أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مجَّاد - هل تتذكر الدغارة معلمها الغريب - خالد عبد فزاع رحلة معلمٍ-















المزيد.....

هل تتذكر الدغارة معلمها الغريب - خالد عبد فزاع رحلة معلمٍ-


حسن مجَّاد

الحوار المتمدن-العدد: 3299 - 2011 / 3 / 8 - 15:42
المحور: الادب والفن
    


هل تتذكر الدغارة معلمها الغريب ؟
الأستاذ خالد عبد فزاع
-رحلةُ معلم ٍ –

( إلى أستاذي ومعلمي "خالد عبد فزاع" بالمحبة كلها )

تأخذه الشوارع بعيدا في شتاء بلا مطر ، إذ يكفي أن يبحث عن كراج الدغارة القديم؛ لكي يدخل عوالم أخرى ، إنها الدغارةُ القرية والمنفى ، المكان الذي زاره حينما كان طفلا عابرا على جسره باللوريات الخشبية في منتصف السبعينيات ، ظل ذلك المكان عالقا في ذهنه ببساتينه ونخيله ، ولم يكن في ذهنه يوما ما انه سيحل ضيفا في ساحات مدارسها ،يتحسس ورقة الأمر الإداري في جيبه "السيد خالد عبد فزاع معلما في مدرسة الخمائل الابتدائية " ، يأخذه الشغف إلى شاطئها الحزين ، ويداهمه ضجيج الأصوات والعربات الممتدة على طول الشارع" دغارة ... دغارة .. دغارة واحد واحد دغارة " ، انه الان يقف في منتصف الكراج حاملا كتبه وأوراقه ، ليزج بنفسه في مقعد منفرد يُطلُّ على شباك وحيد ، يتطلع عبره إلى زوايا الطريق الممتد من الديوانية إلى الدغارة ، الطريق نفسه الذي يوصل الجنود إلى معسكرات الحروب ، وهو نفسه الذي أصبح في التسعينيات طريق الأحرار والثوار ، الان هو في طريق أبكم تتقاذفه الباصات المحملة بأخبار العائدين إلى قراهم ، تمضي به السنوات ، وتمضي به الأيام بعيدا ، لم يكن لهذا الرجل الذي لم تعرفه القرية الجديدة بعد سوى تجربة أطاحت بشجرته في ثمانينيات القرن الماضي ، استُقبل طالبا في كلية الآداب في جامعة بغداد قسم اللغة العربية ، ولم يعرف من هذه المدينة سوى جسر الشهداء الذي يوصله بشارع المتنبي ، ليتيه فيه منفردا ويوقظه الغروب الذي يخيم على شناشيل البيوت القديمة ، المدينة التي احتضنت القروي بكل تفاصيل غيومه وألقته أخيرا في غياهب سجونها ومعتقلاتها الكبرى ، كان ذلك الحدث بالغا ، يوم خروجه من الكلية ذاهبا إلى القسم الداخلي الذي يقع على مقربة من قناة الجيش سابقا ، ليجد هناك غرفته المنفردة في ليل طويل بتهمة ظل عاجزا عن إبعادها من حوله ، ليس خوفا ، وليس هروبا من موقف ، بل لحقيقة لم يعرفها سوى طريقه الوحيد ، كان ذلك في أواخر شهر كانون الأول من عام 1983 ، ورُقِّن قيدُه ، وحُذفَ اسمُه من سجلات الدوام الرسمي .
تتباطأ السيارة في رحلتها ويبقى منفردا يمضي بذاكرته بعيدا ليقتنص منها لحظات الضياع حين نودي به بريئا من كل عيوب الساسة في كل العصور . وليتذكر بعد ذلك كيف احتفت به المدينة مرة أخرى على ضفة الهذيان حين خرج منعزلا يبحث عن مستقبل له في ظل الانتكاسات الكبرى ، بقي وحيدا ، وتهيأت له فرصة للدخول في دورة لإعداد المعلمين ، وتخرج منها بامتياز ، وها هي طلع ثمارها، ،يسأل احدهم كان جالسا بجواره : - ( أين الطريق إلى مدرسة الخمائل... قالوا لي انها تقع بعيدا ... لكن من أي الجهات ؟ )... ويكتشف أن من يتحدث إليه لا يسمع ، ويعود مرة أخرى منشغلا بماضيه ، إذ لعله يجد في مدرسة الخمائل ما يكسر الرتابة ويهدم قلق الانعزال ، إنها المدرسة التي تقع خارج الدغارة بعيدا عن مركزها باتجاه حدودها القصية ، وهي الدغارة قمر القرى النائمة على أكتاف مدينته، كان ذلك بين عامي 1995- 1996 ، ترى ما الذي اوصله الى هذا الدرب ؟، توقفت السيارة به في منتصف سوق الدغارة ، بين أصوات البائعين ووجوه الصبية الذاهبين إلى مدارسهم ، وادرك حينها انها لم تكن عاصمة كبرى ، ليتيه فيها ويحتاج إلى سؤال عن المكان ، أينما استدرت ستجد الجسر شاخصا ودليلا على انقسام الضفتين أما هنا أو هناك ، لا تحتاج إلى كثير من عناء البحث ، و إنما تحتاج إلى كثير من التأمل ؛ ها هو ينغمس أخيرا بهواجسه ، يأخذ طريقه الرملي ، ويتذكر انه قد خلف وراءه نهرا جميلا ، اذ لم يكن للشاطئ المتعب فرصة للقائه في مسائه الشخصي غير ان جسرا كان بانتظار عبوره حين كانت الشوارع تحتضن خطواته بهدوء .
آه ما أقسى الحياة كان أبوه قد اشترك سابقا مع حسن سريع في انقلاب على عبد السلام عارف في معسكر الرشيد ، ولاحت في خياله مدرسته الابتدائية المثنى تلك التي تغير اسمها إلى الفضائل في السبعينات ، واحتشدت صورة السادت في زيارته إلى القدس حين كان طالبا في الإعدادية ...

&&&&&&&&&&&&&&&
غروبا كعادتها تمر أسراب الفخاتي في سماء محلته القصية حي النهضة " أم دينار " على حد وصفه الذائع ، معللا وصفه بان القطع السكنية كانت تباع بدنانير ، وهو ما يؤشر الى البعد الاقتصادي لمرحلة تاريخية في العراق المعاصر ، لم يكن لهذا الفتى أن يغامر بحياته هكذا ، لم يكن ليمر عابرا في ذاكرة الأمكنة دون أن يحدث شرخا في رواقها الطويل ، وحدها الدروب الضيقة و الطويلة على حد سواء تفسر أسرار عزلته الدائمة ، وحده الخريف الذي يستطيع بكل لباقة الفصول أن يفهرس حياته ، تفتحت عيناه على مكتبة أبيه التي وجد فيها " القرآن الكريم ، نهج البلاغة ، كتب المنفلوطي ، الفضيلة ، العبرات ، ديوان المتنبي ، وديوان الشريف الرضي ، وديوان أبي العلاء المعري " وامتدت يداه إليها والى غيرها ، ووجد في المكتبة العامة المركزية مكانه هناك ، وأحس بشيء من الأسى الشفيف ، وشغلت اللغة العربية وآدابها مكانا في قلبه، فقادته قدماه الى قسم اللغة العربية الذي فتح له بابا من الحب والذكريات ، وبابا من الاسى والحزن العميق ... ، لم ينغلقا على الرغم من تبدل الأحوال ،وتحول المصائر ، واختلاف السنين ، فالتحق به في الدراسة المسائية بكلية التربية جامعة القادسية ، ولم يشمل بقوانين المرقنة قيدهم ، مضى وحده بعيدا عن العيون التي تتربص بخطواته بحثا عن بقايا زمن قديم ، درس اللغة العربية بمحبة ونال درجة البكالوريوس بدرجات عليا جعلته الأول على اقرانه ، واكمل الماجستير ، وعين فيما بعد مدرسا مساعدا في القسم ذاته بعد احداث 2003 .
ترى هل تكفي البطاقة الشخصية لتحديد العمر ، وعلى خلاف ما تشير إليه يولد الأستاذ " خالد عبد فزاع " في الديوانية من عام 1962 في اليوم العاشر من شهر نيسان الموافق السادس من ذي القعدة 1381 هـ وترتبط في حياته الأحداث الكبرى في تاريخنا المعاصر ، لم يكن عابرا أبدا ، ولم يكن ليصغي الا إلى أعماق ذاته يتأمل وجهه في المرآة بعد ان يصصف شعره ليرتدي قميصه الابيض بقلبه ، وبنطلونه الرصاصي خياره الوحيد .
هكذا شاهده صاحبي لأول مرة في المكتبة العامة كان حينها في الصف السادس الأدبي ، ولم يتوقع أنه سيراه في المرة المقبلة ، حدثني صاحبي قائلا :-( كان هو الوحيد الذي سرق بصري فجأة بهدوئه الغريب من نوعه وبصمته العميق ، لم أكن لأبصر الا نظارته التي راح بوساطتها البحث عن كتاب ما....
بينما انشغلت بما انشغلت به يوم ذاك حتى طفقت ابحث عنه في المكتبة المكتظة بالحاضرين فلم أعثر عليه ، ولم أتخيل أن الحرب ستجمعنا ثانية في إعدادية التجارة المكان الذي خصص لطلبة كلية التربية لأداء امتحاناتهم النهائية ).
طال الحديث بيننا و أخبرته ان من محاسن الحظ أن التقي بالأستاذ خالد في قاعة الدرس ، فقد اطل علينا أستاذا في الصرف دون تكلف وتعالم ، وكنا نحن التلاميذ نشكو من تعقيد في مسائله وموازينه المتشعبة ، وفوجئنا على يديه ان الصرف مقرون بالمعنى والصوت معا ، واخذ بأيدينا إلى نهايات الفصل ، وبقي الدرس عالقا في الأذهان واخذ مساحة من الذاكرة والمحبة .
درس الماجستير وكتب فيما كتب رسالته في علم الصرف ، وحقق رسالة في التصريف للالوسي " الجوهر الثمين في بيان حقيقة التضمين " ، وعمل في التحقيق ، وله فيه مفهوم راسخ في ذهنه يتعلق بالكشف عن تلك الرسائل التي صنفت في تيسير النحو و الصرف في الموروث العربي ، متبعا طرائق شيوخه المحققين في هذا المجال .
&&&&&&&&&&&
كان واقفا هناك يتطلع إلى مركبة تقله إلى مدرسة الخمائل تمضي به على ضفاف النهر ترى هل يكفي نهر واحد يمتد من جنوب مدينتا الى جنوبها الآخر؟ ؛ لنعلل حياتنا بغرابته؟ ، هل يكفي نهرنا الجميل الذي يتجول في قرانا بمفرده؛ لنعلل كل تاريخنا بعزلته ؟
هل تحاول الغرق وحدك ؟ فخذ ما يكفي من السماء لكي تحلق العصافير بهدوء
هل أنت تسمع الآن هذا الغناء الحزين المنبعث من المقاهي المركونة على ضفة الشاطئ : -
( يا طعم يا ليلة من ليل البنفسج
يا حلم
يا مامش ابمامش
طبع قلبي من اطباع الذهب )
هل أنت تسمعه بكل جوارحك لكي تتعرى في الهواء الطلق ، لا كما في المدن يكون الطريق على سجيته غير انك وحيد في هذه البلاد الغريبة ، وحيد برغم اختلاف النحاة في المنصوب ....
دخل المدرسة بعناية ، يتأمل وجه اللافتة التي كتبت بالخط النسخ هكذا " مدرسة الخمائل الابتدائية ، تأسست في عام 19" لم يكن الخط واضحا ليبرز العام الذي تأسست فيه ،... مال قليلا ليعدل نظارته ، و جعل لظل قدمه مساحة لكيلا يختلط بظل الشجرة الشاخصة امام الباب ليدخل متأملا الممر الذي يصل المدرسة بساحتها ...
&&&&&&&&
هل تتذكر الدغارة معلما جاءها عبر الباصات مخترقا حقولها ونخيلها ؟، هل تتذكر الدغارة معلما وأستاذا بحجم قلبه الكبير ؟ هكذا حدثني صاحبي حين كنا نقرأ ليلا استعدادا لامتحان نهائي تحت أضواء الأعمدة الكهربائية الممتدة على شاطئ الديوانية الكبير، لم نتخيل وقتها ان المدينة التي حاصرها التعب ستحتفل في صباحها النيساني على انغام الدبابات واوركسترا الرصاص ...




#حسن_مجَّاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مجَّاد - هل تتذكر الدغارة معلمها الغريب - خالد عبد فزاع رحلة معلمٍ-