أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - إيد واحدة














المزيد.....

إيد واحدة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3296 - 2011 / 3 / 5 - 13:19
المحور: حقوق الانسان
    


في الأيام التي ذهبتُ فيها إلى ميدان التحرير، منذ اندلاع ثورة 25 يناير، وحتى تنحّي الرئيس السابق عن الحكم في 11 فبراير، فرحتُ كما لم أفرح طيلة عمري. إذْ شاهدتُ في الميدان الدولةَ المصرية كما طالما حلمتُ بها. دولة يحبُّ فيه المرءُ أخاه دون سابق معرفة، ويتعاون معه دون عُقَدٍ وأسئلة قِبْليَّةٍ سخيفة حول عقيدة أو طبقة اجتماعية أو مستوى تعليمي أو وظيفي. دولة يؤمن شعبُها أن المحبةَ وحدَها قد جمعته على مشروع واحد. لم يكن ينقصنا إلا مشروعٌ واحد نتحلّق حوله. فمجموعةٌ تلتف حول متحدِّثٍ في إذاعة الميدان يشرح أسباب تدهور الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة في عهد مبارك. ومجموعة تلتف حول عوَّاد ينشد أغنيات الشيخ إمام بكلمات أحمد فؤاد نجم. تلك الأغاني التي علّمتنا المقاومة وحب الوطن ونحن طلاب بالجامعة في منتصف الثمانينات. ومجموعات تسير وتردد شعارات خفيفة الظل تحثُّ على تحقيق الهدف الذي هو مظلّة الميدان الوحيدة: "رحيلُ النظام". أبرز هذه الشعارات وأكثرها ذكاءً شعار: "إيد واحدة". في الميدان تجد شبابًا يرفعون لوحات عليها رسوم أو صور الشهداء أو شعارات أو مطالب. وعجائز يفترشون الأرض يلفتون الأنظار بطرق مبتكرة تدل على عبقرية كامنة تنتظر من يرفع الغبار عنها. شعارات صُمِّمتْ على لوحات جرافيك مطبوعة بالألوان، وأخرى مرسومة على الأرض بالحجارة، وباعة حلوى وأطعمة خفيفة، أو "نَصبة" شاي، على الأرصفة. عائلات نصبت خيامًا صغيرة، ومصريون من قِبلي وبحري يفترشون الحُصر ويتمددون جوار أمتعتهم كأنما في بيوتهم. يدعونك لتشاركهم أماكنهم ولقمتهم. جماعات تحتمي تحت البطاطين من الصقيع، وأخرى تتقي المطر تحت شراع بلاستيكي. على مداخل الميدان شبابٌ مثل الورد يقومون بتفتيشك وهم يعتذرون لك بآخر نكتة متداولة بين المعتصمين. وفي كل أرجاء الميدان باعة أعلام مصر. تناقشُ شابًا أو فتاة أو موظفًا أو رجل أعمال أو ربة بيت، فتجدُ إجابة واحدة حاسمة: "يرحل". ثم تنصتُ للإذاعة الداخلية تطلب خمسين شابًّا لمهمة ما، فترى أضعاف هذا الرقم يندفعون للتلبية. أولئك الذين صنعوا كرنفالاً أدهش العالم، هم أنفسهم الذين رفعوا الأحذية بعد البيان الثالث المتخاذل، وزحف بعضهم باتجاه القصر الرئاسي في العروبة، فأجبروا الرئيس في الأخير على الرحيل. تلك مصر الجميلة التي كانت في الستينيات الماضية، وتاهت منّا في زحام الفوضى والتشويش لبعض الوقت.
تلك اللوحة الرائعة لم تنحصر في الميدان وفقط، بل وقف شباب من كافة الطبقات والثقافات في الشوارع يحمون البيوت والأهالي من البلطجية الذين أطلقهم رجال الحزب الفاشي لترويع الناس. شباب اللجان الشعبية الذين قاموا بدور حيوي في الثورة، مرسلين للثوار في الميدان رسالةً مفادها: "نحن هنا نحمي عائلاتكم، فظلُّوا فيما أنتم فيه." وأعرف شبابًا حاولوا منذ اللحظة الأولى النزول إلى ميادين الثورة، ومنعتهم أسرهم خوفًا عليهم، بعضهم أصرّ فخرج، والبعض أخفق، فشارك بقلبه.
لذلك، فبقدر فرحي الغامر بنجاح الثورة، بقدر ما أخاف أن تذهب هذه الروح المصرية الجميلة، روح الوطن، وتتوه مرة أخرى مع الأيام. فيعود الموظف إلى التراخي، والبائع إلى الاستغلال، والغني إلى الاستعلاء، والفقير إلى الشعور بالعدمية. أخاف أن يعود المسلمُ إلى الاستقواء بالأكثرية، والمسيحيُّ إلى الاختباء وراء إحساس القهر. أخاف أن نعود إلى التشاجر بسبب الأهلي والزمالك، وأن يترهل شبابنا الرائع على المقاهي من جديد، ويعود شيكابالا إلى شاشات القنوات التليفزيونية والصفحات الأولى للصحف رافعًا حذاءه في وجوههم، أو أن نضطر إلى متابعة الخناقات الهزلية بين شوبير ومرتضى. أخاف حدّ الهلع من أن نفقد المكتسب الأكبر والأهم للثورة: الحب والجمال والعمل والعدل.
أرفضُ تصديق أن المصري "ابن أزمة". يحشد طاقاتِه ومواهبَه وذكاءه في المحن، وفقط. ثم سرعان ما يعود إلى السكون والكسل. تتراءى أمام عينيّ عشراتُ المشاهد تشي بذلك من التاريخ القديم والحديث: صورة متظاهرين 1946 على كوبري عباس يواجهون الرصاص بصدورهم مطالبين بجلاء المستعمر: "الجلاء التام أو الموت الزؤام"، هم أنفسهم الذين استكانوا وراحوا يبحثون للعسكر الطغاة عن مبررات لطغيانهم! صورة رجال الدين مسلمين وأقباط يتقدمون مظاهرات ثورة 19 يهتفون: "الدين لله والوطن للجميع"، وصورة الشباب المسلمين يصنعون بأجسادهم دروعًا بشرية حول الكنائس تحمي المصلين ليلة 7 يناير، وصورة الشباب الأقباط يحوطون المسلمين في الميدان أثناء تأدية صلاتهم، يتلقّون عنهم خراطيم المياه تقذفهم بها أجهزةُ حبيب العادلي. أولئك أنفسهم يتورطون الآن في تفجير هنا أو ترويع هناك؟ أرفضُ تصديق ذلك!
أرفضُ التصديق رغم بزوغ جذور انشقاقات عبثية حول المادة الثانية من الدستور، وهدم سور وقتل كاهن. لا أريد تصديق إلا ما يرسخ في ذهني بعمق: أن مصرَ هي مصرُ، لا تشبه أي بلد آخر. دعونا لا نفقد مصرَ من جديد. دعونا نحافظ على روح الميدان: كلُّنا "إيد واحدة".



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاهدُ على لحظة الفرح: المقدم حسين شريف
- حلمُ العودة إلى 1954
- مادةٌ -فوق- دستورية!
- -نريدْ/ إسقاط/ ْأبواقِ النظام -
- يومٌ آخر من ميدان التحرير، قلب مصر النابض
- لليوم الخامس عشر على التوالي، يحدث في مصر
- نحتاجُ رئيسًا بحجم تحضّرنا
- رسالة إلى كل أسرة مصرية، أرجوكم، لا تكونوا طابورًا خامسًا
- أكتب إليكم من ميدان التحرير
- احذرْ كتابَ التاريخ
- جمعةُ الغضب الساطع
- أشرف ثورة في تاريخ مصر
- شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم
- حوارٌ مع صديقي المتطرّف
- يا نعيش سوا يا نموت سوا
- هديةُ الرئيس لأقباط مصر
- دماءٌ على وجه البحر
- وجوب قتل مليون برادعي في مصر
- كاهنُ إيطاليا ومتأسلمو مصرَ!
- نعم، قدرُنا واحد!


المزيد.....




- حماس: الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين ستبقى وصمة عار تطارد ...
- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون
- الأمم المتحدة تدعو القوات الإسرائيلية للتوقف عن المشاركة في ...
- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - إيد واحدة