أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد الحسب - الممثل والعناصر السينوغرافية: ( العلاقة الثانية )















المزيد.....



الممثل والعناصر السينوغرافية: ( العلاقة الثانية )


جواد الحسب

الحوار المتمدن-العدد: 3293 - 2011 / 3 / 2 - 00:15
المحور: الادب والفن
    


تأتي بعد العلاقة الأولى علاقة الممثل بالممثل الآخر، العلاقة الثانية المتمثلة بعلاقة الممثل بعناصر السينوغرافيا.
1. الممثل والإضاءة :
الشمس هي مصدر الضوء الرئيس للكون، وللحياة على الأرض، وللمسرح حيث بداية المسرح الإغريقي، وقد بقيت قرون متعددة يلعب تحت شعاعها ممثلون بارعون أمثال (ثيسبس). ومن المعلوم أن حاسة البصر عند الإنسان لاتستطيع أن تدرك الأشياء وتراها إلا من خلال الضوء ، ويُعَدُّ الضوء العنصر الأساسي لتحقيق العرض المسرحي. قد نستغني عن الديكور والأزياء والاكسسوارات، ولكن لانستطيع أن نستغني ولو لحظة واحدة عن الضوء . ولأهمية الضوء لذا يُعَدُّ فناً من الدرجة الأولى بالنسبة للفنون الأخرى، كالموسيقى والتشكيل والتصوير والنحت والشعر."في سنة 1879 التي كتب فيها ابسن مسرحية بيت الدمية اخترع توماس أديسون المصباح المتوهج. وكانت المسارح من أول من عرف هذا المنبع الضوئي الجديد. وكانت أوبرا باريس أول من استخدم النظام الجديد في الإضاءة المسرحية سنة 1880 . وسرعان ما عرف المصباح المتوهج طريقه الى المسارح في شتى أنحاء العالم"(1(
ولقد حققت الإضاءة تقدماً كبيراً، ولاسيما في مجال المسرح فتح الآفاق أمام المسرحيين من مصممين إلى مخرجين، ولقد شاركت الإضاءة في تعزيز لغة العرض وإنتاج لغة بصرية متميزة، جعلت السينوغرافيا برمتها تتوهج في رؤى جمالية . ولم يعد يحسب للإضاءة على أنها ضوء وظل، أو أنها تنير الظلام، فمن البديهي أن نقول هذا، ولكن صار للضوء لغة تعبيرية خاصة. وأصبح للإضاءة التأثير الكبير بالقياس إلى العناصرالأخرى، التي بدونها لايتم العرض، "إن الضوء يفرض نفسه بادئ ذي بدء كظاهرة فيزيائية وكبنية بيولوجية كثيفة الحضور، ويبدو أن انتشاره في المحيط يمنع من القيام بتأويله مباشرة تأويلاً سيميائياً"(2). والإضاءة في هذا السياق تقود المتلقي إلى مساحات تتعزز من خلالها معاني كثيرة ، فهي تكشف وتضيء، وتوضح لينجلي كل ذلك في صمت، ويتم تأثير ذلك على المتلقي. "يمايز الباحثون بين وظيفتين للإضاءة: وظيفة عملية، استعمالية وأخرى جمالية. والوظيفة الأولى، إضاءة مكان العرض والممثلين، وكل ما يقع، داخل المكان، أو الفضاء المسرحي. أما الوظيفة الثانية، فتعبر عن الخيالي أو المجازي، لتدخل في بنية الأحداث، والشخصيات معلقة أو موضحة ، أو مشيرة، إلى دواخل تلك الشخصيات، وما تنطوي عليه من حزن أو فرح أو خوف، أو رغبة أو قلق، أو تحوّ ل"(3).
وتلعب الإضاءة الدور الكبير في خلق الجو النفسي . ففي مسرحية (هاملت) شكسبير، ترسم الإضاءة ملامح مغايرة للشخصية، فحين تصدر من الأسفل أو من الأعلى بشكل عمودي، تخلق من وجه الملكة شكلاً آخر مغايراً لوجهها الطبيعي، وهو ما تريد أن تعبر عنه الصورة، "كذلك فإن الصورة البصرية التي تخلقها حركة الممثلة مع الإضاءة هي صورة وجه الملكة وقد تحوّ ل إلى جمجمة خلت من حدقاتها، وبذلك فإن المشهد يأخذ معناه المتكامل في السياق العام للحدث، ولاسيما أن هاملت في المشهد الأول من الفصل الخامس يحدث جمجمة يورك المهرج ويقول له : (بربك توجه الآن نحو غرفة سيدتي وقل لها: لئن تكثفي الصبغ إصبعين، فما نهاية وجهك إلا هذه )"(4). يلعب الضوء الدور الأكبر مع وجود الممثل، فيتشكل من خلاله دلالات مكتضة بالمعاني والجمال، ليوحي الينا بالحقائق العقلية والقيم الروحية، وللضوء حضور يؤثر بشكل مباشر في أعصابنا وأحاسيسنا ومن ثم التأثير في المشاعر لتوليد عاطفة تتفاعل وتتأثر بما يجري في العرض المسرحي ."يجب أن تقوم نظرية الضوء السيميائية في وقت واحد على تصور الضوء بوصفه ظاهرة فيزيائية وعلى تصوره ظاهرة نفسية دون أن تختلط مع أيّ من هذين التصوّرين"(5).
فوق خشبة المسرح لايكتمل كل شيء إلا بفن الإضاءة ، فالمنظر بجماليته التشكيلية لايرى إلا من خلال الإضاءة، فهي منسجمة مع روح العمل. وكثيرة هي الأعمال التي تعطي للإضاءة الدور الكبير والبارز، الإضاءة ترفع من مستوى التصميم وذلك من خلال الالوان، "إن المسرح في القرن العشرين يتمتع بالمزايا العظيمة والتقدم الذي أحرزه فن الإضاءة المسرحية والذي لم يتح له من قبل. والإضاءة الجيدة من بين جميع الحرف هي التي يستخدمها المخرج في تدعيم عمل ممثليه لانها أكثر مرونة وأقدر على التعبير"(6).
والإضاءة تأخذ بعين المتفرج إلى حيث الاماكن التي تكشف عنها، فهي تساعد على التركيز وتوجيه المتفرجين إلى مناطق معينة. لابد أن يكون هناك تصميم دقيق للإضاءة، "لذلك ففي المسرح الجيد الاضاءة نجد أن الممثل هو العنصر الاساسي في التصميم المرئي يعمل وسط حمام من الضوء"(7). المخرج في بحثه الدؤوب يريد من الإضاءة أن تتجاوز ماهو واقعي ومادي، فهو يريد أن تلمس الجانب الروحي، الذي لايرتبط بالواقع وبالقيم المادية، فهو يسعى إلى قيم أسمى وأعلى للضوء، "إن الجانب الروحاني للضوء هو الجانب الذي يرمز الضوء فيه للعالم المتحررعن المادة المتحررعن الحضور الفيزيائي وهنا يصبح الضوء يرمز للروحانيات، والضوء الروحاني يعبر عن المشاعر الإنسانية التي تدركها الحواس فيؤثر على الحالة النفسية للمشاهد"(8). إذا قدر للمسرح أن لايحيا أو يستمر في الحياة إلا بوجود الممثل، فالإضاءة تعزز وجوده، وتأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الممثل. وتتوجه جميع العناصر إلى الممثل كدلالة من بين جميع الدلالات المتداخلة تداخلاً عضوياً ما بينها مما يجعل العرض لغة شاملة متوحدة بعناصرها غنية بعلاماتها، لذا فإن المسرح بهذا المعنى فضاء دلالات إذا جاز التعبير. فكل عنصر من عناصر السينوغرافيا يحمل دلالته الخاصة، كذلك الممثل الذي لاينفصل بدلالاته عن الفضاء الدلالي الشاسع فالمسرح لايمكن له أن يحيا بعنصر واحد من العناصر الأخرى، وإنما تكامل العناصر لابد أن يعمل كل عنصر مع العناصر الأخرى في تداخل وإنسجام هارموني، حتى يتحقق العرض. فالمرئي هو ما تحققه السينوغرافيا. فالمسرح صورة مرتبطة بالممثل والسينوغرافيا والمتفرج الذي يشاهدها، وبالتالي فإن العناصر السينوغرافيا تكمن أهميتها بإنها تمسرح النص وتحيله إلى عرض ولا يكون لها هدف إلا تحقيق حضور الممثل في المكان والزمان المحددين. "عندما يسقط الضوء على المكان فنكون قد حددنا الزمان لهذا المكان. الظلال هي النتيجة الحتمية لسقوط الضوء المركز بشكل مباشرعلى الأجسام ووجود الظلال يؤدي إلى وجود التجسيم الذي يضيف البعد الثالث لهذا المكان فيعطي الإحساس بالواقع وبالوجود"(9). تُعَدُّ الإضاءة من أحدث التقنيات الدرامية جميعاً. مرت الإضاءة بمراحل زمنية مختلفة، استطاعت أن ترافقها تطورات مهمة عززت من حضورها واستخدامها. بدءاً من مرحلة تقديم العروض في الهواء الطلق، حيث كان ضوء النهار الطبيعي، كما في العروض الكلاسيكية القديمة في العهد الإغريقي، وحتى يومنا هذا. "اعتمد الإغريق والإليزابيثيون على الشمس كمصدر للإضاءة، ومنذ أن وجدت المسارح المغلقة في أواخر القرن السادس عشر وحتى عام 1914، كانت الإضاءة تتم بأضواء مبهرة في مقدمة الخشبة مسلطة على الممثلين. في عام 1914 علقت الأضواء الكشافة الأولى على حواف الشرفات في مسرح والاك في نيويورك"(10). كانت الإشارة أو اللغة هي البديل عن الإضاءة، في المسارح التي سبقت مجيء الإضاءة فمثلا لمعرفة الوقت كان يعرف عن طريق الممثل، حيث يشير إلى وقت الليل بذهابه إلى النوم، أو يعلن عن وقت العشاء، أو الغداء حينما يريد أن يقول أنه في وقت الظهيرة. كذلك استخدم إلى جانب ذلك المشاعل لإيهام المتفرج بإن الوقت ليل ومن خلال صياح الديك، يدرك المتفرج بإن الوقت فجر وهكذا. وفي المقابل لوكانت الإضاءة موجودة لاختزلت كل ذلك بلحظات واستطاعت أن تقنع المتفرج بسهولة، بينما في المدة التي سبقت أستخدام الإضاءة، يبدو من الصعب جداً إقناع المتفرج به. بعد ذلك استخدمت الشموع وقد كانت تقنية جديدة آنذاك في فن الإضاءة،(11) فهي تحدد الأشياء على الخشبة، حيث أن الإضاءة كاشفة للمكان من خلال تسليط الضوء، ولم يكن عملها في المسرح هو مجرد الكشف بل هناك غايات منها ابراز الممثل أو أي شيء آخر، ولهذا تصبح للإضاءة وظيفة أخرى تكمن في قدرتها على توليد الدلالات السيميائية، والتي تمثل جل عملها، وهنا يمثل الضوء والظل دلالة وتقنية، ولقد تطورت الإضاءة منذ نشأة المسرح حيث تتم العروض تحت ضوء الشمس، حتى مجيء الشموع التي دخلت المجال المسرحي، حيث "اعجب الكلاسيكيون الفرنسيون، بالشموع، وبقدرتها على إنتاج مؤثرات بصرية، لكن سرعة ذوبانها، شكلت عائقاً، أمام التوصل إلى إضاءة مستقرة، ومريحة. وارتبطت الإضاءة بالحركة، حركة الممثل، وبالديكور، فكان على الممثل أن يحدق دائماً إلى مصدرالضوء (الشمعة) وكان عليه أيضاً، أن يضبط حركته، وهو يتعامل مع الديكور. ثم انتقلت الإضاءة إلى الغاز ومن ثم إلى الكهرباء وظهر مايسمى بالإضاءة العامة (الإنارة) والإضاءة المركزة (داخل بقعة) وأصبح التحكم بالإضاءة تدريجياً ممكناً "(12). نادراً ما يعطي الكاتب توجيهات عن الإضاءة تلوينها وزوايا مساقطها، إذ إن هذا الأمر متروك للمخرج أو السينوغراف في أغلب الأحيان، وهنا يظهر إبداع مصمم الإضاءة في التوزيع الصحيح لمساقط الإضاءة وزواياها، حيث يتعمق فعلها ويأتي بنتائج تؤدي بالضرورة لنجاح العرض، "ومهما يكن فقد لجأ عدد من الكليات والجامعات إلى استخدام أنظمة معقدة للإضاءة المسرحية، وتجيز هذه الأنظمة لمهندس الديكور تسليط مجموعة من الأضواء على بقعة ما من الخشبة ثم يدع تلك المجموعة تعمل آليا فيما هو يرتب المشهد التالي وبالإضافة إلى أنها تسهل عملية السيطرة على الأضواء فإن هذه الأنظمة توفر أوسع نطاق من الألوان والتركيز والزوايا"(13).
لقد أحدث التقدم في مجال الإضاءة تطوراً كبيراً للمسرح بشكل عام وللعروض بشكل خاص، "تكنولوجيا الإضاءة تطورت بشكل كبير بحيث صارت تسمح بالتحكم في أجهزة الدخان والمؤثرات البصرية والموسيقى، وتوحيد الزمن المبرمج للضوء وتغيراته (...) تعني إبعاد ( المايسترو) المتحكم بإعتام الإضاءة وشدتها تبعاً للحالة النفسية للعرض، التي تتغير من عرض لآخر"(14). فبوسع الإضاءة أن تفعل كل ما يحقق تجلي الصورة وإبرازها جمالياً، وترسم مايريد أن يقوله النص حول الشخصيات وأفعالها فهي تختزل الكثير من الكلام محولة إياه إلى صور والوان وبقع وظلام وفصول – شتاء صيف، خريف، ربيع – وتبث في الشخصيات المرح والحيوية والإشراق، أو تغير من الشخصيات داخليا (سايكولوجياً) ولاتقف عند هذا وحسب وإنما صارت لها لغتها التعبيرية التي تتجلى من خلال الصورة. "هناك دور هام للإضاءة في إضفاء المسحة البلاستيكية ( المرونة ) على محتويات الفضاء المسرحي الجامدة، ( الأشياء الجامدة تصبح مرنة أمام أعيننا فقط بفعل الضوء الذي يسلط عليها، هذه المرونة لايمكن أن تنتج بشكل فني إلا بفعل الاستخدام الفني للضوء )"(15).
وكما هو الحال في عناصر الدراما الأخرى فإن للإضاءة جملة من القواعد التي يعرفها معظم المتفرجين، فالإضاءة حينما تنخفض قليلاً في بعض المشاهد يدرك المتفرج بإن ذلك أمر طبيعي ويستجيب له، كاستجابته للموسيقى التصويرية، ويتوقع جدية الأمر. وإذا كان انخفاض الإضاءة بالكامل، إظلاماً تاماً، فإن ذلك يعني إشارة إلى مرور مدة زمنية معينة، أو هناك تغيراً في الديكور أو في المكان بشكل عام. إن المتفرجين قد اعتادوا في معرفة هذه الأمور وذلك من خلال مشاهداتهم المستمرة للعروض المسرحية، فأصبحت لديهم الخبرة في ما يحصل داخل المسرح في حركة الإضاءة وتغيراتها. "فالاضاءة هي الموسيقى المرئية للحالة النفسية، اذا ما نفذت بمهارة يمكن الحصول على أقصى النتائج بأقصى ما يمكن من التشتت"(16). إن الإضاءة عالم رحب لا يتوقف عند حدود، فلغة الضوء تكوّن الجمل الضوئية، ومن خلال ذلك تؤثر في المتفرج "فلغة الضوء هي اللغة التي تخاطب إحساس ووجدان وعقل المتفرج من خلال إدراكه البصري ولها القدرة على التأثير السريع في نفس الإنسان"(17).
هناك الكثير من المسرحيات، تكون الإضاءة فيها استعمالية، أي أن مهمتها الكشف وابراز الشيء أو تضخيمه سواء الممثل أو قطع الديكور. بينما هناك مسرحيات والمسرحيات التعبيرية بشكل خاص تعتمد على الإضاءة كلغة، وتصبح لها وظيفتان كما أسلفنا. إضاءة أستعمالية وأخرى تعبيرية، والإضاءة التي تجمع بين الوظيفتين، هي الأفضل. "والوظيفة الأولى للإضاءة المسرحية هي إضاءة الممثلين وإنارة مساحة العرض. وعلى هذا المستوى لا يوجد فرق جوهري بين الإضاءة والضوء. والوظيفة الثانية للإضاءة هي التعليق على الأحداث أو التدخل فى مسارها حتى تصبح عنصراً فاعلاً من عناصرالأداء فى العرض"(18). أصبحت الإضاءة بفضل التطور الحاصل لها من أهم التقنيات في المسرح اليوم، لما لها القدرة على التعبير وتحقيق الجو النفسي العام، كذلك قدرتها على التعبير الشعوري والنفسي، للممثل من خلال ادائه، واستجابة ذلك بالنسبة للمتفرج، فتحديد الأماكن وإضاءة المساحات وسحب المتفرج إلى حيث الحدث ومجرى الفعل، كل ذلك أصبح بديهياً، وإنما الدور الأكبر الذي تمارسه الإضاءة هو تدخلها في سير الأحداث ومساعدة الممثل في أدائه بالفعل التعبيري وإثارة الانفعال ترى (جوليان هلتون) إن الإضاءة تمثل الجوقة في التراجيديات الإغريقية حينما تلعب دوراً مهماً في التعليق على الأحداث وتتدخل في سيرها وتحريكها عن طريق الممثل والتمهيد لها(19).
وربما يكون من جانب المبالغة حينما تؤنسن الإضاءة وتكون كما الجوقة، ولكن القصد من ذلك هو حجم الإمكانيات التي تتمتع بها الإضاءة، والديناميكية والقدرة على التعبير. فالإضاءة من العناصر الحديثة، استخدمت في فرنسا في القرن السابع عشر وكان يمكن أن يكون لها دور سميولوجي حتى تستقل بذاتها. لكن ذلك لايمنع من أن الدور المميز وذلك منذ اكتشاف الكهرباء وهي في تطور مستمر منذ قرن تقريباً حتى يومنا هذا. وتزداد أهمية الإضاءة في المسرح سواء كان المغلق (العلبة) أو المفتوح، في الهواء الطلق. "يوجد نوعان من أنواع الإضاءة المسرحية: الإضاءة العامة ( Flood Light) والإضاءة المركزية (Spot Light)، أما وظيفة النوع الأول فهى الإنارة الشاملة العامة ولهذا تستخدم دائماً عدسات خاصة لنشر الضوء على مساحة واسعة وهي العدسات التي تنسب إلى اسم مخترعها فريزنل فتسمى (Fresnel lens)"(20). فالممثل تحت الأضواء يشعر بإنه الصورة المرئية، وهو يدرك أن عليه أن يبدأ بالفعل، ومن ثم يدرك أيضاً أن حركته مع الضوء لها دلالاتها ورموزها تخاطب (المتلقي). فحركة الممثل هي المحور الذي يولد الاستجابات الانفعالية بمختلف انعكاساتها، فجسد الممثل لايرى إلا في الضوء وما يولده هذا الجسد من حركة وإيماءة وإشارة، وهو يعبر بذلك عن لغة مسرحية، منبعها الحركة والضوء، " نشأ المصطلح الفنى (pinspot) أى البؤرة الصغيرة الدقيقة وهو يستخدم فى وصف دائرة الضوء المركزة على وجه الممثل فقط (...)وتلون الإضاءة عادة عن طريق وضع مرشحات (فلترات) أو شرائح من مواد شفافة (gels) توضع أمام الكشافات. ومع تقدم الصناعات البلاستيكية تطورت أساليب تكوين الإضاءة وحققت درجة عالية من الدقة والوضوح"(21).
إن الحركة مع الضوء هما أساس لغة المسرح، فمن خلالهما تخلق صوراً متدفقة عبر المشهد، فكل ما في الفضاء من تشكيلات صورية ماهي إلا صور ناطقة لها دلالتها، فالضوء واللون والكتلة تجتمع من خلال تشكيلها فتنتج دلالات وتأويلات لا حصر لها. فالإضاءة تعلن عن المكان وتحدده، فمتى ما سلطت على أي مساحة من الخشبة فذلك يعني أن هناك حدثاً في هذه المساحة المضاءة سوف يبدأ بالحركة، وأن الإضاءة هي التي تبدأه وهي التي سوف تنهيه. إن عملية الكشف والعزل التي تقوم بها الإضاءة لتكشف عن مجريات الأحداث، سواء كان ممثلاً أو أي قطعة ديكور أخرى وهنا ندرك أن الإضاءة لاينحصر عملها في تحديد المكان، وإنما أيضاً في إبراز الممثل أو أي شيء آخر على الخشبة، وهي بهذه الحالة تصبح علامة للأهمية المؤقتة للشيء المضاء. "وحديثاً ظهر أسلوب الإضاءة بأشعة الليزر التى توقع لها الجميع أن تحدث ثورة فى مجال الإضاءة المسرحية بسبب حدتها ودقتها، لكنها رغم ذلك نادراً ما تستخدم فى الواقع. وأخيراً ظهر أسلوب الإضاءة المعروف بالهولوجرافى ( holography ) أو أسلوب الصور المجسمة الذي يمكـِّن مصمم الإضاءة من خلق سلسلة من الصور الوهمية ثلاثية الأبعاد ( holograms) عن طريق استخدام الضوء وحده."(22). وتضيف هذه الإضاءة قيمة كبيرة، إلا أنها مكلفة، ونادراً ما يعول العمل عليها. حيث تقوم بتضخيم الحركة أو تعديلها كقيمة حركية تأخذ حيزاً في الفضاء. إن وجه الممثل أو قطعة أخرى من الديكور تبرز أو تأخذ شكلاً معيناً من خلال الإضاءة. "ولكن من الممكن ان يكون لها دور سميولوجي مستقل. وبما انها تشهد حالياً ومنذ دخول الكهرباء على المسرح تطوراً سريعاً (أي منذ قرن تقريباً). فان دور الاضاءة المسرحية بآليتها المتطورة من توزيع وتوجيه، يزداد اتساعاً وغنى من وجهة النظر السميولوجية في المسرح المغلق أو في مسرح الهواء الطلق أي المسرح المفتوح."(23). المسرح هو خيط اشعاع باستطاعته أن يجمع إلى نفسه حزم الضوء. ومن ثم يسلط هذه الحزم لتبدع وتخلق وتضيء جديداً. في مسرحية (ماكبث) شكسبير، تصبح للإضاءة وظيفتان، الأولى الشمعة التي تحملها (الليدي ماكبث)، "وقد أصيبت بمرض السمنونوبلسم اي مرض السير وهي نائمة"(24). الشمعة تضيء طريقها، وفي الوقت نفسه تضيء للمتفرجين، فإذن الشمعة استخدمت للشخصية المسرحية وهي ترى من خلالها عالمها المحيط بها وفي الوقت نفسه تصبح مصدراً ضوئياً للمتفرج ليرى الممثل. فالمسرح أساس الارتباط بين عالم متخيل وعالم حقيقي، أي بين عالم الممثل المجسد للشخصيات وبين عالم المتفرج الذي جلس في الصالة يشاهد العرض" إن التواصل بين الممثل والضوء، يشكل تفاعلاً علامياً، يحدث في أغلب العروض، إن لم يكن في كلها فلون الإضاءة المستخدمة للبقعة التي تكشف الممثل لابد أن يكون منسجماً مع حالته النفسية والفعل الدرامي الذي يؤديه"(25). فمن خلال الإضاءة يتم الكشف عن زوايا وأمكنة فضاء المسرح. "ويحيل ظلام الرؤية المفتوح العينين ليدى ماكبث من إنسان إلى شبح وظل يوشك وقته على المسرح أن ينقضى. وحين يسمع ماكبث خبر موتها يصفها بأنها شمعة ويجعل الصورة نفسها تشمله حين يقول: ( انطفئى. انطفئى أيتها الشمعة./ ما الحياة إلا ظل يسعى ، ممثل ردئ .. الخ )"(26).
فالشمعة التي وصفها (ماكبث) ما هي إلا حياة (الليدي ماكبث) نفسها وهي تذوب شيئاً فشيئاً حتى تنتهي، فالشمعة أصبحت لها وظيفة استعمالية كاشفة، وفي الوقت نفسه مقرونة بالحياة وهي وظيفة جمالية مجازية. كذلك نجد في مسرحية (عطيل) موضوع المصباح المقرون بالحياة حينما يقول (عطيل) مخاطباً نوره وفي الوقت نفسه نور الحياة ويقصد به حياة (دسدمونة): " سأطفئ نور المصباح هذا ثم أطفئ نورها هي. إن أطفأتك أنت يا خادم اللهب المضئ فبوسعي أن أستعيد نورك إن ندمت على فعلي وعدلت عن رأيي. أما نورك أنتِ يا أدق نموذج أبدعته يد الطبيعة الصناع فمتى ما أطفأته لن أدري أين أجد رب النار الذي يستطيع أن يشعل نورك من جديد"(27). يسلط الضوء على الممثل ويبرز حركته المعبرة. فالممثل يتعامل ويتفاعل مع مصدر الضوء، فالإضاءة تلعب الدور الرئيس في خلق الفضاء المسرحي. وهي واحدة من العناصر السينوغرافيا، التي تسهم في تكوين العرض، ولها القدرة في نجاح العرض أو فشله. ويمكن أن نقول أن الإضاءة علم فلابد من مختصين اكاديميين يعملون في هذا المجال. "وقد يسر استخدام أجهزة الكمبيوتر فى المسرح تنفيذ خطط إضائية شديدة التركيب والتعقيد بدقة متناهية فى التوقيت. فقد أصبح من السهل الآن على سبيل المثال محاكاة تحولات الضوء على مدى يوم كامل بما فى ذلك حركة الشمس والظلال وذلك بإعطاء الكمبيوتر تعليمات تنص على التدرج الدقيق الحساس في كمية ونوع الضوء المستخدم"(27)
إن مصمم الإضاءة مثله مثل مصمم الديكور والملابس والموسيقى وغيرها، يقوم بدراسة النص، ويتعرف على المكان، ومن ثم يدرس حركة الممثل والميزانسين للعرض كله. وإن معرفة التصميم الذي يقدمه مصمم الديكور يجعل مصمم الإضاءة يغني التصميم من خلال الإضاءة. فالتنسيق والتناغم بين مصمم الإضاءة والديكور بات أمراً ضرورياً، وذلك من أجل ابراز هدف العرض، وإيصاله إلى التكامل.
إن أهم عنصر من عناصر اللغة المرئية هو (الضوء) التي تتشكل منه الصورة وعن طريقها تثير خيال المتفرج. إن مساهمة الضوء في التعبير عن الموضوعات التي يكشف عنها، ويجعلها ترتبط برصيد من العواطف والمعاني الإنسانية، "ولكن الاضاءة ذات الظلال الناتجة عن اعتراض بعض الاشياء تعطينا صوراً لها أثرها الفعال في العين، وهي تتشكل أمامنا بقدر ما نرى من أضواء وظلال نتيجة توزيع الاضواء بالنسبة للجسم المرئي، الامر الذي يستطيع أن يصل الى أعماقنا وعواطفنا لما أضفاه الظل من معان جديدة وقوة"(28). إن التحكم بمفاتيح الإضاءة وسرعة تغييرها، لتصنع منظراً متشكل ضوئياً هي إحدى المنجزات التي جعلت المسرح متطوراً، وقد تصل بتطورها عن طريق الحاسوب فتحقق أشياء مذهلة على المسرح،" إذ إنها تشكل وسيلة رئيسة من بين الوسائل الأخرى التي تقوم بخلق الفضاء الفعلي من الفضاء المسرحي منذ أن ( ابتكر آدولف آبيا ) تقليداً جوهرياً. فقد استبدل خداع الأشكال الشفافة المرسومة بإيهام الفضاء المبني على أساس تغيرات الأشكال التي توفرها الإضاءة الموجهة والمضبوطة"(29). هناك أسلوبان من الإضاءة ، يقومان في تنظيم العلاقة بين الضوء والظل، ويعبر هذا التنظيم عن أفكار ومعانٍ مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما يحققه الضوء والظل وأساس العلاقة بينهما . فالأسلوب الأول هو "كياروسكورو Chiaroscuro هي كلمة إيطالية تعنى الوضوح والغموض أو المظلم والمضيء، فهي تعني الضوء والظل وهما أهم العناصر التي تستخدم في رسم التأثيرات الضوئية في الصورة، ويُعَدُّ الشكل الفني لطبقة الإضاءة المنخفضة low key هو أفضل الأشكال التي يستخدم فيها هذا الأسلوب حيث يظهر التباين بين الضوء والظل بشكل قوي مما يقوي تأثير كل منهما عند المشاهد"(30). وكياروسكورو هو الأسلوب الفني الذي يعبرعن تجاذب العلاقة بين الضوء والظل، ويمثل للضوء بالموجب، بينما للظل بالسالب ويعبرهذا الأسلوب عن مبدأ التناقض بين السالب والموجب، لتشكيل الصورة المعبرة والتي تهدف إلى معنى . أما الأسلوب الثاني "فهو نوتان Notan، هي كلمة يابانية التي تعني الضوء والظل ويصبح أهتمام هذا الأسلوب بالتدرج اللوني بحيث يتم الانتقال بين الضوء والظل على التدرج بين الفاتح والقاتم محققاً الانسجام اللوني"(31). لاشك أن التباين بين الضوء والظل يكون أكثر انسجاماً، حينما يتعزز الظل بزيادة الظلام، وفي زيادة الضوء يصبح أكثر إبهاراً، ومن خلالهما تتشكل الصورة، فتصبح مؤثرة وقوية وتمتاز بالحيوية، خصوصاً يحتاج هذا الانسجام إلى تباين عال في نسب الإضاءة والتدرج اللوني، ولاسيما أن هناك موضوعاً يسلط عليه الضوء، بحيث تكون تفاصيله والوانه هي العنصر السائد في المشهد. " فإذا ما أضأنا الممثلين والملحقات وقطع المناظر بالإضاءة العامة، ستبدو مسطحة وغير ذات دلالة، إذ لا تكون هناك أية ظلال ولا أي تنويع في توزيع الضوء، وكذلك لابد من إظهار الأبعاد الثلاثة للأشياء وبالتالي كشف شكلها الكامل، ولايتم ذلك إلا بالإضاءة الخاصة، وعلى حد قول (آبيا) فإن التظليل والظل متساويان في الأهمية مع الضوء" (32). فمصمم الإضاءة لابد أن يكون فاعلاً سواء على المستوى الفكري أو التقني، ويسهم مع العناصر الأخرى في بناء العرض بناء تشكيلياً، "لم يعد الوضع الآن يعيق عملية التحويل أو الانتقال أو التجسيد أو خلق المعادل البصري. فقد غدا كل شيء في متناول اليد : سهولة وسرعة تغيير الإضاءة والتحكم فيها . ومفاتيح الإضاءة التي قد تكون كلمة أو إشارة أو حركة ( عندما يتحرك الممثل فلان ... ) تسهّل التنفيذ من الناحيتين العملية الاستعمالية، والجمالية الخيالية"(33). تطورت تقنية استخدام الضوء في المسرح تطويراً كبيراً، وصار الضوء يحمل مهام فنية وجمالية، فلغة الضوء هي تعبيرية تمتلك دلالاتها اللونية المعبرة مساهمة مع عناصر أخرى كالديكور والأزياء، متحولة إلى عامل درامي، وجزء من البنية البصرية للعرض المسرحي. " إن الاضاءة التى تميل الى الخفوت فى المشاهد الرومانسية والاضاءة التى تميل الى الرطوبة فى المشاهد الحادة جداً قادرتان على خلق الحالة المزاجية الحادة والحالة المزاجية الهادئة في جمهور المشاهدين"(34). حيث تجعل مهمتها أن تصبح موازية لعمل الممثل، وذلك من خلال التجلي في التعبير بصرياً وتسهم في خلق الصورة، وفي لغة تعبيرية، متكافئة مع لغة الممثل، فالإضاءة لم يكن هدفها أن تكون تابعاً للكلام أو تسايره، وإنما أصبحت رديفاً لعمل الممثل، وباتت غايتها أن تخلق حالات ومواقف يصعب الحوار أو الكلام التعبير عنه. "التغير السريع والمباغت في الإضاءة، يوفر للمخرج فرصة متابعة وملاحقة الأحداث، وموازاتها. وفي هذا السياق يأتي المشهد الذي تُفقأ فيه عينا غلوستر، في ( الملك لير) ، إذ يسود المسرح إظلام كامل، فتنشأ بوساطة الإضاءة، علاقة بين الشخصية (غلوستر ) والمتفرج. لم يعد غلوستر قادراً على الإبصار. أظلمت الدنيا في عينيه. والمتفرج الجالس في الصالة، هو الآخر لم يعد قادراً على رؤية شيء. ثمة ظلام مشترك"(35). المسرح يحيل لغة النص إلى صورة، كذلك يحيل الصورة إلى لغة مقروءة بصرياً ولها دلالاتها التي تحفز على قراءاتها التأويلية، السينوغرافيا هي التجلي المادي لتشكيل الصورة، التي كونتها عناصر مختلفة في مهماتها، يختلط فيها الفن بالتقنية، متفقة في أهدافها، لتصب في مجرى واحد لصياغة العرض المسرحي. "الإضاءة ذات الوظيفة العملية البحته، والتي تقف عند تخوم إنارة المكان الذي تجري فيه الأحداث، - ليل، نهار، صباح، مساء ... لا تفصح عن عقم خيال المخرج فحسب، وإنما تدفع المتفرج إلى عدم الإحساس بوجودها. ولا يعني هذا التوظيف الفوضوي، للإضاءة أو النزوع إلى الإبهار والاستعراض، بحيث يُستلب المتفرج، وتسهُـلُ غوايته، فينغلق أمامه طريق المعرفة !"(36). للإضاءة الحضور البصري في العرض المسرحي، ويشكل الاهتمام بها أحد الأسس التقنية للسينوغرافيا وأن الالتفات إليها بات أمراً ضرورياً، وهي واحدة من أنظمة العرض، وهي الوحدة الفاعلة بصرياً، سواء إن كانت كاشفة لموجودات العرض على الخشبة أي تؤدي فعلاً وظيفياً (أيقونياً) أو أن تصل إلى مستوى التأثير الجمالي.
2.اللون :
للون تأثير فسيولوجي وذلك لما تراه العين، فاللون تكمن حقيقته إلا من خلال العين وبوجود الضوء كشرط لتحقيقه عبر الرؤيا، لايمكن أن نرى اللون إلا من خلال النظر فالضوء يسقط على اللون ومن ثم ينعكس إلى العين."وأنه بخلاف الناحية الجمالية فان دراسة تأثير اللون على سيكلوجية وفسيولوجية الجسم البشري قد أعطت نتائج يمكننا الاستفادة منها – إننا لانستطيع أن نتجاهل مثلاً، أن اللون الاحمر يسبب الاثارة وشدة وسرعة نبضات القلب ، وأن الأزرق لون مهدئ للجهاز العصبي . وعليه فقد أمكننا تفهم الألوان والتنبوء بتأثيراتها المختلفة"(37). واللون ما هو إلا إحساس، ليس له وجود خارج الجهاز العصبي، وله تأثير فسيولوجي الخاص وبما يتعلق بوظائف عضوية العين وما يقع على شبكيتها، سواء كان اللون الصبغة أو الضوء الملون. " في مسرحية (يوليوس قيصر) لشكسبير، وفي لحظة طعن بروتس له يتوجب أن يكون هناك بقعتان ضوئيتان متناقضتان بالعلامة اللونية، فالبقعة التي يقف فيها بروتس تضاء بواسطة مصدرين، أحدهما أحمر والآخر أصفر مثلاً، وذلك لدلالة هذين اللونين (الأحمر للدموية والعنف والأصفر للغدر)، أما البقعة التي يقف فيها قيصر فيمكن أن تضاء بلون محايد للدلالة على غفلته وموقفه تجاه بروتس"(38). نحن ندرك أن الطبيعة هي المصدر الأساسي للألوان، أسبغت علينا بعالمها المليء بالألوان، فنحن نجد أن الألوان تحيط بنا من كل جانب، وللألوان تأثير نفسي، فبعضها ما يجعلنا هادئين نفوسنا مرتاحة، والبعض الآخر ما يجعلنا نعيش في حزن وكآبة. "تؤثر الألوان على النفس فتحدث فيها إحساسات ينتج عنها اهتزازات بعضها يوحي بأفكار تريحنا وتطمئننا والأخرى نضطرب منها. وهكذا تستطيع الألوان أن تهبك الفرح والمرح أو الحزن والكآبة"(39). إن الألوان حينما تستخدم يكون لاستخدامها لغة ومعانٍ معروفة عند مصمم الإضاءة من خلال الخبرة التي يكتسبها في عمله بالمسرح، وكذلك من خلال موروثات الحياة. فمصمم الإضاءة يعرف أن اللون الأحمر متى يستخدم، وحينما يسلط على الممثل ماذا تكون دلالته ؟ وما هو الهدف من ذلك ؟
وكذلك الألوان الأخرى كيف تتوزع ولأي غرض .. كل ذلك مرتبط بالتشكيل وبالحالات النفسية التي يثيرها اللون في العرض . "اللون البرتقالي مثلاً ضوء رقيق ومثالي لمشهد لطيف، ولكننا إذا سلطناه على الممثل من فوق رأسه فإن ذلك يعطيه شكلاً شيطانياً. والكثافة القليلة (أي الخشبة المعتمة) تناسب مشهد حب إذا كانت الزاوية طبيعية والتلوين على الجانب الساخن، ولكن الكثافة القليلة ذاتها يمكن أن تعطي شعوراً بالخوف إذا كان الضوء أبيض مسطحاً ومسلطاً من فوق"(40). إن من أهم المعارف التي يدرسها مصمم الإضاءة هو اللون وبكل ما يرتبط به، من فلسفة وجمال ونفس. وإن جهل المصمم لتأثيرات اللون ، سيترتب على ذلك قصور في العملية الفنية ، وسوف يجعل المتفرج في نفور من بعض المشاهد بل ويشعره بالملل ، وذلك من جراء التوزيع غير المدروس للون في زوايا الفضاء المسرحي. وقد يتحمل الممثل وزر ماصنعه المصمم حينما يسلط عليه لوناً مغايراً للحالة التي يعيشهاً، فالمتفرج في بعض الأحيان يشعر بالملل وينعكس نفوره من الممثل، من جراء خطأ المصمم. لابد من أن اللون يدعم أداء الممثل ويحقق له الجو المناسب، "ونذكر ثلاثة عوامل تتعلق بالإضاءة هي اللون والكثافة والزاوية، وليس باستطاعتنا أن نقول إلا القليل عن أي من هذه العوامل بدون أخذ العاملين الآخرين بعين الاعتبار."(41 )
احياناً يكون اللون يوازي في عطائه أداء الممثل، حينما يثير الأحاسيس والمشاعر بقدر ما يثيرها فعل الممثل.
3. الممثل والديكور :
يشكل الديكور أحد عناصر العرض المسرحي. وهو من العناصر غير المرتبطة أي التي ترتبط بالممثل. وقد وجد الديكور في المسرح منذ البداية، فالإغريق قد استخدموا الديكور في عروضهم، وكان يشكل الخلفية الزخرفية، ولقد قدمت عروض كتاب الدراما العظام، أسخيلوس وسوفوكليس، ويوربيدس، بهذا المفهوم، ولم يكن الديكور (المنظر) كما هو معروف عندنا، ولكن معروف بهذه الصفة عند الإغريق، ولم يكن كذلك في العهود التي تلت عصر الإغريق. وحتى مجيء (المخرج المسرحي) وظهوره ظهرت عناصر أخرى مثل مصمم الديكور ومصمم الأزياء والمكياج والملحقات ومصمم الصوت والموسيقى جاءت متتالية حسب حاجة المسرح لها، ووجودها يشكل سينوغرافيا العرض المسرحي. ومن المعلوم بأن المخرج لم تختل مكانته منذ ظهوره وحتى وقتنا الراهن، وهو الممسك بالعناصر وقيادتها نحو الارتقاء بها إلى حيث العرض المتكامل. فالمخرج وهوالمنظم لكل عناصر العرض المسرحي، يريد أن يسهم الكل في العطاء ودعم رؤياه بما لديهم من أفكار وتصورات وإبداعات. فالمسرح كما هو معروف عمل جماعي، اتحادي مع المخرج في الرؤية والهدف. وفي أحيان كثيرة يخفق الديكور بسبب سلطة المخرج وتدخلاته الكثيرة في تصاميم عناصر العرض، وهذا هو السائد دائماً في المسرح. لذا أصبح لمصمم الديكور أهمية كبيرة ولاسيماعندما تطابق رؤياه مع رؤية المخرج وفي هذه الحالة يقدم الماكيت، وهو التصميم المصغر للديكور ويبدأ الحوار بين الاثنين حتى يتم الأتفاق أو المقترحات التي يطلبها المخرج لاجراء بعض التعديلات، ويكون الرأي الأول والأخير للمخرج وهذا بديهي. على أن المصصم قد يستعين بالإرشادات التي يضعها المؤلف وفي أحيان كثيرة يعتمد على نفسه في خلق التصميم الذي يجده مطابقاً لرؤية المخرج. إن قراءة أفكار المخرج من قبل المصممين أو من قبل السينوغراف بشكل أساسي، تعد الخطوة الناجحة، للوصول إلى الهدف، وهي الصيغة البصرية التشكيلية. فالديكور يشكل ضرورة في بنية العرض ومهماً إلى حد ما بما رافقه من تطور، وتأسيساً على ذلك أن الديكور بات يشكل أهمية كبيرة في العرض المسرحي، فلابد للممثل أن يتفاعل معه محققاً الألفة والعفوية في حركته مع كل قطعة من قطعه، " ولما كان الممثل هو العنصر الرئيس، كان لابد أن تصنع الديكورات بصورة تسمح لهذا الممثل بالحركة، وبحيث يساعده كل من الملحقات المسرحية والاثاث."(42). الممثل من حيث المبدأ يعد المعيار الأول بالنسبة للمخرج وحتى لمصمم الديكور لأن كل العناصر تبنى لأجله، ذلك أن الذي سوف يتعامل مع الديكور هو الممثل وليس المخرج أو المصمم، وهو الذي يحرك كل القطع الجامدة ويمنحها شيئاً من حيويته، أو أن حركة الديكور تساعده في خلق حركته وصياغة مجال هذه الحركة فالعرض هو عبارة عن صور متدفقة تظهر وتتلاشى في سرعة معينة مرهونة بفعل الزمن يجمعها السياق العام للعرض. ومنذ الإغريق وحتى عصرنا الحديث، مازال الديكور مؤثراً لدى المتفرجين، لما يتمتع به من شمولية، حيث أخذ يتسع في مفهومه ليشمل الصورة المسرحية كلها، وبهذا يصبح كل ماتراه العين على الخشبة يسمى منظراً، من دون الممثل، وينتمي المنظر إلى ما يسمى بالمسرح البصري، حيث "يتوقف بالدرجة الأولى على التركيب، التشكيلي، ومن وسائله: الخط، الشكل، الكتلة اللون، الفراغ، الملمس، ولكل من هذه الوسائل، عملها المستقل ويمكن ان يعطي منها معنى معيناً يساهم في التركيب العام"(43).
فالديكور عنصر قديم ، أما السينوغرافيا فهي مصطلح حديث، ولقد أدخل الديكور كعنصر من عناصرها حديثاً. في السابق كان التعامل معه باستقلال تام، وأصبح يشكل معها جزء من كل، والديكور بمعنى من المعاني هو كل ما يراه المتفرجون على خشبة المسرح من أشياء جامدة ما عدا الممثلين. وهذه الأشياء الجامدة يحركها الممثل الذات الحية وسط هذا الجماد، ويسبغ عليها من خلال فعله وحركته المعاني وتوليد الدلالات. ولقد تغيرت الحال كثيراً حينما أدخلت مفاهيم حديثة للمسرح. كان الديكور في السابق يتجسد مادياً من خلال نقله من النص إلى العرض، ويتم ذلك وفق تجسيده بالرؤية الواقعية. مع هذا نجد أن مهمة الديكور كانت ذا طبيعة محدودة، عندما انظم إلى مجموعة عناصر السينوغرافيا، وأصبح واحداً من عناصرها، " فنان السينوغرافيا يجب أن يركب ويبني حتى الممثلين وفق قياسات معينة، لذلك لابد لفنان السينوغرافيا من التعاون مع المخرج في اتحاد كامل بطريقة يمكن أن يصبحا شخصاً واحداً وبذلك تتحقق وحدة العمل"(44). ومدى تمايزالعلاقة بين الممثل وبين قطع الديكور، هذه العلاقة لها من الأهمية مايجعلها أن تكون ذا أبعاد جديدة وواسعة في العصر الحديث. لم تتحدد علاقة الممثل بالديكور بالاتجاه التقليدي، وإنما أصبحت رابطة شغل الممثل بعمق مع الجو العام الذي يجد فيه حركته وأسباب وجوده، فضلاً عن ربط المتفرج بهذه العلاقة الذي يشاهد ويترقب ما يحدث. فالديكور قد يكون مختزلاً أي يمثل الجزء من شيء متكامل وهذا الاختزال أو التكثيف هو الظروري في المسرح، وحتى الممثل قد يغيب عن ذاته ويستأنف حضوره من خلال الشخصية المجسدة، وهذا التغييب هو تغييب جزئي إن صح التعبير، يأخذ بزمن مدة العرض، لأن الجزئي يكفي بمدلولاته أن يعبر عن الكلي فمثلاً حينما نشير إلى محكمة بوجود كرسي القاضي، أو إلى مملكة إلى كرسي العرش وهكذا، " إن استخدام الآثاث أو القطع داخل فضاء درامي بالإضافة إلى الممثلين وهم جزء لا يتجزأ من السينوغرافيا، وهو إحدى طرق وصف الفضاء، فالممثل يشير إلى الفضاء بحضوره فوق الخشبة"(45). إذن العلاقة تصبح متجانسة ومن أطراف ثلاثة، هي (الممثل) و(السينوغرافيا) و(المتفرج). في عملية تأسيس المكان نجد أن بعض المسرحيين يحوّلون أي مكان يجدونه مناسباً للعرض إلى مكان مسرحي، وهذا يتطلب بطبيعة الحال وجود مصمم ذي اختصاص، أي السينوغراف، فمهمته تكمن في أنه يستطيع خلق فضاء يتناسب مع طبيعة العرض، في انسجام مع تصورات المتفرج لهذا المكان، وأحياناً يتحقق هذا الانسجام، ولكنه يكسر التوّقع عند المتفرج وصولاً إلى الغاية والهدف من ذلك، وهو الاستحواذ على المتعة والدهشة، لخلق جو على المستوى الجمالي والنفسي. هناك عدة أنواع من الديكور، الواقعي والتجريدي(المؤسلب) والتعبيري، والمركب، والخشبة العارية، ومصمم الديكور عليه أن يضع مرجعية في تصميمه للديكور، أولاً: البيئة المكانية والزمانية التي يأخذها من النص، ثانياً: البيئة الثانية هي المرجعية من البيئة التي يعيش فيها المتفرج أو قريبة منه. وفي هذين المرجعيتين تكمن أهمية عمل مصمم الديكور، وحينما يضع تصميمه هذا في مساحات من الشغل الذي يتحرك من خلالها الممثل، وبناء الديكور لابد أن يتكيف مع حركة الممثل. إن ما يعزز هذه الحركة عبر خطة ميزانسينية. فعناصر السينوغرافيا بأبعادها التشكيلية، إضاءة، ديكور، ماكياج..الخ، ليس المخرج هو من يعمل على إنتاجها بمفرده وإنما "يصاحبه في الرؤية المسرحية المجملة ( منسق السينوغرافيا ) ولكل منهما رؤية شاملة عن العرض المسرحي وعن مكان ذلك العرض وعلاقته بالجمهور في النهاية"(46).
فالعناصر السينوغرافية في انسجامها تمنح العرض قيمته الأساسية وتكامله. وتقوم بتأكيد الحركة بشكل أكبر وأدق ، وتساهم بشكل أكيد في بلورة العرض. فعملية رفع الستار وكشف فضاء العرض هي اللحظة المرتقبة للمتفرجين، على أن حالة الأبهار والدهشة التي يحققها الديكور والإضاءة تحقق للعرض عملية التواصل والترقب لدى الجمهور. فالديكور المسرحي هو المعبر بشكل أساس عن المكان الذي تجري فيه الأحداث وهو واقع افتراضي يخلق بشكل جمالي على الخشبة في تفاعل وديناميكية مع الرؤية الشاملة للعرض.
4- الممثل والأزياء:
في العرض المسرحي تنسجم جميع العناصر في رؤية شاملة، يجمعها هدف واحد فالانسجام يأتي من خلال تضافر العناصر السينوغرافية مع بعضها، فالأزياء مع الإضاءة مع الديكور في رؤية واحدة وهدف واحد ، دون أن يكون هناك أي نوع من التنافر بين العناصر. فمعرفة الأزياء معرفة دقيقة يأتي من خلال معرفة الوانها، ومجمل الأشياء المحيطة بها في مقاربات لونية تسهم في تعميق الصورة على المستوى المادي والنفسي، وكذلك على المستوى الفكري. ذلك ما يفكر به المخرج في توحيد رؤيته بشكل عام. "أن بعض المخرجين الخارجيين يعتمدون الثياب الباهضة والكاسية والمتألقة ليهّولوا على وجدان المشاهد ويروعوه بالأزياء والحشد الترفي فنفعم الحواس بالألوان والأشكال على خواءٍ نفسي"(47). فالممثل وما يرتديه من زي، له التأثير وله الدلالة البصرية، وما يريده المخرج من طرح أفكار من خلال الزي وتشكيلات الوانه. فالأزياء عموماً لا تلبس من أجل الزينة، ولاسيما على المسرح، وإنما تؤدي الأزياء بالضرورة إلى رسالة بصرية داعمة لعمل الممثل وفعله. والأزياء لاتلبس من أجل أكساء الممثل ويثير ببهرجتها المتفرج؟ بل من أجل أن تسهم في دعم لغة العرض، وتسعف المتفرج في فهم طبيعة الشخصيات وهي تتحرك على المسرح. ومن ثم تشير إلى مكانة الشخصية وطبيعتها وأيضاً التكوين الإجتماعي لها. وكذلك تصبح الأزياء والمكياج على حد تعبير هلتون:"جسراً يصل بين عناصر العرض الحية وعناصره من الجماد فالملابس المسرحية على المشجب أو في خزينة الملابس لا تعدو أن تكون جماداً لا روح له لكنها ما أن تعتلي جسد الممثل حتى تصبح جزءاً حياً من شخصيته. فهي تتحكم في حركته وفي تعبيراته وتؤثر في سلوكه العام بصورة مباشرة، وللملابس أيضاً وظيفة جمالية تسهم في تشكيل الصورة النهائية العامة للعرض"(48). من المعلوم أن لكل مسرحية زيها الخاص، الذي يسهم في إرساء دعائم لغة العرض وصورته بكل تشكيلاتها، وكل عصر من العصور يحمل طابعه المميز من الأزياء، ولكن على المسرح تصبح الملابس تولد دلالة، وتقوم بتعريف الشخصيات الدرامية. إذن هي ليست مجرد مادة كسائية للجسد تبعث على الجمال والفرح والارتياح، وكذلك للحزن كما هو متعارف عليه من تقاليد المجتمع، وإنما هي تمتلك لغة بصرية من خلال أشكالها والوانها وطبيعة تصاميمها لتعزز فعل الممثل بهذه اللغة. صحيح أنها تؤثر بألوانها وتصاميمها في عين المتفرج وتحقق غوايتها بذلك التأثير. لكن ذلك لايحد من عملها على المسرح الذي يمتلك خصوصيته، فتنتج دلالات تعمل آلة المتفرج عليها تأويلياً. فوظيفة الملابس في الحياة الطبيعية شيء ووظيفتها على المسرح شيء آخر. فالمسرح أخذ الملابس من الحياة ولكن هذه الملابس شكلت على المسرح طبيعة أخرى متخلية عن طبيعتها في الواقع ومتخذة لها معاني وغايات وأهداف لا حصر لها في العرض المسرحي. " كما أن للملابس قيمة عظمى على زيادة إيضاح حركات الممثل وتعبيراته. ولهذا فان الملابس تأتي في المرتبة الثانية، من حيث الأهمية بعد الممثل الذي هو في الحقيقة المترجم الفعلي لأعمال المخرج"(49 ). وتحقق الملابس على المسرح وفي أغلب العروض (العصر) الذي تصوّره والحالة الاجتماعية التي تعيشها الشخصية المسرحية و(الطبقة) التي تنتمي إليها. فالملابس تحدد (الجنس) و(عمر الشخصية)، وكذلك الملابس تعرفنا بمهنة الشخص الذي يرتديها وانتمائه الطبقي والوضع الاجتماعي. استخدم المسرح الروماني الأزياء في عروضه المسرحية، "فقد كان الممثلون يلبسون في المسرحيات التراجيديا حللاً طويلة تجر أذيالها على المسرح، وفي المسرحيات الكوميدية يلبسون ملابس قصيرة تثير الضحك والتسلية، كما كانوا يميزون ممثلي أدوار العجائز بما يرتدونه من ملابس بيضاء، وما يضعونه على رؤوسهم من شعور بيضاء مستعارة وكانوا يميزون الشبان بملابس قرمزية وشعر أسود، أما العبيد فكان شعرها أحمر اللون"(50). المتفرج من خلال ملابس الشخصية يدرك على الفور طبيعة هذه الشخصية دون الحاجة إلى تعريفها عن طريق الكلام، فتعريف الشخصية المسرحية عن طريق الكلام مبعث على الكوميديا أو السخرية في بعض الحالات، فالممثل إذا ما ارتدى ملابس الطبيب يصبح طبيباً، وإذا ارتدى الملابس العسكرية أصبح عسكرياً وهكذا. إن المسرحيات الواقعية تستخدم في عروضها ملابس واقعية، " والملابس الواقعية تستخدم أيضاً في المسرحيات التعبيرية، فمسرحية يونيسكو ( المغنية الصلعاء ) عبارة عن سلسلة من الحوادث الخيالية ذات الأسلوب التعبيري بصورة كاملة. ومستر زيرو في مسرحية إلمر رايس ( الآلة الحاسبة ) يرتدي ملابس تقليدية بالرغم من الديكور التعبيري"(51). إن قضية ملابس الشخصية على المسرح باتت من القضايا المهمة جداً. فالسينوغرافيا قد أقامت بناءها الفكري على الصورة، لهذا فإن جميع العناصر ومن ضمنها الأزياء تستند إلى محركها والفاعل في بيان تعبيراتها اللونية كحالة من الشكل الجمالي والتعبيري في آن واحد. وعلى وجه التحقيق أعطت الأزياء هدفين مهمين من وجودها، ليس كحالة ستر العري وهذه حالة طبيعية، وإنما أكدت على الجانب التعبيري كلغة بصرية تعمق من فعل الممثل، وكذلك تأكيدها على الشكل واللون والمزايا الجمالية. فالسؤال الذي يطرح، هو: هل أن وجود الأزياء على المسرح غاية وهدف؟ فالإجابة تؤكدها طبيعة العرض. مثلاً، في مسرحية – لير – شكسبير، التي أخرجها جون غيلغود john gielgud والسينوغراف اسامو نوغوتشي Isamu Noguchi عام 1955. " يظهر لير أول مايظهر بثوب فضفاض، وبالرغم من أن الثوب لا يوحي بأي عصر ولا بأي بلد معين إلا أنه فخم بصورة جلية وهو مزين بأشكال تشبه إلى حد كبير ذيل طاووس بما في ذلك البقع التي تشبه العيون والملونة بألوان قوس قزح"(52). والثوب الذي يشبه ذيل الطاووس يرسم ملامح شخصية (لير) المتعالي العنيد، وكان ذلك فقط في بداية المسرحية، التي تنفتح على البعد الدلالي للزي الذي كان مجالاً رحباً للتأويل، وقد يكون متعدد الأهداف، وحسب الثقافة البصرية السائدة للجمهور، والإضاءة هنا تمارس عملها ليس لمجرد الكشف وإنما لتعميق الدلالة واستنطاقها، من خلال اللون وزوايا تسليط الضوء على الشخصية الدرامية، فالقراءات البصرية تأتي من كل ما هو مرئي على الخشبة، هو الأثر اللصيق بالنظر من دون الكلام، وهو الصورة بكل حيثياتها. وفي المشهد التالي تظهر على الثوب عيون متعددة وهي ثقوب صغيرة لا يلاحظها الجمهور " تلك هي النقطة في المسرحية عندما يبدأ كبرياء لير بتدمير مركزه. وفي المشهد التالي تكبر هذه الثقوب إلى درجة يلاحظها الجمهور، وبتقدم المشاهد يبدو أن الثوب يهترئ شيئاً فشيئاً وكأن مادة حمضية كيميائية تسبب تآكله، وعندما ينهار لير بصورة كاملة ويتعرى من كل كبريائه يتحول ثوبه إلى أسمال بالية"(53). لقد أدرك المتفرج حالة (لير) من البداية إلى النهاية وذلك من خلال تحولات الثوب وما طرأ عليه من تغيرات في توسعات الثقوب التي كانت على شكل عيون، ومن خلالها تكشف جسد لير شيئاً فشيئاً حتى أصبحت أسمالاً بالية، فيظهر عري لير بالكامل. مصمم الزي قد البس ليرعدة أثواب، لكن المتفرج لم يلحظ ذلك حيث كان يعتقد أنه الثوب نفسه الذي ظهر به في بداية المسرحية. لقد عبر ثوب (لير) عن الحالات التي مر بها دون أن تفصح عنها لغة الكلام، فالصورة السينوغرافية بشموليتها تعبر أصدق تعبير، فهناك "صورتان أو دلالتان مختلفتان للملابس، الدلالة الأولى لير، وهو الملك، يرتدي ملابس الملك، والدلالة الثانية لير وقد تجرد من السلطة وراح يمزق ملابسه، ويهيم على وجهه في العاصفة. ثمة (ليران) إذا صح التعبير، لير الملك ولير الإنسان، الذي يصدم منظره – بما فيه ملابسه طبعاً – المتفرج أو المتلقي"(54 ). تلعب الملابس دوراً أساسياً في العرض المسرحي، وهي من العناصر المرتبطة، وتسهم في تكوين الصورة على الخشبة، وتعلن عن طبيعة الشخصية ومركزها الاجتماعي والثقافي. وبهذا يعطي السينوغراف تصميماً للملابس وألوانها لتتناغم مع الوان الديكور وتصميماته. وقد لعبت الأزياء في مجمل مسرحيات (شكسبير) الدور الأساسي، ففي مسرحية (هاملت) التي أخرجها (بيتوف) حيث يقول عنها: "حين حملت مسرحية هملت إلى المسرح، تعمدت الا يكون ثمة أيّ لون أبيض. جعلت هملت يرتدي السواد وجعلت فورتنبراس، في النهاية، مرتدياً البياض، وهذان اللونان الأساسيان الاولان هما اللذان كانا يميزان الاشخاص. كان هملت يريد ابداً، ان يعثر على البياض، جمال الكائنات كلها، وكان يسعى الى ذلك بكلّ قواه. وكان يتمنى ان تتحلى بها الكائنات كلها: امه واوفيليا. لهذا في لحظة جنون اوفيليا اظهرت تلك الفتاة البائسة مرتدية البياض وكأنها مقدمة لفورتنبراس. لقد غدت في عالم آخر، هو عالم اللاواقع"(55). للملابس القدرة في تحّول الممثل إلى الشخصية الدرامية وتفرض عليه أن يؤدي نفس حركات وإيماءات الشخصية، ويأتي هذا التطابق حينما يرتدي الممثل ملابس الشخصية، وتصبح جزءاً منه، فقدرة الملابس أنها تحقق للممثل الهيئة الخارجية للشخصية الدرامية، ورسم ملامحها، وكذلك صياغة سلوكها. وتدفع الملابس بالممثل أن يتفاعل سايكولوجياً، وكل ما يطرأ عليه من تحولات نفسية وسلوكية وحركية، وهي بهذا الأتجاه تعكس الكثير من الحالات التي يتطلبها الدور، والملابس بشكل عام تساعد المتفرج على استنباط المعاني، عبر دلالاتها اللونية، وقراءة الاتجاهات التي تحيل إليها تصاميمها والوانها. فإن توليد دلالة الحزن والفرح من خلال الوانها، وهي تشير إلى أكثر من حالة، من دون أن تعبر الكلمات على تلك الحالات. " قال شكسبير: الملابس تصنع الإنسان. وهذا يدل على أن أثر الملابس من ناحية الشخصية لا يقتصر على الآخرين الذين ينظرون إلى الشاب أو الفتاة في ملابس معينة بل هو يؤثر في هذا الشاب أو هذه الفتاة أي أن الملابس تؤثر في شخصية لابسها وتغير نفسيته بتغيرها"(56).
قد نعاكس مقولة (شكسبير) ونقول: لا تصنع الملابس الإنسان، ولكنها تؤثر فيه وتساعده على التعبير. لهذا فالممثل يريد أن يكون مؤثراً، وتعمق من أدائه التعبيري. كذلك معرفة نفسه، من ناحية المظهر الخارجي للشخصية، وتأثيراتها في المتفرج. فعلاقة الأزياء بالممثل علاقة وطيدة، بل أعمق من ذلك. فحينما يرتدي الإنسان ملابس جديدة تحقق له انتعاش روحي، وحالة من النشوة والارتياح. هذا ماتحققه في واقع الحياة. ولكن على المسرح الأمر مختلف غاية الاختلاف من حيث أهميتها في تعريف الشخصية عمراً ومركزاً وسلوكاً، وتساعد في بلورة اللغة البصرية. فمنذ البدايات الأولى للمسرح وحتى الآن لم نجد عرضاً يخلو من تصميم الملابس. ففي العرض تختزل الملابس وصف النص للشخصيات، وجميع الحالات التي تتعلق بالمظهر وتشير إلى معرفة الشخصية. وتكمن أهمية الملابس كونها تؤسس للفعل البصري، وهي العنصر الأساسي في العرض المسرحي، حينما كانت تشير إلى المراسم والمحافل البدائية التي كانت تمثل بداية العمل الدرامي. "وترتبط الملابس العادية عادة بالمسرحيات المقروءة أكثر مما ترتبط بالمسرحيات المعروضة. وكما هو الحال في الخشبة العارية فإن الملابس العادية أقل كلفة وأكثر يسراً، ومهما يكن فإن واحداً من العروض الشهيرة هو عرض "يوليوس قيصر" الذي أخرجه أورسون ويلز عام 1937، وفي هذا العرض أفادت الملابس الحديثة في عقد مقارنة بين قيصر وموسوليني"(57).
على السينوغراف أن يحقق توافقاً بصرياً من خلال الألوان بين الملابس وعناصر السينوغرافيا. وبهذا يكون السينوغراف على دراية تامة بما يريد أن يطرحه المخرج من أفكار، والهدف من العرض. فالعناصر الثلاثة، الأزياء والديكور والإضاءة، تشير في العرض إلى مدلولات فكرية ونفسية، وتكمل الواحدة الأخرى من خلال تجانس الوانها، لما للون من فلسفة وتأثير في المتلقي. كذلك لحاسة الذوق التي يمتلكها السينوغراف، فهو على معرفة بالأساليب التاريخية، وله القدرة على ابراز معالم الشخصية في العرض المسرحي. فاللملابس القدرة على تغيير الشخصية من نمط وسلوك إلى غير ذلك من الحالات التي تنقل الشخصية من حال إلى حال، من فتى إلى شيخ ومن مؤنث إلى مذكر أو بالعكس، وغيرها من الأمور التي تتطلبها الشخصية الدرامية. "والشيخ المعمم حين ينقلب أفندياً ببنطلون وطربوش تتغير شخصيته ويحس هو – كما يحس غيره – هذا التغيير في نظرته ومشيته وقعدته بل إن تطلعه وطموحه وبرنامجه الشخصي والاجتماعي كل هذا يتغير فتتغير بذلك شخصيته باستبدال الملابس الأوربية بالملابس الشرقية"(58).فالممثل من الناحية السايكولوجية هو الشخص الوحيد الذي يمتلك الرغبة في أرتداء أزياء الآخرين مجسداً أفعالهم مرتدياً أزياءهم ويمتلك ناصية اللعب على خشبة المسرح، أحياناً يغوينا بما يرتديه من ملابس، ويهول علينا ببهرجتها والوانها. " تقول السينوغرافية الكورية لي بيونج – بوك : ما المسرح إلا صور درامية وحكايات نملأ بها فراغ الفضاء الخالي بحضور الممثل الذي يرتدي الأزياء"(59). يشترك الديكور مع الأزياء في خصائص متعددة منها وصف الشخوص والبيئات، إلا أن الملابس تختلف عن الديكور ذلك إنها تصف بشكل رئيس، الشخص في حين أن الديكور معني بالدرجة الأولى بوصف زمان ومكان المشهد. في المسرح يصبح الزي على العكس من المثل الشائع أن الزي يحدد الشخصية، "وكما يقول الفرنسيون: الملابس لاتصنع كاهناً"(60).
معنى هذا أن الملابس كشكل خارجي أو هيئة ظاهرية لايمكن لها أن تصنع الذي يرتديها، فالمشاهد لا يمكن له أن يمنح ثقته بالشخص من خلال الزي إلا بعد أن يطمئن إلى سلوكه على وجه الدقة، بعد ذلك يأتي الملبس ليعزز هذه الثقة ويمنح الشخصية بُعدها الخارجي، بعد أن خَبُرَ عن بعدها الداخلي، من سلوك وحالات نفسية تسلك بالشخصية نحو السوية أو نحو الشذوذ أو الجنون. فاللباس يحدد الشخصية من جانب ولكن تبقى العلاقة بين الشخصية وزيها قاسمها المشترك هو السلوك والتصرف. شكسبير يقول: اللباس يصنع الشخصية. وهذا القول يخالف ما يقوله الفرنسيون، بأن اللباس لا يصنع كاهناً، حيث أن الفرق بين القولين هو الثقة وعدم الثقة، ذلك أن الفرنسيين على حد قولهم لا يثقون بزي الشخصية إلا بعد أن يتعرفوا على الشخصية كسلوك، بينما الانجليز على حد تعبير شكسبير، بأنه يجد تكامل الشخصية وعدم تكاملها من خلال زيها، فالزي يحمل دلائل كثيرة منها النظافة والنظام والجمال والتنسيق، فمن خلال الألوان وتنسيقها ونظافة الهندام والسلوك ونظام المشي والجلوس وتناول الطعام جميعها تحدد معالم الشخصية من خلال ما ترتديه من زي. ومن المؤكد أن الملابس في الحياة اليومية تحمل علامات متنوعة مصطنعة كما في المسرح. وتشكل الملابس الوسيلة الظاهرة، أي الخارجية، التقليدية لتحديد الفرد الإنساني. الملابس تعني السن والانتماء الطبقي والاجتماعي، وتعني الجنس، والمهنة، والانتماء إلى وضع خاص مثل الملوك والأباطرة، والجنسية، والديانة. والملابس تحدد الشخصية من الناحية التاريخية أو المعاصرة. وللملابس طبيعة الكشف عن جوانب الشخصية من الناحية المادية (الوضع المالي) أو هي تكشف عن الذوق وبعض الصفات. والملابس على المسرح علامة للحدث في الجو العام، فالممثل حينما يرتدي معطفاً مطرياً، دلالة على أن الطقس ممطر، أو على وشك المطر، وحينما يرتدي بدلة العمل يدل على الموقع العملي. والملابس أيضاً تدل على المكان والزمان، فملابس النوم تدل على الوقت ليلاً، فهي لا تحدد الوقت بشكل عام فحسب، وإنما تحدد الساعة كذلك، وبالطبع تكون الملابس مطابقة وملائمة لظروف متعددة في آن واحد وغالباً، بعض الحالات الخاصة التي تكون فيها دلالة الملابس تشير إلى شخصية نمطية، وهنا تشكل الملابس علامة جامدة لم تتغيير ذلك أنها تتكرر في مسرحيات أخرى ومن جيل إلى جيل دون أن يلحقها أي تغيير وهذا ما نجده في مسرح الشرق الأقصى، الصين واليابان، وكذلك الهند. وأيضاً ثبات الأزياء في كوميديا دي لارتا، فالملابس هنا تكون محددة وخاضعة لأعراف صارمة ومحكوم عليها كما القناع بطبيعة الاستخدام. "وظيفة الملابس، معرفية، جمالية ولكنها ليست منفصلة عن معرفيتها، لأنها جزء من نسيج شامل هو العرض المسرحي فلا تقصد لذاتها، وإنما لما تمثله من دلالات تتقاطع مع دلالات أخرى لعناصر العرض لتشكل في النهاية ذلك التكامل الذي يصوغ المعنى"(61). وتستعمل الملابس والماكياج والتسريحة أحياناً، لهدف مخادع وذلك لإخفاء جنس الشخصية، مذكر أو مؤنث، أو حقيقة وضعها الإجتماعي أو مهنتها، أو أي نوع من أنواع التنكرالمقصود والهادف إلى حالة معينة. ففي مسرحية – (تاجرالبندقية) لشكسبير – تتزيا (بورسيا) portia بزي محام شاب وراحت تدافع عن (أنطونيو)، وتنقذ حياته من يد اليهودي (شيلوخ). وبالطبع استطاعت أن تقنع الآخرين بما قامت به من دفاع أمام (دوق البندقية) دون أن يكشفها أحد."(62) كل هذا تم بقدرة الزي على التغيير وتحقيق الأهداف. ففي بعض من مسرحيات (شكسبير) على وجه الخصوص يلعب الزي الدور الأساسي في سير الأحداث فيما يخص التنكر والتحول من مؤنث إلى مذكر وبالعكس. كما أن الأزياء قد عالجت أمراً بات معروفاً لقرون متعددة، في المسرح، حيث كان يمثل الصبيان دور النساء، " فثمة بضعة اولاد من الممثلين في مسرحيات شكسبير يقومون بدور فتيات"( 63) ويلعبوا أدوارهم باتقان دون أن ينكشفوا، وذلك لتقارب الشبه في الشكل والصوت من النساء، وعززت الملابس هذا الدور، وحققت غرضها بحيث أصبح من المقنع أن يمثل الصبي دور الأنثى من خلال الملابس والماكياج. فالملابس عموماً هي غرض وعلامة، وهي تشير إلى طبقة معينة ومذهب ديني معين، أو جنسية ما، أو تدل على الحالة المادية للشخص الذي يرتديها وعلى عمره. وتتخذ الملابس العديد من العلامات، والدخول لمعرفة الشخصية من خلالها، حيث تبين طبيعتها من عدة وجوه كما أسلفنا. فالغني لا يقول عن نفسه أنه غني وإنما الملابس تشير إليه، وأيضاً من خلال السلوك الذي يمارسه. ولكن قد تصبح الملابس خادعة ولها مآرب كثيرة في مسألة الخداع، فالشخص الذي يرتدي ملابس الأغنياء وهو ليس كذلك، سيفتضح بسبب عدم التوافق بين السلوك والهيئة بشكل عام أي ما يرتديه من ملابس، فالملابس فاخرة تشير على أنه غني، لكن السلوك يقول غير هذا هنا يلعب السلوك والتصرف، في كشف مآربه، وإخفاء شخصيته، وهو قادر على أن يخدعنا لبعض الوقت، ولكن ليس كل الوقت، ففي النهاية السلوك يميط اللثام عن شخصه الحقيقي، ففي موضوع الخداع والتنكر تلعب الملابس الدور المناسب لذلك. "لكن علينا أن نتذكر دائماً، كما يذكرنا شكسبير من خلال شخصية فيسته، أن المظاهر خادعة، وأن الملابس لا تصنع رجلاً، بل قد تغدو الملابس في بعض الأحيان ستاراً خادعاً يضللنا أو قد تستخدم كوسيلة للتنكر ينجم عنها سوء الفهم والتقدير فتثير لدينا ولدى الشخصيات المسرحية توقعات لا نلبث أن نكشف وهميتها"(64 ). والملابس على المسرح لها علامات محددة لأنها لا تستخدم إلا للعلامات الضرورية لموقف معين أو لحالة درامية محددة. "صحيح أن ( الممثل ) هو البداية والنهاية ولكن هناك – ايضاً عوامل وعناصر لا يجوز التقليل من قيمتها"(65). إن معرفة الأزياء بشكل عميق يؤكد لنا أن خصائص أعمالها على المسرح عديدة، فحينما يشير الزي بلونه إلى حالة معينة لاتخالف توقعات المتفرج على أنها تأتي بشكل طبيعي. أما خارج توقعات المتفرج فتكون المسألة أشبه بالخروج على المألوف، والانطلاق نحو الجديد. يكون للملابس أوجه المبالغة في المسرحيات الكوميدية من أجل إثارة الضحك، أما في المسرحيات التراجيديا فتكون أكثر وقاراً وفخامة واتزاناً. لكن في العصور التي جاءت بعد العصر الإغريقي عرفت أهمية الملابس وتعددت أشكالها وأنواعها على المسرح وطبيعتها "ولهذا نقول إن الثياب وفنونها في المسرح أي ما يرتديه الممثلون هي مادة من المواد التجسيدية والتعبيرية. الثياب تنطق بلونها وتنطق بأزيائها وكل حركة وتفصيل فيها"(66).
فالسينوغرافيا كمجموعة عناصر يحكمها نظام هو تنسيق الفضاء المسرحي، وترتيبه تعمل من أجل هدف واحد، هو بناء العرض المسرحي على وجه الدقة مع الممثل روح العرض وأداته التعبيرية. يقودها السينوغراف أو المخرج في أغلب الأحيان، أو يشترك الاثنان في صياغتها. "والثياب السوداء تكون فعلاً تعبيرياً حاسماً لأنها تملأ العيون وتفعمها وتحّول معاناة الشؤم في النفوس إلى يقين حسّي صاعق عبر الحواس. لهذا كانت الثياب لا تبتغي لذاتها في المسرح ولا لواقعيتها وإنما لتعبيريتها"(67). أن تحولات عناصر السينوغرافيا في عملها التعبيري ولاسيما الملابس، تؤكد أن لها لغة تقرأ بصرياً ويشعر المتفرج بخشونتها ونعومتها حينما يرتديها الممثل ويشعر بدفئها وبرودتها أيضاً ولاسيما أن الإحساس عند الممثل ينقل إلى المتفرج ويحقق هذا الشعور. "في بداية (التوراندو) turandot يظهر الممثلون أمام الستارة الأمامية مرتدين ثيابهم الاعتيادية ليخبروا المشاهدين بما سيشاهدونه. ترتفع الستارة، وعلى أنغام الفالس يبدأون بارتداء قطع الملابس التي يجدونها منتشرة هنا وهناك على خشبة المسرح محولين الأسمال البالية إلى أشياء ثمينة باستعمالهم البارع إياها"(68). تُعَدُّ الملابس في الدراما من أقدم العناصر السينوغرافية، ذلك أنها ترافق الممثل أينما ذهب، لهذا فهي من العناصر المرتبطة، وقديماً كانت تمثل مع الماكياج والأقنعة نواة الاحتفال والمراسيم الدينية، لذلك اهتم الإغريق بالملابس أكثر من المناظر لأنها كانت تسر العين ببهائها فتؤدي إلى المتعة أو الفرح، وأيضاً ترتدى الملابس في الحزن، وللحزن تلبس ملابس خاصة تختلف عن ملابس الفرح. وترتبط الملابس ليس بالأحياء، وإنما بالأموات، فلون الكفن لابد أن يكون أبيض. وحين يموت الإنسان يلبس الأقربون من أجله السواد أو البياض كما عند شعوب أخرى. لذا فإن الملابس تلعب الدور الأساسي في حياة الإنسان. وحتى على سبيل المثال تعالج الملابس بعض الأمراض، ولاسيما مرض الحصبة، فيطلبون من المريض أن يرتدي الملابس الحمراء لكي يتحقق له الشفاء."إن الإنسان يتحكم في الأشياء ويجعلها ملك يده عن طريق تحويله إياها. والعمل هو عملية تحويل الأشياء الطبيعية. لكن الإنسان لا يعمل فحسب بل يحلم أيضاً. يحلم بالسيطرة على الطبيعة بوسائل خارقة. يحلم بأن يتمكن من تغيير الأشياء وتشكيلها في صورة جديدة بوسائل سحرية. فالسحر في الخيال يقابل العمل في الواقع والإنسان من أول عهده ساحراً "(69). فالممثل على المسرح كالساحر تماماً، يؤسر بأدائه المتفرج ويجمد حركته لبعض الوقت وتصيبه حالة من الذهول، وهو يشاهد الممثل وحركته والشخصية وكيف يصوّرها واضفى عليها من صوته ومن سلوكه ومن تفكيره الشيء الكثير، وفي بعض الأحيان يكتشف الممثل زياً مناسباً للشخصية يكون هو المدخل لتعريفها، فمن خلال الزي تتكامل الصورة المشهدية، ويتحقق من خلال الألوان المعاني والمقاصد والأهداف للعرض المسرحي.
4.الممثل والمكياج:
يُعَدُّ الماكياج من عناصر السينوغرافيا الذي يعتمده الممثل في تغيير ملامحه وصولاً إلى الشخصية الدرامية، وهو من العناصر المرتبطة، وللماكياج القدرة ليس في تغييرالملامح فحسب وإنما حتى في التحول إلى جنس آخر، أي من ذكر إلى أنثى أو بالعكس. وفي تغيير السن والنفس كما في حالات الصحة والمرض والاكتئاب والفرح والجنون وغيرها من الحالات الغريبة والشاذة. والماكياج يسهم في خلق أغرب الشخصيات شكلاً وخلق دوافعها النفسية ومن ثم حركتها الجسدية على الخشبة، لذا يمكن للماكياج أيضاً أن يشكل الحالة الفكرية تبعاً لحالات النفس لارساء دعائم جو العرض. مع وجود الإضاءة المعبرة، وذلك من خلال خلق ثبات في ملامح الممثل، وقوة تعبيرية تستطيع أن تجعله يؤدي دون إخلال في تواصله وحالات التحول التي تتطلبها الشخصية الدرامية "والماكياج MAKE UP ، كاصطلاح درامي، يعني أن يعد الممثل أو يهيأ للولوج في الشخصية، سواء اندماجاً، أو عرضاً. إنه الوسيلة التي يعبر الممثل من خلالها إلى الشخصية. الممثل يتنكر إذن، يتخفى، لأنه يريد أن يبدو ( هاملت ) أو (لير) أو ( روميو ) أو ( ابن خلدون )"(70). يرتبط الماكياج بشكل مباشر من خلال وجهه، ويلتصق به طوال زمن العرض. لكن لايمكن للماكياج أن يؤدي دوره باتقان من دون الإضاءة، فهي تكشف ملامحه وتخفيها وتبرز حالات معينة يتطلبها العرض. فالماكياج ليس مجرد وضع الأصباغ والشعور أو التصليع، وإنما يأتي كل ذلك من أجل التأكيد على الوظيفة أو الغاية التي أرتبط بها وهي الوظيفة الفكرية والجمالية لخلق الشخصية الدرامية بأدق التفاصيل. لابد للماكياج من أن يطابق صفات الشخصية الدرامية من حيث الشكل، كالملامح وتغيير السن وله القدرة في إغنائها من خلال عمل الممثل على ذلك، وللماكياج القدرة على خلق الجروح الحديثة والقديمة والعاهات التي تكون عادة في الوجه والأطراف، ولحالات خاصة تكون في معظم الجسد كالحروق وأمراض الجلد وغيرها من الأعراض والعاهات وتتحقق هذه كلها بقدرة الماكياج التغييرية والتحويلية لشخص الممثل من خلال تجسيده لشتى الشخصيات، على أن تلعب المسافة الفاصلة بين الممثل والمتفرج الدور الأساس من حيث البعد والقرب، فإن ملامح الممثل وقسماته المتغيرة بالماكياج قد لاتكون واضحة للمتفرج من حيث البعد، وهنا يأتي دور الماكياج لإبراز الملامح، " فإن الملامح المعبرة يجب أن يتم تكبيرها بحيث تبدو طبيعية حتى وإن كان ذلك على بعد كبير من خشبة المسرح"(71). الرسم المتقن للماكياج والمعبر عن صورة الشخصية المجسدة على الخشبة وطبيعة أشكالها وحالاتها المتنوعة كالعوامل السايكولوجية النفسية وتغيراتها عبر زمن المسرحية، وجميع هذه الحالات هي في حقيقتها قيم جمالية تؤثر في المتفرج بشكل مباشر"فالمكياج يعيد تصوير وجوه الشخصيات، حيث يشكل نسقاً جمالياً لا يخضع سوى لقواعده الخاصة، فالملامح التي يتم إبرازها وتحويرها يمكن أن يكون لها تأثير ساحر"(72).
هناك مسارح تعتمد على الماكياج بشكل أساسي، فمن خلال الماكياج يتم العرض وبدون ذلك لا يكون عرض مطلقاً ومنها المسرح الياباني ( الكابوكي) والمسرح الصيني ( النو) اللذان يستخدما الماكياج لإضفاء الصفات الجمالية، فحال دخول الممثل ويصبح وسط العناصر السينوغرافية تصبح دلالة الماكياج دلالة لغوية تقرأ من قبل المتفرج. فالعناصر السينوغرافية تكتب على جسد الممثل لغتها الجمالية" لأن العناصر الأخرى التي تشتغل دلالياً داخل جسد السياق المرئي تضفي على عناصر الحياة دلالة أخرى لم تكن موجودة فيها"(73). ففي التاريخ قبل آلاف السنين تعامل الإنسان مع الماكياج وبقي ملتصقاً به ولم يأتِ عصر قد تخلى فيه الإنسان عن الماكياج سواء الرجل أو المرأة وبقى الماكياج يحتل مكانة كبيرة لدى الإنسان وحتى يومنا هذا. يلعب الماكياج الدور الكبير من حيث القدرة التحويلية للدلالات الجسدية كما في أداء الممثل المذكر لدور الأناث وكذلك يمكن أن يكون العكس، حيث تلعب النساء دور الرجال، وعلى ذلك أمثلة كثر، ولاسيما في أعمال شكسبير، حيث تتخذ المرأة دور الرجل، من أجل هدف تريد أن تحققه من خلال هذا التحول. ولكن في الحقيقة أن في عصر شكسبير كان الصبيان يمثلون أدوار النساء وذلك لأكثر الصفات تشابهاً، من حيث الصوت والشكل أي شكل الوجه، وهنا يأتي دور الماكياج ليؤكد هذا التطابق ويحقق غرضه باتقان ولاسيما في استخدام الشعور الصناعية ( الباروكات ) فيصبح الفتى الذي يمثل دور المرأة مقنعاً لدى المتفرجين، "يحدد طراز الشعر، إلا أنه يمكن، في هذا التحديد إحداث تنوعات كثيرة بتغيير طراز شعر الرجال وشعر السيدات أيضاً"(74). يرتبط الماكياج بالممثل بشكل مباشر مع الملابس يحقق الممثل بأدائه سمات الشخصية المجسدة بشكل إيحائي ولولوجاً إليها واظهارها على الخشبة، حتى ولو بشكل نسبي لأن الممثل لايمكن أن يكون هو الشخصية ذاتها، فهو يبقي من ذاته شيئاً محتفظاً به ويشير له المتفرج بأنه الممثل الفلاني، بل أن الممثل يدخل في الشخصية ثم يخرج منها في نهاية العرض. "فإذا التزم العرض المسرحي مثلاً بالصور السائدة عن الكهولة والشباب فسيسعى المكياج إلى تعديل مظهر الممثلين بما يتفق مع أعمار أدوارهم، فإذا اقتضى الدور عمراً أكبر من عمر الممثل أضاف إليه المكياج خطوطاً وتجاعيداً إلى جانب الشعر الأبيض، أما إذا اقتضى الدور عمراً أصغر فقد يلجأ الممثل إلى طبقات كثيفة من الأصباغ لتخفى آثار السنين وتضفى على وجهه رونق الشباب"(75 ).
الممثل عند (كروتوفسكي) في المسرح الفقير لايستخدم الماكياج مطلقاً بالرغم من أنه يجسد عدة شخصيات وذلك من خلال كشف قدرات الممثل الروحية" قدرات تقود المشخص إلى تقمص شخصيات متعددة على مرأى من المتفرجين مباشرة، فنلاحظ على سبيل المثال أن تشكيل الممثل لقناع وجهه، يتم بمعونة عضلات وجهه نفسها، وبفضل نبضات روحه الداخلية دون حاجة إلى القناع المعد من طرف الفنان التشكيلي أو صانع الماكياج"(76). يستغني عن كل عناصر السينوغرافيا ويبقي الممثل لأنه حسب مفهومه يمثل جوهر المسرح مع المتفرج بطبيعة الحال. فالديكور والإضاءة والأكسسوارات والماكياج لاتعني شيئاً بالنسبة لهذا المسرح وفي النهاية يتخلص هذا المسرح من كل ماهو تقليدي، حتى أستغناءه عن الخشبة، ويقدم عروضه في أماكن عامة، فليس التمثيل في هذا المسرح بالأمر الهين، حينما يظهر الممثل بلا ماكياج، فالبديل هو ماكياج النفس الداخلي الذي يجده المتفرج أمراً في غاية الصعوبة في هذا النوع من التمثيل. فمهمة الماكياج الأساسية هي إبراز وجه الممثل كما هو معلوم حين يظهر على الخشبة مع تصميم الإضاءة وتوزيعها في فضاء المسرح، فحركة الممثل بإيماءاته وبحركة عضلات الوجه يستطيع الممثل أن يعطي للماكياج الديمومة وتحولات نفسه خلال العرض. يمكن بواسطة الماكياج أن تتحقق دلالات الشخصية وغالباً ما تكون مرتبطة بالتسريحة والملابس، تسمح بتصوير شخصية تاريخية أو معاصرة. والماكياج كمنظومة علاماتية تتداخل مباشرة مع إيماءات الوجه وتعبيراته، وقراءة تغييراتها الجمالية. ويمكن بشكل مادي أن يكون الماكياج هو الهيئة الظاهرية، فالملابس من ناحية أخرى هي جزء من إيماء الممثل ومن تكامله الظاهري متشكلاً مع الماكياج في رسم الشخصية وصفاتها محققاً معالمها الخارجية والنفسية. " القيمة النفسية للماكياج أعمق من جو النشاط الذي تستثيره قبيل رفع الستار. ان كثيراً من الممثلين، وخاصة عندما يقومون بأداء أدوار دراسية مغايرة لطبيعة شخصياتهم، يجدون في الماكياج مادة محضرة تستنهض فيهم مزيداً من الثقة والقدرة على الأداء السديد"(77). يُعَدُّ الماكياج الذي يستخدمه الممثل في تغيير ملامحه أو شكله بالكامل، أهم بكثير من الماكياج الذي تستخدمه النساء كل يوم من حيث الأثارة والتعبير، وما يتشكل من معالم مؤثرة في المتفرج بشكل مباشر. فماكياج الممثل يخلو من الفوضى أو التجميل الشكلي وهوالداعم للممثل أدائياً ويمكنه في العثور على صفات الشخصية ورسم ملامحها. فالممثل يستعين به في عملية التجسيد والأداء المتقن. قديماً منذ آلاف السنين تعامل الإنسان مع الماكياج وذلك لأهمية استعماله في بعض الشعوب، حيث استعمل المقاتلون في القبائل البدائية الأصباغ وطلاء وجوههم بها كي يزيدوا من رعب الخصم، لمعتقد قديم بأن هذا الطلاء يساعدهم في الفتك بأعدائهم ، وفعلاً يتحقق لهم ذلك والقاء الرعب فيهم، من جملة استخدام الماكياج بأن الأنثى تزيد من أنوثتها عندما تستخدم الماكياج وتزيد جمالها أيضاً، وذلك لما تريده من تأثير على الرجل، ففي الحرب يستخدم المقاتل الماكياج كما ذكرنا لإلقاء الرعب في القلوب، والماكياج في الحرب يكون أكثر بأساً من المقاتل الذي لايستخدم الماكياج، وفي السلم والحب تستخدم المرأة الماكياج للتأثير على الرجل، وبهذا استخدم الماكياج سلماً وحرباً " والملاحظ عبر التاريخ أن الرجل كان دوماً هو المستهدف بالإيحاء اللوني يستهدفه الرجل بالأقنعة المختلفة وطلاءات الحرب لترويعه وتستهدفه المرأة بالماكياج للتأثير عليه ولعل هذا يعكس فكرة هامة حول دماغ الرجل ودماغ المرأة حيث تغلب الألوان والابعاد على أحاسيس الرجل visio spatial فيما تغلب العبارة واللغة verbal على أحاسيس المرأة، يتقرب منها بالشعر وتتقرب منه بالجمال، يعجب بجمالها وتعجب بلطفه، يبدأ عشقه بالعين وتبدأه بالأذن"(78). فمن المجتمعات البدائية حتى عصرنا الحالي، بقي الإنسان ماضياً نحو التحول الذي يطال جسده وتعبيراته فيرسم على جسده الأشكال الرمزيه مثل الوشم أو حفر أشكال معينة عليه لضرورة يرتئيها بأن لها القدرة السحرية العجيبة من أن تحقق له الحظ والنجاة من الأعداء من الرسم الطلاسمي الذي يتزين به جسده، ودهن هذا الجسد وتلوينه في مواسم معينة أو أعياد تحقق له الفرح والابتهاج." كانوا قد بدأوا ينتبهون إلى فكرة التأثير النفسي الخاص للانسان وقدرة العقل البشري على نقل تصوراته وتجسيدها في الجمادات والاشياء، (...) وهي تبرهن على قوة اعتقاد الناس بما يحدث وبمضمون الظاهرة نفسها"(79). فلكل شعب من الشعوب اعتقاداته في الأشياء، التي تكون عادة مقدسة لا يستطيع أحد خارج نطاق القبيلة أو الشعب المساس بها أو أن يسخر منها، فيناله الموت المحتم أو العقاب. وهذا الإنسان حينما يتعامل مع معتقده يتعامل بإيمان خالص، لذا أصبح من جملة هذه الممارسات الطقسية هو الماكياج والذي أحسن أستخدامه في حياته الطبيعية، أما الماكياج الذي استخدم في عالم الدراما فله شأن آخر، حيث يقوم بوظيفتين، الأولى "عملية وأخرى جمالية. فعلى مستوى العملي يمثل المكياج أداة هامة في تشكيل الشخصية المسرحية وإمدادها بالملامح المميزة وإضفاء صبغة الواقعية عليها. (...) وعلى المستوى الجمالي، يستخدم المكياج المسرحي في تجميل صورة الممثل تماماً مثل المكياج العادي أو كجزء مكون من التشكيل الجمالي العام للعرض"(80). وقد ينتج من سوء استخدام الماكياج للممثل خللاً في أدائه وتعبيره، لما يلحق هذا الماكياج بالأثر الجانبي من تشويه ربما غير المقصود ولكن في كمية الماكياج وتركيباته غير الملائمة لبشرة الممثل كل هذا يكون السبب العائق لأدائه ويهدم البناء الدرامي للشخصية، ومن ثم موت الشخصية على الخشبة، كل ذلك جاء نتيجة الماكياج الخاطئ وغير الصحيح له، في حين أن الماكياج إذا وضع بشكل صحيح يساعد الممثل ويسهم في دعم أدائه بامتياز، أضف إلى ذلك أن الماكياج يستنبط حالات النفس وتأثيراتها ويظهرها على وجه الممثل ويغنيها تعبيراً على ملامحه، وللممثل القدرة في معرفة حدود ماكياجه في أثناء الأداء ويزيد من تأثير ماكياجه بتحريك عضلات وجهه التي تعزز من رسم الماكياج وتمنحه قوة مؤثرة في عملية التلقي. فالممثل على المسرح يستطيع أن يغير من حركة وجهه وأطرافه وكذلك من خلال إبداعه في تغيير تعابير وجهه بالحركة والإيماءة. فمنذ نشأة الإنسان الأولى وهو يمارس الحركة والإشارة كلغة تعبير من أجل يفهم الجميع هذه اللغة التواصلية مع الآخر. ولقد اعتاد الجميع على التداول بهذه اللغة، ولقد تعلمها فيما بعد الأجيال الأخرى. ولقد تعلم الإنسان الأول كيف يحرك تعابير وجهه وينقلها إلى الآخر كنوع من تشكيل صورة لحالة أو موقف مر به ويريد أن ينقله إليه. "والقناع هو الممثل الأول بلا شك، يصدق عليه كل ما يصدق قوله اليوم على الممثل الحي، وسواء أخذ القناع ملامح إنسانية، أو حيوانية، ليكون في النهاية انعكاسا لهذه الملامح بعينها، أو كان تجريدا لها، فإنه في النهاية تجسيد لصورة الطبيعة الأصلية"(81). ويحل محل القناع القديم هو المكياج، وذلك لقدرته على تغيير الملامح بحيث يصبح الممثل الشاب شيخاً كبيراً وقد يتحول أيضاً إلى فتاة وغيرها من الأشكال والسحن التي يتطلبها الدور، ولكن ذلك غير كافٍ بحيث يكون أعتماد الممثل على المكياج في تأدية الدور وتحقيق الجانب الخارجي، ولكن الجانب النفسي أو الروحي يلعب دوراً أساسياً في التجسيد، فالممثل معني بالجانب الداخلي بالدرجة الأولى. صحيح أن المكياج يحقق له تغييراً ما، ولكنه يبقى غير كافٍ ما لم يساهم الممثل مساهمة فعالة في الاعتماد على حركته الداخلية والخارجية في صنع القناع المناسب للشخصية. " فالقناع يوظف ازدواجية الأداء المسرحي، أي الجانبين الفني والواقعي للأشكال والصورالمسرحية. فقد كان القناع هو الوسيلة الأولى للتأكيد على المسافة الفارقة ما بين الممثل والشخصية"(82). يُعَدُّ القناع أداة تعبيرية يكون تابعاً للماكياج أو يكمله وأيضاً للأزياء كذلك، ويتوسط هذان العنصران من حيث الأداء والتأثير، والقناع من الأشكال التي تعرفنا عليها من خلال استخدامات المسرح الإغريقي له كدلالة معبرة قادرة أن تحقق غرضها من خلال فعل الممثل الذي يرتديه. وللقناع قيمته الجمالية الذي يساعد الممثل في تبني شكلٍ معين في العرض المسرحي.
الممثل والملحقات ( الأكسسوارات ):
من المعتاد أن نطلق كلمة أكسسوارات على كل ما تستخدمه الشخصية سواء على المسرح أو في الحياة العادية، والأكسسوارات نعني بها أيضاً الملحقات أو الأغراض أو المهمات، وقد استعملت هذه الأسماء للدلالة على الأشياء التي يستخدمها الممثل أو الإنسان العادي، مثل، الكرسي والساعة والمسبحة والسيف وجميع الحلي وكذلك الهاتف والمظلة والنظارات والتاج والصولجان. فمنذ بدايات المسرح، وحتى الوقت الحاضر كان للأكسسوارات أهمية في العرض المسرحي، بحيث لم نجد عرضاً مسرحياً قدم بدون أكسسوارات، طالما هناك شخصية على الخشبة إذن ترافقها أغراض أو ملحقات أو أكسسوارات. "عملياً إن كل الأشياء الموجودة في الطبيعة أو في الحياة الاجتماعية وعددها غير محدود، يمكن أن تتحول إلى أكسسوارات في المسرح. وهذه الأكسسوارات عندما لا تعني سوى الأشياء الموجودة في الحياة فانها تكون علامات مصطنعة لهذه الأشياء."(83). ومن خلال الأكسسوارات يمكن خلق بيئة حتى ولو بالايحاء وجعل الصورة مطابقة للواقع حينما يستخدم الممثل نفس الأكسسوارات التي يستخدمها في حياته الاعتيادية الحقيقية. تشكل الاكسسوارات ولاسباب متعددة منظومة مستقلة من العلامات " السيارة في المشهد الثالث من مسرحية بريخت (السيد بونتيلا وتابعه ماتي) أكسسواراً، مع مع أنها جزء أساسي من الديكور."(84). أحياناً يكون من الصعب التفريق بين الديكور والأكسسوارات، وهناك من الحالات التي تكون للأكسسوارات قيمة سيمولوجية أكبر من ذلك. "فطائر النورس المحنط هو أكسسوار في مسرح تشيخوف وهو علامة من الدرجة الأولى لنورس مقتول حديثاً.. وهو علامة من الدرجة الثانية لفكرة غير محسوسة هي التطلع الفاشل للحرية. والتي هي بدورها علامة الحالة النفسية لابطال المسرحية."(85 ). وبقي التعامل مع الملحقات وفقاً لمتطلبات العرض، فقد ظهر التعامل معها كثيراً في عصر ما، وقد غاب التعامل معها تماماً في عصرآخر، وذلك من خلال الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الكتابة للمسرح ونوع العرض. وفي القرون الوسطى على وجه التحديد استخدمت الحيل المسرحية بواسطة الأكسسوارات، وكان الممثل يمحور كل الأشياء (أكسسوارات) إلى معانٍ من خلال تفاعله معها، "أشد الحركات مداعاة للنفور وتكريس القبح هي محاولة الشرود الذهني وضربات الحذاء على الخشبة أو الارتطام بزميلك أو بالديكور وبالادوات المسرحية (الاكسوار)"(86). لذا فالممثل يستطيع أن يحقق من خلال استخدامه للأكسسوارات بشيء من الألفة والارتباط الطبيعي، فحين يمسك بالسيف، يشعر المتفرج بأن الممثل على علاقة وطيدة مع السيف وكأنه جزء من كيانه، هذه الألفة مع الملحقات التي يشعرنا بها الممثل قد جاءت من صدقه في الأداء، وغالباً ما يتعامل الممثل مع قطعة الأكسسوار، السيف مثلاً، ولكن يخلو أدائه من الصدق فيصبح هذا السيف شيئاً زائداً أو كأنه مقحم عليه ويصبح كما هو لاحياة فيه، بينما في الممثل الأول الذي كان أدائه صادقاً قد أحال السيف الذي لاحياة فيه إلى أداة تشاركه الفعل أو مساهمة فيه إن لم نقل أنها مؤدية للفعل كعنصر حقيقي نابض بالحياة " أن خصائص الفعل المتجه نحو هدف عملي تتقرر بواسطة ذلك الهدف – بغض النظر عن الملاحظ –الا اذا كان هدف الفعل هو التواصل. أما في المسرح فالفعل هو غاية بذاته ولا يتمتع بهدف عملي خارجي يقرر خصائصه. لقد أعد الفعل – هنا – ليدرك من قبل الجمهور كسلسلة مترابطة من المعاني"(87). بقي الشيء الذي نريد أن نبين مدى أهمية الملحقات إذ لايتم الاستغناء عنها بأي شكل من الأشكال، ابتداء من البروفات حيث يتعامل الممثل مع الأكسسوارات، لأنها تشكل من الأهمية بحيث يبدأ الممثل يتعامل معها من البروفات وحتى يوم العرض.
5. الممثل والموسيقى والمؤثرات الصوتية:
يقسم الصوت إلى ماهو طبيعي وغير طبيعي أي بما يسمى بالآلي، فالصوت الطبيعي هو صوت الإنسان والحيوان مثل زقزقة العصافير وصياح الديك ونباح الكلاب وغيرها من الأصوات الحيوانية. ويضاف إلى ذلك أصوات الظواهر الطبيعية مثل الرعد والمطر والرياح والعواصف وغيرها. وهذه الأصوات لاتلتقي أبداً مع الصوت الآلي والذي يصدر عادة من الآلات والأدوات. غير أن الموسيقى تستطيع أن توّحد بين ما هو طبيعي وآلي. "يجب على الممثل، قبل كل شيء، أن يتمتع بموهبة موسيقية . ففي مدة زمنية قصيرة ، تتعاقب على خشبة المسرح الصغيرة أحداث ضخمة مما يضطرنا الى الاعتراف بوجود قانون زماني ومكاني يفرض علينا ضرورة التأكد من الزمن وامكانيته على الاستيعاب دون النظر الى الساعة. ولا يتوافر لنا ذلك الا عن طريق حسنا الايقاعي"(88). لقد أكد كل من جوردون كريج ، وأدولف آبيا ، وفاجنر أن روح المسرح هي الموسيقى، وقد انتقدوا الأعمال ذات الاتجاه الطبيعي في المسرح وأن بنية المسرح هو الممثل وحركته. فالموسيقى بشكل عام، هي الفن الطبيعي التي تتجسد فيه حركة الكون والمجتمع في الوقت نفسه. "إن الممثل أيضاً له عالمه الموسيقي ولكنها موسيقى من نوع أكثر جدية، وأكثر حرية، يضع هو نوتتها، ويحدد إيقاعها والوانها وأرتامها، وكلما كانت مواهب الممثل لامعة وبارزة، وتقنياته محددة وواضحة ومستقرة وكلما كان متمكناً من السيطرة على هذه التقنيات ، كلما كانت علاقة ارادته وحريته بارادة المخرج وتوجيهاته موضع صراع"(89). تُعَدُّ الموسيقى من العناصر السينوغرافية المهمة التي يرتكز عليها العرض المسرحي، وهي تؤسس لعالم الدراما الموسيقية، وهي تحقق المتعة والدهشة للمتفرج " وتنبع فكرة المتعة والدهشة عند التقليديين من الالتزام بالواقعية الحرفية لتفاصيل السنوجرافي، والحقيقة أن الالتزام بالواقعية الحرفية قد أدى الى إبداع ماكينات مسرحية حققت المعجزات في حقبة ميلاد وازدهار الاوبرا في ايطاليا وأوربا"(90).
في بداية المسرح نجد أن انبثاق التراجيديا من الطقس في زمن الإغريق ، ومجمل الرقصات والأناشيد التي تعتمد الموسيقى كانت تؤديها الجوقة التي كانت تشكل جزءاً أساسياً من البنية الدرامية، ولكن فيما بعد هيمن النص المسرحي وتقلص دور الأناشيد والرقصات، ورغم ذلك بقيت مرافقة للعروض المسرحية، وحتى ظهور عالم الاخراج كمفهوم وممارسة وتحقيقه تشكيل العرض المسرحي عبر الممارسات الفنية المتنوعة أعطت الأهمية للعناصر السينوغرافية واشتغالاتها أكثر من أهمية النص، فالمتفرج جاء لكي يرى لا لكي يسمع، إلا الموسيقى التي ُتسمع لكي تدعم الفعل العام للعرض وتسهم في إثارة النفس وتحقيق الهارمونية لحركة العناصر الفنية السينوغرافية. " فقد اقترح فاغنر دراما المستقبل التي تقوم على تناسق ومساهمة كل الفنون، إذ اعتبر أن المستقبل لن يكون للموسيقى وحدها أو للأنواع الأدبية كل على حدة ، وإنما المستقبل لاجتماع هذه الفنون معاً بحيث تؤثر بشكل مشترك على الجمهور"(91). فالمسرح بشموليته يحتوي على فنون متعددة منها السينوغرافيا بعناصرها المعروفة وجميع الأشياء التي يتألف منها العرض المسرحي، كالتمثيل ويشكل مع الحدث بما يسمى روح العرض والسينوغرافيا وهي تمثل جسد العرض، والخط واللون وهما صميم المشهد ويمثل إيقاع العرض المسرحي، هو جوهر الموسيقى والرقص. وجميع العناصر تتآزر مع بعضها ولن يستقل عنصر عن آخر، ولايقل أهمية عنصرعن آخر وهذه العناصر، وأقصد بها السينوغرافيا تعبر من خلال ذوبانها في الصورة المشهدية، عن أهداف ومقاصد يبغي السينوغراف والمخرج معاً تحقيقها. "المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية قديمان قدم المسرح ، فمن عصر الطبول البدائية التي كانت تصاحب الطقوس الدينية الى الصوت والموسيقى المصاحبة للافلام الحديثة وهذه العناصر السماعية تفيض قوة طاغية لخلق الجو المطلوب"(92). وغالباً ما تكون الموسيقى مؤثرة ليس في المتفرج فقط، وإنما حتى على الممثل الذي تتفاعل معه وتحسن من أدائه، وهو يجسد دوراً معيناً. "أما اشتغال الموسيقى في لحظات الصمت على المسرح، فهو مهم للإيحاء بالخوف والدهشة والتفكير، وهذا يتطلب تدعيماً علامياً من خلال الضوء واللون وتقنياتهما."(93) المسرح اعتمد الموسيقى في عروضه منذ النشأة الأولى له، وهي تمثل جزءاً من تكوينه العام فالمسرح يجمع عدة فنون، لهذا سمي (أبو الفنون) كذلك يضم في معيته بعض الحرف. وفي بعض المسرحيات تؤلف مقاطع موسيقية بالرغم من الانتاج المكلف في هذا إلا أن ذلك يتم لحاجة العرض لنوع معين من الموسيقى. إلا أن معظم المخرجين يعتمدون في عروضهم الموسيقى الجاهزة التي يجدونها في المقطوعات الموسيقية المسجلة والسيمفونيات المعروفة لعباقرة الموسيقى، لكن لا يتم الاستغناء عن الموسيقى بأي شكل كان، ومن المعلوم أن المشاهد التي تخلو من الموسيقى لاتخلق جواً مؤثراً وتصبح خارجة عن البنية الجمالية للمسرح.
6- الممثل والإيقاع:
لو تمعنا جيداً فيما حولنا نجد أن الإيقاع موجود بكل ما يحيط بنا، ابتداءً من تكتكات الساعة، وحركة السيارات، وحركة سير الأشخاص والموسيقى بأنواعها. والإيقاع مرتبط بالنفس أحياناً ولا يقاس على النظام الفيزيائي فقط . وإنما هناك عدة عوامل يحققها الإيقاع، ومنها تغييره لحالة الشخص من الهدوء إلى حالة التوتر وبالعكس أيضاً. فالممثل يبتدع إيقاعاً للشخصية التي يجسدها ، فالإيقاع يحقق التوافق الصوتي والحركي عند الممثلين والارتباط مع العناصر السينوغرافية في وحدة موحدة إيقاعياً بتناغم وانسجام هارموني. فلكل عنصر من عناصر السينوغرافيا إيقاعه الخاص، والداخل ضمن الإيقاع العام للمسرحية." فالموسيقى واللغة التعبيرية للجسد يحددان إيقاع المشهد"(94).في المسرح الشامل الذي يُعَدُّ مسرحاًغير تقليدي لايعير للكلمات أي اعتبار والذي يعدّها أضعف وسائل التعبير المسرحي، قياساً بالوسائل الأخرى الذي يوليها أهمية أكثر مثل الموسيقى والرقص والغناء واللعب والحركات التعبيرية باجمالها، فالمسرح الشامل يزاوج بين العناصر محققاً بإيقاعاتها الجو العام. ولو رجعنا إلى منابع المسرح الأولى المسرح الإغريقي، نجد أنه يزاوج بين الأناشيد الغناء الكورالي والرقص. "كورال في الخلفية وجزءاً من الفرقة الموسيقية التي تساعد على خلق الإيقاع الصحيح"(95). للممثل على الخشبة إيقاعه وهو بالظرورة إيقاع الشخصية المجسدة، من ناحية البطء أو السرعة.محكوم بحركاته في خطة الميزانسين يتخلل من خلال حركة الممثل إيقاع يتنامى مع الديكور والعناصر الأخرى. " انه لايمكن تكوين ميزانسين الجسم بمعزل عن الفعل وحالة الاحساس النفسي والجسماني، والسرعة الإيقاعية، ذلك أن توافر كل منها مرهون بالآخر"(96). فالتشكيل لعناصر العرض ترتبط بوحدة إيقاعية تقودها حركة الممثل المتناغمة والمنسجمة مع حركات الممثلين الآخرين إلى حيث الأداء المتقن الذي حققه ترصين الإيقاع بشكل عام، فالعرض المسرحي ينحو إلى إيقاع يغني تشكيلاته الحركية بالتنوع والتطور، فالفعل يتطور من خلال الإيقاع، والحدث ينتقل إلى حدث آخر من خلال الإيقاع، فالإيقاع المتنوع يسهم في ردع الرتابة في العرض ويخلق تواصلاً مع المتفرج ويأخذ باهتمامه لمتابعة الأحداث حدثاً حدثاً، والإيقاع الرتيب يميت الممثل على الخشبة وكذلك يميت العناصر الأخرى."إن إيقاع التمثيل يتوقف على عنصر من الأعمال وهي الصلة بين الحديث والرموز غير اللغوية، إن صلة التزامن وثراء التبادل بين المجالين تعطي للتمثيل نوعاً من التوتر. وعلى العكس من ذلك فإن ثراء اللغة ووضوح الصورة يؤدي إلى نوع من البطء في الإيقاع"(97). حركة الممثل ترتبط بالضرورة بإيقاع العرض، حيث تتحقق العلاقة الوثيقة بين حركية الجسد (الممثل) ضمن زمان ومكان العرض المسرحي وتطوراته من خلال التنظيم الحركي للممثل وهو التوافق بين حسه الإيقاعي ونسق حركته في الفضاء وارتباطها بالعناصر السينوغرافية وبكل ماموجود على الخشبة.
ــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1)إبراهيم، زكريا: مشكلة الفن، دار مصر للطباعة، القاهرة، 1976، ص219.
(2) هوايتنج، فرانك م: المدخل إلى الفنون المسرحية، تر/ كامل يوسف، وآخرون، دار المعرفة، القاهرة، 1970، ص384.
(3) فونتاني، جاك: سيمياء المرئي، تر/ علي اسعد، دار الحوار، ط1، دمشق، 2003، ص 10.
(4) معلا نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص 119.
(5) حسن، حنان قصاب: الغرض في المسرح /2، مجلة الحياة المسرحية، ع/42، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص24.
(6) فونتاني، جاك: سيمياء المرئي، مصدر سابق، ص34.
(7) هوايتنج، فرانك م : المدخل الى الفنون المسرحية، المصدر سابق، ص379.
(8) هوايتنج، فرانك م: المدخل الى الفنون المسرحية، المصدر نفسه، ص379.
(9) راضي، ماهر: فن الضوء، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2005، ص20.
(10) راضي، ماهر: فن الضوء، المصدر السابق، ص26.
(11) الحكيم ، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مصدر سابق، ص35.
(12) ينظر: معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص120.
(13) معلا، نديم، لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص121.
(14) الحكيم ، زياد، الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مصدر سابق، ص35.
(15) حمزة، مؤيد: خصوصية الفن المسرحي والتكنولوجيا، مهرجان المسرح الأردني الرابع عشر، عمان،2007، ص21.
(16) حمزة، مؤيد، خصوصية الفن المسرحي والتكنولوجيا، المصدر نفسه، ص20.
(17) هوايتنج، فرانك م : المدخل الى الفنون المسرحية، مصدر سابق، ص381.
(18) راضي، ماهر: فن الضوء، مصدر سابق، ص38.
(19) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص149.
(20) ينظر: هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، المصدر نفسه، ص155 .
(21) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، المصدر نفسه، ص153.
(22)هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، المصدر نفسه، ص154.
(23) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، المصدر نفسه، ص154.
(24) كافزان، تادوز: العلامة في المسرح، تر/ ماري الياس، مجلة الحياة المسرحية، ع/34- 35، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص44.
(25) الحاوي، ايليا : شكسبير والمسرح الأليزابيتي، ج/1، دار الكتاب اللبناني، ط1، بيروت، 1980، ص268.
(26) شهيد، رياض: سيمياء الضوء في المسرح، مصدر سابق، ص152.
(27) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص76.
(28) شكسبير، وليم:مأساة عطيل، تر/ محمد مصطفى بدوي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004، ص193.
(29) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص155 .
(30) هوايتنج، فرانك م : المدخل الى الفنون المسرحية، مصدر سابق، ص386.
(31) إيلام، كير: سيمياء المسرح والدراما، مصدر سابق، ص131.
(32) راضي، ماهر: فن الضوء، مصدر سابق، ص92.
(33) راضي، ماهر: فن الضوء، المصدر نفسه، ص92.
(34) شهيد، رياض: سيمياء الضوء في المسرح، مصدر سابق، ص99.
(35) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص123.
(36) جالاوي، ماريان: دور المخرج في المسرح، تر/ لويس بقطر، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970، ص363.
(37) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص124.
(38) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص124.
(39) حموده، يحيى: نظرية اللون، 1981، ص3.
(40) شهيد، رياض: سيمياء الضوء في المسرح، مصدر سابق، ص152.
(41)حموده، يحيى: نظرية اللون، المصدر السابق، ص131.
(42) الحكيم، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مصدر سابق، ص35.
(43) الحكيم، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مصدر سابق، ص35.
(44) مايرخولد، فسيفولود: في الفن المسرحي، مصدر سابق، ص181.
(45) فريد، بدري حسون، سامي عبد الحميد: مبادئ الاخراج المسرحي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، 1980، ص35.
(46) عبد الحميد، سامي: السينوغرافيا وفن المسرح، مجلة الأقلام ، ع 5 – 6، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2005، ص9.
(47) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق، ص29.
(48) سورجير، آن: سينوغرافيا المسرح الغربي، مصدر سابق، ص15.
(49) الحاوي، إيليا: الفن والحياة والمسرح، مصدر سابق، ص29.
(50) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص167.
(51) عثمان، عبد المعطي عثمان: عناصر الرؤية عند المخرج المسرحي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1996، ص162.
(52) ــــــــــــــ : عناصر الرؤية عند المخرج المسرحي، المصدر نفسه، ص162.
(53) الحكيم، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مصدر سابق، ص34.
(54) المصدر نفسه، ص34.
(55) الحكيم، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، المصدر نفسه، ص34.
(56) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص66.
(57) الحاوي، إيليا: الفن والحياة والمسرح، مصدر سابق، ص190.
(58) موسى، سلامة: الشخصية الناجعة ، كتاب الشباب، مؤسسة الخانجي مصر القاهرة 1960 ، ص64.
(59) الحكيم، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مصدر سابق، ص35.
(60) موسى، سلامة: الشخصية الناجعة، مصدر سابق، ص65.
(61) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق، ص182.
(62) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص65.
(63)معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص75.
(64) ينظر: شكسبير، وليم، تاجر البندقية، تعريب خليل مطران، دار المعارف بمصر ، 1971، ص124.
(65) ميويك، سي: المفارقة وصفاتها، تر/ عبدالواحد لؤلؤة، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد، ص89.
(66) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص167.
(67) يوسف، عقيل مهدي: القرين الجمالي في فلسفة الشكل الفني، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2005، ص145.
(68) الحاوي، إيليا: الفن والحياة والمسرح، مصدر سابق، ص28.
(69) المصدر نفسه، ص29.
مسرحية لكارلو غوزي Carlo Gozzi كانت آخر مسرحية يخرجها فاختانغوف والذي توفي بعدها عام 1922، وأراد أن تكون هذه المسرحية مليئة بالمتعة والترويح عن النفس وقد شبه ذلك بشعور الفرد في يوم العطلة أو الحفل.
(70) افنز، جيمز رووز: المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلى بيتر بروك، مصدر سابق، ص63.
(71) فيشر، أرنست: ضرورة الفن، تر/ أسعد حليم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971، ص21
(72) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص85.
(73) بافيس، باتريس: تحليل العروض المسرحية، تر/ منى صفوت، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، القاهرة، 2006، ص307.
(74)بافيس، باتريس: تحليل العروض المسرحية، المصدر نفسه، ص308.
(75) السوداني، موسى: دراسات في المسرحية الحديثة، وزارة الثقافة والاعلام، العراق، بغداد، 1975، ص81.
(76) كورسون، ريتشار: فن الماكياج، تر/ أمين سلامة، المركز العربي للثقافة والعلوم، بيروت، 1983، ص281.
(77) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص179.
(78) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص179.
(79) زيطان، محمد: الاخراج وجماليات المسرح المعاصر، مجلة الحياة المسرحية، ع/65، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص65.
(80) هوايتنج، فرانك م: مدخل الى الفنون المسرحية، مصدر سابق، ص277.
(81) أمين، عياض عبد الرحمن: مفهوم اللون ودلالاته في الدراسات التاريخية، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2009، ص143.
(82) ولسن، كولن: الإنسان وقواه الخفية، تر/ سامي خشبة، ط 2، دار الآداب، بيروت، 1978، ص229.
(83) ولسن، كولن: الإنسان وقواه الخفية، تر/ سامي خشبة، ط 2، دار الآداب، بيروت، 1978، ص229.
(84) هلتون، جوليان: نظرية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص178.
(85) سعد، صالح: الأنا – الآخر، مصدر سابق، ص101- 102.
(86) سعد، صالح: الأنا – الآخر، مصدر سابق، ص100.
(87) كافزان، تادوز: العلامة في المسرح، مصدر سابق، ص43.
(88)كافزان، تادوز: العلامة في المسرح، المصدر نفسه، ص43 .
(89)كافزان، تادوز: العلامة في المسرح، مصدر سابق، ص43.
(90) مهدي، عقيل: في بنية العرض المسرحي، مصدر سابق، ص58.
(91) فيلتروسكي، يوري : الإنسان والغرض في المسرح، تر/ د. إدمير كورية، مجلة الحياة المسرحية، ع 42، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص105.
(92) مايرخولد، فسيفولود: في الفن المسرحي، مصدر سابق، ص163.
(93) أردش، سعد: الثقافة الموسيقية في المسرح، مجلة الحياة المسرحية ع 34 – 35، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص225.
(94) أردش، سعد: الثقافة الموسيقية في المسرح، المصدر نفسه، ص231.
(95) زيطان، محمد: الاخراج وجماليات المسرح المعاصر، مصدر سابق، ص68.
(96) هوايتنج، فرانك م ، مدخل الى الفنون المسرحية، مصدر سابق، ص376.
(97) شهيد، رياض: سيمياء الضوء في المسرح، مصدر سابق، ص182.
(98) زيطان، محمد: الاخراج وجماليات المسرح المعاصر، مصدر سابق، ص68.
(99) هوايتنج، فرانك م ، مدخل الى الفنون المسرحية، مصدر سابق، ص376.
(100) شهيد، رياض: سيمياء الضوء في المسرح، مصدر سابق، ص182.
(101) خليل، فاضل: الموسيقى في المسرح، مجلة الحوار المتمدن الألكترونية، ع2202، شبكة المعلومات العالمية، 2008، (w w w. ahewar. Org/ debat/ show. Art. Asp) .
(102) حتاحت، ليلاس: ماكس راينهارت وتجربة المسرح الشامل، مجلة الحياة المسرحية، ع57، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص48.
(103) ببوف، الكسي: التكامل الفني في العرض المسرحي، تر/ شريف شاكر، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1976، ص253.
(104) سفيلد،آن أوبر: مدرسة المتفرج، تر/ حمادة إبراهيم، وآخرون، مهرجان القاهرة الدولي، القاهرة، ص271.



#جواد_الحسب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاقة الممثل بعناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي
- الممثل والممثل الآخر: ( العلاقة الأولى ).
- ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي .
- السيرة الذاتية للكاتب والمخرج المسرحي جواد الحسب
- مسرح سامي عبد الحميد الانتقائي والتجريبي
- شذرات من أعمال جواد الأسدي في المسرح
- طقوس سامي عبد الحميد في مكبث (**)
- تجليات مسرح الصورة عند القصب


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد الحسب - الممثل والعناصر السينوغرافية: ( العلاقة الثانية )