أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الحسين شعبان - ثقافة السلام















المزيد.....

ثقافة السلام


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3293 - 2011 / 3 / 2 - 16:22
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


بسبب معاناتنا الطويلة من الحروب والنزاعات الدولية والأهلية، ظلّت ثقافة السلام شحيحة ومحدودة بل شبه معدومة، ولعل أحد الأسباب مردّه التباس مفهوم السلام وتداخله مع مفهوم " الاستسلام" أحياناً. ولذلك استوجب من دعاة السلام والباحثين بصدق عن عملية بنائه على أسس صحيحة، تتسم بالعدل أولاً، وبالحق ثانياً، التصرف بحذر كي لا يعطوا تلك الإنطباعات الخاطئة، لاسيما فيما يتعلق بحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني. من هنا استقبلتُ الدعوة لتأسيس أكاديمية لبناء السلام بتدقيق وتمحيص.
المبادرة التي انطلقت من برشلونة (إسبانيا) والتي شارك فيها شخصيات أكاديمية وحقوقية عربية مرموقة برعاية مؤسسات دولية وإسبانية مثل منظمة Nova والمعهد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان وحركة السلام الدائم وغيرها، أعادتني إلى أجواء الخمسينيات من القرن العشرين حيث انطلقت في عدد من البلدان العربية حركة ناشطة لأنصار السلام. ومن المفارقة أن اسم "سلام" انتشر في الأوساط اليسارية والديمقراطية على نحو كبير، في العراق كما انتشر إسم "جمال" بعد العدوان الثلاثي على مصر العام 1956. وكانت علاقة عاطفية خاصة قد ربطتني بقضية السلام منذ أن إخترته إسماً لي عند انخراطي في العمل الحزبي قبل أكثر نصف قرن، وظلّ ملازماً لي لبضع سنوات. وكان عمي ضياء شعبان من المشجّعين لحركة أنصار السلام التي نشطت في خمسينيات القرن الماضي في العراق.
ربّما يستغرب اليوم أبناء الأجيال الجديدة بشكل عام، كيف استقطبت قضية السلام العالمي، شخصيات كثيرة خارج التصنيفات القومية أو الدينية أو المذهبية أو العشائرية، وهي من سمات مرحلة ما قبل الدولة، التي تقهقرت بعد نصف قرن. لقد وضعت أعداد من المثقفين العراقيين تواقيعها على تأسيس وتأييد حركة السلام العالمية، ومثلها من بلدان عربية أخرى، وتكلّلت جهود اللجنة التحضيرية، التي ضمّت شخصيات بارزة، بالنجاح ، حيث انعقد المؤتمر الأول التأسيسي في 14 تموز (يوليو) 1954 في بغداد بحضور نحو 130 شخصية وبتمثيل من غالبية المحافظات العراقية.
وكان من أبرز المشاركين رجل الدين الشيخ عبد الكريم الماشطة والدكتور طلعت الشيباني الوزير لاحقاً بعد الثورة والمحامي توفيق منير الذي استشهد تحت التعذيب العام 1963 والدكتور صفاء الحافظ المختفي قسرياً منذ العام 1980 والدكتورة نزيهة الدليمي أول امرأة يتم استيزارها في العالم العربي (1959) والمحامي عامر عبد الله القيادي الشيوعي المخضرم والوزير في سبعينيات القرن العشرين والمحامية نظيمة وهبي زوجة الشهيد أبو سعيد (عبد الجبار وهبي) والفنان المسرحي يوسف العاني وآخرين.
وقد أصبح عزيز شريف السكرتير العام لحركة أنصار السلام منذ تأسيسها، على الرغم من تواريه عن الأنظار بسبب محاولات إلقاء القبض عليه لنشاطه السياسي، وفيما بعد صدور مرسوم بإسقاط الجنسية عنه مع مجموعة من المعارضين السياسيين. وهنا نلحظ مفارقة مهمة هو أن المنتمي إلى حركة السلام آنذاك كانت تتم محاكمته وفقاً للمادة 89 (أ) من قانون العقوبات البغدادي، التي تصل إلى أقصى العقوبات، باعتباره ينتمي إلى حركة هدّامة، في حين أن النظر إليه إختلف بعد اتفاقيات أوسلو التي كانت تفريطاً بالحقوق وأقرب الى الاستسلام، الأمر الذي بحاجة إلى الكثير من الجهد لفكّ مثل هذا الاشتباك، لاسيما على الصعيد العربي.
كانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها، وصحا العالم بعد دخوله صومعة الحرب ودوامتها التي استمرت نحو ستة أعوام، ليجد نفسه مرّة واحدة قد تحوّل إلى خراب وركام، لاسيما ما حلّ في أوروبا، حيث سقط أكثر من 50 مليون شهيد، فضلاً عن تدمير البنى التحتية والهياكل الارتكازية والمرافق الحيوية.
ولذلك كان على من يشتغل على كتابة ميثاق الأمم المتحدة، أن يضع بالاعتبار هدف صيانة السلم والأمن الدوليين، باعتباره هدفاً سامياً من أهداف المنظمة الدولية، وتعهد الموقعون على الميثاق: إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب، وأن يأخذوا أنفسهم بالتسامح وأن يعيشوا معاً في سلام وحسن جوار وأن يضمّوا قواهم كي يحتفظوا بالسلم والأمن الدولي. وإذا أصبح هدف حماية السلام، علوّياً، فإن الصراع الأيديولوجي الدولي، قاد إلى نتائج أخرى، لاسيما بعد الصيحة التي أطلقها ونستون تشرشل العام 1947 والتي أشعلت فتيل الحرب الباردة، خصوصاً بعد انفضاض الحلف الدولي المعادي للنازية والفاشية، حيث أصبحت أوليات السياسة الغربية تقوم على ضرورة "اتحاد العالم الحر ضد الخطر الشيوعي".
وإذا كانت القوى الغربية تجد في الأحلاف والمعاهدات العسكرية تطويقاً للاتحاد السوفييتي وحماية لحلفائها وتوازناً سلمياً، فإن الكتلة الاشتراكية التي دعت إلى التعايش السلمي وجدت فيه خير وسيلة لتحقيق التنمية والقضاء على المجاعة والفقر وانعدام أبسط مستلزمات العيش التي وضعت الملايين بلا مأوى، على الرغم من اندفاع القوى الكبرى جميعها لدخول نادي التسلح الدولي من أوسع أبوابه في حمّى لم يُعرف لها مثيل.
في اجتماع تم تنظيمه في مدينة فراكلو البولونية، وهي مدينة مسحتها غارات الألمان النازيين مسحاً في الحرب العالمية الثانية، تألفت لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر السلام العالمي، على أن يعقد في باريس في العام 1949، وظلّ هذا الاسم يتردد في ذاكرتنا الفتية في أواسط خمسينيات القرن العشرين، لكن اجتماعاً ثانياً انعقد في براغ أيضاً، وكان من المؤمل عقد اجتماع موحد في مدينة شيفليد البريطانية، لكن تعذّر وصول الوفود أدّى إلى عقد الاجتماع الموحد في وارشو في العام 1950، وهو المؤتمر الذي انبثق عنه مجلس السلم العالمي الذي أصبح مقرّه في هلسنكي لاحقاً.
في خمسينيات القرن العشرين صدر نداء ستوكهولم للسلام العالمي ووقعه في العراق عدد من الشخصيات البارزة وفي مقدمتها عزيز شريف والشاعر الجواهري ورجل الدين عبد الكريم الماشطة والمحامي توفيق منير والشاعر الكردي عبدالله كوران والشاعر محمد صالح بحر العلوم وغيرهم. ولعلّ هذا النداء كان أقرب إلى بيان تأسيس الحركة، التي جرى تحريمها لاحقاً في إطار ما سمّي مكافحة الأفكار الهدّامة، عشية إبرام معاهدة حلف بغداد العام 1955.
وفي تلك الفترة ولغاية ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 شهدت الحركة السياسية والنقابية العراقية انتهاكات صارخة وسافرة، لكن الإطاحة بالنظام الملكي سهّل لحركة السلام ممارسة أنشطتها فعقدت مؤتمرها الثاني في نيسان (ابريل) 1959 وحضره الزعيم عبد الكريم قاسم، حين تم تشكيل المجلس الوطني للحركة التي أصبح سكرتيرها عزيز شريف، لكنها عادت مرّة أخرى إلى الانتكاس، لاسيما بعد انقلاب شباط (فبراير) العام 1963، واستمرّ الحال على هذا المنوال حتى انقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 حيث أعيد تشكيل الحركة بائتلاف حزب البعث الحاكم والحزب الشيوعي، واستبقي عزيز شريف سكرتيراً عاماً لها حتى وفاته في موسكو أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
وعندما انفضّت الجبهة الوطنية بين حزب البعث والحزب الشيوعي، انفرد الأول بالمجلس وحاول أن يطبعه بطابعه، ونمط عقليته السلطوية، في حين حاول الفريق الثاني في مطلع ثمانينيات القرن الماضي تشكيل لجنة وطنية للسلم والتضامن وأوكل أمر التنسيق فيها إلى كاتب السطور، وضمت من الأسماء القديمة: عامر عبدالله ود.نزيهة الدليمي ود. رحيم عجينة وبشرى برتو وكريم أحمد ود. مهدي الحافظ ونوري عبد الرزاق إضافة إلى شخصيات سياسية عربية وكردية بينهم الجواهري وعلي الشوك ومحمود صبري ومسعود البارزاني وهاشم علي محسن وفاضل الأنصاري وباقر ياسين ومحمد الحبوبي، وآخرين الاّ أن الهوى السياسي هو الآخر كان طافحاً واستمرّ على هذا المنوال، بل وتعدّاه إلى أهداف أخرى لاحقاً.
إستعدتُ ذلك وأنا ألبّي دعوة تأسيس أكاديمية بناء السلام، التي شعرت وجدانياً وموضوعياً بأهميتها، أولاً من حيث وزن الشخصيات الحقوقية البارزة التي تنادت لإعلان الأكاديمية كمؤسسة للمجتمع المدني وانتماءاتها الجغرافية والفكرية، فهي تنحدر من بلدان تعاني من الحروب والنزاعات الأهلية، مثلما هي فلسطين والعراق الواقعتان تحت الاحتلال، واليمن والسودان ولبنان التي تعاني من انقسامات حادة، وجميع هذه البلدان تعاني من مشكلات دينية وإثنية وطائفية. وثانياً أن مشكلة العنف وغياب ثقافة التسامح والسلام ظاهرة مقلقة ليس في هذه البلدان حسب، بل على المستوى العربي والإقليمي بشكل عام.
وحسناً فعلت الأكاديمية عندما أعلنت في بيانها التأسيسي المقتضب أن الهدف الإستراتيجي للمؤسسة هو العمل على نشر ثقافة السلام وتعزيز بنائه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتحقيق العدالة والإنصاف، اللذين يقومان على إنهاء الاحتلال واحترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام حقوق الأوطان في السيادة والاستقلال.
أعتقد أن وجود مؤسسات معنية بقضايا السلام يمكن أن يسدّ جزءًا من ثغرات كبيرة في سلّم احتياجات المنطقة، من خلال تكامل الأدوار بما يحقق الهدف الرئيس للمؤسسة في إحلال السلام وصون قيم الحرية والكرامة والمساواة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوابح المجتمع المدني
- عواصف التغيير الديمقراطي: أي خريطة طريق؟
- أخشى من إجهاض الانتفاضة التونسية
- العولمة: ربّ ضارة نافعة!
- خطاب القوة والتطرف معكوساً
- منولوج جو بايدن!
- خطاب ما بعد الكولونيالية: مراوغات الواقع
- ما بعد الانتخابات العراقية: استحقاقات وتحديات المستقبل !
- الغضب المصري بعد الانتفاضة التونسية
- قراءة تأويلية عن حضارة وادي الرافدين لكتاب متميّز
- ماذا بعد استهداف مسيحيي العراق؟
- صورة تونس النمطية: مقايضة السياسة بالاقتصاد!
- مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!
- حقوق الانسان في الوطن العربي:المنظمة العربية لحقوق الانسان ف ...
- الأمن الغذائي .. الحق في الطعام!
- بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟
- ساحل العاج دولة برئيسين
- حرب باردة في خليج ساخن
- الاستفتاء السوداني: بين الديناميكية والسكونية !
- بعد 50 عاماً مصير -حق- تقرير المصير


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الحسين شعبان - ثقافة السلام