النضال الأممي ضد النمط الرأسمالي، حيث أن تجاوز الرأسمالية وتحقيق الاشتراكية هي مهمة الطبقة العاملة وكل المفقرين في العالم.
3) ولذلك يجب العمل الجاد من أجل تأسيس أممية جديدة تنطلق من أنها مركز للحوار والتفاعل بين الطبقات العاملة في كل الأمم، وبين أحزابها، من أجل صياغة سياسة مشتركة للنضال ضد الإمبريالية، ولتبادل الخبرات، والمساعدة المتبادلة.
4) إن الوحدة في النضال ضد النمط الرأسمالي لا تفرض أن يكون العمل واحداً، والتكتيكات موحدة، بل لا يمكننا أن نتجاوز الطابع "القومي" للصراع، ولا أن نتجاهل الظروف الموضوعية المتنوعة بين أمة وأخرى.
أيها العمال والفلاحون في الوطن العربي أنتم من يحمل هذه الأهداف، ولهذا يجب أن يتوحد نضالكم. وأن يتوحد نضالكم في كل دولة من أجل إسقاط الكومبرادور المسيطر، وأن يتوحد من أجل تحقيق مشروع الاستقلال والتطور والحداثة والوحدة في الوطن العربي.
وهو النضال الذي يجعلكم جزءاً من النضال الطبقي العالمي من أجل إنهاء الرأسمالية على طريق انتصار الاشتراكية.
نضالكم المنتصر أو الفوضى.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الموقف الأميركي والأوروبي من التغيير في تونس ومصر، وربما ...
- شرارة الانتفاضة تصل ليبيا والعراق
- مبادئ الماركسية في الوضع الراهن
- الفيس بوك، انتفاضة
- من هو الشيوعي اليوم؟
- ما حدث وما يمكن أن يحدث في تونس
- ليس رحيل بن علي فقط بل والطبقة الحاكمة أيضاً
- مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم
- الصراع الطبقي في الوطن العربي في الثمانينات
- المسألة الطائفية كتحدي للمسألة القومية العربية
- طريق الانتفاضة لماذا تثور الطبقات الشعبية؟
- أطروحات من أجل ماركسية مناضلة
- بيان لن يصدر حول الدعاية الصهيونية باسم اليسار
- الدفاع عن الصهيونية -ماركسياً-؟
- سلامة كيلة في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الماركسية ...
- الليبرالية بصفتها يسار ملاحظات حول أطروحات كريم مروة الأخيرة
- عن الأفق الاشتراكي: علينا أن ندفن موتانا
- عن عودة المفاوضات المباشرةالسلطة تكيفت مع المشروع الإمبريالي
- قضية الصحراء المغربية سنوات من حرب لا معنى لها
- العودة إلى مفاوضات فاشلة


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - نحو حزب شيوعي عربي جديد-2