أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - من يحكم الله ام الشعب ؟















المزيد.....



من يحكم الله ام الشعب ؟


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3288 - 2011 / 2 / 25 - 17:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أساس الماركسية الجدل ، وأساس الليبرالية الحرية في التفكير والاختلاف في الفهم . فهل يجوز للمسلمين أن يتجادلوا في ما بينهم ويختلفوا في فهمهم للدين ، أم أن الاجتهاد واستعمال العقل في هذا الحقل محرمة بدعوى أن أهل ( الحل والعقد ) أو ( مجلس النصيحة ) أو ( العلماء ) أو ( مجلس الإرشاد ) أو المتعاطون للشأن الديني من تنظيمات إسلامية سياسية ومريديها هم وحدهم أحق بغور وتحديد ميادين التصرف والإبداع للعقل البشري ؟ ونطرح السؤال بطريقة واضحة . من يحكم الله أم البشر ؟
لم تثر أية حركة سياسية إسلامية منذ وفاة الرسول ( ص ) من الجدل والنقاش ما أثارته حركة طالبان والحركات السلفية والجها دية التي تفرعت عنها خاصة تلك التي تدين بالمذهب الوهابي المتزمت في شكله العشائري والمذهب الحنفي . هذا النقاش سبق للحقل الإسلامي أن عرفه في العديد من المرات خاصة عندما تكون الحركة الإسلامية تمر بظروف غير عادية بسبب بعض التصرفات غير المحسوبة وغير المسئولة مثلما هي عليه اليوم منذ عملية 11 شتنبر التي أطلق عليها الشيخ أسامة بن لادن ( غزوة نيويورك ). ففي البداية الأولى للإسلام خاصة بعد وفاة النبي ( ص )، عرف الحقل الإسلامي نقاشا حادة بين الحركات الإسلامية التي ظهرت خاصة حركة الخوارج ، المعتزلة ،المرجئة ،الشيعة بمختلف تياراتهم ..الخ تم ما أثارته الحركة القرمطية من نقاشا بين مختلف المهتمين بالشأن الديني باعتبارها كانت أول حركة ثورية رفعت يا فظة الاشتراكية والمساواة بين المسلمين قبل ظهور هذين المصطلحين في الفكر السياسي الغربي . لقد دهب بعض المفسرين بعيدا حينما اعتبروا الحركة الطالبانية ومنظمات السلفية الجهادية والداعية ، نسخة طبق الأصل للحركة القرمطية التي وصفها البعض بالشيوعية ، والبعض الآخر بالمجوس . حركة طالبان جاءت بسبب التناحر والحروب الطاحنة بين التيارات السياسية الإسلامية ، واحتدام المتناقضات الاجتماعية الصارخة حيث ازداد الأغنياء غناء والفقراء فقرا ، فادى هذا الوضع الشاذ غير المقبول إلى تبلور سخط جماهيري شعبي ، تحول إلى وعي سياسي وإيمان عقائدي بما كان يفد على أفغانستان من المدارس الدينية من باكستان .
أما منظمة القاعدة ، فرغم أن زعيمها الشيخ أسامة بن لادن كان غنيا وميسور الحال بكثرة ، فقد تنازل عن كل ما يملك لصاح الجماعة ومشروعه الإيديولوجي العام التي ساهمت في إنجازه الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في إطار حرب الوكالة التي كانت تدور بين المعسكرين المتقابلين الشرقي والغربي . كان أسامة بن لادن إلى جانب الملا محمد عمر يتوخى تطبيق العدالة الاجتماعية في صورتها المثلى في ما عرف بنظام ( الألفة ) ، الذي اعتبر تجربة فريدة اقشعرت لها فرائص الحنابلة والمرجئة ... الخ وأثرياء البتر ودولار ، وأقلام الدواوين وشراذم الجبناء والمرتزقة الذين اشربوا في قلوبهم العجل ( عجل الذهب ) وتعلقت أنفسهم بعفن المستنقعات ، واستشرى فيهم حب الالتواء والاحتيال ، وأبوا إلا أن يسيروا سير القطيع لأوامر البنتاغون والبيت الأبيض ، وأوامر يهود براك واولمرت في الضفة والقطاع ، وفي طول أرجاء وطننا العربي المكلوم .
وحسب أدبيات منظمة القاعدة والتنظيمات التي تفرعت عنها ، أضحى ما يقدمه الفرد من خدمات للجماعة ،وما يبدله من نشاط في نصرة المشروع الإسلامي السياسي هو المعيار الذي يحدد مكانه ووضعه في التنظيم ، وفي المجتمع . وللتحجج بالتشريع لتبرير التصرفات ، استوحت حركة طالبان ومنظمة القاعدة والحركات المتفرعة عنها أو تلك التي بايعتها ،هذا النظام من القران الكريم ومن تعاليم الإسلام الذي يزخر بالآيات التي تدعوا إلى ( الألفة ) ( المحبة ) و التعاون بين المسلمين لصاح الجماعة . قال تعالى " واذكروا نعمة الله عليكم إن كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا " ، " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، " ولو أنفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألف بينهم انه عزيز حكيم " ... الخ ، فحسب فهم وتصور هذه التنظيمات التي تسمي نفسها " المؤمنون المنصورون بالله والناصرون لدينه والمصلحون في الأرض " ، فإنهم يجسدون القدوة والطليعة التي ستحيي جذور الإسلام في صورته الأولى أيام الرسول ( ص ) وخلال حقبة الراشدية ، لذلك فان نضالهم هو جهاد في سبيل ( الله ) ،الأمر الذي يبرر تكفيرهم للفرد والجماعة والحاكم الذي لا يسير على منهجهم ، وهو الاعتقاد الذي يبرر التكفير المؤدي إلى القتل ولو كان الشخص المستهدف بريء من تصنيفات تلك الجماعات .
تعتبر حركة طالبان عند وصولها إلى الحكم بمساعدة أمريكية ، باكستانية وسعودية ، أول منظمة أنشأت في العصر الحديث وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأغرقت العاصمة كابول والمدن التي كانت تسيطر عليها بشعارات ( لا اله إلا الله ، وان محمدا رسول الله )، فلا غرابة أن تتشبه منظمة القاعدة وطالبان وتفرعاتهما بالحركة القرمطية والحركة المزدكية والحركة الخرمية وحركة الازراقة . فهذه الحركات كانت حركات اجتماعية ثورية أعلنت وأشهرت الحرب على نظام الطبقات ، واستهدفت العدالة والمساواة ، ورفضت النظم الاجتماعية المرتبطة بنظام الطبقات المغلقة ...حتى ذهب بعض المهتمين إلى القول أن ماركس اعتمد في أبحاثه وكتاباته على الأدبيات التي أنتجتها تلك الحركات رغم ندرتها ، وتعرض اغلبها للتلف بسبب الظروف غير الاستثنائية التي مرت بها تلك الحركات التي وظفت الإسلام في مواجهة المشروع المقابل .
لقد استرعت الحركات الإسلامية السلفية الضيقة والجها دية والتكفيرية باهتمام قل نظيره من قبل عدة فعاليات مختلفة المشارب والتصورات والأهداف ، ومن داخل الحقل الإسلامي نفسه . فتوزعت جل المواقف بين مؤيد ومعارض ومشجب أو مستنكر ، وبين مواقف خجولة منافقة بسبب استحقاقات سياسية توجب الظرفية ، اتخاذ مبدأ التقية حتى لا تعطي لخصومها فرصة لتشويهها والانقضاض عليها . أما القوى النصف ( علمانية العربية ) فقد وجهت سهام نقدها لجميع الحركات السياسية الإسلامية وبدون استثناء ( ليس في القنا فيد أملس ) ، حيث صوروها سياسيا على أنها تطاول وتمرد وفتنة ، وصوروها اجتماعيا على أنها هبات العوام والاسافل والرعاع ، كما أنها مروق وكفر وزندقة ،وصوروها دينيا أنها تقليدا ومحاكاة للفكر الوثني الإسرائيلي في جوانبه الإيديولوجية . ورغم الاختلافات العميقة مع هذه التيارات المتشددة في فهمها للدين وتأويله وإسرافها في التفسير والتنظير المتطرف ، فركبوا متن الشطط ، وجمدوا الفكر الإسلامي ، وتقوقعوا في دهاليز القرون الوسطى ... فان صدور أحكام بعض فقهاء الدواوين وبعض أعدائهم بتكفيرهم ، يعتبر مروقا وخروجا عن القاعدة التي تنهي عن تكفير المسلم الذي لم يشهر أمام الملأ وبشكل صريح كفره . إن هذا الفعل ينهي عنه الرسول ( ص ) الذي أغلق باب التكفير حتى لا تكون هناك فتنة بين المسلمين ، وهناك حديث للرسول يقول " من كفر مسلما فقد كفر " ، كما قال عليه الصلاة والسلام " إلا أن تروا كفرا بواحا " أي كفرا حقيقيا وواضحا .. وعليه فان مناضلي القاعدة وطالبان والتفريخات التي انبثقت عنها وتناسلت كالفطر في كل قطر ، يعتبرون مسلمين ، وتكفيرهم يعتبر خروجا عن ما أعلنه الرسول نفسه .كذلك فان كل مسلم استشهد أو مات مغدورا من اجل أفكاره ومشروعه ، وهو يعتقد انه يحارب أعداء الإسلام في فلسطين أو في العراق أوفي أفغانستان ، يعتبر شهيدا ، والأرواح التي حصدتها الآلة العسكرية الأمريكية في هذه البلدان من القاعدة أو طالبان أو من الأبرياء العاديين يعتبرون شهداء عند ربهم يرزقون . أما عن الأبرياء الذين كانوا في الطائرات التي استخدمتها القاعدة في ضرب البرجين ، أو الأبرياء الذين كانوا بهما ، فان الإسلام بريء من هكذا أفعال ، لأنه حرم قتل الروح التي خلق الله إلا بالحق . إن من يقتل نفسا مسلمة أو غير مسلمة بدون حق يعتبر مجرما وإرهابيا الإسلام منه براء .
هل انتهت منظمة القاعدة سياسيا وتنظيميا ، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها في أفغانستان وفي العديد من الدول الاروبية ، وبعد إن أصبحت قاعدات تؤمن بنفس الفكر ونفس النظرية ،وتقتنع بنفس الأسلوب في العمل وفي الحركة والتحرك ؟. إن المدرسة الباكستانية في مذهبها الوهابي والحنفي الضيق لا تزال تمارس نفس الإشعاع الذي يخرج دفعات من أفواج القاعديين الذين ينخرطون في مختلف التنظيمات التي تؤمن بالفكر القاعدي الأصولي ،كما أن مظاهر طالبان التي سادت أفغانستان عندما كانت في الحكم ،لا تزال هي المخيمة على الوضع العام ، كأن الحركة لا تزال في الحكم قبل الغزو الأمريكي الغربي . إن سيطرت حميد كرزاي لا تتعد بعض مناطق كابول ، مثل أن سلطة حكومة الملكي في العراق لن تتجاوز المنطقة الخضراء ، في حين يسيطر على الأجزاء الأخرى المتبقية من بغداد والعراق منظمات القاعدة المختلفة ، والحركات الجهادية وجيش المهدي . ونلفت النظر إلى أن بحثنا للظاهرة الإسلامية في شكلها السلفي الجامد ، أو الجهادي التكفيري ، سينصب على تفنيد اتجاهاتهم الإيديولوجية فقط أي إننا سوف لن نناقش التشريع أو نصدر الفتاوى لان هذا من اختصاص المختصين من العلماء .
إن السؤال الذي نطرحه في هذا الباب قبل الغوص في الموضوع :
--- هل يجوز التسليم بالاختلاف والاجتهاد في الإسلام ، أم يجب التسليم التلقائي بفكرة الهيمنة الإلهية على الإنسان والكون والحياة ؟.
--- هل يجوز تكفير أي شيء إذا لم يكن ضمن التنظيم أو كان مخالفا له ؟.
--- ما هي المعايير التي تلجا إليها تلك الحركات لاعتبار الشخص أو تنظيم أو نظام بأنه كافر ؟.
--- هل يجوز شرعا نفي شرعية السلطة السياسية التي لا تقيم مشروعيتها على الشرعية الإلهية ( الأنظمة السياسية العربية ) ؟.
--- هل يعتبر تطبيق السلطة السياسية للشريعة في الحكم ، دليلا على إسلامية تلك السلطة ، أم يعتبر دليلا على مشروعيتها المفقودة ؟.
--- هل شرعية السلطة السياسية في الأرض تتحدد بمعيار انقيادها إلى الله أو لمعيار الشورى بين أهل الحل والعقد أو مجلس الإرشاد ، أم تتحدد بالخضوع لنتائج صناديق الاقتراع أو بالتركيز على سلطة القوة والجبروت في الحكم وفي الممارسة السياسية ؟.
--- وأخيرا هل الحاكمية لله أم أنها للبشر ؟ أي من يحكم الله أم الإنسان ؟.
قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة ، نشير بداية أن الإسلام كعقيدة ، دين مقدس ، بعيد عن التزمت والتطرف ، وانه يقر باليسر لا بالعسر في المعاملات وفي العبادات ، ومن ثم فان من صفات الإسلام انه يقر بمبدأ الحق في الاختلاف ويحض على الاجتهاد واستعمال العقل لكشف خبايا الكون وتعقيداته ، كما ينص على مسؤولية الإنسان واختياره في الأمور التي تهم الشؤون العامة في الحكم السياسي ، وفي تصريف الشأن العام . وبرجوعنا إلى القران الكريم ، نجد الآية الكريمة في صورة هود تقول " ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " ، ثم قوله تعالى " وشاورهم في الأمر " ، " وأمرهم شورى بينهم "، ثم ثابت الحديث النبوي الشريف الذي رواه مسلم وابن ماجة وابن حنبل عن طلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة وانس بن مالك ... الخ عن قوله ( ص ) " ما كان من أمر دينكم فإلي مرجعه ، وما كان من أمر دنياكم فانتم اعلم به " ... ومن هنا فان الجماعات الإسلامية التكفيرية والجهادية حين تعمد إلى القول بان اصل الحاكمية الله ، فإنهم يخلطون بين أمرين أساسيين هما :
--- أولا : جهلهم بالسياق الذي وردت فيه الآيات القرآنية .
--- ثانيا : عدم معرفتهم وجهلهم بأسباب النزول . أي نزول الآيات التي يستشهدون بها ، وهذا شيء مهم جدا ، لان الذي يحصل هو أن بناء الأحكام عليها يؤدي إلى الغلو والتطرف ، ومن ثم يعطي للآيات معاني وتفسيرات تجانب حقيقتها . أي الجهل بأسباب النزول ، وشرح الآية بما ينسجم ومشروع الجماعة السياسي والإيديولوجي . إن هذا الوضع هو تحصيل حاصل ، لهذا التحليل والاجتهاد والتأويل الخاطئين . وسنضرب مثالا بسيطا عن سلبيات الشمولية في فهم النصوص وتطبيق الأحكام .. إن جميع المسلمين على علم بواقعة الخندق في التاريخ السياسي الإسلامي ، وفيها اقترح سلمان الفارسي أن يحفر المسلمون خندقا حول مواقعهم ، وهذا اجتهاد وعلم في حينه في كيفية رد الأعداء ، فقام النبي ( ص ) وحمل معوله وبدا فعلا بالحفر مع المسلمين . بعد انتهاء المعركة بالنصر الذي تحقق بفضل اجتهاد سلمان الفارسي ، لمس الجميع أهمية ذاك الاقتراح . وكعادة العرب المسلمين تنازع المهاجرون والأنصار حول انتماء سلمان لتعزيز القبيلة ، وللظفر أكثر بغنيمة النصر . فقال المهاجرون إن سلمان منا . وقال الأنصار بل سلمان منا . فتدخل الرسول عليه السلام حاسما الأمر والاختلاف فقال " إن سلمان من أهل البيت ". ما نلاحظه في هذه الواقعة ، انه لا الوحي نزل ليقول للرسول ولا القران الكريم أمر بحفر الخندق ، بل ترك الرسول والمؤمنون معه يتدبرون الأمر ، ويجتهدوا لمواجهة مشكلة طارئة وعويصة . مشكلة الضعف مقابل القوة . القلة مقابل الكثرة ، والفقر في مواجهة الغنى ، وبعد التفكير واستعمال العقل أتت فكرة سلمان بحفر الخندق كحل للمشكلة التي لم تكن متوقعة . ولنفرض جدلا أن القران الكريم أو الوحي آنذاك أمر بحفر الخندق ، لتحول الأمر إلى نص ملزم يجب التقييد به ، ولنأت بعد ألف سنة لنقول يجب حفر الخنادق لمواجهة قاذفات b52 et b53 وطائرات الشبح وصواريخ طوماهوك وكروز .. والقنابل النووية والهيدروجينية ... وهذا التصور الجامد يتنافى مع حكم الله وسنته ، وهذا هو الخطأ الجسيم الذي سقطت فيه القاعدة وطالبان بأفغانستان ، وسقط فيه ابومصعب الزرقاوي في العراق ، وتسقط فيه اليوم حماس بقطاع غزة . ولو كان اليابانيون مسلمين لقلنا انه نفس الخطأ الذي انتهى بتدمير ناكازاكي وهيروشيما على رؤوس ساكنيهما في الحرب العالمية الثانية . فعوض دراسة الظرفية ، والتغييرات اللوجيستيكية ، ومعرفة التقنيات العالية بفضل تقدم العلوم ، بفعل استخدام العقل والمنطق عند الغربيين ، استمرت طالبان والقاعدة في حفر الخنادق والحفر للاختباء بها ، واستعمالها لمباغتة العدو ، فكانت النتيجة تدمير تلك المغارات والحفر بمن فيها ، وكانت المأساة التي انعكست سلبا على القضايا الإسلامية والعربية في فلسطين ، العراق ، أفغانستان ، كشمير والشيشان .، كما انعكس هذا التصور المتزمت بالسلب على الإسلام الذي أصبح مرادفا للإرهاب في الإيديولوجية الغربية والصهيونية . إذن السؤال المطروح اليوم : هل يجب استعمال العقل والتبصر في معالجة الظواهر والقضايا الطارئة التي تأتي في آخر ساعة ، أم ينبغي الرجوع في كل كبيرة وصغيرة إلى نظرية الحاكمية لله وليس للإنسان الذي عليه ابتكار الحلول لمواجهة تعقيدات الكون ؟
قبل أن نجيب نشير إلى أن مفهوم الحاكمية خاصة عند أبي الأعلى المودودي ( المدرسة الباكستانية والوهابية في نصها التقليدي ) ، التي تغرف منها جميع الحركات التكفيرية والجهادية والنصية السلفية ... هو جعل الحاكمية فلسفة ومفتاحا لنظريته السياسية ، لأنها في اعتقاده تشكل الأساس الذي يجب أن يرتكز عليه كل نظام سياسي يسود المجتمعات الإسلامية ، بل يجب أن يسود العالم كله ، لان الإسلام أممي التوجه ولا يرتكز على الضيق الجغرافي . كل ارض الله تسمى بلاد الإسلام ، لذا فان المودودي يعتبر الحاكمية لله هي أول بند يجب تأكيده في دستور المسلمين ، وهذا في حد ذاته لا يعني إثبات فقط مسالة دينية الغرض منها إثبات نوعية عقيدة الدولة ، لكن يعني أن كل مؤسسات الدولة يجب أن تقوم على أساس قوانين وشرائع إلهية ، بل إن كل المعاملات الفردية والجماعية يجب أن تضبطها معايير دينية ...وعليه ومن خلال هذه الرؤية للأشياء تقتصر مهمة الفرد عند المودودي في تعمير الأرض وفق هذا التعاقد . إن الحالة ليس كما في المجتمعات الديمقراطية ، حيث ينظم الإنسان حياته تبعا لتعاقد مجتمعي ، ومن ثم إقامة سلطة سياسية خاضعة لقوانين وضعية أساسها الإنسان وصناديق الاقتراع . إن السلطة السياسية الحقيقة ، كما يرى المودودي إنما هي من اختصاص الله ومنه تستمد كل القوانين . فلا حاكم إلا الله . ولا خضوع لحكومة ، ولا اعتراف بدستور ، ولا انقياد لقانون ، ولا سلطان على الفرد لمحكمة من المحاكم الدنيوية ، وليس هناك من صاحب سيادة . إن السيادة كلها مستمدة من شرع الله ، ولا مشرع من دونه . إن القانون قانونه ، ولا يليق أو يصح التشريع إلا بشأنه ، ولا يستحقه إلا هو ، وحسب هذه الفلسفة المودودية إن الله اصل كل إصلاح وأساسه . أما حاكمية الإنسان ومن منظار نفس الفلسفة ، فهي اصل الظلم والفساد والكفر . ويمثل الرسول عليه السلام وسيلة لذلك التعاقد المتحدث عنه أعلاه ، لذا كان على الفرد طاعة رسول الله وعدم الانسياق وراء العقل وما يتطلع إليه من حرية لأنه هو اصل الكفر . ودائما في نظر المودودي ، إن حرية الفكر والعقل والاجتهاد والتأويل والابتعاد عن الجمود والنصية ، عند عدم وجود نص يتناقض مع شرع الله وإحكامه تبقى محدودة بل منعدمة ، لذا وجب انتقال الحكم السياسي من براثن العقل الإنساني ، إلى الله ورسوله فقط ،أي الكتاب والسنة النبوية . وإذا كان المودودي في بعض الحالات الشاذة يذهب إلى إمكانية استعمال العقل في الحياة السياسية وليس الدينية ، فانه سرعان ما يقيده في مجال الفهم ، ويحرمه في مجال الشك والتساؤل ، سواء تم التطابق بين أحكام العقل وبين الأحكام والأوامر الإلهية السامية والسنة النبوية الشريفة أو لم يتم ذلك .. فالنظام حسب هذه الفلسفة يجب أن يقوم على الطاعة العمياء ، والتسليم المطلق ، وان الشك والديكارتية والتساؤل لا يؤدي بأصحابه سوى إلى الفوضى والمروق والبغي السياسي والخروج عن الدين . فلا مكان إذن للعقل عند المودودي في العملية الإصلاحية ، ولا غرابة في ذلك مادام انه ينظر إلى الإنسان صانع الإحداث والتاريخ نظرة دنيوية وناقصة . إن الإنسان ما خلق إلا للعبودية وهو فقير محتاج ضعيف من حيث الفطرة ، وان الله قد خلقهم على ضعف فطري .. إن المودودي وهو يستهل مشروع دستوره بتحديد لمن الحاكمية ، فانه يعتمد في ذلك احد أهم أركان الإسلام وهو التوحيد ليخرجه من مجال الإيمان ، ويوظفه توظيفا سياسيا لبلوغ هدف سياسي ، أي تبرير والتزام بما قامت عليه الدولة الإسلامية المملوكية ، وخاصة وان المودودي بطرحه الحاكمية لله ، فانه يكون قد مهد الطريق لتزعم حركة الانشقاق عن الهند ، ومن ثم رسم خطوة الألف ميل لإقامة الدولة الإسلامية . لذا فهو يرى أن صرح الدولة الإسلامية لا يمكن البتة أن ينهض دون الإقرار بمبدأ التوحيد الذي يسيطر على جميع نواحي الحياة الإنسانية الفردية والجماعية .. إن القول بالحاكمية ،كان الهدف منه إقامة دولة ثيوقراطية دينية استبدادية ، لا يكون فيها أساس الحكم السياسي الإنسان كطبقة أو حزب أو حاكم اوليغارشي أو ما شابه ذلك ، لكن أساس الحكم السياسي يجب أن يكون الله وحده . إن هذا المنال هو الذي توخته منظمة القاعدة ، وتعمل للوصول إليه جميع الحركات الإسلامية من سنية نصية ، إلى جهادية وتكفيرية .
إن الفلسفة المودودية لا تعترف سوى بحزبين : حزب الله ، وحزب الشيطان الذي تجب محاربته بجميع الوسائل وبدون رحمة ، لذلك فان هذا التحليل يبرر من وجهة نظرهم جميع الممارسات ولو أدت إلى إزهاق أرواح بريئة لا علاقة لها بالصراع الدائر في الساحة . ومن هذه الأطروحة المتطرفة يخلص المودودي الى القول " إن الإسلام يأبى أن يتحزب أهل المشورة " ، وعلى هذا الأساس سميت طالبان باسم الحركة ، وسميت القاعدة باسم المنظمة ، وبناء على هذا الأساس كذلك تم منع جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية وبما فيها حتى تلك التي توظف الإسلام في العمل السياسي .
الحقيقة أن أصحاب دعوة الحاكمية الى الله التي ظهرت في زمن الإمام علي ابن أبي طالب " إلا أن الحكم لله " فقال " كلمة حق يراد بها باطل ".. ينطلقون من تصور خاطئ ، حيث يتصورون أن الدين الإسلامي أو القران والسنة لم يتركا كبيرة وصغيرة إلا ونظماها ، وأصدرا فيها أحكاما . هذا غير صحيح من الناحية العلمية والتحليلية وحتى المنطقية ، ذلك أن سر خلود الدين الإسلامي في الزمان والمكان ، انه حدد العقائد والعبادات والتوجهات الرئيسية في المعاملات .. وهذا شيء مسلم به ، وغيره تركه للعقل البشري .. وإذا كان الإسلام قد جاء بفلسفة شمولية كاملة ، ولم يفصل في كل ما يتعلق بحياتنا من نظم سياسية واجتماعية واقتصادية ، فانه ترك لعقولنا أن تتولى أمر معالجة هذه الظواهر ، ومن هنا جاء الاجتهاد كمصدر هام من مصادر التشريع الإسلامي . وعليه فان مقولة من قبيل إن الدين قد قدم لنا كل ما يلزمنا في حياتنا ، تبقى سندا مغشوشا الهدف منه إلغاء عقولنا بشكل يجعلنا سواسية مع الجماد والحيوان ، وهذا يتناقض مع قوله تعالى ، انه جعل الإنسان خليفته في الأرض وميزه عن الكائنات الأخرى بالعقل والإدراك ... لذا فان كنا نسلم بالآيات المحكمة جميعا .. إن القاتل يقتل .. وان الزاني يرجم .. الخ ، إنما الحياة اليوم ليست فقط قتلا وليست فقط زنى وليست حدودا . إن الحدود محصورة والوسائل الواردة في الدين الإسلامي محدودة ، والدين جاء لكي يواكب العصور والأزمان حتى يفني الله الأرض وما فيها .
كانت الديانات تأتي عندما ينتشر الفساد ويعم الظلم ، فيأتي نبي برسالة جديدة وثورة إنسانية جديدة ، تمحو هذا الفساد والظلم ، وتبدأ الكرة من جديد ، وأيضا يتغير المجتمع ، وتختلف عاداته ،وينحرف إلى حد كبير ، وتأتي رسالة جديدة وهكذا... بينما لما جاء الإسلام ، جاء كآخر الرسالات ، وكآخر الأديان .. وقد ثبت صحة هذا لأنه لم يأت دين من بعده ، لأنه ترك مساحة كبيرة للعقل البشري كي يتدبر أموره . إن كل ما جاء في الدين الإسلامي عبارة عن توجهات وقضايا كلية . مثلا : " وإذا حكمتم بين الناس ، فاحكموا بالعدل " . إن جوهر المسالة هنا هو إن نحكم بالعدل . إنما كيف نحكم بالعدل ؟. هل الذي سيحكم سيكون محكمة إدارية ، محكمة للأحوال الشخصية ، محكمة تجارية ، ابتدائية ، استئنافية ، أو المجلس الأعلى للقضاء ؟. هل قاض واحد أو قاضيان أو ثلاثة ؟.. هل القضاة يعينون أم ينتخبون ؟... الخ . فهذه الاجراءات متروكة للعقل البشري ، لأنها مرتبطة بظروف المجتمعات وتطور الأزمنة . فلا نستطيع في عصرنا الحالي إحضار الخليفة ليحكم بين الناس ، لان هناك آلاف القضايا المختلفة والمتعددة تطرح اليوم . إذن السؤال سيصبح كيف نشكل النظام القضائي في هذا الظرف بالذات ؟ فما كان يتم منذ ألف سنة أصبح غير صالح الآن . أما الجوهر فلابد أن نحافظ عليه . إن الدين الإسلامي دين جوهر . أما الأنظمة والإجراءات فهي تشكل أسلوب المعالجة لكي نصل إلى هذا الجوهر . فليس مطلوبا من أي ملك أو أمير ورئيس أن يرتدي جلابة أو سلهاما فيه مائة رقعة ، ويمشي حافي القدمين ، وينام في خيمة سوداء أو تحت شجرة ، ويتغذى بثمرة ، ويركب حمارا أو بغلة ..الخ . لكن المطلوب هو الحفاظ على الجوهر ، لان التركبة النفسية للإنسان العربي مكونة في اغلبها من دين ، لذا يجب معالجة القضايا والإشكالات الإنسانية دون اصطدام بالدين .. ويصبح السؤال ، هل الحاكمية لله أم للإنسان ؟ أي هل الحاكمية لله في كل شيء ، أم يجب أن نحكم حكم الله فيما نص عليه القران الكريم ، ونظمته سنة نبيه الحكيم وفتاوى فقهاء وعلماء الإسلام ؟.
إن منظمة القاعدة وجماعات التكفير والتحريم والهجرة في شرق الوطن العربي وفي غربه تطرح الحاكمية لله وحده ، وان السلطة السياسية كلها مستمدة من الله ، وان أي نظام سياسي ، لا يأخذ بنظام الخلافة الراشدة ،يعتبر نظاما ليس شرعيا ، استنادا على الدعوة التي يرجعون تفسيرها إلى الآيات القرآنية الكريمة : " من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " ، " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون " ، " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ".. الخ. إن هذه الآيات الكريمة وغيرها كثير ، حين نسمعها لأول مرة تبدو لنا مهمة وأساسية ، لكن عند التمحيص في الأمر جيدا سنجد أن المقصود بها غير المعنى الذي تقصده هذه الجماعات ، والا كيف أن نوازن بين مجموع الآيات القرآنية ، أو نقارن بينها ، وبين آيات أخرى تطرح مثلا " وشاورهم في الأمر " ، " وأمرهم شورى بينهم ".. الخ . وكيف نقارن بين هذا الأمر ، وبين ثابت الحديث النبوي الشريف الذي يقول " ما كان من أمر دينكم فإلي مرجعه ، وما كان من أمر دنياكم فانتم اعلم به ". إن هذا البرهان تحديد واضح وقاطع لاستخدام العقل .. إن الخلل في تفسير بعض الجماعات للآيات القرآنية ، يعود كما أسلفنا أعلاه إلى أمرين :
الأمر الأول وهو عدم مراعاة السياق الذي وردت فيه الآيات القرآنية .
الأمر الثاني هو عدم معرفة أسباب النزول عند الاستشهاد بالآيات ، ومن ثم فان بناء الأحكام عليها يؤدي إلى نتيجة مغايرة لقصدها الحقيقي .
إن الآية الكريمة في سورة المائدة مثلا تقول " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله " ، ويعني بها الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل وفلسطين . فإذا نحن جارينا منطق دعاة الحاكمية لله ، فهذا يعني تبريرا للحركة الصهيونية وإعطائها شرعية الوجود في فلسطين ، بينما لو رجعنا إلى شروحات القران الكريم ، فإننا سنجد أن الآية الكريمة تسرد واقعة تاريخية قبل 2000 سنة عندما كانت تخاطب بني إسرائيل في ذلك الوقت . لذلك فان معرفة أسباب النزول والظروف التاريخية التي أدت لذلك مهم جدا في تفسير الآية ، أو الحديث ، وعلى هذا الحكم يجمع كل مفسري القران الكريم .
من جهة أخرى ، عندما تستخدم الجماعات الإسلامية عبارة حكم الله ، فإنهم يظنون أن القران الكريم والسنة النبوية ، والفكر السياسي الإسلامي يستخدمون الحكم للدلالة على النظام السياسي في الحكم بالمفهوم المعاصر . لكن الحقيقة إن هذا المفهوم كانت له دلالة أخرى . فلو رجعنا مثلا للاستدلالات القرآنية لكلمة حكم ، سنجد أن هذه الكلمة وردت ضمن معنيين :
المعنى الأول ، يعني القضاء والفصل في المنازعات ،أي الحكم والتحكيم كما ورد في الآية الكريمة " ثم إلي مرجعكم ،فاحكم بينكم بما كنتم فيه تختلفون " ، وفي العصر الحديث تعني كلمة حكم نوع النظام السياسي السائد في الدولة .
المعنى الثاني ، هو الفقه والعلم ،مثلا يقول القران الكريم في وصف النبي يحيى " واتيناه الحكم صبيا ". طبعا لم يكن القصد من الآية إعطاؤه الحكم السياسي بمعنى السلطة السياسية لتدبير شؤون الدولة أو الجماعة وهو صبي ، فهذا تصور لا يقبل به عقل سليم ، لكن المقصود من الآية أننا أعطيناه الفقه والعلم والحكمة والمعرفة وهو صبيا ... كذلك يناجي النبي إبراهيم ربه فيقول " ربي هب لي حكما وألحقني بالصالحين " . طبعا المعنى هنا ليس أعطيني السلطة السياسية لأحكم البلد ، لكن المعنى هو أعطيني العلم والفقه والحكمة . وإذا نحن رجعنا إلى الأدب السياسي الإسلامي والفكر السياسي للإسلام ، سنجد أن مصطلح الحكم استخدم بصيغة الأمر ، ومن كلمة الأمر اشتقت الأمارة ، واشتقت كلمة الأمير الذي هو على راس السلطة السياسية في الدولة ، وهو ما يطلق عليه عندنا في المغرب بإمارة أمير المؤمنين ، التي على رأسها أمير للمؤمنين . إن الأمر كلمة لها اتصال بالإتمار و بالتشاور التي هي في الحقيقة فلسفة الحكم في الإسلام . ومن هنا تقول الآية الكريمة " وشاورهم في الأمر " ، " وأمرهم شورى بينهم " ، " وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ".. الخ .إننا كمسلين نسلم بكلمة الحاكمية لله ، كما جاء في كتابه وسنة رسوله لما أرسل النبي ( ص ) معاد بن جبل قاضيا على اليمن فقال له : بما ذا تحكم يا معاد ؟. قال إذا عرضت علي قضية احكم فيها بما جاء في كتاب الله . قال له وإذا لم تجد ؟. إذن هنا نستفيد أن كتاب الله لم يأت بحلول نهائية شاملة لكل صغيرة وكبيرة قال : احكم بسنة رسول الله . قال له وان لم تجد؟. هنا إذن نستفيد إن سنة رسول الله لم تأت بحلول نهائية شاملة لكل مشكلة متغيرة وغير متوقعة . قال اجتهد رأيي ولا آلو ، أي لا أتوقف . قال النبي ( ص ) الحمد لله الذي ارشد مندوب رسول الله إلى ما يحبه الله ويرضاه .
إن سياقنا لهذه الأمثلة وغيرها كثير يحفل بها التراث الإسلامي ، ليس القصد منه إننا في أمس الحاجة للبحث في حقيقة الوجود ،و لا عن أسباب المطلق في الإسلام . إن الدين غني عن هذا كله ، لأنه دين قوة ومناعة وعزة وشهامة وثورة متجددة على الفساد والظلم . فأين إذن الاختلاف بين دعاة استعمال العقل وبين أولئك الذين يعارضونه باسم الإسلام رغم أن هذا يحبذ ويشجع استعمال العقل والتفكير ويدعو إلى الاجتهاد ، ويمقت التزمت والتحجر والتقوقع في أحضان النصية الجامدة لتبرير مشاريع ذاتية تتجاوز الأغراض الدينية .
إن مكمن الاختلاف بين المدرستين أو الاتجاهين إن صح التعبير ، أن الاتجاه الثاني ينفي ويعدم كل شيء ، إن الاتجاه الأول يأخذ الجانب الديني في عمومه ومجمله ، وبما اجمع عليه لا نجزأه ولا نفرقه . فلا يمكن مثلا التفريق بين الصلاة وبين طريقة استخدام مال الدولة والشعب الذي يدفعه في شكل ضرائب مختلفة تؤثر على مستواه المعيشي . كذلك لا يمكن أن نفرق بين العقيدة وبين إصلاح الإنسان وسعادته وسعيه بغير استغلال وبغير نهب وظلم .. إن الدين الإسلامي يقوم على أبعاد اجتماعية هامة لم يكتشفها أصحاب الاتجاه الثاني قصدا أو إهمالا ، بوعي أو دونه .. إن المسلم الحقيقي الذي يتسم بالرؤية النيرة ، يؤمن بعدة حقائق أساسية منها أن الدين الإسلامي يقوم في بعده الشامل على حقيقة تقول بأنه لا يجوز لأحد أن يعيش مترفا في دار الإسلام ، وهناك في هذه الدار مسلم أو إنسان لم يصل إلى حد الكفاية وليس إلى حد الكفاف ،خاصة إذا كان مصدر تحصيل الثروة الفساد من خلال الرشوة واستغلال المنصب للابتزاز والنهب ومراكمة الثروة بطرق غير مشروعة . وينبغي أن نعلن أن حد الكفاية يعني مسكن مناسب ، ملبس مناسب ، مأوى مناسب ، مأكل مناسب ،وسيلة نقل مناسبة وتطبيب مناسب .. الخ ، وهي مواصفات الحياة المنعدمة للسواد الأعظم من الشعب المغربي . وحتى يتحقق ذلك كله فليس من حق احد أن يعيش في ترف وتبذير والا فان حياته تعتبر سحقا وظلما "يأكلون في بطونهم نارا " .
المسلم صاحب الروية يؤمن بان الإسلام جاء كعقيدة لا تتعرض للتفاصيل الجزئية ، لكن تتعرض للتفاصيل الكلية التي نستهدي بها في حياتنا العملية . ومن ضمن القضايا الكلية التي نهتدي بها ، انه ليس من حق احد شيخ أو أمير أو ملك ورئيس جمهورية أن يعيش مترفا ، والناس لم تصل إلى الكفاف دون الكفاية ، بل وصلت إلى حد الاقتيات والأكل من القمامة ، وهو ما يعني تقتيل كرامة المواطن وإهانته ومس نخوته .
إن الحقيقة الدينية الثانية التي يؤمن بها المسلم صاحب الروية والعقل السليم ، إضافة إلى الجانب الفلسفي الذي حدده الدين كحقائق مطلقة ، انه لا يحق لأحد في دار الإسلام أن يمتلك شيئا دون حاجة ضرورية . يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم " خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين " .معنى خذ العفو أي خذ ما يسد حاجة الإنسان الضرورية . وقد اختلف الفقهاء حول المدى الزماني اللازم للحاجة الضرورية . هل هو يوم أو ثلاثة أيام أو سنة كاملة ؟. إنما حتى وفق أضيق التفسيرات لا يحق لأحد أن يمسك لديه من مال خاص يزيد عن حاجته الضرورية ، بل حتى الحاجة الضرورية يستطيع الحاكم أن يا خد منها ليرد إلى إنسان لم يصل إلى حد الكفاف أو إلى حد الكفاية . في النهاية إن المسلم صاحب الروية والعقل النير يؤمن بالدين الإسلامي ككل الأديان عموما لأنه لا يفرق بين الأديان ، وما الإسلام إلا لبنة أخرى وأخيرة في الدين كله . إننا نؤمن إيمانا شديدا أن الدين الإسلامي الحنيف لا يصادم ما ينبغي أن نتخذه من أنظمة تفصيلية في حياتنا وتقرير مصيرنا ، لأننا نحن اعرف بأمور قضايانا ومشاكلنا . كان الرسول (ص ) قد أمر الناس ألا يئبروا النخل ، ففعلوها ولم يثمر النخل في السنة التالية فسألوه : لقد أمرتنا يارسولالله ألا نؤبر النخل ، وهاهو النخل لم يثمر في هذا العام ، فرد الرسول عليهم ، بان ابروه أو لاتؤبروه انتم اعلم بشؤون دنياكم .
في معركة بدر عندما أشار الرسول على المسلمين بالنزول في مكان معين فسأله احدهم : " هل هذه منزلة أنزلك إياه الله أم هي الحرب والرأي والمكيدة "؟. فأجاب الرسول عليه السلام " بل هي الحرب والرأي والمكيدة ". فقال له " إذن فهذا ليس بمنزل " ( بضم الميم ) ، فاصطف المسلمون أمام عين الماء حتى يحاربوا وورائهم الماء يمنعونه على المشركين ، وكانت النتيجة انتصار المسلمين في تلك المعركة ..إن هذه الأمثلة والحجج وغيرها كثير ، تؤكد لنا حقيقة أساسية في العبادات والمعاملات ، هي أن الإسلام نؤمن به ونسلم به ونتبعه ونطيعه ، أما في القضايا الشخصية فقد جاءنا بعموميات كلية ، ولم يأت بأنظمة تفصيلية تاركا للعقل البشري القدرة على أن يجتهد ليحقق لنفسه سعادته وطمأنينته وسكينته وتنظيم شؤون حياته .. انه مطلوب شرعا وفرضا أن نضع النظام الذي يستطيع في مكان معين وفي فترة زمنية معينة ومحددة ، مواجهة مشكلات معينة أهمها الظلم بمختلف أشكاله ، الفقر ، الجهل ، التسلط والتخلف ، وان نضع من الأنظمة والنظريات ومن المناهج والأسس ما نستطيع أن نعيش به كرماء أعزاء أحرارا ، لان الله سبحانه وتعالى خلق الناس أعزاء أحرار ، وخلق ابن آدم خليفته في الأرض . فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم " ولقد كرمنا بني آدم " فأين نحن من هذا التكريم لابن آدم وهو جائع مريض حافي القدمين ، لا مأوى ولا لباس له يستر به عورته ، ومعرض للظلم والاضطهاد وسلب حقوقه ...؟.
إن الله لم يخلقنا ليقدر لنا الجوع والعري والتشرد وهضم الحقوق وممارسة الظلم والجبروت بكل اشكالهما ... ولكن الإنسان هو الذي فعل هذا كله ، وعليه لابد من مواجهته بكل الوسائل الممكنة وان اقتضت الضرورة وظروف الحال بالوسائل غير الممكنة كذلك لإحقاق كلمة الله بان يكون الإنسان مكرما ومبجلا . أي مواجهة المنكر والانتفاضة على الواقفين ورائه .إن الأقلية الظالمة فاسقة " وإذا أردنا أن نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها " . الملاحظ وكما تدل على ذلك كل أساطير الأولين . إن الصراع بين الأقلية المترفة المختلسة والسارقة وبين جمهور المقهورين حتمي في نهاية المطاف .. والإسلام كدين سامي يرفض الظلم والطغيان ، ويحض بل يدعو إلى ثورة المظلومين . قال الرسول ( ص ) من رأى منكم منكر فليغيره بيده ،فان لم يستطع فبلسانه ، فمن لم يستطع فبقلبه .."والله سبحانه وتعالى يعلم علم اليقين أن الظلمة لا يرتعدون بالحسنى والموعظة الحسنة " ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا " ، وإنما الردع بالعنف الناتج عن العنف الأخر هو وحده يعطي نتائج ايجابية لصالح المستضعفين والمقهورين والمهمشين " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " ، فلا بد من الهزة الرادعة ، وهذا يوجب التضحية والمثابرة والاستماتة وعدم الاستسلام أو الرضوخ . يقول ابن خلدون " فلما كان الظلم مؤذنا بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران ، كانت حكمة الخطر فيه موجودة ،فكان تحريمه مهما وأدلته من القران والسنة كثيرة أكثر من أن يأخذها قانون الضبط والحصر " ، وأما عن فائض القيمة فقال : " ... ومن اشد الظلمات وأعظمها في إفساد العمران ، تكليف الأعمال وتسخير الرعايا بغير حق ، ذلك أن الأعمال من قبيل الممولات ، لان الرزق والكسب إنما هو قيم أعمال أهل العمران .. فإذا مساعيهم وأعمالهم كلها ممولات ومكاسب لهم ، بل لا مكاسب لهم سواها ، فان الرعية المتعلمين في العمارة إنما معاشهم ومكاسبهم من اعتمالهم ذلك ، فإذا كلفوا العمل في غير شانهم واتخذوا سخريا في معاشهم ، بطل كسبهم ، واغتصبوا قيمة عملهم وذلك وهو ممولهم ، فدخل عليهم الضرر ،وذهب لهم حظ كبير من معاشهم ، بل هو معاشهم بالجملة ، وان تكرر ذلك عليهم افسد آمالهم في العمارة وقعدوا عن السعي فيها جملة فادى ذلك إلى انتفاض العمران وتخريجه ...".
كما أننا نؤمن بان الشريعة شان الهي ، فإننا نؤمن كذلك أن الفقه ، أي الفهم والتفسير هو شان بشري . إن الشريعة الإسلامية واحدة ،أما الفقه فهو متعدد .. الشريعة ثابتة والفقه متغير ، إذن فهو نسبي وناقص ،لأنه بشري ، وحيث إن الله وحده له صفة الإطلاق والكمال . إن هذا الاقتناع هو الذي يسهل علينا أن نقيم الفرق بين سلطة الشرع ( الله ) ، وبين سلطة الفقيه ( السلطة الزمنية )..إن الأولى تعد مطلقة وتتضمن عنصر الالتزام بذاتها ، أي بما هي أوامر إلهية . أما الثانية فهي نسبية ، استمرارها أو عدم استمرارها يتوقف على طبيعة العقد الاجتماعي بين الفقيه أو السلطة السياسية وبين المجتمع . . وللملاحظة فان اختلاف المواقف والتفسير والتأويل بخصوص التعامل مع النصوص تبقى مسالة مسلمة ،لأنها ترجع في سببها إلى وجود تيارات سياسية إسلامية متعددة ،متنوعة ومختلفة فيما بينها أحيانا ، ومتصارعة وعنيفة أحيانا أخرى ، خاصة وان ما يزكي هذه الأطروحة ، اعتقاد بعض الجماعات المتطرفة بحديث لم تثبت صحته يقول " ستنتهي أمتي في آخر الزمان إلى ثلاثة وسبعون فرقة اثنتان وسبعون منها في النار وواحدة فقط في الجنة " ، حيث أن كل فرقة تتصور أنها الناجية ، وان الباقي في النار . إن هذا التعدد والاختلاف شيء طبيعي، لأنهم يتفقون على العموميات ، لكن عند الدخول في التفاصيل يختلفون اختلافا شديدا ، وكما يقول المثل الألماني " في التفاصيل يدخل الشيطان ".

في المغرب بلغت هذه المسالة درجتها القصوى ، حين كفرت بعض الجماعات بعض الأحزاب والتنظيمات الإسلامية مثل حزب العدالة والتنمية ، جماعة العدل والإحسان وحزب البديل الحضاري المنحل والحركة من اجل الأمة فقط لأنهم امنوا بالانتخابات وبالديمقراطية التي أساسها صناديق الاقتراع رغم اختلاف مفهوم الديمقراطية عند هذه الأحزاب والهدف الاستراتيجي المتوخى عند بعضها. وكيف هو متعارف عليه فان تلك الجماعات النصية المتطرفة تعتبر الانتخابات والديمقراطية صنعة مسيحية يهودية ، وأنها اكبر كفر وشرك بالله وبالقران الذي يحث على الشورى . . ورغم ذلك فإننا نرى أن اصل الاختلاف والخلاف بين هذه الجماعات والتنظيمات داخل الحقل الإسلامي ،لا يستند في أصله إلى الخلاف على الثوابت أو على النصوص الشرعية . إن هذه من المسلمات الأساسية التي لا تقبل الشك أو النقاش ، لكن ينصب الاختلاف و يسود الخلاف على تفسير النصوص ، بسبب الاختلاف في الفهم والاستيعاب ، أي على المتغيرات المرتبطة بتغير الظروف والأحوال السياسية . فليس هناك خلاف بين السني والشيعي ، أو بين الحنبلي والشافعي أو بين المالكي والحنفي ، أو بين مسلم من المغرب وآخر من مصر مثلا حول وحدانية الله والعدل السماوي ، أو حول العبادات والصلوات أو حول العقيدة ... لكن عندما يتم الانتقال إلى المسائل الدنيوية وخاصة عند بحث مسالة الحكم السياسي أو السلطة السياسية ، هنا يحدث الخلاف والاختلاف .. فبعضهم يذهب إلى أن الحاكم يعتبر مسئولا أمام الرعية ، والبعض الآخر يقول بمسؤوليته أمام الله فقط ، بعضهم يذهب إلى أن الشورى ملزمة وبعضهم يذهب إلى إنها غير ملزمة ، بعضهم يذهب إلى أن الخلافة ركن أساسي في النظام السياسي الإسلامي ، وبعضهم يقول إنها ليست كذلك ، بعضهم يقول بالدولة الإسلامية والحكم الإسلامي ، والبعض الآخر يكتفي بالقول بالحكومة الإسلامية أو فقط بضرورة التنصيص عليها في الدستور ، البعض يقر بمشروعية البيعة للحاكم ، والبعض الآخر يرفض البيعة المطلقة ، ويطالب بدلها مؤقتا ومرحليا بالمبايعة المشروطة ... وهكذا . وهنا يطرح السؤال من يخضع لمن ؟ . هل الجماعة أو مجلس الشورى ا و مجلس الإرشاد أو النصيحة أو أهل الحل والعقد أو ما شابه ذلك من التسميات هي التي يجب أن تخضع للأمير لأنه اكبر درجة تراتبيا ، أم أن الأمير هو الذي يجب أن يخضع لهذه الهيئات من خلال التزامه بالشروط التي ينص عليها نظام أو عقد المبايعة ، وهو ما يسمح بل يلزم الجماعة أو إحدى تلك الهيئات أن تعزل الأمير وتبعده عن الحكم وتعوضه بغيره ، أو أن تقرر تغيير شكل الدولة بدولة أخرى تكون أكثر استجابة ومجسدة لرغبة تلك الهيئات ، خاصة عندما يخرق الأمير إحدى شروط أو ركائز المبايعة ، أو إذا حصل ما من شانه أن يعطل السير العادي للمؤسسات الدستورية .. الخ . لذا فحين يوضع الإسلام موضع الحكم السياسي ، فيصبح متغيرا بتغير الزمان والمكان ، فانه يجب الإقرار بالاختلاف والخلاف والاجتهاد في الإسلام . وضمن هذا الفهم البراغماتيكي البعيد عن الدوغمائية والنصية الجامدة ، ليس غريبا أن يتولى سيدنا أبو بكر الصديق خلافة رسول الله ( ص )بطريقة معينة ، ويتولى سيدنا عمر بن الخطاب الخلافة بطريقة معينة أخرى ، ويتولى سيدنا عثمان بن عفان الخلافة بطريقة ثالثة وهكذا...وهنا نتساءل ما العبرة من كل ذلك ؟. العبرة في أن الصحابة رضوان الله عليهم يريدون أن يعلموا الأمة أن مصدر السلطة السياسية في الإسلام ، أي فلسفة الحكم السياسي أو الدولة الإسلامية متروك للعقل البشري ، أي للاجتهاد يرتبه كما شاء ووفق مصلحة المجتمع والأمة ، وليس كما تقول بعض الجماعات المتطرفة من قبيل القاعدة وحركات التكفير والهجرة ومنظمات الجهاد .. الخ ، بضرورة إرجاع ذلك كله إلى الله فقط ، أي اعتبار الحاكمية لله فقط ونزعها عن الإنسان ، رغم انه هو اصل التاريخ والأحداث، وهو ما يعني نفي ميزة العقل في استنباط ما ينبغي أن يكون عليه شكل نظامنا السياسي . إن الدين الإسلامي كعقيدة لم يتعرض لكل كبيرة أو صغيرة ولكل مجالات الحياة بكل تفاصيلها وجزئياتها ، بل إن الإسلام قدم لنا تصورا فلسفيا لما قبل الحياة وأثنائها وبعدها ، أي انه حدد لنا حدودا أساسية ومبادئ عامة يجب أن تستند إليها حياتنا ،فهو لم يقدم لنا تصورا مفصلا ودقيقا للمسائل السياسية والدولتية التي تتغير بفعل تغير الظروف والمستجدات ، وبفعل حركية العقل البشري التي يرفض الجمود والسكون ، والا لكان الإسلام قد صادر عقولنا وتركنا بدونها كالجماد ولا أقول الحيوانات لأنها هي كذلك تفكر بما حباها الله من حدس وسليقة طبيعية غير متحكم فيها . إن أهم ما يميز الإسلام عن الديانات الأخرى ، هو احترامه العظيم للعقل البشري ، وهنا يجب ألا ننسى أن فلاسفتنا سبق أن قالوا انه لو خير الإنسان بين العقل وبين النقل ، عليه أن يختار عقله لان العقل هو الآلة التي توصل الإنسان إلى معرفة الحقيقة وكنه الكون ، أي يوصله إلى الدين والإيمان بالحقيقة ، ومن هنا فان الشريعة الإسلامية السمحاء تعتبر المجنون ليس له دين ، وان جميع القوانين الإلهية والكونية قد أبطلت التصرفات القانونية والمعاملات التي يجريها الإنسان ، وهو غائب أو في غير قوته العقلية . إن العقل آلة ضخمة ومعقدة ، له وظائف خاصة وليس فقط مجرد جوهرة للزينة أو قطعة فنية . لقد أرادنا الله سبحانه وتعالى أن نستخدم العقل في كل زمان ومكان . ومن ثم إذا جاء الدين لكي يصادر عمل العقل ووظيفته الطبيعية والإلهية فانه يتناقض مع إرادة الله ، وبالتالي لا يمكن اعتباره دينا . إن الذي يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى ، هو العقل سليما قويا ، وليس مغيبا أو مخمرا أو فاقدا للوعي والى حاسة الإدراك ، ومن هنا جاء تحريم الخمر ومشتقاتها ، لأنها تغيب العقل البشري رغم فوائدها الكثيرة . إن الله لا يريد لعبده الضعيف غير الخير ، وان الإسلام لا يريد للإنسان غير الصلاح والفلاح ، ولا يريد أن تغيب عقول المؤمنين لحظة واحدة ، لذلك فان الإسلام قد حرم كل شيء من شانه أن يؤدي إلى فقدان العقل أي إلى فقدان هذه الميزة النادرة .
إذا نحن تمعنا في جميع سور القران الكريم سنكتشف انه لا توجد هناك سورة واحدة لا تدعو إلى استعمال العقل وتشغيله مثل قوله تعالى " لعلهم يتذكرون .. لعلهم يتدبرون ..وانظروا ما في السماوات والأرض .. يا أولي الألباب .." الخ . وإذا كان الدين يركز في العديد من الجوانب على المسائل الغيبية " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب " ، " إن الله ينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، وما تدري نفس بأي ارض تموت ..". فان هذا التركيز يبقى محصورا وضيقا في الغالب ، لان حقائق القران كلها مبنية على العلم والحجة والبرهان . ثم يجب ألا ننسى أن الإسلام يمجد العلم والعلماء بشكل لا مثيل له في الديانات الأخرى ، كما انه يمجد العقل والاجتهاد والإبداع " إن العلماء ورثة الأنبياء ... إن الله والرسول يشهد انه هو الله وأولوا العلم ..." الخ . بل إن الدين الإسلامي يرفع من قيمة العلم أكثر بكثير من العبادات حتى انه يؤكد أن تفكير لحظة يوازي تعبد ألف ركعة ... وإذا كان أعداء الدين الملحدون يعطون للدين تفسيرا تجعله ضد التقدم والتطور ، فان هذا التحامل الإيديولوجي الغير المبني على أساس ولا على حجج علمية مقنعة ، كان في غير محله لأنه اخلط التصور وعمم الحكم متجاهلين السبب الحقيقي الذي يعود إلى التفسيرات المغرضة التي قدمها بعض المسيحيين تبريرا لموقف الكنيسة في اروبة المعارض باستمرار للعلم والاجتهاد والتقدم . والكنيسة حينما كانت تقوم بذلك ، فإنها كانت تدافع ليس عن الدين ولا عن المتدينين المؤمنين ، ولكنها كانت تدافع عن مصلحتها وعن سلطتها الكهنوتية والمادية في المجتمع ، وبالتالي كان من الطبيعي أن يحصل الصدام والتصادم بين المؤيدين للعقل والعلم والتقدم وبين رجال الكنيسة الذين استخدموا الدين ليتهموا العلماء والعقلانيين والمجتهدين بالكفر والزندقة والهرطقة . ومن هنا كانت بداية الدعوة للانتفاضات العقلانية التي عرفتها اروبة ضد الجمود وسيطرة الكهنوت على مختلف مظاهر الحياة من سياسية وإدارية واجتماعية ، فكانت الشرارة لانطلاق دعوة الفصل بين الدين والسلطة أو السياسة ، وكانت بداية الانتفاضات التي غيرت وجه اروبة ،وجعلتها تقطع والى الأبد مع الدوغماتيكية والقروسطوية لصالح الانفتاح والتفتح واستعمال العقل في كل كبيرة أو صغيرة ، وكان هذا الانقلاب من أسباب تحول اروبة واحتلالها المكانة التي تحتلها اليوم في الساحة الدولية .
يلاحظ أن هذا الواقع لم يسلم منه المسلمون نتيجة سقوطنا في دائرة التأثير بالحضارة الغربية بعد أفول قيمنا ونكوص حضارتنا وتراجعنا المستمر إزاء الآخر الذي استعمرنا وأهاننا في عقر دارنا وما زال يفعل وما بدل تبديلا ، هكذا تم إيقاف الاجتهاد وفرضت رقابة قمعية فقهية باسم الدين على العقل ، وأصبح كل مجتهد كافرا ، وكل اجتهاد زندقة وارتدادا عن الدين وخروجا عن ( الإجماع )، هكذا تم تحريف الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحرض ضد العلم والاجتهاد والإبداع والتقدم مثل " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار". وإضافة إلى التأثير الغربي كانت هناك ضرورة لهذا الموقف نتجت عن حرص المتسلطين على الدين على استمرار نشاطهم واستغلالهم للناس، فكان ذلك سببا أساسيا في تعميق الجمود الحضاري والتقوقع في أحضان الماضي الذي لا نزال نعاني منه ، بحيث في الوقت الذي يبرمج فيه الغربيون لمستقبلهم بالتركيز على العقل والابتكار ، لا نزال نحن نختزل كل شيء من حياتنا في الماضي ، ونفكر بعقلية الماضي ، وربما ومن حيث لا نشعر فانه تنطبق علينا آية أهل الكهف وكلبهم ونحن سابحين خارج قوانين الكون التي لا ترحم الضعفاء والمرضى ، فكان ذلك سببا أساسيا في الجمود الحضاري والعلمي الذي لا نزال نعاني منه ، وهذا يتناقض مع روح وجوهر الدين . لذا لا بد من التفريق بين حقيقة الدين وبين حقيقة ما يفعله المتدينون ، لان الإسلام شيء والمسلمون شيء آخر ، كما إن الكنيسة شيء والمسيحيون شيء آخر .
إن الإسلام بالذات ليس شيئا محافظا انه دين تقدمي وثوري على الجمود ، ويرفض المحافظة من اجل المحافظة ، ولا يمنع الاجتهاد والابتكار ، بل إن الإسلام يحرض الإنسان على الحركة والفعل في الكون والتفاعل مع النظريات والمستجدات الكونية والإنسانية ، حيث نجد أن التعريف الإسلامي للإنسان ، انه خلية نفعية متقدمة تؤدي خيرا لها ولمجتمعها وللبشرية جمعاء . انه خلية تغيرية غير ساكنة ، لان الفرق بين الحياة وبين الموت في الدين الإسلامي ، هو الفرق بين الحركة وبين السكون ، بين العقل وبين الجمود ، بين الليونة وبين التحجر .. وما يؤكد أن الإسلام دين تقدم وتطور واجتهاد هو أننا حين فهمنا تديننا وقررنا العمل على أساسه ، فإننا صنعنا حضارة عظيمة ، ولم يمنعنا تديننا آنذاك من تحقيق قفزة نوعية حضارية هائلة وضعتنا في مقدمة الشعوب تطورا وتقدما ، وبالتالي لا يمكن اتهام الإسلام بالمحافظة والجمود كما يفعل الإعلام المسيحي الصهيوني ، لأنه لم يقف حجرة عثرة أو عقبة أمام طموحات الإنسان ورغباته في التجديد ، بل يجدر بنا إذا كان لا بد من الاتهام أن نتهم المسلمين الذين حرفوا وانحرفوا عن الصراط المستقيم ، ومارسوا البطش وراكموا الترواث بطرق غير مشروعة . لقد فرض علينا الله سبحانه وتعالى الإحسان في كل شيء " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " ، والإحسان هنا معناه ليس الصدقة ، أي تشجيع الخمول والخنوع والإتكالية والتعويل على الغير ، بل إن مفهوم الإحسان هو أن نحسن كل عمل أو أمر نفعله ، أي الاجتهاد والإبداع والتطوير ... نلاحظ من جهة أخرى اقتران الإحسان بالعدل " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " . إن العدل هو قاعدة جوهرية في الإسلام إلى درجة أن هناك من السلف الصالح من يقول : يمكن أن تقيموا دولة كافرة إنما لا يمكن تقيموا دولة ظالمة " أو " إن دولة ما يمكن أن تقوم على الكفر ، إنما لا يمكن أن تقوم على الظلم ". إن الفلسفة الإسلامية تقول : " إذا كنتم تريدون أن تقيموا دولة فأقيموها أولا على العدل وبعده على العبادات والمعاملات والإيمان ".
إن جميع الباحثين والمجتهدين في الشأن الإسلامي ، قد اجمعوا على خلاصة مفادها . إن التاريخ من صنع البشر ، وان أعمال البشر هي مادة التاريخ ، وما عدا ذلك يخرج عن إطار البحث . إن الجوانب الروحية لا محل لبحثها عقليا " قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ". والمسلم الحقيقي يسلم بهذا تسليما لا يرقى له الشك أو التردد ، أي انه يؤمن بهذا إيمانا غيبيا " الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " ، والخوض في هذا كله عبث ومهلكة ومضيعة للوقت . يقول ابن خلدون " العلوم الإلهية لا توسع فيها الأنظار و لا تفرع المسائل " ، لذا فالقران الكريم حض على الاجتهاد والابتكار وإعمال العقل وتجنب بل ترك النقل والجمود والتحجر ، وهو ما يعني تجنب التطرف والزيغ في فهم العلاقات الإنسانية ، وحل الإشكاليات العالقة وطنية أو دولية . إن القران يحض على إطلاق طاقات العقل في الظواهر الكونية التي في متناوله لمعرفة عللها ومسبباتها دون أن يكون في ذلك أدنى مساس بعلتها الأولى ، بل بالعكس إن البحث والنظر في علل الأشياء والظواهر يعمق الإيمان ويؤكده . قال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء ". ومن هنا فإننا نستخلص من القصص التاريخي في القران منهجا علميا في البحث التاريخي قوامه إغفال الغيبيات ، وإعمال العقل في المعقولات باستنكاه واستخلاص هويتها ومعرفة عللها ومسبباتها ، ثم الوقوف على قوانين حركتها ، بل أكثر من ذلك يمكن أن نستخلص من العبرة الكامنة في القصص القرآني إمكانية التطلع إلى المستقبل ، وتلك خاصة من خصائص العلم الحديث . وباستقراء أساطير الأولين ، نقف على قانون الحتمية التاريخية من خلال معرفة المصير الواحد الذي آلت إليه دول الظلم والطغيان والاستبداد والجبروت . إن النقلة في منهج البحث في التاريخ الإسلامي ، ترجع بالا ساس إلى ابن خلدون الذي يعد منظره بدون منازع . إن فكره لم ينبثق من فراغ ، بل استمده من القران الكريم الذي مجد العقل وحرره من أسره . إن الآيات القرآنية في هذا الباب كثيرة ويصعب حصرها في عجالة " أفلا تبصرون .. أفلا تنظرون .. أفلا تعقلون .." الخ . وإذا كان الفضل يعزى إلى المعتزلة في عقلنة الإيمان ، فان ابن خلدون رائد في عقلنة التاريخ . والملاحظ آن كل الصراعات التي عرفها الحقل الإسلامي منذ وفاة الرسول الكريم ، والى اليوم كانت في جوهرها صراعات فئوية اجتماعية وسياسية بخصوص أسس وفلسفة الحكم الذي يجب أن تقوم عليه الدولة الإسلامية ، فهو لم يكن في أصله شرا كله كما اعتقد العديد من الباحثين أمثال الدكتور عبد الرحمان بدوي في كتابه ( تاريخ الإلحاد في الإسلام )، واعتقده بعض المستشرقين الذين حاولوا أن يثبتوا أن العرب كانوا عاجزين بحكم طبيعتهم العقلية المتخلفة عن أن يصنعوا حضارة أو فكرا له قيمته ، وان كل شيء عندهم حتى القران مستعار من الفكر الهلليني اليوناني نقلا عن السريان واليهود والمسيحيين ...كما أن ذاك الصراع كذلك لم يكن صراع بغي وتظالم ، لكنه كان صراع أحرار أكفاء مؤمنين مجتهدين في ما لا نص فيه من شكل الدولة والنظام السياسي وطبيعة العلاقات مع غير المسلمين . وكما يشهد التاريخ فان الصراع قد حسم في النهاية للأكفاء في سياسة الدولة ، وان لم يكن سابقة وجهادا ودينا . وقد اقر بذلك معاوية ابن أبي سفيان حين قال " أيها الناس ما أنا بخيركم ، وأن منكم لمن هو أحسن مني ، عبد الله بن عمر وغيرهم من الافاضيل ، ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية ، وألقاكم في عدوكم وأدركم حليا "، وهذا ما لم تدركه جماعات الجهاد والتكفير والهجرة المنتشرة طول وطننا العربي والإسلامي . إن الحركات الاجتماعية منذ وفاة الرسول (ص) والى اليوم ، كانت ولا تزال بحاجة إلى تبرير ديني لإكسابها صفة الشرعية . إن الدعوات الدينية المختلفة ، وايا كانت الهيئات أو القوات الواقفة وراءها ، ما كان لها أن تثمر ، وان تعرف اتساعا إلا في تربة اجتماعية ملائمة ، وهذا شيء منطقي ومسلم به . لكن حينما يتم الخلط بين الإسلام كعقيدة سامية وبين النظام السياسي او شكل الدولة المرتقب ، هنا يحصل الاختلاف والخلاف ، ويحصل الصراع بين الجماعات والتنظيمات ، والغريب حين يتم وصف كل توجه نقدي لتجربة إسلامية سياسية بالكفر والردة والزندقة والمروق ، وهذا التصنيف لم ينجو منه حتى المفكرون الذين قصروا النقد على عصر بني أمية وبني العباس والدولة العثمانية المملوكية . إن الخلط بين الإسلام كعقيدة لجميع البشر والدولة كنظام سياسي يؤدي إلى الغلو في إصدار الأحكام وتوجيه الاتهامات بدون أدلة ، بغرض التخويف والترهيب ليس إلا . إن نقد الخلافة كنظام سياسي أي مرحلة الخلفاء الراشدين ، لا يعني في الصميم نقد الدين أو التشريع ( القران )، كما أن هذا النقد لا يشكل مساسا بالإسلام ، لأنه حين تقول بعض الجماعات المتطرفة بهذا قصدا للإرهاب والتخويف ، فإنهم يجهلون أن الخلفاء الراشدين بشر مثل الناس يصيبون ويخطئون . منهم من كان عادلا ومنهم من كان ظالما ومنهم من كان شعبيا ومنهم من كان أرستقراطيا .. وهكذا . لذا فالتاريخ يضعهم جميعا في دائرة النقد باعتبارهم حكاما سياسيين لا أئمة معصومين . إن النتائج التي ترتبت على سياستهم كما يقول الدكتور طه حسين كانت اكبر وأوسع وأضخم من هؤلاء الأشخاص نفسهم . كتب ابن أبي الحديد في نهج البلاغة " كان الصحابة ينقد بعضهم بعضا ...ولو كانت الصحابة عند نفسها بالمنزلة التي لا يصح فيها نقد لعلمت ذلك من حال نفسها ... وكان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك ويقولون في العصاة منهم هذا القول ..." ثم الم تكن نهاية جميع الخلفاء الراشدين بضربة خنجر في الظهر وهو يصلي في المسجد ، مما يفتح باب الاجتهاد في أن الخلفاء كانوا يمارسون السياسية وليس الدين الذي كان كل واحد منهم يوظفه في خدمة أهدافه السياسية ، والا لما كانت نهايتهم بذلك الشكل الدرامي ، حيث تناسل المسلمون إلى فرق وشيع وقبائل تناصر هذا الخليفة أو ذاك . لذا إذا كان جائزا ومسموحا به نقد أجلة الخلفاء الراشدين ، فكيف لا يوجه النقد إلى المنظمات والحركات الإسلامية التي توظف الإسلام على اختلاف علاتها للسيطرة على الحكم أو للمشاركة في الحكومة لتدبير الشأن العام أو الشأن المحلي ؟ إن هذه المنظمات هي منظمات سياسية تمارس السياسة عن طريق طرح برامج تمثل فلسفتها في الحياة والكون ، أي أنها تهدف إلى إقامة دولة الخلافة رغم أن هذا الحلم وفي الظرف الحالي يبقى مجرد حلم يستحيل تطبيقه لأنه يتنافى مع مشروع الدولة الذي لم يظهر إلا في الحقبة الأموية . إن هذه الحركات لا تتردد في إطلاق جميع الأوصاف والنعوت القبيحة التي تصل عند بعضهم إلى حد التكفير ، في حق كل من خالفهم وجهة النظر . وفي نظرنا فان هذا التكفير والحكم بالخروج عن الدين ، إنما ينم عن جهلهم لقاعدة فقهية أساسية يتفق عليها جميع الفقهاء والمجتهدون على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم ، ملخصها أن الأصل في الإسلام الإباحة والاستثناء هو المنع ، لأنه يمس بحقوق وحريات الأفراد والجماعات ، لذلك فان التحريم أو المنع يجب أن يستند إلى نص صريح وقطعي ، وعند غيابه ، فأي حكم أو قرار بتحريم شيء لم يحرمه التشريع او قانون يعتبر ظلما وسلوكا شادا عن الصواب والمنطق ، واعتداء على الحريات وانحرافا في ممارسة السلطة السياسية أو ممارسة سلطة الفقيه أو المفتي . و هذا يعني أن ماهو محرم شرعا أو بنص صريح لا ينفد له أدنى شك أو أنهى عنه الرسول يجب تجنبه والابتعاد عنه ، وما عدا ذلك فهو مباح وحلال القيام به . إن التحريم حق الهي لا يصح ادعائه من أي كان حتى ولو كان الرسول (ص) نفسه " يا أيها النبي لما تحرم ما احل الله لك " ، لذا فان من يحرم شيئا لم يحرمه الله يضع نفسه في مقام الشرع ، أي في مقام الله ، وهذا السلوك أو الفعل يعتبر حراما وتجاوزا سافرا لمبادئ وتعاليم الإسلام المعروف بأنه دين اعتدال وليس دين تطرف أو مغالاة .
إن الاجتهاد والإبداع في ما لا نص فيه ولا يشكل إحراجا للمسلمين ، ليس محرما أو ممنوعا ، لأنه لا يتعارض مع الشريعة ولا يمس أصالة القران ، إنما التعقل واستعمال العقل والاجتهاد يؤكد تلك الأصالة ، وهذا هو دليل إعجاز القران . إن القران الكريم قدم للإنسان مبادئ عامة ، استهدفت خير البشر في كافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية . والقران هنا كمرجعية أساسية للمسلمين منزه عن أن يكون مجرد مباحث نظرية فلسفية محددة ، بل هو اشمل من ذلك وأسمى .. وبلغة الفلسفة ، نقول إن العقل الفعال العظيم وضع العموميات وترك للعقل المنفعل ، أي للعقل البشري الذي هو أعظم ما خلق الله في أعظم مخلوقاته وهو الإنسان ، مهمة صياغة النظريات ووضع المناهج . إن العقل البشري يصيب ويخطئ ، وما من نظرية في تفسير ظواهر الكون كتب لها الاستمرار ، ذلك أن ما يثبته عقل يمكن أن يبطله عقل أخر . واستمرار نظرية من النظريات مرهون جدليا بإحاطتها بقوانين حركة التطور. و بحدوث المتغيرات تتغير النظريات ، وتمهد لأخرى أكثر اتساقا مع الواقع الجديد وهكذا تستمر المعادلة النظرية بفعل تطور العقل البشري . أما المبادئ العامة فتبقى ثابتة وقائمة بذاتها ولذاتها ، و قليل من المفكرين الإسلاميين من فطن إلى ذلك الجانب الاعجازي في القران ، أما أغلبيتهم فقد التزمت بحرفية النصوص ، فنتج عن ذلك أن تم تجميد الفكر الإسلامي ، وحصل غلو وإسراف في التأويل ، فركب النصيون المتزمتون متن الشطط ، والتقى الراديكاليون المحافظون ، والليبراليون المتطرفون عند نتيجة واحدة ، هي الإغفال أو التغافل عن حقيقة العلاقة بين العقل الفعال وبين العقل المنفعل . يقول المفكر الإسلامي فهمي هويدي ( جند الله في معركة الغلط ) ".. فشلت في إقناع وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بان إطلاق طاقات المجتمع وحشد همته للبناء والتعمير أهم من إطلاق اللحى ، كما فشلت في إقناع قاضي الحدود بان قطع دابر الفقر أهم وأولى وواجب شرعا من قطع أيدي الفقراء السارقين ... إن حبس النساء ممنوع . وإذا ما ارتكبت امرأة منكرا فان وليها هو الذي يحاسب زوجا كان ا أبا . يتراوح العقاب بين الزجر والضرب بالدرة والحبس ( الدرة قطعة من الجلد طولها حوالي 40 أو 45 سم ، عرضها 6 سم مثبتة في مقبض من الخشب يملأ الكف ) ... أما حالات استخدام الدرة ... من يخالف القرار الذي يمنع استخدام الموسيقى مثلا يعاقب بالدرة .. وتارك الصلاة فانه يحبس لمدة عشرة أيام .. أما الشخص الذي يحلق لحيته ، فانه يحبس ما بين يوم وعشرة أيام حسب الحالة .. وأضاف المفكر الإسلامي فهمي هويدي .." لم أشأ إخباره ، أي وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حركة طالبان ، أنني احتفظ بنص البيان الذي صدر في 17 – 16 – 1996 وتضمن قائمة بالنواهي والمحظورات . وكانت إحدى مواده تقضي بأنه بعد 45 يوما من اداعة القرار ، فان أي شخص يحلق لحيته أو يقصها سوف يتم حبسه ويظل محتجزا حتى تنبث لحيته ، وكان هذا التباين احد الشواهد الدالة على حالة الارتباك التي تتسم به الكثير من قرارات طالبان ...".
يتبين مما سبق أن العقل والاجتهاد والابتكار في الإسلام ، وفي ما لا نص فيه ليس ضد الدين في شيء ، بل يتماشى مع تعاليمه التي تدعو ا إلى استعمال العقل والمنطق والاجتهاد لمعرفة القوانين والنظريات ، وحتى يسهل التحكم في الطبيعة والكون ، ومن ثم ابتكار النظريات العلمية التي تضبط التوازن بين العلاقات الإنسانية العامة والعلاقات الخاصة بما لا يجعل احديهما تميل على حساب الأخرى ، أي التوازن في ضبط الكون والنظام ، حتى يتمكن المسلمون من إسداء خدمات جليلة لدينهم ودولتهم ولإخوتهم و لذاتهم . لذا فالدعوة إلى الاجتهاد لا تعني التحريف في التشريع أو في السنة ،أو هي دعوة للارتداد عن الدين ، أو تعني الخضوع والخنوع للعدو الذي ما انفك يطالبنا بحذف الآيات التي تذكي حماس الجهاد في نفوس المسلمين للذود عن حقوقهم وأعراضهم وعن دينهم الذي يتعرض لحملة صليبية كاثوليكية بروتستانية ماسونية ويهودية صهيونية .. لكنها تعني التفكير والتحضير لشروط الانتقال من مرحلة إلى أخرى أحسن حالا وأحسن وضعا ، ومعرفة قوانين الحركة لمعرفة موازين القوة في الساحة الدولية لتحضير وسائل المواجهة دفاعا أو هجوما . لذا لو استعملت الحركات الجهادية والحركات التكفيرية وحركات الدعوة والقتال وعلى راس هؤلاء المنظمة الأم منظمة القاعدة ، وحركة طالبان التي عاشت قدرا من الزمان في كنفها ( القاعدة) ، ما كانت الأمور والأوضاع تأخذ شكل هذا المنحى الذي أساء إلى سمعة العرب والمسلمين ، واضر بالقضايا العربية والإسلامية ، وأصبح وضع العرب والمسلمين ينظر إليه بعين الربي والحيطة والشك ، وهو ما سهل الهجوم الذي يتعرض القران والرسول الكريم وفي واضحة النهار ،وبتشجيع تام من الحكومات الغربية التي تربط الإسلام بالتخلف و التطرف والتحجر .. أما وان هذه المنظمات تتمسك بحرفية وقدسية النص في ما لا نمص فيه ، أو ظروف الزمان والمكان تختلف عن تلك التي نزل فيها النص ، فقد نتج عن هذا التطرف في الاستيعاب والفهم ، ممارسة التطرف والشطط في الإفتاء وإصدار الأحكام والغلو في تعظيم الذاتي ( سكيزوفرينيا سياسية ) والقدرات ، والإفراط في التصغير من قوة الخصم مستشهدين بوقائع لم تعد تجدي نفعا بسبب التقنية العسكرة المتطورة والعالية الجودة التي يتحكم فيها الغرب المسيحي اليهودي كواقعة الخندق التي حصلت في وقت لم يكن احد يملك الطائرات المقنبلة من نوع B52 ، السراب ، الشبح ، الصواريخ الموجهة بدقة لأهدافها من الطائرات ومن الغواصات والسفن ومن الدبابات .. أو الاستشهاد ببعض المعارك التي تم فيها تشويه جثت الجنود الأمريكيين في الصومال ... إن هذا التحليل الدغماتيكي في فهم الظرفية وفهم وتحليل أوضاع الخصم ، والظروف التي يوجد بها العمل الإسلامي ، يتناقض كليا مع ما ينص ويحث عليه الدين المسلمين ، أي الاستعداد الجيد لمواجهة المشركين المتربصين بهم . إن الاستعداد لمواجهة العدو الحالي والاني والمتوقع ، لا يعني الانتحار أو رمي النفس إلى التهلكة ، لكنه يعني معرفة قوانين التحكم لمعرفة شروط المواجهة . لذا فعوض أن تستعمل منظمة القاعدة ومعها حركة طالبان وتوابعهما من المنظمات التي تناسلت وتفرعت لاحقا بعد ما أصاب القاعدة من ضربات حولتها إلى قاعدات .. العقل والمنطق بدل الإفراط في التنظير لاقتراح سلمان الفارسي الذي اقترح على النبي (ص) حفر الخندق لمواجهة الأعداء والكفار ، فتم الإفراط في التنظير لحفر الخنادق والكهوف والمغارات جاهلين أن العدو له من الإمكانيات والوسائل ( المقنبلات العملاقة ، صواريخ كروز وطوماهوك ، القنابل التي تزن 7000 كلغ التي كانت ترمى بها الطائرات على ارتفاع 10 كلم من فوق الأرض ناهجين استراتيجيات الأرض المحروقة ..) وهي نفس المهزلة سقط فيها نظام صدام حسين الذي كان يراهن على ( أم المعارك ) ،أي المواجهة المباشرة للجيوش ، فكان أن حسمت المعركة وفي ظرف وجيز الطائرات والأسلحة الفتاكة المتطورة ، أي التركيز على النوع الفعال وليس على الكم الذي راهن عليه نظام البعث ،الذي ظل يردد صفحات من تاريخ مواجهة جيوش المسلمين أيام النبي (ص) مع الكفار والأعداء.
اعتقد انه لو استعملت منظمة القاعدة ومعها حركة طالبان العقل والمنطق في تحليل الظرفية والمعطيات السياسية والجيوبوليتيكية بالمنطقة ، ما غرقتا وفي نشوة هذيان ينظران للحرب والمستقبل من خلال معطيات أعطت نتائجها في زمان ولى ولم يعد ، كانت فيه وسائل الحرب هي المبارزة الشخصية بين المتحاربين أو بين الجيوش ، وكانت أدوات الحرب هي السيوف النبال والسكاكين .. كذلك لو استعمل المنطق والعقل في تحليل الظرفية والمعطيات التي كانت متوفرة وجلية للعيان ما حصل التفريط في الاستشهاد بنتائج الغزو السوفيتي لأفغانستان ، لأنه عندما دخل السوفيت إلى أفغانستان وجدوا نفسهم قد تورطوا في مستنقع شبيه بمستنقع الولا يات المتحدة الأمريكية في فيتنام . فمن جهة كان المجاهدون الأفغان من خلال أحزابهم ومنظماتهم السياسية الجهادية ، ومعهم العرب والمسلمون الذين تطوعوا للجهاد معهم يكونون قوة واحدة متماسكة متجانسة ، وكان لهم عدو واحد هو الاتحاد السوفياتي الغازي والمحتل ، أما الهدف فكان واحدا هو تحرير أفغانستان المسلمة ، ولم تكن هناك اختلافات بين المجاهدين مثلما عليه الحال الآن بعد خروج السوفيات ، كما أن الأوضاع لم تعد كما كانت طالبان في الحكم . ومن جهة أخرى لم يكن الأفغان يحاربون لوحدهم في ساحة المعركة . لكن كانت هناك عدة دول تساندهم في مواجهتهم للسوفيات بدا بالولايات المتحدة الأمريكية التي زودت المجاهدين بالأسلحة المتطورة بدا بصاروخ ( ستينغير ) وانتهاء بالدبابات والمزنجرات ، إضافة إلى بريطانيا وألمانيا والعديد من الدول العربية على رأسهم المملكة العربية السعودية ، الإمارات العربية وباكستان التي كانت تشكل العمق الاستراتيجي للمنظمات الأفغانية . اما اليوم وبفعل التغير الذي طرا على الساحة الدولية ، خاصة بعد 11 شتنبر ، فقد تغيرت الأوضاع والحسابات ، كما تبدلت الخطط والاستراتيجيات ومصالح الإطراف الأساسية في الصراع . فمن جهة دب الخلاف بين المنظمات الأفغانية في ما بينها بسبب الصراع حول السلطة المفقودة ، وبسبب الموالاة لدول أجنبية متناقضة . ومن جهة أخرى فان هذا الجديد جعل من منظمة القاعدة ومعها حركة طالبان معزولتين في الساحة الأفغانية والإقليمية والدولية ، بحيث أصبحتا على طرفي نقيض من منظمات الشمال ، إضافة إلى المعارضة السياسية والعسكرية من قبل قبائل الباشتون نفسها . ومن جهة أخرى تحول أصدقاء وحلفاء الأمس وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ، باكستان ، الإمارات العربية المتحدة ، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى أعداء رئيسيين ، فأصبح وضع القاعدة وطالبان شبيها بالوضع الذي كان عليه العراق قبل الغزو الأمريكي الذي انتهى بإسقاط صدام حسين وإعدامه بطريقة جد مهينة مست ( كبرياء ) العرب حاكمين ومحكومين . إذا كانت الحرب العراقية الإيرانية قد مهدت الطريق لإسرائيل لمحاصرة بيروت كعاصمة عربية أمام صمت الدول العربية ، وعجزها في تحريك اتفاقية الدفاع العربي المشتركة ، بسبب الارتباطات مع الدول الأجنبية وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل ، بل إن العديد من الدول العربية ، وبخلاف اتفاقية الدفاع العربي المشترك ،ساهمت بطريق مباشر في الغزو الإمبريالي للعراق ( مصر ، الأردن ، قطر ، المملكة العربية السعودية وعمان ) ، حيث أسفرت تلك الحرب على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في سنة 1982 نحو المنفى ، وإذا كان الغزو العراقي للكويت ، وما أعقب ذلك الغزو من حروب غيرت معالم المنطقة السياسية ، فان ضربة 11 ستنبر التي وصفها إسامة بن لادن ب (غزوة نيويورك) ، كانت لها نتائج سلبية ووخيمة وخطيرة على مجمل القضايا العربية والإسلامية ( القضية الفلسطينية والقضية العراقية ، جنوب وشمال السودان ، كشمير، ثم الشيشان ) ، فكان الخاسر الأكبر الدول العربية والإسلامية ، أما الرابح من هذه التطورات فكان التحالف المسيحي اليهودي وإسرائيل بشروطهم المجحفة في فرض التسويات الاستسلامية ، وإيجاد الأوضاع والترتيبات طبقا لمنطق الغطرسة وليس لمنطق العدل . وإذا كانت العبرة بالخواتم ، فان ما تجتازه الأمة العربية والإسلامية في الآونة الأخيرة يعتبر نكبة جديدة لا تضاهيها غير نكبة احتلال فلسطين وغداة إخراج المسلمين من الأندلس . وزيادة في المأساة والمهانة والذل التي أضحينا عليه ،إن أمريكا أصبحت تتدخل في إسلامنا ،وأصبحت تطالب بتعديل المناهج الدراسية في الوطن العربي ، وبضرورة حذف كل الآيات التي تسيء لليهود وللنصارى ، وكثير من الأنظمة مرشحة لان تتجاوب مع مطالب أمريكا في هذا الشأن . فهذا القران الذي يتعرض لهجوم مسيحي يهودي من طرف الغربيين ، وبتشجيع من حكومات الدول الغربية ( الدانمرك ، ألمانيا ، فرنسا ..) بدعوى حرية التعبير والرأي ، تلك الحرية التي تصبح محرمة وتتحول إلى جناية إن هي شككت في محرقة اليهود أو انتقدت الدولة العبرية ، فإذن هذا القران الذي يتعرض لهذه الهجمة الصليبية ، كيف لنا أن نتعامل معه بالبتر والتشطيب على ما لا يروق من آياته لأمريكا وإسرائيل والغرب المسيحي اليهودي ؟ والحسرة حينما يتم هذا أمام أنظار المسلمين حكاما ومحكومين ، ولا احد حرك ساكنا ، مكتفين بخطاب العقل والتعقل وضبط النفس ، في حين أننا لا نكد نجد استعمالا لهذا العقل والتعقل في الموضوعات التي تلزم الاجتهاد والابتكار بما يتماشى مع التطورات التي تحيط بالعالم العربي والإسلامي ، بل إننا ل لا نجد غير الجمود وأصحاب النصية الجامدة ، التي تكبل العقل والاجتهاد وتشرع للعصور الخوالي ( أهل الكهف ).
قصارى القول إن القران الكريم حث على التروي واليقظة وإعمال العقل وإطلاق طاقاته في الظواهر الكونية ، وبالتالي معرفة عللها ومسبباتها ، دون أن يكون في ذلك أدنى مساس بعلتها الأولى ، بل على العكس من ذلك فان البحث والنظر في علل الظواهر يعمق الإيمان بالله والقران والسنة المحمدية يؤكدانه في العديد من الآيات والأحاديث . وقبل أن ننهي هذا البحث نشير إلى إننا حين ندعو إلى استعمال العقل والركون إلى الاجتهاد في القضايا الطارئة المؤثرة عل حاضر ومستقبل الأمة ، فإننا لا ندعو إلى أمركة الإسلام أو إلى الإسلام الأمريكي ، كما أننا لا ندعو إلى الخنوع والخمول ، وانتظار الفرج الذي قد يأتي وقد لا يأتي من السماء ، كما إننا لا ندعو إلى الاستسلام والركوع للعدو ،أو إلى التفريط في حقوق الأمة التاريخية والمادية ( فلسطين ، العراق ، السودان ، الصحراء المغربية ، الشيشان ..) ، كما إننا لا ندعو إلى استنساخ التاريخ الاروبي على مشهدنا السياسي ، وذلك بالدعوة إلى الثورة على المساجد ومن داخلها ، أي ما يسمونه تجاوزا وتحريفا بحركة الإصلاح الديني من داخل الدين نفسه ومن داخل المساجد . فالملحدون وأعداء الإسلام والنصف علمانيون ، حينما يرددون هذه الاطروحات فإنهم يصابون بغشاوة وخلط حين يمزجون عالمين متناقضين ، عالم عربي إسلامي له طقوسه ، عاداته ، مميزاته ومقدساته التي تجسدها خصوصية كل بلد على حدا . وعالم غربي يهودي نصراني له كذلك خصائصه ومميزاته وتقاليده وأصوله التي يتشبث بها حد الثمالة . إن هذا الخلط أو المحاولة الفاشلة في الاستنساخ بسبب عامل صراع الحضارات ، هو السبب الذي حادا بهؤلاء وبغيرهم كثير ، أن يفهموا التاريخ الاروبي فهما مشوها . فهم يروا أن اروبة لم تأخذ بأسباب التقدم الا بفضل اؤلئك الذين ثاروا على الكنيسة ، ومن داخل الكنيسة نفسها في ما عرف في وقتها بحركة الإصلاح الديني . وتحضرني هنا بعض الأسماء التي قادت ذاك الإصلاح أمثال ( مارتن لوثر ، وكلفن ، وزونجلي ، وارزمس ، والقس ديسمون توتو ...) وغيرهم من المفكرين الذين اعتبرهم هؤلاء بأنهم مزقوا الغلاف الزائف للحقيقة ،وخلقوا المناخ الملائم لتقدم العلوم الإنسانية والتجريبية ،وهذا ليس له من تفسير غير الدعوة إلى الارتداد عن الدين وتحريفه عن صوبه الصحيح ، كما انه يخدم مصالح الغرب المسيحي اليهودي ،و ذلك بخلق حركات إسلامية تحريفية على طريقة الكنيسة الغربية ، أي جعل الإسلام وشرائعه تتعلق فقط بالوضوء والطهارة وغسل الميت وتفسير الأحلام والزواج والطلاق وبالتحليل والتحريم ... في حين أن الإسلام نظام سياسي في الحكم يضم العبادات والمعاملات ، فهو بذلك ثورة على الظلم والجبروت ، وهي قريش وقت التنزيل ،وهي أمريكا إسرائيل والغربيين الذين يخوضون حربهم الصليبية المعلنة ضد القران وضد الرسول الآن .. إن المقصود من الدعوة إلى الاجتهاد واستعمال العقل ، هو العمل على معرفة قوانين التحكم في الحركة ، بمعرفة الأسباب والمسببات ، وامتلاك ناصية العلم والفهم والتحليل والاستيعاب ، ومن ثم امتلاك تقنيات ووسائل الردع الفعال لإمكانية خلق وامتلاك مادة توازن الرعب المدمر التي وحدها تكون كافية بالحفاظ على الذات والهوية ، وتقوي الخطاب كي يصبح ندا للند . أما ما عدا ذلك من ممارسات صبيانية وغير مسئولة للحركات الجهادية والتكفيرية ولحركات الدعوة والقتال ، وايا كانت التسميات والعناوين التي تتخذها تلك الحركات ( مجموعة بلارج أي اللقلق أو بلعيرج ، الشبيبة الإسلامية ، الجماعة المغربية الإسلامية المقاتلة ، منظمة الجهاد أو المجاهدين ...الخ) فهو انتحار عن طيب خاطر ،لأنه لا يجلب للأمة غير التهلكة ، والإسلام يحرم هذا فيدعو إلى اليقظة المستمرة باستعمال العقل المنفعل في ما يخدم أهداف الأمة حاضرا ومستقبلا. انتهى



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرئيس المستبد المريض معمر القدافي
- الإسلام السياسي
- امة الشعارات
- على هامش ثورة الكرامة في تونس : الغلاء وارتفاع كلفة العيش في ...
- الاشتراكية و الدين .. أية علاقة أي تقاطع
- هل أصبح الحكم الذاتي خيارا مغربيا لا مفر منه ؟
- الانتلجانسيا - الثورية - اللاثورية - كان يا مكان في قديم


المزيد.....




- كم بلغت قيمة دخل بايدن وزوجته في 2023؟
- هل تستطيع الصين أن تلعب دورا في تجنب حرب شاملة بالشرق الأوسط ...
- -تفجير عبوات بلواء غولاني واستهداف جنود ومواقع-..-حزب الله- ...
- القوات المسلحة الإيرانية تحذر بعض الحكومات وإسرائيل: إذا قام ...
- رئيس الحكومة العراقية يدعو من واشنطن إلى ضبط النفس في الشرق ...
- ?? مباشر: إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبو ...
- بحسب مذكرة مسرّبة.. نيويورك تايمز تقيّد صحفييها بشأن تغطية ا ...
- سلاح الجو الأردني يكثف طلعاته منذ قصف إيران لإسرائيل
- في ذكرى غرقها.. معلومات مثيرة عن -تيتانيك-
- بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - من يحكم الله ام الشعب ؟