بلقيس حميد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 984 - 2004 / 10 / 12 - 12:57
المحور:
حقوق الانسان
من بين 101 شاعر وكاتب عالمي استلموا جائزة نوبل منذ عام 1901 ولحد ألان كان نصيب النساء عشر جوائز منها فقط , ما كان لعربية واحدة منهن الحظ بالجائزة رغم صعوبة ظروفهن واستحقاقهن كمبدعات ومناضلات, وبرغم سعادتنا إذ كان هذا العام عام للنساء النوبليات بامتياز, فجائزة نوبل للسلام وللآداب كانت حصة النساء .
بعد ثماني سنوات من بدأ منح جائزة نوبل للآداب ..جاء دور المرأة.. فنالتها الروائية السويدية سلمى لاغرولوف عام 1909 لتكسر هيمنة الرجال عليها, ربما قلة من النسوة العربيات سمعن بالخبر آنذاك حيث العرب يمرون بفترة من فتراتهم المظلمة, كانت سلمى لاغرولوف امرأة سائحة مرّت بفلسطين لتكتب روايتها "المدينة المقدسة" عن مهاجرين سويديين وصلوا إلى ارض فلسطين..
هل فازت لأجل هذا؟
أم لأنها سويدية ؟
ربما إبداعها الكبير يشير إلى غير ذلك لما أنجزته في الرواية والكتابة للأطفال, فكم من عقول حملت ذاكرة التاريخ لمدن عربية مقدسة وأسطورية , ضاعت بين قدور الطبخ ودموع الوسائد.
بعد سنوات طويلة تفوز الأديبة الإيطالية (داليدا غراتيسيا) عام 1926 صاحبة الشهرة الواسعة عن عشر روايات من بينها (زهرة السردينيا), بوقت كانت فيه زهرة عربية هي مي زيادة تحارب الجهل للبقاء على صالونها المشرق مفتوحا للنور وصوت العقاد وطه حسين والرافعي وسواهم من أعلام الفكر والأدب العربي , حتى ذوت وحيدة في مشفى الأمراض العقلية , غريبة , فـُجع الأدب بموتها الذي يليق بشاعرة مرهفة كما تليق جائزة نوبل بشاعرة مهدورة للنسيان.
بعد عامين فازت بنوبل أديبة نرويجية تدعى (سيغريد أوندست) بطلة المقاومة النرويجية للإحتلال النازي, أيام كان الحنين العربي للحرية لم يكن مقصورا على النسوة وحدهن بل رزحت شعوبنا تحت نير احتلالات متتالية وتقسيمات لازلنا نعاني من آثارها.
عشرة أعوام أخرى وتفوز بالجائزة الأديبة الأمريكية (بيرل بك) لتحدث ضجة لأن نتاجها لم يكن ليرقى إلى مستوى تلك المكانة في التكريم حسبما قيل، غير أن المحبين لكتاباتها قالوا أنها عرّفت الغرب بالصين وفجّرت في روايتها (الأرض الطيبة) وغيرها موضوعة الصراع بين الشرق والغرب ف (بيرل بك) عاشت اكثر سنوات حياتها في الصين.
وقبل عام 1945 فازت الشاعرة التشيلية (كابرييلا ميسترال) بجائزة تقديرية في بلدها،غير أنها اعتذرت عن الحضور لاستلام الجائزة لأنها لم تكن تملك ما ترتديه لمثل هذا الحفل، غير أن تشيلي لازالت تحتفظ بالأناشيد إلى ألان تمجيدا لشاعرتها التي حصلت على نوبل إذ كانت الشاعرة استاذة بابلو نيرودا فهو أحد طلابها،ولم تشهد حصوله على نوبل عام 1971 لأنها توفيت قبل هذا بستة أعوام. رحلت كابرييلا ميسترال لتترك لنيرودا شهرته وحياته التي أنقذتها أيام اختبأ في بيتها عندما كان مطاردا, أيام حصلت الشاعرة التشيلية على نوبل كانت نسوة عراقيات يشتركن بالتظاهرات في بغداد مطالبات بالحرية لبلدهن ولا نفسهن ضد التحالفات والمعاهدات االلاوطنية , فسقطت منهن الشهيدة (بهيجة) بطلة انتفاضة الوثبة والتي سميت بفتاة الجسر حيث موقع الحدث, والتي لم تعرف حتى على الصعيد العربي.
عام 1966 فازت الشاعرة السويدية "الألمانية الأصل" نيلي ساك بجائزة نوبل ليتغنى العالم طويلا بديوانها "جواد واهن"، بينما دب وهن الثورات ووهمها في بلداننا العربية ليهجم ركب الديكتاتوريات ويخنق الشعوب , فغابت الحرية والأمل عن بلداننا غياب نوبل عن النساء بعد هذا التاريخ لمدة 25 عام حتى فازت صديقة مانديلا الكاتبة الجنوب أفريقية البيضاء نادين غوديمر المشهورة في مناصرتها لقضايا السود وفي الدفاع عن حقوقهم وقد شكلت بجهودها الفذّة لتيار من الكتاب في العالم يواكب آلام التمييز العنصري ويكتب عنها.
وكأول كاتب أميركي زنجي نالت توني موريسون عام 1993 تلك الجائزة لتترجم أعمالها إلى اكثر من عشرين لغة. كانت توني موريسون في رواياتها تستعرض حياة الأفارقة في أمريكا وما تعرضوا له من ظلم وقهر عبر العصور.. في توصيف دقيق جعلها مشهورة في العالم العربي لتظافر نسيج حكاياتها عن التراث الزنجي اقترابا كبيرا من التراث العربي.الأمر الذي اكسبها شهرتها العربية.
في عام 1996 فازت شيخة الأدب البولندي الشاعرة فسلافا شيمبورسكا لتكرّم عن نتاج هائل وعطاء إنساني كبير في قضايا الإنسان وحضوره الكبير لديها منذ قصيدتها الأولى :(أبحث عن كلمة).
وجاء فوز الفريدة يلينيك هذا العام وسط صخب وضجيج عالمي ليقلب التوقعات بعد أن قيل عربيا عن احتمال فوز الجزائرية آسيا جبار والأميركية جويس كارول أوتس والدنماركية اينغر كريستنسن.
لقد فازت ملكة البوح الأنثوي وصاحبة النضال اليساري الطويل، ليختلط في أدبها السياسي بالفضائحي في نثر نسائي فريد.
وإذ نفرح نحن النساء لكل فوز تقوم به المرأة في عالم رجولي يحمل السلاح ويحارب , رغم صراخنا وبكاءنا على الأحباب, نفرح لامرأة أفريقية ناضلت بقلمها وقلبها من أجل الحب والحياة الصحية التي تمس الجميع, وأعود للعام الماضي لأذكر الإيرانية (شيرين العبادي) التي حصلت على نوبل بجهودها والتي اعتبرتها الحكومة الإيرانية مرتدة وخارجة عن أعراف الدولة والمجتمع ومنعتها من العودة لوطنها الأم , بذات الوقت نتحسر و نلقي نظرة على أوضاعنا وعلى حال الأديبات العربيات , اللواتي أعطين كل ما يعطى , أرواحا هامت خلف رفيف حياة مغزولة بالأخطار, فها هي نــازك الملائكة صاحبة قصيدة الكوليرا التي تقرأ الموج وتكتب شجرة القمر , تـُحارب هذه المبدعة بالنسيان والإهمال, عملاقة الشعر تغيب عن الوعي في مشفى ناء دونما تـذُكر, الأديبات العربيات في زمانهن الرجولي المتأخر عن الركب هن اليوم مثل طائر تعرقله ريح معاكسة لتعيق اللحاق بسربه , ريح تحاول جاهدة كسر أجنحته فيقاوم ويقاوم , يتعثر , يكبو كي ينهض, فكلمة في قصيدة تقولها أديبة تكفـّر ويـُهدر دمها كما حصل مع المغربية حكيمة الشاوي في قصيدة لها حين تلعن الجهل والتخلف , وقاصة تـُرجم بالحجارة حينما تكشف حقائق عمائم الزيف وتعاملهم الدنيء مع المرأة كما حصل لنوال السعداوي , وأخرى تحاصر كي لا ينشر لها وتتهم بالفضائح والسقوط .
لو كان هناك واقعا عربيا أجمل , وحكومات أعدل , وتقاليد أكثر إنسانية بعيدة عن عصور الجاهلية والوأد , لكانت أديبات العرب أول من استحق جوائز نوبل .
فتحية للأديبة يلينيك ولتفتح الحياة ذراعاها لكل مبدع حقيقي يكتب من أجل الإنسان أينما كان, وتحية لأديباتنا العربيات المقهورات بأزمنة التعصب الديني وانتعاش السلفية والتهم الجاهزة وخلط الأوراق, تحية إلى اللواتي يحفرن بالصخر بأقلامهن الرقيقة المسالمة, حاملات أرواحهن على الأكف , يتقدمن غير آبهات بالنيران .
لاهاي 10-9-4004
#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟