أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - فرِّق تسد، خوِّف تأمن، اعزل تدم!















المزيد.....

فرِّق تسد، خوِّف تأمن، اعزل تدم!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3298 - 2011 / 3 / 7 - 19:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل أيام، اكتشف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أن الحركات الاحتجاجية العربية، ومنها التي تستهدف نظامه، محركة من قبل إسرائيل والبيت الأبيض الأميركي. ومثله اكتشف معمر القذافي أن وراء الانتفاضة ضد حكمه خلايا نائمة لمنظمة القاعدة، تستخدم حبوبا مخدرة لدفع الشباب الليبي إلى التظاهر والاحتجاج. لكن لا يبدو أن اليمنيين يصدقون الكلام الموجه لهم من قبل الرجل الذي يحكمهم منذ 33 عاما، ولا أن الأميركيين والقوى الغربية يصدقون ما يوجهه إليهم من كلام حاكم ليبيا منذ 42 عاما.
على أن كلام الحاكميْن المفكّك بفعل تفكك نظاميهما يكشف جانبا من آليات الحكم الاستبدادي في البلدان العربية. أمام محكوميها، اعتادت نظمنا على التخويف من التهديدات والأخطار الخارجية. هذا يفيد في صنع قضية مشتركة مع المحكومين، وفي عزلهم عن العالم، وفي تخوين من يعترض عليها عند اللزوم. ولقد كانت هذه الخطة فعالة دوما، يعزز من فاعليتها العدوانية الحقيقية للمحور الأميركي الإسرائيلي.
وأمام القوى الغربية، بما فيها المحور المذكور، كان يقال إن البديل الوحيد عن الحاكمين هو الإسلاميون، وبين هؤلاء لا فرق بين معتدلين ومتطرفين. هذا ما تكشّف مؤخرا أن نظام مبارك كان يبيعه للأميركيين والإسرائيليين، وما يبدو أن القذافي أيضا لا يملك غيره يبيعه للغرب. والغرض هنا أيضا هو صنع قضية مشتركة مع تلك القوى الدولية الفاعلة، وإقامة حواجز نفسية وسياسية عالية بينها وبين مجتمعاتنا.
هل أبطلت الثورات والانتفاضات الجارية هذه الآليات الذهبية؟ قوضت صدقيتها إلى حد بعيد. لقد اقتضت تلك الآليات على الدوام تعهّد أزمة ثقة عميقة بيننا وبين العالم من حولنا. نحن لا نثق به لأنه عدواني ومتربص وغير ودي، وهو موقف يسّرت العدوانية الإسرائيلية انتشاره وتعميمه. وهو لا يثق بنا لأننا متعصبون وعدوانيون. ولقد وفّرت حركات عنفية إسلامية أسبابا لضعف التشكك الغربي في هذه الصورة. والواقع أنه قلما توقف الأمر عند تشكك سياسي، مشروع دائما، بل ضروري. لقد تعداه إلى "ممانعة" ثقافية وقيمية، وإلى انعزال ثقافي وأخلاقي عن العالم، تضررنا منه أكثر بما لا يقاس مما تضرر منه الغرب، وإسرائيل. بل إنه لا ريب أن انعدام الثقة المتبادل بيننا وبين الغرب، يبهج قلب الإسرائيليين، بخاصة بقدر ما هو يتخطى مجال السياسة إلى الثقافة، ويمسي "صراعا حضاريا". وكذلك بقدر ما نزين لأنفسنا الانعزال في اختلافنا على المشاركة في عالم واحد، متفاعِل.
على أن تغذية أزمة بين مجتمعاتنا والعالم من حولنا، الغرب بخاصة، وجه واحد فحسب لسياسة تعتمد جوهريا على صنع أزمات الثقة. داخل بلداننا نفسها تحرص نخب السلطة على ألا يثق محكوموها ببعضهم، وأن يخافوا من بعضهم. هذا يناسبها لأنه يجعل منها مصدر الأمن العام، والحل الوحيد لخطر "الفتنة" أو النزاع الأهلي الذي يبدو محدقا دوما. إلى جانب الكلام الهاذي على القاعدة وحبوب الهلوسة، استظهر القذافي وابنه معرفة سوسيولوجية رثة عن البنية القبيلة للمجتمع الليبي. القبائل تتقاتل وتتنازع مثلما توجد. تنازعها طبيعي. ومثلها الطوائف التي لطالما اعتبر وجودها بحد ذاته منبعا فياضا للطائفية والحرب الأهلية. وطوال عقد مضى، على الأقل، ترسخ الاقتناع عند كثيرين بأن اختلافنا الديني أو المذهبي وحده يضعنا في حالة تأهب للإطباق على أعناق بعضنا ما إن تسنح الفرصة. وأن الشيء الوحيد الذي يحول دون سنوحها هو وجود سلطات حازمة، تحجزنا عن بعضنا. ولقد كان العراق يبدو مثالا مخبريا لهذا الواقع المحبط، الذي تكفل مثقفون كثيرون بتحويله إلى علم أنثروبولوجي ناجز. وفي غير قليل من الحالات، كانت عشائر وطوائف هي الأطر الاجتماعية الحاضنة لإنتاج هذا الضرب من المعرفة، المثبِّتة بدورها للطوائف والعشائر كوقائع نهائية لا تقبل التجاوز ولا التفاهم. هذه خصوصيتنا، وهذا استثناؤنا!
اليوم، وبفضل الثورة المصرية بخاصة، وما تكشف عن ضلوع أجهزة مصرية في صنع "الفتنة الطائفية"، تثار تساؤلات مشروعة حول هذا العلم، وحول الوقائع التي تمفصل عليها. ويظهر أكثر وأكثر أن الفتنة صناعة سياسية، تشرف عليها بالضبط الجهات الرسمية التي يفترض أنها تحول دونها. وعلى الفور أخذت تخطر بالبال أسئلة بسيطة، كان قصف فكري وثقافي مُركّز قد غيّبها: هل بالفعل إن "السبب اللازم والكافي" كي نقتل بعضنا هو اختلافاتنا الدينية والمذهبية والإثنية؟ وهل يمكن أن يقتل الناس بعضهم بالمئات والألوف، وطوال سنوات، دون وجود قوى منظمة وتمويل وفير وتحريض مكثف، وقيادات سياسية، ونضال إيديولوجي دؤوب؟
وبتأثير هذه التساؤلات المحتومة، يميل كثيرون اليوم إلى أن الطائفية أمر صنعي ومتعوب عليه سياسيا، وأنها لا تتولد عن مجرد اختلافاتنا الدينية والمذهبية، وأن نظمنا القائمة أقرب في الواقع إلى مضخات للطائفية و"الفتنة". قبل شهور قليلة فقط كان تحليل كهذا يواجه بالرفض، أو بالصمت في أحسن الأحوال. اليوم يتطوع كثيرون لترويجه والدفاع عنه، ويتفكرون في سبل إبطاله.
هذا لأن التجارب ناطقة. لقد رأينا الحزب الدستوري التونسي والأجهزة الأمنية لنظام بن علي تحرض على أعمال النهب والتخريب إثر فرار رئيسها. رأينا نظام مبارك يفلت المجرمين والبلطجية على شعبه. والقذافي يتكلم على القبائل للداخل، وعلى "القاعدة" للغرب. وتُرصد في البحرين جهود لتحويل التمايز السني الشيعي إلى "جدار فصل" لا يسمح بأي اشتراك. ولطالما وظف حكم علي عبد الله صالح التمايزات المذهبية (شيعة وسنة) والجهوية (جنوب وشمال) والقبلية كمنبع لشرعيته ورفع الطلب على حكمه. ومثل ذلك في سورية بصورة، وفي العراق أيضا.
المبدأ واحد: فرق تسد! الطائفية هي الشكل القياسي للتفريق فحسب.
في المحصلة العامة تبدو هذه السياسة ورعاية اللاثقة بين السكان هي منهج السلطات المفضل في بلداننا للحكم، وبدرجة تتناسب مع سعيها للخلود فيه. ينبغي حفر خنادق عميقة بين المحكومين والعالم، وبين المحكومين أنفسهم، كي يكون الحكام المؤبدون مركز التقاطع والتواصل الوحيد بين داخل وخارج وبين الدواخل الاجتماعية المحكومة. هذا يمنحهم موقعا ممتازا للسيطرة السياسية والتحكم الاجتماعي والشرعية الدولية. يحصنهم، بالتالي، ويضمن دوامهم.
إن كان هذا التحايل صحيحا، على ما نقدر، فإن بناء الثقة يمسي عنوان السياسة المقاومة للاستبداد. ثقة المحكومين ببعضهم، والثقة المبدئية بالعالم من حولنا، بحيث نتحرر من الخوف من غيرنا ومن الانكفاء على أنفسنا. هذا جهد سياسي وثقافي، لا يتفوق عليه شيء من أجل محاصرة الاستبداد والتغلب عليه. وحدها نخب الحكم المسيطرة هي من يتعين عدم الوثوق بها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطة الشعبية المجرّبة لإسقاط الأنظمة المتجبرة
- في شأن الثورات العربية والاحتمالات السورية
- العرب، الرابطة العربية، القومية العربية: نظرة جديدة في أوضاع ...
- مصر وتونس، ونهاية عالم ما بعد 11 أيلول!
- غياب -الأجندات- ليس فضيلة ثورية
- أهؤلاء نحن؟ لا بأس بنا!
- مثل المصريين والتونسيين تماما، لسنا خارج الأمر!
- حركات التحرر المواطني...
- ثورات الكرامة
- من يتضرر من الثورة التونسية؟
- مغتسلا بالنار، المغمورُ بطلا
- في تونس ثورة... مفتوحة الآفاق
- من نزاعات الهوية إلى الاحتجاج الاجتماعي
- مناقشة لكتاب -السلفي اليتيم- لحازم الأمين
- الماهية والكراهية: الأديب الفصيح ضد -الرعاعة الأمة-
- خاووس
- يتغير السودان، المهم ألا يتغير النظام
- المرض بالإسلام...
- عرض نقدي لكتاب جلبير الأشقر: العرب والمحرقة النازية، حرب الم ...
- ويكيليكس والدول


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - فرِّق تسد، خوِّف تأمن، اعزل تدم!