من فوق فوق فوق فوق

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 10:37
المحور: كتابات ساخرة
    

أكثر فئة في الأردن تقول كلمة فوق هم كبار ضباط المخابرات الذين يرفضون الاستجابة للأنظمة والقوانين حتى تأتيهم الأوامر من فوق فوق فوق, وأنا سمعت ذات مرة الملك الحسين الراحل يقول لهم (يعني انتوا ما ابتستجيبوش إلا إذا جاءت الأوامر من فوق)؟.

والفئة الثانية هم المواطنون العاديون فقبل يومين كنت أجلس في باص القرية بجانب أحد المواطنين المتخلفين فرن جرس تلفونه وسمعته وهو يقول للذي يتحدث معه (والله اسمعت في أوامر جايه كلها من فوق فوق فوق) طبعا لم أكن أعرف عن أي نوع من الأوامر يتحدث ولكن يبدو أنه فعلا هنالك قرار جاي من فوق فوق فوق, وحين أغلق هاتفه سمعت امرأة خلفي تتحدث مع امرأة بجانبها وهي تقول لها (والله يا خايسه هذه معلومات مؤكذه 100% كلها جايه من فوق فوق فوق) وفي منتصف الطريق تحدث سائق الباص مع الذي يجلس بجانبه قائلا له في حيرة وبصوت مرتفع ومسموع (إنته متأكد إنه هذا الحكي صحيح وجاي من فوق) فرد عليه الذي بجانبه وبصوت جهوري وأعلى من صوت السائل قائلا( شو من فوق بس هيك؟ لالا أنت قول أكثر من هيك, أنت قول أنها من فوق فوق فوق فوق فوق) وفي الواقع أنا اندوشت من شدة ارتفاع صوته والمسكين تعب وعطش وهو يقول من فوق فوق فوق وكان السائق يقول له (الله يبشرك بالخير من فوق فوق يا رب) وأنا نفسي أشفقت عليه وخشيت فعلا أن يطق له عرق من عروقه كما يقولون لكثرة ما ردد كلمة (من فوق) وحين نزلت من الباص ودخلت المنزل صادفني شقيقي على باب الدار يتحدث مع زميل له في النادي على التلفون قائلا له : والله كله مؤكد وكله جاي من فوق فوق فوق ) فقلت له : ابعد عن وجهي وعن خلقتي كلكوا كذابين وشعب كذاب ونصاب بكذب على بعضه, شو هذا كلكوا ما ابتحكوش غير حتى اتقولوا (من فوق فوق فوق) شو هذي البلد!! كمان اشوي الواحد بصير يحكي لزوجته في تعليمات من فوق (ارفعي فوق فوق فوق).

هذا معناه أن الذين يتحدثون معنا من منطلق فوقي لديهم تعليمات من فوق فوق فوق لذلك صاروا يكلموننا من منطلق فوقي ومن منطلقات فوقية جدا وهذا معناه أنه لم يكن الفنان المطرب صباح فخري وحده من يغني (فوق النخل فوق) فغالبية المسئولين الأردنيين العنيدين برأيهم يغنون هذه الكلمة بأسلوبهم الخاص وغالبية المفسدين منهم لا يتراجعون عن الفساد إلا إذا جاءتهم الأوامر من (فوق فوق فوق فوق) فتجدهم يقولون : فقط إذا في أوامر من فوق , و كلمة(من فوق) على ألسنة كل المفسدين الأردنيين مثل بعض ضباط مخابرات واستخبارات إلى الوزراء والسفراء والمدراء ورؤساء الجامعات, فكل هؤلاء يحفظون هذه الكلمة عن ظهر قلب ويرددونها كلما أردوا أن يكذبوا وأن يبطشوا بالناس فتجد ضباط المخابرات يقولون ( احنا مش تابعين لأي حدى ولا نستجيب إلا إذا جاءت الأوامر من فوق فوق فوق واللي مش عاجبه يشرب من بحر العقبة) أو كما كان يقول عرفات (يشرب من بحر غزه) وأنا كمواطن مش عارف ليش لا يستجيبون إلا إذا جاءت الأوامر من فوق؟هل هذا يعني أنهم يتحدون البروتوكولات واللوائح والقوانين والتعليمات والإرشادات ؟ يا جماعة الخير صارت كل الناس تردد هذه الكلمة حتى الفراشين والأذنة والمراسلين والسواقين والقوادين تعلموا هذه الكلمة وقبل أسبوع تقريبا ذهبت بأولادي في ساعة العصرية ليلعبوا كرة قدم في ملعب المدرسة فخرج (حارس المدرسة) وطلب مني ومنهم المغادرة فقلت له : ليش؟ فقال : إذا بتجيب أوامر من فوق على عيني وراسي,نعم, لقد ضحكت كثيرا وأنا أقول: حتى حارس المدرسة صار يحكي من فوق !!!.

فإذا أراد أحدٌ منهم أن يكذب أو أن يطلق إشاعة تجده يقول(هذه التعليمات كلها جايه من فوق) وكمان يقولون (والله احنا ما ابنقدر انساوي شيء عشان كله جاي من فوق فوق فوق, وهنالك من الناس من يقولها بصيغة التكرار للمبالغة في تضخيم الكلمة والمصطلح فتسمعه وهو يشد على أباطه كما يقولون قائلا(من فوق..فوق...فوق) ثم يرفع صوته مرة أخرى ليسمعه من لم يسمعه : (فوق قوق ما حدى بقدر يتدخل) .

والذي لديه أوامر من فوق يتحدث معك وكأنه ألله أو ربنا أو كأنه جلالة الملك نفسه قائلا لك(معاي أوامر من فوق..ممنوع..ممنوع) فتسأله شو الممنوع؟ فيقول (يا أخي روح راجعهم واسألهم لا تسألنيش عن شيء ..أنا معاي أوامر من فوق فوق..فوق..)ومن ثم يرسل برأسه للأعلى ليوهمك بأنه مدعوم من (فوق فوق فوق).
وأنا كمواطن شبه أردني لماذا لا تأتيني مثلاً الأوامر من فوق فوق فوق كما تأتيهم من فوق فوق فوق, ولماذا لا أرفض دفع الضرائب والمسقفات مثلا حتى تأتيني الأوامر من فوق فوق فوق؟ ولماذا أنا وحدي الذي التزم ويلتزم بالنظام وبالقوانين دون أن تأتيني الأوامر من فوق؟ هل هذا معناه أنني أهبل؟؟ أو مجنون!! وهل معناه أنني جبان؟؟لماذا لم أنتظر إلا أن تأتيني التعليمات من فوق فوق فوق ؟ لماذا أنا الوحيد الذي يلتزم بالأنظمة وبالقوانين ولم أقل بحياتي كلمة من فوق فوق فوق.
وأي حارس على بوابة أي مستشفى يقول لك إذا جئت للزيارة في غير موعدها (ممنوع..هذه الأوامر من فوق فوق فوق) والحارس والموظف الحكومي من فئة الدرجة الأولى والخاصة والوزير والسفير كلهم يحفظون هذه الكلمة وكلهم فيها سواسية, والسؤال الذي يطرح نفسه مثلا : لماذا لا يقول لك أحد منهم بأن القانون هو الذي يريد!! ولماذا يقولون لك كله من فوق؟ ولماذا هم ليسوا أصحاب قرارات!! فلماذا لا يكونون صادقون مع أنفسهم فيقولون (نحن نريد كذا وكذا) لماذا كل هذا الجبن والخوف والفزع والتهرب؟ لماذا لا يقول المسئول الأردني (بناء على تنسيب كل من ...) ولماذا لا يقولون (القانون يقول كذا) بدل أن يقولوا (من فوق من فوق) لماذا يتهرب ضباط المخابرات في الأردن من مسئولياتهم ويدعوا بأنهم لن يلتزموا باتفاقياتهم إلا إذا جاءتهم التعليمات من فوق فوق فوق, وبصراحة أنا أشعر بأن رقبتي تريد أن تنقزع أو تنكسر وأنا أنظر للأعلى ولا أرى شيئا , فكلما ذهبت إلى أي محل تجاري أو إلى أي دائرة حكومية أسمع هنالك رجلا يجلس على كرسي وقد أراح رجله اليمين على فخذته اليسار ناظر للسقف وهو يقول (كله من فوق فوق فوق والله احنا ما عندنا أي صلاحيات) حتى الذين يطلقون الإشاعات أو الذين يتحدثون عن زيادة الرواتب يقولون (والله واحد حكالنا من مصدر ثقة في تعليمات جايه من فوق فوق فوق بضرورة صرف 50 دينار أردني لكل جندي من جنود القوات الأردنية الباسلة) وكذلك تسمع سائق وزير يقول لك (سمعت من سائق مساعد رئيس الوزراء إنه: في تعليمات من فوق فوق فوق جايه بضرورة التخفيف على المواطنين) ما معنى هذا الكلام؟ هل معناه أن الذين فوق فوق فوق هم المفسدون؟ وهل معنى ذلك بأن الديوان الملكي الأردني يفرض على رئيس الحكومة كل شيء من فوق فوق فوق!! فإذا كان رئيس الحكومة الأردنية لا يملك صلاحيات أي شيء فكيف مثلا الذين هم دونه سيملكون الصلاحيات أو سيكونون أصحاب قرارات, فرئيس الحكومة لا يتخذ أي قرار إلا إذا كانت التعليمات جايه من فوق فوق فوق, والوزير طبعا يكون بانتظار أن يمطر الديوان الملكي على رئيس الحكومة لكي يسيل الماء من مكتب رئيس الحكومة على الوزير والمدير وباقي الكوادر وهم ينتظرون التعليمات من فوق فوق فوق, ولا أحد في الأردن يتحمل المسئولية فكله من فوق فوق فوق, حتى الذين يدعون المعارضة في الأردن لا يسيرون في المظاهرات إلا إذا جاءتهم التعليمات من ضباط المخابرات على حسب قول الغالبية منهم.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات