أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى محمد غريب - مرض الرشوة فساد الذمم وتشويه لأخلاقية الإنسان















المزيد.....

مرض الرشوة فساد الذمم وتشويه لأخلاقية الإنسان


مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب

(Moustafa M. Gharib)


الحوار المتمدن-العدد: 3309 - 2011 / 3 / 18 - 21:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ابتلى العراق منذ سنين عديدة بالرشوة وأصبحت في الوقت الحالي منتشرة تكاد أن تكون في أكثرية مرافق الدولة ومجالس المحافظات وصنف العراق في مقدمة البلدان التي يعم فيها الفساد بما فيها هذا المرض الخبيث وتصور البعض بمجرد رحيل النظام السابق ستخف هذه الآفة المكتسبة وبخاصة عندما جرى رفع الأجور والرواتب عند الموظفين في دوائر الدولة المختلفة لكن ذلك لم يجد نفعاً بل العكس زادت بشكل غير طبيعي ويقولون لك ضاحكين باستهزاء " إذا لم تدفع فان قضيتك نائمة مثل نوم أهل الكهف " ومن منطلق المسؤولية الوطنية نقول أن هذا الداء يحتاج إلى وضع علاجات صحيحة إذا لم يكن التخلص منه نهائياً فالتقليل من مداولته وخاصة إذا عرفنا أن مئات الآلاف من المواطنين يرجعون الدوائر الحكومية لقضايا تخص معاملاتهم المختلفة ويتعرض أكثريتهم إلى أنواع كثيرة من الضغوطات والاحتيالات والروتين والبيروقراطية بهدف دفع الرشوة لإنجاز المعاملات التي ربما لها تأثير على حياتهم العائلية الاقتصادية ومعيشتهم وحاججتهم فيضطر للدفع مكرهاً كي لا يدفع ثمناً اشد وطأة وأقسى وقعاً هو فقدان المعاملة أو التسويف في إنجازها وقد تطول شهور أو حتى سنين وهناك أمثلة صارخة على العديد من المواطنين نساء ورجال وكيف أن معاملاتهم فقدت بسحر ساحر أو بقيت سنة أو حتى سنتين بدون أن تحسم حتى وصل الأمر بهم مضطرين إلى الدفع لينقذوا أنفسهم ومعاملاتهم من الضياع في أروقة ودهاليز الدوائر وكثرة المراجعات، واليوم مع شديد الأسف لا تعد الرشوة في عرف المرتشين أصحاب الضمائر الميتة جريمة أخلاقية وجنحة مدنية يعاقب عليها القانون وهم يمارسونها امتداداً وجشعاً متيقنين بأن المجتمع لا يحاسبهم اجتماعياً وأن القانون لا يراقبهم وان فوضى التعامل في دوائر الدولة وبخاصة المحسوبية والمنسوبية والحزبية الطائفية تفعل فعلها القوي في العلاقات والتعيينات وإنهم غَيبوا عن بالهم جميع القوانين الوضعية التي تعتبر الرشوة جريمة يحاسب عليها المرتشي ويعاقب إذا ثبتت إدانته إضافة إلى هذه العقوبات فان هناك عقوبة اجتماعية أقسى من قضبان السجن التي كانت ملازمة للمجتمع العراقي واللقب المكتسب " مرتشي " وتعتبر إدانة لا يمكن أن تمحى بسهولة وبخاصة إذا حكم بعقوبة قانونية وسجن وفي هذه الحالة يطرد أو تسحب يده من الوظيفة وتماشى المجتمع العراقي مع هذا التقليد الايجابي واعتبر المرتشي بمنزلة الحرامي وبخاصة ما يسمى " نشال الجيوب " ويبقى محط عدم احترام يلازم حتى عائلته فيقولون ابن المرتشي أو زوجة أو أخ المرتشي فلان ويضطر المرتشي إذا فضح أمره الانتقال من محل سكناه إلى مكان لا يعرفه احد حتى يتخلص من الشامتين والهماسين الذين يلاحقونه بعيونهم وشفاههم مثلما كان الحال لرجل الأمن أو المخبر الذي يشيرون إليه بكلمة " جاسوس سري " إذن الرشوة هي فساد للذمم المرتشين الذي يعيشون طفيليين على حساب الآخرين يمتصون نقودهم بحقارة ودناءة وبالمعنى الواضح يسرقون نقودهم تحت مظلة وظائفهم ومسؤولياتهم الوظيفية بوعود انتهاء معاملاتهم التي لا تحتاج إلا أن يكون المرء في وظيفته صاحب ضمير وشرف وحريص على أداء مهماته بشكل قانوني وهي تشويه أخلاقي يستغلون فيه أماكن عملهم الوظيفي لتجني ما ليس لهم به حق ويكون الضحية الرئيسي هو المراجع المسكين صاحب القضية وقد تكون المعاملة تقاعدية أو خدمية أو أية معاملة ينتظر صاحبها استكمالها لكي تأخذ طريقها إلى التنفيذ، وبقت قضية الرشوة هاجس في المجتمع وجودها مرتبط بالوعي الاجتماعي لكل الإطراف، المواطن والموظف ومراقبة الدولة وقد تحدث حتى في ظل هذا الأمر لكنها بالقياس إلى ما هو عليه العراق في الوقت الراهن تعتبر نادرة وهذه النوادر تحدث في أي مجتمع مثلما هي السرقة والتجاوز على المال العام، لكن والحقيقة تقال لقد تطور مفهوم الرشوة خلال النظام الشمولي في العراق ولا سيما بعد الحصار الاقتصادي الدولي وحصار النظام للشعب العراقي فأصبحت لأسباب عديدة منتشرة فلا يمكن أن تنجز معاملة أو مراجعة بما فيها الشكوى في مراكز الشرطة إلا بالدفع السري في بداية الأمر ثم أصبح علنياً المطالبة بها فالمرتشي الصغير سابقاً الذي يخاف من مسؤوله أصبح أداة أخذ الرشوة لمرؤوسه وانتشرت الرشوة بين حتى مرافق الجيش فالجندي يدفع لعريفه ثم ضابطه إذا أراد شيئاً ما " إجازة أو ترتيب غياب وقسماً لا يخدم بتاتاً مدته الإلزامية ... الخ" حتى نقاط التفتيش كانت لها معاملات مع المرتشين المهربين أو غير القانونيين وأصبح المجتمع العراقي لا يأبه للمرتشي ولا يسال إذا ما وجده قد انتقل من الفقر إلى أصحاب الأموال أو يأبه لرجل المخابرات والأمن لا بل هناك تفاخر إذا ما وجد في احد العائلات، وأصبحت الرشوة إلزامية في الكثير من مرافق الدولة وانتشرت الرشوة حتى في المدارس والمحاكم ودور القضاة وهناك عشرات الحكايات الموثقة بهذا الصدد وقيل في حينها إذا كان القاضي وهو يطبق القانون مرتشي والمعلم وهو يربي الأجيال مرتشي فاقرأ على تلك البلاد السلام ( وهنا لا نعني من له ضمير ووطني مخلص ) وانتقل هذا المرض وتوسع بشكل اكبر بعد الاحتلال وتشكيل الحكومات العراقية وأصبحت الرشوة كما يقال ظلاً ملازما لأكثرية المعاملات التي تحتاج إلى الموافقات والإنجاز، ويتفنن المرتشي بحجج كثيرة للضغط على المواطن المراجع لكي يبتزه وقد يكون هناك شركاء لهذا المرتشي يعملون في الدائرة نفسها أو من خارج الدائرة كسماسرة متعاونين ينالون نصيبهم من الغنيمة.
وأمام تفاقم استياء المواطنين من انتشار ظاهرة الرشوة في معظم دوائر الدولة فقد تناقلت وسائل الإعلام العراقية والكثير من المختصين ومنظمات المجتمع المدني هذه الحالة الشاذة ومدى خطورتها على العملية السياسية فالرشوة جزء من الفساد المستشري في العديد من المرافق وتجدها في كل زاوية من الأرشيف وحتى أعلى الأسماء وتمتد ليس في القطاع المدني بل في البعض من الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية والدفاع وخصت وسائل الإعلام العديد من القضايا فاضحة البعض منها وفي الحقيقة لا يمكن معرفة جميع الطرق والأساليب التي تتبع لأخذ الرشوة وكميتها ونوع المعاملة المراد إنجازها وأصبحت كلمة " دهن السير " شائعة يجابه بها المواطن وبدون دهن السير لا يمكن أن تنجز معاملته وتخلق أمامه مشاكل لا حصر لها في مقدمتها وعود لا نهاية لها أو فقدان جزء منها أو التحجج بعدم وجود الأوراق الخاصة بالجداول أو نقصاً في المعاملة التي تحتاج إلى كيت وكيت وكيتات، أو التأخير والمماطلة أو إعادة طلب تقديم بعض الأوراق لكي يجعلوا المواطن يدور في حلقة مفزعة وكأنهم يقصون عليه القصة المشهور قصة " الجرادة وحبة الحنطة " فلا الجراد يرحل أو يموت ولا بيادر الحنطة تخلص وهو اقل ما يقال عن الرشوة في دوائر الحكومة العراقية التي تعتبر أحط معاملة، لا أخلاقية وهي تعيش والمرتشي على لقمة عيش المواطن وعائلته.
إن الرشوة كما أسلفنا هي قاعدة للفساد المالي والإداري إذا لم تجر ملاحقتها وتحديد شروط محاربتها وإخضاع المرتشين للعقوبات القانونية الصارمة فأنها ركن من أركان تهديم الدولة وأخلاقيات الموظفين والمواطنين الذين يدفعون وأقول المواطنين لان الوعي الاجتماعي ما زال ضعيفاً وإلا لو تصرف كل مواطن مراجع بوعي وطني وبشكل صحيح ورفض إعطاء الرشوة وبلغ عن المرتشي فسوف يساهم في إضعاف هذا التشويه الأخلاقي ويساهم في تثبيت مبادئ العمل القانوني في العلاقة ما بين الموظف وواجباته ومسؤوليته أمام المواطن الذي ينتظر منه الإخلاص والعمل النظيف لإنجاز معاملات الناس، وهنا أيضاً تتحمل وسائل الإعلام الوطنية ومنظمات المجتمع المدني جزء من المسؤولية تجاه رفع وعي المواطنين وحثهم عدم الانصياع والكشف بصراحة عن مسببات الرشوة وعدم إخفاء المرتشين وفضحهم أمام القضاة والحكومة، وعلى الحكومة العراقية أن تعير هذه القضية اهتماماً متزايداً ولا تعتبرها ثانوية في مهماتها إذا أرادت المساهمة في محاربة الفساد، وعليها اختيار طرق كثيرة للمراقبة والمحاسبة وسوف تجد العشرات من المرتشين في دوائر الدولة من اصغر وحدة إدارية إلى اكبر وحدة إدارية فهم يعيشون كالقراد لكل واحد منهم زاوية ومكان سهل لامتصاص دماء المراجعين.. جربوا وراقبوا وثقوا بالمواطنين عند ذلك سترون بأم أعينكم العجائب.. استمعوا لقصص الناس الذين لديهم مراجعات حتى مديرية التقاعد التي من المفروض بها أن تقوم بالإنجاز السريع لا المماطلة شهور طويلة لمكافأة المواطن الذي قضى جل عمره لكي يحصل على راتب يقيه شظف العيش وقسوة الحياة ويحفظ له كرامته وكرامة عائلته.



#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)       Moustafa_M._Gharib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لائحة حقوق الإنسان والاعتقال والتعذيب في العراق
- لا مفاجئة ففقدان المسار بداية التعثر والنكوص
- الرفيق فيدل كاسترو ومحنة الرؤيا
- مازالت قوانين مجلس قيادة الثورة المنحل تفعل فعلها
- اعتداءات وتجاوزات ضد الصحافيين ووسائل الإعلام في العراق
- مواقف غير سليمة مواقف متناقضة مضرة
- حتمية المظاهرات والاحتجاجات ضد الفساد والفاسدين
- المظاهرات والاحتجاجات الغاضبة والتصريحات المُخدّرة
- رعب حكام طهران من الانتفاضة القادمة
- المطاردة - اقطعوا أعناقنا ولا تقطعوا أرزاقنا -
- عاصفة الشعب المصري تطيح بحسني ونظامه
- ما هي العلاقة بين غضب المواطنين واحتجاجهم والفتاوى؟
- الانقلاب الدموي الذي أرجع العراق لأكثر من 100 عام
- هل دفع الرئيس المصري حسني مبارك ثمن ديمقراطيته حقاً؟
- العداء للقمة عيش الفقراء وأصحاب الدخل المحدود / البطاقة التم ...
- متى يكتمل تشكيل الحكومة...؟
- إدانة مداهمة مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين
- أين الأمن في العراق؟
- مخاطر مرحلة ما بعد سقوط زين العابدين بن علي
- قطع رؤوس عراقيين في السعودية بين الواقع واللاواقع


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى محمد غريب - مرض الرشوة فساد الذمم وتشويه لأخلاقية الإنسان