أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - رموز الأحلام والدين : تحليل في خبايا رموز الأعماق النفسية الجمعية















المزيد.....


رموز الأحلام والدين : تحليل في خبايا رموز الأعماق النفسية الجمعية


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 09:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1- الدين والاحلام بين الماضي والحاضر

يعني لنا " الدين " الكثير كموحدين من مسلمين ومسيحيين ودروز وصابئة ويهود وبهائيين وايزيديين ، و كذلك " الباطن " النفسي الإنساني ، يعتقد الكثيرُ منا إنه مرتبط بالدين ، فصورة الملكوت والعالم الآخر وكذلك الاحلام ورموزها لها دلالات " دينية " باعتقاد الغالبيـة ..
لكن ، هل الفكــر الديني يعتبر الاحلام دوماً هي الحبل أو المدخل المؤدي إلى الاعماق " المقدسة " .. ؟.
هل كانت هناك محاولات قديمة في الحضارة الإسلامية السابقة تربط الدين بصور الميثولوجيا الاعماقية الجمعية الكلية تلك .. ؟
ربما يشكل عصرنـا هذا الاستثناء الذي فصل بين ماهو مقدس وماهو " طبيعي " ، فعصر الصحوة الإسلامية الحالي جعل الاحاديث المروية عن الرسول أو ائمة المذاهب ثوابت لا جدال فيها .. إلا في حالات نادرة .. لسبب تناولناه غير مرة يتعلق بواقع " النفير " الثقافي تجاه خطر ثقافي تتعرض له الامــة من خارجها ..
لكن وكما نجد في الاثر القديم المعروف ( تعبير الرؤيا ) لابن سيرين بأنه كان يعتمد على منهج متنوع المصادر في تفسير الأحلام ، فالاحلام ستكون دليلنا للإنكشاف " الفردي " في الوعي على عالم الباطن .
فذهنية بن سيرين تلك تكشف عن ذهنية عامة كانت سائدة إلى حدٍ معين في واقع ثقافي إسلامي مسيحي يهودي شرقي منقرض ..!
طريقة بن سيرين في التاويل كما يذكرها لنا في كتابه هذا المنسوب إليه لا تعتمد على الحديث النبوي وآيات القرآن فقط وإنما تتضمن الشائع من قول العرب والأمثال المتداولة بل حتى كلام الشعراء ..
قد يمر الكثير منا على هذه المعلومة دون انتباه لمدلولها الهام .. وهو إن الرؤيا كانت معرفة يتداخل بها المقدس ( القرآن والسنة ) واللامقدس ( الامثال والشعــر ) .. ، فحين نتامل هذه الصورة لبرهة نكتشف بان الوعي الجمعي الإسلامي في حقب ماضية يختلف بصورة كلية عن راهنه الذي نعيشه اليوم ..!
فــ " الإطار " المعرفي الشائع في ذلك الزمن الذي كان يعيش فيه بن سيرين حول الباطن العقلي أو ما نسميه اليوم " اللاشعور " كان إطاراً ثقافياً تشكلـه اللغـة المحكية والمروية وهذا يجعلنا نقترب كثيراً من المفهوم الحديث الشائع عن " الانسنة " أو " الأناسة " وما تعرف بالإصطلاح الانثروبولوجيا ( علم الإنسان ) التي تعتبر " اللغة " ومبانيها المفهومية في اي مجتمع بمثابة حافظة رمزية لتشفير الذاكرة الاجتماعية الكلية براي المحدثين مثل فردنان دي سوسير وليفي شتراوس ومحمد اركون .

2- دلالات الرموز الميثولوجية

وحتى لا يجد القارئ صعوبة في فهم ما نقول سنأخذ المثال التالي :
رؤية " الذهب " في المنام قد تعني " ذهـب " أي رحـل وليس الذهب بما هو معدنٌ ثمين ، كذلك رؤية " الفلوس" قد تعني " الإفلاس " وليس حيازة الثروة ، ومثل هذه التأويلات للأحلام لا تزال متداولة بين جداتنا ( الختيارات ) ، وعلى الرغم من أننا نضحك في الغالب عندما سماع حكاياتهن وتاويلاتهن للاحلام ، لكن ، الباحث الإنثروبولوجي المحترف هو الذي ينصت إلى " المشتركات " التي تتفق عليها الرؤية الشعبية للمعرفة من زاويتها هذه التي ترى في قصص الاولين بمثابة " رموز " أو جذور رمزية في بناء الحافظة التاريخية اللغوية للمجتمع الإسلامي ذي الجذور الثقافية القديمة جداً : المسيحية السريانية البابلية المصرية السومرية .
لماذا ننصت لهذه المشتركات " الشائعة " ؟
لانها تدلنا على " القاموس الباطني الجمعي " لامةٍ من الاُمــم ..
هذه الحافظة ، حسب تسمية عالم النفس كارل جوستاف يونج ، هي ذاتها الذاكرة الاجتماعية حسب علم الإنسان ( الانثروبولوجيا ) ، وبعد أن نتعمق في الموضوع اكثر سنجد ان مفهوم الحافظة سيكون اكثر اتساعاً و انجع استعمالا .
قد يظن القارئ إن الموضوع معقد يكتنف بعض الاصطلاحات فيه الغموض ، لكننا نعده بالتبسيط خصوصاً وهو يتناول اصلاً المحكي الشائع من " المعرفة الاجتماعية " التي يعتبرها العديد من المثقفين مجرد خرافات ، لكنها بمنظور علمي معاصر تشكل " قاموس الدلالة " الاجتماعية الذي يتيح لنا الغوص عميقاً في اعماق اللاشعور والوعي الجمعي الإنساني بوجه عام ، والوعي الجمعي الإسلامي بوجه الخصوص لتحليل اللغة الرمزية البسيطة ودلالاتها التي تتمظهـر في الإحلام و " الوحـي " الذي يُصاغ في هيئة أو تشكلات لغويـة ذات قالب نمطي محدد ممثلاً في الكتب السماوية المقدسة ومنها القرآن وكذلك في الاحاديث المنسوبة إلى الانبياء والاولياء ومنهم الرسول محمد بن عبد الله .
فالشائع لدى بن سيرين في " قاموس دلالته " القديم المعروف بتعبير الرؤيا أن آيات القرآن واحاديث الرسول هي التي تلعب الدور الابرز في تعبير الرؤيا ، لكن ، آيات القرآن واحاديث الرسول اصلاً عبارة عن " خميرة " سبق للمجتمع ان طبعها في قاموسه الجمعي بعد قرون من دخول الإسلام ، لذا فالمجتمع ممثلاً بافراده يسترجعون هذه الصور وما توحيه من دلالات اعماقية بشكل دفقات سيالة من رمزية اللغة الاجتماعية الباطنية ، الحافظة الكلية ، ذاكرة العقل الاجتماعي المشفرة في تمثلات اللغـة كما يتضح هذا لنا من الامثلة التي سنذكرها لاحقاً .
وعليه ، فالقرآن حينما ينجح في تفسير الاحلام ، وكذلك احاديث الرسول ، فهذا النجاح لا يعود سببه لقدسية ماورائية تتخفى وراء النص ، وهذا الحال ينطبق على نصوص المسيحية واليهودية وكل الديانات ايضاً ، وإنما بسبب ما تمثله هذه الآيات والمرويات من " بنى " جوهرية في العقل الكلي الاجتماعي خصوصاً بعد قرون من " اختمارها " وتسللها إلى البنى المركزية في الحافظة الكلية ( حسب تسمية يونك ) ، إذ يكون من السهولة التعرف على رمز طارئ في الاحلام عبر مقابلته في مرآة آية في القرآن او في الكتاب المقدس ، فسرعان ما تبدأ رمزية الغموض بالإنحلال والتحلحل عبر قراءة الاسترسال القرآني الذي يسبق ويلي هذا الرمز المتأصل جمعياً والمؤثر في احلام حتى اكثر الناس إلحاداً ولا دينية في هذا الكوكب .
ولنضرب على ذلك مثالاً ، لو شاهدت في الرؤيا " نملة " ، مالذي يقوله بن سيرين و جداتنا الختيارات عنها ؟
يسعفني هاهنا ابرز فلاسفة البنيوية Structuralismوعالم الإنثروبولوجيا " كلود ليفي شتراوس " في مقاربته التحليلية للأسطورة لدى الهنود الحمر في أميركا ، إذ يرى أن الاسطورة تحتمل تفسيرات عديدة ممكنة ، ورمزية الاحلام باعتبارها سيلاً من مدلولات متشعبة وربما متناقضة لدوال بنى الحافظة الجمعية ، اصل الاسطورة ، يمكنها ان ترشدنا إلى تاويلات " كوانتية " غير محددة uncertainty ، وهذا ما نجده فعلاً في قاموس بن سيرين ، المسلم ذو الاصل المسيحي ..!
فالنملة بروايته عن جعفر الصادق كمجموع النمل ترمز للخدم التابعين ، وبتاويله حسب اللغة الجمعية الدارجة التي كانت اكثر وضوحاً في زمانه ترمز للاناس المتكبرين ..!
لو عكسنا رمزية النملة عبر الكشف في قاموس " الدلالة الكلي " هذا في القرآن فما الذي سنجده ..؟
(( إذ قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا في مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين )) ..
نملة تطلق تحذيراً لباقي النمل من دمارٍ وشيك سيحل عليهم ، وبتاويل " رمزية " النمل حسب بن سيرين فهذا يعني إما إن خدماً تابعين تامرهم خادمة بالجلاء ، أو إمرأة متكبرة تنذر رهطاً متكبرين مثلها بالابتعاد عن التصادم مع قوة كونية جبارة ممثلة في " سليمان الملك " ..
فما الذي يسترسل القرآن في وصفه في الآيات اللاحقة للآية التي ذكرناها آنفاً ؟
لنكمل استرسال القرآن ، فبعد أن يذكر ( وتفقد الطير ) وحديثه مع الهدد عن بلقيس وكيف أرسل سليمان لها كتاباً يأمرها بالإسلام حتى يقول على لسانها مخاطبة قومها في موضوع رسالة سليمان :
(( قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وكذلك يفعلون ))
بلقيس ، الملكة التي من الطبيعي أن تكون متكبرة بحكم ما تمثله من موقع في الهرم الاجتماعي ، تنذر رهطها من حاشية بلاطها المتكبرين لنفس الاسباب بان " الذل " هو ما سيضربه على وجوههم سليمان .. !
لا يحطمنكم سليمان وجنوده ، افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة ، نملة ، إمرأة تملكهم ، هذه كلها توضح الرمزية والتفسير في آن معاً ضمن قاموس الدلالة الكلي المتشكل في الحافظة التاريخية للامة على مدى سبعة آلاف عام سواء بلغتها المعجمية الاصطلاحية أو بلغتها الشفهية المرمزة ضمن تراكيب أو امثال ذات مدلولات ..
كيف توالت كصور مترافقة مفصولة بفاصل مع إنها مرايا يعكس بعضها بعضاً في القرآن ، ونقصد قصتي النملة وبلقيس فقاموس الدلالة الكلي يقول إن بلقيس = النملة ..!؟

3- نتيجـــة هامــــة

إن هذا الترابط يؤشر على إن قصة الحديث بين سليمان والنملة المعروفة قبل القرآن اصلاً هي " حلم " أو " رؤيا " رآها سليمان وتحققت بقصته مع بلقيس انسلت للموروث الثقافي وكانها حادثة واقعية فعلية ...!
وكذلك قصته مع " الهدهد " وباقي الحيوانات المستوحاة من " ادب الحكمة البابلي " حين تروى الاساطير عن الحيوانات وهي تتكلم وتعيش قصصاً كالبشر ، هذه جميعاً تؤشر لانثيالات باطنية من الاعماق البيولوجية للتاريخ في الحافظة الجمعية التي درسها يونج وسجل عنها الملاحظات حول ما كان يرويه مرضاه ..
كذلك قصة ملحمة كلكامش وبحثه عن الخلود وذهابه إلى " عالم الخالدين " حين يلتقي بنوح ( زيوسيدرا ) في دلمون ، الجزيرة الخضراء ، كان الناس في سومر واكد وبابل وآشور وعلى مدى اربعة آلاف عام يحكون عن القصة وكأنها واقعية ..
لكن ، الإمعان في رمزيتها يؤكد إنها " جنين " اعماقي ثقافي رواه كلكامش أو سواه كإلــهٍ – إنسان كان على قناعة بانه " رحل " فعليــاً إلى عالــم الخالدين .. والتقى بجده " نوحاً " هناك كمـا يروي محمد النبي عن معراجه والتقاءه بالانبياء في الملكوت الاعلى ، مثل هذه القصص وما تتضمنه رمزيتها تدل على إنها إنعكاسات باطنية عميقة بهيئة احلام يقظة " قوية " غالباً ..
الغريب حقاً في الموضوع هو " إنسحاب " دلالة رمزية من ملحمة كلكامش في فكر الشيعة الإثني عشرية المعاصر ، وهي دلالة " العمر الطويل " ...
فنوح في الملحمة القديمة ( زيوسيدرا – اتونا بشتم ) كوفئ من قبل الآلهة بامتداد عمره وحصوله على الخلود لانه انقذ النسل الإنساني من أن يزول بسبب الطوفان ، على العكس من الصورة التوراتية القرآنية التي وصفت امتداد عمره الف سنة إلا خمسين في قومه قبل الطوفان ( لتوائم النسق القيمي اليهودي البدوي الديني ) ..
فاهل العراق القديم , وعلى مدى اربعة آلاف عام ايضاً ، احتفظوا بنسقهم الخاص المخالف للنسق العبراني والإسلامي المعاصر ، فالنسق الثقافي البابلي كان دوما يتضمن وجود " خالد " ذو عمرٍ طويل ..
نوح , اتراحيس , اتونابشتم , خورشيد , الخضر ( حي الدار ) , ....
هذه النماذج , ورغم انقراضها جميعاً في الفكر الإسلامي كشخصيات خالدة حية لها حضور خفي ابدي بين الناس , لكن " الخضر " بقي صامداً منها , واستحدث الإثنا عشرية نموذجهم " العصري " الخالد الممثل بمحمد بن الحسن المهدي , ومن قبله محمد بن علي بن ابي طالب ( بن الحنفية ) لدى الزيدية ونماذج كثيرة اخرى " مغيبة " ومخفية في إلحاح قوي من " الحافظة التاريخية " لنسق القيم البابليــة المتجذرة حتى يومنا في عمق سبعة آلاف سنة ..!

الدلالات النسقية هذه ، تؤشر جميعها على إن " العمق " الجمعي يتفاوت في تاثيره على المجتمعات ..
ففي بيئة جنوب العراق , حيث الشيعة الإثني عشرية , اثر النموذج السومري البابلي واضح سواء بنسق الصور الميثولوجية او نسق القيم والطقوس الممثلة بعاشوراء الموازية للأكيتو كما ذكرناها غير مرة في سنواتٍ مضت ..
في حين إن النموذج الصحراوي البدوي لهذه الأنساق بقي محافظاً على تجرده النسبي نوعاً مــا , لكونه وليد بيئة ثقافية اقل عمقاً في تاريخها من وادي الرافدين أو وادي النيل ..
النتيجة الهامة التي ترشح لنا من كل هذا , هو ان الإختلاف بين الأنساق القيمية والتمثلية بين الدينات والطوائف تعود أسبابه لطريقة " تفاعل " الفرد والمجتمع مع " الحافظة الجمعية " التي تؤدي إلى هذا التلون الثقافي وهذا الكم من قصص مختلفة ومتناقضة احياناً بين الانبياء والملوك الآلهــة أو اشباه الآلهــة قد تصل إلى التماهي بين ماهي وقائع حقيقية و احلام يقظة تصور على إنها واقع حقيقي ..

4- عودة لقاموس بن سيرين حول الرؤيــا

وبمثال آخر آذان المؤذن ، أذن في الناس بالحج ، وأذن مؤذنٌ ان يا ايتها العير إنكم لسارقون :
بن سيرين يفسر رؤيا الآذان كدلالة على وقوع الحج إلى مكة لصاحب الرؤيا او اتهامه بالسرقـة اعتماداً على دلائل الآيات القرآنية هذه ، ونحيط القارئ علماً أن تعبير الرؤيا لابن سيرين لم يكن ليعتمد قروناً طوال لولا بعض المصداقية في تفسيراته ..
شخصياً جربت تاويلاته مع أحلام الكثير من الناس بمختلف الشرائح ، كانت تقترب في مصداقيتها من 70 % ، وبمثال آذان المؤذن السابق فإن صدق التاويل لا يتاتى من " قداسة " النص القرآني والقوة الخفية المستترة وراءه وإنما من " رسوخ " المركبات المفاهيمية الثقافية اللغوية المنطوية في هذه الآيات في الوعي الثقافي العام للامة وحافظتها " اللغوية " العميقة ..
إذ ان الامثال الشعبية والنصوص الدينية بما في ذلك احاديث الرسول تكون قد تسللت بعد قرون من التداول إلى " المخيال الاجتماعي" للامة كما يسميه السوربوني الراحل محمد اركون ، على اعتباره ليس حافظة ذاكرة لارشيف الدلالة فقط ، وإنما فاعل ومحرك شبه ميتافيزيقي ( موجود خفي ) لمنظومة القيم الجوهرية في اللاشعور المتجلية في الاحلام لدى عموم المسلمين وغير المسلمين في هذه الامة العربية لغة و غير العربية المتشكلة من ثقافات كثيرة حسب تصور دوركايم وهيجل ، وهكذا فإن اللاشعور الباطني فينا وحينما يختار التعبير عن نبؤة مستقبلية معتمداً الإدرك الحسي الفائق ESP فهو يستخدم البنى التكوينية للحافظة الاجتماعية التي تتسلل إليها عبر قرون من الزمن مفاهيم ورموز بنيوية جديدة في نفس الوقت الذي " تنسى " ولا نقول تحذف منها دلالات قديمة تترسب في اعماق بعيدة من هذه الحافظة الكلية ..
قاموس الدلالة الاجتماعي الكلي ، هو الذي يخبرنا بالنبؤة وليس قاموس مفرداتنا الشخصية اللغوية التي نستخدمها في حياتنا اليومية اثناء صحونا ، وهذا اوضح الادلة على ان اللاشعور وفي باطن اعماقه هو كيانٌ كلي مشترك بين سكان حضارة ما او امةٌ من الامم ، وحسب كارل جوستاف يونج ، هناك اعماق من اللاشعور لا يشترك فيها عموم الجنس البشري فحسب وإنما عموم الكائنات الحية على كوكب الارض كما اثبت ذلك عبر تجارب طويلة مع مرضاه وتحليلاته لرموز احلامهم ، وهو العمق " البيولوجي " من الحافظة الجمعية الذي ترتبط به مشاعر " الحبLove " و " الجنس Sex" في العادة ما يفسر سبب " قوتها " وتاثيرها في حياتنا .

5- الاحلام : بين الفرديــة والموروث الجمعي والعمق الكلي الحيوي

لا يعني هذا إننا نُـخطـّيء المنهج النفسي ونتائج العلوم النفسية حول " خصوصية " الاحلام ورمزيتها الفردية وليست الاجتماعية كما بين هذا فرويد في منهج التحليل النفسي ، لكننا هنا نتحدث عن " اعماق " مختلفة من اللاشعور .. وانواع متعددة مختلفة من الرؤى في المنام واثناء اليقظة .
الاعماق الضحلة ( لو تصح التسمية ) من النفس البشرية تكون خاصة فردية ، وهي التي يتناولها علم النفس غالباً ، الاحلام التي تنعكس من هذا المستوى النفسي القريب من واقعنا اليومي غالباً ما كنتُ اسميها " الافلام " عندما احاول تفسيرها للكثيرين ..
إذ تكون متعددة الاحداث ، اي لا يوجد فيها حدث مركزي معين ، يمكن أن يرى الفرد نفسه يقود دراجة نارية ثم ينزل عنها ليمشي راجلاً فيلتقي بصديق يرتدي سترة بنية يتركه ثم يجد الرائي نفسه في مكان آخر ، هذه يمكن أن نسميها " افلام المنام " وبرايي تاتي انعكاساً لعمليات اللاشعور السطحية القريبة من الذاكرة العاملة وغالباً هي لا تحمل نبؤة عن حدث مستقبلي أو إشارة خاصة للوعي الباطني ..
أما " الرؤية " التي تحمل إشارة مركزية قصيرة الزمن مفردة الحدث مكثفة الدلالة مثل : ركوب دراجة اترجل عنها ( فقط ) ، فهذا له دلالة نناقشها في موضوع آخر كونها تحمل " إشارة Signal " مصدرها الكيان الكلي التمثلي لوعي مجموعي يؤشر لحدث مستقبلي للفرد أو حدث تاريخي للامة بما يعرف " الرؤيا الصادقة " ..
أما التي للدون من هذا المستوى من اعماق اللاشعور ، فقد تكون جمعية بإطار محدود ، كان تكون حزبية أو اجتماعية او ثقافية دينية ، هذه تدرسها الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا ( علم الاجتماع ) .
عندما نستمر بالغوص في اعماق اكثر جمعية كما وضح يونج باسهاب نصل إلى الذاكرة الحيوية الكلية ، الحافظة البيولوجية الجامعة التي لا يوجد لدينا علمٌ لدراستها حتى الآن ، لا تزال رمزيتها ودلالتها تقع ضمن حيز العمى المعرفي وليس ادل على صورها ووجودها سوى اساطير الآلهة القديمة لدى الثقافات والشعوب المختلفة التي تتجلى في الحضارات المصرية والسومرية وجذور الطوطمية في افريقيا وكثرة الحيوانات في تمثلاتها الرمزية ..
و في العموم ، الطوطمية هي الاثر المتبقي الواضح جداً لهذه الاعماق التي تبدأ بها الحضارة والتاريخ في الفكر الإنساني ..
لكن ، ليس هذا كل شيء ، هناك اعماق سحيقة لم يصلنا منها اثر بعد ، كل ما نستطيع تاكيده عنها هو إننا كلما غصنا في اعماقها اكثر كلما تلاشت " الفردية " التي نشعر بها وذابت في كلية الوجود ، الفردية التي نميز بها انفسنا كافراد لديهم اسماء وهوية احوال مدنية المعرّف السيكولوجي لها هو " أنا " ، هذه الانا هي المهماز المحرك لسلوكياتنا القريبة من الغريزة والحس ، الممثلة لذاتنا كافراد طموحين في مجتمع كثير المتنافسين ، هذا هو المستوى الضحل من اللاشعور ، لكن ، عندما نستفزُ بمشاعرنا الجمعية ، عندما يهاجم مدعي التنوير الإسلام ورسوله محمد فإن هذه الانــا تتلاشى بهبوط " المراقب " الواعي في عمق اكبر من اللاشعور ..
إذ تذوب هذه الانـا في " نحن " الكلية التي تعطينا هوية جديدة مصدرها من اعماق سحيقة في اللاشعور ، العقل الكوني الذي تجلى في سياق آيات القرآن كثيراً بالضمير " نحن " ، ( إنا انزلناه ، نحن خلقناكم ، إنا نحيي ونميت ونحن الوارثين .. إلخ .. ) وما قلنا عنه مسبقاً بانه دليل على " جمعية " ذهن محمد وليس " انانيته " كما يدعي الاصوليون " العلمانيون " ..!
فالدين ، بما هو وعي ثقافي كلي جامع لا يمكن فهمه فهماً علمياً اكاديمياً دون اللجوء للمقاربات السوسيولوجية الانثروبولوجية ، لا يمكننا الحديث عن الدين دون منهج علمي جديد ياخذ في الاعتبار التحليل النفسي والانثروبولوجي على حدٍ سواء ، ولا نقصد دراسة الإنسان سيكولوجيا بما هو فرد ، أو انثروبولوجياً بما هو إنسان كلي يمثل النوع الإنساني ، وإنما دراسته ككيان مفرد ضمن منظومة اجتماعية تاريخية كلية تنتمي للكيان الاحيائي على سطح الكرة الارضية له ماضٍ وتاريخ يبلغ ما يقارب المليار سنــة ، ضمن علمٍ جديدٍ كلي شامل يجعلنا اقرب إلى عقائد الفيدا والبوذية والهندوسية اكثر من اي عقائد دينية اخرى .. ~

[email protected]



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة والدين : إشكالياتٌ وتوضيح لبعض الاخوة
- نحن والدين : مقاربة سيكولوجية _3_
- نحن والدين : مقاربة سيكولوجية _2_
- نحن والدين : مقاربة سيكولوجية _1_
- الجاذبية الجنسية : رؤية ٌ ماركسية
- ليبيا ... عروس ُ عروبتنا الحمراء
- إسرائيل في مواجهة الطوفان العربي : رؤية استراتيجية للمستقبل
- مذبحة الساحة الحمراء في البحرين والإعلام العربي
- اخرجوا المحتلين من بابل خائبين
- الجنس والأنثى والحضارة
- هذا الجيل : من الصحوة الإسلامية إلى ما بعد الحداثة
- التخاطر وسيكولوجيا الجماهير
- إغلاق قناة السويس : المرحلة الثانية من الثورة
- هذا الجيل : زلزالُ مصر وحاكمية الشعب
- وصايا للثورة في مصر***
- ميدان التحرير : رمزُ ثورةِ هذا الجيل وميزان رؤيته الجديدة
- مبارك يحزم حقائبه
- روبرت فيسك : الغربُ لا يريد ُ ديمقراطيةً في تونس ولا ايَ بلد ...
- كامل النجار : ملحدٌ تحت مجهر التفكيك -4-
- محمد حسنين هيكل يحكم بالإعدام شنقاً على انتفاضة الخبز والكرا ...


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - رموز الأحلام والدين : تحليل في خبايا رموز الأعماق النفسية الجمعية