أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - الزهايمر - قصة قصيرة















المزيد.....

الزهايمر - قصة قصيرة


طالب عباس الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 10:19
المحور: الادب والفن
    


الزهايمـر *
قصة قصيرة
طالب عباس الظاهر
إهداء: "يا أيها الشيخ الطاعن بالمأساة...الصامت أبداً بوجه المحنة...قد تحتاج لألف ذراع من فولاذ، لكي تمرّ بك العاصفة بسلام...وألف أخرى لغدر الزمان... وألف ثالثة لفرقة الإخوان... وألف رابعة لمت الانسان... و...وألف ألف لـ...أيا لهذا الخراب!!".
(صـراع)
_ بإمكاني أن أكون كما تبغين يا ميساء.. لكني سأخسر تاريخي برمته.. بل وأحكم بالإعدام على آخرتي ودنياي معاً..!
_ عذرك إنك تساير التيار
_ وأناقض نفسي...!
_ لا أنكر الثقل الذي يمثله اسم (طاهر الطيار) في الواقع الثقافي، لكننا لا نأكل أسماً وشهرة بل نحن بحاجة لشيءٍ آخر، إلى الخبز يا طاهر وإلى أبسط مقومات الحياة.
_ ميسـاء.. صدقيني فإن الجميع تلفّهم ذات الدوّامة وأنتِ لو.........!
_ وأنا أعتقد بأنك أحق منهم بالهبات التكريم والمناصب والأضواء، إن سعيت وتنازلت قليلاً، حرصاً على مستقبلنا معاً.
_ لكنهم مجرد حثالة.. نفايات.. يركضون حيثما اتجهت الريح.
_ لا.. ليسوا كذلك..لأنهم فقط يتصرفون بواقعية ليجلبوا السعادة إلى عوائلهم ويعيشوا الحياة ولن يلومهم أحد فيما بعد.
_ صحيح لكني........!
_ لكنك عاجز عن المحافظة على أسرتك وبيتك، وهم أفضل منك على أيةِ حال.
_ ما الذي يجري لكِ.. أنا أقول حثالة ونفايات، وأنتِ تقولين لي بأنهم أفضل منك؟!
_ لأنك ما عدت مقنعاً في بيتك، فكيف يمكنك الاستمرار هكذا ؟
_ .............!
_ هيا تكلّم.
_ .............!
_ لماذا تصمت هكذا كلّما هُزمت؟
_ ............!
_ هيا تكلّم تـ .... كـ... لـّ... م...!
_ .............!
(لحظـة حصار)
لألبسنّ زيف الزمان كلماتي، وأفقأنّ عين النحس المتتبع خطاي ولو بعد فوات الأوان، بأصابع تمعن دائماً باتهامي، بباطل يتلبس بوجه الحق أبداً، ويختفي خلفه، فيعلو صوته فوق الأصوات حتى على العادلة منها أحياناً بالجهل، وربما بغيره..!
يا طاهر.. مالك وهذا الزمن الرديء، الناعق في استطالات ليل الأحزان.. بألف ألف صوت نشاز.. إن حقك ضعيف حتى يثبت جدارته ؛ وباطلهم قوي لا.. لن تنكسر الآن شوكته.. !!
(انحدار)
إستطال صمته المريب.. أشكّ بأنه كان يسمعني، وقبل ذلك كان قد فقد النطق أيضاً، بعد تدني ذاكرته التدريجي.. ثم راح على مرِّ الأيام يزداد إهمالاً لأشياء مهمة.. وبدأ بنسيان حتى أقرب الناس إليه، فيجد صعوبة في تذكرهم..إذ راح يوغل في الانكفاء على ذاته، حتى الأصدقاء الذين كثيراً ما كانوا يترددون عليه، انفضوا من حوله ولم يعد أحد منهم يذكره خلال الآونة الأخيرة من حياته وقد صار أسيراً لتصرفات قبيحة وميول وعادات قذرة، فأضحى وجوده يثير تقززي وسخريتي وبدأت أخجل من ظهوره أمام الآخرين، وقد تبرأ منه حتى أهله وأقاربه، ووجدت نفسي أبحث عن التعويض في مكان آخر أقل قسوة على شبابي وإهمالاً لأنوثتي الجريحة.
وكم آلمني حيث كنت محط الإعجاب، ومحسودة لجمالي من قبل جميع معارفي، فانفتحت أمامي أبواب المغريات من أقرب أصدقائه إليه.. أجل ولم أستطع الصمود والمقاومة للاحتقار، لأن كائن النفور نما بداخلي بشكل رهيب.. شيء أعقد من قدرتي على وصفه اجتاح مشاعري؛ ففهمت أخيراً بأنني لست سوى امرأة ضعيفة تحتاج الكثير للاستمرار وحيدة.
(هواجـس)
أعرف جيداً بأنني غدوت مجرد مسخٍ يشبه اللاشيء.. وجود هش عائم في فجوة التاريخ، لأنه قطّع آخر صلاته بالماضي كسفينة في عرض البحر فقدت القدرة على تحديد الجهات، كائن متقطع الجذور، وصدى طنطنات أليفة في فراغات اللاشعور، قشة تتلاعب بها ريح الظنون، تحملها حيناً إلى متاهات التيه، وحيناً تمسك بها بقايا من وعيٍ مشلول وتشدّها دون جدوى إلى داخل كيان متهرئ، ينخره القلق وتعبث به الأوهام، حشرة كبيرة لزجة لكنها ذات فعل قليل، فلا تتناسب ضخامة الجسد مع خواء الإرادة..لذلك تجرّ خطاها الزاحفة باتجاه المجهول، بإرادتها أو من دونها نحو ظلمة العدم وبرودته وسكونه وبرزخية زحفه في العروق حيث عوالم الزمهرير.
(نصيحـة)
كم قلت له أن يكفّ عن هذا.. أخلاق.. مُثل..حقائق.. و.. و.. و...! يا طاهر انتبه لنفسك قليلاً.. إني زوجتك وأشدّ الناس حرصاً على مستقبلك كأديب وكإنسان، لأنه مستقبلي أيضاً ولي الحق أن أمنعك.
أصحِ يا طاهر من هذه الخيالات المحلّقة في فضاءات الحلم، وفي فراغات المحال.. فالعالم يقتفي شراسة الوحوش الكاسرة، وأماني الذباب، إلا فأخرج من شرنقة وهمك اللذيذ بالطهارة كخفر الباكرات!
إن الزمن يتلوّن والتقاويم تتحرك وأنت ساكن تنتظر فرجاً لا يأتي، وتحاول أن تفتت بإبرة صخور الواقع لتزيح عن طريقك جبل المستحيل..! لا تدع الصمت يغريك يا طاهر؛ فتستهويك اللذة الماضغة ذاتها...!!
(نهايـة)
شبه الظلمة تلفّ الغرفة، وستائر الشباك الوحيد تحجب ضوء الصباح المشرق في الخارج، بيد أنها لا تمنع وصول أصوات زقزقة العصافير، وهي تستيقظ مبكرة بين أغصان الشجر..كسرة من ظلام لم يلملم بقاياه المعتمة، وكأنها أنفاس ليلة لا تريد مبارحة المكان، وليس هنالك سوى فتحة صغيرة ينفذ منها النور إلى الداخل، بيد إنها تحاول عبثاً إدخال نهار جديد في ليل قديم بائس وحزين، يعلو وجهه شحوب وكآبة.
الجسد النحيل معلق كشبح في فضاء الغرفة، متدلٍ من السقف كخرقة بالية، والكرسي منقلب على ظهره، وهو ما زال يرفع قوائمه الأمامية إلى الأعلى..! فقد انطفأ بريق الأشياء ، ونامت بصمات الموت في الأعماق السحيقة، تضمّها قرقعة سكون الأبدية، وجلالها وهيبتها وعويلها.. المتدحرج نحو العمق المستحيل..رفوف المكتبة الضخمة خالية إلا من ذرات الغبار المتثائب عليها بكسل، وقد ارتسم عليها خط الضوء المنبعث من الشباك.. كي لا تفلت اللحظة، وتختلط التواريخ وتتماهى فيما بينها الأزمان وتنجح في إخفاء تجاعيد شيخوختها..! إلا أن هنالك بعض أوراق ترقد على الطاولة بهدوء غريب ، والقلم ممدد بسلام ملائكي بجانبها في رقدته الأبدية..!!
ورقة أولى: أحرقت جميع كتبي وأوراقي، وكتبت عملاً يقدم باسم مستعار.
ورقة ثانية: غير آسف على شيء بقدر أسفي على تنازلي مضطراً عن بعض نظافتي.
ورقة أخيرة: لا أحمّلك الذنب كله... كانت الرائحة تتبدل كل ليلة...!!
طاهر الطيار
1/1/1996
(اعتراف متأخر جداً)
الآن وقد آن أوان خريف العمر، وقد هدأت الزوبعة، وسكنت حرارة الآلام، وارتكن في النهاية كل شيء إلى هذا الإهمال المميت ؛ فأطلق قطار العمر آخر تحذيراته من قبل الرحيل ، قبل ترك المحطة مقفرة إلا من عبق الذكريات ويقظة الضمير وهيجته العارمة، فأجدني في هذه اللحظة مدفوعة بقوة مجهولة..عاتية لنبش ذاك الماضي البعيد، والخوض فيه ، وهي ذاتها القوة التي دفعتني فيما مضى بالاتجاه المعاكس تماماً..!
وإني لأعجب كيف تنقلب بي الأمور رأساً على عقب بهذا الشكل الغريب، ثم لا أجد مناصاً من البوح.. وسلك طريق التعرية والجلد بالمكاشفة الذاتية، وبعد أن عجزت كل الوسائل من تخليصي من هذا الألم.. أجل يجب الاعتراف ولو بشكل متأخر جداً بفداحة ما ارتكبت من خطأ، وما جنيت من ذنب بحقه واتجاه نفسي.. وكنت الخاسرة الوحيدة في الختام.. وهـأنذا أقلب المواجع، وأتفحص بعض بقايا أوراقه المصفرّة كوجوه الأموات وأستجلي كلماته الراسخة.. نعم فقد كان محقاً في كل ما ذهب إليه.. بيد إني في خضم الأزمة وطيش الاندفاع، ضيعت قدرة التمييز لأني حصرت الحياة في أيام .. بل وحسبت اللحظة نهاية المطاف.. فكم تملكني النزق اللعين، وخادعتني نزوة الشباب وغروره.
وكجزء من الندم وإرجاع بعض حقه المضيّع إليه، هاأنذا أقتفي الأثر الذي مرّ عليه عجلاً..كغيمة مطر مثقلة في بداية الشتاء.. ولكن فجأة دفتها الريح نحو البعيد.. ودون وعيي أحفّز القلم الآن ليلوك حروفه البكر، ربما الفجّة هذه.. في أولى تجارب النزف اللذيذ ؛ رغم استشعاري بصفير للريح في هذا الخريف الذي راح يستطيل من دون نهاية.. لعلّي أجد أخيراً لنفسي معها بعض العزاء.. في خضم هذه الإستطالات المريرة لوحشتي في وحدتي بعد فرار الأشياء..كل الأشياء .
هامش
* الزهايمر: مرض عصري يصيب الذاكرة بشكل تدريجي ؛ فيؤدي بالمريض إلى النسيان التام خلال مراحل تطوره ، ومن ثم الموت في نهاية المطاف.

[email protected]



#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتقام الصامت
- قصة قصيرة جداً الموناليزا طالب عباس الظاهر نظر إليها، كان ال ...
- رؤيا
- باراسيكلوجي


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - الزهايمر - قصة قصيرة