أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يحيى سليم ابو عودة - تطورهوية المجتمع الفلسطينى بين الدين والعلمانية فى السياق التاريخى















المزيد.....



تطورهوية المجتمع الفلسطينى بين الدين والعلمانية فى السياق التاريخى


يحيى سليم ابو عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 01:32
المحور: القضية الفلسطينية
    


السلطة كظاهرة اجتماعية سياسية تطورت وظهرت قبل الدولة بمفهومها السياسي بمئات السنين ،حيث شهدت المراحل الأولى لظهور البشرية انتظام الأفراد ضمن جماعات مختلفة يقودها أشخاص محددون يتسمون بالقوة و الشجاعة، واستمر هذا الشكل من الانتظام والحكم لفترة طويلة جداً يسودها تعاليم الإلهة بمختلف أشكالها ، فالحكم هو الإله الذي يحدد مصير المجتمع ، وهو الذي يضع سياسات مجتمعة، وهو الذي يوزع الخيرات عليهم ، وباقي المجتمع يدين له بالولاء والطاعة.
ومع تطور هذا الشكل أصبحت السلطة الروحية "الدين" هي السائدة في كافة المجتمعات البشرية حتى ظهور المسيحية التي شهدت فيما بعد سيطرة الكنيسة عبر نظرية "التفويض الإلهى" التي ساهمت بتقييد سلطة الملوك وبنفس الوقت عززت من دور الكنيسة التي تفردت بالسيطرة لقرون عديدة ،أغرقت من خلالها أوروبا بالظلام والحروب والعبودية .
إذاً تطورت السلطة بأشكال متعددة ومختلفة من خلال الأحداث التي طرأت على الحياة الاجتماعية للمجموعات البشرية ،بدءاً من العائلة ،القبيلة ،الإقليم ، وصولاً إلى شكل الدولة الحديثة والتي شهدت قفزات نوعية في تطور أشكال الحكم ، فلم يعد من الممكن أن تستمر فئات صغيرة تحكم وتضع القوانين وباقي فئات المجتمع تتلقى الأوامر ، حيث أصبحت هذه الفئات تطالب بحقوقها السياسية والمجتمعية ،فالمعرفة التي تراكمت لدى المجتمعات البشرية عبر نموها جعل أشكال السلطة تتماشى ومقتضيات العصر . فمصالح الأفراد ازدادت وتنوعت ، وبالتالي زادت وظائفها ،وهذا بدوره أدى إلى ضرورة زيادة عدد الأفراد القائمين على الحكم ، والذين ساهموا بصياغة النظام السياسي للدولة وفق المصالح العامة ، بحيث يشتمل النظام على وظائف سياسية وتشريعية وتنفيذية ومجتمعية تختلف من دولة إلى أخرى حسب وضعية كل دولة ،وحسب اختلاف ظروفها ومستويات تطورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
أي أن مصالح الدولة العامة هي التي تعمل على صياغة النظام السياسي وفق قيامه بأداء الوظائف الأساسية المنوطة به ،سواء كانت تشريعية أو تنفيذية ، وأي تقصير بهذه الوظائف يضر بشكل أساسي بمصالح الدولة العامة ، وبالتالي تنشأ فكرة تعديل النظام والدستور أو تغييره.
وتجدر الإشارة إلى أن تعدد وتنوع النظم السياسية حسب طبيعة الظروف التي نشأت فيها، وكذلك حسب المذاهب العقائدية التي يستمد منها النظام أسس وجوده –سواء عقائد سماوية أو أرضية وتصنف الأنظمة الديمقراطية إلى ثلاثة أشكال رئيسية وهى الملكية،الجمهورية ،الاستبدادية وتنبثق منها عدة أشكال أخرى مثل الأنظمة الديمقراطية ،الارستقراطية ،البرلمانية ،الرئاسية ، الطبقية وتطبق معظم دول العالم اليوم النظام الديمقراطي في الحكم بأشكاله المختلفة ،ويرجع الفضل للثورة الفرنسية 1789 بتعميق هذا النظام وإخراجه من إطار الوجود الواقعي.
لقد أصبحت الديمقراطية بأشكالها المختلفة في الحكم من أهم محاور الوجود الإنساني ،إذ لا يوجد نظام سياسي حتى اليوم يزعم بأنه يرفض الديمقراطية ، حتى النظم الديمقراطية –الدينية –تدعى ان الخبرة الدينية لدى نظمها بها مساحة واسعة من الديمقراطية وكذا النظم الاستبدادية والفاشية والثورات العسكرية والانقلابات العسكرية، جميعها تدعى مشروعها بإرساء الديمقراطية.
لكن في واقع الأمر تبقى الديمقراطية كمفهوم أشمل و اعم من تلك النظم السياسية رغم أنها تلحق بتلك النظم كأحد سماتها ن فهي ذات استقلال واضح ومنها تنبع القيم السياسية مثل الحرية، العدالة، المساواة، والمشاركة السياسية.
لمحة موجزة عن النظم السياسية في الدول النامية:
أثبتت الدراسات بمعظمها أن هناك علاقة جدلية بين الحراك الإجتماعى والتنمية والتطور الإقتصادى من جهة وبين الاستقرار السياسي من جهة أخرى والواقع الراهن يدلل على صحة هذه الدراسات ، فالتنمية الاقتصادية تقود إلى زيادة الوعي لدى الأفراد ومعرفتهم بحقوقهم و واجباتهم ضمن الإطار العام للدولة مما يساهم باستقرار النظام السياسي.
الدول النامية التي تشكلت بعد انتهاء مرحلة الاستعمار التقليدي ،انتشرت بها الحكومات العسكرية وحكومات الثوار أي أن السلطة كانت بيد النخب العسكرية التي لم تولى اهتماماً لعملية التنشئة السياسية واتخذت من العقائد الفكرية و الأيديولوجية راشداً لدساتيرها وسياساتها إما للقمع الفكري أو لتحشيد الأفراد حولها نظراً لسيطرة الأفكار الدينية بمختلف مشاربها على تلك المجتمعات ، كل ذلك أدى للفقر والبطالة والتسلط ورافقه بنفس الوقت سيطرة النظم السكرتارية ذات العقائد المختلفة ، مما أنشأ أفكار مثل القومية ،الاشتراكية الإسلام السياسي داخل تلك المجتمعات في محاولة منها للتخلص من الأنظمة العسكرية .
المتتبع لتطور الأوضاع السياسية في بلدان العالم الثالث يلاحظ بوضوح عدم قدرة الأنظمة السياسية في فترة ما بعد الاستقلال على التكيف ،، فالتكيف الأول لاستقلال هذه الدول هو الانقلابات العسكرية والتي في معظمها ساهمت بتقييد الأنشطة السياسية و تقويض تطور النظام السياسي لديها ،فبدت الحالة -العربية تحديداً- وكأنها امتدادا لنظام الخلافة العثماني وإن بصورة حداثية أكثر تحاول التواؤم مع التغيرات الكونية ،وإلى فترة قريبة جداً بالمقياس التاريخي لم نلاحظ وجود معارضة سياسية حقيقية في الأنظمة العربية إلا في السجون أو على شواهد القبور ، و من تولى الحكم في حينه أستمر للان على عرشه يورثه لأبنائه وفق نظام سياسي تمت صياغته ليخدم هذا التوجه و وضعت دساتير تلك الأنظمة لتحافظ على مواقع الحكام ومصالحهم.
الغريب أن الاستثناء كان في النظام السياسي الفلسطيني الذي تفهم حالة المعارضة السياسية قبل و أثناء وبعد تجربة أوسلو –تجربة التسوية- وهذا ما سنأتي عليه لاحقاً.
الدين والعلمانية التداخل في النظم العربية
لا يمكن توصيف الحالة الفلسطينية بمعزل عن المشهد العربي ،حيث أن الحالة الفلسطينية منذ الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني وهى تمر بحالة صياغة لم تتوضح ليومنا هذا أو لم تنتج نظاماً سياسياً واضحاً حتى الآن ، فالحالة الفلسطينية شكلت خليطاً من حالة الأمة العربية و امتداداً للحالة العثمانية التي بشكل أو بأخر لا زالت تظهر في الأنظمة العربية تحت عنوان –الإسلام السياسي – حيث أن المجتمعات العربية لازالت تبحث عن هويتها ما بين الإسلام –الدين- وما بين الشكل الحديث للحكم –العلمانية- وهى في إطار البحث هذا أنتجت العشرات من أشكال الأزمات التي رافقت الدولة العربية منذ نشوءها والتي لازالت تتجذر في المجتمعات العربية نظماً وأفراد.
وقد وصف برهان غليون تلك الحالة بقوله عن الحالة العربية "هي انهيار شامل للنمط القديم و إفساد عميق لآليات النمط المدني العنصري"أي ان الأنظمة العربية بما فيها النظام الفلسطيني تختلف عن الأنماط القديمة التي حكمتها الكنيسة وكذلك تختلف عن الأنظمة الحديثة التي تحررت من حكم الدين لها بإتباعها مبادئ العلمانية والتحديث لأنظمة الحكم والدساتير . وهذا ما يجعلنا نصف الأنماط الموجودة في الحالة العربية بما فيها فلسطين منذ الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بأنه نمط هجين ومشوه فلا هو نمط ديني ولا هو نمط علماني أيضاً في آلياته ودساتيره ،حتى إن وجدنا مظاهر الحداثة أو بعضها في المجتمعات العربية إلا لازالت ترتهن لحالة التداخل المشوهة الغير واضحة ما بين الدين والعلمانية ،و قد أثبتت التجربة –تجربة المجتمعات الحديثة – أن حالة التداخل لا تنتج إلا أنماط مشوهة وتفسخ المجتمعات ، ولعل تفسخ المجتمعات العربية في داخلها بالصورة التي نراها بما فيها الحالة الفلسطينية تدلل على ذلك ،فأي دولة عربية نرى بداخلها عدة مجتمعات وليس مجتمعاً واحداً كل مجتمع له أهدافه وطموحاته التي تختلف عن الدولة وأهدافها وطموحاتها ، أي أن الدولة العربية لم تستطع منذ ظهورها –استقلالها- وحتى راهن اللحظة أن تنتهي من عملية صهر أفرادها ضمن أهداف وطنية واضحة تتعلق بالتنمية والاقتصاد والتطور والحداثة , وأصبح كل مجتمع يعمل على تحقيق أهدافه لوحده وبمساعدات خارجية واضحة ونرى ذلك في المجتمع الديني ، المجتمع العلماني المجتمع الليبرالي الخ من تلك التقسيمات التي تتسم بها معظم ان لم يكن جميع الدول العربية .
ولعل الحالة الواضحة في التقسيم هي ما بين المجتمع المدني والمجتمع العلماني, وقد اتضحت هذه الحالة في فترة ما بعد ما حققته الثورة الإيرانية 1979. وما أنجزته من صعود لافت للإسلام السياسي في المجتمعات العربية ،والذي ظهر بصورة متطرفة في معظم الحالات للإعلان عن وجوده على الساحات العربية ،الإشكالية في الأمر أن هذا التيار يعبر عن شريحة واسعة جداً داخل المجتمعات العربية ،والذي ساهم بدوره في انتشار تصورات شعبية للدين الاسلامى في صفوف قطاعات اجتماعية واسعة وهو ما يطلق عليه الدين الشعبي أو التدين الشعبي والذي شكل العنصر الاساسى والجوهري في تشكيل الثقافة الشعبية لدى المجتمعات العربية بما فيها الحالة الفلسطينية .
ليس هذا موضوع بحثنا وإنما تم الإشارة له لتوضيح انتشار الثقافة الدينية الشعبية لدى قطاعات واسعة من المجتمعات العربية أثرت بدورها على صياغة الدساتير والنظم العربية ،والتي أنتجت بنية مشوهة في النظام وآلياته يسودها التخبط والفوضى وانعدام السيطرة والفرقة والنزاع فالنظم العربية بغالبيتها تمارس العلمانية –بفصل الدين عن الدولة –أو تسعى لذلك حسب الأدبيات التي ناقشت وتناقش النظم السياسية العربية وذلك لأن العلمانية شكلت عنصر أساسي في تطور الحضارة الغربية، وعليه حاولت تلك النظم نقل هذا الشكل دون أن يمر بصيرورته المعتادة في التطور التاريخي مما ساهم كما أشرنا بإنتاج بيانات مشوهة أعاقت ولازالت التنمية والتطور.
فتلك النظم ترفض أن تجعل الدين هو الأساس في الحكم على الطريقة الإيرانية وتنتقد ذلك ، وبنفس الآن تنظر للنظم العربية الأتاتوركية بعين الريبة إلى الحد الذي يصل إلى التفكير نخبوياً وشعبياً لدى الشرائح المتدنية وتعتبر النموذج التركي لا يتناسب والحالة الثقافية العربية التي أنتجت على مدار التاريخ بالواسطة التركية أو بالطريقة التركية-العثمانية- علة مدار ستة قرون، هذا التناقض عاشته ولا زالت المجتمعات العربية في نقاشها الدائر حول إشكالية الدين والعلمانية في المجتمعات العربية .
بهذا الصدد يقول الدكتور حسنين إبراهيم في علاجه لالإسلامية، وعلاقته بالدولة "أنه على الرغم من ضعف وهشاشة المجتمع المدني في معظم الدول العربية وذلك بحكم نشأته وكثرة القيود السياسية والقانونية والإدارية والأمنية التي تفرضها السلطات الحاكمة فإن الإسلام يشكل عنصراً مهماً في هذا المجتمع سواء لجهة القيم التي يستند إليها أو لجهة الدور السياسي والإجتماعى للحركات والتنظيمات الإسلامية المعتدلة إنما يتمثل في تزايد قدرة الجماعات المعينة على الوصول إلى القواعد الاجتماعية الشعبية وتعبئتها ،
وعليه تحرص النظم العربية على تحجيم نفوذ الجماعات الإسلامية ،بحيث لا يتجاوز دورها الحدود المرسومة لها من قبل السلطة .
ويذهب الدكتور حسنين بخلاصته واضحة ان الإسلام-الدين- لا يتناقض مع الديمقراطية.
الحالة الفلسطينية بين الدين والعلمانية
المتتبع لمراحل نمو المجتمع الفلسطيني يلحظ بوضوحالعالم، الأزمات التي مر بها منذ النشأة وحتى الوقت الراهن وذلك للخصوصية التي يتمتع بها عمن بقية المجتمعات العربية بفعل تداخل وتعدد الثقافات التي مر بها نتاج تتالى أشكال الاحتلال والاستعمار
والوصاية والاستيطان ،وما نتج عنها من تشريد وتشتيت لبنية المجتمع الأساسية أثرت في تركيبة المجتمع وهويته ونظامه السياسي .
وتعتبر فلسطين من أقدس البقاع الدينية مكانةً في العالم ، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول "ص" و أرض الأنبياء و مبعثهم، أي أنها تتميز بالمكونات الروحانية لكافة الأديان السماوية الرئيسية وهذا ما جعلها محط اهتمام وصراع في آن معاً. و تجدر الإشارة أن تبلور مفهوم الهوية الوطنية الفلسطينية.
جاء في سياق الإصلاحات العثمانية التي حاولت أن تواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بكافة المجتمعات الأوروبية التي ظهرت تجربتها للمجتمعات العربية، حيث في سياق الإصلاحات شكلت الدولة العثمانية متصرفية القدس 1871 وهذا شكل حدثاً حاسماً في بلورة الهوية الفلسطينية، حيث ربطت مباشرة بالسلطان العثماني وضمت في أول تشكيل لها كل ما عرف بعد ذلك بفلسطين الانتدابية، حيث كانت سابقاً سنجقاً تابعاً لولاية دمشق.
منذ ذلك التاريخ تبلورت في المتصرفية-فلسطين- نواة سياسية أخذت تشارك في النشاط السياسي على مستوى الدولة العثمانية. وارتبط الزعماء المسلمون بالوظائف الحكومية والمحاكم الشرعية، وبسبب موقع متصرفية القدس بين القاهرة وبيروت فقد تعرضت أكثر من غيرها للمؤثرات المختلفة نتاج ما أفرزه وصول الأفكار الأوروبية والتي أفرزت احتدام فكري في المتصرفية- القدس- أنتج بدوره تيارات فكرية سياسية أهمها التيار الإسلامي، التيار القومي العربي، والتيار الوطني.
ولأهمية الموضوع فقد رفض التيار الإسلامي الأفكار القومية والوطنية والتي وصفها بأنها أوروبية المنشأ ولا تلاءم أو تتواءم مع الثقافة العربية الإسلامية، وتزعم هذا التيار الشيخ رشيد رضا 1865-1935 الذي دعا للتمسك بالهوية الإسلامية والحفاظ على الدولة العثمانية. وعلى الرغم من وجود النخب السياسية والثقافية الفلسطينية التي أيدت الإصلاح في إطار الدولة العثمانية منذ دستور 1877 العثماني الذي نص على مساواة جميع مواطني الدولة العثمانية، إلا أن التيار العام الفلسطيني كان تياراً محافظاً أقرب إلى التيار الإسلامي الداعي إلى اعتبار الإسلام متغيراً أساسياً للانتماء.
لمحة عن المكون الإسلامي في الهوية الوطنية قبل عام 1948
بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية بالتعبير عن نفسها فكرياً وسياسياً بعد عام 1871 كما أشرنا وهو العام الذي تم فيه تسمية متصرفية القدس بمعزل عن سكان دمشق، وكانت تلك التعبيرات والمكونات الوطنية تتجه لمقاومة سياسة التتريك.
ومع ازدياد هجرة اليهود الى فلسطين تنبهت الحركة الوطنية الفلسطينية لهذا الخطر مبكراً وتمت مجابهته بالفتاوى الشرعية التي تحّرم بيع الاراضي، في بداية الأمر ولمواجهة هجرة اليهود والاستيطان ووعد بلفور لاحقاً تشكلت الجمعيات الوطنية المشتركة مع المسيحيين، حيث أسس الحاج راغب الدجاني أول جمعية اسلامية –مسيحية لمواجهة وعد بلفور والاستيطان، واتسمت هذه الجمعيات بالليبرالية في عملها ويشير عبد القادر ياسين في كتابه شبهات حول الثورة الفلسطينية أن هذه الجمعيات المشتركة بين المسلمين والمسيحيين وصل عددها إلى خمسة عشر جمعية، نشاط تلك الجمعيات وانتشارها أيقظ الثورة المضادة التي هدفت إلى تسويغ الصراع بصفة الطائفية بين يهود ومسلمين فأسست الجمعيات الاسلامية الخالصة في مواجهة اليهود لجعل الصراع والهوية تتسم بالدين منذ تلك الفترة.
مع تدفق الهجرة اليهودية وطرد الفلاحين من أراضيهم اضافة لتحيز الانتداب البريطاني لليهود، اتسمت تلك المرحلة بسيادة الصدامات الطائفية بين العرب واليهود 1920، 1921، 1924 وهي السنوات التي شهدت صدامات عنيفة بين العرب واليهود، هذا الأمر أعلى القيمة الدينية على القيمة القومية في الصراع، ودخل رجال الدين الاسلامي ميدان العمل السياسي، حتى أن القيادة السياسية اندمجت بالقيادة الدينية، فقد رأس الحركة الوطنية آنذاك الحاج أمين الحسيني الذي كان مفتياً للقدس ورئيس المجلس الاسلامي الاعلى.
تلك المرحلة اتسمت بدمج الوطني بالديني أي أن أعباء ومهام المرحلة الوطنية كانت تحمل مفهوماً دينياً يتمثل بالصراع مع اليهود.
وقد تعززت تلك المرحلة لاحقاً بانخراط الجمعيات الاسلامية في العمل السياسي، والتي أسست فيما بعد جمعيات الشبان المسلمين التي استطاعت أن تستقطب الوطنيين خاصة أن تلك المرحلة اتسمت بالكساد السياسي كما يشير علي حسن خلف في كتابه حول تجربة الشيخ عز الدين القسام، وأن الانتخابات التأسيسية في تلك الفترة أفرزت نجاح ممثلي جمعيات الشبان المسلمين في حيفا الشيخ القسام، وفي غزة حمدي الحسيني، وفي نابلس محمد عزة دروزة وفي صفورية الشيخ محمد سعيد عبد المعطي.
في اواخر تلك المرحلة والتي شهدت هبة البراق ظهرت بشدة صورة المكون الديني الاسلامي في الهوية الوطنية الفلسطينية وكان ذلك نتاج العلاقات الزراعية شبه الاقطاعية، الفلاحين الفقراء المعدمين، انتشار الأمية، لذلك اقتصر المنهل الأساسي للتراث الفلسطيني والثقافة الفلسطينية على الطابع الديني الاسلامي.
وتوجت ذلك المرحلة الوطنية بعقد مؤتمر اسلامي عام في القدس 7/12/1931 لبحث حالة المسلمين وصيانة الأماكن المقدسة كما أشار المؤتمر، أي أظهر المؤتمر الصورة الواضحة عن حالة الهوية الفلسطينية وحالة الصراع وهي الحالة الدينية، حيث اتسم الدفاع عن القدس وفلسطين، بأنه دفاع عن الأماكن المقدسة وصيانة الأماكن الاسلامية من أيدي اليهود المغتصبين.
المرحلة الثانية بدأت في أوائل الثلاثينات مع ظهور البرجوازية الصغيرة التي رأت أن الانتداب البريطاني هو العدو الأول والصهيونية مجرد ذيل له، وعليه ظهرت التيارات القومية مرة أخرى بعد أن كان شكل الصراع مع اليهود في المرحلة الاولى طائفياً أي أفرز هوية اسلامية بالأساس، ويقول ماهر الشريف في كتابه البحث عن كيان –دراسة في الفكر الفلسطينية 1908-1993 "يجب أن تكون العروبة شعارنا ويجب أن نستفيد من الإسلام فقط كما أراد الرسول "ص" أن يستفيد العرب منه، فالعرب هم أصحاب الشريعة الاسلامية ولكن هذا يجب أن لا 78ينسيهم أن اخوانهم في اللغة والقومية والوطنية والمصلحة من المسيحيين هم أقرب الناس إليهم".
هذه الأقكار التي طرحها الشريف في كتابه عبرت عن جوهر المرحلة الثانية في شكل التبادلية بين الدين والتيارات الأخرى في إدارة الصراع الفلسطيني- اليهودي- البريطاني في حينه، ومع ثورة 1936 التي وضع أسسها أو بداياتها الشيخ القسام كما تشير الوثائق حيث في 15/4/1936 أعلنت مدينة يافا الاضراب السياسي الذي انتقل الى كافة مدن وقرى فلسطين ليستمر ستة أشهر مما يعد أطول اضراب سياسي في التاريخ، ذلك الاضراب قاد لثورة مسلحة امتدت لثلاث سنوات، قادتها الاحزاب الوطنية الستة في حينه، الحزب العربي، حزب الدفاع، الكتلة الوطنية، الاصلاح، الاستقلال، مؤتمر الشباب، والتي شكلت اللجنة الوطنية العليا، في المحصلة كانت الثورة وطنية شاركت فيها جميع القوى والتيارات ونقلت الفكر السياسي الفلسطيني بأبعاد جديدة وطنية وقومية واسلامية. لتتسم تلك المرحلة الثانية من تطور النظام السياسي الفلسطيني بمزيج من الدين والقومية والوطنية وهذا ليس بمعزل عن الحالة العربية التي كانت تسير بنفس السياق ولكن تتميز الحالة الفلسطينية بوجود اليهود ومشروعهم الاستيطاني.
أما المرحلة الثالثة والتي أعقبت نهاية ثورة 1936 فقد شهدت تداخلاً بين الاسلامي والعربي والوطني فقد شهدت تلك المرحلة تشكيل الجامعة العربية من جانب، وشهدت نشاط لحركة الاخوان المسلمين في فلسطين من الجانب الآخر، حيث تم تأسيس أول فرع لجماعة الاخوان المسلمين في مدينة غزة برئاسة الحاج ظافر الشوا، ونظر الاخوان المسلمين للمعركة باعتبارها معركة ابادة وفناء ودعوا للجهاد المقدس ونظروا لفلسطين باعتبارها قضية إسلامية ليست محكومة بمزاج اقليمي أو مصلحة وطنية.
اذاً وخلال أكثر من خمسة عقود قبل عام 1948 شهدت فلسطين تأرجحاً لحجم ودور الدين –الإسلام- في الهوية الوطنية وكذا شهدت الفترة في مراحلها المختلفة تنافساً ما بين التيارات الاسلامية التي ترى في فلسطين قضية دينية – اسلامية وما بين التيارات الوطنية التي رأت أنها أمام قضية وطنية تتعلق بأطماع الصهيونية في فلسطين.
ومن التجربة الفلسطينية لاحظنا أن الحركة الصهيونية لعبت دوراً هاماً لمحاولة تغليب الطابع الديني في الصراع، حيث حاولت في أدبياتها وخططها الترويج أن فلسطين هي أرض الميعاد وأن الهيكل موجود تحت المسجد الأقصى وذلك لجعل الصراع ديني –تاريخي وليس قضية اغتصاب واحتلال أرض ووطن.
ومع ذلك فطوال تلك الفترة كان تدخل الدين واضحاً في التعبئة والقتال وظلت العلاقة بين الوطني والاسلامي قائمة والتي وسمت تلك المرحلة بالصراع الديني – الوطني.
أزمة المجتمع الفلسطيني بعد عام 1948
أسفرت حرب عام 1948 عن تدمير بنية المجتمع الفلسطيني وكذلك الكيان الفلسطيني الذي كان يمر بمرحلة بناء لم تكتمل منذ اعلان الامبراطورية العثمانية عن وجود متصرفية القدس عام 1871 مرورا بالهجرات اليهودية والانتداب البريطاني. لم يستطع المجتمع أو الكيان الفلسطيني طوال تلك الفترة حوالي ثماني وستين سنة أن يبلور كيانه الواضح فمن جزء من الامبراطورية العثمانية إلى جزء تحت الانتداب البريطاني الى احتلال أرضه عام 1948 أي أن العوامل الخارجية على مدار سبعة عقود ساهمت بعدم ميلاد هذا الكيان والذي حاول أن يظهر بالصورة العربية والاسلامية والوطنية الا ان محاولاته قضي عليها ابان حرب 1948، فقد قامت دولة اسرائيل على حوالي 78% من أرض فلسطين، وخضع الباقي للسيطرة العربيةن بين مصر التي تولت ادارة قطاع غزة، والأردن التي ضمت الضفة الغربية عام 1950 الى أن تم احتلالهما- غزة والضفة- بعد حرب عام 1967، عدا عن احتلال الاراضي الفلسطينية فالدمار الذي لحق بالكيان الفلسطيني وبنيته المجتمعية يتمثل بعدة أزمات ان لم تكن كوارث اخرى اعاقت المجتمع وجعلت حالته متميزة عن باقي المجتمعات العربية وحتى العالمية ونلخص تلك الأزمات بالتالي:
- تشتت المجتمع الفلسطيني بعد النكبة وتحوله الى عدة مجتمعات متناثرة موزعة على دول الشتات حيث يخضع كل مجتمع منها لكافة الظروف التي يعيشها المجتمع المضيف، مما أفرز التباينات في الثقافة العامة بين أبناء المجتمع الفلسطيني.
- تراجع دور قطاعي الزراعة والصناعة وتحول اليد العاملة للاعتماد الكلي على العمل في اسرائيل مما انتج اقتصاد تابع ومعتمد على اسرائيل المعظمة.
هذه الحالة التي عاشها المجتمع الفلسطيني ما بين تشتيت أفراده والحاقه اقتصاديا بالدولة المحتلة جعل البحث عن هوية أو أزمة الهوية الفلسطيني تطفو على السطح من جديد وبقوة.
وعليه شهدت السنوات بعد حرب عام 48 محاولات أولية للفلسطينيين لتنظيم أنفسهم في أحزاب واتحادات عام 67، والذي رافقه اتساع وتيرة التنظيمات السياسية وتشكيلها الذي بدوره أعطى خيوط واضحة لبلورة وصياغة الهوية الفلسطينية الوطنية، والتي كان أحد أهم اهدافها توفير إطار جامع للمجتمعات الفلسطينية التي اشرنا لها ولتجسر الفجوات التي نشأت بينها بفعل اختلاف ظروف كل مجتمع منها.
إذاً مثلت منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها إعلاناً للهوية الفلسطينية وكذلك نظاماً سياسياً للفلسطينيين حيث شهد أول مؤتمر فلسطيني شهر 5/64 اقرار الميثاق القومي الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومع ان ذلك الميلاد كان يفترض وجود نظام سياسي فلسطيني الا ان تشابكات وتعقيدات الوضع الفلسطيني وأزماته جعلت هذا النظام السياسي يتحرك ضمن هوامش ضيقة ويسير ضمن السقف السياسي المرسوم له داخل الجوار العربي المضيف وبالتالي ارتهن ذلك النظام بالوضع العربي الرسمي وسياساته، فمقابل الاعتراف بها عربياً كممثل شرعي ووحيد وفتح مكاتب لها في العواصم العربية اضطرت المنظمة الى تقديم التنازل السياسي المطلوب منها وهو قرارها الوطني وهذا ما حدث، ليس على صعيد حركة فتح فقط بل على صعيد كافة الحركات والأحزاب الوطنية التي لم تجد مجالاً للعمل في لجوئها سوى في إطار الهامش المتاح لها في الدولة المضيفة، واستمر ذلك الحال حتى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي شهدت تغيراً حاداً في الفكر السياسي الفلسطيني من زاويتين –الوطنو استقلاليته- حيث انتقل ثقل العمل الوطني وبصورة شعبية للداخل المحتل وهذا أعطى زخماً للقائمين على النظام السياسي بنوع من الاستقلالية في القرار الفلسطيني والتي فقدوها سابقاً بحكم ظروف تواجدهم في دول مضيفة يرتهنون لسياساتها وبالتالي ارتفعت شعارات القرار الفلسطيني المستقل، وتحرير الوطن، والمطالبة بالدولة...الخ من المطالب الوطنية.
أما الصورة الثانية، فقد شهدت اعلان تأسيس وقيام حركة المقاومة الاسلامية حماس كامتداد لحركة الاخوان المسلمين التي خفت دورها بعد تأسيس م ت ف وجاءت الانتفاضة الاولى لتعيد نشاطها وبقوة، ليس على الصعيد الكفاحي الوطني فقط، بل على صعيد الفكر السياسي الفلسطيني.
كانت البداية قد تكون غير ملفتة للصعود السياسي لحركة الاخوان المسلمين عبر حماس وذلك لأن ظهورها جاء في خضم انتفاضة شعبية عارمة لم يستثن أحد نفسه من المشاركة فيها، ولم يتضح ظهورها كعنوان أزمة في النظام السياسي الفلسطيني الا لاحقاً، فقد شهدت الانتفاضة الفلسطينية خلافات حادة بين مشروع حماس (الاخوان المسلمين) وبين مشروع منظمة التحرير (الوطني) والذي بدوره انقسم لمشروعين سياسيين يقوده كلاً من فتح، وفصائل المعارضة اليسارية.
واستمر هذا الحال الخلافي الذي أضعف الانتفاضة بعد ثلاثة سنوات على اندلاعها تقريباً، وتم استثمارها سريعاً ربما بوصفها الطلقة الاخيرة للاستثمار بمشروع مرحلي، وهذا ما كان في مدريد ومن بعده أوسلو.
أوسلو وظهور نظام الدولة
شكلت أوسلو وما تلاها من اتفاقيات مشروعاً لشرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات على طريق الدولة، أي الانتقال من فكرة الوطن والكفاح الى فكرة الدولة والبناء وفق المشاريع المرحلية، وهذا بحد ذاته يعتبر صياغة جديدة للفكر السياسي الفلسطيني وكذلك للنظام السياسي الفلسطيني.
وكما أشرنا سابقاً فقد تنامى المد الاسلامي السياسي والشعبي منذ مطلع عام 1988 واستمر بالنمو بعد ذلك ضمن إطار المعارضة لاتفاقيات اوسلو، إلى أن اصطدم بعنف عام 1996 مع النظام السياسي الفلسطيني الرسمي الذي تمثله السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا ما يقودنا إلى تحديد ذلك العام ببداية الصدام الحقيقي والعنيف بين مكونات النظام السياسي الفلسطيني ما بين العلمانية وما بين الدين عبر ممثلي كل طرف.
حيث شهدت السنوات اللاحقة قبل تفجر انتفاضة الاقصى صداماً سياسياً بين الطرفين بالصورة التي تعبر عن تنامي المد الاسلامي وبشدة وربما يعود ذلك لعدة اسباب نذكر منها.
- عدم انجاز السلطة الفلسطينية للاتفاقيات المتوقعة بفعل تعنت الجانب الاسرائيلي.
- التحريض الديني المستمر ضد المظاهر الجديدة التي طرأت على وضع المجتمع الفلسطيني- بما يشبه الحداثة- والتي أحدثت انقساماً واضحاً بين المتدينين في المجتمع كافة وبين من يدعون العلمانية والحداثة.
- ظهور الفساد الاداري والوظيفي للسلطة الفلسطينية كان عاملاً مهماً في الانحياز للتيارات الدينية.
وبناء على ما ورد أعلاه من مظاهر تم في اكتوبر 1999 تشكيل لجنة الدستور من قبل الرئيس الفلسطيني لتعد مسودة للدستور – مشروع مسودة الدستور المؤقت- والتي أنجزت وأعلن عنها في 14/2/2001 والنقطة المثيرة للجدل حول هوية الدولة تتمثل في المادتين السادسة والسابعة حيث تنص المادة السادسة على أن "الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وللرسالات السماوية احترامها" وتنص المادة السابعة على أن "مبادئ الشريعة الاسلامية مصدر رئيس للتشريع وتنظم السلطة التشريعية الأحوال الشخصية لأتباع الرسالات السماوية وفقاً لملتهم بما يتفق وأحكام الدستور والمحافظة على وحدة واستقرار وتطور الشعب الفلسطيني".
تجدر الإشارة أنه خلال صياغة المواثيق الفلسطينية السابقة كانت معظمها تنص على أن الدولة الفلسطينية هي دولة ديموقراطية علمانية يتساوى فيها جميع المواطنين بالحقوق والواجبات، أي أن صعود الاسلامي السياسي تدخل في صياغة الدستور الجديد، وتدخل في الانسحاب عن فكرة فلسطين الديمقراطية العلمانية.
ومع الإشارة الى أن إنجاز مسودة الدستور كان بتاريخ 14/2/2001 يجب أن نؤكد أن تلك الفترة شهدت دور التيار الاسلامي في انتفاضة الاقصى وبقوة وشهدت كذلك الامتداد الجماهيري الواسع لها بفعل الأزمات التي عاشها المجتمع الفلسطيني في فترة تجميد المفاوضات، وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي الفلسطيني حيث شهدت تلك الفترة الاغلاقات المتكررة لمعابر قطاع غزة، وكذلك شهدت تطلع الكثير من شرائح المجتمع الفلسطينيين للتغيير بسبب عدم تحقيق المفاوضات لنتائج مرضية.
اذاً ساهمت اختفافات اوسلو وكذلك العمل الشعبوي والدعوي للتيار الاسلامي بالمد الديني الواضح في سنوات ما بعد 1999، الى أن تفجرت انتفاضة الاقصى وان صح القول ذهبت أوراق اللعبة السياسية من حينها أدراج الرياح ولم تعد القوى الوطنية تمتلك الا العودة للخيار المسلح في سبيل الحفاظ على وجودها أولاً وللحاق بالحركات الاسلامية التي وجدت بانتفاضة الاقصى الفرصة الثمنية لخلط اوراق اللعبة السياسية كافة.
انتفاضة الاقصى وأزمة النظام السياسي الفلسطيني –أزمة هوية:
التاريخ العربي المحكوم بالخبرة الاسلامية من تجربة التراث الاسلامي أثبت أن أي صدام بين الأفكار الديمقراطية والليبرالية مع الفكر الاسلامي تحسم لصالح الفكر الاسلامي وذلك لأن المجتمعات العربية بطبيعتها وبحكم وقوعها طوال وجودها تحت الخلافة الاسلامية ظلت تتمتع بالجانب الديني في ثقافاتها وإن بدت مظاهر الديمقراطية والحداثة في المجتمعات الا أن الطابع الديني كان يغلب في أي تصادم، فجميع المحاولات التي جرت في العالم العربي لدراسة التراث الديني بصورة نقدية تم مواجهتها بعنف والأحزاب اليسارية لم تستطع التغلغل فكرياً داخل المجتمعات العربية وكانت تشحذ الشعارات الوطنية وليس الفكرية في سبيل التأطير لها، وكذلك الأحزاب الديمقراطية العلمانية لم تناقش مسألة تدخل الدين في الدولة الا حديثاً وذلك للحساسية التي يثيرها ذلك النقاش، هذا عدا عن أن العلمانية وصفت بالكفر والزندقة من قبل المجتمع المتدين في المجتمعات العربية وأنها نقلاً من الغرب الفاسد أخلاقياً ويجب مواجهتها.
الحالة الفلسطينية تماماً كالعربية ان لم تكن أشد وضوحاً بفعل أنها ورغم اتفاقيات أوسلو مرت وتمر بحالة تحرر وطني وبناء دولة والعامل الديني وأسلمة النضال والكفاح برزت واضحة في السنوات العشرة الاخيرة ليس لدى التيارات الاسلامية فحسب بلد لدى التيارات العلمانية وحتى اليسارية منها وهذا ما يوضح عمق الأزمة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني في التيه ما بين العلمانية وما بين الدين.
إضافة للعوامل السياسية والمجتمعية المتراكمة ظهر الدين واضحاً في تفجر انتفاضة الاقصى، حيث كانت زيارة شارون للحرم القدسي الشرارة التي أشعلت الانتفاضة واتسمت المظاهرات والاحتجاجات في البداية بالطابع الديني، وكان الدافع الديني وليس الوطني هو الذي يقود المواجهات، وكان الوطني مرتبك من الشعارات المرفوعة الا أن حسم ارتباكه لاحقاً بالانخراط في الديني وتغليبه على الوطني.
ولوحظ ذلك بشكل واضح في الخطاب السياسي الفلسطيني الذي ركز على الموضوعات الدينية في الصراع وانتفض خطباء المساجد ليذكروا بالصراع اليهودي الفلسطيني وارتفعت الشعارات والنداءات للعودة إلى الدين في مواجهة العدو، حتى المؤسسة الاعلامية الرسمية – تلفزيون فلسطين- جاءت معظم برامجها وفقراتها الفنية حول الدين، كل ذلك قاد الشعب الفلسطيني لانتفاضة داخلية موازية تمثلت بحرق وتدمير رموز غير دينية، مثل حرق منازل بعض المسيحيين لبيعهم المشروبات الروحية، وتدمير بعض الممتلكات الفلسطينية بحجة أنها رمز مسيء للدين، وكذلك حرق وتدمير العديد من أماكن السياحة على البحر لأنها تبعد الناس عن الدين. كل ذلك أدى لغياب المشهد الوطني لصالح المشهد الديني، وكادت الانتفاضة تنجرف إلى مسار معاكس، انتفاضة داخلية، حتى أن بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية والاجنبية والعربية في جزء منها وصفت ما يحدث بانتفاضة داخلية على السلطة وعلى رموز التحديث من أماكن سياحة ونوادي ومقاهي وحرق بعض منازل المسيحيين والاعتداء على بعض المراكز الاجنبية (الممثلية البريطانية).
ولأن الطابع الديني كان السمة الرئيسة للانتفاضة في غياب وعجز واضح لدى السلطة الفلسطينية والفصائل الوطنية الفلسطينية، فقد استطاعت التيارات الاسلامية وتحديداً حماس، تعميم آلية وطرف عملها في مواجهة العدو دينياً وليس وطنياً، وليس من قبيل المصادفة أو الضغط فقط أن الاجنحة العسكرية لكافة الفصائل الديمقراطية واليسارية اتسم خطابها بالتدين وعملها باسم الدين وتحرير المقدسات بدل تحرير الوطن والقضاء على اليهود بدل محاربة اسرائيل، بل أتى ذلك نتاج تراكم فترة طويلة من الثقافة الدينية التي لعبت ولازالت دوراًمهماً في صياغة الفكر السياسي الفلسطيني، فالمتتبع لكتائب شهداء الاقصى الذراع العسكري لحركة "فتح" طوال انتفاضة الاقصى لن يجد أي اختلاف في خطابها المقاوم عن خطاب كتائب القسام التابع لحركة "حماس" وكذلك الأذرع العسكرية لجبهات اليسار الشعبية والديموقراطية حتى أن استشهادييها كانوا يتلون خطاباً دينياً قبل التوجه للعملية الاستشهادية لا يختلف أبداً عن خطاب استشهاديي كتائب القسام ليس بالضمون الوطني بل الديني.
ربما رفعت الفصائل الوطنية واليسارية شعارات دينية وتمسكت بالدين في عملية استقطابية للشارع الفلسطيني محاولة اثبات انه ليس فقط حماس والجهاد ممثلي الدين، وأصبح هدف الانتفاضة صراع استقطاب بين أطراف النظام والجميع رفع راية الدين محاولاً حشد أكبر عدد ممكن إلى صفوفه.
وأصبحت الأزمة ما بين الدين والعلمانية واضحة وحسمت لصالح الدين في من يمثل الدين والوطن معاً.
هذا الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته الفصائل الفلسطينية المشكلة للنظام السياسي الفلسطيني وللهوية الفلسطينية جعلها تخسر وبشدة وتحديداً حركة"فتح" فمجرد خروج أطراف النظام عن البرنامج الوطني الذي راكموه وناضلوا لأجله، ومن خلاله لعقود طويلة، ليخوضوا صراع استقطاب عنوانه الدين، في ظل إحباط سياسي ومجتمعي وانتشار البطالة والفقر مثل خسارة شعبية وسياسية واضحة لتلك التيارات.
لقد استطاعت انتفاضة الاقصى حسم النزاع الشعبي والسياسي لصالح التيارات الدينية، فالاحباط السياسي والمجتمعي جعل شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني تبحث عن البدائل الممكنة واللا ممكنة، حيث فقدت الثقة بالنظام الوطني وبالشعارات الوطنية في ظل الضعف وحملة التحريض المستمرة.
وامعاناً في الخطأ وتكريسه استمرت أطراف النظام السياسي الفلسطيني "الوطني" بحمل لواء الدين في الاستقطاب ولوحظ ذلك في الخطاب السياسي للفصائل أو في الاعداد للانتخابات البلدية الذي شهد لدى كافة التنظيمات مراعاتهم لسلوك المرشحين من الناحية الدينية ويتم انتقاء المعروف بتدينه حسب الممكن، أو تطعيم القائمة بأحد الرموز الدينية المعروفة في المدينة أو القرية أو المخيم. وأذكر هنا ببعض فقرات من خطاب عبد الله الافرنجي عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" وأحد قادتها البارزين الداعين لتأسيس فلسطين العلمانية الديمقراطية، حيث وقف مدافعاً عن نهجه وعن حركة "فتح" بقوله "أنا مسلم وأبي مسلم وحفظت القرآن منذ صغري ونشأت على التعاليم الدينية الاسلامية" هذا القول قد يكون طبيعياً لو أنه لم يأت في سجال على نتائج الانتخابات البلدية مع الإشارة الى أن عبد الله الافرنجي يعمل مسؤولاً بمكتب التعبئة والارشاد في حركة "فتح".
إن التخبط في فهم العلمانية من جانب والدين من جانب آخر لدى الفريقين التابعين لكل مذهب أنتج ولازال العديد من الأزمات، فكثير من المفكرين العرب والمثقفين يحاولوا التوفيق بين المصطلحين ويحاولوا تأصيل تجربة الدين من الزاوية الديمقراطية والعديد منهم خرج بخلاصة أن الدين لا يتعارض مع العلمانية وأن العلمانية بها مساحة للمشاركة الدينية.
مرة أخرى، قد تكون الخبرة الطويلة لدى المجتمعات العربية تحت الحكم الاسلامي، الخلافة، وما أنتجته الخلافة العثمانية على مدار قرون عدة من تجهيل وفقر وأمية لدى المجتمعات العربية، هو الدافع الذي يحذو ببعض المفكرين العرب للبحث عن مفردات العلمانية، الاشتراكية، الديمقراطية، الليبرالية كاشكال للنظام السياسي من داخل الخبرة والتراث الديني الاسلامي مع أن تجربة المجتمعات الحديثة أكدت بالقطع أن انفصالها عن الدين، الكنيسة، كأحد أشكال الحكم كان الدافع الأساسي لانطلاقها نحو التقدم والنهوض في كافة المجالات، ولا يعني ذلك عدم التدين طبعاً بقدر ما يعني أن أسلمة السياسة ونظم الحكم لن تقود للانطلاق وستبقى محكومة بسقف التشريعات والتي تخضع لتفسيرات رجال الدين فقط، وبالتالي ستقاد الدولة والانظمة بما تقرره تجربة رجال الدين وخبرتهم والواقع أثبت رفضهم لمظاهر الحداثة والتقدم والانشداد للقديم فقط ليس من زاوية تاريخية للتطوير والنمو بل من زاوية التقليد والتبعية.
وخير مثال نسوقه التجربة الايرانية، الجمهورية الاسلامية، فايران تمتلك معظم مقومات التنمية والتقدم من ثروات البترول والغاز ومن موقعها الاستراتيجي ومن معدل مقياس التنمية البشرية لديها اضافة لامتلاكها حضارة عريقة في التاريخ – حضارة الفرس- ومكونها البشري المختلط.
ومع ذلك نجدها لا تستطيع التقدم خطوة للامام فهي تعاني من بطالة واسعة، انتشار الفقر، انعدام كافة مظاهر الديمقراطية، تدخلالحرس الثوري، ومنظمات ولاية الفقية في قمع التظاهرات، حتى الأحزاب جميعها على الساحة الايرانية في المكون السياسي اسلامية دينية، ولكنها تختلف بين اصلاحي ومحافظ، رغم كل الامكانات المتوفرة الا أنها محكومة بولاية الفقية أحد أشكال حكم الدين، فبيد رجل واحد فقط اعلان الحرب والسلام، العزل والتعيين، تقرير مصير عشرات الملايين بالحريات أو عدمها ...الخ، لن نعتبر ايران آخر النماذج الدينية الحاكمة ولكنها نموذج حاضر بيننا في سبيل المقارنة بين المجتمعات الدينية والمجتمعات العلمانية أو الديمقراطية.
اذاً قراءة أعوام انتفاضة الاقصى التي سبقت الانتخابات التشريعية الفلسطينية شهدت تخبط في مفهوم الهوية الوطنية والهوية الدينية وكذا شهدت ارتباط لدى النظام الفلسطيني وفكره السياسي قاد وأدى الى حسم المعركة مرة أخرى لغلبة الهوية الدينية، ولتراجع الفكر السياسي الوطني، الفلسطيني لصالح الإسلام السياسي النخبوي والشعبي.
الانتخابات التشريعية 2006 وتعمق الأزمة في الهوية والنظام السياسي
انعكست نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الاخيرة 2006 بآثار واسعة على الأوضاع الفلسطينية، وقد تكون نتائجها واضحة في السياق الذي ذكرناه سابقاً من تبلور وتطور الهوية الفلسطينية وانتقالها من حالة لحالة في وضعت تخبطي مأزوم ومحكوم لمجمل المتغيرات السياسية والمجتمعية والاقتصادية، فبالرغم من فوز حركة "حماس" بما يوضح حصاد لسنوات الانتفاضة وتغيير لثقافة المجتمع بشكل تراكمي على مدار ستة سنوات رافقها الفقر والحصار والقتل ليعلو الخيار الديني الذي أعلنت حركة "حماس" أنها تمثله – الا ان حركة "حماس"ارتكبت اخطاء قد تكون مصيرية لها خلال صعودها نحو تبوأ أعلى درجات سلم النظام السياسي- السلطة- هذه الأخطاء من شأنها أن تؤثر لاحقاً على ما أنتجته سنوات انتفاضة الاقصى من انحياز المجتمع الفلسطيني لجهة الدين، والبدء بالحراك مرة أخرى نحو مفاهيم الديمقراطية والعلمانية، حسب ما ترشدنا إليه الخبرة التاريخية في حراك المجتمعات وانتقالها من شكل إلى آخر، أخطاء حماس تتمثل بالمشاركة في الانتخابات التشريعية – أحد افرازات أوسلو- الذي ترفضه وتعارضه حماس، ولاحقاً شكلت حكومة فلسطينية وهي تعرف سلفاً أن تلك الحكومة ملزمة بالاتفاقيات الموقعة مع العدو الاسرائيلي حسب موقفها، وثالثاً ستكون ملزمة بتمثيل الشعب الفلسطيني والتفاوض مع العدو الذي أعلنت أنها تخوض معه صراع ديني أو صراع وجود.
من شأن هذه الأخطاء الأساسية أن تقود إلى صدمة متراكمة لدى العقل الفلسطيني تجاه ثقافته الجديدة التي تحول إليها – الثقافة الدينية- لأن ذهن الشارع الفلسطيني بشكل أو بآخر يرى التيارات الاسلامية ممثلاً للخبرة الدينية في النظام السياسي وفي تكوين الهوية الثقافية أو الدينية، ولأن الأخطاء لم تكن سياسية أو بنائية بل كانت أخطاء في صميم المشروع الثقافي السياسي الجديد وفي أعمدته الرئيسة – لاصلح ولا تفاوض والاسلام هو الحل- فمن شأن ذلك أن يعود بآثاره العكسية وإن بشكل تسلسلي بطيء.
إذاً الهوية الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني مرة أخرى عاد بعد التجربة الديمقراطية في المأزق السياسي العقائدي للمشاركة معها وتغطيتها اقليمياً ودولياً- كونها صنفت من الحركات الارهابية حسب التوصيف الاميركي- نفس المأزق قاد الحركة ومعها الشعب الفلسطيني للحصار الشديد والتجويع، ودخل الشعب الفلسطيني مرة أخرى تحت الفقر والجوع ليختبر نفسه في البحث عن هوية جديدة ونظام جديد يوفر له الأمان والحياة الكريمة، لأن تجربة حماس في الحكم – أي الامساك بزمام السلطة- يفترض سياسياً أنه نهاية الطريق في التعبير عن المشروع السياسي أو الوطني أو حتى الديني، فالسلطة هي أعلى درجات السلم السياسي ولا طريق بعدها الا سلطة الدولة القومية أو الدولة الاممية والتي يفترض أنها ظاهرة انتهت من التاريخ، ومع أنها أي حركة "حماس" ممثلة التيار الديني أو الإسلام السياسي لازالت ترفع شعارات على شاكلة الحرب المقدسة والشهادة والموت في سبيل الله أسمى أمانينا، الا أن الواقع يبرهن أن تلك الشعارات ما هي الا مرتكزات أيديولوجية لأهداف تعبوية واستقطابية فقط، و هذا بدوره يساهم في تيه وشرذمة الهوية الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني.
وحتى لو افترضنا أنه لم يتم محاصرة حماس –كحكومة-ولم يتم عزلها، فإلى أين كانت ستذهب في تجربة الحكم- وما هي مقومات قدرتها على الاستمرار في التعبئة لصياغة الهوية الدينية بعد أن انتقلت من صفوف المعارضة على صفوف السلطة ومن صفوف الجهاد المقدس إلى صفوف المفاوضات تحت سقف أوسلو والذي ساهم التحريض ضده بتوسيع قاعدتها الشعبية، وما هو شكل النظام السياسي أو حتى الدستور إن إرتأت تغييره هل سيلبي أدنى أو أقصى تطلعات الحركة ومعها تطلعات الشعب الفلسطيني، وهل سينجز أخيراً هوية فلسطينية واضحة المعالم ونظام سياسي يستطيع المراقبون توصيفه أم ستظل حالة الحراك والتقلب والتيه هي السمة البارزة للهوية والنظام الفلسطيني.
خلال التجربة الفلسطينية التاريخية ظهرت محطات كثيرة تم الانتقال فيها من الأيديولوجيا إلى السياسة ولأن التجربة الفلسطينية مغايرة لتجارب العالم فهذا الانتقال من الأيديولوجيا الى السياسة لم يتمثل فقط بالوصول إلى السلطة بل أيضا تمثل بالوصول إلى الأحزاب التمثيلية، اللجنة العربية العليا، حكومة عموم فلسطين، منظمة التحرير الفلسطينية، السلطة الوطنية الفلسطينية "بقيادة حركة فتح"، السلطة الوطنية الفلسطينية –قبل الانقسام- بقيادة حركة "حماس"، وفي السياسة بشكل أو بآخر تنتهي الايدلوجيا أو تتوقف، فعند الاصطدام بالسياسة ومتطلباتها لا تستطيع الأيدلوجيا النظرية أن تجيب عن استحقاقات السياسة وإن استمرت بلعبتها الأيديولوجية في المعترك السياسي في عالم مليء بمفاهيم الديمقراطية والحداثة والعولمة، فانها ستقود نفسها للعزلة والتراجع، وربما ذلك ما أربك ولا زال يربك حركة"حماس" بعد دخولها المعترك السياسي فمن الطهارة الثورية والعقائدية الى لعبة التنازلات والصفقات ومن العمل الدعوي والتعبوي والشعارات والأهداف الكبيرة الى التطلعات نحو الصفقات والاتفاقيات الصغيرة، هذا يطرح علينا التساؤل الهام هل سينتقل الجمهور مرة أخرى بهويته التي حملها لأهداف محددة لأن عالم السياسة يفرض على حركة "حماس" كما أشرنا أن تتخلى عن الأيديولوجيا الدينية وعن النظرية الثورية والتي بواسطتها استطاعت حماس كسب ذلك الجمهور لصالح هويتها الثقافية الدينية ومشروعها السياسي المعلن.
إذاً المكون الفلسطيني بكافة فئاته كان ولازال يتسم بعدم النضوج والرؤية الواضحة منذ العهد العثماني وحتى راهن اللحظة ويتشابه بذلك على حد بعيد مع المجتمعات العربية في نظرتها لتوظيف الدين في تراثها وتقاليدها، المختلف في المكون الفلسطيني هو مروره بثلاث مراحل هامة مرحلة الاقتلاع والتشريد، اللجوء، مرحلة المقاومة، مرحلة السلطة والتي لم تكتمل بعد، وقد ساهمت هذه المراحل الثلاثة بشدة في استدعاء الدين عند الأزمات، فالمجتمعات المتعثرة تتقوقع وتلجأً للروحانيات عند تعرضها للأزمات والأخطار الخارجية، والحالة الفلسطينية منذ ظهورها وهو تواجه الأزمات وتواجه تشريدها ولجوئها ولازالت أمامها مهمة التحرر، ورغم التقلبات التي مر بها المجتمع الفلسطيني وصولاً إلى اتفاقيات أوسلو، ومحاولة الانتقال إلى شكل الدولة ومن ثم الانقلاب السياسي إثر نتائج انتخابات 2006، كل هذه العوامل جعلت المجتمع الفلسطيني يستمر في عدم وضوح هويته ونظامه السياسي، عدا عن الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة، وحصار حكومة حماس منذ عام 2006 جعل الدين حاضراً في المكون الأساسي للهوية الفلسطينية وللنظام السياسي الفلسطيني على قاعدة أن الأزمات والمخاطر تقود المجتمعات إلى التمسك بالايديولوجيات والارتهان لها في مقاومة التحديات الداخلية منها والخارجية.

قائمة المراجع
• مجلة صامد الاقتصادي العدد 142
• مجلة رؤية العدد العاشر
• ازمة المشروع الوطني الفلسطيني، مركز دراسات الوحدة العربية- عبد الاله بلقزيز
• المجتمع المدني والتحول الديموقراطي في فلسطين- زياد أبو عمرو
• مجلة تسامح العدد التاسع
• النظم السياسية المعاصرة وتطبيقاتها، د.زاهر دكار
• محاضرات في النظرية السياسية، د. كمال الاسطل
• مجلة الدراسات الفلسطينية، الأعداد 46، 58
• مسودة الدستور الفلسطيني.
• النظم السياسية العربية، دكتور حسنين توفيق ابراهيم.



#يحيى_سليم_ابو_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - يحيى سليم ابو عودة - تطورهوية المجتمع الفلسطينى بين الدين والعلمانية فى السياق التاريخى