أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسر قطيشات - التجربة الديمقراطية في البحرين (1)















المزيد.....


التجربة الديمقراطية في البحرين (1)


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 3289 - 2011 / 2 / 26 - 02:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة العامة
تتسم الديمقراطية العربية بشكل عام بسمة الولادة الحديثة , اذ لا تعود في جذورها التاريخية الا لبدايات منتصف القرن الماضي , بعد أن كانت تلك الدول تحت قبضة الاستعمار , الذي ما فتئ يزول عن صدرها حتى باشرت في بناء هيكلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي , والذي بدون شك تعرض لانتقادات كثيرة على مختلف المستويات بسبب عدم مواكبته للممارسة الديمقراطية منذ انطلاق المسيرة الوطنية لكل دولة على حده , فبعد ان شعرت الأنظمة الحاكمة بفقدان الشرعية لنظامها السياسي القائم , وبعد ازدياد المطالبة داخل الانظمة بضرورة توسيع هامش الحرية والتحرر الليبرالي , كحرية التعبير والصحافة وتشكيل الأحزاب السياسية والانتخابات 00 الخ , سعت الدول العربية عموما نحو الانفتاح السياسي والتحول الديمقراطي .
ولم يحظَ موضوع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في دول الخليج العربية سوى باهتمام قليل من قبل المهتمين والباحثين , وجرت العادة ـ خاصة في الدراسات الأكاديمية الغربية ـ النظر إلى تلك الدول من زاوية اقتصادية بحتة، كمنتج للنفط ومستهلك للبضائع الأجنبية ، ومدى تأثيرها في الاقتصاد العالمي والى حد ما دورها (أو دور بعضها) في حركة السياسة الإقليمية .
ولذا فإن الكتابات حول طبيعة النظم السياسية في الخليج وعلاقتها بعامل الاستقرار الداخلي والمنطقة قلّما بُحثت ، وفي أكثر الأحوال يتم التعاطي مع المنطقة كما لو كانت مجرد بئر نفط بحاجة إلى حماية أجنبية من أطماع دول الجوار ، وأن شعوبها متخلفة عن الركب الحضاري وتقتات على ثقافات وانتماءات عفا عليها الزمن ، فهم من وجهة النظر هذه مجرد أثرياء يعبثون بكميات هائلة من النقد ويبعثرونها هنا وهناك , هذه الصورة النمطية الماثلة في أذهان عرب وأجانب كلما ذكر الخليج وأهله أخذت بالتغيّر ، وحظي الوضع السياسي في المنطقة خلال العقد الماضي باهتمام أكثر جدية وإن كان في مراحله الأولى , بحيث أن دراسات مستفيضة لشؤونه الداخلية، السياسية منها بشكل خاص، بدأت تظهر في الحقلين الأكاديمي والصحافي.
ويعد مفهوم الديمقراطية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين ، حيث أُطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يُسمى بـ "عملية البناء السياسي" , ويشير المفهوم لهذا التحول بعد الاستقلال -في الستينيات من هذا القرن- في آسيا وإفريقيا بصورة جلية , وتبرز أهمية مفهوم الديمقراطية في تعدد أبعاده ومستوياته ، وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التنمية السياسية والتخطيط والإنتاج والتقدم.
والمقصود بالتنمية السياسية هنا هو تحديد وقياس مدى عمق وترسخ البناء القانوني - المؤسساتي للدولة الحديثة بأجهزتها وتنظيماتها المختلفة , السلطة التنفيذية , السلطة التشريعية, السلطة القضائية, وهذا يقود بالضرورة إلى تحديد درجة وسعة المشاركة السياسية في اتخاذ القرار واستبدال العلاقات العامودية (التراتبية) البيروقراطية, بالعلاقات الأفقية (الديمقراطية) التي تحكم العلاقة بين الحاكم (السلطة) والمحكوم (المجتمع) عبر إبرام عقد اجتماعي بينهما يحدد واجبات وحقوق الطرفين.
والبحرين التي تبلغ مساحتها 620 كيلو مترا مربعا فقط ، تعتبر من أصغر دول العالم مساحة لكنها في الوقت نفسه ذات كثافة سكانية عالية , فرغم تلك المساحة الصغيرة فإن البحرين قد خطت خطوات كبيرة على طريق الديمقراطية بل خلقت تاريخا جديدا عندما تم إصدار مجموعة من التعديلات الدستورية التي أصبحت بمقتضاها البحرين مملكة دستورية تقوم سلطتها التشريعية على مجلسين أحدهما منتخب والآخر معين، فضلا عن منح المرأة حق المشاركة السياسية وإنشاء المحكمة الدستورية، وباتت البحرين بذلك وبالتحديد منذ الرابع عشر من فبراير 2002 المملكة الثانية في الخليج بعد المملكة العربية السعودية والمملكة الرابعة بين الدول العربية بعد السعودية والمملكة الأردنية و المملكة المغربية.
ولم تنشأ تلك التعديلات من فراغ وإنما جاءت تتويجا لمسيرة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الذي أعلن عند توليه الحكم عن إصراره على إدخال بعض الإصلاحات السياسية وتمثل ذلك في مجموعة من الإجراءات الانفتاحية وإصدار الميثاق الوطني الذي وافق عليه الشعب البحريني بأغلبية كاسحة في فبراير 2001 الذي كان يتضمن تحويل البحرين إلى مملكة دستورية وعودة الحياة البرلمانية ومنح المرأة حق المشاركة السياسية، وبعد ذلك بعام تم إصدار التعديلات الدستورية التي حظيت بترحاب وتأييد القوى الداخلية والخارجية.
وجاءت التعديلات الدستورية الجديدة حيث أعلن الملك في 14فبراير 2002 في خطاب له قيام "مملكة البحرين" وعودة الانتخابات البلدية في التاسع من مايو، وفي هذا السياق كانت أهم التعديلات في قيام الملكية الدستورية , حيث نص التعديل الدستوري الأول على أن البحرين مملكة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة الأمر الذي يجب معه أن يصبح لقب رئيس الدولة هو «الملك» وأن يخاطب بصاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين, إضافة الى إطلاق الحريات السياسية والمشاركة الشعبية في الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت عام 2002م , وما ترافق معها من إعلان حقوق المرآة الاجتماعية والسياسية وتشكيل الجمعيات والأحزاب وقانون الحريات الإعلامية والحقوق السياسية العامة.
وتهدف الدراسة الى إلقاء الضوء على التجربة الديمقراطية في البحرين بكل مراحلها التي مرت بها منذ ما قبل الاستقلال وحتى عام 2003م , محاولة قدر الإمكان تحديد الجوانب المضيئة في تلك التجربة الى جانب تحديد القيود والمحددات التي واجهت الديمقراطية في الماضي والتي تواجهها في الحاضر والمستقبل كرؤية قائمة.
تم تقسيم الدراسة إلى فصلين رئيسين , إضافة الى مدخل عام حول الديمقراطية كإطار نظري , وهي كآلاتي :
إطلالة : لمحة نظرية في الديمقراطية .
الفصل الأول : الجذور التاريخية للتجربة الديمقراطية في البحرين .
الفصل الثاني : التجربة الديمقراطية الحديثة في البحرين وآفاق مستقبلها 1999م – 2003م .
لمحة نظرية في الديمقراطية
تعتبر الديمقراطية أوسع أنظمة الحكم انتشاراً في العصر الحديث , وجاءت كلمة ديمقراطية ( democracy ) مشتقةً من كلمة ( demos ) الإغريقية ومعناها الشعب . وهناك من يغرفها بالحكومة الشعبية , أي الحكومة التي يختارها أعضاء من الشعب وتعمل على تحقيق مصالحهم بشك أو بآخر .
وهناك من يرى فيها أنها نظام الحكم الذي بموجبة يعطى للشعب حق ممارسة السيادة .
بيد أن كل ذلك لا يعني أن الديمقراطية لا تحمل في جوانبها على مستوى المفهوم والمضمون والنهج جذورا تاريخية تستحق العودة إليها لفهم أسلوب تناولها للسلطة وللشعب في أنٍ واحد منذ العصر الإغريقي وحتى اليوم .
الديمقراطية عند الإغريق :
تعبر الديمقراطية عن مفهوم تاريخي اتخذ صوراً وتطبيقات متعددة في سياق تطور المجتمعات والثقافات. وتقوم مكوناتها الأساسية على حكم الشعب وممارسته الرقابة على الحكومة. ويتمثل جوهر الديمقراطية في توفير وسيلة سلمية منهجية حضارية لإدارة المجتمع السياسي بغية تطوير فرص الحياة. وظهرت في صورتها الأولى مع ازدهار الحضارة الإغريقية ونشوء دولة المدينة الإغريقية. إذ مورست مباشرة، واقتصرت على الأحرار من الذكور، وفي ظروف عدم الفصل بين السلطات . ففي عام 600 ق.م أصبحت أثينا تحت قيادة بيركلس المناصر للحرية. يقول في إحدى خطبه: إن حياتنا السياسية حرة... ونحن أحرار متسامحون في حياتنا الخاصة... ثم يدعو بقوله: احزم أمرك على أن السعادة أن تكون حرا ، وأن الحرية تتطلب أن تكون شجاعاً. استمرت التجربة الإغريقية فترة قصيرة قبل زوالها. وبعد حوالي ألفي عام ظهرت الديمقراطية المعاصرة غير المباشرة أو النيابية لصعوبة تطبيق الديمقراطية المباشرة في عصر الكثافة السكانية. ورغم مزية الديمقراطية غير المباشرة في توفيرها للتكاليف الزمنية والمالية، إلا أنها تقود إلى تقليص القوة السياسية للناخبين مقارنة بالديمقراطية المباشرة . وهذا يوضح أحد مبررات تعزيز الرقابة المؤسسية على الحكومة المنتخبة.
الديمقراطية الحديثة :
تشكلت الديمقراطية الحديثة نتيجة الأفكار التي انبثقت في فترة النهضة الأوربية. ولم تظهر بالمعنى الليبرالي قبل القرن الثامن عشر، حين بشّر المفكرون الغربيون بفكرة المساواة، وطالبوا بحق الشعب في اختيار حكومته والإشراف عليها. وكانت الدعوة منصبة على حق الاقتراع العام بضمان دستور مكتوب صادر عن مجلس تأسيسي منتخب بأغلبية أصوات الناخبين. وقد ربط روسو تحقيق المساواة بتوفر عاملين: الإرادة (معنوي) والمقدرة (مادي)، وطالب بخلق التوازن بينهما.
وفي ظروف تمحور الديمقراطية الدستورية حول المساواة السياسية والحرية الاقتصادية عندئذ فتحت الطريق أمام الرأسمالية الغربية إقامة المشروعات الضخمة وفتح الأسواق العالمية واجتياح الشعوب الأخرى وإنشاء الإمبراطوريات الاستعمارية. فظهرت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتولدت النظريات الجديدة التي تناولت مشكلات المجتمع بالدراسة والنقد.
وأخذ الفكر الاشتراكي في إبراز عيوب البرجوازية. ورأى أن الطبقة المسيطرة على النظام السياسي تعمل على إخضاع الديمقراطية لصالحها. ونتيجة لهذه التطورات ظهرت الديمقراطية الاجتماعية باتجاه بناء مجتمع أكثر عدلاً بالمقارنة مع الديمقراطية الليبرالية.
كما تعددت تطبيقات الديمقراطية وأخذت الأنظمة السياسية المختلفة حتى تلك الأكثر هدراً لحقوق الإنسان تدعي أحقيتها بصفة الديمقراطية.
وربما وجدت هذه الظاهرة تفسيرها في العوامل الثلاثة التالية: الأول أن الديمقراطية ليست إرثاً ثقافياً لأية حضارة معينة. الثاني عدم بلوغ الأنظمة السياسية مستوى من الموازنة بين جانبي الديمقراطية - السياسي والاجتماعي - يحظى بالقبول العام. الثالث عدم حصول إجماع على مفهوم ومكونات الديمقراطية في ظروف قيام عملية التحول الديمقراطي بجانبيها - السياسي والاجتماعي - على النسبية. إذ لا يوجد نظام حكم سياسي فقط أو اجتماعي فقط.
الديمقراطية والحرية :
تقوم الديمقراطية على مبادئ الحرية " Freedom " وهي تختلف عن فكرة التحرير Liberty، حيث دعت أولاً إلى تحرير الإنسان من قيود العبودية، وتطورت فيما بعد إلى تحرير الاقتصاد لتوفير الظروف المواتية لانطلاق البرجوازية الصاعدة. فالحرية تقوم على مفهوم نوعي إيجابي يتضمن مبادئ حقوق الإنسان.
وتجسد الحرية قضية إنسانية تتعدى قيمتها قيم الأشياء الأخرى لأنها تعبر عن امتلاك الإنسان لفكره وإرادته، وتمنحه شعور المواطنة الكاملة في استجابته للحقوق والواجبات، وتعمل على تحرير عقله للانطلاق نحو المستقبل واكتشاف المجهول وتعزيز بديهته وبصيرته وألمعيته. كما أنها توفر الأساس الراسخ لاطمئنان الإنسان لذاته وراحته النفسية، وتؤسس قيم التفاهم الاجتماعي، بل التفاهم بين الشعوب، كمثل لغة الاسبيرانتو العالمية.
وتوقع جان جاك روسو تضاؤل احتمالات الحرب بين الدول الديمقراطية لاهتمام شعوبها بتطوير حياتهم الحضارية(9). ويربط الدكتور علي الوردي نشوء الديمقراطية بمرحلة متقدمة من مراحل تطور الحضارة البشرية "... إن ظهور الديمقراطية الحديثة لا يقل في أهميته الاجتماعية عن ظهور الدولة. فإن الدولة قضت على التقاتل القبلي، بينما الديمقراطية قضت على التقاتل السياسي"
ومع ذلك تبقى الديمقراطية - الحرية بدون معنى حقيقي في غياب حرية الاختيار "أن تنصحني بعدم القيام بفعل ما، هو كلام أجوف، ما لم أقتنع أني قادر على صنع قراري بقبول أو رفض النصيحة. ومن المؤكد إذا فقدت قدرتي على اتخاذ قراري بالخيارات المتاحة وأصبحت مجرد منفذ لصوت القدر الذي أملاه قاض متصلب أو بسبب ظروف اجتماعية قاسية، عندئذ من الصعب أن أفهم لماذا أتحمل مسؤولية تصرفي". إلا أن الحرية ليست مطلقة، بل هي محدودة ومحددة في إطار المسؤولية المشتركة لأفراد المجتمع. وهذا ينطوي على أمرين: أولهما ليس لأحد الحق في رفض الحرية، لأن ذلك يعني نكران آدميته والتهرب من مسؤولياته الاجتماعية. لذلك قيل "لا مهرب من الحرية". وثانيهما تتطلب الحرية درجة من الانضباط لتحديد ممارسة الفرد لحريته بالعلاقة مع حرية الآخرين.
التحول الديمقراطي والسلطة السياسية :
إن إحدى العقبات التي تواجه الحرية ومهمة التحول الديمقراطي هي النزعة الذاتية القوية تحت السلطة. يحذر Lord Acton من أن السلطة تحفز على الفساد. ويرى أن هؤلاء الذين يتمتعون ببعض السلطة، حتى وإن كانوا من أصحاب الضمائر الحية عادة ما يرونها منقبة virtue عند حصولهم على المزيد منها. وهذا مبرر آخر لفرض الرقابة المؤسسية على تصرفات السلطة التنفيذية لكي لا تتبنى سياسات وتشريعات يمكن أن تقود إلى إضعاف أو تشويه أو تقييد الديمقراطية - الحرية، لأن ما يتخذ بطريقة ديمقراطية لا يكون بالضرورة ديمقراطياً.
من مبادئ الديمقراطية رفض الإيمان المطلق بالأفكار والإيديولوجيات السائدة لصالح التعامل النسبي معها، والتخلي عن همجية العنف في ظل احترام قيمة الإنسان ووجوده، ونبذ المواقف الحادة - العصبية - في إطار استعداد النخب والأطراف السياسية للعيش بسلام والقبول بالمنافسة الانتخابية وفي سياق الاتفاق على الحد الأدنى الضروري للأهداف العامة المشتركة.. "إن أعضاء المجتمع السياسي يسعون وراء أهداف متباينة يتم التعامل معها - بين أمور أخرى - من قبل الحكومة. إن الاختلاف والاتفاق جانبان مهمان من جوانب الأنظمة السياسية. إن الناس وهم يعيشون معاً لن يستطيعوا أبداً الاتفاق على كل شيء، ولكن إذا أرادوا الاستمرار في الحياة معا ، فهم لن يستطيعوا إلا أن يتفقوا على أهدافهم".
كما تتطلب عملية التحول الديمقراطي بيئة اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية ومؤسسية توفر لها إمكانية الاستمرارية والنمو بطريقة نمطية متصاعدة بعيداً عن الانقطاعات والتراجعات. وهنا يلعب الإرث التاريخي - الاجتماعي دوراً حيوياً في هذه المسيرة. ففي الهند مثلاً طبقت الديمقراطية منذ أوائل الخمسينات من القرن العشرين وسط انتشار واسع للأمية والفقر والانشقاقات اللغوية والأثنية والدينية، بحيث شكّلت لغزاً enigma للمفكرين الغربيين ولنظريات الديمقراطية الغربية.
ولما كانت الديمقراطية مفهوماً تاريخياً وحصيلة تراكمية لعملية طويلة وصعبة من الممارسات، لذلك فهي تتطلب نفساً طويلاً في سياق العلاقات الاجتماعية السلمية بين الأطراف السياسية.
والزخم النظري , وإلى حد ما التدعيم العملي , لمقولة "السلام والديمقراطية" يأتي من التجربة الأوروبية أساساً , فهذه المقولة تفترض بأن الدول, أو الأمم, إذا أصبحت ديمقراطية فإن الحروب لا تقوم بينها, وكذا أن العلاقات بين السلام والديمقراطية هي علاقة شرطية إذا حل الواحد منها فإن الآخر سوف يلحق به حتماً. والمثل الشهير الذي تدعم به هذه النظرية هو النموذج الأوروبي في العلاقات بين الدول. فأوروبا كانت موئل الحروب الطاحنة طوال التاريخ, سواء الدينية منها أو الإثنية أو التوسعية القومية. وكانت الدول والإمبراطوريات الأوروبية قد اتخذت أنواعاً مختلفة من الدكتاتوريات الملكية أو الدينية التي لم يكن للشعب رأي أو صوت في صناعة قرارتها المصيرية. ولم تحظ أوروبا بالسلام إلا بعد أن سيطرت عليها الأنظمة الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية, وانقضى عهد الفاشية والنازية والفرانكفونية . وعليه فإن علاقة السلام بين الأمم والديمقراطية هي علاقة عضوية وشرطية .
التعددية السياسية أساس للمجتمع الديمقراطي :
إن الحديث عن الديمقراطية أو عن التعددية هو في عمومه حديث عن "المؤسسات" في المجتمع ، أي الهيئات التي تنظم الجماعة في عمومها أو في تكويناتها الفرعية، أقصد بالجماعة في عمومها الجماعة السياسية التي تتكون "الدولة" على أساسها. وأقصد بالتكوينات الفرعية: الجماعات الثقافية أو المهنية أو الإقليمية أو العرفية أو الاقتصادية، والتي تندرج في الوعاء العام للجماعة السياسية. والذائع في بلادنا في الحقبة الأخيرة هو الحديث عن التعددية ، باعتبار أنها تعني تعدد الأحزاب، وتعدد منابر التعبير عن الرأي السياسي، وذلك في مقابل نظام التنظيم السياسي الواحد الذي عرفته هذه البلاد منذ الخمسينيات، وفي أول عهود الاستقلال السياسي فيها.
فالتعددية الحزبية تستلزم تعددية مؤسسات الدولة واستقلالها وفي تصوري أن التعددية هي شأن لا يقوم النظام الديمقراطي إلا به، وهي ليست مقصورة على التعدد الحزبي، بل إن التعدد الحزبي مشروط بغيره من ضروب التعددية في المجالات الأخرى. ومع التعدد الحزبي يتعين أن يقوم تعدد في مؤسسات الدولة يتوزع عليها اتخاذ القرار العام والقيام بالعمل العام، وهي ما تعارفنا على تسميته بسلطات الحكم الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية . وهذه المؤسسات الثلاث هي بمثابة أقفال ثلاثة لكل منها مفتاح تمسك به جهة مستقلة عن الجهتين الأخريين، فلا ينفتح العمل العام إلا باجتماع الجهات الثلاث. والتعددية الحزبية تعني فيما تعنيه احتمال تداول السلطة من القوى السياسية المختلفة، واحتمال التشكيل المتنوع لمؤسستي التنفيذ والتشريع بما يحفظ التوازن بينهما، ويجعل كلا منهما قيدًا على الأخرى. ومن البديهي أنه لا يتصور قيام تعدد حزبي إذا اندمجت مؤسسات الحكم في إدارة واحدة لا تتبدل.
التعددية الاجتماعية أساس التعددية السياسية :
ثم بعد ذلك يرد تعدد التنظيمات الاجتماعية للجماعات الفرعية، وهذه الجماعات تمثل التكوينات الوسطية بين الجماعة العامة التي تقوم الدولة على أساسها وبين الأفراد، وهي الكفيلة بجمع الآراء الفردية وتنظيمها، وإقامة وجه من وجوه الإدارة الذاتية لكل من الجماعات، وهي – أيضًا - الكفيلة بتنظيم القوى الشعبية المتنوعة، وإقامة نوع من التوازن بين هذه القوى وبين السلطات المركزية، أي إقامة نوع من التوازن بين هذه القوى وبين السلطات المركزية، أي إقامة نوع من التوازن بين الجماعة السياسية الكلية المعبر عنها من الدولة وبين هذه المكونات الفرعية في تكاثرها، بحيث تعبر كل منها عن ذاتها .
وأتصور أن هذا النوع الأخير هو ما عليه المعوّل في نجاح أو فشل وجوه التعدد من النوعين الأولين ، وأتصور أن التعدد الحزبي – وهو النوع الثاني من التعددية - له وجه انتماء لهذا النوع الثالث , فهو واحد منها، وإن تميز عنها بأن نظريته أوسع تتعلق بالسياسة: أي بفن إدارة المجتمع كله، وأنه يستهدف اعتلاء سلطة الدولة أي يستهدف الهيمنة على المؤسسة المعبرة عن الجماعة العليا في المجتمع والمنظمة لشئونها العامة . ومع هذا التميز فإن فاعلية النظام الحزبي من حيث كونه يتعلق بإدارة المجتمع كله إنما تتوقف على فاعلية تلك التنظيمات الاجتماعية المعبرة عن الجماعات الفرعية.



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جماهيرية -الهلوسة- والزحف المقدس
- معمّر القذافي: جنون العظمة وكاريزما معقدة
- أسطورة القذافي -الآلهة- تدفع ليبيا نحو الهاوية !!
- -الضربة الاستباقية- كاستراتيجية جديدة في العلاقات الدولية
- المشهد السياسي الاردني: الاصلاح بين أزمات مركبة وملفات شائكة
- تسونامي الثورات الشعبية ودولة -الثقب الأسود- العربية
- المصلحة العربية بين القطرية والقومية
- ردا على المشككين: الأردن محصّن بشرعية النظام والاستقرار
- إلى أين يسير الأردن ؟!!
- لم ينتهي الدرس -يا غبي- !!
- أزمة الحرية وجدلية التنمية والتغيير في الوطن العربي
- كواليس -صفقة- تنحي مبارك عن الحكم!!
- الشعب المصري ينتصر ويصنع التغيير
- الشباب العربي يقود ديناميات التغيير والحرية
- ثورة شباب التغيير في مصر ونظرية -الفوضى الخلاقة-
- مصير القمة العربية في بغداد !!
- عرب الأحواز (عربستان) : القضية المنسية في أجندة الشرق الأوسط
- النظام المصري: نظام -اوليغاركي- وفاسد بامتياز
- الأمن الوطني الأردني والاستقرار في الشرق الأوسط: وجهة نظر أم ...
- -الفوضى والبلطجة- أدوات النظام المصري ضد الثورة الشعبية


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسر قطيشات - التجربة الديمقراطية في البحرين (1)