أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - من أدب الرحلات-في بلاد العمّ سام















المزيد.....



من أدب الرحلات-في بلاد العمّ سام


جميل السلحوت
روائي

(Jamil Salhut)


الحوار المتمدن-العدد: 3291 - 2011 / 2 / 28 - 15:12
المحور: الادب والفن
    


جميل السلحوت:
من أدب الرحلات-في بلاد العمّ سام
أمريكا الامبراطورية الخرافية
المرّة الأولى التي دخلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية كانت في 16-7 1985، بدعوة من أخي احمد، الذي درس الصيدلة في احدى جامعات هيوستن في ولاية تكساس، سافرت على متن طائرةT.w.A. من مطار تل أبيب مباشرة الى مطار كنيدي في نيوورك، وهو مطار ضخم جدا، له عدة مدرجات، كنت قد سافرت من قبل من مطار ماركا في عمان ومطار بيروت ومطار القاهرة ومطار نيقوسيا في قبرص ومطار موسكو، لكنها تبدو مجتمعة أصغر من هذا المطار، بضع طائرات تنزل في وقت واحد، وبضع طائرات أخرى تصعد مغادرة، قبل نزولنا من الطائرة لاستبدالها بأخرى الى هيوستن لفت انتباهي طائرة صاروخية تسير في المدرج المجاور بسرعة البرق وضجيج مرعب، وفي مؤخرتها مظلة ضخمة لتخفيف سرعتها، انها طائرة الكونكورد التي أراها للمرة الأولى.
ستريب تيز:
وفي مطار تل أبيب، تم تفتيش أغراضي يدويا قطعة قطعة، وبدقة متناهية، بعد فحصها ألكترونيا ، وخضعت لأسئلة كثيرة، منها: لماذا أنت مسافر للولايات المتحدة؟ ومن رتب لك حقيبتك، وهل أنت مسؤول عمّا فيها؟ وهل تحمل أغراضا الآخرين؟ وهل تحمل أسلحة؟ ثم اقتادوني الى غرفة تفتيش شخصي خضعت فيه لعملية تعرية كاملة إلا من سروالي الداخلي، وأخذوا حذائي للتفتيش الألكتروني مرة أخرى...واصطحبني رجل أمن الى صالة المغادرين...وهذا ما يحصل دائما مع جميع العرب الذين يستقلون طائرة من هذا المطار.
سُنّي أم شيعي:
وعند ختم جوازات السفر، وفحص تأشيرة الدخول سألني رجل الأمن:Are you soony or sheeay فلم أفهم عليه ماذا يريد، فطلب مني أن أنتظر قليلا، بعد أن سألني عن لغتي الأمّ، فاتصل بالهاتف طالبا أن يرسلوا شخصا يعرف العربية، وفي لحظات حضرت فتاة حسناء هيفاء، وسألتني: هل أنت سُنيّ أم شيعي؟ ولما أجبتها بأنني سني، قالت: نتمنى لك اقامة سعيدة في الولايات المتحدة، وجاء سؤالهم على خلفية اختطاف منظمة أمل الشيعية اللبنانية طائرةT.W.A.
في مطار بيروت.
أخي أحمد ينتظرني:
وفي مطار هيوستن وجدت أخي أحمد في انتظاري، وهذه هي المرة الأولى التي نتقابل فيها منذ سفره في صيف العام 1965 الى البرازيل بعد أن انهى الثانوية العامة- التوجيهي- ليلتحق بأخينا الأكبر محمد الذي سافر الى البرازيل في 8-8-1960 تاركا زوجته(حليمة) وابنه البكر كمال المولود في 27-4-1957، وأخونا محمد مولود في العام 1936، لم تكن الأسرة أو أيّ من أصدقائها يعرفون شيئا عن البرازيل، سوى أنها(أمريكا) ولم يكونوا على علم بأن هناك أمريكا شمالية وأخرى جنوبية، وأن هناك دولا في أمريكا لا دولة واحدة، أو أن أمريكا تشكل قارة تقسمها قناة بنما الى نصفين، فقط يعلمون أن أمريكا بلد ثري جدا، وأن من يهاجر اليها سيعود بملايين الدولارات في بضع سنوات، وأخونا محمد انسان طموح، ويحظى بمحبة خاصة من أبينا كونه الابن البكر، أو لأسباب أخرى لا أعرفها، سافر الى بلاد ملايين الدولارات بالباخرة من ميناء بيروت، وفي جيبه خمسون دولارا فقط لا غير، فلم يكن الوضع الاقتصادي للأسرة يسمح له بأكثر من ذلك، وحتى لو كان الوضع الاقتصادي مختلفا لما أعطاه الوالد أكثر من هذا المبلغ، لأنه مسافر الى بلد ترابها ذهب، والدولارات على قارعة الطريق لمن يريد جمعها، هكذا كانت قناعة كبار الأسرة، وأخونا محمد الذي كان يحب الفروسية، ويعتني بهندامه ونظافته كثيرا، في وقت كانت المياه فيه شحيحة، كان يهوى الترحال والسفر للخارج، وربما يعود ذلك الى محاولة هروبه من رعي الأغنام، حيث كان الوالد يمتلك قطيعا كبيرا من الغنم الحلوب، هي المصدر الرئيس لدخل الأسرة، المكونة من الأب وزوجتين، انتهى بها المطاف باثني عشر ابنا ذكرا وتسع بنات اناث، ورعي الغنم وحراثة الأرض وزراعتها لم تكن في حسابات محمد، الذي سبق وأن سلم نفسه للجيش ليلتحق بالحرس الوطني في العام 1957، عندما أعلن العاهل الأردني الملك حسين- رحمه الله- التعبئة العامة بعد العدوان الثلاثي على مصر في 29 اكتوبر 1956، لا حبا في الحياة العسكرية وانما هروب من حياة البؤس والشقاء، وعندما تم تسريحه من الحرس الوطني بعد أقل من عامين سافر الى تبوك في المملكة العربية السعودية ليعمل في أحد بيوت الأثرياء الفلسطينيين الذي كان يشغل منصبا رفيعا في شركة أرامكو، ولم يمكث في السعودية أكثر من اسبوع، لأن ربّ العمل رفضه عندما رآه شابا يافعا وسيما، فهو يريد طفلا ليكون في خدمة ربة البيت، فأعاده على ظهر شاحنة أردنية متجهة الى بيروت لتعود به بعد ذلك الى عمان، عاد محمد غاضبا يجرجر ذيول فشل لم يكن له فيه خيار، حاول السفر بعدها الى الكويت، لكنه لم يستطع، ومع ذلك بقي مصرا على السفر للعمل في الخارج، وكانت أمريكا هي الهدف المأمول في ذهن جيل الوالد، الذي كان معجبا بشخصية المرحوم عبد الحميد شومان الذي سافر الى أمريكا وعاد ليؤسس البنك العربي، والسفر الى الولايات المتحدة يحتاج الى تأشيرة دخول-فيزا- لم يكن الحصول عليها سهلا، فتم اقرار السفر الى البرازيل، يشجعهم على ذلك سفر اثنين من ابناء الحامولة قبل ذلك بأربع سنوات.
الأخ محمد في البرازيل:
عندما سافر الأخ محمد الى البرازيل -كنت في الحادية عشرة من عمري، أنا المولود في حزيران 1949-، توالت سنوات القحط لأكثر من اربع سنوات، ونفذت المياه من الآبار، وكنا نجلب المياه على ظهور الدواب- البغال والحمير- من بئر أيوب في قرية سلوان المجاورة، في قِرَبٍ من جلود الماعز....قبل سفر الأخ محمد بيوم واحد فقط سقطتُ من على ظهر البغل، وكسرت يدي اليسرى من المرفق-الكوع- علقوها بمنديل في رقبتي، بعد تعنيف قاس، لأنني خرقت التعليمات بعدم امتطاء البغل، واكتفوا بـ(فحص) جارتنا العجوز المرحومة صبحة العبد، وهي امرأة فاضلة، فأكدت أن يدي سليمة من الكسور، ومصابة برضوض بسيطة تسببت بالورم والانتفاخ، وأنها ستشفى باذن الله، بدلالة أن جارتنا العجوز كانت تتثاءب وهي تدلك يدي بيديها برفق وحنان أمومي، والتثاؤب يعني طرد العيون الحاسدة والشريرة، وبقيت يدي معلقة في رقبتي لبضعة شهور، حتى خفت آلامها واستطعت تحريكها ببطء، لكن العظم الصغير الذي يغطي عظم الساعد عند المرفق بقي بارزا حتى أيامنا هذه.
حضر الأقارب والأصدقاء لتوديع أخي محمد، كنت منزويا تحت سرير معدني، تعلوه الفرشات والبسط الصوفية، ويدي المكسورة ممدودة بجانبي، لا أستطيع تحريكها... أبكي بصمت مرغما، أبكي من الألم، وخوفا من الوالد الذي غضب غضبا شديدا، عندما رأى يدي، لم يتعاطف معي أحد، أو بالأحرى لم أسمع كلمة عطف، كل ما سمعته هو(لا ردّه الله...ولد غضيب) والنساء المودعات يملأن الغرفة، في حين يجلس المودعون الرجال على البرندة المكشوفة، ودعني محمد بأن قبلني بهدوء، بكى وبكى معه جميع الحضور وبكيت أنا ايضا....فهذا أول المسافرين الى بلاد الغربة من أبناء العائلة، والسفر الى بلاد أخرى كان غريبا ومستهجنا في البلدة بشكل عام، بضعة أشخاص فقط سافروا للدراسة في جامعات بعض الدول العربية، أمّا السفر الى بلاد أجنبية فهذا أمر غريب ومستهجن، والسفر بالطائرة كان يثير الرعب في قلوب أناس كانت الدواب هي وسيلة النقل الوحيدة التي يستعملونها، أمّا السفر في السفن فهو أمر مرعب حقا، كان كبار السن يجتمعون ويتحدثون في الموضوع، ومنهم المرحوم عمّي محمد الذي كان يملك خيالا خصبا وقدرة عجيبة على حفظ ما يسمعه، كان يحفظ السيرة الهلالية، وسيرة عنترة عن ظاهر قلب بعدما سمعهما في شبابه من حكواتي في مقهى زعترة في باب العمود في القدس القديمة، يحكيهما لنا بطريقة تمثيلية...صوته هادئ ناعم ذو ايحاء في المواقف العادية والمفرحة، ويعلو ويصخب في الانتصارات، ويحزن ويبكي في المواقف الصعبة، كان معجبا بشخصية أبي زيد الهلالي وبشخصية عنترة، تحدث عمّي عما كان يسمعه عن حيتان ضخمة جدا تعيش في البحار، وتستطيع ابتلاع السفن، لكنه طمأن الجميع بأن محمد سيصل الى البرازيل سالما معافى، ولن تستطيع الحيتان ابتلاع السفينة التي تقله، لأن السفن في البحار محمية بمناشير ضخمة مثبتة في أسفلها، وما أن ينقض الحوت الضخم عليها بقوة هائلة ليبتلعها، حتى تشقه الى نصفين، وتأتي الأسماك الأخرى لتفترسه، وينزل بعض السباحين من السفينة ليحملوا أجزاء منه طعاما للمسافرين على ظهر السفينة، فنقطة ضعف هذا الحوت العملاق هي في قوته الهائلة، ولو أنه كان يتقدم الى السفن بهدوء لاستطاع ابتلاعها من مقدمتها أو مؤخرتها، فيتغذى على ما فيها من بشر ثم يلفظها كومة من حديد في قاع البحر، لأنها اعتدت على مملكته البحرية، ولما سألته عما ستفعله المناشير في بطنه بعد أن يبتلعها قال لي:
أنت كثير غلبه يا ولد....عند ما يبلعها تصطدم بأسنانه الحادة فتتكسر مثلما تقصف عود تين يابس...تتفتت وتغرق في البحر...استمعنا الى القدرات العجيبة للحيتان ونحن نرتجف خوفا..ونحمد الله أننا نعيش على اليابسة بعيدا عن حياة البحار المرعبة، وعندما سأل أحدهم عمن سيتغلب الضبع أم الحوت اذا ما التقيا؟ أجاب العم محمد:
كيف بدهم يلتقوا يا فصيح وهذا في البرّ وهذاك في البحر؟ فضحك الجميع ...
وأضاف العمّ بأنه سمع من أحد معارفه من ابناء قرية بيت حنينا الذي سافر الى امريكا بالباخرة، أنه شاهد في عرض البحر سمكا يقفز في الهواء ثم يعود الى البحر، حجمه أكبر من حجم كبش الغنم....فسبّح الحضور بقدرة الخالق. وأضاف العم محمد بأن البحر كبير جدا، وحجمه يزيد على مساحة فلسطين كاملة.
وأخي محمد درس حتى الصف الخامس الابتدائي في كلية النهضة في حيّ البقعة الذي يشكل امتداد جبل المكبر الى الجهة الغربية، وقد وقع الحيّ تحت سيطرة اسرائيل عام 1948 عام النكبة، وهو يعرف بضع كلمات انجليزية تعلمها في المدرسة، كانت موضع فخر لأبي الذي يرى أن ابنه "معه لسان انجليزي" لكن التساؤل كان حول اللغة التي يتكلمها شعب البرازيل؟ وهل يوجد في العالم غير اللغتين العربية والانجليزية؟ فأكد لهم عمّي محمد أنه توجد لغة أخرى للسود، فقد كان السنغاليون الذين يخدمون في جيش الانتداب البريطاني يتكلمون لغة غير الانجليزية.
ما علينا سافر الأخ محمد الى البرازيل، والرسالة الأولى التي وصلت منه كانت بعد ثلاثة شهور،
وكانت مقدمتها تبدأ بـ"سلام سليم أرق من النسيم، تغدو وتروح من فؤاد مجروح، الى منية القلب وعزيز الروح والدي العزيز حفظه الله" ويختتمها بـ" وان جاز حسن سؤالكم عنا فأنا بخير والحمد لله، ولا ينقصني سوى مشاهدتكم، والتحدث اليكم، وسلامي الى كل من يسأل عني بطرفكم".
رسالته الأولى كانت أكثر من ثلاثين صفحة، شرح فيها بالتفصيل الممل منذ خروجة بسيارة تاكسي الى بيروت حتى وصوله الى البرازيل، وتحدث انه يعمل بائع حقيبة متجول، وأن البرازيل بلد ثري وخصب، لكن عملة هذه البلاد رخيصة عند تحويلها الى الدولار.
الرسالة قُرئت عشرات المرات وسط دموع الشوق والحزن على الفراق، وعمّي المرحوم موسى ألزمني بقراءتها له عشرات المرات، بحيث استطيع ان أزعم بأنني لا أزال أحفظها عن ظاهر قلب حتى أيامنا هذه-بعد خمسين عاما-، ويبدو أن عمّي موسى –رحمه الله- كان يريد معرفة الأحوال في البرازيل كي يرسل ابنه المرحوم اسماعيل اليها، وهذا ما حصل، فقد سافر اسماعيل الى البرازيل في بداية كانون الثاني-يناير 1961، تاركا خلفه ابنه محمد وابنته محمدية طفلين أكبرهما في الرابعة من عمره، وافتتح محمد واسماعيل محلي نوفوتيه بعد عامين من سفرهما.
وعندما سافر الأخ أحمد الى البرازيل في صيف 1965، عمل مع الأخ محمد الذي افتتح له محلا آخر، لم يرغب محمد واسماعيل البقاء في البرازيل، وخططا للعودة الى البلاد في صيف العام 1967، لكن حرب حزيران 1967وما تمخضت عنه من احتلال حال دون ذلك، وعاد ابن العم اسماعيل في صيف العام 1970 ضمن نطاق ما يسمى قانون جمع شمل العائلات، وبقي في البلدة الى أن توفاه الله في ربيع العام 2008، أما الأخ محمد فقد عاد في صيف العام 1972 على أمل السفر الى الولايات المتحدة، وقد تحقق له ذلك في اكتوبر 1977، أما الأخ أحمد فقد سافر من البرازيل الى هيوستن في ولاية تكساس الأمريكية، بعد أن حصل له ابن العم محمد موسى شقيق اسماعيل على قبول في جامعة هيوستن، وابن العم محمد موسى اندلعت حرب حزيران 1967 وهو يعمل مدرسا في المملكة السعودية منذ العام 1961، فسافر الى أمريكا ودرس هندسة الكهرباء في جامعة هيوستن، وتزوج من أمريكية ولا يزال يعيش هناك، وهو رجل اعمال ناجح جدا.
في هيوستن:
ما علينا ...وصلت بيت أخي أحمد في هيوستن، وهو بيت أمريكي حديث-كوتيج- يعيش فيه أخي وزوجته Petty الأمريكية، وابنتاهما نادية وستيفاني، -وقد طلقها احمد في بداية تسعينات القرن العشرين، وتزوج في شباط-فبراير- من فتاة مقدسية اسمها فاتن-.
كان أحمد يعمل صيدلانيا في احد مستشفيات هيوستن، يغادر البيت في السابعة صباحا، ويعود اليه في الخامسة مساء، وعطلته الأسبوعية يوم الأحد...سهرنا سوية...سألني عن أفراد العائلة، وعن الأشخاص الذين ولدوا بعده، وركز في أسئلته على شقيقي داود الذي كان في الثانية والنصف من عمره عندما سافر أخي أحمد، وكان أحمد يحبه بشكل لافت.
في صباح اليوم التالي لوصولي لهيوستن، استيقظت مبكرا...اتجهت الى المطبخ لاعداد كأس شاي، وأحمد وزوجته نيام، في حدود السادسة والنصف رن جرس الهاتف، فصاح احمد من غرفة نوم : هذا ابن عمك محمد موسى..ردّ عليه...وعندما قلت: هالو
قال: عفوا مين بيتكلم؟
قلت: جميل.
قال: متى وصلت؟
قلت: مساء الليلة الماضية.
نفخ غاضبا وقال: الله يسامح اخوك احمد...لم يخبرني...انتظرني انا قادم اليك ، وأغلق الهاتف.
وصل بعد أقل من ربع ساعة، كان عاتبا جدا على أخي احمد لأنه لم يخبره بقدومي كي يشارك في استقبالي، اصطحبني معه ومضى أحمد الى عمله في المستشفى.
محمد ابن عمّي كان في حينه يملك محل صرافة، ويعمل في العقارات، يشتري بيوتا ويقوم بترميمها...ثم يبيعها..وهكذا، ذهب بي الى محل الصرافة، حيث تعمل فيه حسناء سوداء البشرة، طاف بي في هيوستن، تجولنا في البلدة القديمةDown town حيث ناطحات السحاب، والجسور ذات الطوابق المتعددة، والتي يبلغ طولها كيلو مترات، كنت وابن عمي متحفظين في الكلام أمام بعضنا البعض، فقد افترقنا وأنا طفل في الثانية عشرة من عمري، فهو مولود في العام 1942، وسافر الى السعودية في صيف 1961 وفي العام 1967 الى أمريكا، التقيته مرة واحدة عندما عاد الى البلاد في آب - أغسطس- 1974 لأسبوع عندما توفي والده المرحوم عمّي موسى، التقينا ضمن لقاءات أسرية شاملة، لم تكن كافية لتعارفنا، سألني عن كل فرد في الأسرة، وعن بعض أبناء جيله من أبناء البلدة، شرح لي عن المناطق التي كنا نمر بها، وعند الظهيرة اصطحبني الى مطعم أسماك فاخر، تناولنا فيه طعام الغداء وهو يشرح لي كيف عمل نادلا في هذا المطعم عندما كان طالبا في الجامعة، قال لي: أنا مدين لهذا المطعم بتعليمي، ففيه عملت ومن أجرتي فيه دفعت الأقساط الجامعية، وأرسلت نقودا للوالدين في البلاد، وفي المساء عدنا الى بيته حيث التقينا زوجته الأمريكية جويس، وهي سيدة فاضلة تنحدر من أصول ايطالية، تحمل الماجستير في علم النفس، وتعمل رئيسة قسم في مركز هيوستن الطبي- اكبر مركز طبي في العالم- ويرتاده الأثرياء العرب وأبناء الطبقات الحاكمة للعلاج، وتوفي فيه الراحل الكبير الشاعر محمود درويش في آب-أغسطس- 2008، والتقيت طفلته أمندا..التي ما أن رأتني حتى تقدمت مني واحتضنتني بفرحة بالغة، عندما قدمني والدها لها قائلا: ابن عمّي جميل....سألتني عن جدتها لأبيها"صبحة".
في المساء عاد أخي أحمد من عمله...اتصل به ابن العم محمد، وطلب منه أن يحضر بصحبة زوجته وابنته لتناول طعام العشاء معنا...تناولنا العشاء وعدنا الى بيت الأخ أحمد...وهناك اتصل الأخ محمد من بورتوريكو، وأقنع أحمد بأن يسمح لي بالسفر اليه، وبعد جدال طلب من أحمد أن نسافر كلانا الى بورتوريكو ولو لبضعة أيام، فاشترى أحمد تذكرتين لنا لمدة يومين ابتداء من نهاية الأسبوع، أمضيت بقية الأسبوع بصحبة ابن عمّي نهارا وبصحبة أخي ليلا، وفي احد الأيام اصطحبتني زوجة أخي أحمد الى حديقة حيوان هيوستن، وهي حديقة تمتد على آلاف الدونمات، والحيوانات تعيش فيها في بيئة تشبه بيئة حياتها في البراري حيث مواطنها الأصلية، وهناك رأيت أفعى الكوبرا للمرة الأولى، كانت موجودة في غرفة زجاجية، ترفع رأسها وجزأها الأمامي، وتهاجم من يقترب من زجاج غرفتها، فيرتطم رأسها بالزجاج محدثا دويا مرعبا، وهناك رأيت أفعىAnaconda الضخمة والتي تعيش في الأمازون، طولها أكثر من أربعة أمتار، ووسطها ضخم كساق شجرة معمرة، كانت تلتف على نفسها في بيتها الذي يشبه الكهف، وواجهته المواجهة للمتفرجين من زجاج مقوى.
في بورتوريكو:

لم يخبر أخي أحمد أخانا محمد عن تاريخ وموعد وصولنا الى مطار سان خوان عاصمة ولاية بورتوريكو، وصلنا المطار عصرا، استقلينا سيارة الى فندق روكفلر، وهو فندق كبير مكون من عدة بيوت تراثية، كان يستقبل فيه روكفلر الجد ضيوفه، وأصحابه، يركبون الخيل ويقضون اجازاتهم، ويقع علي شاطئ الأطلسي، ومن غرفة الفندق اتصل بأخينا محمد الذي يعمل ويقيم في مدينة اوروكوفيس، والتي تبعد حوالي ساعة سياقة، فجاءنا عاتبا لعدم اخباره بقدومنا كي يستقبلنا، ولسكننا في فندق بدل بيته، لكن أخي أحمد بقي مصرا على بقائنا في الفندق حتى صباح اليوم التالي، والشوارع في ساحات الفندق ملأى بشجر جوز الهند، وعلى الرصيف "خوازيق" نحاسية لمن يريد أن يثقب ثمرة جوز الهند ويشرب سائلها.
قبل وصول الأخ محمد الينا ذهبنا الى مطعم الفندق في البناية الرئيسة لتناول طعام العشاء، فوجدنا عند بوابة المطعم حارسا ضخما أسود البشرة، لا يجيد الانجليزية كغالبية سكان بورتوريكو الذين ينحدرون من أصول اسبانية، ومعرفتهم للانجليزية في غالبيتهم كمعرفة من أنهى المرحلة الاعدادية في بلادنا، منعنا من الدخول وقدم لنا ورقة بالانجليزية مكتوب فيها:" حفاظا على تراث عائلة روكفلر، يمنع دخول المطعم الا بلباس رسمي...بدلة سوداء...قميص ابيض وربطة عنق حمراء، اذا لا توجد معكم هذه الملابس بامكانكم استئجارها من الطابق الثاني... أو بامكانكم طلب الطعام من خدمة الغرف ..نأسف لازعاجكم"...غضب أخي أحمد ورفض العشاء...دخلت الى الغرفة... بجانب الهاتف كانت قائمة بأسماء المأكولات باللغتين الاسبانية والانجليزية، بينما كان أخي أحمد يجلس في برندة تطل على مياه المحيط، اتصلت برقم خدمة الغرف...ردت عليّ امرأة تسألني عمّا أريد طلبه، وبما أنني لا أعرف أسماء الطعام بالانجليزية، طلبت لها أن تختار لنا طعاما شهيا.
وبعد دقائق حضرت فتاة حسناء بصحبتها شابان يحملان العشاء، واحد يحمل وعاء معدنيا لتسخين الطعام على الشموع، وآخر يسوق عربة عليها صنوف مختلفة من الطعام ...سلطات ومقبلات..وصحني لحمة، بينما هي تحمل صحنا زجاجيا فيه ثمرة الأناناس يزيد وزنها على العشرة كيلو غرامات، ومغروس في خارجها عيدان تنظيف الأسنان، لم أعرف ثمرة الأناناس لأنني لم أرَ هذا الحجم الضخم في بلادي، فحسبتها وردة للزينة، لكن أخي أحمد عرفني بها، الثمرة مقسمة الى عدة أقسام عرضية، وأعيدت الى مكانها، واللب فيها مقسم الى أقسام، يستطيع المرء أن يتناولها بعيدان الأسنان، وفي اليوم التالي وجدناها قد نزّت في الصحن أكثر من ثلاث ليترات عصير.
سهرنا حتى منتصف الليل تقريبا ورفض الأخ أحمد أن نذهب مع أخينا محمد، فبقيت معه على أمل أن يأتينا لنذهب سوية في اليوم التالي.
بعد أن غادرنا الأخ محمد خرجت أتجول في ساحات الفندق، وأول ما لفت انتباهي وجود عشرات"سرطعانات" البحر التي تنطلق من أمام بناية باتجاه المياه، كان يراقبها رجل عجوز يهوى اصطيادها ثم يتركها تعود الى المياه، حذرني ذلك العجوز من مغبة الدّوس عليها فابتعدت عنها....بعدها سمعت موسيقى صاخبة فاتجهت الى مكان انبعاث الصوت في البناية الرئيسية، وجدت شابا يلعب تنس الطاولة مع شابة، في حين تراقبهما شابة أخرى، وما أن رأتني حتى استأذنتي كي ألعب معها...لعبنا بضع دقائق ثم جلسنا على طاولة أمام صالة الرقص، طلبت هي زجاجة جعة، وطلبت أنا كأس عصير، شاهدت النجمة السداسية وشما على يدها ما بين الابهام والسبابة، فسألتها ان كانت يهودية فأجابت بنعم، وأضافت بأنها اسرائيلية أيضا سافرت الى أمريكا لتجمع مبلغا ماليا وتعود الى "ارض اسرائيل"، فأخبرتها بأنني فلسطيني من القدس المحتلة، وافترقنا دون كلمة وداع...وفي هذه الأثناء أطل علينا أخي أحمد الذي كان يبحث عني خائفا من أن لا أعرف العودة الى مكان سكننا...نمنا ليلتنا وفي الثامنة صباحا كأن أخونا محمد يدق الباب علينا...حملنا حقائبنا وغادرنا الفندق الى مطعم لتناول طعام الأفطار، تجولنا في سان خوان حتى الساعة الواحدة واتجهنا الى المطار لاستقبال أخينا جمال القادم من واشنطن، وأخونا جمال المولود في العام 1957 غادرنا في العام 1977 الى تشيكوسلوفاكيا، حيث درس هندسة الانتاج الزراعي، ثم سافر الى أمريكا بعدما تعثرت عودته الى أرض الوطن، وهناك قدم له الأخ احمد معاملة هجرة الى امريكا، وحصل على الجنسية الأمريكية، استقبلنا جمال وعدنا الى اوروكوفيس، حيث يملك الأخ محمد نوفوتيه لبيع الملابس الجاهزة، يساعده فيه ابنه المرحوم كمال الذي لحق به في العام 1982، وتوفي في كانون أول-ديسمبر-2008تاركا خلفه ابنان شابان هما محمد ونزار اللذين يعيشان مع جدهما أخي محمد في بورتوريكو، الأكبر محمد يدير محلا تجاريا، والأصغر نزار يدرس الطب هناك، وتزوج فتاة من بنات بلدتنا، ويستأجر بيتا في نفس المدينة، وأوروكوفيس مدينة صغيرة تشبه مدن الشرق الأوسط الصغيرة، وكذلك الحال بالنسبة لبقية مدن بورتوريكو باستثناء العاصمة سان خوان، فهي كبيرة نسبيا، ولكنها لا تزيد عن مدينة نابلس الفلسطينية، وبورتوريكو جزيرة في البحر الكاريبي، وهي جزيرة بركانية، جبالها شديدة الوعورة وسهلة الانهيار، وشوارعها نتيجة لجغرافيتها لا تزيد في اتساعها عن شوارع قرى بلادنا، وهي مغطاة بالغابات الكثيفة، حتى أن أجزاء من بعض الشوارع مغطاة بجذوع الأشجار الممتدة من الجانبين بما يشبه الأنفاق، ويعتاش أهلها على الزراعة في غالبيتهم، وأشهر مزروعاتهم هو الموز، وهو صنفان: صنف شبيه بموز بلادنا لكن قرونه أكبر، وصنف لا ينضج ويستعملونه للطبيخ، يقلونه مع البيض أو البطاطا، ويعتبرونه أكلة شعبية تقدمها مطاعم تلك البلاد مع السلطات...أمّا جوز الهند والأسكدنيا فهي شجار برية في بلد تكسوه الغابات، وثمرة الأسكدنيا كبيرة، وما يصل بلادنا هو بذورها.
وجزيرة بورتوريكو تشتهر بكثرة ضفادعها، التي تنتشر في كل مكان بكثافة، وبأحجام وأصناف مختلفة، وهي تلتصق بنوافذ البيوت، وشوارعها تكاد تكون مرصوفة بالضفادع التي تدوسها عجلات السيارات، حتى أنهم يطلقون عليها جزيرة الضفادع.
ومساحة بورتوريكو تسعة آلاف كيلو متر مربع، وهي جزيرة دائرية، اذا ما انطلق المرء من نقطة ما على الساحل في السادسة صباحا مثلا، فانه سيعود الى نقطة انطلاقه في السادسة مساء.
وسكان بورتوريكو من أصول اسبانية، بشرتهم تشبه بشرتنا، وهم فلاحون طيبون، يقتنون الدجاج، وتشتهر عندهم مصارعة الديكة الدامية، ويتركون بيوتهم مفتوحة، واذا ما مرّ أحدهم بأيّ شخص فانه يحييه، واذا ما أراد شخص شراء الموز منهم وهم في المزارع فانهم يقدمون له قطف موز مجانا، ويرفضون استلام ثمنه باصرار وعناد، ومن يمرّ بهم وهم يأكلون فانهم يدعونه لمشاركتهم طعامهم، تجولنا أربعتنا-محمد، أحمد، جمال وأنا- طيلة اليوم الثالث وأوصلنا أحمد عصر ذلك اليوم الى المطار الذي غادرنا عائدا الى هيوستن، غادرنا غاضبا لأنني لم أعد معه، وفي المساء عدنا الى البيت حيث عمل أخونا محمد عشاء فاخرا دعا اليه عددا من أصدقائه العرب، وغالبيتهم فلسطينيون، ومدير بنك في المدينة، كان العشاء عبارة عن خاروفين محشوين بالأرز والصنوبر والحمص والعدس واللحم المفروم، وشواؤهما يستمر أربعا وعشرين ساعة، في مزرعة يملكها أردني أصيل من منطقة عجلون، متزوج من أمريكية، يملك بيتا جميلا على قمة جبل، وفي منحدر الجبل حفر حفرة كالقبر، فيها ثلاث عقدات من الباطون، وللعقدين العلويين باب حديدي، يوضع في كل واحد منهما خاروفا محشوا، والعقدة الأولى للنيران المكونة من جذوع الأشجار الضخمة، ويستمر الشواء على نار هادئة لمدة 24 ساعة، انها تشبه" الزرب" المعروف في بادية بلاد الشام، وهي من أشهى المأكولات ان لم تكن أشهاها على الاطلاق، ومن شدة اعجاب مدير البنك بتلك الأكلة استأذن بأن يحمل صحنا لزوجته، وسأل عن كيفية عملها، فصرفه أخي محمد عن الموضوع بقوله: هذه الأكلة معروفة في بلادنا، وقد أحضرها إخوتي معهم من البلاد" ولا أعلم إن انطلت الحيلة عليه أم لا، لكنه لم يعد يتحدث بالموضوع.
نقيق الضفادع يسلب النعاس من عيون من لم يتعود على سماعه، وذات صباح استيقظت مبكرا، خرجت الى حديقة المنزل، ورأيت عصفورا جميلا يرشف رحيق زهرة وهو يرفرف في الجو، منقاره في وسط الزهرة وهو واقف في الجو، جناحاه يرفرفان وتغريده العذب يعلو، سعدت بذلك العصفور الجميل الذي عوضني عن ازعاج نقيق الضفادع.
كنا نخرج يوميا من الصباح الى المساء، نتناول طعام الغداء سمكا شهيا في أحد المطاعم الفاخرة على شاطئ البحر، مطاعم مجهزة بشكل لافت، أمامها كواسر أمواج صخرية، من السهل على المرء أن يرى الأسماك الملونة وهي تتساقط مع أمواج البحر بين الصخور، لتعود بعد معاناة الى البحر ثانية وهكذا، وبعض هذه المطاعم يملك سفنا تبعد عن الشواطئ عدة كيلو مترات، وهي عبارة عن مطاعم عائمة لمن يريد تناول طعامه في عرض البحر، يحمله قارب من المطعم الى السفينة، ومن عادات تلك المطاعم، أنك تطلب نوع السمك الذي تريده، ويسألك النادل ان كنت تريده مقليا بالزيت، أو مشويا على الفحم، ويقدم لكل فرد سمكة كاملة، وفي المرة الأولى طلبنا سمكة مقلية، وسمكتين شواء، وكانت وزن احداها يزيد على الخمسة كيلو غرام، في حين كانت الأصغر تزيد على الكيلو غرام.
عزات ودعميس:
بعد مغادرة أخينا أحمد لبورتوريكو حضر عزات حسن بدران، وهو رجل طيب من مواليد عنبتا، وصديق لأخي محمد، وهو رجل كريم النفس طيّب الخلق، وموفق في تجارته، ومعه شقيقه صبري الذي يكبره عمرا، وأقسم أغلظ الأيمان أن نلبي دعوته لنا بتناول طعام الغداء في بيته في مدينة مجاورة، وكنت أعرف الرجل من قبل، فقد سبق وأن زارنا في بيتنا في جبل المكبر حاملا نقودا مرسلة من أخينا محمد، وزرته في بيته في عنبتا أكثر من مرة، وتعرفت على المرحوم والده، وعلى اخوانه، وزوجته سلمى امرأة فاضلة من عنبتا أيضا، وهي ابنة خاله، والدها كان رئيس الغرفة التجارية في طولكرم، فلبينا دعوته، ووجدناه قد دعا اليها أكثر من عشرين شخصا عربيا، وقدم مائدة تكفي لأكثر من مائة مدعو....وله أيادٍ بيضاء على أخي محمد، فقد ساعده عندما وصل الى بورتوريكو، ومنه اشترى محمد محله التجاري الأول.
وعزات بدران له الفضل في بناء عشرات المساجد في بورتوريكو.
وقد كانت مشكلة في كيفية التخلص من دعوات الحضور الذين تسابقوا ...كل منهم يريد منا تحديد موعد لعزومتنا في بيته، فتملصنا منهم على أمل تحديد الدعوة لاحقا، باستثناء "دعميس" رجل الأعمال الناجح جدا، وابن قرية كفر مالك القريبة من رام الله. ...فقد لحق بنا في اليوم التالي الى بيت أخي محمد وأصر على دعوته فلبيناها..
الأواني الفخارية:
وذات يوم ذهبنا لتناول وجبة العشاء في مطعم فاخر في سان خوان، فقدموا لنا السلطات وما طلبناه من لحوم في أواني فخارية، وحتى الماء كان بأباريق فخارية، أما الكؤوس فكانت من زجاج ليرى المرء ما بداخلها، رحبت بنا النادلة بابتسامة عريضة، ولمّا سألتها عن سبب استعمال المطعم للأواني الفخارية، أجابتني بفخر واضح:
انها تراثنا الاسباني، فأنت تعلم أننا ننحدر من أصول اسبانية.
فقلت لها بأن الفخار تراث عربي نصنعه ونستعمله حتى الآن...فردت:
لا تنسَ أن العرب حكموا اسبانيا...وأسموها الأندلس وقصر الحمراء من أعظم الشواهد التاريخية، وأضافت بأن العرب تزاوجوا مع الاسبان، وسألت: ألا ترى أننا نتشابه بلون البشرة وبعض العادات؟
شكرتها على خدمتها ولطفها وحزنت على أمتي التي كانت ماجدة وما عادت.
قصر الحاكم الاسباني:
ذات يوم كان أخي محمد مشغولا، فطلب من صديقه أبي مشهور، وهو فلسطيني طيب من عين يبرود قضاء رام الله أن يصطحبنا معه في نزهة يومية، فقادنا أبو مشهور الى المناطق الأثرية القديمة في سان خوان، حيث يوجد سور ضخم، مثبتة عليه مدافع قديمة، كانت تستعمل لصد الغزاة في القرون السابقة، وهناك بناية ضخمة تشبه سجون بلادنا التي تركها لنا الانجليز في كل مدينة من مدننا، وحولها ساحة تشبه ملعب كرة القدم يغص بالزائرين، سعر تذكرة دخولها اثنا عشر دولارا، فحسبت البناية متحفا، وعندما دخلنا الطابق الأول لم أشاهد شيئا لافتا، فخرجت وأنا أعجب من أناس يلمسون الجدران بدهشة، بينما واصل أبو مشهور وأخي جمال التجوال في البناية، في الخارج سألت امرأة عجوزا عن هذه البناية وماذا تمثل؟ فأجابتني بأنها بناية تراثية، فعمرها يزيد على مائة عام، وهي البناية الأقدم في بورتوريكو، وكانت مقرا للحاكم الاسباني، فقلبت شفتي السفلى عجبا، وقلت للمرأة قد لا تصدقين بأنني قادم من منطقة عمر مدنها وأبنيتها آلاف السنين...فقالت:
طبعا لن أصدق...من أين أنت؟ وعن أيّ بلاد تتحدث؟
فأجبتها: من فلسطين.
وعادت تسأل: أين تقع هذه البلاد؟
فرددت عليها بسؤال: ألم تسمعي بالقدس وبيت لحم؟ ألم تسمعي بالأرض المقدسة؟
فأجابت: هل تعني اسرائيل؟
ورددت: بل أعني فلسطين.
الخراف غير مرغوبة لحومها:
الأمريكيون في غالبيتهم يأكلون لحوم البقر والخنازير، أما الخراف فغير مرغوبة لحومها، بل إن غالبيتهم لا يأكلونها، ويضعونها في المزارع للزينة، وفي بورتوريكو يشتريها العرب والشرق أوسطيون بسعر رخيص جدا، اصطحبنا أخي محمد الى مزرعة، واشترى خاروفين بخمسة عشر دولارا، ومن شدة خصب تلك البلاد فان المرء لا يرى الأبقار من طول الأعشاب الا اذا رفعت رؤوسها، أما الخراف فان المرء يحتار من أين يأتي بها حارس المزرعة الذي يبيعها من وراء مالك المزرعة، أحضر الحارس الخاروفين عند مدخل المزرعة، فطلب منه أخي محمد أن يذبحها مقابل أن يعطيه بنطالا من محله في اليوم التالي، وهو يعطيه بنطالا انتهت موضته، وتكلفته عليه دولارين، ومعروف أن الأمريكيين مهوسون بالموضة، علق الرجل الخاروفين من قائمتيهما الخلفيتين على عارضة حديدية تشبه عارضة ملعب كرة القدم، وفي هكذا تعليق لا يستطيع الخاروف حراكا، هو يذبح وأخي محمد يردد: بسم الله...الله اكبر، سلخ الخاروفين..ألقى بالمعدة والأمعاء والرأس الى كلبه، في حين طلب منه اخي محمد أن يحفظ لنا المعلاق"الكبد+الرئة+القلب والطحال"...فسأل لماذا تريدونها؟
فأجابه أخي محمد: نريدها لقطِّنا في البيت.
فقال: الرئة تنفع للكلاب لكنها تضر القطط... وألقى بالرئة للكلب، وأراد أن يلقي الطحال...لكن أخي محمد التقطه منه....شق كل خاروف الى نصفين، وحملناها وعدنا، وفي الطريق مرّ بنا أخونا محمد الى بيت امرأة كان قد تزوجها للحصول على الجنسية الأمريكية وما لبث أن طلقها،
استقبلتنا المرأة دون أن تعرف صلة القربى بيننا، وهناك أشعل الكانون لنشوي عليه معلاقي الخاروفين وبعض اللحوم، لم تشارك المرأة في عملية الشواء، بل كان التقزز ظاهرا عليها، كانت تحادثه بالاسبانية التي لن نعرفها، لكنها تكلمت بلهجة حادة كما بدا لنا، فانفرط ضاحكا، وترجم لنا ما قالته له وهو،"اتق ربك بهؤلاء المهابيل...ولا تقتلهم، وهل تريد الخلاص منهم بتسميمهم بهذه اللحوم السامة"؟ فضحكنا سوية.
محمد في الولايات المتحدة:
عندما عاد أخي محمد من البرازيل عام 1972، كان دائم الشكوى من سبل العيش في البلاد تحت الاحتلال، وكان يمني النفس دائما بالسفر الى الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أنه وصل الى درجة التمني داعيا الله أن لا يميته الا في تلك البلاد، وأنجب بعد عودته ثلاثة أبناء هم:"ماري، حسين وسائد" وشرع ببناء بيت، وقبل اكتمال البيت حصل على تأشيرة دخول-فيزا- لزيارة الولايات المتحدة، فغادر البلاد فورا في اكتوبر 1977، كان ابنه سائد رضيعا يحبو، سافر الى هيوستن، حيث الأخ أحمد وابن العمّ محمد موسى، وأحمد تخرج من الجامعة حديثا، ولا يملك نقودا سوى 4500دولار كما قال لي لاحقا، ومحمد أراد أن يعمل بائع حقيبة كما فعل عند بداياته في البرازيل، فأخبراه باستحالة ذلك في مدينة ضخمة كهيوستن، وأعطاه أخونا أحمد الأربعة آلاف وخمسمائة دولار التي لا يملك غيرها، وعرض عليه ابن العمّ محمد وهو شقيق زوجة أخينا محمد عشرة آلاف دولار مقابل أن يعود الى زوجته وأبنائه في البلاد، لكنه رفض وغادرهم دون استئذان الى بورتوريكو حيث يتكلم شعبها الاسبانية، التي يعرفها من البرازيل، والشعب البرازيلي يتكلم البرتغالية التي هي قريبة جدا للاسبانية، وهناك عمل بائع حقيبة لمدة سنة، وبعدها افتتح محل نوفوتيه.
عودة الى هيوستن:
بقيت في بورتوريكو ثلاثة أسابيع متواصلة، وغادرتها قبل عودتى الى البلاد بيوم واحد، وهي من أجمل بلدان العالم، غادرتها محملا بثلاث حقائب سفر ملابس من محل أخي محمد، واحدة منها لابني البكر قيس الذي انهى عامه الأول من العمر،عدت الى هيوستن عن طريق مطار أطلنطا حيث افترقت عن أخي جمال الذي عاد الى عمله في واشنطن، فوجدت أخي احمد وابن عمّي محمد موسى في استقبالي، تناولنا طعام العشاء في مطعم فندق، وسهرنا في بيت أحمد، أراداني أن أمدد رحلتي، لكنني رفضت باصرار، ففي بداية شهر ايلول سأعود الى عملي مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس الشريف.
وفي ساعات الصباح الأولى حضر ابن عمّي محمد موسى، وأقلني بسيارته الى المطار برفقة أخي أحمد، تناولنا طعام الافطار في فندق قريب من مطار هيوستن، وغادرتها عائدا الى بلادي.
رحلتي الثانية الى أمريكا:
في آواخر آذار 1990 غادرت القدس الى شيكاغو على عجل بعد أن تلقيت مكالمة هاتفية من أخي جمال، استقليت طائرة من مطار اللد الى مطار نيويورك، وهناك استقبلني أخي أحمد، فقد ترك احمد العمل في الصيدلة واشترى بقالة في هيوستن شريكا مع محمد موسى ابن عمي، وما لبثا أن باعا البقالة، واتجه أحمد لنيويورك لأن اقتصاد هيوستن المرتبط بالبترول يعاني كسادا، اشتراه في حيّBronx وغالبية سكانه من السود، ولا يزال أحمد الذي يملك عقلية تجارية بوصلتها لا تخطئ، يملك هذا المحل التجاري حتى أيامنا هذه، أمضيت حوالي 24 ساعة في نيويورك بصحبة أخي أحمد وأخي طه الذي يكبرني بعامين، وقد هاجر الى أمريكا في صيف عام 1987 بعد أن عمل له أخونا أحمد هجرة الى أمريكا، وافتتح له سوبرماركت قريبا من محله، وبقي طه عدة سنوات مع أحمد، وما لبث أن تركه وانتقل الى العمل في ميامي في ولاية فلوريدا بصحبة أبنائه اياد-37- عاما، نضال-35- وثائر-33- عاما، أمضيت صباح اليوم التالي بصحبة طه، حتى حان موعد سفري فأوصلني أحمد الى المطار حيث غادرت الى شيكاغو، وفي مطار أوهيرو في شيكاغو، وهو المطار الأكثر حركة في العالم، يستقبل كل 30 ثانية طائرة، وتغادره أخرى، لم أجد أحدا في استقبالي، فحاولت الاتصال بأخوتني ولم أجد ربع دولار كي استعمل الهاتف العمومي، ولم أجد من يصرف لي قطعة المائة دولار، فتبرعت سيدة سوداء ودفعت ربع الدولار وطلبت لي الرقم مشكورة، وردّ عليّ شقيقي داود، الذي أخبرني أن أخي جمال ينتظرني في المطار، وتبين لاحقا أن كل واحد منا كان في طابق، واهتدينا الى بعضنا البعض بعد حوالي نصف ساعة، وكان أخي جمال قد افتتح عام 1987 بقالة في جنوب شيكاغو وتحديدا في الشارع 79-وهي منطقة للسود تعج بمدمني الكحول والمخدرات- بمساعدة وشراكة من أخي محمد الموجود في بورتوريكو، والتحق به شقيقي داود المولود في أواخر كانون ثاني-يناير 1963 في شهر تموز-يوليو- 1988، وشقيقي داود هو الأقرب الى قلبي من جميع أخوتي، فقد عشت وإياه في بيت واحد، وأنا من استخرج له شهادة ميلاده عندما ولد، وهو شاب وسيم ذكيّ لمّاح، حتى أن علاقتي به كانت أبوية أكثر منها أخوية بسبب فارق العمر بيننا الذي يصل الى اربعة عشر عاما، ووجدتهما قد افتتحا ثلاث محلات أخرى في جنوب شيكاغو، واحد يعمل فيه ابن خالتنا حسين المصري الذي لا يزال يعيش في شيكاغو، والآخران يعمل فيهما موظفون عرب، وقد وقعت في احدهما جريمة قتل مدمن مخدرات ينحدر من أصول مكسيكية، وتم اعتقال موظفين عربيين من بلدتنا نفسها، واعتقال أخي جمال كونه مالك المحلات للتحقيق معه، وخرج بكفالة بعد مرور 48ساعة، في حين بقي الآخران 28يوما، وانتهت القضية ببراءة الجميع بعد حوالي سنتين، وبخسارة وصلت نصف المليون دولار، حيث بيعت المحلات الأربعة.
وأخي جمال كان قد تزوج من ايمان بنت الأديب الراحل خليل السواحري، وكانت الأسرة تسكن في حيّ راق للبيض على الشارع رقم87، وفي بيت اشتراه جمال مكون من طابقين وتسوية.
الخوف من الإيدز:
في اليوم الثاني لوصولي شيكاغو جلست على كرسي أمام"الكاونتر" في المحل رقم1800على الشارع رقم 79 الذي يملكه أخوتي، وحوالي العاشرة صباحا دخلت طفلة سوداء جميلة في حجم ابنتي أمينة ابنة الثلاثة أعوام، دخلت مع رجل، وما أن رأتني حتى انطلقت باتجاهي باسمة، وضعت رأسها على ركبتي، تماما مثلما كانت تفعل ابنتي أمينة، مسدت على شعرها، وأعطيتها سكاكر بدون مقابل ثمنها حوالي ثلاثة دولارات، فشكرني الرجل وانصرف والطفلة تحاول العودة إليّ، وفي حوالي الثالثة بعد الظهر دخل ثلاثة رجال، أحدهم يحمل بندقية، والثاني مسدسا والثالث عصا بيسبول في يد، وسكينا ذا حدّين في اليد الأخرى، صوبوا اسلحتهم باتجاه رأسي وأحدهم يصرخ:اجلس على ركبتيك ووجهك للحائط وإلا ستموت، فاستجبت لتهديدهم وأنا أحسب أن العملية عملية تقشيط، وهي تحصل كثيرا في هكذا مناطق، ومن لم يستجب لطلباتهم فانهم يقتلونه فورا، وصرخ أحدهم: ماذا فعلت بفتاتي أيها الوغد، فحسبت الأمر قد التبس على الرجل وأن شخصا ما قد اغتصب أو اعتدى على عشيقته، فجرحني بالسكين في خدي الأيسر وهو يردد: لقد فضحتني مع صاحبتي، فقد أخبرتها ابنتها أن عربيا في المحل قد أعطاها الحلوى مجانا، لأنه لا يملك ما يشتري به شيئا للطفلة، فوبخته عشيقته، وجاء ليثأر مني تحت تأثير المخدرات والكحول، استغرقت العملية أقل من دقيقة قبل أن يهربوا، وحضرت الشرطة بعد ثلاث دقائق بعد أن داس أحد العاملين على جرس الانذار الموجود قريبا من قدمه.
حضرت الشرطة وأقلتني الى مستشفى، وهناك وجد الأطباء أن لا حاجة لتقطيب الجرح، لأنه سطحي، لكنني وقعت في مشكلة اخرى، عندما أخذوا مني دما للفحص خوفا من عدوى الايدز، فمدمنو المخدرات هؤلاء قذرون، وسكاكينهم قذرة وقد تكون ملوثة بفيروس الإيدز....ضاقت الدنيا في وجهي، وتوترت أعصابي، ودارت في رأسي أفكار سوداوية كثيرة، فاذا انتقلت عدوى فيروس الايدز إليّ فماذا سيقول الناس عني؟ وهل سيصدقون قصتي الحقيقية؟ لم أنم ليلتها...فكرت بطفليّ"قيس وأمينة" وبزوجتي، وبدموع أمّي وأحبتي، فعشقت لحظتها الحياة من أجل طفليّ وزوجتي، وخوفا على دموع أمّي، لم أذق طعما لطعام أو شراب سوى الماء، وفي صباح اليوم التالي أخبرني المستشفى بأنني سليم معافى، فدبّت فيّ الحياة، وشعرت أنني ولدت من جديد.
أحياء المخدرات:
منطقة جنوب شيكاغو في غالبياتها يقطنها السود وقليل من المكسيك، وهم في غالبيتهم مدمنو مخدرات وكحول، ويفتتح العرب في هذه الأحياء محلات تجارية، لأن البيض لا يدخلونها، والسود لا يستطيعون فتح محلات، وبالتالي فانه لا منافس لهم، وهذا سبب أيضا لمقتل البعض منهم على أيدي العصابات، وهذه المنطقة تحكمها عصابتان هما:Fox وkingsويسقط ضحايا من الطرفين بشكل شبه يومي، وبعض هذه المناطق لا تدخلها الشرطة الا بطائرات الهليوكبتر لخطورتها، وتجارة المخدرات يقوم بها أطفال دون العاشرة، لأنه يمنع على الشرطة تفتيش الأطفال، أما البالغون فانهم يرتدون بنطالين عند حملهم للمخدرات، واذا ما طاردتهم الشرطة فانهم يهربون ويتخلصون من البنطال الخارجي، ويمنع على الشرطة ادخال أيديهم في جيوب المتهمين الا في مراكز الشرطة وبأمر قضائي، ويبدو أن السود يعيشون على هامش المجتمع الأمريكي، وهذا ما تريده لهم الحكومة، حيث أنهم في غالبيتهم يعيشون على الضمان الاجتماعي، ولا يمارسون أيّ عمل، والجريمة بينهم منتشرة، والأسلحة النارية تكاد تكون في حيازة الجميع.
تمييز عنصري:
شاهدت بيتا محروقا في أكثر من شارع، ولما استفسرت عن ذلك أخبرني من يعيشون هناك أن البيت يكون قد اشتراه أسود في شارع كله من البيض، فيحرقه سكان الشارع كي لا يتكاثر وجود السود في شارعهم، واذا لم يحرقوه فانهم يبيعون بيوتهم للسود بثمن رخيص نسبيا ويغادرون المنطقة.
ذات يوم سألت محاميا أبيض اللون عن سبب كراهيتهم للسود فقال لي: الرجل الأسود كالبق، فاذا ما التصقت بجسدك حشرة البق، فلا تفغصها كي لا يتسخ جلدك بدمها، ادفعها بطرف اصبعك على الأرض، ودُسْها بحذائك.
ومن عنصرية البيض ضد السود والملونين في أمريكا، أن أخي جمال عندما اشترى البيت في شارع 87، وجد على الجدار تخطيطا ببوية الدهان الأحمرmove away camel jackie""
-ارحل من هنا يا خيّال الجَمَل-.
محاسن الصدف:
وذات يوم كنت وأخي جمال نصطف على الدور في السيارة أمام مطعم"ماكدونالد، حيث يطلب المرء ما يريد بالميكرفون عند المدخل، ويستلم طعامه ويدفع حسابه من النافذة، وكان أمامنا سيدة سوداء حجزت شباك المطعم وتعالى الصراخ لأنه نقص عليها دولار ونصف من طلبيتها، فنزلت من السيارة ودفعتها عنها، ولما التفت اليها كانت المفاجأة العجيبة، انها نفس السيدة التي دفعت عني ربع الدولار للاتصال الهاتفي من المطار، وتعارفنا وتبادلنا الزيارات حيث أن زوجها مهندس يعمل في مطار أوهيرو، بينما هي تعمل ممرضة في مستشفى.
في الـDown town:
في اليوم الثاني لوصولي شيكاغو، وصل أخونا محمد قادما من بورتوريكو، وفي اليوم الثالث اصطحبنا أخونا جمال الى مركز المدينةDown town التي تقع على شاطئ بحيرة متشيغن، وهي بحيرة ضخمة تمخرها سفن عملاقة، ومن لا يعرف طوبوغرافية المنطقة يحسبها بحرا، وناطحات السحاب في شيكاغو تطاول السماء، والجسور تمر من بين الناطحات، هناك جسور للمواصلات من السيارات، وهناك جسور لقطارات البضائع والركاب، والقطارات في أمريكا تسير على الطاقة النووية، والبترول ومشتقاته يباع بسعر أرخص مما يباع في كثير من دول الشرق الأوسط، صعدنا الى بنايةSears المكونة من 134 طابقا، وتعتبر الآن البناية الأعلى في امريكا وخامس أعلى بناية في العالم، وكانت في مرحلة سابقة البناية الأعلى في العالم، وعندما يكون الجو غائما فإن الغيوم تكون تحت من يصل الى أعلى البناية، ومقابل ناطحات السحاب هناك مسبحان على شاطئ البحيرة.. واحد اعتاد السود ارتياده، والثاني للبيض، ويخترق مركز المدينة"نهر شيكاغو" وهو بحر تمخره قوارب سياحية لمن يريد أن يتجول في المركز، ويريد مشاهدة المدينة من عرض البحيرة.
الحدائق العامة:
في شيكاغو 140 حديقة عامة، تكاد تكون متشابهة، وتزيد مساحة الواحدة منها على الألف دونم، وفي كل واحدة منها بحيرة صغيرة، يعشش على جنباتها الإوز ويبيض ويتكاثر...لا أحد يلمسه أو يزعجه، والحدائق تكسوها أعشاب النجيل والأشجار والورود، وهي مقسمة بطريقة هندسية لافتة، وفيها ملاعب، ويلاحظ امتداد بعض الغابات في داخل المدينة بطريقة مدروسة، فأمريكا كانت تكسوها الغابات، ومن المألوف أن يشاهد المرء الأرانب البرية في مختلف أحياء المدينة، وتدخل حدائق المؤسسات والفنادق والبيوت، ولا يؤذيها أحد تحت طائلة القانون، وشاهدت في أكثر من موقع امتدادات للغابات فيها شوارع وملاعب، خصوصا ملاعب الغولف، والكرة الأمريكية، وفيها قطعان من الغزلان، لا تجفل من أيّ شيء، وتمر من أمام السيارات بخيلاء.
التنظيم:
الأبنية في الشوارع تسير على نفس النمط، وعلى نفس البعد عن الرصيف وعن الشارع، انها خطوط مستقيمة 100%، بما في ذلك الأبنية القديمة، ولما سألت عن ذلك، أخبرني أحد المهندسين العرب أن جورج واشنطن أول رئيس لأمريكا كان مهندس مساحة، وهو من وضع قوانين هندسة المدن، وشوارع شيكاغو واسعة، بعضها فيه خمس مسارات لكل اتجاه، وتتوسط الاتجاهين جزيرة، وفي الأحياء السكنية الشوارع تتسع لسيارتين في كل اتجاه، وبعده رصيف بعرض مترين، وطريق للمشاة، يليه متران من عشب النجيل، والورود، وبما أن الأمطار تتساقط على مدار السنة، فان العشب سريع النمو، وعلى كل صاحب بيت أن يقص الأعشاب أسبوعيا أمام بيته، ومن لايفعل فان البلدية تخالفه، واللافت أن أصحاب المحلات التجارية مسؤولون عن نظافة الأرصفة المحيطة بمحلاتهم، والا فانهم سيتعرضون للمخالفة، كما أن كل محل يملك حاوية قمامة أو أكثر، ويتفق مع شركة للتنظيف ونقل القمامة لتنقل قمامته مرتين على الأقل في الأسبوع، وعلى حسابه الخاص.
العرب في شيكاغو:
التقيت في شيكاغو عربا من جنسيات مختلفة، ورأيت من العرب من جاء للدراسة وتعلم وتفوق ونجح، وحصل على أعلى الشهادات، وعاد الى بلده، ومنهم من بقي يعمل في أمريكا ونجح، ومنهم من جاء هروبا من البطالة والفقر في بلاده، فعمل بجدّ واجتهاد ومواظبة ونجح وامتلك ملايين الدولارات، لكن في نفس الوقت هناك عرب انحرفوا وأدمنوا المخدرات، وضاعوا مع المومسات، ورأيت منهم من يتسول طعامه، أو يلتقط بقايا "ساندويتش" من القمامة، وفي شيكاغو أشار رئيس البلدية في كلمة له عام 1990 الى وجود 140.000عربي في شيكاغو، يملكون أربعة عشر ألف محل تجاري، وهناك آلاف العرب الذين يعملون سائقي تاكسيات عمومية، وقد قُتل منهم العشرات بل المئات.
وفي شيكاغو عشرات المساجد، لكن لا وجود لتجمع عربي، أو"لوبي" عربي، وبالتالي فانه لا ثِقَلَ للعرب هناك، وكأنهم يخافون من بعضهم البعض...وفي شارع رقم 63 منطقة عربية كاملة بمحلاتها وقاطنيها والمارين فيها.
الصحافة:
شاهدت صحيفة نصف شهرية اسمها"البستان" تصدر في شيكاغو، ويرأس تحريرها الدكتور غسان بركات عضو المجلس الوطني الفلسطيني، وهو أكاديمي فلسطيني من القدس، ويحمل شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من إحدى الجامعات الفرنسية، وهو شاب دمث خلوق، زرته في مكتبه أكثر من مرّة، ونشرت مقالة في كل عدد صدر من صحيفته أثناء وجودي في شيكاغو.
وفي بداية حزيران عدت الى القدس كي أتوجه الى عمان للمشاركة في لقاء حول مخاطر هجرة اليهود السوفييت.
في عمان:
توجهت في حزيران 1990 الى عمان ترافقني زوجتي وابني قيس المولود في تموز 1984 لحضور ندوة حول (هجرة اليهود السوفييت الى فلسطين) ويحضرها وفود من الدول العربية جميعها، وتعقد الندوة في فندق عمرة تحت رعاية العاهل الأردني الحسين بن طلال، الذي افتتحها بكلمة في قصر الثقافة في عمان، كنت وبضعة أشخاص من أبناء الأراضي المحتلة، في حين كان وفد من الخارج يمثل منظمة التحرير الفلسطينية، منهم المرحومان سليمان النجاب وعبدالله الحوراني، والاستاذ ياسر عبد ربه، وكانت اسرائيل تحاكم كل من يجري اتصالا مع منظمة التحرير، أو يلتقي أحدا من العاملين فيها، بناء على ما عُرف في حينه بقانون تامير، وقد اتخذ القائمون الاحتياطات لذلك، فكنا كوفدين مختلفين، ولا نجلس على طاولة واحدة أمام وسائل الاعلام، أخبرونا نحن القادمين من فلسطين بأن لا ورقة لنا، لأن منظمة التحرير ستقدم ورقة، وقبلنا ذلك دون نقاش، فالمنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لكننا فوجئنا في اليوم الثاني بانضمام أحد القادمين من الأراضي المحتلة للمؤتمر، وكان في زيارة مسبقة الى عمان، لا علاقة له بالمؤتمر، فوجئنا به يقدم ورقة من ثلاث صفحات باسم الأراضي المحتلة، والورقة عبارة عن عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، غير متناسقة، ولا علاقة لها بالموضوع، وفتحوا باب المداخلات، وكان يرأس الجلسة المرحوم الشاعر عبد الرحيم عمر، فكنت أول المسجلين، فأعطى كل متحدث ست دقائق، ولم تكن الدقائق الستة كافية لمداخلتي، فتنازلت الناشطة المصرية فريدة النقاش، والمرحوم الدكتور فؤاد مرسي وآخرون عن دورهم لي، وأثار ردّي ردود فعل ايجابية كبيرة، خصوصا عندما تطرقت الى ما جاء في أوراق سابقة من كلمات رنانة، وشعارات لم تجلب علينا الا الويلات والهزائم، ومما قلته: دعونا نفكر بعقلانية وبطرق علمية، سمعت كثيرين يتحدثون عن"العصابات الصهيونية، والكيان الصهيوني الغاصب" وألفت انتباهكم أن اسرائيل دولة حديثة متقدمة، وهي دولة قانون ومؤسسات، ومستوى المعيشة فيها متقدم على جميع دول المنطقة، واليهود فيها هم الآن شعب، ومن هنا تبدأ خطورتها، ودعونا نبحث في كيفية تكوّّن الشعوب والقوميات والدول مستفيدين من تجارب التاريخ، ولو لم تكن دولة وشعب لتمت الغلبة عليها، وكان لكلامي هذا وقع الصاعقة على كثيرين ممن سمعوه، خصوصا أحد الأكاديميين الفلسطينيين الذي يعمل محاضرا في كلية التاريخ في جامعة دمشق، فأرغى وأزبد وهاجمني بعنف قائلا فيّ ما لم يقله مالك في الخمر، غير أن الدكتور فؤاد مرسي- رحمه الله- وكان يعمل وزيرا للاقتصاد زمن زعيم الأمة الرئيس جمال عبد الناصر-رحمه الله- ردّ على الجميع بهدوء وعقلانية، وخرج علينا صباح اليوم التالي بدراسة عميقة عن "نشوء الشعوب والقوميات" استهلها بشكري لأثارتي هذا الموضوع، منوها أن ما قلته قد شكل صدمة كهربائية ايجابية أعادته الى وعيه بهذا الخصوص.
وفي اليوم الأول للمؤتمر دعا العاهل الأردني الراحل الملك الحسين بن طلال جميع الوفود الى عشاء في قصر الثقافة، ودعاهم مجمع النقابات المهنية الى عشاء في الليلة الثانية.
كانت الأعلام العربية ترفرف بجانب بعضها البعض أمام الفندق، يتوسطها العلم الأردني وبجانبه العلم الفلسطيني، وكنا نقف أمام الفندق لنستقل السيارات الرسمية في طريقنا الى قصر الثقافة لنتناول العشاء الملكي، ولما رأى ابني قيس العلم الفلسطيني، وكان في السادسة من عمره، صاح بأعلى صوته:"يا با هاي هذا علمنا" ركض بسرعة واحتضن سارية العلم، فقلت له مازحا" هذا ليس علمنا، علمنا هو الذي بجانبه" وأشرت الى العلم الأردني، لكنه ببراءة الأطفال قال:"هذا العلم فيه نجمة وعلمنا لا توجد فيه نجمة"، وما فعله قيس لفت انتباه الوفود العربية الأخرى، حيث لحق السيد عمر الحامدي عضو مجلس قيادة الثورة الليبية بقيس، واحتضنه وقبّله على وجنتيه، وهو يسأله عن عمره، ولم يعلم الغامدي وغيره ممن لا يعيشون في فلسطين، أن مئات الشباب الفلسطينيين سقطوا الى قمة المجد وهم يرفعون العلم الفلسطيني، خصوصا في الانتفاضة الشعبية الأولى.
انتهت مشاركتنا في المؤتمر وعدنا في اليوم التالي الى القدس عبر جسر اللنبي.
زواج أحمد:
طلق أخونا أحمد زوجته الأمريكية وعاد الى البلاد من أجل الزواج من فتاة عربية، وفي شهر شباط 1992 تزوج من فاتن التي انجبت له أربعة أبناء"محمد، حمده، ابراهيم وحواء" وأبناؤه يتكلمون العربية بطلاقة، طبعا بجانب الانجليزية، وأحمد انسان يخاف الله، أدى فريضة الحج هو وزوجته أكثر من مرة، ويؤدون الصلاة في أوقاتها.
ويحلم أحمد بالعودة الى البلاد والاستقرار فيها، وقد مهد لذلك بشراء عقارات في القدس، وضواحيها، وأقام مصنعا أوتوماتيكيا للطوب، غير أن من ائتمنه على المصنع لم يكن أهلا للأمانة.
في ميامي:
في كانون الثاني 1994 غادرنا أخي راتب الى أمريكا في زيارة سياحية، وراتب هو الشقيق الأصغر فينا، ولد في آذار 1970، كنت وقتها سجينا في سجن الدامون القابع على قمة جبل الكرمل، الذي يحتضن حيفا عروس البحر، غادرنا راتب الى شيكاغو حيث كان أخوانا جمال وداود، على وشك تصفية أعمالهما في شيكاغو، ومغادرتها الى مكان آخر، وفعلا غادر داود الى ولاية كينتاكي، حيث عمل هناك "مخمن" سيارات، وبعد ستة شهور أنهى جمال وجوده في شيكاغو، واتجه وأسرته وراتب الى ميامي في فلوريدا، واشترى جمال محلا تجاريا مناصفة بينه وبين داود، الذي بقي في كينتاكي، وعمل راتب في المحل مع جمال، وفي صيف ذلك العام قررت زيارتهم في ميامي، على أن يأتينا داود هناك، وفي ميامي وجدتهم يسكنون بيتا في حيّ راق للبيض، محاط بسور، وبوابة عليها حارس ولا تفتح إلا ببطاقة ألكترونية، وفي الحيّ ناد رياضي ضخم فيه بركة سباحة، وجاكوزي وساونا، وهناك رأيت للمرة الأولى طفلتي أخي جمال سارة وسوزان، وكنت سعيدا بصحبتهما، أما المحل التجاري فقد كان قريبا الى الشاطئ وفي حارة للسود، وغالبية سكانه من مدمني المخدرات والكحول، وشاطئ ميامي من أجمل شواطئ العالم، وهناك قصور مبنية داخل البحر على جزر اصطناعية، يملكها أثرياء من مختلف دول العالم، ومن بينهم أثرياء عرب، وكل قصر له جزيرته الخاصة وشارع يصل اليها، ولا يستطيع دخولها أحد إلا بدعوة من صاحب القصر أو برفقته، وفي عرض البحر جزر سياحية جميلة تبعد حوالي عشرين كيلو متر عن الشاطئ، فيها منتجعات سياحية وفنادق ضخمة، وفي صالة"لوبي" فندق هولي لاند شاهدت ثريا من الكريستال دائرية الشكل يزيد قطرها على خمسة أمتار، وهي المرة اليتيمة في حياتي التي أشاهد فيها هكذا ثريا، ومن عجائب تلك البلاد هي البرق والرعد الذي يأتي بدون سابق انذار، وقد يصعق البعض في سياراتهم أو وهم يسيرون في الشوارع، وفي ميامي جالية كوبية كبيرة، حيث أن الهاربين من كوبا يلجأون اليها كونها الأقرب الى كوبا، وهذه المدينة الغنية يسهل على المرء أن يرى تحت جسورها آلاف المشردين من مدمني المخدرات الذين يسكنون تحت الجسور، والمثليون الجنسيون ذكورا واناثا يشكلون ظاهرة في بعض شوارع تلك المدينة.
وصل أخي داود ميامي بعد وصولي بأسبوع، مكث معنا اسبوعا وعاد الى كينتاكي، عاد وهو يشجع جمال على بيع المحل، ومغادرة هذه المدينة، وكرر اكثر من مرّة أنه سيفتتح محلا في احد أحياء شيكاغو الآمنة، بعيدا عن حارات الإجرام، وشيكاغو مدينة غنية واحدى أعمدة الاقتصاد الأمريكي، تجولت وداود وجمال طيلة الفترة التي مكثها داود في ميامي، وذهبنا الى حارة كبيرة غمرتها مياه البحر في احدى العواصف القاتلة، ودمرت بيوتها وتشرد سكانها وغالبيتهم من الكوبيين الفارين من بلادهم تحت اغراءات الدعاية الأمريكية المضادة...مكثت شهرا في ميامي وغادرتها عائدا الى القدس جنة الأرض والسماء.
زواج داود:
في صيف العام 1995 عاد شقيقي داود الى البلاد كي يتزوج، فالرجل متمسك بالتقاليد، وعلى قناعة تامة بأن الزواج من أمريكية ستكون نتائجه خسارة الأبناء، وهو مصمم على ضرورة العودة الى البلاد والاستثمار فيها، ويردد كثيرا مقولة"اللي ما فيه خير في بلاده، ما فيه خير في بلاد الغير" و"من طين بلادك لُط خدودك"وقد أثبت ذلك قولا وفعلا هو والشقيق الأصغر راتب من خلال الدعم اللا محدود لنا والزيارات المتكررة للبلاد.
وتزوج داود من تهاني، وهي احدى بنات قريتنا، وقد أنجبا ثلاثة ابناء"علاء، هناء، وريام".
داود وراتب يعودان لشيكاغو:
عاد داود بعد زواجه لشيكاغو، ولحق به راتب من ميامي، وباع داود نصفه في محل ميامي لأبناء الأخ طه، وفي شيكاغو عمل راتب في احدى المحلات بالأجرة، في حين كان داود يبحث عن محل تجاري ناجح، وفي حارة آمنة، بعيدة عن حارات الجريمة، فقد اكتسب خبرة ومعرفة بشيكاغو وحاراتها، وتحقق له ذلك، فقد اشترى في ديسمبر 1996 محلا على تقاطع شارعين رئيسيين، هما بولاسكي وديفيجن، اشتراه بسعر مناسب جدا من أمريكي وصل سنّ التقاعد، ويريد ان يستريح بقية حياته، والمحل مساحته تزيد على الخمسمائة متر، وعلى سطحه شقتان، وتحته مخزن واسع، اشترى المحل والعقار كاملا له ولراتب، وعملا فيه بجد واجتهاد ومشقة، عملا فيه سنة كاملة من التاسعة صباحا وحتى الثانية من صباح اليوم التالي، ولما استقر عملهما وتأكدا من النجاح، اقتسما العمل بينهما، فداود يفتح المحل في التاسعة صباحا ويغادره بعد الخامسة مساء، في حين يستلمه راتب من الثانية بعد الظهر حتى الثانية صباحا.
ومنذ أن اشتريا هذا المحل وهما يهاتفانني فرحين بالنجاح الذي حققاه، ويلحان في دعوتهما لي لزيارة شيكاغو من جديد، مؤكدين أن ما سأراه هذه المرة مختلف جدا عمّا رأيته في العام 1990
كانت فرحتي عظيمة بنجاح شقيقيّ داود وراتب الذي فاق التوقعات، لكنني لم أستجب للدعوة الا في صيف العام 1999.
شيكاغو من جديد:
سافرت الى شيكاغو في صيف العام 1999، ووجدت داود يستقبلني في مطار أوهيرو، كانت فرحتنا كبيرة باللقاء، سألني بحنان زائد عن ابنه علاء وعن زوجته التي تركها حاملا، والتي تعطلت معاملة هجرتها لخمس سنوات، لم يشاهد داود ابنه علاء الا بعد أن بلغ الخامسة من عمره، وبعد أن تمت الموافقة على معاملة هجرته ووالدته، حيث عاد دواد واصطحبهما معه في العام 2000، اصطحبني داود من المطار الى مطعم فخم لنتناول طعام الغداء، كان دائم الحديث عن النجاحات التي حققها وراتب في المحل، وصف لي المحل والموقع والبناية قبل أن أراها، وعدنا الى المحل، لألتقي بشقيقي راتب بعد خمس سنوات من الفراق، وشقيقي راتب انسان عاطفي جدا، رغم صلابته وقوة جسمه المميزة، وجرأته التي يشهد له بها كل من عرفوه، وتظهر عاطفته دموعا على وجنتيه عند استقبال أو وداع من يحبهم، وراتب له هو الآخر مكانة متميزة في قلبي، فهو شقيقي الأصغر، والذي يصغرني باحدى وعشرين عاما.
أما داود ذو القلب الطيب والعقل المتقد فانه لا يظهر عاطفته لأحد، لكنه يظهرها بالأفعال...دار بي داود في أرجاء المحل شارحا لي كل شيء، وصعد بي الدرجات الخشبية الى الشقة التي تعلو المحل، فرآني تعبا بعد رحلة استغرقت ست عشرة ساعة طيران، وأكثر من ست ساعات انتظار في المطارات، فسألني ان كنت أريد النوم طلبا للراحة، فغفوت ساعتين لا طلبا للنوم، ولكن تحت ضغط الارهاق...فنهضت واستحممت....جلست مع راتب حوالي الساعة، ثم خرجت وداود لنستجم على شاطئ بحيرة متشيغن...تحدثنا عن البلاد وأهل البلاد، والعائلة وهمومها، واستعدنا الأيام الخوالي بمرها وحلوها.
وأثناء تحليق الطائرة فوق شيكاغو في طريقها للهبوط في مطار أوهيرو، كانت غيوم بيضاء تغطي سماء المدينة، وتعلوها غابة من ناطحات السحاب في مركز المدينة..وهذا منظر لافت مثير للدهشة قد لا يتكرر.
في لاس فيجاس:
وليلة وصولي شيكاغو تحدث معي ابن العم محمد موسى من هيوستن، استفسر عن أحوال الأهل وقال: اسمعني جيدا، اكتب هذا رقم التذكرة الألكترونية، ستخرج بعد غد في الساعة الثالثة ظهرا...ستستبدل الطائرة من مطار أريزونا وستصل لاس فيجاس في حوالي الثامنة مساءا، وستجدني في انتظارك...لا داعي للاعتذار فكل شيء مرتب...لم يكن أمامي أي خيار سوى قبول الدعوة، في حين أن داود اعتذر عن قبول الدعوة قبل أن أصل شيكاغو لأنه مرتبط بأعمال لا يستطيع تركها، أغلقت الهاتف واذا به يرن مرة أخرى، وكانت المكالمة من أخي محمد من بورتوريكو، يطلب مني تحديد موعد لزيارته، فاعتذرت له على أمل الحديث معه بعد العودة من لاس فيجاس.
وفي الساعة المحددة بعد يومين أقلني داود الى المطار واستخرج التذكرة، وطرت الى أريزونا ومنها الى لاس فيجاس مدينة العجائب.
ولاس فيجاس مدينة عجيبة غريبة فريدة بين مدن العالم، وبالتأكيد لا يوجد لها شبيه بين المدن، أقامها في صحراء نيفادا وعلى سفوح جبال الأنديز شاهقة العلو المغني الأمريكي الراحل إلفاس بريسلى في منتصف القرن العشرين، ليلهو بها مع أقرانه المقربين، ثم ما لبث أثرياء أمريكا أن التحقوا به لتصبح المدينة الأحدث والأكثر خدمات في العالم، والمدينة تشبه الصحن وسط الجبال المرتفعة، أحضروا لها التربه، وعملوا لها نهرا اصطناعيا، وهي مضاءة بطريقة فريدة وعجيبة، وتبدو المدينة ليلا جوهرة متلألئة، فنادقها ضخمة جدا، وماكينات القمار تبدأ من المطار، وموجودة في كل مكان.
العربان في لاس فيجاس:
ومن المطار استقلينا سيارة الى فندق فنيسيا، ولما سمعنا سائق السيارة نتكلم العربية سألنا بلغة عربية ركيكة: هل تريدون بنات؟ فرددت عليه ماذا تعني؟ فقال: هل تريدون"شراميط" وأخرج بضع بطاقات كورق اللعب، وعلى كل واحدة منها صورة لفتاة عارية من مختلف الألوان والأشكال، واستغرب الرجل الذي عرفنا أنه من اريتيريا رفضنا لطلبه وقال: عجيب أمركم فالعرب الذين يحضرون الى هنا هدفهم النساء والقمار.
وصالة فندق فنيسيا ضخمة جدا، ولها عدة مداخل، والفندق مبني حسب الفن المعماري الايطالي القديم، ويذكرك بمدينة فنيسيا"البندقية" الايطالية، وسقف الصالة مدهون على شكل السماء التي تتطاير في فضائها غيوم بيضاء، ويصعب على المرء تحديد ارتفاع السقف من خلال الاضاءة والدهان المتلألئ، والصالة فيها آلاف ماكينات القمار، ومئات طاولات ورق اللعب، وطاولات "الزهر" والروليت، وألعاب قمار أخرى لم تحفظ ذاكرتي أسماءها، ويوجد جناح خاص للمقامرين بمبالغ ضخمة، بمئات الآلاف وبالملايين، وعليها حراس لا يسمحون للمتفرجين بدخولها، لكن بامكانهم مشاهدتها من خلال شاشات سينمائية ضخمة معلقة على الجدران.
واللافت أن المقامرين في غالبيتهم من كبار السن المتقاعدين، والذين جمعوا ثروات هائلة ولم يتبق أمامهم سوى اللهو بها، وتدل وجوههم أنهم في غالبيتهم من شعوب جنوب شرق آسيا"اليابان، تايوان وكوريا الجنوبية" اضافة الى العرب، وبعض الفنانين الأمريكيين والأوروبيين، ولفت انتباهي عربي في السبعينات من عمره، دخل بصحبة شابة تلبس العباءة والخمار، أشار اليها كي تجلس للعب على احدى ماكينات القمار، في حين دخل هو الى صالة كبار المقامرين، وما أن ابتعد عنها حتى خلعت خمارها وغطاء رأسها وعباءتها، ووضعها تحتها على الكرسي الذي تجلس عليها، وبدت حسناء في بداية العشرينات من عمرها، تلبس آخر ما أنتجته دور الأزياء الأمريكية من ملابس العري، وتسريحة شعرها لفتت أنظار الجميع.
وتدور في صالات القمار لخدمة الزبائن فتيات حسناوات، عاريات إلا من طبعة لاصقة تغطي حلمة الثدي، وخيط رفيع يغطي ما بين الفخذين، يدرن بعجلات ليقدمن ما يريده الزبائن من مشروبات بالمجان ودون مقابل.
ويعجب المرء من استعمال الذهب في الفندق، فزرافيل الأبواب والحنفيات، وعلاقات الملابس، ورؤوس التخوت والملاعق والسكاكين كلها من الذهب، والغرف عبارة عن غرفة نوم مزدوجة، وصالة فيها طقم كنبايات، وأجرتها 160دولارا في اليوم مع وجبتي الفطور والعشاء، أما الغداء فانك تستطيع أن تطلب ما تشاء وأن تأكل الكمية التي تريدها مقابل تسع دولارات فقط، وسبب رخص الفنادق هو المنافسة الشديدة بينها، ولجذب الزبائن لممارسة القمار فيها.
لماذا لاس فيجاس؟
وسبب دعوة ابن عمّي لي لزيارة لاس فيجاس، وليس غيرها هو أن الرجل جاء لحضور معرض لماكينات حديثة، ما أن تمرر الشيك عليها حتى تسحب المبلغ المطلوب من صاحب الشيك وتحوله أوتوماتيكيا لحسابك، واذا كان الحساب أقل من قيمة الشيك فانها تسحب الموجود منه وتكتب لك ذلك، وابن عمي محمد موسى كان يمتلك ثلاثة عشر محل صرافة في هيوستن، وجاء ليتعلم كيفية استعمال هذه الماكينات، وليشتري كمية منها لمحلاته....ومعروف أن كبريات الشركات الأمريكية تعرض انتاجاتها الجديدة في لاس فيجاس.
في الهورس شو:
التقى ابن عمي بزميل له درس الهندسة معه في جامعة هيوستن، وهو فلسطيني متزوج من ايرلندية، ويملك في لوس انجلوس شبكة مطاعم وشبكة محطات وقود وشبكة محلات صرافة، وقرر وزوجته عدم الانجاب، تعرفت على الرجل، ودعانا بدوره على عشاء في مطعم الهورس شوThe horse show وهذا المطعم مكون من ست طبقات، أربعة منها صالات قمار، واثنتان لتناول الطعام، ومن يريد تناول الطعام فيه، عليه ان يحجز قبل 24 ساعة، لأنه يعد الطعام على نار هادئة،"على شموع كما يزعمون" اتفقنا أن نأكل "ستيك" وفي مساء اليوم التالي توجهنا الى المطعم في الساعة المحددة، فاصطحبتنا فتاة الى طاولة مكتوب اسم الرجل عليها، أضواء المطعم خافتة، وتنبعث في جنباته موسيقى هادئة، هي عبارة عن سمفونية لبتهوفن...سألت النادلة: ماذا تريدون أن تشربوا؟ فطلب زجاجة نبيذ اسمه"لويس السادس عشر"... و"ستيك" هذا المطعم يقارب وزنه الكيلو غرام، وهو لذيذ جدا، لم آكل شبيها له في أمريكا أو غيرها من البلدان، ثم ما لبثوا أن طلبوا زجاجة نبيذ اخرى، من نفس الصنف، تحدثوا في الأعمال والتجارة، وسؤالهم عن الوطن كان قليلا، ودفع الرجل الحساب 5500دولار أمريكي، وتبين أن ثمن زجاجة هذا الصنف من النبيذ 2500دولار، فقلت لهم: عشاؤكم هذا أكثر من دخل عشرين أسر فلسطينية لمدة شهر في وطنكم الذبيح.
أمضينا ثلاثة أيام في مدينة العجائب وعدت الى شيكاغو، بينما سافر ابن عمي الى نيويورك لقضاء أعمال له.
وفي شيكاغو أمضيت شهرا كاملا بصحبة راتب وداود، أمضيته "سائحا" مدللا من شقيقيّ القريبين الى قلبي.
زفاف راتب:
عاد شقيقي راتب الى البلاد في صيف العام 2000وخطب فلسطين ابنة قريتنا بل ابنة الحامولة، وفي العام 20001لم يستطع الحصول على فيزا-تأشيرة دخول- ليتزوج، فقد كان يحمل الاقامة في أمريكا وغير حاصل على الجنسية في حينه، ولكم أن تتصوروا أن راتب المولود في القدس أبا عن جد لا يستطيع دخولها الا بجواز سفر أجنبي، وبتأشيرة سياحية من المحتلين، فسافرت وبصحبتي فلسطين خطيبة شقيقي، ووالدها، وابني قيس ولمى التي كانت في التاسعة من عمرها، حصلنا على فيزا وسافرنا الى شيكاغو، ووصلناها يوم 21آب-أغسطس-2001، وعملنا حفل زفاف لراتب في مطعم كبير ملحق به قاعات أفراح في مركز المدينة، اسمهReza (رضا) ويملكه ايراني من أيتام العهد الملكي، والمطعم يمتد على طول شارع، وبحضور المئات من أبناء الجالية الفلسطينية والعربية، وأحيت الحفل فرقة لبنانية تخللتها رقصات شعبية فلسطينية ولبنانية، شارك الحضور فيها، كانت الفرحة ناقصة لأن الوالدة لم تشاركنا الفرحة نظرا لشيخوختها ومرضها، والعروس افتقدت والدتها هي الأخرى، وحضر الحفل أخونا محمد قادما من بورتوريكو، وأخونا أحمد وزوجته فاتن، حيث جاءا من نيويورك خصيصا لذلك، كما حضر باسل ابراهيم ابن عمنا الذي يدرس الطب في احدى جامعات هيوستن، تزوج راتب واصطحب عروسه لقضاء شهر العسل في ميامي التي يعرفها وسبق له العمل فيها لأكثر من سنتين.
بورتوريكو مرة أخرى:
وبعد الزفاف سافرت وابني قيس وابنتي لمى لزيارة أخي محمد في بورتوريكو، وكانت زوجته حليمة وأبناؤه ماري وحسين وسائد قد التحقوا به في العام 1994، في حين أن ابنه كمال التحق به في العام 1982، وتزوج من حنان ابنة قريتنا وأنجب منها محمد ونزار، ووجدت أن أخي محمد قد ابتاع بيتا جميلا من طابقين على قمة جبل، وحوله حوالي عشرة دونمات، مزروعة بالحمضيات بطريقة هندسية لافتة، ومن المدخل الرئيسي للأرض تحف بالشارع أشجار تشبه النخيل، ووجدت أن أوضاع أخي محمد قد أصبحت في أحسن حال، فهو يملك أربع محلات نوفوتيه لبيع الملابس الجاهزة، وكل محل في مدينة يديره واحد من أبنائه، ويلتم شملهم في بيت الوالدين مساء كل سبت، ويقضون الأحد سوية، كما أنه يمتلك عددا من العقارات التجارية المؤجرة والتي تدر عليه دخلا كبيرا، وأخي محمد رجل أنيق يختار ملابسه بعناية، ويهتم بقيافته، دار بنا في جميع انحاء بورتوريكو تقريبا، وذات يوم ونحن نتناول طعام العشاء في مطعم سمك على شاطئ البحر، كانت صغيرتي لمى تتكئ على السور الكاسر للأمواج بجانبنا، وكانت تضحك قهقهة، ولم سألتها عن سبب ضحكها أجابت بأنها تضحك مع السمك الذي تقذفه الأمواج بين الصخور الاصطناعية، ويحاول العودة مرة أخرى الى البحر، فأجبرتنا على مشاركتها فرحتها وضحكها الطفولي الآسر.
مصارعة الديكة:
وفي بورتوريكو شاهدت مبارزة الديكة الوحشية، حيث يُلبسون مخالب الديكة مخالب معدنية ويدربونها على القتال، وتنتهي المبارزة بقتل أحد الديكين للآخر، ومصارعة الديكة يعتبرونها رياضة وطنية، وقد حدثونا عن رجل يربي الديكة لهذه الغاية التي تكرهها زوجته، وذات يوم عاد الى بيته مخمورا، وطلب من زوجته أن تذبح له ديكا وتطبخه، فلبت له طلبه، ولما خرج ليتفقد الديكة وجدها قد ذبحت الديك المقاتل، فغضب وأطلق عليها الرصاص فأرداها قتيلة.
وفي غالبية المدن هناك مساجد بنيت في غالبيتها بتبرع وبمبادرة من السيد عزات حسن بدران ابن بلدة عنبتا في شمال الضفة الفلسطينية، ويعينون بها أئمة غالبيتهم من الإخوة المصريين، وهناك مأذون مخول بعقد قران الزواج من محكمة عمّان الشرعية.
وشاهدت بيتا جميلا لشخص ينحدر من أصول كوبية، ومولود في سوريا، وتحت البيت قطعة أرض مزروعة بالتين، وأهل البلاد لا يعرفون التين، بل يعتبرونه ثمرة سامة، وأكثر ما يسعد صاحب البيت هو أن يرى العرب يتسلقون الجدار ليأكلوا ثمار التين، وبعضهم يقطع غصنا ويزرعه في حديقة منزله كما فعل أخي محمد، وكنت بصحبة أبي مشهور الذي أراد قطع غصن فكسر نصف الشجرة، وصاحب البيت ينظرنا من شرفة بيته، وليسترضيه أبو مشهور فقد رفع علامة النصر وقال يعيش كاسترو، والرجل من معارضي كاسترو وغاضب لتحطيم شجرة التين، فأشار الى عدد من الديكة في الحقل وقال: انظر الى ذلك الديك المقاتل...إن عقله أكبر من عقلك.
نصف عربي ونصف اسباني:
أحسن أخي محمد ضيافتنا-مع أننا لسنا ضيوفا في بيته- وأعطى رعاية خاصة لابني قيس، فهو يحبه كثيرا، وسلمه قيادة السيارة بنا، مع أنه لا يحمل رخصة قيادة، فقد كان في السابعة عشرة من عمره...أمّا زوجته حليمة، وهي ابنة عمّي المرحوم موسى، فقد احتفت بنا وكأننا نزلنا عليها من السماء، وسعدت جدا برؤية قيس ولمى، فقد غادرت البلاد وهم أطفال...بُهر قيس ولمى بجمال الطبيعة، ولمى كثيرة الحركة والتعليق على كل ما تراه، في حين أن قيس هادئ بطبعه، يلاحظ كل شيء ويخزنه في ذاكرته، وذات يوم قالت لمى: لقد جربت السفر بمختلف أنواع السيارت، وفي القطار وفي الطائرة، لكنني لم أجرب السفر في الباخرة، فاصطحبنا أخي محمد الى سان خوان العاصمة، وهناك خليج بحري يشق المدينة، وفيه سفن سياحية، حيث لبى رغبة لمى في السفر بالسفينة.
وعندما عدنا الى البيت سألت أخي محمد ان كانت زوجته حليمة قد تعلمت شيئا من الاسبانية، مع انها امرأة تقليدية فاضلة، ولا تخرج من البيت، ولا تخالط أحدا سوى خادمة من بورتوريكو تعمل في المنزل، فقالت لمى: انها تتكلم نصف عربي ونصف اسباني...فسألناها وكيف ذلك؟ فقالت هذا الصباح سألتها عن حقيبتي فقالتno ما شفتها، فضحكنا كثيرا....مكثنا اسبوعا في شيكاغو وعدنا محملين بحقائب الملابس من محلات أخي محمد.
الحادي عشر من سبتمبر:
وفي 11-9-2001جرى تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك بواسطة الطائرات المدنية التي اختطفها انتحاريون من تنظيم القاعدة، والتي أحدثت ردود فعل واسعة أقلها احتلال أفغانستان وتدميرها، وقد استغلتها طاحونة الاعلام الصهيونية والغربية لمهاجمة العرب والاسلام والمسلمين بشكل كبير، وأصبحت علامة فارقة في التاريخ الحديث يؤرخ بها"قبل 11 سبتمبر وبعد 11 سبتمبر" وبعد يومين من التفجير الارهابي اقتحم رجال الـ اف.بي .آي بيت أخي داود في منتصف الليل بحثا عني وعن ابنائي، كانت لمى نائمة، كانوا مهذبين، طلبوا وثائق سفرنا، لم يوقظوا لمى من نومها، واكتفوا بالقاء نظرة عليها، سألونا عدة أسئلة وغادروا المكان.
وعندما عاد راتب من ميامي، أخبرنا انهم اقتحموا غرفة الفندق الذي كان هو وعروسه فيه وحققوا معه أيضا.
قيس في الجامعة:
كان قيس قد أنهى الثانوية العامة في نفس العام، وتبرع شقيقاي داود وراتب مشكورين بتعليمه على حسابهم الخاص، فذهبنا به الى جامعة"دومينيكان" وهي جامعة عريقة، تأسست عام 1889، وكان اسمها"روز ماري" وهي تتبع الكنيسة الكاثوليكية، وعند قسم تسجيل الطلبة الأجانب، رحبت بنا مسؤولة القسم -وهي امرأة عجوز- بحرارة وقالت: نحن فخورون بالطلبة العرب والمسلمين الذين يلتحقون بجامعتنا، فهم يأتوننا لا يجيدون اللغة، فيتعلمونها بسرعة فائقة، وهم مجتهدون يتقدمون على الطلبة الآخرين، و92% منهم أنهوا عندنا الشهادة الجامعية الأولى دون أن يقصروا بأيّ مادة يدرسونها، وهذا رصيد جيد للجامعة، انهم لا يتعاطون المخدرات، ومن منهم يتعاطى الكحول، فانه لا يدمن عليها، ولا يشرب الا القليل منها في المناسبات، ولا يمضون أوقاتهم خلف البنات، ومن يتخذ منهم عشيقة فانه يتعامل معها كزوجة، ولا يبحث عن غيرها...وسألتنا ان كانت هذه التربية نتاجا لتعاليم الدين الاسلامي، أم للعادات والتقاليد العربية.
وفي الجامعة معهد لتعليم الانجليزية للطلبة الأجانب، مكون من اثني عشر مستوى، وكل مستوى يجتاج شهرا دراسيا، الدوام فيه من الثامنة صباحا حتى الرابعة بعد الظهر، ويُعطى الطالب وظيفة بيتية تحتاج لأكثر من ثلاث ساعات لحلها.
عملوا امتحان مستوى لقيس، وقرروا وضعه في المستوى السابع.
الفارابي وجابر بن حيان:
كنت جالسا أمام محل شقيقيّ في شيكاغو، بصحبة رجل اسباني دخل أمريكا تهريبا، ويعمل ميكانيكي سيارات، مع أنه خريج كلية التجارة في بلده، وكانت قبالتنا صديدلية، فأشار اليها وسألني: من أين أتى اسم الصيدلية Pharmacy وشعارها؟ فأجبته بأنني لا أعرف.....وسأل ثانية: هل سمعت بطبيب فيلسوف عربي اسمه الفارابي؟ فأجبت: نعم.
فقال هذا الرجل كان يحضر الدواء لمرضاه، ويوصيهم بأن هذا الدواء مفيد لحالتهم المرضية، وقد يكون سامّا لغيرهم، ويرسم صورة الأفعى على زجاجة الدواء كي لا يتناوله الآخرون، والصيدلية باللاتينية مأخوذة من كلمتين تعنيان بيت الفارابي...وشعار الصيدليات الأفعى تقليد واقرار لما فعله الفارابي.
وسألته عن مصدر معلوماته فقال، بأنه درسها في الجامعة، وأضاف انتم العرب كنتم سادة العالم في مختلف أنواع العلوم، وتوقفتم في مرحلة ما، ولم تتابعوا ما بناه لكم آباؤكم، فأخذ الأوروبيون علومكم وواصلوا الطريق، وها أنت ترى أين هم وأين أنتم؟
شعرت بأن الرجل يجلدني بعروبتي التي أخرجها حكامها من التاريخ، فتألمت لذلك، وتذكرت عندما سألني مدمن مخدرات في شارع رقم 79 في العام 1990 قائلا: ما معنى اسمك؟ ولكي أتخلص منه قلت له: ليس له معنى؟
فسأل مستنكرا: وهل يوجد اسم لا معنى له؟
فأجبت: نعم اسمي لا معنى له...وكان اسمه"جيبر" وأضفت سائلا ما معنى اسمك انت؟
فقال بفخر: اسمي على اسم عالم عربي شهير اسمه"جيبر بن هيان" جابر بن حيان.
فصعقني باجابته، وتساءلت عن نسبة العرب الذين سمعوا بعالم علم الكيمياء جابر بن حيان، أو يعلمون عنه شيئا؟ وكم منهم يطلق اسمه على ابنه تيمنا بذلك العالم وتخليدا لذكراه؟
وبعد سنوات تعرفت على البروفيسور كريستوفر كولمو، وهو محاضر في جامعة"دومينيكان" التي يدرس فيها قيس، والرجل يحمل عدة شهادات دكتوراة، منها واحدة في الفلسفة وأخرى في التربية، ولشدة اعجابه بالفارابي، فان موقعه الألكتروني و"ايميله"يحملان اسم الفارابي، وسبق للرجل أن عمل استاذا زائرا في جامعتي القاهرة والكويت، وفي زيارة لي لشيكاغو وبعد أن تعرف على قيس الذي كان أحد طلابه، دعاني الرجل للغداء في مطعم، وكان قيس بصحبتنا، فأخرج الرجل أحد مؤلفات الفارابي بالعربية، وكان بمساعدة قيس قد حدد جملة واحدة فيها كلمة"الروحانيات" ومترجمة للانجليزية"أرواح..جمع روح" فلم يستسغ الرجل المعنى، وجزم بأن هناك خطأ في الترجمة، وسألني عن معناها؟ ولما قلت أنها تعني المعتقدات الدينية، صرخ الرجل فرحا، وقام واحتضنني شاكرا، وهو يردد: سأعمل ثورة في الجامعات بهذه، فقد عدت الى الترجمة بالاسبانية والفرنسية ووجدتها مشابهة للترجمة للانجليزية، وتساءل عن العرب الذين درسوا فلسفة الفارابي في الجامعات الغربية، كيف لم ينتبهوا لذلك، وكيف لم يقرأوا هذا الفيلسوف العظيم بلغتهم التي كتب فلسفته بها؟
متحف شيكاغو:
زرت وشقيقي داود متحف شيكاغو القريب من مركز المدينة، وبناية المتحف الظاهرة للعيان ليست كبيرة، لكنك ما أن تدخلها حتى تجد نفسك في مدينة تحت أرضية، مقسمة الى أقسام حسب المنطقة التي جاءت منها موجودات المتحف، وهناك رأيت موميات الفراعنة المحنطة، وبعضها صدورها مغطاة بالذهب، ورأيت موجودات لا تقدر بثمن جلبوها من دول مختلفة، ومن ضمنها الدول العربية، المتحف كبير جدا جدا، وتحتاج الى يوم كامل لتمشي في مختلف أقسامه دون توقف، ويحوي كنوزا من الحضارات السابقة.
أبو خالد ليس مجنونا:
وفي شيكاغو تعرفت على أبي خالد، وهو مغترب فلسطيني من رام الله، تزوج ابنة عمه الممرضة المولودة في أمريكا، وأنجبا هناك عددا من الصبايا والصبيان، وكان خالد في السابعة عشرة من عمره، عندما سمعه والده يغازل عشيقته الأمريكية هاتفيا، وشقيقته ابنة الخامسة عشرة بجانبه، فانهال والده عليه ضربا ترك آثارا على وجهه، وهو يردد: ماذا ستفعل شقيقتك عندما تسمع ما تقوله؟
وفي اليوم التالي رأت احدى المعلمات في المدرسة اثار الضرب على وجه خالد أشقر البشرة، ولم سألته عن السبب أخبرها أنها من والده، فاتصلت بالشرطة، والتي بدورها اعتقلت الوالد وحققت معه، وبعد 24ساعة أمرته المحكمة بعدم الاقتراب من البيت ثلاثة كيلومترات من كل الاتجاهات لمدة خمسة عشر يوما.
وبعد انتهاء المدة ذهبت مع أبي خالد الى المحكمة، فأحضر باحث اجتماعي صورة لجسم انسان مفصول الرأس واليدين والرجلين، وطلب من أبي خالد اعادة تركيب الصورة، ولما أعاد تركيبها قال له الباحث الاجتماعي، ها انت عاقل وتدرك الأمور، فلماذا ضربت ابنك؟
وبعد دقائق جاء دور أبي خالد للمثول أمام القاضي:
وقدم المدعي لائحة اتهام مطالبا بايقاع أقسى العقوبات بحق الرجل العاق لابنه، وأوكلت المحكمة محاميا منها للدفاع عن الرجل الذي حضر بدون محامٍ.
وبعدها جلس القاضي الذي كان يتلمس جبينه بيده اليسرى، ويكتب بيده اليمنى ليصدر القرار، ومما قاله: انني معجب بتربية العرب والمسلمين لأبنائهم، وأتمنى لو أن أبنائي يحظون بتربية مماثلة، والاحصائيات في الولايات المتحدة تشير الى أن أقل نسبة انحراف بين أبناء مختلف الجاليات هي العرب والمسلمين.
فاستبشرنا خيرا وتأكدنا بأن القاضي سيبرئ أبا خالد.
وأضاف القاضي: لكننا أمام جريمة كبيرة، فهذا الأب المجرد من الأحاسيس والمشاعر الانسانية، يضرب ابنه لأنه يمارس حقه في الحياة، وبناء عليه نقرر:
-ابعاد الأب عن البيت، ويمنع عليه الاقتراب منه ثلاثة كيلو مترات من كل الاتجاهات ولمدة ثلاثة أشهر.
- السجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ للأب ولمدة ثلاث سنوات.
بريدج فيو:
في العام 2002 اشترى شقيقاي دواد وراتب بيتا جميلا مكونا من طابقين وتسوية، في منطقة برديج فيو الواقعة في طرف شيكاغو، وهي منطقة سكنية جميلة هادئة، حوالي 70%من سكانها فلسطينيون، و20%عرب من جنسيات مختلفة، و5%مسلمون غالبيتهم من الباكستان، و5% من الريف الايطالي وعاداتهم متشابهة الى حد ما مع العادات العربية.
وفي هذه الحارة مسجد ضخم جميل تعلوه مئذنة ومكون من طابقين، تبلغ مساحة كل طابق حوالي 800متر مربع، والطابق الأول منه مصلى للنساء، ويحيط به موقف واسع للسيارات، وتشرف على هذا المسجد جمعية اسلامية اسمها جمعية الأقصى، وتقام صلاة الجمعة مرتين في هذا المسجد، لأنه لا يتسع للمصلين دفعة واحدة، والقانون الأمريكي يمنع الصلاة في الساحات خارج دور العبادة، وبجوار المسجد مدرسة اسلامية تحمل اسم"مدرسة جمعية الأقصى" وهي مدرسة خاصة يدرس فيها أبناء الجالية العربية، والمدرسة تتقاضى أقساطا شهرية تصل الى 600 دولار شهريا عن كل طالبة وطالب، وتدرس المنهاج الأمريكي المعمول به في ولاية الينوي، اضافة الى اللغة العربية كلغة ثانية، وتدرس مادة التربية الاسلامية أيضا، ومعلماتها وطالباتها يرتدين الزيّ الشرعي والحجاب، وفي حصص الرياضة يخلعن الجلباب، ويمارسن الرياضة ببنطال طويل وقميص بأكمام تصل الى الكفين، وغطاء للرأس، وهي من المدارس المتقدمة، وحصلت على جوائز قيمة، ومن المدارس العشرة الأولى في الولاية بنتائجها العالية، وفيها يدرس أبناء شقيقي داود"علاء، هناء وريام" وكذلك أبناء شقيقي راتب"ضرغام وأمينة" أما الصغير حسين بن راتب فعمره الآن سنة وبضعة شهور.
وشوارع هذا الحيّ ذات مسارين، وكل مسار يتسع لسيارتين، وهناك رصيف للمشاة بعرض مترين، وبعده رصيف مزروع بــ "النجيل"بعرض اربعة أمتار.
أنا وزوجتي وبناتي في شيكاغو:
وفي صيف العام 2002زرت شيكاغو وبصحبتي زوجتي وابنتاي أمينة ولمى، وأبناء شقيقي عمر "بلقيس وتميم"، وسكنا في بيت شقيقيّ داود وراتب، وكانت فرحتنا كبيرة بلقاء ابننا قيس، وشقيقيّ داود وراتب، وفي شهر نيسان من ذلك العام رُزق أخي دواد وزوجته بابنتهما هناء، في حين رزق راتب وزوجته بابنتهما البكر أمينة في شهر تموز أثناء وجودنا هناك.
وفي صيف العام 2003زرت وزوجتي وشقيقتي يسرى وابنها حمزة-17عاما- في حينه، كانت يسرى ترافق حمزة الذي بقي للعمل في أمريكا مع خاليه داود وراتب.
في الجامعة:
وفي تلك الرحلة زرنا جامعة دومينيكان Dominicanالتي يدرس فيها ابننا قيس، وهي جامعة مكونة من عدة أبنية رائعة في هندستها، وفيها حدائق لافتة للانتباه بترتيبها وجمالها، وفي البناية الرئيسة بركة سباحة للطلبة، ولكل طالب خزانة ليضع ملابسه فيها اذا ما اراد السباحة في البركة، وتسخن مياهها شتاء، وفي كل طابق قبالة المصاعد قاعة تطل على حدائق الجامعة، وعلى غابة، ويحيط ببيت الدرج عدد كبير من أجهزة الحاسوب المحملة بالمواد المقررة في الجامعة، ومربوطة بشبكة المعلومات العنكبوتية-الانترنيت- وهي لاستعمالات الطلبة.
قيس في معهد اللغة:
وفي سنته الأولى أنهى قيس دورة اللغة الانجليزية في الفصل الأول، واجتاز امتحان المستوى بكفاءة عالية، وسجل للدراسة في السنة التحضيرية الأولى، وكان أصغر الطلبة عمرا، وفي احدى حصص الفراغ لم يعرف كيف يقضي وقته، فهو لم يتخذ أصدقاء في شهوره الأولى، فوقف أمام لوحة الاعلانات، وقرأ اعلانا من أحد أساتذة كلية الاقتصاد، يفيد بأن ذلك اليوم هو يوم دراسي مفتوح عن"التسويق" لطلبة الماجستير، ويطلب فيه الأستاذ المشرف من الطلبة الأجانب أن يحضروا نشاطات ومحاضرات ذلك اليوم اذا ما رغبوا في ذلك للاستفادة من خبراتهم في بلدانهم، فذهب قيس لا حبا في المشاركة وانما لقضاء وقت فراغة، وهناك سأل المحاضر الطلبة قائلا: كيف نسوق بضاعة ما، ونقنع المستهلك بشرائها؟ فوقف طالب أمريكي يحمل زجاجة عصير فاخرة ثمنها ثلاثة دولارات وقال: اذا أردت تسويق هذا النوع من العصير، سأقرأ مكونات هذا العصير، والفيتامينات الموجودة فيه، وكيفية تنشيطه للجسم، وعندها سيشتري المستهلك هذا العصير.
وسأل المحاضر الطالب نفسه والذي كان يرتدي بدلة ثمنها 150 دولارا: كيف تسوق بدلة كالتي ترتديها؟
فأجاب الطالب: سأشرح للمستهلك أن هذه البدلة مريحة للجسم، وتجمل مرتديها فتنجذب الفتيات اليه، واذا كان فوق الأربعين سيظهر وكأنه في العشرينات من عمره، وستلاحقه الفتيات.
وهنا رفع قيس يده مستأذنا بالحديث، فأذن له المحاضر...فقال قيس:
ما قاله زميلي الطالب ينطبق على ثقافة الشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية، وهي بلدان الصناعة فيها متقدمة، والمنافسة فيها كبيرة جدا، والشركات المصنعة والمنتجة تغطي أسواق هذه البلدان بدعاية مركزة ومحترفة وباشراف خبراء محترفين، أما التسويق في البلدان النامية، بأسواقها المفتوحة للمنتوجات الأمريكية والأوروبية، فالأمر مختلف تماما، فاذا ما شرحت لهم عن مكونات العصير والفيتامينات الموجودة فيه، فانهم لن يفهموا عليك شيئا، اضافة الى أنهم لا يملكون ثمن هذا العصير، واذا أردت تسويق عصير عندهم، فالعصير رخيص الثمن هو ما يشترونه، ولو قلت لهم هذا الجالون من العصير يكفي جميع افراد أسرتك لمدة يومين أو ثلاثة، وثمنه دولار واحد، فانهم يشترونه، ولو أردت تسويق بدلة مثلا، غالية الثمن بـ150 دولارا كبدلة زميلنا فانهم لن يشتروها، لأن دخلهم في الشهر لا يصل الى هذا المبلغ، ولو قلت لأحدهم بأن هذه البدلة ستجذب الفتيات اليك، فانه قد يضحك منك، واذا كان كبيرا في عمره فقد يضربك، أما اذا قدمت له بدلة وقلت: هذه البدلة جميلة ولائقة وتضفي وقارا على مرتديها، وتخدم عشرات السنين، واذا ما ضاقت على جسمك فان بامكان ابنك أن يرتديها، وثمنها 20 دولارا فانه سيشتريها، فصفق له المحاضر وسأله عن اسمه؟ وأعطاه رقم هاتفه طالبا منه أن يزوره في مكتبه، في اليوم التالي....وفي المقابلة أبدى المحاضر الدكتور جالابريسي المنحدر من أصول ايطالية، اعجابه بقيس، خصوصا بعدما علم أن عمره يقل عن 18 عاما، وأبدى استعداده لتقديم أيّ مساعدة لقيس.
وتوطدت علاقة قيس بالدكتور جالابريسي، الذي دعاه لزيارته في بيته، وكان يصطحبه معه في حفلات المناسبات والأصدقاء وهم من علية القوم، وعندما علم بزيارتي أنا وزوجتي لأمريكا أصر على التعرف علينا، ودعوتنا لتناول طعام الغداء في مطعم فاخر بشيكاغو.
وهنا تدخل شقيقي داود واحتال على البروفيسور جالابريسي بأنه دعانا للغداء في نفس المطعم ونفس اليوم والساعة المحددة، وذلك كي يُكرم الدكتور الذي يعطي قيس رعاية خاصة.
وفي المطعم أبدى الرجل اعجابا كبيرا بقيس، وبذكائه وعقلانيته في فهم الأمور وتقديرها، وأضاف بأن له ابن يكبر قيس بعام وبنت محامية، والفرق بيني وبينكم أنكم عرفتم كيف تربون ابنكم، وأنا لم أعرف كيف أربي ابني، فابنكم خلوق ومجتهد، وابني كسول مهمل يتعاطى المخدرات ويرفض الالتحاق بالجامعة، وسأل: هل تسمحون لي بأن أرعى ابنكم وأن أوجهه في غيابكم، فهو لا يزال طفلا؟ وأجبناه والسعادة تملأ قلوبنا بأننا سنكون له من الشاكرين.
وعرض الرجل على قيس أن يسكن معه في بيته مجانا، لكن شقيقي داود رفض ذلك بأدب.
قيس يدرس الاقتصاد:
وعندما أنهى قيس السنة الأولى التحضيرية كانت علاماته كاملة، وأخذ كل واحد من الأساتذة ينصحه بأن يدرس تخصص الأستاذ نفسه، لكن قيس قبل بنصيحة البروفيسور جالابريسي له بدراسة الاقتصاد، وفي تخصص الاقتصاد كانت علامات قيس كاملة أيضا، فأعفته الجامعة من عشرة آلاف دولار من الأقساط الجامعية سنويا، ليتبقى عليه ثمانية آلاف دولار.
وفي نهاية السنة الثانية نصحه البروفيسور جالابريسي، بأخذ متطلبات الجامعة مواد تمكنه من الحصول على شهادتي بكالوريوس واحدة في الاقتصاد، والثانية في التجارة الدولية، وهذا ما كان حيث تخرج قيس بشهادتي بكالوريوس، في اربع سنوات.
لحوم الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة:
وذات يوم اصطحبنا شقيقي داود الى أحد الملاحم في قرية، تبيع مختلف أنواع اللحوم لنشتري لحم غزال، وهناك وجدنا شرائح لحوم لمختلف الحيوانات،غزلان، أغنام، حمير، خيول، أسود، نمور، ضباع، قردة، فهود، دببة، فيلة، أفاعي، كبد السلاحف المائية الضخمة، ومختلف أنواع الطيور بما فيها الجارحة كالنسور والصقور وغيرها، اشترينا غزالا كاملا، وقرب الملحمة مزرعة شاسعة فيها مختلف أنواع الخضار غير المسمدة، وغير المعالجة كيماويا، تقطف الخضار التي تريدها بيديك، فيزنها صاحب المزرعة ويحاسبك عليها، اشترينا عدة أصناف من الخضار، وعدنا الى البيت متعجبين من هذا البلد العجيب الذي يتوفر فيه كل شيء، بما في ذلك أشياء لا تخطر للمرء على بال.
الطيور البرية:
وفي شيكاغو شاهدت محلين تجاريين يملكهما أخوان من قرية ترمسعيا قضاء رام الله، ويبيعان فيهما الطيور البرية من دجاج مختلف الأنواع والألوان، الحمام، الشُّنّار، الفرِّة، والأرانب البرية، تختار الطيور التي تريدها، فيذبحونها لك، وأسعار طيور الدجاج هذه أكثر من ضعف ثمن دجاج المزارع، وتمتاز بعدم وجود الدهون في لحومها، وطيب طعم هذه اللحوم، وهناك نوع من الدجاج ريشه أسود اللون، ورقبته عارية بدون ريش، ولون لحومها أسود، ويتهافت من ينحدرون من أصول بولندية لشرائها، أمّا باقي الدجاج والطيور الأخرى فيشتريها العرب، وتدر هذه التجارة دخلا مرتفعا لأصحابها.
في المتحف البحري:
وذات يوم اصحبنا شقيقي داود لزيارة المتحف البحري القريب من مركز المدينة، وهناك شاهدنا العجب العجاب، شاهدنا مختلف أنواع الحيوانات البحرية، كل صنف في قسم خاص، يعيش في مكان شبيه بحياته البحرية، وواجهة المكان زجاجية، ليستطيع الزائر رؤية هذه الحيوانات تتحرك بحرية تامة، شاهدنا أسماكا صغيرة شبيهة بطائرات الهليوكبتر، ويبدو أن مخترعي ومصنعي هذه الطائرات تأثروا بهذه المخلوقات وقلدوها بصناعاتهم، وشاهدنا عروس البحر وحصان البحر وهما سمكتان صغيرتان غاية في الجمال، كنت أظنهما خرافة قبل ذلك، وشاهدنا سمك القرش المفترس، وفي بحيرة صغيرة يعلوها مدرج شاهدنا عددا من الحيتان الضخمة، كما شاهدنا عرضا للدولفين يقوم بالعاب بهلوانية بمرافقة الموسيقى وبتوجيهات من فتاة جميلة كانت تشاركها اللعب.
في حديقة الحيوانات:
زرنا حديقة حيوانات شيكاغو، داود وزوجته وأبناؤه، وزوجة راتب وأبناؤها، وأنا وزوجتي وأبنائي، وشقيقتي يسرى، والحديقة قائمة على مئات الدونمات، وبيوت الحيوانات فيها شبيهة بالحياة البرية التي تعيش فيه تلك الحيوانات، فيها مختلف انواع الحيوانات، وهناك رأيت للمرة الأولى والأخيرة الأفاعي ذات القرون، انها أفاعٍ ليست كبيرة الحجم، وقرونها عبارة عن نتوء لحمي يعلو الرأس، ولا يزيد طوله عن بضع ميلليمترات، وهناك شاهدت الغوريللا، كانت مستسلمة لقدرها ، وإن كان واضحا أنها ترفض حياة الأسر...وفي قسم الجمال رأيت بعيرا مكسور السّنام، وأخبرنا أحدهم أن سنام الجمل ينكسر ويتراخى عندما يتقدم البعير في العمر.

أبناء بلدتنا في أمريكا:
وتعرفت في شيكاغو على أبناء المرحوم شاكر حسين سرور، وهم من مواليد مدينة الزرقاء الأردنية، والمرحوم والدهم كان من الوجهاء المرموقين في قريتنا، وكبيرهم حسين درس الهندسة في أمريكا، وحصل على الجنسية الأمريكية، وعمل هجرة لوالدته وشقيقاته وأشقائه، وافتتحوا محلا تجاريا في أمريكا، وتعرفت عى أشقائه محمد، ثائر، وحسن الذي جاء زائرا ويعمل هو وشقيقه عبد السلام في ملحمة العائلة في مدينة الزرقاء الأردنية، ، وبيتهم كان مقابل بيت أشقائي في بريدج فيو، بينهما شارع فقط، وهم شباب عصاميون كرماء، جمعوا ثروة من المال، وباعوا المحل وعادوا الى الأردن ليبنوا مصنعا لمواد التنظيف، بعد أن بنوا خمس فيللات فاخرة، ومتشابهة، لكل واحد منهم واحدة منها.
وكنت في العام 1990قد تعرفت على ياسر موسى زعاترة ابن بلدتنا المولود أيضا في مدينة الزرقاء، وهو الآن يملك محلا تجاريا في ولاية انديانا المجاورة لشيكاغو.
أمّا ابن خالتنا حسين المصري، فانني أعرفه منذ الولادة، وكان يعمل في السعودية ومن بعدها في الجزائر، الى أن استقر به المقام في أمريكا منذ العام 1988، وهو الآن يملك محلا تجاريا في ولاية أنديانا، وقد زرته أكثر من مرة في محله وفي بيته.
وولاية انديانا التي تتشابك أبنيتها مع شيكاغو ولاية لا جمارك فيها، فأسعار السجائر فيها مثلا تباع بنصف سعر ما تباع به في شيكاغو.
قيس يتخرج من الجامعة:
وفي صيف العام 2006 تخرج ابني قيس من جامعة"دومينكان" فسافرت لحضور تخرجه بصحبة ابن العم محمد اسماعيل، ويوم التخرج حضرنا الاحتفال بحضور الأخ داود، وجورج عازرالشاب اللبناني الطيب، صديق قيس، والذي تخرج من نفس الجامعة قبل قيس بعام، ويملك أشقاؤه محلات لبيع الذهب في شيكاغو، كما يملكون محلا لتصنيع الذهب في بيروت ورثوه عن المرحوم والدهم، وقيس حصل على شهادتي بكالوريوس، واحدة في الاقتصاد والثانية في التجارة الدولية، كان الأول في الاقتصاد والثاني في التجارة الدولية، وحصل على مرتبة الشرف، ووضع اسمه على لوحة نحاسية في قاعة المكرمين من الطلبة الأوائل، وازددت فخرا بقيس عندما انحنى أمامي أحد الأساتذة في الجامعة بعد أن عرفني، وصافحني قائلا: أنت أفضل من الرئيسين كلينتون وجورج دبليو بوش، لأن لك ابن اسمه قيس، ولا يوجد عندهم ابن مثله، وفي "الكافيتيريا"وقبل بدء الاحتفال وبحضور الطلبة الخريجين، حضر أستاذ جامعي اسمه Peter Alonzi فرحا بكتاب له في الاقتصاد صدر قبل ذلك بيوم، أهدى منه نسخة لرئيسة الجامعة، ونسخة للبروفيسور كولمو، ونسخة لقيس قدمها له وهو يقول: أنت الطالب الوحيد الذي أهديته كتابا في حياتي، وأنت تستحق هذا التكريم...أنا فخور بأنني علمت واحدا مثلك.
حضرنا الاحتفال ودعانا داود الى حفل بهذه المناسبة في مطعم رضا في مركز المدينة، وطلب من قيس أن يدعو من يشاء من زملائه وأساتذته، وركز قيس في دعوته على طالب أوكراني، حضر والداه الفقيران للمشاركة في حفل تخريجه، فأعطاهم شقيقي داود رعاية خاصة مما أثلج صدري، كما حضر الاحتفال صديق قيس "ايجور" الروسي الذي يحمل الدكتوراة في هندسة الذكاء الاصطناعي....وقدم طاقم أقلام ذهبية هدية لقيس بهذه المناسبة.
في نيو مكسيكو:
أصر ابن عمّي محمد موسى، أن يدعونا"أنا، داود وابن عمنا محمد اسماعيل- وهو ابن شقيق ابن عمنا محمد موسى-" وقيس لزيارته في بيته الصيفي في نيومكسيكو، وهي ثاني أفقر ولاية في أمريكا بعد ولاية المسيسيبي، فاعتذر قيس لارتباطه بعمل، في حين سافرنا ثلاثتنا، فوجدنا ابن عمنا في استقبالنا في مطار سانتا فييه عاصمة الولاية،...واستقلينا سيارة الى ألبا كيركي ومنها الى حارة الأثرياء، حيث بيت ابن عمنا، وتقع الحارة وسط غابة كثيفة، وفيها حيوانات مفترسة، تصل الدببة والنور والضباع الى أبواب البيوت، ويرتادها الأثرياء هربا من ضجيج المدن، وطلبا للهدوء والراحة، والحياة غالية جدا في تلك الولاية، فقلت لابن عمّي: انها حياة تشبه حياة البراري في بلادنا، ولو تملكني بيتك مجانا وتدفع لي راتبا شهريا لما قبلت أن أعيش هنا.
وسكان هذه الولاية في غالبيتهم مكسيكيون، ومدنها صغيرة، وفي البا كيركي حارة كبيرة للفنانين التشكيلين والنحاتين، لكل منهم مرسمه ومشغله، تستطيع مشاهدتهم وهم يرسمون، أو يصبون تماثيلهم أو ينحتونها ، وأعمالهم معروضة في محلاتهم وعليها أسعارها التي يصل بعضها الى مئات آلاف الدولارات... وفي المدينة "غاليري" دائم للفنون التشكيلية، يعرض الفنانون من مختلف انحاء أمريكا أعمالهم فيه، والداخل اليه يدفع تذكرة بخمسة عشر دولارا، وهذه المدينة تراثية، أبنيتها من طابق واحد، وعلى النمط القديم، انها تشبه الأبنية القديمة في مدينة أريحا الفلسطينية، وتتوسط المدينة ساحة واسعة، على أحد جوانبها يجلس يوميا عدد من الهنود الحمر، يعرضون صناعاتهم اليدوية الخفيفة للبيع، انهم يشبهون فلاحي بلادنا.
ونيو مكسيكو ولاية صحراوية، أشجار غاباتها لا ترتفع كثيرا، ومواطنوها يعيشون على الزراعة البدائية، يزرعون الخضار ويروونها من مياه بعض القنوات، وفي الريف رأيت بيوتا من الصفيح، وهم يقتنون الخيل والحمير والكلاب، التي يندر أن لا تشاهدها أمام كل بيت في الريف.
وهواء تلك البلاد جاف، وينصح من يعيش فيها أن يشرب الماء باستمرار خوفا من أن يصاب بالجفاف.
ومن عجائبها أن المنطقة السهلية الواسعة محاطة بجبال شاهقة، تعلو قممها الغابات والثلوج، ولم أجد جوابا شافيا لاعتبارهم اياها منطقة صحراوية.
الهنود الحمر:
وفي نيو مكسيكو قرى للأمريكيين الأصليين"الهنود الحمر" الذين تعرضوا للإبادة على أيدي البيض الأوروبيين الذين غزوا البلاد بعد اكتشافها، ويقدر عدد من قتلوا من الهنود الحمر سبعين مليونا، في حين يبلغ عددهم الآن سبعة ملايين، ولتكفير حكام أمريكا عن جرائم أسلافهم بحق الأمريكيين الأصليين فقد سمحوا لهم بالبناء غير المرخص في أراضيهم، كما سمحوا لهم بافتتاح المحلات التجارية ومحطات الوقود بدون جمارك وبدون ضرائب، كما أن أبناءهم وبناتهم يُعفون من الأقساط الجامعية. غير أن هذا لم يحمهم من مكائد الرجل الأبيض الذي لا يزال يستغلهم، فالبيض يفتتحون المحلات التجارية المختلفة بأسماء بعض (وجهاء) الهنود الحمر مقابل مردود شهري بخس قياسا بما يجنيه الرجل الأبيض، ولهذا فان"كازينوهات" القمار منتشرة في الولاية، باسم الهنود الحمر، لكن مالكيها الحقيقيين هم من البيض.
قريتان للهنود الحمر:
زرنا قريتين للهنود الحمر، واحدة محاطة بأسوار، ولها مدخل واحد يحرسه رجال أمن، ويسمح لك بالدخول بعد شراء تذكرة بخمسة عشر دولارا، ويمر من وسط القرية سيل ماء من المياه المنحدرة من الثلوج الذائبة من على قمم الجبال المحيطة، وبيوت القرية بسيطة متراصة، لا طوابق فيها، وتتقدمها محلات يعرضون فيها صناعاتهم اليدوية التراثية، وأمام كل بيت عدد من الكلاب، وطابون يخبزون عليه، ولفت انتباهي أن لون بشرتهم يشبه لون بشرة العرب، ولو اختلطوا بالعرب لما استطاع أحد تمييزهم، ونساؤهم يرتدين ثيابا مطرزة كثياب القرويات في بلادنا، وهن يطرزن صورا للدببة والفهود والنمور، وهذا يعني تأثرهم ببيئتهم المحلية...ولا أعرف لماذا راودتني فكرة بأن أصولهم قد تكون عربية، وأنه ربما أن العرب هم أول من اكتشفوا أمريكا واستوطنوها.
اشترينا رغيف خبز طابون من امرأة في الخمسينات من عمرها، فسألتنا: من أين أنتم؟ فأجبتها: من البلاد المقدسة..من القدس، فاحتضنتني وهي تقول باكية: أنتم اذا فلسطينيون...أنتم الهنود الحمر في الشرق الأوسط، يقتلونكم للاستيلاء على بلادكم كما قتلوا أجدادنا واستولوا على أرضنا، ورفضت استلام ثمن رغيف الخبز...
وزرنا قرية هندية ثانية تخونني ذاكرتي، فلم أعد اذكر اسمها على ضفاف سيل هي الأخرى، قرية شبيهة بقرانا الزراعية، بيوتها فقيرة، وسكانها يزرعون بعض الخضار كالقرنبيط وغيره، ويقتنون الحمير والخيول والكلاب....وفي هذه القرية يجري احتفال تراثي للهنود الحمر لمدة اسبوع في السنة.
كما زرنا قرية مهجورة، تمت ابادة سكانها على أيدي البيض قبل حوالي ثلاثة قرون، وتقع كهوف القرية في باطن جبل صخري شديد الانحدار عميق، يقابله جبل مثله، وفي الوادي سيل ماء ايضا، والكهوف تصلها بطريق ضيقة تتسع لمرور شخص واحد، أحتمى سكان القرية بكهوفهم، وكانوا يلقون الصخور على من يحاول اقتحام كهوفهم معتديا، لكنهم لم يصمدوا طويلا أمام الأسلحة النارية.
وهناك محاولات للقضاء كليا على الهنود الحمر من خلال صهرهم في المجتمع من خلال الزواج المختلط بالأجناس الأخرى....خصوصا بين طالبات وطلاب الجامعات.
قرية ويلنج:
على أطراف شيكاغو تقع قرية ويلنج، ويبلغ عدد سكانها حوالي أربعين ألفا، ومن خلالها عرفت أن الحياة الأمريكية الهادئة والآمنة هي في القرى، وليست في المدن، وهذه القرية الجميلة، شوارعها واسعة، وبيوتها جميلة، ومركزها هادئ، فيه محلات تجارية، ومقهى يجلس فيه من يريد أن يقضي وقتا، أو يلتقي أحدا، رأيت فيه طلبة جامعيين يقومون بأبحاثهم، ورجال أعمال يتحاورون بهدوء تام، وفي هذه القرية حديقة ورود عامة تجذب الناظرين، وفي هذه القرية مصانع وشركات ومطار للطائرات الصغيرة التي يستعملها رجال الأعمال كسيارات خاصة، وابني قيس بعد أن حصل على شهادة البكالوريوس، والتحق بالجامعة للحصول على شهادة الماجستير في ادارة الأعمال، عمل في شركة برمجة كمبيوتر مقرها في هذه القرية، ويملكها شخص ينحدر من أصول مالطية، واختار قيس للعمل معه بناء على نصيحة أساتذة من الجامعة لصاحب الشركة، واستأجر قيس بيتا وسكن فيها، وعندما زرت أمريكا في العام 2008، زرت هذه القرية التي يسكنها قيس، وهناك ذهلت بتخطيط القرى الأمريكية، وطريقة تنظيمها وتنظيم شوارعها، وفيها شاهدت المقر الرئيس لشركة موتورولا للاتصالات، وهو بناء ضخم من عشرات الطوابق، وموقف السيارات المحيط بالبناء تصطف فيه آلاف السيارات.
وفي القرية مطعم عربي على النمط الأمريكي، وهو فرع لشبكة مطاعم عربية يملكها رجل أعمال مقدسي فلسطيني.
سيادة القانون:
والقانون في ولاية الينوي يمنع فتح "كازينوهات" القمار على أرض الولاية، فاحتال رجلا أعمال على القانون، وحصلا على قرار من المحكمة بفتح كازينوهات في بحيرة متشيغن، واشتريا لذلك سفينتين ضخمتين، أرسياهما على الشاطئ، وأقاما مكاتب فخمة، وفنادق، ومطاعم ومواقف للسيارات على اليابسة التي تتصل بهاتين السفينتين.
مطاعم لكل الشعوب:
وفي شيكاغو كما في بقية المدن الأمريكية، مطاعم متخصصة بأكلات لشعوب بعينها، فهناك المطاعم الأمريكية، الصينية، العربية، الايطالية، المكسيكية، اليابانية، الاسبانية، اليونانية، التركية، البرازيلية....الخ....ولا يعني هذا أن زبائن تلك المطاعم مقصورون على شعوب وجنسيات تلك المطاعم، بل ان أكثرية روادها هم من جنسيات أخري يريدون تذوق طعام الشعوب الأخرى.
المقاهي التركية:
ومنذ العام 2005 انتشرت في شيكاغو المقاهي التركية التي يدخن فيها روادها الأرجيلة، وقد دخلت احدى هذه المقاهي من باب الفضول، فوجدتها تتكون من فراش عربي، تفصله برادي من قماش سميك، وحجرات هذه المقاهي مقسمة لتتسع الى شخصين أو أربعة، ....الى عشرة اشخاص، وعند المدخل صالون ينتظر فيه الزبائن دورهم، حتى يأتي النادل ويصطحبهم الى المكان الذي يختاره هو لهم حسب عددهم...وهناك مقاهي من هذا القبيل للعائلات، أي لمن يريد اصطحاب زوجته معه، وغالبية رواد هذه المقاهي من أصول عربية، او أنهم مسلمون من جنسيات مختلفة.






#جميل_السلحوت (هاشتاغ)       Jamil_Salhut#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القذافي يرسم نهاية نظامه
- حكايات عمر سلامة الشعبية
- بدون مؤاخذة-القذافي في أيامه الأخيرة
- بدون مؤاخذة-القذافي ينضح كفرا
- بدون مؤاخذة- جنون القذافي وجرائم الحرب
- -نسر بجناح وحيد- في المسرح الوطني الفلسطيني
- القذافي أم ليبيا
- أمريكا مسؤولة عن خراب الشرق الأوسط
- أيتام العهد البائد في مصر وحلفاؤهم
- الحكومة الفلسطينية التي نريدها
- عندما يتحول الوطن الى مزرعة خاصة
- لو كنت مصريا
- جمال ناجي يعري المجتمع في رواية-عندما تشيخ الذئاب
- بدون تعليق-ثروة مبارك وثروة عبد الناصر
- مثقفو السلاطين والثورة المصرية
- بدون مؤاخذة-سقط النظام وانتصرت الثورة المصرية
- نقاء الثورة الشعبية في مصر
- لو كان نظام مبارك مصري الانتماء
- مبارك والأربعون حرامي
- رواية-عندما تشيخ الذئاب- للأديب جمال ناجي


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - من أدب الرحلات-في بلاد العمّ سام