أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد البابلي - شيزوفيرينا الجوع .. قصة قصيرة














المزيد.....

شيزوفيرينا الجوع .. قصة قصيرة


عماد البابلي

الحوار المتمدن-العدد: 3308 - 2011 / 3 / 17 - 18:09
المحور: الادب والفن
    


تنويه : 30 % من هذه القصة أو المحور الرئيسي مقتبسه من حكاية شعبية قديمة ، حكتها لي جدتي في مساء شتائي ماطر

على جانب نهر دجلة كانت تسكن سيدة عجوز أسمها (أم حسين ) ، تعيش لوحدها منذ فترة طويلة جداً .. زوجها ( أبو حسين ) شنقهُ الوالي داوُد باشا لأنه لم يأخذ له التحية أثناء مروره بالسوق ، كان ( أبو حسين ) فلاحاً ساذجاً بحيث أنه نسى هذا الأمر أو لم يعرفه أو حتى يسمع به على ما أظن .. أما أطفالها الخمسة فماتوا جميعاً ،حسين مات بمرض الكزاز وعمره سبعة أشهر وأما الأربعة الباقين فماتوا بالمجاعة التي حدثت في بداية القرن التاسع عشر التي خيمّت على العراق لمدة عامين .. أثرت المجاعة كثيراً على نفوس الناس أنذالك ولكن عند ( أم حسين ) كان تأثيرها مميزاً جداً ، بحيث أن بيتها بعد المجاعة صار عبارة عن مخزن كبير للمؤن الغذائية وخصوصاً الجافة منها كالرز والقمح و الشعير وذلك تحسباً لعودة المجاعة مرة أخرى ، فقد كانت لا تعطي شيء مما تخزنه إلى أهلها أو أحد الجيران حين الطلب وكانت الكلمة الوحيدة التي على لسانها هي " ما مش "* بوجه السائل .. عند التخزين . والغريب بالنسبة لها أنها لم تأكل شيء منذ أن مات أطفالها الأربعة ..كان التحضير للمجاعة أن تكررت هو شاغلها الوحيد والذي جعلها تنسى كل شيء حتى نفسها ، فكرت في أنه قد يأتي لص ويسرق هذه المؤن وبقت لليالي طويلة جالسة لا تنام هو أن تحرس هذه المؤن ، فكرة الحراسة لا تجدي نفعاً ، فكرت في حل أكثر سلامة هو حفر سرداب في الأرض و تسقفه بالطين وباب سري لا يعرفه أحد سواها ، بقت تعمل فيه خمسة أيام ، ليل نهار حتى أكملته ، نقلت كل المؤن حتى امتلأ السرداب على أخره ، وأقفلت الباب بأحكام .. كانت رؤية السرداب بالنسبة لها يحمل راحة من نوع خاص وكانت كلمة ألــــ "ما مش " الشعار الذي رفعته وراء موت أطفالها أمام عينيها .
عند أحد الليالي وهي نائمة دق الباب قفزت خائفة وقالت في نفسها ( وقت طويل ولم يزرني أحد .. أنه سارق .. آه السرداب ..) تبحث عن عمود خشبي وتكمل ( آه أني خائفة يا رب بجاه سيد مطشر عندك خلصني **..) ويستمر دق الباب بقوة حتى سمعت صوت صياح الطارق ( أفتحي ..أم حسين ..أنا زوجك ) وتخاطبه من وراء الباب ( من زوجي ؟ .. زوجي مات شنقه الوالي ).. يخاطبها ( أفتحي ..هل أنت نائمة ؟) وتقول في نفسها ( لابد أنني فقدت عقلي فعلاً كما يقول الناس ) .. وراحت ببطء نحو الباب وتفتحه و أذا بزوجها ( أبو حسين ) يخاطبها وهو يدخل ( لقد ذهبت إلى السوق و لم أجد زيت ، وفي طريق العودة وجدت الوالي أمامي أمر بشنقي ولم أعرف لماذا إلا بعد ذالك يجلس ويكمل حديثه ( لقد نسيت أمر تحية الوالي اللعين .. أشتبه الناس بموتي )
أم حسين ( بذهول ) : أنك حي ..لماذا تركتني وحدي ؟
أبو حسين : سأتركك وحدك الأن ..منذ المجاعة والعالم كلهُ تغير أشياء غريبة صارت
تحدث الآن ( يضحك بأصطناع ) لقد جئت لكي أخذ الشعير الباقي هناك فقد
وعدت بعض أصدقائي بأحضاره.
أم حسين : ما مش .. ما مش .. لا يوجد عندنا شعير .
أبو حسين : أين ذهب الشعير يا امرأة ..سأذهب من هنا ولن أعود ثانية وبكل لا مبالاة
يمشي نحو الباب ويذهب بعيداً .
و أيضا وبكل لا أبالية تعود لنومها وعند أستيقاضها تتساءل عما حدث ليلة أمس ( كان حلم أم حقيقة ..لست أدري )
وظلت لأيام تتساءل عن سبب طلب زوجها للشعير مع العلم أنه باخس الثمن جداً ( لا يأكل الناس الشعير إلا أيام المجاعة ) فتصمت قليل وراحت تفكر ( آه ..أنها المجاعة قادمة ).
وراحت مسرعة لكي تقفل النوافذ والباب جيداً وراحت تطاردها صورٌ من الذاكرة عن أيام المجاعة ( صورة عن أناس يطبخون الأعشاب الخضراء في قدور كبيرة .. وصورةٌ أخرى عن شابين يشعلون النار لشواء أحد الكلاب .. وصورةٌ لأم تعصر ثدييها لكي تعطيه شيء من الحليب ولا نقطة تنزل والطفل قد جفت شفتاه من الجوع وأما الأم فقد صارت هيكل عظمي مغطى بالجلد من شدة القحط )وراء تلك الذكريات اللعينة أصابت أم حسين الهستريا وراحت تصرخ بصوتٍ عال ( لا أريد أرى تلك الأيام .. لا أريد أراها) بعد فترة من الصمت تقول لنفسها ( آه عندي أكل كثير ..منذ شهور وهو مخزون تحت الأرض .. ماذا لو أفتحه الآن أنها فكرة جيدة .. سأفتحه الآن ) وفتحت الباب ودخلت إلى داخل السرداب ولم تجد شيء أبداً .. السرداب فارغ تماماً .. راحت تنظر يميناً وشمالاً ورأت جثة هامدة لرجل نائم ، كان يشخر بصوت عال جدا .. كان الرجل مغطى بالأكياس الفارغة اقتربت منه وهي خائفة وتقول في نفسها ( لعله السارق ..؟!) ..وأزالت الأكياس من على وجهه وصرخت برعب ، وجهٌ ممسوخ تماماً لمخلوق كثيف الشعر . أستيقظ الرجل وقال لها : (آه من ؟! أم حسين العزيزة .. ألم تخزني شيء أضافي بعد ؟) وقالت وهي تمشي نحو الوراء نحو باب البيت : من أنت ؟ وأين المؤن ؟.
المسخ : أنكِ تهربين ( يقترب منها وهي مبتعدة ) أنني أل (ما مش ) يا أم حسين أل (مامش) ..لقد أكلت كل شيء ..تعالي أعطني المزيد ( يركض نحوها وهي تركض عبر الحقول ) أنني أل (ما مش ..) أل(ما مش(
ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
* ال "ما مش " كلمة في اللهجة العامية العراقية وتعني ( غير موجود )وهي كلمة ذات أصل غير عربي .. وضعتها كما هي للسياق الفني الشعبي لهذه القصة .

** الاستعانة ببعض البشر للتقرب لله هي ظاهرة قديمة جداً وقوية الجذور في المجتمع
العراقي



#عماد_البابلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القذافي .. تحليل نفسي متواضع
- كوكب أسمه اللاشعور البشري
- ترانيم شعرية بحبر بعضه أزرق
- الزمن المكور في قصة اشياء أخرى للقاص عيسى ملسم
- سميح القاسم .. اخر شعراء القرامطة
- شمس أشرقت من الناصرة .. قصائد !!
- برناردشو في جزيرة العرب ، سائحا وتائها
- تعريف جديد للأمومة
- مختارات من علم الباراسيكولوجي
- سايبر أحادي المسكن !!!
- تأملات فلسفية غير متسقة في نقطة أوميكا !!!
- وليد مهدي .. كامل النجار .. الحوار بأكثر من لغة
- الفنانة اسيا كاريرا .. سيرة مختصرة وقبسات من اقوالها
- قريش .. القبيلة الذهبية !!!
- فتاة الحانة .. قصائد لنبية !!!
- الأغتراب الروحي عند نازك الملائكة
- سوسن
- المعتقدات الدينية للسيد أينشتاين
- روح الله .. مقاربة بارا سيكولوجية واجتماعية
- الفكر في زمن الكوليرا .. أخر كتابات السيدة هاجر


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد البابلي - شيزوفيرينا الجوع .. قصة قصيرة