أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - يحيى سليم ابو عودة - الدولة القومية العربية محاولات البناء والتحديات















المزيد.....



الدولة القومية العربية محاولات البناء والتحديات


يحيى سليم ابو عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 17:58
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


مدخــــــــل:
كان أهم ما يشغل الرواد العرب في نهاية القرن الثامن عشر هو محاولة التمييز بين الرابطة الدينية والرابطة القومية بسبب الوقوع تحت الولاية العثمانية ,الخلافة , وعدم جواز الخروج عنها ,دينيا وعن محيطها السياسي .
ومع سقوط الدولة العثمانية لم تعد هناك الرابطة الدينية التي شدت العرب على حساب الرابطة القومية وعليه تحول كثير من المفكرين والمهتمين بإعطاء الأولوية لفكرة القومية العربية وانتشرت تلك الأفكار في أعقاب الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو وتقسيم المنطقة العربية وتجزئتها وتوزيعها بين المستعمر الانجليزي والفرنسي . وان اختلفت الأفكار حول شكل تلك الدولة القومية هل تكون دولة متحدة وموحدة أم دول متعددة مرتبطة باتحاد ومن سيقود تلك الدولة هل هم الهاشميون أم غيرهم . وظلت تلك الأفكار تراود المفكرين العرب الداعين للقومية العربية طوال المرحلة الأولى قبل وأثناء الاستعمار الغربي ، إلى أن استقرت الحدود السياسية بين الدول العربية بفعل اتفاقيات دولية ومحلية وبرز الهم والوطني – القطري – كأولوية على صعيد النضال من أجل الاستقلال .

ولعل من أوائل بوادر يقظة العرب كان مانشره نجيب عازروي قبل أكثر من مائة عام في كتابه يقظة العرب ومقاربة مفهوم الوحدة العربية في مقابل ظهور الاستيطان اليهودي في فلسطين ، حيث نبه نجيب عازوري في كتابه من نوايا اليهود بإقامة دولة لهم في المنطقة العربية – فلسطين – ولم ينادي الإمبراطورية العثمانية في حينه بل نبه العرب إلى هذا الخطر القادم .

وبعد أكثر من مائة عام هل تنبه العرب لما كتبه نجيب عازوري وهل استطاع المتثقفون والساسة أن يجيبوا على تساؤلات المائة عام السابقة ، وما هو الفرق بين عام 1905 و2009 على صعيد الأمة العربية .





مقدمــــة الدارســـــــة :
مثلت القومية العربية منذ بداية ظهورها وحتى أوائل السبعينات مشروعا عربيا كفاحيا يهدف إلى وحدة الأمة العربية " وقد تنامي هذا الفكر من خلا تصارعه مع المشروع الصهيوني واحتلال فلسطين عام 1948 مما جعل المشروع العربي القومي مرتبطا بحالة الكفاح والصراع مع الكيان الإسرائيلي القائم . وهذا ما وحد المشاريع القومية تحت هدف واحد وهو تحرير فلسطين ووحدة العرب.
ولكن سرعان ما تهاوت هذه المشاريع حين تلقت الضربة لأولى في نكسة حزيران 1967 تلاها ظهور قوة البترودولار الخليجية في 1973 ومن ثم اتفاقية كامب ديفيد 1979 والتي شهدت طلاقا واضحا للقومية والنزاع نحو القطرية وتحقيق مصالح القطر – الدولة – واستمرت الأوضاع بالتدهور حتى ظهرت المشاكل الاثنية والانفصالية ومشاكل الهوية والحروب الأهلية لتشهد البلاد العربية مزيد من التمزق والتدهور والتأخر وتطفو على السطح العديد من الإشكاليات والنزاعات و الصراعات بين الأقطار العربية التي قسمت لمحاور وتحالفات مختلفة أبرزت تدهور المشروع الوحدوي العربي من جانب وأظهرت أزمة الدولة الوطنية من الجانب الآخر .



إشكالية الدراسة :
ستحاول الدارسة البحث في إشكالية النزوع نحو الدولة القطرية على حساب مشروع الدولة القومية ولماذا لم تتبلور الحركة القومية العربية بوضوح طوال مائة عام من النضال .

تساؤلات الدراسة :
ستحاول الدراسة الإجابة عن تساؤل رئيس يتمثل بــ :
هل كان هناك مشروع قومي عربي حقيقي طوال فترة الاستعمار والاحتلال أم كان مجرد ترف فكري منذ مائة عام .
وينبثق عن هذا التساؤل تساؤلات فرعية أخرى تتمثل بالتالي
- هل شكلت الوحدة المصرية السورية بوادر مشروع قومي عربي .
- هل النزوع للسلطة كان سببا في نزاعات وخلافات التيارات القومية .
- مدى تأثير البحث عن الدولة القومية العربية على الدولة القطرية ومستقبلها .
- هل استطاعت القومية العربية التخلص من الإرث العثماني طوال فترة نضالها .
- ما مدى تأثير حرب الخليج الثانية على فكرة المشروع القومي العربي .
- في ظل الاوضاع الراهنة وبروز الإسلام السياسي بقوة على الساحة هل تتقبل المجتمعات فكرة الدولة القومية .
- ما هي التحديات التي تواجه الدولة القومية .
- هل النظام الجديد – العولمة – يسمح بعودة الدولة القومية .
فرضيات الدراسة :
في ضوء الأوضاع الراهنة تفترض الدراسة أن عودة المشروع القومي العربي يكتنفه صعوبات حقيقية ستقف عائقا أمام نهضته من جديد وأن النزوع نحو الدولة و حمايتها هو الإستراتيجية الرئيسية التي تحكم العرب قادة ومفكرين ، ومن جانب آخر تفترض الدراسة أن النظام العالمي الجديد والعولمة بتحدياتها تستطيع إن تحتوي المشروع القومي العربي ، كما تفترض الدراسة أن الأوضاع الراهنة وطبيعة الأنظمة العربية فرضت هموم ومشاكل جديدة تتعلق بالموطنة والحدود والسيادة والهوية والتي تجعل مشكلة الدولة القطرية أهم بكثير من إشكالية الدولة القومية العربية .
أهمية الدراسة :
تأتي الدراسة في محاولة متواضعة لتسليط الضوء على الهموم والتحديات التي تواجه العرب وموقع الدول العربية في النظام العالمي الجديد وما جدوى الوحدة العربية في مواجهة تحديات العصر ، ومع كثرة الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع إلا أن إثارتها دوما ضرورة حيوية وذلك لحجم التحديات الهائلة والمهام الثقيلة التي تقع على كاهل كل عربي مواطن أو مفكر أو قائد .
ستتوزع الدراسة عدا الخلاصة والتقديم إلى فصلين ، الفصل الأول يأتي في التعريف والتحديد لمفهوم القومية وكذلك لمفهوم القومية العربية ويتناول نشأتها وتطورها لدى المفكرين العرب ولدى القادة العرب إلى عام 1948 مستعرضا المحطات الهامة التي ظهرت فيها القومية العربية في التاريخ العربي بان عهد الإمبراطورية العثمانية سواء عبر الحركات أو الأحزاب السياسية العربية التي ظهرت قبل وبعد الاستعمار الغربي في المنطقة .
أما الفصل الثاني فيستعرض مراحل القومية العربية بعد عام 1948 وذلك لارتباط المشروع العربي بعامل جديد يتمثل باحتلال فلسطين وكذا الإخفاقات التي وقعت فيها القومية العربية ومشاريع الوحدة وأسباب المشروع القومي العربي وكذا التحديات الراهنة التي تواجه الدولة القومية .


الفصــــــل الأول
القومية التعريف والتحديد :
تجمع الدراسات والأبحاث المتعلقة بالقومية إلى أن هناك اختلافا على تعريفها وتحديدها . ويعود هذا الاختلاف إلى أن القومية ليست ظاهرة جامدة فهي من ظواهر المجتمع ولها علاقة بالتاريخ وبصلب الحياة اليومية وهي ظاهرة متجددة ومرتبطة بالصراع السياسي ، فالمصالح السياسية تنتج تفسيرات متباينة وبالتالي اتجاهات مختلفة ، الباحثين لم يتوقفوا بعد على عوامل تكوين الأمم ليتوقفوا على تحديد القومية وعلى الرغم من هذه الإشكالية فإن الموسوعة الفلسفية العربية تقدم نماذج من التعريفات للإحاطة بالمفهوم .
حسب سنايدر " هي حالة عقلية ،شعور أو عاطفة لجماعة من شعب تعيش ضمن إطار منطقة جغرافية محددة حيداً ويتكلمون لغة مشتركة ويتعلقون بتقاليد مشتركة في بعض الحالات لهم دين مشترك .
وهي كما يرى جون بلميناتز " Plamenatz " الرغبة للمحافظة على الهوية القومية أو الثقافية لشعب أو تعزيزها عندما تكون هذه الهوية في خطر أو الرغبة في تحويلها أو حتى خلقها عندما يكون هناك شعور بأنها عاجزة أو قاصرة .
ويقول عبد العزيز البسام في بحثه حول القومية الظاهرة والمفهوم " أن القومية باعتبارها ظاهرة اجتماعية ي في صورتها العامة ما ينشأ بين جامعة من الناس من روابط تؤلف بينهم وما يتولد عن هذه الروابط من عواطف الولاء والارتباط بالجماعة ومن أعمال ترمي إلى المحافظة على كيات تلك الجماعة واستمراره ، والقومية باعتبارها مفهوم عقلي هي في صورتها العامة ما ينشأ في الذهن من معان لدى تأمل تلك الروابط بين تلك الجماعة .
أما هانس كون فيعرفها " هي أحدى القوى المحدودة الفعالة في التاريخ الحديث ويعود أصلها إلى القرن الثامن عشر في ارويا وانتشرت خلال القرن التاسع عشر إلى أرجاء ارويا كافة وأصبحت في القرن العشرين حركة ذات نطاق عالمي وتزداد أهميتها في آسيا وأفريقيا غير أن القومية ليست هي نفسها في الدول جميعا وفي الأزمنة كافة ،أنها ظاهرة تاريخية وهكذا فإن الأفكار السياسية والبنى الاجتماعية للبلدان التي تنشأ فيها هي التي تحددها .
ومع اختلاف التعريفات الأجنبية والعربية في تحديد معنى المفهوم إلا أن المقاربات حولها تحدد بالتالي : -
أن مجموع الأفكار السياسية والبنى الاجتماعية وفي ظروف مختلفة تقود إلى تعريفات مختلفة ، وأن تحديد المعنى يرتبط بفهم الظروف والزمن الذي نشأت فيه الفكرة وبكل الأحوال فالفكرة هي في الذهن كحالة عقلية يعيشها الفرد تجاه مجموعة من البشر لهم خصائص مشتركة . واختلاف التعريفات يأتي باختلاف بلاد الباحثين والمفكرين واختلاف الظروف التاريخية .

مفهوم القومية العربية وتداخله مع الدين..........

إن الخلط و الاختلاف الذي ساد المجتمعات الغربية في ظهور فكرة القومية والتفسيرات المختلفة لنظرياتها وعوامل ظهورها لا تنطبق على الأمة العربية ، مع أن كثير من المفكرين عالجوا قضية الأمة العربية من المنظور الغربي لفكرة القومية ونشوءها وبهذا الصدد يقول ميشيل عفلق
" إن اصطلاح القومية العربية في استعماله الشائع اليوم هو خليط من الأفكار والاتجاهات السياسية والعواطف ومن رواسب وانحرافات سلبية وإيجابية جعلته بعيدا عن المعنى الصادق الخلاق الذي يوحي به ، بحيث نرى القومية تارةً مرادفة للتعصب والتوسع وتارة أخرى مقيدة في أغلال من العنصر أو الدين أو التاريخ أو مساوية للوحدة ورفض التجزئة .
ويحاول عبد العزيز الدوري تعريفها بالتالي " القومية العربية قوة ظاهرة من ظواهر الوعي العربي وقد نشأت نتيجة عوامل متعددة أهمها الوعي الإسلامي حيث يظهر أن العرب أصل الإسلام وأن إصلاح أساسي المجتمع الإسلامي لا يتم إلا بنهضة العرب ووحدتهم ، الوعي العربي الذي يستند إلى بعث اللغة أو الأدب العربي وإلى فهم ماضي العرب والاعتزاز به .

إن تحديد مسألة القومية العربية كمفهوم تختلف بالمطلق عن تحديد القومية الغربية فكما ذكرنا سابقا أن تحديد المعنى يرتبط بالخصوصية والظروف التاريخية التي عصفت بالمجتمعات . ولا شك أن المجتمع العربي له خصوصية واضحة تنبع من ارتباطه بالخلافة العثمانية لفترة طويلة جدا كادت تقضي على هويته العربية ضمن هوية الخلافة العثمانية ،أرى أن المجتمع العربي وخلال مراحل تطوره كان يمر بخصوصية شديدة التعقيد ومرتبطة بتطور أو تخلف دولة الخلافة التي تقوده ، وهذا يحدد بأن القومية العربية يجب أن تفهم في سياق العملية التاريخية التي مرت بها المجتمعات العربية طوال قرون عديدة .
ونستطيع أن نلخص بأن القومية العربية كما يقول في هذا السياق د.سعدون حمادي " أنها مثلت نزعة الكيان العربي للتميز عن الكيان العثماني وإن تباينت في أشكال التعبير . ذلك التميز الذي كان بكل الأحوال يمثل يقظة الوجدان والشعور الخاص بالذات ، وقد كانت عوامل ذلك التفاعل الذي أدى إلى هذا الشعور عربية داخلية في أساسها لم تكن مستوردة من الخارج ، أي أنها لم تأت عن طريق الاقتباس من الأمم الأخرى .
وحتى تستند الدراسة إلى مفهوم واضح لتحليل أبعاد الفكرة القومية من زاوية ظهورها والتحديات الراهنة التي تواجهها فستلجأ الدراسة إلى تحديد ما ذهب إليه عز الدين ذياب في مقدمة كتابه التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام في الوطن العربي بتحديد التيار القومي وبالتالي :-
"عرف التيار القومي بأنه الأحزاب والجماعات والمنظمات التي أمنت بوحدة الأمة العربية والتحرر من تخلفها الذي طال أمده وخلاصها من الاستعمار والتجزئة القومية .
ظهور القومية العربية –النشأة والتطور-
لم تكن القومية العربية في بداية نشوئها تمثل حركة واضحة وبارزة المعالم والأهداف ولكن الصيرورة التاريخية التي رافقت المجتمعات العربية استطاعت أن تترك أثرًا في التاريخ يوضح
معالم القومية العربية أو العروبة أو الهوية العربية ، فمجموعة العوامل الاجتماعية والسياسية والتاريخية التي عصفت بالمنطقة في القرن التاسع عشر أبرزت على الأقل هوية ثقافية لمجموعة العرب في المنطقة و إن لم تكن تلك الهوية منظمة أو تدار من قبل مجموعة من القادة إلا أنها أظهرت تمايزا عن الجماعات الأخرى ، وكما أشرنا سابقا فإن هذا التمايز كان ضرورة في ظل الانصهار بالإمبراطورية العثمانية , ولو أن المحاولات العربية في تلك الفترة كانت مرتبطة بفكرة إحياء وإصلاح أسس الخلافة الإسلامية وتطبيقاتها .
الواضح من التاريخ أن الوطن العربي أدمج تدريجيا بين عامي 1516-1674 ضمن الإمبراطورية العثمانية واستمر هذا الدمج حتى أوائل القرن العشرين مع ظهور الاستعمار الغربي وتقسيم الوطن العربي بحدود سياسية بين انجلترا وفرنسا .


يشير الدكتور يوسف شويري أن القومية العربية نشأت من الإصلاح العثماني والأنماط الأوربية والحضارة العربية وبالتالي نشأ خلال مائة عام بين عامي 1800-1900 شعور بالعروبة الثقافية وتعزز في الأقطار العربية التي كـــانت مســــرحا مباشــراً للإصلاح العثمــاني أو التوســـع الاوروبى
أي بمعنى أن مجموعة من الأحداث خلال تلك الفترة سهمت بشدة في ولادة العروبة ولو على الأقل بهويتها الثقافية ، إضافة لظهور نخبة عربية متحمسة بحثت موضوع العروبة والقومية العربية بغرازة أمثال ساطع بحث العروبة والوحدة في ظل ضعف الدولة العثمانية وفساد إدارتها ،وجاءت كتاباتهم محاولة للتأكيد على الهوية الثقافية العربية التي تحمل خصائص محددة تتميز عن باقي الأقوام في الدولة العثمانية .
ولعل أبرز ما عزز الشعور العروبي في الفترة الأخيرة من عهد الإمبراطورية العثمانية هو ظهور الهجرات اليهودية وبشكل منظم عما كانت عليه في السابق بدأت الهجرات اليهودية المنظمة إلى فلسطين عام 1882 ويصف الباحثون تلك الفترة 1882-1903 بموجة الهجرة اليهودية الأولى حسب ما ورد في كتاب الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وتصنف تلك الموجة بأنها الأساسي لاستعمار الاستيطاني في فلسطين .
وفي هذا السياق كتب نجيب عازوري في كتابه يقظة العربي عام 1905 " أن هناك حادثان هامان من طبيعة واحدة ولكنهما متعارضان وهما يقظة الأمة العربية والجهد اليهودي الخفي لإنشاء مملكة إسرائيل القديمة من جديد وعلى مقياس أوسع وإن مصير هاتين الحركتين هو الصراع المستمر إلى أن تغلب إحداهما الأخرى .
من جانب آخر لعب التغلغل السياسي والاستعماري الأوربي في الوطن العبي دورا مهما في تعزيز القومية العربية والشعور بالعروبة خاصة في ظل ضعف الإمبراطورية العثمانية عن الدفاع عن الوطن العربي أو حتى الوطن الإسلامي ، وهذا ما يدعو لملاحظة أن أوائل المفكرين العروبيين دمجوا بين فكرة العروبة والإسلام لأن الوطن الذي يتعرض للاستعمار والغزاة كان مصنف ضمن ولايات إسلامية للإمبراطورية العثمانية ، ففي حين تغلغل الاستعمار الفرنسي في الجزائر وتونس ومراكش وكذلك بريطانيا في عدن واحتلال مصر 1882، وكذلك خلق شعورا قويا بإحياء العروبة التي تاهت في ظل الإمبراطورية العثمانية والتي برهنت على عدم كفاءتها في مجابهة أوروبا ، ويشهد التاريخ ظهور سلسلة من الحركات السياسية كما بين الدكتور وميض نظمي تهدف وتسعى للتغير مثل الوهابية ، السنوسي ، حركة محمد علي ، عرابي ، المهدي ، الريفي ، الجزائري ، الأفغاني ، محمد عبده ، عبد الرحمن الكواكبي ، نجيب محفوظ هؤلاء المفكرون والقادة جاءوا بأفكار وحركات سياسية تهدف وتسعى إلى توضيح الكيان العربي ولو غلب على طباعهم الدور الإسلامي الإصلاحي ولكن معظم آراءهم كانت تشير للعروبة ودورها في تحدي المخاطر الخارجية .
وتجدد الإشارة إلى أن معظم المفكرين الذين ظهروا في تلك الفترة و نادوا بالعروبة والإصلاح السياسي ينتمون إلى طبقة الأعيان وملاكي الأراضي أو تبوءوا مراكز إدارية وسياسية هامة في الولايات العثمانية أي لم يكن بروز هذه الفئة والتي بدأت بها القومية العربية حدثا مفاجئا على المسرح السياسي وإنما حصل نتيجة تطور تدريجي في بنية المجتمعات العربية خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر .
أن تبوأ أولئك المفكرين المكانة العالية في الدولة العثمانية و إدارتهم لبعض الولايات العثمانية الإدارية التي رغبت في تلك الفترة مضاعفة الجباية لإصلاح الجيش والدولة ، استطاعوا أن يروا المصالح العربية من خلال التناقض مع المصالح العثمانية , وبرز بوضوح في تلك الفترة شخص عبد الرحمن الكواكبي , حيث يقول الدكتور وليد قزيها " إن أهمية عبد الرحمن الكواكبي الفكرية أنه بلور في كتاباته فكرتين أساسيتين تمحورت حولهما معظم المفاهيم التي وردت في فترة قبل الحرب العالمية الأولى وخلالها في كتابيه " طبائع الاستبداد وأم القرى " حيث ركز في الكتاب الأول على أهمية اللامركزية الإدارية في الدولة العثمانية وتسليم مقاليد الأمور في الولايات العربية إلى قيادات عربية ، وفي الكتاب الثاني ركز على العنصر العربي وأهميته في عملية بعث الإمبراطورية العثمانية من سباتها العميق .
إن فكر الكواكبي وسلوك الإدارة العثمانية في مطلع القرن العشرين التي دأبت على تفضيل العنصر التركي وخاصة في عهد الاتحاديين وجمعية تركيا الفتاة بسنة 1908 ، ساهم بتشكيل بعض الجمعيات العربية السرية التي هدفت لحفظ حقوق العرب ضمن حدود الدولة العثمانية ، والتي قادت في النهاية إلى عقد المؤتمر العربي الأول سنة 1913 ، والذي ضم في أروقته مندوبين عن جمعية العربية الفتاة ، جمعية العهد والتي شارك أعضائها بقوة ودفعوا باتجاه قطع الصلات بالأتراك والعمل على إنشاء دولة عربية موحدة .
لن نخوض كثيرا في تاريخ القومية العربية لكن سنستعرض أبرز المحطات التي ظهرت فيها القومية العربية .


انفصال العرب عن الحكم العثماني :
الكثير من الدراسات - والباحثين يرجعوا ظهور فكر القومية العربية كردة فعل على الحكم التركي أو الحكومة التركية التي توضحت بجلاء في سياسة مصطفى كمال أتاتورك لاحقا ، وقد يكون هذا الأقرب للواقع في تتبع الخطوات التطبيقية الأولى لفكرة القومية العربية ، فعدا عما ذكرناه عن المؤتمر العربي الأول سنة 1913 الذي ضم الجمعيات العربية ومندوبي العرب في الولايات العثمانية ، فقد شكلت الثورة العربية في الحجاز 1916 حدثاً مهماً في تاريخ العرب الحديث ويعتبرها الكثير من أصحاب فكرة الدولة القومية أنها نقطة الانطلاق التي أعادت للعرب الأمل في إحياء نهضتهم التي تعثرت بفعل عصور الانحطاط التي عاشتها الأمة العربية منذ العصر العباسي وحتى الإمبراطورية العثمانية .
- تشير الدلائل أن الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى هي التي شكلت ظهور التيارات التي مثلت نقطة البداية للعمل القومي العربي أي أن تلك المرحلة تميز بالمطالبة بالاستقلال الذاتي داخل البنية القائمة للإمبراطورية العثمانية أي اللامركزية والتي وضحها الكواكبي في كتابه أم القرى وليس بالانفصال التام عن ا لإمبراطورية العثمانية أي ربط المصلحة العربية من خلال الرابطة الدينية .
- خضوع العرب تحت الحكم المباشر للاستعمار الغربي
مع سقوط معظم أقطار الوطن العربي تحت الاحتلال المباشر في فترة بدأ العرب فيها ينفصلون عن الإمبراطورية العثمانية سياسياً وثقافياً بعد إعلان اتاتورك هوية تركيا العلمانية 1924، أصبح الفكر القومي يأخذ بعد جديدا عما كان عليه في عصر الأتراك ، إذا ارتبطت المسألة بالتحرر من الاستعمار والعمل على استقلال الأقطار العربية من الغزاة الجدد والذين جزءوا الوطن العربي مما رفع مهمة التحرر والوحدة في آن معا ، كعقيدة أساسية لفكرة القومية العربية أو الداعين للقومية العربية فالوعي العربي ظل مساندا للكفاح وظل متجها نحو الوحدة والقومية ، ويقول عبد العزيز الدوري بهذا الصدد ,أنى أجد أن القومية العربية قومية ثقافية لا قومية نسب أو تقليد أو تبعية فكرية واجدها محصلة خبرة الأمة العربية في مسيرتها التاريخية وتعبيرا صادقا عن ذاتها الأصلية و أرى أنها تحوى في ثناياها نظرة إنسانية تركزت فيها نتيجة ضربتها التاريخية .
لم تتح الظروف السياسية والعسكرية التي فرضتها سلطات الانتداب الفرنسي والبريطاني علاقة واضحة بين أعيان المشرق العربي والدول الاستعمارية ، حيث أنها كما تشهد الوقائع التاريخية لم تكن علاقة صدام مستمر ومعركة حياة أو موت بل كانت بغالبها علاقات توتر وعلاقات مصالح أحيانا، وربما التخلص من سلطة الأتراك أدخل العرب في تلك الدوامة الجديدة من التعامل مع الأوربي القادم الذي يحمل شعارات الديمقراطية والتقدم وبنفس الآن يحتل البلاد العربية ولو أنه أتى بصورة انتدابية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية حسبما تشير الوثائق وبهذا الصدد يقول وليد قزيها " لقد أبدى أعيان العرب طموحا إلى الاستئثار بالسلطة إلا أن هذا الأمر لم يتم لهم وذلك بسبب الظروف العسكرية التي فرضت عليهم للقبول بشريك فرنسي أو بريطاني يتمتع بمصالح في المنطقة .
هذا الطموح العربي رافقه العديد من الثورات أو الانتفاضات في سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين والتي جوبهت بقوة مثل ثورة العراق عام 1920 ، معركة ميسلون في سورية ،ثورة جبل الدروز 1925 ، ثورة 1936 والعديد من الثورات والإضرابات التي عبرت عن رفض الانتداب الفرنسي والبريطاني على المنطقة ، ولكن معظم هذه الثورات والانتفاضات قادت في النهاية لعلاقات أفرزت اتفاقيات ومعاهدات مع دول الانتداب معظمها تنص على الاستقلال خلال عدة سنوات مع بقاء عدد من المصالح لبريطانيا وفرنسا في المنطقة بما يعني استبدال الإمبراطورية العثمانية بإمبراطوريات فرنسية وبريطانية في المشرق وأخرى إيطالية وأسبانية في المغرب العربي. بمعنى أن كل البلاد العربية مع مطلع القرن العشرين كانت تحت الاحتلال الأجنبي، وهذا جعل سمة القومية العربية تتداخل مع التحرير والاستقلال للبلدان العربية. وقد شاهدنا أن الدول العربية نالت استقلالها في فترات مختلفة ومتباعدة وبحدود سياسية مختلفة من صنيع سلطات الانتداب,
بهذا الصدد يوضح وليد قزيها "يمكن القول أن الفكر القومي العربي في مرحلة ما بين الحربين وظف لخدمة المصالح الحيوية الخاصة بفئة الأعيان وذلك عن طريق التعبير المباشر عن هذه المصالح وعن طريق الابتعاد بوعي أو بلا وعي عن طرح ما يمكن أن يؤثر سلباً في تحقيق هذه المصالح"
وعلى الرغم من تشخيص الدكتور وليد قزيها لوصف تلك المرحلة إلا أن هذا لم يمنع أن فترة ما بين الحربين شهدت ولادة العديد من الأحزاب السياسية التي أدركت دور الأعيان ووعت قضية العروبة والوحدة في ظل التجزئة السياسية التي فرضها الاستعمار وتعتبر تلك الأحزاب السياسية التي ولدت من رحم الأفكار القومية للرواد أمثال ساطع الحصري وميشيل عفلق والكواكب وعازوري- صاحبة مواصلة الأفكار العربية في تلك الفترة، وتمثل ذلك في عقد المؤتمر الإسلامي في القدس 1930 حيث أرسلت معظم الدول العربية منوبين عنها وأعلنوا أن البلاد العربية وحدة واحدة لا تتجزأ وأن الجهود العربية توجه للعمل الوحدوي العربي، وأعلنوا كذلك رفض الأمة العربية للاستعمار.
ويذكر الشويرى نشوء عدة أحزاب سياسية في تلك الفترة وكان لها دوراً بارزاً في مواصلة إحياء الفكرة القومية العربية على الرغم من التجزئة والاستعمار مثل حزب الاستقلال العربي 1932. عصبة العمل القومي 1933. ونشأت بعض الجمعيات السرية مثل جمعية التحرير العربية والحزب القومي العربي.
وقد شهد عام 1945 تتويجاً لدور الحركات والأحزاب العربية حيث كانت هناك سبعة دول عربية مستقلة مصر، السعودية، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، الأردن، وتوجت كافة الجهود والنشاطات السياسية بإنشاء وتأسيس جامعة الدول العربية في 22/03/1945 والتي كان لمصر دور طليعي بتأسيسها وقد سبق تأسيس الجامعة العربية مساع حثيثة للاتحاد إلا أن استقلال سوريا ولبنان دفع بفكرة الوحدة العربية إلى الأمام، إضافة لعامل أخر يتمثل بسيطرة بريطانيا على المشرق العربي ساهم بخلق هيئات مشتركة بين الأقطار العربية المحتلة لحل الإشكاليات والتباحث بشأن المستقبل الأقطار العربية وبالرغم أن فكرة الجامعة العربية نبعت من مساعي الاتحاد وضرورة الوحدة العربية وجاءت لتتوج جهود على مدار 40سنة إلا أنها تشكل إطار حقيقياً للوحدة ربما ساهمت فيما بعد بالنزوع للقطرية أكثر منن الذهاب للوحدة العربية، وبهذا الصدد يشير جميل مطر وعلي الدين هلال "أن الجامعة العربية كانت هدفاً تدعو لتحقيق مختلف الروابط والتنظيمات الشعبية القومية خلال فترة كان فيها التيار القومي العربي تياراً نشطاً ولم يكن مفهوم الدولة قد ترسخ بعد. فأقدمت الحكومة البريطانية على تشجيع الحكومات العربية على تبني فكر إنشاء الجامعة.
ويذهب الباحثان إلى أن بريطانيا كانت تهدف من ذلك التشجيع إنشاء جامعة دول وحكومات تحرص على سيادة كل عضو فيها وليس الجامعة التي دعا لتحقيقها التيار القومي العربي.
ومنذ تأسيس الجامعة العربية وحتى اللحظة فقد حملت ثلاثة متغيرات رئيسية: فكر قومي- تتدخل حاد من البيئة الدولية- منطق القطرية والسيادة الوطنية.
وقد أثبتت الأحداث اللاحقة والتي تتجاوز 60سنة منذ نشوء الجامعة وحتى اللحظة أن المتغيرات الثلاثة الرئيسية لازالت عصب عمل الجامعة العربية والتي أنحصر دورها مابين التدخل الحاد للبيئة الدولية وما بين علاج المشكلات العربية القطرية.

النكبة العربية1948 وميلاد حركة القوميين العرب.

على الرغم أن الفكر القومي العربي نبه للوجود اليهودي الاستيطاني في فلسطين منذ أوائل القرن التاسع عشر خاصة ما تناوله نجيب عازوري في كتاب يقظة العرب. إلا أن عام 1948 شهد احتلال فلسطين وإعلان دولة إسرائيل على التراب الفلسطيني، ليمثل ليس احتلال قُطر عربي فقط، بل وليزرع كيان غريب في وسط الأمة العربية والوطن العربي الذي حاول إنشاء أمة عربية واحدة ووطن عربي واحد تتوفر فيه الرقعة الجغرافية الواحدة، مع وجود إسرائيل في وسط الوطن العربي، أصبح التواصل الجغرافي متقطعاً، بنفس الآن ولدت حركة القوميين العرب كرر على احتلال فلسطين ونتاجاً لجهود التوحيد بين جورج حبش وهاني الهندي. وتميزت الحركة بالاندماج في بدايتها كرر فعل احتلال فلسطين. وبهذا العدد يصف أبراش الحركة "لقد امتازت حركة القوميين العرب بأسلوبها المتميز والمتطرف في تعاطيها مع موضوعات النضال القومي العربي هذا التطرف الذي كان محكوماً بمبدأ كل شيء أو لا شيء كان سبباً في عدم ثيبات الحركة على أيديولوجية واحدة.
وهذا ما رأيناه مع بدايات ظهور حركة القوميين العرب التي تداخل عملها فيما بين القضية الفلسطينية والوحدة العربية وهذا ما جعل أقطاب حركة القوميين العرب لا يستطيعون تبني أيديولوجية واضحة المعالم أو حتى أهداف رئيسية ممكنة التحقيق والتطبيق.
ويستطرد أبراش في نفس السياق واصفاً حركة القوميين العرب "فمن تنظيم أو تيار قومي يعتمد أسلوب العنف الثوري المتطرف إلى حركة قومية مثالية تتبنى فكراً قومياً طوباوياً إلى حركة اشتراكية ملحقة بالناصرية ما تلبث أن تتحول إلى حركات يسارية وطنية ومن معاداة مطلقة للشيوعية إلى تبني مطلق الفكر الماركسي.
وعلى الرغم من تلك التناقضات داخل الحركة إلا أنها عززت دورها ضمن الفكر القومي العربي في تلك الفترة وأفرزت أحزاب وحركات سياسية تتبنى الفكر القومي العربي وتوزع أعضاءها وهذا الذي تمثل على الأقل في شروع عدة دول عربية مثل الحرب منذ تأسيس الجامعة العربية في الاشتراك بمشروعات للوحدة لعربية ولو بدرجات مختلفة من الالتزام الحقيقي يبرهن على وجود ذلك التيار القومي الذي سعى للوحدة العربية وأسس لاحقاً تيارات وفصائل تحمل النهج نفسه.


الفصــــــــل الــثـــــــاني

مرحلة المد القومي :-

بعد انتهاء الحرب في فلسطين وإعلان دولة إسرائيل – أعقب ذلك اتفاق الهدنة بين إسرائيل وأربعة دول عربية الأردن، لبنان،سوريا،مصر خلال عام 1949 ، ورغم اتفاقية الهدنة إلا أن حالة الحرب ظلت قائمة على الأقل بما تركه الحرب من لاجئين في تلك الدول العربية وتحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى أحد قضايا القومية العربية فكراً وممارسة .
من زاوية أخرى فإن سنوات الحرب العالمية الثانية ودخول الكون إلى ما يعرف بالحرب البادرة بين قطب العالم أمريكا والاتحاد السوفيتي ،وإعلان القوميين العرب موقفهم بسياسة الحياد الايجابي بين المعسكرين مبكرا ، فإن تلك المرحلة وانعكاساتها أظهرت القومية بصورة جيدة تمثلت في محاولات الوحدة الحقيقة .
ويقول الشويري بهذا الصدد "الكفاح من أجل فلسطين والآثار الاجتماعية والاقتصادية للحرب العالمية الثانية وبدء البادرة التي صدرت الخصائص الرئيسية لهذه المرحبة في مصير القومية العربية" .
تلك المرحلة مثلت العصر الذهبي للقومية العربية إذا اكتسبت دعما شعبيا واسعا واستطاعت بدرجات متفاوتة من النجاح ان تنفذ برنامجها الراديكالي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وتظهر انعكاسات الحرب البادرة على الصيغة الاشتراكية التي تميز بها العمل القومي في تلك الفترة . حيث يؤكد شورى في نتائج بحثه بالموضوع أن الديمقراطية بأشكالها البدالية المختلفة إما قمعت أو اعتبرت من بقايا الهيمنة الاستعمارية .
وعليه تميزت المرحلة ما بين عامي 1955-1970 بالعصر الذهبي للقوية العربية والتي تمثلت بحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القومين العرب والناصرية ، وقد عملت هذه التيارات القومية الثلاثة بكل قوتها على نشر الفكر القومي إمساكية دولة تصبو للوحدة بين أقطار الوطن العربي ومن جانب آخر العمل على إيقاف التغلغل في المنطقة العربية وسيطرته عبر الاشركات على المقدرات الطبيعية للوطن العربي ، وحضور قضية فلسطين من الجانب الآخر الذي ظل هما تحمله أذرع القومية العربية بشدة خلال تلك المرحلة .
وبهذا الصدد يؤكد كلا من جميل مطر وعلى الدين هلال بوصفهما لتلك المرحلة تتوافق معظم هذه المرحلة مع مرحلة الحرب البادرة ، ففي ظل سيادة فكر التوسيع الاستراتيجي أقامت الولايات المتحدة سلسلة من الأحلاف العسكرية تحيط بالاتحاد السوفيتي ، وحاول الاتحاد السوفيتي استمرار النفاذ من هذا الطوق وتشجيع حركات التحرر وأثارت المشاكل في وجه الإستراتيجية الأريكية وإزار هذا الوضع لم يكن أمام عديد من الدول حيوية ، الاستقلال إلا أن تؤكد قدرتها على ملء الفراغ والخلاص بنفسها من أقطار التطاعن ووجدت في سياسة الخيار الايجابي أسلوبا تنقر به شر الانحياز لطرف أو آخر .

الوحدة المصرية السورية 1958-1961
شهدت هذه الفترة تتويجا للعمل القومي تمثل بإعلان الوحدة المصرية السورية 1958 مع أن عدم استمراريتها مثل فشل التطبيق العملي الأول للوحدة العربية مع أن تتويج العمل القومي ونهضته في تلك الفترة يعود لأدراك الرئيس المصري جمال عبد الناصر في بدايات فترة 1955 لقضايا الأمة العربية و الوطنية وظهر هذا واضحا في دعمه ثورة الجزائرية والقضية الفلسطينية وتشجيع حركات التحرر في الوطن العربي كافة ،وهذا بحد ذاته ألقى مهاما ثقيلة على النظام المصري الذي تبوأ مكانة القائد في العمل القومي الوحدوي نفس النهوض القومي هذا مثل تراجعاً على صعيد أآخر تمثل بالسعودية التي قبلت مبدأ إيزنهاور ومحاربة الشيوعية وأشاروا أن أهداف مصر تشجع الشيوعيين والاشتراكين في تبوأ مراكز مهمة في الدول وظهر الخلاف الأردني – المصري حيث شعر الأردن انه مستهدف من قبل مراجعة مصر للنظام العربي ، لبنان أيضا انحازت ضد مصر وسورية وضد مشروع الوحدة .
يعتبر عام 1958 من أهم الأعوام في مراحل تطور النظام العربي لأنه أكد عن وجود رأئ عام عربي يؤمن بالوحدة العربية ويحلم بتحقيقها إذ شهدت الساحة العربية حماسة واسعة بعد إعلان الوحدة . كما شهدت بنفس العام الخطورة التي يمثلها الرأي العام العربي للأنظمة الحاكمة إذ تلا الوحدة الحرب الأهلية اللبنانية يهدف القضاء على التيار القومي العربي وسارع العراق والأردن بإقامة اتحاد بين دولتين ، واستعد النظام التونسي لمواجهة كبرى مع النظام المصري ، وسارع اليمن ليطلب الانضمام إلى الوحدة السورية المصرية .
على الرغم من أن الوحدة أعلنت إلا انه بنفس العام شعرت القيادة المصرية أن سياسة المراجعة التي انتهجتها تحمل في ثناياها أخطارا وسلبيات تجهد الإمكانات المصرية ، فدولة الوحدة شكلت عبئا سياسيا وطرحت على القيادة المصرية مشكلات بسبب الطبيعة المختلفة للنظام الحزبي السوري وتفاعلاته الحادة وبات واضحا مع بداية الستينيات أن النظام العربي يتجه تدريجيا إلى استقطاب أيديولوجي ولم يعد ممكنا أن يتركز على نمط التحالفات العربية المرنة .
هذه الصورة أدت في النهاية لعدم استمرار الوحدة المصرية – السورية كنموذج للوحدة العربية وسرعان ما تهاوت التجربة تحت ضغط ما يطرحه النظام العربي القائم إذ كشف كما أسلفنا نظام الوحدة على تناقضات سياسية عربية مختلفة واضحة – فالوحدة بدل أن تكون عامل جذب مثلت تناقضات وانقسامات عربية كادت تهدد أمن المنطقة بعد التدخل الأجنبي في أزمة لبنان وفي الأردن بنفس العام ، هذه الظروف الانقسامية وبالرغم من تنامي التيار الشعبي القومي إلا أن السياسات الرسمية للدول العربية هددت بانقسامات واضحة ، إضافة لطبيعة النظامين المختلفين السوري والمصري أدى لعدم نجاح الوحدة وانتهائها 1963 .
كان فشل الوحدة عام 1963 عاما رماديا قاتما إذا طرح مشكلات رئيسة أمام المشروع القومي العربي ومدى نجاحه في ظل الدعوة المستمرة له وربما بقت القضية الفلسطينية عامل الجذب الوحيد لفكرة القومية العربية خلال تلك الفترة التي تلت انهيار مشروع الوحدة العربية .
نكســــة عــــــــام 67 :
شهدت المنطقة العربية في النصف الأول من الستينيات تحالفات و استقطابات بين الدول العربية ،نتاج الخلافات التي ظهرت على السطح خاصة بين السعودية ومصر حيث كانت السعودية تقود التيار المحافظ ضد التيار التقدمي البعثي في مصر وسورية والعراق وبفضل التأييد الأمريكي ظهر دور السعودية بارزا في الدعوة لحلف إسلامي في المنطقة بما يهدد النظام العربي الناشئ بأخطار عدة والملاحظ أن تحالفات التيار التقدمي لم تكن متماسكة خاصة بين الشيوعيين والقوميين وبالمقابل استطاع التيار المحافظ أن يحافظ على تماسك تحالفه " .
في الوقت الذي كانت الدول العربية تشهد خلافات واسعة كانت إسرائيل مستعدة لحرب ومجهزة جيدا أي باختصار شهدت المنطقة العربية في النصف الأول من الستينيات خلافات واسعة وتحالفات متعددة على النمط الإيديولوجي والسياسي وظهرت بوضوح وشدة بعد فشل الوحدة المصرية السورية إلا أن جاءت نكسة عام 76 وهزيمة الجيوش العربية .
وعلى الرغم أن الهزيمة تعتبر بحق التيار القومي في المنطقة العربية – إلا أن رد الفعل العربي من المحيط للخليج كان واضحا بالحزن والشعور بالمهانة ورفض الهزيمة ، أي مكان هناك ما يشبه الوحدة الوجدانية والروحية بين العرب .
وما تلا النكسة من قمة عربية عقدت في الخرطوم شهر 8/1967 وخروج القمة باللارات الثلاثة الشهيرة لا للهزيمة ، لا للتفاوض وللاعتراف بإسرائيل ، وكذلك دعم دول الطوق قبل دول التغطية ،كل ذلك عبر الشعور العروبي المتماسك بالرغم من الخلافات العميقة التي ساوت قبل النكسة ، إضافة للاتفاق على مصالحة مصرية سعودية وانسحاب القوات المصرية من اليمن .
قمة الخرطوم عام 67 أفرزت نتائج وحدودية واضحة وشهدت نهاية مايمكن تسميته الحرب العربية الباردة التي استمرت طوال 5 سنوات تقريبا قبل النكسة ، وبدت الدول العربية والشارع العربي موحدا بكل تياراته في الهزيمة أكثر مما كان موحدا طوال عقود سابقة . ولعل العمليات الفدائية والعمل النضالي الفلسطيني زاد من حدة التضامن العربي طوال عدة سنوات بعد عام 67 ومرة أخرى عادت القضية الفلسطينية بحضور قوى في المشهد القومي العربي ولو بالصورة الوجدانية . ويتفق كثير من المؤرخين والباحثين في مجال القومية العربية أن المسألة الفلسطينية ، كانت أهم عوامل الصعود والهبوط , النجاح والانتكاس للقومية العربية وفكرها ، فطوال سنوات ما بعد 1948 كان الفلسطينيين يأملون أن الحركة القومية العربية وما يمكن أن تنتجه من وحدة عربية ممكن أن يساهم ويساعد نضالهم ويستعيد حقوقهم ، وعلى الرغم من الوحدة الوجدانية إلا أن الهزيمة ألقت بظلالها على حركة القوميين العرب .
كما أسلفنا شهدت السنوات الثلاثة بعد هزيمة عام 1967 في رفع روح وشأن القومية العربية نتاج ما أديته المقاومة الفلسطينية ، وكذلك ساهمت ثورات اليمن والعروبة وكذلك ثورة السودان 1969 بقيادة جعفر النميري وثورة القذافي 1969 وإعلان تلك الثورات تأييدها لعبد الناصر ، وعليه شهدت بدايات السبعين حالة عربية قومية موحدة وبدايات حرب استنزاف عربية أعادت بعضا من الكرامة العربية والشعور العربي كما أنعشت الحركة القومية العربية ، وتثبت المراجع التاريخية أن شخص عبد الناصر الزعيم المصري كان له الأثر الكبير في بث وتماسك الروح القومية العروبية بالرغم من نكسة عام 67 .

رحيل عبد الناصر وأثر ذلك على القومية العربية :
يوم 28 سبتمبر 1970 وفي الثانية والخمسون من عمره رحل الزعم العربي وشهد رحيله تضامن عربي ووحدة عربية على كافة المستويات .
وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن الموت والهزيمة يوحدان العرب أكثر من أي شيء آخر أي تبرز الوحدة والعروبة والقومية في الهزائم والموت أكثر مما في العمل الوحدوي ويتقدم بما يعطي معنى واضحا للقومية العربية بأنها أكثر منها تيار عربي فكري وأيديولوجي مع توسع
تذكر موسوعة مقاتل في الصحراء أن أهمية رحيل عبد الناصر فيما يتعلق بموضوع القومية العربية تتمثل في ثلاثة أمور :-
1- انه أول زعيم عربي أستطاع أن يتنقل بمفهوم القومية العربية من مفهوم نخبوي للصفوة العربية المشرقية إلى مفهوم شعبي جماهيري تستوعبه وتؤيده الجماهير العربية ، حتى أن مصطلح الجماهير العربية لم يؤخذ بالحسبان إلا مع قيادة عبد الناصر .
2- أن عبد الناصر هو الذي غذى الجماهير بالآمال ورفع الطموحات وفجر التوقعات وأنتصر بمعارك عديدة ، تأسيس حركة الحياد الايجابي وعدم الانحياز ، تأميم قناة السويس مجابهة العدوان الثلاثي ، وانجاز أول وحدة عربية بين مصر وسورية ، وكذلك كان مسئولا عن الانقسامات العربية وهزيمة 1967 .
3- رحيله وحد المشاعر العربية توحدا وجدانياً عميقاً بامتداد الوطن العربي ، وكأنما ظهر هذا التوحد هو آخر إسهامات عبد الناصر في الحركة القومية العربية .
مرحلة الانحسار القومي :
ربما تؤرخ تلك المرحلة مع وفاة الزعيم العربي عبد الناصر أي منذ عام 1970 وابتداء لما سبقها إثر نكسة 1967 وما شهدته من تفسخ حركة القوميين العرب .واتهامها لعبد الناصر بالتخوين قبل وفاته على إثر قبوله مبادرة روجرز 1970 بعد أن كانت قد قبلت أن تعمل تحت لواء الزعيم عبد الناصر .
وعليه السلطة التي استطاعت الأحزاب القومية الوصول إليها بدلا من أن تكون وسيلة لتحقيق المشروع القومي وأهدافه أصبحت هدفا بعد ذلك للخلافات والانقسامات الفكرية والسياسية وتجلى ذلك بظهور فصائل عديدة على الساحة العربية من اشتقاق حركة القوميين العرب ، وكلك ظهور منظمة التحرير الفلسطينية بقوة على الساحة العربية والتي أثرت على جانبين فاختلاف العقائد داخل المنظمة فاختلاف العقائد داخل المنظمة انعكس على الساحات العربية حسب تواجد الفصائل الفلسطينية على الساحة وربما نلاحظ أن أثار هزيمة 1967 الانقسامية أتت متأخرة بسنوات على الساحة العربية حيث كما أسلفنا شهدت السنوات الثلاثة الأولى وحدة تضامن وعمل وحدوي عربي ، ولكن بعد ذلك بدأت آثار الانتكاسة والهزيمة تظهر على الساحة العربية بانقسامات وتغيرات في النظام العربي على الصعيد القومي العربي .


حرب أكتوبر 1973 المشهد الأخير للعروبة القومية :
تخلل فترة الانحسار القومي حرب أكتوبر 1973 والتي شهدت تنسيقا عربيا مشتركا بين سورية والسعودية ومصر وظهر الدور السعودي باستخدام النفط كسلاح في تلك الحرب ، وخرجت عن هدوءها المعهود حيث منعت تصديره للولايات المتحدة والتي تدعم إسرائيل وتدلل حرب أكتوبر ومجرياتها على التضامن العربي والوحدة العربية .
كانت حرب أكتوبر 1973 فارقه في العروبة والقومية إذ أنها تعدت حالة التضامن الوجداني أو التنسيق السياسي إلى أكثر من ذلك حيث أسهمت العراق والأردن والمغرب واليمن والسعودية والكويت وتونس والجزائر والسودان بألوية وفرق برية شاركت في الحرب مع الجبهة المصرية والسورية .
وربما نستطيع القول أن حالة التضامن والوحدة الحقيقية تمثلت في حرب أكتوبر ماديا ومعنويا ويذهب البعض لتقييمها بأهم المشاهد القومية العربية على أرض الواقع من خلال المسيرة الكاملة للقومية العربية .
بعد حرب أكتوبر 1973 والنصر انتشرت الأفكار الواقعية المفرطة في العمل السياسي ويشير جميل مطر وعلى الدين هلال بوصف تلك المرحلة أن مختلف التغيرات كانت تدفع النظام العربي نحو كارثة محققة انتشار الواقعية المفرطة منهاجا للعمل السياسي واستقرار بيروقراطيات سياسية وحزبية في شكل طبقات أساءت بسلوكها للنظام العربي المصري وشهدت تراجع منتظم للفكر القومي تحت ظل الانقسامات وأزمة الثورة الفلسطينية واختراق أمريكا للنظام المصري وانفجار النفط في دول و الفقر في دول أخرى واتجاه نحو العمل الثنائي على حساب العمل الجماعي .

هذا التشخيص ينطبق تماما على الحالة العربية التي سادت بعد حرب أكتوبر 73 والتي شهدت محطات هامة عديدة توجت بزيارة السادات لإسرائيل عام 1977 .
عدا عن الخلافات المصرية السورية والأردنية حول أداء الحرب وفصل القوات بالمحادثات مع إسرائيل نشأ خلاف بين الأردن والفلسطينيين حول من يتحدث باسم الضفة الغربية ، وكذلك اغتيال الملك فيصل بالرياض الذي كان يتمتع باحترام كبير على الساحة القومية حيث هو من قاد معركة النفط في الحرب إضافة لجهوده الواسعة في التصالح والوحدة منذ عام 67 وتوفيق الساحات العربية خصوصا بين مصر وسورية بعد الحرب الأهلية اللبنانية صيف 75 التي امتدت لسنوات ومن ثم زيارة السادات لإسرائيل عام 77 تتويجا لتلك الخلافات العربية .
كما ظهرت صراعات عربية عديدة مهدت لأفول القومية العربية مثل الصراع اليمنى واليمنى المسلح عامي 77و78 حيث أن النظامين في اليمن يؤمنان بالوحدة وهما الأقرب لبعض وكلا النظامين يدعي القومية و الاشتراكية ومع ذلك ينشأ بينهما نزاع مسلح ,هذه الصورة نشرت اليأس من مشروع الوحدة العربية لدى الراى العام العربي .



نهاية العـــروبة القـــومية :

مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 79 وإيمانها بتصدير الثورة تحت شعاراتها المعروفة بمعادية الغرب وأمريكا وإسرائيل ، اتجهت الأنظار العربية إليها بالترحيب والقبول ، مما يعد للانتهاء من عهد القومية العربية والتحالفات العربية ومشاريع الوحدة العربية ولأهمية الثورة الإسلامية على موضوع القومية العربية أن امتداداتها طالت الساحة العربية من المحيط إلى الخليج وأنها اصطدمت مباشرة بدول عربية ، العراق، الإمارات، السعودية وبنفس الآن صدرت أفكارها للعديد من التيارات والحركات العربية تحت شعار الإسلام السياسي وتحالفت مع الحركات الإسلامية المنتشرة على الساحات العربية ونستطيع أن نلخص ارتباط الثورة الإسلامية الإيرانية بموضوع القومية العربية من عدة زاويا :
- من خلال الشعارات الثورية التي رفعتها الثورة الإسلامية ضد إسرائيل والغرب فإنها وجدت لها موطئ قدم قويا داخل الساحة العربية خاصة وقوفها بجانب الثورة الفلسطينية وإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران .
- دخلت العراق مباشرة في صراع سياسي – جيوبولتيكي – قادت إلى حرب مباشرة .
- دخول النظام الإيراني الجديد في صراع ديني سياسي مع السعودية فإيران تتبع المذهب الشيعي ومعادية لأميركا والسعودية تتبع المذهب السني ولا تعادى أمريكا .
- تحالف الثورة والنظام الإيراني مع الحركات الإسلامية المنتشرة في الساحة العربية مثل حزب الله ،حركة أمل ، الجهاد الإسلامي ، حماس ، الإخوان المسلمين في مصر والجزائر والسودان وتونس مما أدى لاحقا لتوترات مع الأنظمة العربية الحاكمة وفجر الانتقادات داخلية بين النظام والحركات الإسلامية مثلت حالة عداء واستعداء .
ومع دخول الحرب المباشرة مع العراق انقسم الوطن العربي فاتجهت سورية وليبيا وجزء من الجماهير العربية لتأييد إيران بينما أيدت باقي الدول العربية ودول الخليج العراق منطلق عروبي قوي وخوفا من إيران وأطماعها واستمرار استغلالها للجزر الثلاث لدولة الإمارات العربية .
وشهدت السنوات التالية نشاطا واسعا للتيار الإسلامي أدخل العروبة في صراعات ونزاعات فيما بين التيارات القومية والعلمانية والتيار الإسلامي الناشئ بما يعهد الخلافات أيديولوجية واسعة حول العروبة والإسلام والتي لا زالت أثارها وتفاعلاتها باقية وفعالة إلى يومنا هذا .

حرب الخليج الثانية – أغسطس 1990 الطلقة الأخيرة على جسم العروبة القومية
أعلنت العراق ضم الكويت لها بعد ساعات من الغزو العسكري لسنا بصدد تفاصيل احتلال العراق للكويت ولكن هذا الحدث وبالرغم من الصدمة والذهول التي أحدثها على الساحة العربية إلا أنه ومرة أخرى احدث انقساما واضحا على الساحة العربية من زاوية القومية العربية وظهرت تيارات واضحة لها روايتها حول لها روايتها حول احتلال رأي بها بخطوة لإظهار قوة النظام العراقي وتقوية في مواجهة إسرائيل وفق ما رفعه النظام العراقي من شعارات أن القدس تأتى عن طريق الكويت .
وأظهرت قمة القاهرة 10 أغسطس 1990 الخلافات العربية حول موضوع احتلال الكويت فحينما أدانت الغالبية العظمى الاحتلال رأت السودان وليبيا واليمن والأردن مهادنة العراق ورأت مفاوضة العراق للوصول إلى حل وسط للأزمة .
ومع تدخل أمريكا والعالم في الأزمة , اشتركت الدول العربية في التحالف الثلاثيني ضد العراق بما يظهر الخسائر الفادحة لفكرة القومية العربية والحركة العربية الوحودية . فما حدث في الخليج يعتبر نكبة للقومية العربية ولدعوة الوحدة العربية والعروبة وشهدت السنوات التالية انعدام الدعوة للعمل العروبي الوحدوي خاصة بعد توقع وإعلان مدريد للسلام وأوسلو ، والمسارات العربية المتعددة الأطراف التي أظهرت النزوع للدولة على حساب العروبة القومية العربية ، وما تشهده الساحات العربية الآن من صراع بين الإسلام السياسي وبين الحركات الوطنية القوية إفرازا واضحا للمشهد العربي وعلى الرغم من هذا الواقع المرير إلا أن سنوات الثمانينيات أفرزت بعض أشكال العمل الوحدوي وإن بصورة شكلية أو جزئية تبحث العمل في الجانب الاقتصادي مثل مجلس التعاون الخليجي ، وعودة مصر للجامعة العربية عام 1987 .
مجلس التعاون العربي بين مصر والأردن العراق عام 1988 وانضممت له اليمن ،وكذلك سعت بلدان المغرب العربي إلى تكوين الاتحاد المغاربي عام 1989 .
وعليه ضمت تلك المجالس الإقليمية العربية الثلاثة 15 دولة عربية تضم حوالي 80% من مجموع سكان الوطن العربي ولم يبق خارج التجمعات سوى سورية والصومال وجيبوتي .
وعلى الرغم من تلك التجارب والتي بشرت بعودة الحديث عن العروبة والوحدة إلا أنها لم تنجح وتعثرت في أشهرها وسنواتها الأولى فإنهاء مجلس التعاون العربي بعد احتلال الكويت ، وانقسم اتحاد المغرب العربي لوقوف المغرب مع الكويت وضمن التحالف ضد العراق وبقاء الجزائر مع الحياد , ووقوف ليبيا وموريتانيا مع العراق .
تلك المجالس كانت قد تكون نواة معقولة وواقعية للوحدة العربية بحدودها الدنيا ولكن انهيارها السريع بمعظمها أنهى كما ذكرنا مع التطورات اللاحقة فكرة العروبة والقومية العروبية .
وبهذا الصدد كتب فؤاد عجمي في مقاله له نشرت عالميا بعنوان نهاية القومية العربية " أن القومية العربية انتهت كمشاعر جماعية توجه السلوك السياسي نحو التضامن العربي في مواجهة أمم وأقوام أخرى ففي حرب الخليج الثانية قاتل العرب عربا آخرين ، فالمشاعر التي حرضت السلوك السياسي للدول والشعوب والأحرار ، كانت المصالح وليست المبادئ ، فالمصالح هي التي حركت صدام حسين احتلال الكويت ، والمصالح هي التي جعلت العرب يقاتلون عربا آخرين .
ويري فؤاد عجمي في مقالته هو أن المصالح عادت تحدد السلوك السياسي العربي أسوة بباقي شعوب العالم بدلا من المشاعر القومية وأعقب تلك الفترة مقالات وكتب تبرز التيار الذي يتحدث عن نهاية العروبة , والحديث عن التيار الحديث أو ما سمى بالحداثة وما بعد الحداثة .
ومع ظهور العولمة واختراقها للساحات العربية بفعل التقدم التكنولوجي وأصبح الحديث عن القومية العربية والعروبة جزءا من التاريخ واتجهت الأنظار العربية ضمن تيارات رئيسية :
تيار يرى اللحاق بالدول المتقدمة عبر العولمة والتقنيات الواسعة
تيار يرى الحفاظ على الدولة مع خطر العولمة على سيادتها
تيار يدعو للإسلام السياسي في خطر مواجهة العولمة على سيادتها .
وتشهد الساحات العربية غياب التيار القومي العربي أو تراجعه بشكل حاد ضمن التيارات الثلاثة البارزة على الساحة العربية .

أسباب انتكاسة الحركة القومية

خلال أكثر من مائة عام والفكر القومي يحاول أن يخترق الساحة العربية في سبيل تحقيق هدف بناء الدولة القومية المنشورة وخلال الثلاثة مراحل التي مرت بها القومية ، مرحلة الفكر ، مرحلة البناء ، مرحلة الانهيار، واجهت الفكرة القومية إشكاليات عدة فالفكرة كانت ملتبسة وغير واضحة ولم يؤسس أو ينظر لها جيداً إلا من قبل مجموعة مفكرين لم يتفقوا حتى على واقعية الساحة العربية وتداخلها في بداية الأمر مع الساحة الإسلامية – الإمبراطورية العثمانية – فانطلقت الفكرة بناء الدولة القومية العربية من خلال إصلاح الإمبراطورية العثمانية وليس من خلال الانفصال عنها و بالتالي كانت المحاولات الأولى غير جريئة وهذا اثر على معظم الرواد في طليعة القرن التاسع عشر وكتاباتهم والتي لم تحدد الكيان العربي إلا من خلال الأمة الإسلامية المتمثلة بالإمبراطورية العثمانية .
وعليه عاشت الفكرة التباسا ًواضحاً منذ البداية هل نحن عرباً ، هل نحن مسلمين ، أم هل نحن عرباً مسلمين ، أم مسلمين عرب . هذه التساؤلات أقحمت في أفكار الرواد وعليه ظلت التساؤلات مستمرة طوال عقود وأعاقت وضع الاستراتيجيات الفكرية الأساسية لفكرة القومية و الدولة القومية العربية ، وربما كان التداخل مابين الإسلام والعروبة طوال أكثر من قرن من الزمان وعدم وضع حلول لهذا التداخل السبب الجوهري في أننا لازلنا نعايش للآن مسالة العروبة والدولة القومية وهذا ما أثبتته سنوات السبعين التي شهدت صعود الإسلام السياسي في مواجهة التيارات القومية العروبية .
من زاوية أخرى " كان المفكرون العرب ولازالوا ينظرون للغرب بأنه مستنقع الأخلاقيات الفاسدة التي تنافي شريعتنا الإسلامية وتراثنا العربي وبنفس الآن ينظرون له بالتطور الحضاري والاقتصادي – لهذا يعيش العرب عقدة نقل الفكرة وان القومية التي ظهرت في الغرب ثم انتهت إلى الديمقراطية و الليبرالية وما تحمله النظم الغربية من فساد – الجانب الأخلاقي – جعل النظرة للغرب متشككة وجعل الدعوة للقومية العربية بصفات التراث العربي التي تتمثل بالخير والفضيلة والصدق والأمانة والوفاء والشجاعة والكرم وكأن هذا التراث الإنساني اقتصر فقط على العرب دون غيرهم من باقي البشر .
يجب أن نلاحظ من تاريخ المنطقة العربية أن تفكير القومية العربية بدأ عند المسيحيين قبل أن يبدأ عند المسلمين منهم ولكن انتشار هذه الفكرة بين المسيحيين جرى ببطء عظيم وهذا يدلل على ما ذكرناه أعلاه فيما يتعلق بالتداخل بين العروبة والإسلام ، وان العرب المسيحيين كانوا أكثر قدرة على صياغة فكرة القومية العربية ، وربما يعود ذلك لكونهم يشكلون أقلية ضئيلة في الساحة العربية التي كانت تحت الإمبراطورية العثمانية .

من زاوية أخرى تتعلق بالفكرة " فقد غرق المفكرون الرواد في وصف القومية العربية بالبحث الكلامي والمعرفة الذهنية . وبهذا الصدد حذر ميشيل عفلق في عنوان " القومية حب قبل كل شيء " أخشى أن تسف القومية عندنا إلى المعرفة الذهنية والبحث الكلامي فتفقد بذلك قوة العصب وحرارة العاطفة وكأن الانتماء للقومية يتعلق بمدى صحة تعريفها التخوف الذي أبداه ميشيل عفلق كان واضحاً لدى التيارات القومية في مراحلها جميعاً وهذا ما جعل الخلافات تظهر لاحقاً بين التيارات الناصرية والبعثية والاشتراكية والقومية والوطنية مع أن جميعها كانت تنادي بالعروبة والوحدة " إذا مسالة التعريف للفكرة القومية العربية شابها الغموض والاختلاف من النشأة وحتى راهن اللحظة .

أما عن مرحلة محاولات بناء الدولة القومية " فقد تحدثنا خلال صفحات البحث عن المحاولات التي جرت وقد تكون الوحدة الحقيقية الكاملة التي جرت عام 1958 بين سوريا ومصر هي النموذج الوحدوي العربي وما دونه كانت محاولات جزئية تنسيقية في بعض الأمور حتى تجربة الوحدة الحقيقية الوحيدة فشلت في اقل من ثلاث سنوات هذا عدا عن أنها ساهمت بنشر الخلافات والانقسامات العربية بقوة في تلك الفترة .
وهذا ما يجعلنا نتساءل هل فعلاً كانت ضرورة ملحة فكرة بناء الدولة العربية الموحدة التي قرر فيها العرب الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية- ثقافياً وذهنياً - لأن قرار الانفصال السياسي لم يحدده العرب بالمطلق وكان نتيجة لسياسة الأتراك والدول الغربية .

أسباب فشل بناء الدولة القومية

منذ اللحظة الأولى لدعوة القومية العربية في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية كانت الدول العربية بصفتها جزء من المنطقة لم تعرف مستقبلها بعد ، فبوادر الحرب العالمية على الأبواب ومصير المنطقة لم يحدد ، ومع وضع الحرب العالمية الأولى لأوزارها و وقوع الدول العربية تحت الاستعمار ، أصبح الحديث عن بناء الدولة القومية عبثاً " وحل مكانه الحديث عن الاستقلال ونيل الحرية أولاً مع رفع شعار العروبة والأمة العربية طريقاً لاستقلال الكيانات العربية عن الاستعمار " .
بمعنى أن الدول العربية وكلٌ على حدة كان يسعى لنيل استقلاله من المستعمر مع عدم إغفال آمال الملك فيصل في إقامة حكومة عربية تشمل الشام كله.............إلى أن اندثرت تلك الآمال بسقوط الحكومة الفيصلية وإقرار نظام الانتداب على المنطقة ولسنا بصدد التفاصيل التاريخية والاتفاقات حول توزيع المنطقة بين المستعمر الفرنسي والبريطاني ،ما يهمنا من ذلك أن الدول العربية انتقلت من نظام الخلافة العثمانية الذي طمس هويتها – يختلف الكتاب و المؤرخين بوصف العثمانيين استعماراً أم نظام خلافة – إلى نظام الاستعمار الذي احتل أرضها و رسم حدوداً وكيانات منفردة عن بعضها البعض. هذا الواقع الجديد الذي ظهر في أوائل القرن العشرين مع ملاحظة أن أفكار القومية العربية سبقت ذلك الواقع بعقدين من الزمن فرحل فكرة بناء الدولة العربية الموحدة وجعل العرب يتجهون لنيل استقلالهم و إن بشكل فردى.
- التداخل ما بين الاستقلال القطري والقومية العربية أنتج أزمات و إشكاليات عديدة طوال مراحل النضال لنيل الاستقلال وحتى بعد الاستقلال تداخل النضال بين العروبة وبين بناء الدولة وهذا قاد إلى اتجاهات خطيرة أفشلت بمجملها بناء الوحدة العربية من جانب ومن الجانب الآخر أنتجت دول عربية مليئة بالأزمات والإشكاليات أي لم تستطع الدول كل على حده بناء نفسها بعد الاستقلال وظلت تعيش أزمة نظام وأزمة مكونات رئيسية تتعلق داخل حدود الدولة مثل أزمة الهوية والتخلف والتبعية واللاديمقراطية ، أي أن أزمات تكوين الدولة – القطرية أو الدولة الوطنية لا زالت حاضرة إلى الآن وربما نرى هذه الأزمات بفعل عدم تركيز الجهود والتناقض ما بين بناء الدولة العربية الموحدة والدولة الوطنية القطرية . وبالمجمل تلك الأزمات الخاصة بكل دولة على حده والأزمات الحاضرة عند التفكير ببناء الدولة العربية الموحدة-القومية –أفشلت الجهود لبناء الدولة العربية القومية .
- لاحظنا أن كافة التيارات القومية في فترة الستينات كانت تسيطر على الشارع العربي وكانت تحكم الأنظمة السياسية العربية في معظم الدول الرئيسية سواء كانت ناصرية،بعثية، قومية ،تلك الفترة التي توصف بالذهبية للفكرة القومية العربية لم تنجح بالتوحد ومحاولاتها كانت تصطدم بخلافات قوية لم تنتج دولة موحدة باستثناء – الجمهورية العربية المتحدة – التي لم تدم طويلاً والتي ساهمت بالانقسام العربي الواضح.


- الصراع بين تيارات الحركات القومية ..........
البعث ، الناصرية، حركة القوميين العرب ،الحركات الوطنية المختلفة ،جميعها كانت تؤمن أن العرب أمة واحدة ويجب العمل والنضال من أجل توحيد جهود العرب وبناء دولة عربية موحدة على الرغم من ذلك سادت الخلافات بين تلك التيارات والذي لا يفسر سوى الرغبة بالاستثناء في السلطة والقيادة ولاحظنا ذلك بانسحاب البعث من دولة الوحدة وتخوين حركة القوميين العرب لعبد الناصر وتحميله مسئولية هزيمة 1967. ونذكر أن تلك الخلافات قادت إلى اعتقال وإعدام مئات الكوادر من التيارات المختلفة وفى دول مختلفة مصر وسوريا والعراق واليمن الجنوبي.
- لم تتمتع تلك التيارات ببناء داخلي فكرى قوى وتداخلت الأيديولوجية مع المصلحة ،وعليه قادت تلك التيارات النظم العربية بانقلابات عسكرية سريعة وفرضت أنظمتها الجديدة مع إعلان قطعيتها للأنظمة واتهامها بالخيانة والرجعية ،أي لم تأت بشكل طبيعي ولم تحاول الاستفادة من الأنظمة السابقة إنما حاربت الأنظمة السابقة ومؤيديها وبالتالي فرضت العسكرتارية على طبيعة عملها مما خلق وساهم بخلق عدم الثقة وباعد بينها وبين الجماهير العربية.
-جاءت تلك التيارات القومية للسلطة وانفردت بها وبكافة مفاصلها ولم تراع الأوضاع الاجتماعية و الثقافية للبلدان العربية بل حاولت فرض برامجها ورؤاها على المجتمع كافة وهذا ساهم بملاحقة واعتقال كل من يخالف تلك الرؤى والبرامج وانتشرت السجون السياسية في البلدان العربية سوريا ,العراق ,اليمن وانتقلت تلك التيارات القومية من الدعوة إلى دولة عربية موحدة إلى الدعوة لمحاربة كل من يخرج عنها بشكل نظام تسلطي ديكتاتوري .
- الديكتاتورية والشمولية قادت لظهور الفرد واختزال الدولة في شخصه , وهذا ما يفسر ضعف الدول العربية عند غياب الزعيم التاريخي ........ظهور الفرد , حجب المؤسسات الفاعلة لبناء الدولة وساهم بانهيارها بعد رحيله .
- ما ورد أعلاه قاد تلك النظم القومية للإسراع في عملية التغيير لتحقيق هدف بناء الوحدة , تناسوا أن التغيير الاجتماعي والثقافي والبنيوي للمجتمع قد يتطلب مئات السنين وليس عدة سنوات وهذا بحد ذاته خلق حالة الفراغ والتيه بين العرب وقادتهم , لان العمل على ذلك التغيير رافقه العنف والشمولية وذلك لا ينتج بناء بقدر ما ينتج قطيعة حسب ما يدلل تاريخ البشرية على ذلك في بناء الدول .
- التغيير في النظام الدولي وانحيازه لصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع خفوت الحرب الباردة أو انتهائها أوقع الدول العربية في مأزق التحالفات والتناقضات مع المعسكر الاشتراكي ومع الولايات المتحدة وهذا قاد لانقسامات عربية منذ أواسط السبعينات لازالت سارية ليومنا هذا بمسميات مختلفة مثل دول الاعتدال , دول الحياد الايجابي , محور الخير , محور الشر , الدول الصديقة , الدول العدوة , وكل هذه التسميات من المنظور الدولي للواقع العربي وصفت الأنظمة العربية بما هي عليه فعلا .
- مجمل تلك الأسباب وعوامل خارجية أخرى تتمثل بالتحالفات مع الولايات المتحدة وتدخلها الواضح بالشأن العربي بعد سياسة البتر ودولار أوائل السبعينات جعل فكرة بناء الدولة القومية مستحيلا .
- ظهور الإسلام السياسي في فترة مبكرة لنشاط التيارات القومية وصعوده على الساحة بقوة بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية , ادخل المنطقة في صراع بين الحركات الإسلامية والنظم العربية – لازال جاريا للان – فالحركات الإسلامية تحاول تقديم البديل الذي لم تنجح به الحركات القومية , هذه المحاولات قسمت الشارع العربي إلى ثلاثة تيارات رئيسية :
- التيار الاسلامى الذي يدعو إلى الإسلام هو الحل في ظل فشل نظرية القومية العربية .
- التيار العربي الوحدوي الذي لازال يدعو للوحدة العربية وان مقدرات الأمة العربية لو اتحدت ستضعها في مصاف الدول العظمى القوية .
- تيار الحداثة والعولمة , الذي يرى أن موقع العرب يتحدد بمدى انخراطهم بمسيرة العولمة واخذ دورهم في النظام العالمي الجديد بعيدا عن العقائد والإيديولوجيات .


مستقبل بناء الدولة القومية والتحديات الراهنة


إن صورة الضعف العثماني والمستعمر الأوروبي كانت حاضرة ومرافقة للمشروع القومي العربي في فكر الرواد والتابعين إلى فترات مواخره من القرن العشرين وجددها احتلال إسرائيل لفلسطين و تلك الصورة كانت تفرض بعدا ورؤى معينة لبناء الدولة القومية وحتى للمشاعر العربية في نضالها لبناء الدولة القطرية والقومية وعلى الرغم أن تلك الصورة كان يتوجب أن تدفع بالبناء إلى الأمام إلا أنها ذهبت بعكس التطور التاريخي ولازالت و ترجع للخلف ليس بمنطق الاستفادة من التجارب التاريخية والتأصيل للمستقبل ولكن بمنطق الـتأخر وعدم القدرة على التقدم فبالرغم من التراث العربي الضخم نسبيا والإمكانات الهائلة-الثروة النفطية والمعدنية والمواد الخام والثروة البشرية –الموقع الاستراتيجي التي تمثل عوامل هامة في التقدم والتنمية والتعاون والقوة إلا أنها مثلت في الواقع العربي عوامل إعاقة وكبح للمشروع القومي العربي وحث لمشروع الدولة القطري وهذا يدعونا للتساؤل أين الخلل ومن أين ننطلق ومدى قدرتنا على مواجهة التحديات القديم منها والراهنة هذا إن كنا نؤمن بالقومية العربية وبالدولة العربية الموحدة- خاصة في ظل التكتلات والأحلاف الإقليمية والقارية –إن الواقع العربي يعيش الأزمة البنيوية المركبة سواء أزمة الدولة أو أزمة المشروع العربي وبسبب تلك الأزمات فإن البدائل المطروحة أيضا تمثل أزمات أخرى للواقع العرب
هذا فضلا عن أن الواقع الدولي الجديد يفرض أزمات قد تكون أخطر وأقوى بما يهدد ليس فقط المشروع العربي القومي بل حتى يصل التهديد للدولة العربية القطرية بهويتها وسيادتها ونظامها وإمكاناتها وسنتعرف بخطوط عريضة للأزمات والتحديات الراهنة التي تقف أمام المشروع العربي القومي والدولة العربية القطرية في أن معا.
-العولمة : أحد أهم التحديات بما تفرزه من تحديات فرعية تتمثل بالاعتماد الكوني المتبادل وفقدان القدرة على الحكم المطلق داخل حدود الدولة ،والغلبة في هذا التحدي للأقوى بمعنى أن الضعيف سيسير في ركب القوى بكافة قيمه ومقدراته الاقتصادية .
- التقدم التكنولوجي والانفتاح على العالم بمعنى الاستبداد والشعور بالظلم الذي يعيشه العربي في ظل النظم العربية اللاديمقراطية حالة التقدم التكنولوجي جعلته ينفتح على العالم ويرغب بالعيش مثل باقي البشر
- الثقافة يعيش العرب تحدى ثقافي خطير وتساؤلات خطيرة حول العروبة والقومية في ظل فقدان الأمن والفقر الذي يعيشوه في دولهم العربية .
- أزمة السيادة والتبعية وذلك بفعل التدخلات الأجنبية في سيادة الدول العربية بدواعي الديمقراطية والإصلاح وحماية الأقليات ، هذه التدخلات تنقص من السيادة وتقود إلى التبعية بشكل أو بآخر.
- المساعدات المالية والأجنبية لكثير من الدول العربية الفقيرة مما يخلق فقدان قدرتها على اتخاذ القرار المستقل وربط سياستها الخارجية بما تراه الدولة أو الدول المانحة.
- وجود إسرائيل في قلب الوطن العربي يشكل مانع وتحدى جيوسياسى لبناء الدولة العربية .
-تعميم وترويج مصطلح الشرق الأوسط بضم دول غير عربية واستثناء دول عربية أخرى ، وفرض التعامل السياسي والثقافي للمنطقة بالتسمية الجديدة الشرق الأوسط بما يخلقه من عوامل تحالفات وصراع أضرار يشكل تحدى رئيسي لبناء الدولة القومية العربية .
ونستطيع |أن نرى تحديات فرعية أخرى لازالت حاضرة في الأذهان وتمثل إشكالية للدولة القومية وللمشروع القومي في آن معا .



- مشكلة الحدود السياسية بين الدول العربية والصراعات عليها منذ رحيل الاستعمار

- مشكلة الأقليات داخل الدول العربية وتوزعهم على أكثر من دولة.
- صراعات تحديد الهوية لجماعات مختلفة تتوزع داخل دول عربية وغير عربية.
- الحروب الأهلية داخل الدول العربية فلسطين،لبنان،العراق.
- حالات الفقر والتخلف وانتشار الأمية تعيق بناء الدولة والتقدم وبالتالي تعيق المشروع النهضوى العربي.
- حالة حقوق الإنسان في الدول العربية وترديها .


إذا مرت الحركة القومية بانتكاسة في الفكر وبعد ذلك فشلت في الممارسة وهذا يطرح علينا تساؤلات عدة لازالت تحتاج لمزيد من البحث حول مدى أهمية القومية العربية وضروراتها أم هي كانت رغبة لدى الناخب الفكري والسياسي منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين ...... هل فعلا هؤلاء النخب الفكرية والسياسية يؤمنون بتلك الفكرة أم هي مجرد أفكار لمحية أم هي مجرد أفكار لمحاربة ما هو موجود أو لمحاولة إصلاح الوضع العربي بطريقة أو بأخرى ،إن تمت الوحدة العربية ماذا بعد:
أي ثقافة ستسود في ظل تعدد الثقافات والديانات والطوائف والأقليات داخل المنطقة العربية ،أم سنرجع لسؤالنا الأساسي هل اللغة قد تكون العامل الأساسي و الوحيد للقومية العربية فما دمنا ننطق العربية هل يجب أن نكون موجودين ، أم أن التراث الإسلامي في الفكر العربي سيكون المرشد لقوميتنا العربية وإن كان مع الايجابيات الرائعة التي قدمها الفكر الإسلامي على مر تاريخ العرب فما مصير المسيحيين واللادينيين واليهود العرب ، ماذا سيكون موقعهم في تلك الدولة القومية.
على الرغم من مرور أكثر من مائة عام على المحاولات في الفكرة والممارسة إلا أن الواقع لازال يفرض أسئلة عديدة لم تجب بعد وإجاباتها قد تكون أصعب من محاولات بناء تلك الدولة


قائمة المراجع والمصادر

-الموسوعة الفلسفية العربية الجزء الثاني
- القومية العربية الأمة والدولة في الوطن العربي نظرة تاريخية , مركز دراسات الوحدة العربية
- قراءات في الفكر القومي – الكتاب الأول – القومية العربية فكرتها ومقوماتها ,مجموعة مؤلفين , مركز دراسات الوحدة العربية
- دراسات في القومية العربية والوحدة , مجموعة مؤلفين , مركز دراسات الوحدة العربية
- الاستعمار الاستيطاني في فلسطين 1882-1948 معهد البحوث والدراسات العربية
النظام الاقليمى العربي , دراسة في العلاقات السياسية العربية , مركز دراسات الوحدة العربية
- أبحاث مختارة في القومية العربية , ساطع الحصرى و مركز دراسات الوحدة العربية
- الحركة القومية في مائة عام , مجموعة مؤلفين , دار الشروق
- موسوعة مقاتل في الصحراء باب القومية العربية, موقع الكتروني



#يحيى_سليم_ابو_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطورهوية المجتمع الفلسطينى بين الدين والعلمانية فى السياق ال ...


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - يحيى سليم ابو عودة - الدولة القومية العربية محاولات البناء والتحديات