نجيب الخنيزي في حوار استثنائي مفتوح حول: الحراك الاجتماعي والثقافي والإصلاحي في السعودية


نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن - العدد: 3292 - 2011 / 3 / 1 - 08:55
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرى الحوار: حميد كشكولي

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 34 - سيكون مع الاستاذ نجيب الخنيزي حول: الحراك الاجتماعي والثقافي والإصلاحي في السعودية.

 
1 - اعتبر الأمير طلال في حديث للبي بي سي العاهل السعودي " الشخص الوحيد الذي يمكنه إجراء الإصلاحات، واعترف ان وفاة الملك عبد الله دون ان يقدم على اصلاحات ، من شانه ان يفجر المشاكل والخلافات ترى ماذا تستنتج من هذه التصريحات في عصر بدأت الشعوب العربية الكفاح لتكون صاحبة كلمتها وقرارها ؟


الأمير طلال بن عبد العزيز في حديثه الذي بثته بي بي سي كان متصالحا الى حد كبير مع قناعاته ورؤيته التي طرحها منذ الستينات من القرن الماضي ، سواء حين لعب دورا رئيسيا إلى جانب الشخصية التقدمية البارزة عبد العزيز المعمر الذي كان مستشار للملك الراحل سعود بن عبد العزيز في تشكيل الحكومة التي سميت بوزارة الشباب ، حيث ضمت في صفوفها العديد من الوجوه الوطنية ، أو حين أختار المنفى بعد سقوط أو استقالة الحكومة التي لم تكمل العامين لكنها أقدمت على العديد من الإجراءات الإصلاحية التي وأدت في مهدها ، ومن بينها سن دستور حديث للبلاد يتضمن إقامة مجلس شورى منتخب جزئيا كما ينص على ضمان الحريات العامة للمواطنين . في المنفى شكل الأمير طلال ما يسمى " جبهة النضال الوطني " التي ضمت بعض أخوته من الأمراء المنشقين والذين عرفو بالأمراء الأحرار ، كما تحالف الأمير طلال لفترة معينة مع اليسار في السعودية الممثل في جبهة التحرر الوطني من اجل تحقيق إصلاحات عميقة في البلاد . علينا أن نقف عند العديد من المعوقات المعروفة التي تواجه الأطروحات الإصلاحية من قبل بعض مراكز اتخاذ القرار ناهيك عن غياب نظرة شمولية وعميقة للإصلاح لديهم . وفي الواقع نحن في سباق مع الزمن فما كان مقبولا قبل الإنفجارات الثورية العاصفة التي تهز جل البلدان العربية بما في ذلك العديد من بلدان مجلس التعاون الخليجي لم يعد مقبولا الآن . هناك رفع لمستوى سقف المطالب الشعبية التي لم تعد ترضى بالفتات أو بحلول ترقيعية . العالم العربي أمام مفترق طرق . هناك خياران فقط لا ثالث لهما في العالم العربي ، أما الإصلاح الحقيقي والشامل أو الانفجار والثورة . شعوب ومجتمعات البلدان العربية المغيبة والمهمشة على مدى قرون من قبل أنظمة إستبدادية / فاسدة تستيقظ وتنتفض كاسرة حاجز الخوف ، وباتت مستعدة لبذل أعظم التضحيات في سبيل نيل حقوقها في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية .


2- ماهي طبيعة المشاكل الرئيسية التي تعاني منها السعودية على الصعد الاقتصادية والاجتماعية وخصوصا تفشي مظاهر الفساد التي كشفت كارثة جدة جانب منها ؟

 كارثة جدة سلطت الضوء على مدى عمق أوجه الفساد المالي والإداري التي يخترق الجهاز البيروقراطي المترهل في بلادنا ، ناهيك عن تورط بعض الفئات المتنفذة في شيوع ذلك الفساد، حيث لم تتورع في الاستحواذ على مبالغ خيالية تصل إلى المليارات من الريالات في مشاريع وهمية أو هابطة الجودة . غير إن المسألة أعمق من ذلك .
بداية علينا ان نقف عند الوفر المالي الذي تحقق في الإيرادات الفعلية للدولة في الأعوام الماضية، وارتفاع أرصدة المملكة من النقد الأجنبي إلى قرابة 400 مليار دولار الأمر الذي مكنها من التخفيض الملموس والجدي لدينها العام وعدم الحاجة إلى اللجوء للاقتراض أو اللجوء إلى إصدار سندات خزانة لتحويل العجز في الميزانية الجديدة. وقد ركزت الميزانية في السنوات القليلة الماضية على تحسين وتطوير البنية التحتية والخدماتية وخصوصا في قطاع التعليم والموارد البشرية حيث تم تخصيص ربع الميزانية للتعليم العام، والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة في الميزانية الحالية للعام 2011. هذه الملامح الإيجابية التي ترسمها الميزانية السنوية هل تعني أن علينا أن نرسم صورة زاهية عن اقتصادنا الوطني ومسار تطوره ؟ من المهم تسليط الضوء على المعوقات التي لا تزال تعترض مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا ، وهو ما يعني عدم الاستكانة إلى المسكنات والحلول المؤقتة ومحاولة تدوير أو ترحيل الأزمة والمشكلات النابعة عنها والتي يأتي في مقدمتها إيجاد الحلول للمعضلة الرئيسة التي تجابه اقتصادنا الوطني وهي الاعتماد شبه الكامل على قطاع واحد وهو استخراج النفط الذي يشكل قرابة 90 % من الصادرات ودخل الدولة وحوالي 60 % من الدخل القومي الإجمالي وهو ما يجعل اقتصادنا (وحيد الجانب) ومجمل العملية التنموية أسيرة لتذبذبات أسعار النفط ارتفاعا وهبوطا، ما يعكس اختلالا واضحا في التوازن الاقتصادي المطلوب. وفي الواقع فإن مجمل العملية الاقتصادية والتنموية وتأثيراتها على المستوى الاجتماعي، تعود إلى اعتماد اقتصادنا على إنتاج سلعة واحدة «النفط» ناضبة مهما طال عمرها الافتراضي، لهذا نرى التأرجح والتذبذب على صعيد الموارد والميزانية العامة للدولة والدورة الاقتصادية ومستوى دخل الفرد وأوضاعه المعيشية والحياتية ترتبط بدرجة أساسية بمواردنا من النفط وهذه حالة غير صحية على الإطلاق. إذ لا يمكن لأي اقتصاد نام ومتطور في العالم أن يستمر في الاعتماد على إنتاج سلعة واحدة مهما بلغت أهمية وإستراتيجية هذه السلعة. خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الضغوط المختلفة التي تتعرض لها بلدان العالم الثالث المتخصصة أو المعتمدة على إنتاج المواد الخام أو سلعة واحدة. ومن المعروف أن أسبابا اقتصادية وسياسية واجتماعية وعوامل إقليمية ودولية لعبت دورا مهما في إيصال سوق النفط الدولية إلى حافة الانهيار في «عام 1998م» والتي تكررت إبان الأزمة المالية/ الاقتصادية الأخيرة، قبل أن تستعيد الأسعار عافيتها مجددا وخصوصا منذ بداية العام الماضي.
السعودية التي تمتلك أكثر من 25 % من المخزون النفطي العالمي وباعتبارها الدولة المنتجة الأولى لهذه السلعة الاستراتيجية قادرة على توظيف هذه الإمكانيات من أجل تحصين اقتصادها وتصويب وتوازن مسيرتها التنموية بحيث يستفيد منها المواطنون والمناطق كافة. وضمن هذا السياق ينبغي العمل على تطوير الهياكل والتنظيمات والقوانين والتشريعات المتعلقة بالمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وإطلاق الحريات العامة ، والحد من البطالة والفقر وغلاء الأسعار ، ومكافحة الفساد المالي والإداري، وتطوير قوانين وأنظمة الاستثمار الأجنبي والضرائب بما يقر النشاط الاستثماري الأجنبي مع وضع الضوابط الضرورية التي تحافظ على المصالح الاقتصادية الوطنية لمنع التأثيرات السلبية لهذه الأنشطة كما حصل مع تجربة بلدان شرق آسيا (في التسعينيات)، ويصب في هذا الاتجاه مراجعة نظام العمل والعمال ونظام التأمينات الاجتماعية وإعادة تنظيم سوق الأسهم التي تعرضت لانهيارات متتالية في السنوات الأخيرة وتضرر من جرائها شرائح واسعة من صغار المستثمرين وهو ما يندرج في إطار مراجعة مجمل الأداء الاقتصادي وبما يحقق الكفاءة والتوازن والتنسيق المطلوب لمختلف المرافق والهيئات المعنية بالتنمية الاقتصادية/ الاجتماعية المتوازنة وتنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق وتوجيهه توجيها استثماريا وهو ما يعني عمليا إضفاء نوع من التخطيط المركزي في تحديد مسار التطور الاقتصادي والتنمية الشاملة بأبعادها المختلفة، وإذا كان الإنسان هو أداة وهدف التنمية فإن هذا يتطلب إيلاء الاهتمام والعناية بتطوير الموارد البشرية وربطها بالعملية الاقتصادية والتنموية من خلال تحديد مدخلات ومخرجات التعليم والسكان وسوق العمل، والتأكيد على البعد الاجتماعي ومراعاة الحق في العمل والتعليم والصحة والسكن والضمان الاجتماعي والحياة الراقية الكريمة للمواطن وخصوصا مراعاة مستقبل الأجيال الجديدة. إذ علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأن عدد السعوديين يقدر بحوالى 18 مليون نسمة وأن متوسط أعمار 70 % من السعوديين لا يتجاوز العشرين عاما وأن عدد السكان يتزايد بمعدل يتراوح ما بين 3 و 3.5 % سنويا.
وفي الوقت نفسه تشير بعض المعطيات الاقتصادية إلى ارتفاع نسبة العاطلين بين السكان إلى نسبة تتراوح ما بين 20 و25 % جلهم من الشباب والنساء ، في حين يوجد أكثر من 8 ملايين عامل ووافد أجنبي يشكلون أكثر من 85 % من مجموع العمالة في القطاع الخاص، معظمهم من العمالة غير المؤهلة وتصل التحويلات المالية لهؤلاء ما يقارب 15 مليار دولار سنويا. وفي هذا الصدد نرى أنه من الضروري (وهو ما أكدت عليه الموازنات المتعاقبة) إيلاء الاهتمام النوعي بالتعليم وتوسيع وتطوير شبكة التعليم العالي ومراكز البحث والتطوير والتدريب المهني والمعاهد التكنولوجية والفنية وربطها بالعملية الإنتاجية ومتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل.
ويأتي في مقدمة الأولويات تجاوز ظاهرة الاقتصاد الريعي والعمل على تنويع مصادر الدخل الوطني والاهتمام بتكامل وربط قطاع استخراج وتطوير النفط والغاز مع الصناعات التحويلية الأخرى مثل الصناعات البتروكيماوية والصناعات المعتمدة على الطاقة وتقليل الاعتماد على تصدير النفط الخام وزيادة القيمة المضافة عبر تشجيع ودعم تصنيع المنتجات النهائية والعمل على توطين التكنولوجيا الرفيعة في هذا المجال.
كما ينبغي الحفاظ على جدوى وفاعلية قطاع الدولة مما يتطلب إعادة تفعيل وتطوير الإدارة والعمل على إزالة المعوقات الإدارية والبيروقراطية ومكافحة الفساد وإقرار مبدأ العدالة والمساواة بين كافة المناطق، والدفع بدور ومساهمة وتمكين المرأة في جميع مجالات العمل والحياة، وسن وتطوير قوانين وأنظمة جديدة للتطوير الإداري والوظيفي واستخدام نظام الحوافز والمكافآت بغرض رفع مستوى الإنتاجية وتشجيع العاملين. التجارب التنموية المختلفة في العالم تؤكد بأن الخصخصة التي تبشر بها العولمة والبنوك الدولية ومنظمة التجارة العالمية ليست الحل الناجح لحل معضلات التنمية وعلينا الأخذ بعين الاعتبار النتائج المأساوية التي لحقت بالعديد من الدول والمجتمعات من خلال الأخذ بوصفات ونصائح وشروط القوى المهيمنة في نظام العولمة.



3- منذ أحداث سبتمبر 2001م، شهدت السعودية حراكاً مطلبياً مستمراً ينادي بضرورة الإصلاح السياسي الشامل...ترى بعد عشر سنوات ، ما هي نتائج ذلك الحراك المطلبي؟ وما هو موقف الحكومة منه؟ وبشكل عام كيف ترى مسيرة الإصلاح والدمقرطة في دول الخليج العربي؟.

الحراك المطلبي في السعودية قديم ويعود إلى مطلع الخمسينات من القرن الماضي ويرتبط بالأساس بنشوء وتشكل الطبقة العاملة في المنطقة الشرقية حيثت تتمركز صناعة استخراج النفط التي كانت تديرها شركة الزيت العربية / الأمريكية ( أرامكو ) والمكونة بالأساس من شركة ستاندر أويل أف كاليفورنا ( شيفرون حاليا ) وشركة تكساس ( نكساكو حاليا ) وذلك قبل عقود من نقل ملكيتها بالكامل للسعودية في عام 1980 والتي على اثرها تشكلت شركة الزيت العربية / السعودية ( أرامكو السعودية ) . مناطق النفط حفزت تشكل طبقي جديد متجاوز وعابر للهويات والإنتماءات الفئوية ، و ضم عمال منحدرين من مختلف المناطق والقبائل والمذاهب في السعودة . منذ الخمسنات بدأت التشكيلات النقابية في الظهور وعبرت عنها اللجنة العمالية التي انتخبها العمال في مناطق ادارة و انتاج وتصدير النفط ، وتحديد في مدن الظهران وبقيق وراس تنورة . قادت اللجنة العمالية العديد من الإضرابات والأحتجاجات العمالية من أجل تحسين ظروف العمل الشاقة و ورفع الأجور الزهيدة ، و نيل شرعية العمل النقابي . وعلى اثر اعتقال اعضاء اللجنة العمالية اعلن الأضراب العام الذي أشترك فيه 20 ألف عامل في مناطق النفط مما اضطر السلطات الى الإفراج عنهم. على أرضية الحركة العمالية تشكلت الحركات السياسية السرية التي كان عمادها العمال والمثقفين واشير هنا إلى تأسيس جبهة الإصلاح الوطني ( 1956 ) التي تغير أسمها إلى جبهة التحرر الوطني ( 1985 ) وهو تنظيم ماركسي الإتجاه ناهيك عن تشكل العديد من المنظمات القومية والوطنية في فترات لاحقة . وأود هنا التركيز على دور جبهة التحرر الوطني بإعتباري أحد المنتمين اليها منذ عام 1970 ، علما بأن أسم الجبهة قد تغير في عام 1975 إلى مسمى الحزب الشيوعي في السعودية ( الذي أستمر في العمل السري حتى انتهى عمليا عام 1991 ) وقد قوبلت التسمية الجديد بمعارضة واسعة من قبل العديد من القيادات والكوارد والاعضاء ، وخصوصا في الداخل وذلك من منطلقات وتحليلات تتعلق بضرورة فهم واستيعاب الظروف الموضوعية والذاتية للواقع العام في السعودية المتسم بالتخلف الشديد في بناءه السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي ، ناهيك عن هيمنة الدين و الفكر الديني في منظومته الاجتماعية . برنامج الفصيل الذي كنت انتمي اليه وعبر تسمياته المتعددة كان إصلاحيا ومطلبيا بالدرجة الأولى حيث ركز في نضاله على ضرورة تحقيق اصلاحات عميقة وشاملة في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي من بينها سن دستور عصري للدولة يضمن الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويؤكد على كفالة الحريات والحقوق العامة والخاصة بما في ذلك المشاركة الشعبية في صنع القرار عن طرق الانتخاب الحر والمباشر للمجلس التشريعي والمجالس المحلية والبلدية وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والنقابية والتأكيد على حقوق المرأة والفئات المذهبية المهمشة في كافة المجالات وفقا لقيم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات . نستطيع القول أنه لو أزلنا العنوان الفاقع للتسمية ( الحزب الشيوعي ) وبعض ماجاء في تحديد ماسمي بالأهداف النهائية فأن ما تضمنه البرنامج لا يزال محافظا على جدته وراهنيته الحيوية حتى يومنا هذا . هنا لا بد من نظرة نقدية لما تضمنه البرنامج في حده الأعلى و التي كنا نراها منذ ذلك الوقت قفزا على الواقع حيث جرى فرضه اتساقا مع النهوض الثوري العام في العالم وذلك وفقا لتصور ميكانيكي جامد و غير جدلي لفهم علاقة العام بالخاص المتعين . تلك التحركات السياسية والمطالبات الإصلاحية لم يجري تجاهلها فقط بل جرى قمعها ومحاصرتها على مدى عقود حيث تم اعتقال المئات واستشهد العشرات كما اضطر العشرات الى العيش في المنفى ، وهو ما ترك الساحة الداخلية تعيش في فراغ سياسي . وعلى أثر انتصار الثورة الإيرانية في عام 1977 التي اختطفها الملالي و رجال الدين تحت عنوان ولاية الفقيه رفع شعار تصدير الثورة وكان من تداعياتها انتعاش تشكيلات الإسلام السياسي ( السنية والشيعية ) ، وضمن هذا السياق أطلقت السلطة السعودية ( كرد فعل ) العنان لما بات يعرف في السعودية بجماعات الصحوة بل ومكنتها من التحكم في مفاصل المجتمع و قطاعات أساسية في الأجهزة الرسمية إلى أن بان وتكشف خطرها المباشر الذي يستهدف نظام الحكم وخصوصا أثر تداعيات أحداث سبتمبر 2001 التي بينت اشتراك 15 سعوديا من أصل 19 فردا فيها ، وبداية العمليات الإرهابية التي انطلقت منذ عام 2003
 


4-  ماهي أهم محطات الحراك الإصلاحي والمطلبي في السعودية في ضوء تداعيات احداث 11سبتمبر ؟


 شكلت البيانات المساندة للقضايا العربية والقومية بدايات الحراك المدني / السلمي العلني في السعودية ، حيث قامت عدة مظاهرات في عام 2002 تضامنا مع انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية وخصوصا في كل من الظهران أمام القنصلية الأمريكية وفي الدمام وصفوى والقطيف ، وقد جرى على إثرها اعتقالات طالت بعض المتظاهرين من التوجهات الدينية واليسارية . كما صدرت عدة بيانات ذات الصلة بالتضامن القومي نذكر من بينها بيان استنكار انتهاك شارون للمسجد الأقصى في شهر أكتوبر عام 2000 ونشرته جريدة الحياة ويمكن اعتباره أول بيان تضامني علني يصدر عن المثقفين والوطنين السعوديين في داخل المملكة وقد وقع عليه العشرات منهم . كما صدر بيان تضامني مع انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية وذلك في مناسبة مرور أربعين يوما على وفاة الرمز الوطني الكبير سيد علي العوامي الذي أمضى في المعتقلات أكثر من عشر سنوات لمشاركته في الحركة الوطنية / اليسارية وقد حضر تلك المناسبة المقامة عدد كبير من المثقفين والكتاب والشخصيات الوطنية وقد ناف عدد الموقعين على 150 شخص
عشية الإعلان الأمريكي الحرب على العراق أرسل عدد كبير من الأكاديميين والمثقفين رسالة قوية الى الرئيس السابق جورج بوش تندد بخطط الغزو للعراق مما دفع بالسفير الأمريكي في الرياض بطلب لقاء عاجل مع الموقعين غير أنه جوبه بالرفض . أعقبه بيان صدر في 6/ 5 / 2003 تحت عنوان معا في خندق الشرفاء مركزا على تعرية الأطماع الأمريكية في العراق وعموم المنطقة وخصوصا تلك الهادفة الى إعادة رسم خرائط دول المنطقة ومنها بلادنا . خطاب ( رؤية لحاضر الوطن ومستقبله ) الصادر في يناير 2003 وقع عليه 104 من كافة الوان الطيف الثقافي في بلادنا حيث ضم إلى جانب اللبراليين والتقدميين ممثلي التيار الإسلامي ( السني والشيعي ) المعتدل . هذا الخطاب مثل بحق انعطافة نوعية للحراك الإصلاحي في بلادنا حيث جرى على أثره لقاء عاجل من قبل بعض معدي الخطاب والملك عبد الله بن عبد العزيز ( حين كان وليا للعهد ) بناء على طلبه وقد تقبل الملك ما جاء في تلك المطالب الإصلاحية واعتبرها بمثابة وثيقة وطنية، مما أثار جوا من التفاؤل والأمل بأن تولج بلادنا مرحلة جديدة في تطورها السياسي والاجتماعي . وبعد مضي ستة أشهر على تقديم خطاب الرؤية وفي ضوء عدم صدور أي خطوة عملية أو رمزية رسمية للتعبير عن الالتزام بأجندة واضحة للإصلاح السياسي ، وتزامنا مع بدايات تفجر العمليات الإرهابية لمنظمة القاعدة في بلادنا صدر بيان تحت عنوان دفاعا عن الوطن وقع عليه أكثر من 350 من المثقفين والأكاديميين من الجنسين، وقد تضمن البيان على تحديد العوامل الحقيقية الكامنة وراء ظاهرة تفشي الإرهاب في بلادنا وتوصيفها بكونها ليست ظاهرة مستوردة من الخارج وفقا للرواية الرسمية ، بل إنها في التحليل الأخير نتاج بيئة ثقافية واجتماعية محلية بامتياز ، وبالتالي فأن مواجهتها تستدع المبادرة الى تبني برنامج للإصلاح الشامل باعتباره الكفيل بتجفيف بيئة ومنابع الإرهاب . هذا البيان كان بداية الفراق بين التيارين الليبرالي والديني المعتدل على صعيد البيانات المشتركة على اقل التقادير . وقد بادرت بعض الشخصيات الدينية والوطنية إلى إصدار " نداء الى القيادة .. نداء الى الشعب " الذي وقع عليه 116 شخصا من رجال الدين والأكاديميين والمحامين وهو يعد واحدا من أهم اشكال التأصيل الشرعي والمدني للجانب الدستوري المنشود . خطاب " معا في طريق الإصلاح " الصادر في نهاية فبراير 2004 مثل ذروة التحرك اللبرالي حيث فاق عدد الموقعين عليه ألف شخص ، كما يعتبر أخر الخطابات والبيانات قبل انتكاسة وذبول ما سمي " ربيع السعودية " حيث جرى على أثره وبشكل مفاجئ اعتقال 11 من الناشطين الإصلاحيين ( كنت من ضمنهم ) ، وقد أطلق سراح أغلبيتهم بعد أخذ التعهدات ، في حين جرى محاكمة 3 أشخاص لرفضهم التوقيع على تعهدات بالكف عن إصدار خطابات للقيادة السياسية ، صدرت على أثرها أحكاما قاسية بحقهم حيث حكم على الشاعر الكبير علي الدميني بتسع سنوات والدكتور عبدالله الحامد بسبع سنوات والدكتور متروك الفالح بخمس سنوات ‘ غير أنهم خرجوا من السجن بعد مضي عام ونصف بموجب عفو ملكي من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز اثر تسنمه الحكم في شهر أوغست 2005 .
لا يمكن هنا إغفال عدة خطابات من قبل بعض الفعاليات الشيعية التي ركزت على قضاياهم وهمومهم الخاصة ضمن إطار المطالب الوطنية العامة . فقد رفع شيعة المنطقة الشرقية في شهر نيسان / أبريل 2004 خطابا تحت عنوان " شركاء في الوطن " وقع عليه أكثر من 450 شخصا من مختلف الشرائح الدينية والثقافية والاجتماعية ، كما رفعت الطائفة الإسماعيلية في نجران ( جنوب المملكة ) خطابا آخر وقد وقع عليه المئات من الشخصيات .
غير إن ما رشح عن الحراك الإصلاحي وجملة المطالب المشروعة للمواطنين كان ضعيف الأثر وغير ملموس ، فالحديث عن الإصلاح من قبل الدولة لا يعني بالضرورة تحقيق الإصلاح . الإصلاح يحتاج إلى رؤية واضحة و أجندة عملية ومفصلية تطال القضايا الجوهرية المتعلقة بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة ، وخصوصا على صعيد ترسيخ قيم المواطنة وإشاعة الحريات العامة و تأكيد مبدأ المشاركة الشعبية في صنع القرار ومواجهة المشكلات المتفاقمة مثل البطالة والفقر والفساد ، إلى جانب كفالة حقوق المرآة في كافة مجالات العمل والحياة . ورفع جميع أشكال التمييز ضد الأقليات المذهبية وسن قانون يجرم دعوات التكفير للأخر المختلف وغيرها من المتطلبات .