أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - هل الخليجيون متخلفون؟















المزيد.....


هل الخليجيون متخلفون؟


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 987 - 2004 / 10 / 15 - 08:51
المحور: حقوق الانسان
    


فى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب الذى انتهى قبل يوم واحد من افتتاح مكتبة الإسكندرية التقيته!
كان مختالاً, طاووسياً, يمشى كأنه سيخرق أرض المعرض أو هكذا بدا لى!
تعارفنا مصادفة, وتناقشنا فى أمور مختلفة, فقد قال لى بأنه واحد من هيئة مستشارى مجلة (... ), وهى واحدة فى الواقع من أقرب المطبوعات إلى, وتذكرنى ب(الدوحة) التى كانت تصدر فى العاصمة القطرية ويترأس تحريرها رجاء النقاش, وبمجلة (الأمة), و(الفكر المعاصر) و(عالم الفكر) و(القاهرة).
اختلفنا كثيرا لكن فضولى دفعنى فى اليوم التالى للقائه ومعرفة رؤيته كمثقف بعد قراءة عددين من (طائر الشمال)!
ووجدت أمامى بركانا هائجا من الغضب يقذف حمما لا تتوقف, فقد اعتبر كتاباتى كلها موجهة للمتخلفين الخليجيين, على حد قوله, وبأن المجلة تفتقد لشجاعة الرأى, وأن حشر القضايا والهموم الخلجية يفقد المطبوعة قيمتها!
قلت له : لابد أنك لا تعرف شيئا عن الخليج ومثقفيه ومفكريه وعلمائه وجامعاته وشعبه وحضارته, فكاد يستلقى على قفاه من الضحك, فهؤلاء قى رأيه قوم لم يقدموا للعالم أو للفكر والثقافة أى قيمة, واختتم بركانه الحممى والناقم والساخط بصب جم غضبه على هؤلاء المتخلفين المتمسحين بأهداب وذيول الحضارة الحقيقية ( يقصد كل ماهو خارج دائرة مجلس التعاون الخليجى)!
إنه نموذج خرج من رحم الفكر الاستعلانى الأحمق والذى عبرت عنه مئات الكتابات والندوات والمناقشات, الخفية والعلنية, وبدت جلية واضحة فى قصيدة نزار قبانى (أبو جهل يشترى فليت ستريت), وربما انفجرت فى مهرجان قرطاج التونسى قبل عشرين عاما فى قصيدته التى بدأها ب(يا تونس الخضراء جئتك عاشقا وعلى جبينى وردة وكتاب.. إنى الدمشقى الذى إحترف الهوى فاخضوضرت لغنائه الأعشاب.. إلى أن يقول : والعالم العربى يخزن نفطه فى خصيتيه وربك الوهاب!
أنا أزعم أن هذا الفكر الاستعلانى المقزز للنفس كان هو الدافع الرئيس لآلاف الفلسطينيين فى الكويت الذين تعاونوا مع قوات الاحتلال ضد مضيفيهم الذين أكرموهم ونعموهم وفتحوا لهم أبواب الوطن الصغير, فى الوقت الذى اجتمعت الدبلوماسية الكويتية ووسائل الإعلام فى الديرة على جعل قضايا الكويت هموما ثانوية مقارنة بقضايا ونضال الفلسطينيين.
وهو الدافع لخروج الالاف في مظاهرات حمقاء غوغائية تجوب شوارع الجزائر ووهران والرباط وتونس وطرابلس الغرب وصيدا وغزة والعقبة ونواكشوط ومقديشيو وعدن تطالب شيطان بغداد بالاحتفاظ بالكويت المحتلة (أو تراب الوطن العراقى الأم وفقا لبيان اتحاد الكتاب التونسيين الموحى لهم به من سيدهم زين العابدين بن على)!
هذا الفكر الأحمق يرى الخليجيين فى مرتبة أدنى من عرب المشرق, ويكاد يعترض لولا بقايا من حياء على اكتشاف آبار نفط فى هذه المنطقة رغم أن الأكثرية من أبناء الشعب العربى ظللهم نفط الخليج بحمايته, وحفظ لهم كرامتهم, وأقام لهم مشروعات ومستشفيات ومدارس ودورا ثقافية.
وإذا كانت هناك تصرفات سفيهة واهدار للأموال العامة والخاصة من بعض الخليجيين, فإن الواقع يشهد أن عرب النفط خارج دول مجلس التعاون الخليجى هم الذين أهدروا ثروات بلادهم مابين المشروعات الفاشلة والفساد والحروب الأهلية وتهريب الأموال وبين تبذير أبله وسفيه من الزعماء أنفسهم ودون رقابة شعبية أو برلمانية!
أين ذهبت ثروات العراق منذ تولى شيطان بغداد الحكم ؟
ألم يجعله التهور والعدوان والغطرسة فى اتخاذ القرار الأوحد مدينا فى أقل من ثمان سنوات هى عمر ما أطلق عليه اسم القادسية الثانية ؟
وبعد إنتهاء الحرب المسعورة بعامين بدأ أمَ المعارك ليدخل تحت وصاية دولية أمريكية يكاد الاستعمار التقليدى يتوارى خجلا منها ؟
هل هناك فى الجماهيرية كلها من السلوم إلى العزيزية, ومن غدامس إلى خليج سرت رجل أكثر سفاهة فى التعامل مع ثروات شعبه من قائد ثورة الفاتح رسول الصحراء ؟
كان من الممكن أن تصبح ليبيا جنة شمال أفريقيا, ونموذجا لدولة الرفاهية والأمن والسلام والتى لا يتهددها خطر خارجى أو من الجيران, لكن ديكتاتور ليبيا, كغيره من المستبدين, أنفق خيرات شعبه على الإرهاب والحركات الثورية المشبوهة وعلى المداحين والمنافقين, وقام بتخدير شعبه بمئات المؤتمرات الفكرية التى يقوم عليها لصوص محترفون ينفخون فى القائد فتنتفخ جيوبهم!
ومنذ عام تسعة وستين إلى الآن أهدر العقيد مئات المليارات من الدولارات وكأنه ينتقم من شعبه, ويقسم أنه سيجعله فى ذيل قائمة فقراء القارة السمراء .
أين ذهبت أموال نفط الجزائر ؟
ألم يتحول بلد المليون ونصف المليون شهيد إلى أكبر طارد للعمالة الشبابية العاطلة عن العمل ؟
فى أقل من عشرين عاما تحول هذا البلد المناضل العظيم والأكثر ثراء فى شمال أفريقيا, نفطا وغازا وثروات أرضية ومعدنية وكفاءات علمية وأرضا واسعة وشواطئ ساحرة, إلى ساحة حرب أهلية, ومقبرة لمئات الآلالف من أبناء الشعب الذين سقطوا فى إقتتال دموى قذر دار بين الباحثين عن السلطة والمتمسكين بها, فوقع شعبنا الجزائرى بين فكى مافيا العسكر وقسوة جماعات التطرف الدينى.
وأصبحت الجزائر الغنية مدينةَ أشباح, ومدينة بمليارات لمصارف عربية وأجنبية!
أليس فى مصر نفط أيضا ؟
ألا يشكل هذا النفط مع تحويلات ملايين المصريين فى الخارج ودخل قناة السويس والسياحة والثروات المعدنية وعبقرية المكان ثروة كان من الممكن أن تصبح مصر بها دولة رفاهية ؟
ألم يأكل الفساد والنهب والمشروعات الفاشلة وحيتان المال الجدد والطبقة الطفيلية التى تمت صناعتها فى أقل من ربع قرن خيرات هذا البلد العظيم ؟
ألم يبدد مغامرو السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات أموالا طائلة على مدى عشرين عاما, وسرق المقامرون ذوو الياقات البيضاء والقادمون من المنفى أموال شعبهم تماما كما كان المغامرون والقراصنة الأوروبيون يفعلون عندما يهبطون جزرا نائية, وينهبون خيرات سكانها الأصليين ؟
ومع ذلك فقد شكلت دول مجلس التعاون الخليجى طوقا أمنيا ماليا تولى حماية الأردن والفلسطينيين ومصر وسوريا وتونس والمغرب والسودان واليمن والصومال وموريتانيا ولبنان. وفتحت دول الخليج النفطية أبوابها أمام العرب الهاربين إما من فقر بلادهم أو من فساد عَمَمَه لصوص العسكر والقطط السمان.
وكلما وليت وجهك فى دول المشرق العربى الذى يحتقر الخليجيين وجدت قوافل الخير الخليجية تمسح دموع أشقائها الذين يبصقون على هذه الأيدى الطاهرة, وتغدق عليهم من أموال أبنائها واحتياطات أجيال قادمة, فيزداد إزدراء الفقير للغنى!
معادلة غير متوازنة, وفهم سقيم لعلاقة غير صحية يظن معها العربى المشرقى أنه أرفع شأنا وأعمق فكرا وأكثر تحضرا وتمدنا من شقيقه القادم من الدوحة أو الكويت أو الشارقة أو الدمام أو صلالة أو المنامة!
فى الوقت الذى يتنفس المثقف المشرقى خليجيا, وتفتح الصحف والمجلات والدوريات والفصليات صفحاتها لأقلام المفكرين والمثقفين والإعلامين الذين قصفت أقلامهم أحذية العسكر فى بلادهم أو تفسيرات قوى التطرف الدينى لكلماتهم, تلتصق بذهن هذا المشرقى العربى صورة مشوهة ومريضة ومتخلفة عن الغترة والدشداشة والنفط والثروة والصحراء, وهو لايختلف فى الحقيقة عن الأوروبى الذى يتعرف على العربى من خلال رواية ألف ليلة وليلة ووصلات الرقص الشرقى ورؤية لورانس العرب لهؤلاء القوم.
لا يوجد مثقف عربى غير خليجى إلا وهو مدين لدول الخليج العربى بشئ ما, قد تكون صفحات مطبوعة فتحت ذراعيها له عندما ضاقت عليه الدنيا بما رحبت, وربما مساهمة مالية فى معهد أبحاث, أو مكتبة علمية, أو معمل حديث هدية من مؤسسة خليجية, أو جائزة تقديرية تشجيعا من الدكتورة الشاعرة سعاد الصباح, أو علاجا فى مستشفى على نفقة أحد شيوخ الخليج....
والخليجيون الذين تم إستغلالهم وإستنزافهم وابتزازهم منذ ظهور الذهب الأسود لم يفقدوا بعد الثقة بالوطن العربى وبأمتهم وبدينهم وبأبناء العروبة.
ولا تزال فنادق الخليج كلها مليئة بضيوف دول مجلس التعاون, ينهلون من خيرات بلدانها, ويبحثون عن حلول إقتصادية لمشاكلهم, ويقدمون مطالبهم لمؤسسات خيرية أو دينية أو إعلامية أو ثقافية, فيكرمهم الخليجيون حتى لو شعروا أن وراء الطلب شبهة استغلال.
ويمنع الحياء الخليجيين من مصارحة ضيوفهم حتى لو ظهرت بوضوح على وجوه الضيوف العرب أنياب بدلا من أسنان بيضاء لامعة وابتسامة جميلة.
وتشهد فواتير الإقامات فى فنادق الخليج كلها على الخلل الغريب والمزعج بين مضيف خليجى متمدن وأكثر حياء من العذراء, وبين ضيف يظن أن أموال الخليجيين حلال له, سواء دخلت جيبه طواعية أو ابتزازا أو مكرا أو بعد تقديم طلب مزور لمشروع وهمى.
ولا يزال خليجنا العربى يمنح ويعطى ويستقبل فى كل يوم ملوكا ورؤساء وزعماء وحزبيين ومفكرين وإعلاميين يبسطون أمام الخليجيين مطالبهم, ويبسط الخليجييون أمامهم أيديهم بكل الخير والعفة.
رفيق الحريرى الذى يملك مليارات جاء إلى الكويت ليبحث عن دعم مالى للبنان فوجد تفهما وترحيبا كأن الكويت لم تمر بأزمة مالية, والأمير سلمان أمير منطقة الرياض مهموم ومشغول بأهالى فلسطين وجمع التبرعات لهم وإرسالهم دون أن يمن عليهم بكلمة واحدة تجرح مشاعر أسر الشهداء, والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يعلم جيدا, وهو المحنك والمتمرس فى الحكم, أن اطلاق إسم الشيخ زايد على أى مشروع, ترعة أو مجمع عقارى أو مؤسسة وهمية أو قاعة إجتماعات أو ملحق خاص بإحدى المطبوعات لا يعنى أن شبهة الإستغلال غير متوافرة, لكنه يأمر مؤسسة زايد الخيرية بأن تمد يد الخير فورا لصاحب المشروع!
والملك عبد الله بن الحسين لا تحمل أسرته مشاعر مودة لدولة الكويت, لكنه لا يتردد فى زيارتها لمدة ساعات معدودة لحل مشكلة اقتصادية أو طلب رفع الديون عن المملكة الهاشمية.
وعندما ضرب زلزال أكتوبر عام اثنين وتسعين مصر, قامت دولة قطر بتوجيهات من أميرها بإقامة حفلات تحت إسم (فى حب مصر) لجمع تبرعات لضحايا الزلزال, وهى الأموال التى لم تعرف طريقها للمنكوبين إلا قليلا!
وفى سلطنة عمان يكبر الحياء فى قلوب ونفوس العمانيين فلا تستطيع أن تلتقى بعينى العمانى عندما يمنح وأنت تتلقى, بل ان الزائر أو الضيف يشعر أنه فعلا صاحب الدار, يأمر ويطلب وعلى العمانيين التنفيذ الفورى.
الخليج العربى صورة متخلفة فى عقول المرضى من أبناء شعبنا العربى والمتغطرسين والمتكبرين, ولا ننسى الجاهلين بأمور وقضايا وهموم وتراث وفنون وثقافة وعلوم هذه المنطقة الدافئة من وطننا العربى.
لو أن وقوف ودعم الفلسطينيين لقوات الإحتلال العراقية حدث فى بلد عربى آخر غير دول مجلس التعاون الخليجى, فربما كنا نقرأ الأن عن أكبر مذبحة يقوم بها نظام حكم بدعم من شعبه وأجهزة القمع ضد الضيوف الفلسطينيين!
عندما صدر كتاب (هذا الزمان ... غربة المصرى ومهانته) للصحفى حامد سليمان, ازعجنى كثيرا, وقمت بالرد عليه فى حينه, فهو نموذج للفكر العربى المشوه والمزيف للواقع الخليجى, وأيضا تجسيد لجهل المثقف بتراث وعادات وتقاليد المواطن الخليجى.
إنه يؤكد فى كتابه الركيك بأسلوب بدائى على أنه جاء إلى الخليج لتحسين وضع اقتصادى فهو سليل حضارة إمتدت لاف السنين, وسخر كثيرا فى صفحات كتابه من الملابس الوطنية الخليجية واعتبرها مشابهة لملابس البيت أو النوم فى دول عربية أخرى.
وقضى صاحبنا أكثر من عشر سنوات فى الكويت ولم يتعرف على طبائع الشعب الكويتى وثقافته وتاريخه, فالأمر لا يعدو كونه اضطرار المتحضر للعمل لدى المتخلف الذى انفجرت من تحت قدميه آبار النفط فأصبح ثريا بغير جهد أو عمل.
هذه هى بإختصار علاقة العربى بأبناء الخليج التى لن تستقيم قبل أن تبدأ المبادرة من المستكبر نفسه, ويسعى للتعرف على حقائق ووقائع وايجابيات المنطقة.
منتدى الفكر العربى الذى كان يترأسه الأمير الحسن بن طلال فى العاصمة الأردنية تلقى الدعم المالى الكامل من دول الخليج, وكانت ألسنة القائمين عليه لا تتوقف عن تقديم الشكر العميق لأبناء الخليج ودورهم الكبير فى الثقافة العربيةالراهنة, فلما غزت القوات العراقية بلدا خليجيا, كان الأمير الحسن بن طلال والدكتور فهد الفاتك متعاطفين تماما مع الاستبداد و الاحتلال واحلال جمهورية الخوف التكريتية مكان ما اطلق عليه لاحقا ديكتاتور ليبيا العقيد معمر القذافى (الدول الخليجية الورقية)!
لماذا لا تتوجه مشاعر الحسد والغل والكراهية الى الدول العربية الثورية(!!) التى تملك أيضا النفط والمال مثل مصر وليبيا والجزائر والعراق, وقريبا اليمن والسوان ؟
لماذا يجهل المثقف العربى أسماء الشعراء والعلماء ومراكز البحث العلمى والفكرى والاستراتيجى والأدباء والإعلاميين والمحللين الخليجيين ؟
ببساطة شديدة لأنه يحمل معه فى علاقته مع الخليجيين مرآة يرى فيها نفسه فقط, فإذا جاوزها فلا يسمع غير رنين المال وحفيف أوراقه, ويعيش سنوات طويلة يعمل فى أكثر من مكان, ويدخر, ويبخل على نفسه وأسرته, ولا يبادر لتعميق علاقة صداقة أو زمالة مع خليجى فهما من عالمين مختلفين.
أعلامى عربى كان يغطى أخبارا لمؤتمر قمة خليجى, فلما اختلف فى أمر بسيط مع مسؤول العلاقات العامة فى البلد المضيف, صاح وعاتب وانتقد بأنه جاء لتعريف العالم بهذه المنطقة المجهولة وشعبها وقضاياها, وينبغى أن تتم معاملته وفقا لتمدنه وتحضره!
فى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب الذى أشرت إليه كان العرب شبه غائبين أو مغيبين عن هذا العالم الغريب عليهم, أى الكتاب والنشر والثقافة, واختفت تقريبا معظم دور النشر العربية, وفى المقابل تفوقت الكويت والامارات في نشر انتاجات الثقافة العربية دون تمييز بين عربى مشرقى أو مغربى أو خليجى.
إن اطلالة واحدة على مركز البحوث والدراسات الكويتية والمعاهد العلمية والثقافية والفكرية والاستراتيجية فى الخليج برمته, والفضائيات والمعارض الفنية والتشكيلية, والدوريات والفصليات مثل (عالم الفكر) و(الفكر المعاصر) و(البيان) و(نزوى) و(العربى) و(الدارة) ومئات غيرها من المطبوعات الجادة والرزينة والمتطورة تعبر عن الدور الذى يقوم به خليجنا العربى بأبنائه ويجهله متعمدا المثقف فى عالم تعلم فيه وتلقى دروس الاستعلاء والفوقية الحمقاء, ومشاعر الكبر بأن صاحب الحضارات العريقة التى تمتد من دجلة والفرات والنيل والليطانى وطبرية والأزرق والأبيض وبحر الغزال والنهر الاصطناعى العظيم.
الخليجيون فى الحقيقة أكثر تمدنا وتحضرا من عرب المشرق والمغرب على حد سواء بمقياس نحن نراه عادلا ونزيها.
فعدد المعتقلات والسجون فى عالمنا العربى, خارج دول مجلس التعاون الخليجى, يفوق عدد المراكز والمعاهد العلمية والفكرية والجامعات.
ليس فى دول الخليج العربى كلها مجتمعة سجن ينزل ذِكْرُ اسمه الرعبَ فى القلوب كالجفرة الأردنى وأبو غريب العراقى وتزمامارت المغربى وتدمر السورى ومعتقل طره المصرى والجبل الأخضر الليبى ووهران الجزائرى وكل سجون تونس والسودان.
ومهما اشتدت انتقادات المثقف أو الصحفى أو الكاتب لأوضاع خليجية, فلم نسمع أن المخابرات الكويتية طاردت معارضا فى لندن, أو أن المخابرات السعودية قامت بتصفية كاتب عربى فى أثينا (مثل ميشيل نمرى رئيس تحرير النشرة الذى تم إغتياله فى أثينا), أو أن المخابرات العُمانية أو القطرية أو البحرينية تقوم بتصفيةالكلاب الضالة كما فعل العقيد معمر القذافى مع معارضيه !
ومع وجود نظام الكفيل فى العمل والقائم على إستغلال العمالة, ومع تكاثر عدد تجار الإقامات فى الخليج وهم فئة من البشر سقطت سهوا من نسل الشيطان فأطبقت على رقاب العمال الغلابة لتمتص دماءهم, ومع تفاوت الأجور المخيف بين الخليجى والأجنبى(باستثناء الأوروبيين ذوى الدماء الزرقاء والعيون الخضراء), فإن الخليج العربى يظل أكثر تمدنا وتحضرا من عالمنا العربى الذى يحتقر أبناؤه ومثقفوه واعلاميوه الغترة والدشداشة والغناء الخليجى الأصيل والفنون التراثية الراقية.
ومهما اشتد الصراع على السلطة فى أى بلد خليجى فإن هذا لا ينعكس على المواطن, ولا تستنفر اجهزة الإستخبارات, ولا يقوم الحاكم باستيراد أدوات تعذيب وهروات كهربية مطاطة.
أما التواجد الأمريكى فلم يكن له أن يعرف طريقه لولا عرب المشرق والمغرب الذين خرجوا بمئات الآلاف يؤيدون ابتلاع الكويت, ويرفعون صور أشد ارهابيى القرن قسوة بعد ستالين.
فالكويت حتى منتصف الثمانينات كانت تُفَضّل تَعَرُض ناقلات نفطها وبواخرها للخطر عن أن ترفع العلم الأمريكى, ثم جاء الثانى من أغسطس المشؤوم عام تسعين واختلطت الأوراق وبلغت القلوب الحناجر وبدأ عالم خليجى جديد تسببت فيه حماقة الاستعلائيين من العرب وقد اتصل بى أحدهم آنئذ وقال لى بأن الموقف الوطنى يستلزم منا الوقوف مع انتهاء الكويت من الخريطة العربية لأنها أصبحت جزءا من الدولة القومية الكبرى التى بدأت فى العراق !
نعم هناك تواجد أمريكى, وسباق على استضافة اليانكى, منهم من هو مضطر بسبب صدام حسين كالكويت, أو بسبب غطرسة القوة الإيرانية فى الثلاثين عاما المنصرمة كسلطنة عُمان, ومنهم من تبرع بالضيافة كدولة قطر ومملكة البحرين ودولى الامارات!
حتى الآن لم أقهم المقاييس التى يضعها عرب المشرق والمغرب جميعا لعمل تقويم بالتحضر والتمدن, ثم استثناء دول مجلس التعاون الخليجى واعتبارها فقط جمعيات خيرية عليه أن تلبى نداءات الاستغاثة والدعم للأشقاء العرب الآخرين!
هل التحضر والتمدن هو السلوكيات اليومية, وعدد الصحف والمجلات, والنسبة المئوية لعدد الأطباء والمدرسين والمهندسين والمحامين والمحاسبين مقارنة بعدد السكان ؟
هل هو نصيب الفرد من الكتاب والتغذية الصحية والارسال الاذاعى والتلفزيونى والعقارات والمتاحف وأماكن الترفيه ؟
هل هو نصيب الطفل من الفيتامينات والخضروات والفواكه وألعاب الأطفال والسيرك والملاهى والأدوات المدرسية ؟
هل هو مرتبط بعدد المخبرين ورجال الأمن وكمية الرقابة على المطبوعات ودور العبادة والسجون والمعتقلات ومنظمات الدفاع عن الحقوق ؟
هل هو وضع المرأة فى المجتمع وقيمة الرجل وتداول السلطة والانتخابات والتشريعات وصناديق الاقتراع والادارة السليمة ومكاتب البريد والمواصلات العامة والخاصة واسعار المحروقات وخدمات الطرق والنظافة والفاكس والهاتف ؟
هل هو الكمبيوتر والانترنيت وطلاب الجامعة مقارنة بعدد السكان والمكتبات ودور النشر والمدارس الأجنبية ومكاتب السفريات والقدرة الشرائية والادخار والسفر وعدد الخادمات والسائقين ؟
هل هو عدد الشعراء والمثقفين والكُتَّاب والمفكرين والفلاسفة ومدارس الطبخ ومعاهد التدليك وضرائب المبيعات والأحكام القضائية العادلة والسريعة وسلطات زعيم البلد ورقابة البرلمان واحترام الدستور ؟
قولوا لنا, يرحمكم الله, ما هو التمدن والتحضر والتقدم الذى تتحدثون عنه ويفصل عرب الخليج المتخلفين والمنحدرين من أهل الكهف عن عرب المشرق والمغرب ذوى الدماء الصافية التى ورثوها عن نابليون وشكسبير وأتاتورك والسلطان عبد الحميد والملكة نازلى وجلوب باشا وأسمهان ؟
لقد مضت على معرفتى وعلاقتى بالخليج عشرون عاما ما شعرت بدفء وعلاقات صحية ومودة وتحضر كما شعرت فى اى زيارة أو مراسلات أو محاثات هاتفية أو متابعات ثقافية وفكرية وإعلامية مع أبناء خليجنا العربى.
وقد آن الوقت الذى يتخلص فيه عرب المشرق والمغرب من هذه المشاعر البغيضة والعنصرية والطائفية والمتخلفة, وليقتربوا أكثر من خليجنا العربى لعل عمى الألوان يختفى, ويبدو لهم المشهد الحقيقى بسلبياته وايجابياته !
لو لم يأكل الفساد والنهب والاستبداد والزعامة المطلقة والتهريب والمخدرات والرشوة فى دول المشرق والمغرب الأخضر واليابس لما كانت هناك هذه النظرة الدونية القائمة على حسد وغيرة من تمتع شعوب دول مجلس التعاون الخليجى بكرامتهم وخيرات بلادهم رغم التبذير والاهدار بين الحين والأخر فى بناء قصر أو نهب استثمارات أو تبرع سخى لجهات فاسدة.
ولكن يظل الخليج العربى محتفظا بقيم ومبادئ ومفاهيم سلوكية وابتعاد قدر الامكان عن العنف والقسوة والعالم البغيض الخالى من اى حقوق مواطنية.
والتصفية الجماعية لمعارضى الزعيم العربى لا تثير انتباه الكثيرين فى دول المشرق والمغرب العربى, لكنها غير مقبولة اخلاقيا من السلطة والفرد فى دول مجلس التعاون الخليجى.
لقد اختطف الحسن الثانى المعارض أحمد بن بركة وتمت إذابته فى أحماض أسيدية على الطريقة التكريتية لشيطان بغداد, ووضع أمير المؤمنين عائلة بأطفالها الصغار لعشرين عاما فى أشد معتقلات العالم وحشية وقسوة, تزمامارات المغربى, وليبيا الثورية التى يرى زعيمها دول الخليج دويلات ورقية جعل من بلده سجنا كبيرا يخرج فيه المعذبون صباح ومساء كل يوم فى مظاهرات تأييد للديكتاتور, وتونس تئن كلها تحت حذاء الرئيس مدى الحياة, والجزائر يتسابق عسكريوها مع إسلامييها لذبح ودفن أكبر عدد من أبناء وأحفاد ثورة التحرير, ومصر تستعد لنقل السلطة من الرجل الأوحد إلى الرجل الأوحد دون انتخابات أو ترشيح أو الغاء القوانين العرفية, والمملكة الأردنية الهاشمية التى تعرف أجهزة استخباراتها عدد أسنان كل أردنى وفلسطينى و تنتصر فى معركة عسكرية ضد الغزاة, أى الأهالى المساكين فى مدينة معان, وسوريا قلعة النضال والعروبة لا تستطيع أن تتخلص من الحرس القديم وتغلق المعتقلات وتنهى عصر دولة الإستخبارات رغم وجود طبيب العيون الشاب والمستنير بشار الأسد, ولبنان المتحضر وسويسرا الشرق سابقا يعيش فوق صفيح ساخن, وتتنفس الطائفية تحت تراب أرضه ولو غنت فيروز له سبعين مرة باحبك يا لبنان, وعندما قامت الحرب الأهلية تحول اللبنانيون الى وحوش كاسرة, أما الفلسطينيون الذين ننحنى احتراما وتقديرا وتقديسا لأبطال انتفاضتهم المباركة, فإن غزو العارق للكويت قام بتعرية مشاعر التمدن الزائفة فتسابقوا على التعاون مع الغزاة ضد مضيفيهم الكويتيين.
يجب أن تنتهى اسطورة التفوق والاستعلاء والتحضر التى ينظر من خلالها عرب المشرق والمغرب إلى الخليجى, أو أبى جهل وفقا لتعبير نزار قبانى, رحمه الله.
إننى أتحدى أى عربى مشرقى أو مغربى واحد يقول بأنه ليس مدينا ثقافيا أو ماليا, مباشرة أو عن طريق دولته لأبناء وثروات وخيرات ومفاهيم وقيم ومبادئ خليجنا العربى, أم على قلوب أقفالها ؟

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://www.tearalshmal1984.com
[email protected]
[email protected]
Fax: 0047+ 22492563
Oslo Norway



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس حسني مبارك .. وهل هناك غيرك؟
- المخابرات النرويجية تراقب المخابرات النرويجية
- لماذا يحكم ياسر عرفات شعب الجبارين؟
- تركيب الصور تزييف إعلامي
- أيها الصحفيون العرب: تمردوا
- هموم المغتربين
- وستفيض دموعهم لنصف قرن قادم ... رسالة شكر من مبارك الثاني إل ...
- دموع المصريين تفيض على ضفتي النيل .. رسالة مطوية من مبارك ال ...
- المغتربون العرب والإيدز العصبي
- الموت البطيء بالأمر السامي .. مخالب أمير المؤمنين
- أمريكا .. شيكا بيكا
- صناعة العبودية .. لماذا يحتقرنا الرئيس حسني مبارك؟
- لماذا يحتقر الرئيس الأمريكي الزعماء العرب؟
- البشرة البيضاء للعنصرية
- السلطات السعودية تحارب في المكان الخطأ .. تفريخ الارهاب صناع ...
- هل الخوف والصمت والبلادة صناعة عربية؟
- من الذي يسرق البحر في مصر؟ .. بكائية على أوجاع وطن
- اعترافات جاهل بالشعر العربي الحديث
- كل الجزائريين يبكون، فمن القاتل؟
- من الأكثر ولاء للوطن .. المواطن أم مزدوج الجنسية؟


المزيد.....




- مجلس أوروبا: ألمانيا لا تفعل ما يكفي من أجل حقوق الإنسان
- واشنطن بوست: المجاعة تضرب غزة والكارثة أكبر إن لم تتوقف الحر ...
- غرق مئات خيام النازحين نتيجة الأمطار والرياح الشديدة في غزة ...
- برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن المجاعة في شمال غزة “وشيكة ...
- غرق مئات خيام النازحين نتيجة الأمطار والرياح الشديدة في غزة ...
- نتنياهو يستبعد غانتس من مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى
- عهد جديد للعلاقات بين مصر وأوروبا.. كيف ينعكس على حقوق الإنس ...
- -إسرائيل اليوم-: نتنياهو يستبعد غانتس من مفاوضات الهدنة وتبا ...
- ماسك يوضح استغلال بايدن للمهاجرين غير الشرعيين في الانتخابات ...
- سفير فرنسا في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء فوري للحرب على غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - هل الخليجيون متخلفون؟