أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وجيهة الحويدر - سُخف واستخفاف حتى الثمالة















المزيد.....

سُخف واستخفاف حتى الثمالة


وجيهة الحويدر

الحوار المتمدن-العدد: 986 - 2004 / 10 / 14 - 09:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هاهو شهر رمضان قد شارف على الدخول. وهاهي الامة الاسلامية والعربية على اهبة الاستعداد لإجازتهما السنوية غير المعلنة. شهر رمضان الكريم له طابع متميز ووقع خاص في نفوس المسلمين لخصوصيته بنزول القرآن، واحتضانه لليلة القدر في العشر الأواخر منه، حيث تُعد تلك الليلة خير من الف شهر. رمضان يتسم بالتقرب لله بالعبادات والصلوات والصدقات. الظاهرة المتعارف عليها في رمضان ان كثير من المسلمين يكفون عن ممارساتهم "للخطايا" التي يقومون بها طوال العام، ويتحولون لمدة شهر كامل الى عبّاد زاهدين عفيفين نقيين، يقومون الليل ويصومون النهار، لكن ما إن ينقضي ذاك الشهر الفضيل، حتى تعود "حليمة لعادتها القديمة"، فيشد كل واحد منهم الرحال الى ديار اخرى ليستوطن في دور الدعارة ويفترش افخاذ البغايا ويصبح زبون دائم في المواخير والحانات. رمضان شهر جليل لكن كثير من العرب المسلمين حولوه بسلوكياتهم وعاداتهم الى شهر بلادة وكسل، وتسكع في الاسواق، وسهر في المقاهي، واسراف، وقلة انتاجية، واستخفاف بالعقول ببرامج تلفزيونية تافهة تُعد خصيصا له كل سنة.

كل تلفزيون عربي له انتاجه ومسابقاته وردحه الرمضاني الخاص به. فعلى سبيل المثال التلفزيون السعودي يبث كل عام برنامج تمثيلي فكاهي يسمى بـ "طاش ما طاش" يُعرض بعد الافطار. ذاك المسلسل الكوميدي صار له اكثر من احدى عشر عاما وهو يجتر ويلوك ويلفظ ويتقيئ مشاكل وهموم المجتمع السعودي بطريقة قد تكون في بعض الاحيان مضحكة للغاية، لكنها في الوقت عينه مؤلمة ومهيجة للأسى والشجون. كان ومازال الغرض من المسلسل هو تسليط الضوء على التجاوزات والعاهات المعششة في المجتمع السعودي، ومحاولة لفت انتباه الناس من افراد ومسؤولين اليها واجراء تحسين عليها. فمثلا العام الماضي عُرض في احدى حلقات "طاش ما طاش" تمثيل كوميدي لاذع، كشفَ الستار عن الصعوبات والمعاناة التي تواجهها المرأة السعودية حين لايكون لديها ذكر كمحرم. كانت تلك الحلقة مضحكة لدرجة انها جعلت الفؤاد ينزف دماً، والكبد تتفتق كمدا، والروح تتلظى حرقة لأنها عرّت مدى القهر والتهميش الواقع على كاهلي المرأة في مجتمع فحولي بحت لا مكان للإنثى فيه. لم يكن قط هدف ذاك المسلسل مُقتصرا على التندر والسخرية والضحك بل على التحليل والمراجعة واصلاح مايمكن اصلاحه. العجيب ان النتيجة عكس ذلك تماما، فبعد احدى عشر عاما من عرض ذاك المسلسل، المواطن البسيط والمسؤول والوزير والصغير والكبير والمرأة والرجل جميعهم ظلوا يقهقون كل ليلة طوال شهر الصيام الى حد الهستيريا اثناء مشاهدة المسلسل، لكن ما بعد ذلك مجمل مشاكل المجتمع التي طُرحت فيه، بقيت عبر تلك السنوات معلقة الى اجل غير مسمى، وكل ماجناه الناس من ذاك المسلسل هو كوميديا سوداء قاتمة بقتامة وضعهم المأزوم وقضاياهم المعقدة.

اما التلفزيون الكويتي فحاله ليس بأطيب من حال التلفزيون السعودي. الدراما الكويتية في العشر السنوات الأخيرة اصبحت رديئة ومبتذلة، خاصة من بعد عودة الكويت ونجاة الكويتيين من تلك الحرب الجائرة التي أَلَمت بهم. فمنذ ذلك الحين وحتى الآن لم يخلو اي مسلسل كويتي من صفع النساء، وشد شعرهن، واهانتهن و"تعديل سلوكهن" على الطريقة الخليجية التقليدية. صارت تلك المشاهد اساسية في المسلسلات الدرامية الكويتية والخليجية ايضا، من اجل ان يشدوا بها الجمهور ويخلقوا فيها اثارة رخيصة ومقرفة. على الجانب الكوميدي اعتمد الكويتيون في مسارحهم وانتاجهم الفكاهي على السخرية السمجة. بالنسبة لهم السخرية من "الآخر" وتهزئته هو السبيل الأمثل لتسلية الناس واضحاكهم .فنمطهم على طريقة كوميديا العصور المظلمة في اوروبا. تجد ان "الآخر" هو "أراجوز" الشاشة الكويتية واداة للتندر والضحك. "الآخر" بالنسبة للمخرجين الكويتين هو الانسان المختلف بجنسيته أو بسواد لونه أو بزيادة وزنه او بقصر قامته او ببشاعة تقاسيمه. ذاك التوجه في الكوميديا موجود حتى في الدول العربية الأخرى، فهو يعكس جانب التخلف والعنصرية المتجذرة في نفوس القائمين على كتابة واعداد تلك البرامج. ويدل على اننا شعوب وحكومات لا تحترم آدمية تلك الفئات ولا تولي اهتماما لمشاعرهم.

عن التلفزيون المصري كان ومازال "يأكل حلاوة" بعقول المشاهدين العرب. لم يطرأ كثير من التغييرات على انتاج المصريين. مازالت الدراما المصرية كما هي قبل ثلاثين عاما والكوميديا لم تتحسن ايضا. لكن في السنتين الاخيرتين في رمضان، اثار مسلسليين زوبعة عجيبة في اوساط المجتمعات العربية، مما دلَّى على ان الإنتاج المصري مازالت له اسواق حية ومنتعشة. مسلسل "الحاج متولي" ومسلسل " العمة نور". الحاج متولي اتسمَ بمسحة كوميدية وطرح فكرة الزواج "الناجح" من اكثر من امرأة. حُلم الفحول العرب حققه لهم الفنان نور الشريف في ذاك المسلسل السمج. اما "العمة نور" حيث قامت بدور البطولة فيه الفنانة نبيلة عبيد فكان فشله ذريعا. لأنه كان يحكي قصة امرأة قدِمت من امريكا لتعلم الناس اصول الحياة المتحضرة وقواعد التمدن. الفكرة جيدة لكنها رُفضت تماما من المشاهد العربي بسبب التصاقها بامريكا. لو ان "العمة نور" امرأة اتت من تراب مصر ومن احيائها، لكان تأثير ذاك المسلسل ايجابيا في نفوس الناس.الأسوأ من هذه المسلسلات هو الافلام المصرية التي تُعرض كل رمضان عن ظهور الاسلام في الجزيرة العربية. معظمها افلام عتيقة ومهترئة، واسوأ ما فيها انها تعج بالزيف والاستغفال. تلك الافلام تُعطي صورة سوداوية عن حياة العرب قبل الاسلام، وتُظهرهم على انهم قبائل بشعة وقذرة، افرادها يتشحون بالسواد وسوء النوايا دائما. تُبين ان العرب قتلة ومغتصبين ومرابين ويعيشون كالحيوانات المتوحشة. ثم يأتي الاسلام فيعدّل كل شيء فيهم حتى مظهرهم ولباسهم، ويتحولون الى اناس انقياء ووسيمين ونظيفين، وتصبح ثيابهم السوداء بقدرة قادر ناصعة البياض!! بالرغم من انهم جميعا عرب وبعضهم ابناء عم الرسول عليه السلام ومن عشيرته ومن اعرق القبائل العربية، لكن العجيب تجد ان من اسلم فيهم صار جميل الوجه ونضرا وانسدل شعره بنعومة على الأكتاف، بينما من تمسك بدينه وظل مسيحيا او يهوديا او وثنيا فان شعره يظل منكوشا ووجهه مكفهرا والقبح يلازمه حتى يُقتل في الفلم او يموت. اما اذا اعتنق الاسلام فأنه يُضم الى سرب المسلمين ذوي الملابس البيضاء والوجوه الحسنة!!!

اما التلفزيون السوري فقد خطا سلالم كثيرة في انتاجه الدرامي، لكنه تراجع بشكل كبير في الجانب الكوميدي خاصة بعد غياب الفن الكوميدي الجاد. فبسبب سياسية الخنق والإختناق والرقابة القاتلة في المناخ السوري، نجد ان الفنان السوري يعبّر عن وضعه من خلال فتح طيات التاريخ. يفتعل قصص خيالية، او ربما يستنطق حدثا جرى في احدى الزمانات الغابرة، ويقوم بإسقاطه بطريقة مبطنة على مايحدث على ارض الشام. مجمل القصص التي تُمثل من خلال ذاك النمط السردي التاريخي، تعكس الواقع العربي ومرارته، وعلى وجه الخصوص الواقع السوري. دائما تُصور الدراما السورية مدى ظُلم الدولة للشعب ومصادرة حقوقهم وسحق آداميتهم، وكأن لسان حال الفنانين السوريين يقول "الحر تكفيه الاشارة." بينما الكوميديا السورية فحالها يشبه كثيرا حال الكوميديا الكويتية، فيما عدا انها تأتي بماركة تتسم بالاستهبال وتعدد المهرجين ثقيلي الدم وكثيري الحركة.اما عن الإنتاج الفني للدول العربية الاخرى فليس له صدى أو اي اثر يُذكر على الساحة الخليجية.

تلك هي اهم معالم ما جرى من قبل وما سيجري لنا في رمضان القادم.اذا المواطن العربي اراد ان يهرب من سموم الشقاء والبؤس التي يتعاطاها بمرارة يوميا، وأحب ان يغط في عالم البلادة والاستغفال، ما عليه سوى ان يتنقل بين المحطات العربية ويتجرع منها كل اصناف السُخف والاستخفاف حتى الثمالة.



#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اجل ذاك القنديل
- العالم يقطر انسانية
- رغد وعائشة ورانيا..حالات عَرَضية أم عاهات مستديمة؟
- إن كيدهم أعظم
- الى متى سيظل تاريخ الحضارة الإنسانية يُلقن مبتورا؟
- هل توجد هناك علاقة بين تناسق الجوارب وإزهاق الروح؟
- قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري
- لاستاذ حيّان نيّوف.. الاحتضار هو حين تسكن روحك جسد انثى عربي ...
- خرافة سندريلا المسكينة تمتهن الأنثى ومادونا تعيد إليها الروح
- وجيهة الحويدر تتلقى تهديداً بالإعتداء - إن يدنا تطول امثالك ...
- العنوسة خير ألف مرة من الزواج من رجل في هذا الشرق البائس
- لا يكفي أن يسترد النساء العربيات حقوقهن! أيها الفحول: دماء ا ...


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وجيهة الحويدر - سُخف واستخفاف حتى الثمالة