أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكى - الإقتصاد السياسى للتخلف (4)















المزيد.....



الإقتصاد السياسى للتخلف (4)


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 00:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الإقتصاد السياسى للتخلف ((الجزء الرابع))
الفصل الثالث
جمهورية فنزويلا البوليفارية
المبحث الأول: الإقليم الفنزويلى (1)
أرض الصراع (التاريخ، والجغرافيا، والإقتصاد)
التاريخ
إن تعرضنا للتاريخ، وفى هذا الموضع المنهجى، وكما سبق وأوضحنا، لا يصدر بناءًً على ذلك الخلط الشائع ما بين ما هو تاريخ، وبين ما هو إقتصاد سياسى، إذ يصدر بناء ًًعلى فهم ما هو تاريخى فى الإقتصاد السياسى، ونحن هنا لا نسعى لإدخال قطيعة من أى نوع، تاريخية كانت أم حضارية، إنما ننشغل بفهم وتحليل الظاهرة الإجتماعية التى تشكلت على أرض الواقع بردها إلى الكُُل الذى تنتمى إليه مباشرة إبتداءًً من تبلورها فى سياق نمط الإنتاج الرأسمالى وهو نمط تجاوز الخمسمائة سنة بقليل. ومن ثم فلن ننشغل، كباحثين فى الإقتصاد السياسى، بتلك الجهود النظرية التى أنفقها الباحثون كى يفسروا السكون فى الأرض الفنزويلية منذ التاريخ البعيد جداًً والذى إمتد بالبعض من الباحثين إلى 1000 سنة قبل الميلاد. إن ما يهمنا هو دور التراكم الأولى لرأس المال فى أوروبا، والذى إستلزم التوسع فى بحار العالم ومحيطاته وقاراته من أجل الثروة. حتى حلت سفن كولومبس شواطىء السلفادور فى العام 1492.

ففى القرن الخامس عشر، توجهت الرحلات البحرية فى حركة كشوف إستعمارية كانت تعنى مع كُُل خطوة المزيد من الثروة والسلطة، على حين كانت تعنى الخراب والنهب والإبادة الجماعية على الجانب الأخر. فما أن وصلت سفن كولومبس شواطىء خليج باريا، إلا وبدأت حركة واسعة من الكشف على نطاق متسع جداًً، وكانت فنزويلا، التى تعنى فينسيا الصغرى باللغة الإسبانية، ضمن الأقاليم التى غزاها كولومبس، من خلال البعثات التى أرسلها تباعاًً بقيادة ألونسو دى جيدا فى العام 1449، حتى تم تأسيس دى سانتا آنا دى كورو فى العام 1527 لكى تُُُصبح المركز الرئيسى للتوسع فى داخل فنزويلا نفسها، ونقطة إنطلاق للمزيد من فرض الكاثوليكية، واللغة الأسبانية، والقنص البشرى والإبادة الجماعية للسكان الأصليين الذين حاولوا قدر الطاقة الحفاظ على ثقافاتهم ودياناتهم ووجودهم الإجتماعى ذاته أمام تكنولوجيا حربية مدمرة لم تكن معهودة فى ذلك الوقت من التاريخ.
قام الإستعمار الأسبانى بتقسيم فنزويلا إلى مقاطعات ولكُُُل مقاطعة حاكم، ويرأس حكام المقاطعات حاكم عام، وعلى أساس من إحكام القبضة الإستعمارية على الإقليم الفنزويلى، تأسس إقتصاد إستعمارى يستخرج المعادن وينتج المحاصيل لصالح التاج الأسبانى فقط. وكان للتجارة، رأس المال التجارى(ن - س - Δ ن) الدور الأكبر فى التراكم، وكان الذهب والمعادن النفيسة الأخرى من أهم الدعامات التى عملت على ترسيخ دورة رأس المال التجارى فى تلك المرحلة من التاريخ الفنزويلى.
وخلال القرن السادس عشر والقرن السابع عشر، لم تتوقف الحركات التحررية الرافضة للوجود الإستعمارى الأسبانى، الذى تفنن فى القمع وأساليب الإستعباد. وظهر فى تلك الفترة ثوار عظام مثل بوليفار، وفرانسيسكو ميرندا. حتى تمكن الشعب الفنزويلى بقيادة هؤلاء الثوار، بعد حروب طاحنة، من التحرر من نير الإستعمار الأسبانى فى العام 1811، ولكى يتم تشكيل الجمهورية الأولى(1811-1812) والجمهورية الثانية (1813-1814) والجمهورية الثالثة (1817- 1819) والجمهورية الرابعة(1819- 1830) ولكى يؤسس هوجو تشافيز، بعد ما يقترب من المائتى عام، الجمهورية الخامسة. وإذ يخرج المستعمِر الأسبانى ظاهرياًًً من أراضى فنزويلا؛ فإنه يُُُبقى نائباًً عنه، لكنه من الشعب الفنزويلى نفسه، إذ يتكون فى ركاب الإستعمار دومأًً طبقة إجتماعية ترتبط مصالحها بمصلحة المستعمِر، فتلك الطبقة تنشغل بالأساس بالحفاظ على الوضع الإجتماعى الإستعمارى الراهن والذى يصب فى صالحها، دونما أى إلتفات لباقى طبقات الشعب المستضعف فى الأرض. فلقد كرس الإستقلال فى بداية القرن التاسع عشر تحويل السلطة إلى أيدى الملاك العقاريين، والبورجوازية الكمبرادورية، عقب ذلك إستمر التحويل وتدعيمه على أمتداد القرن مع تكثيف التبادل غير المتكافىء مع المتروبول الجديد، بريطانيا العظمى. والذى سيترك الساحة بعد فترة تاريخية قصيرة لرأس المال الأمريكى.
الجغرافيا
تقع جمهورية فنزويلا البوليفارية التى إستقلت رسمياًً عن أسبانيا فى 5/7/1811 فى الشمال من قارة أمريكا الجنوبية، يحدها شرقاًً جياناًً وغرباًًً كولومبيا وشمالاًًً تطل على البحر الكاريبى والمحيط الأطلنطى بواجهة بحرية تبلغ 1750 ميلا بحريا، ومن الجنوب البرازيل، وذلك على مساحة(912،150) كيلو متر مربع، وتنقسم فنزويلا، طبيعياًً، إلى أربعة أقاليم متميزة، وتُُسهم الجغرافية السياسية الخاصة بكل أقليم فى ترسيخ قواعد التشكيلات السكانية، ومظاهر النشاط الإقتصادى:
أولاًًً: إقليم جبال فنزويلا:
وتشكل هذه الجبال قوساًًً كبيراًً من الأراضى المرتفعة فى الشمال تعرف بإسم المرتفعات الشمالية، وتمثل هذه المرتفعات نحو 25% من المساحة الإجمالية لفنزويلا، كما يتركز فيها نحو 70% من السكان وبخاصة فى منطقة حوض فالنسيا ووادى كاراكاس. وتعتبر الزراعة الحرفة الأساسية لسكان هذا الإقليم؛ على الرغم من الطفرة التاريخية التى لحقت بكاراكاس وماراكاى وفالنسيا، حيث يزرع، وإنما إبتداءً من طلب السوق العالمى، البن منذ عام 1876، على سفوح مرتفعات سيرانيفادا دى مريدا، ومرتفعات سيجوفيا، ويجمع الإنتاج فى سان كريستوبال فى الجنوب. كما يزرع الكاكاو، إبتداءًً من طلب السوق العالمى كذلك، وبلا أى مشاركة حقيقية فى التجارة الدولية(تمويل، تسويق، توزيع، تصنيع) وعلى حساب إبادة الغابات المطيرة، كما يزرع القطن وقصب السكر والتبغ.
ويُُمارس جزء من سكان هذا الإقليم حرفة الرعى. يضم الإقليم "كاراكاس" التى تقع فى الوادى الذى يحمل نفس الإسم على إرتفاع 3000 قدم فى حوض صغير يبلغ طوله حوالى 15 ميلا(يحتل سكان"مدن الصفيح" المنحدرات الشديدة التى تقع فى قلب كاراكاس، على حين يُُمثل سكان الطبقة البورجوازية حاجزاًً بين ضواحى طبقة كبار الرأسماليين وكبار الملاك العقاريين فى الشرق، وبين المساكن الحكومية فى المدينة القديمة). وعلى بعد 60 ميلاًًً من كاراكاس يقع حوض نهر فالنسيا الكبير الذى يضم مدينتين مهمتين: فالنسيا، وماراكاى، كأكبر مدينتين صناعيتين بعد كاراكاس العاصمة. ويعكس هذا الإقليم بشكل واضح جل مظاهر تعميق الإنفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة، مع تكريس هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالى على الإنتاج الزراعى المتخلف.
ثانياًً: إقليم الأراضى المنخفضة :
وهى حول خليج فنزويلا وإمتداده جنوباًً حول بحيرة ماراكيبو، والسهل الساحلى الشمالى ودلتا نهر الأورنيكو، التى لا تكاد تنفصل عن حوض الأورنيكو ذاته نتيجة لإقتراب تلال اللانوس وهضبة جيانا من بعضيهما بحيث لا يوجد سوى فجوة ضيقة ينطلق منها النهر كى ينهى دورته فى مياه الكاريبى. ولقد أفضى الكشف النفطى إلى إعادة صياغة شكل الحياة الإجتماعية وعلاقاتها الجدلية، فبعد أن كان الإقليم فقيراًً مهملاًً قبل إكتشاف النفط عام 1917، فقد صارت سواحل بحيرته بل والبحيرة ذاتها بمثابة غابة من أبراج النفط(2) تنمو بصفة مستمرة. الأمر الذى إستصحب إدخال التعديل على الهياكل الإجتماعية للقرى المبعثرة، ذات الإقتصاد المعاشى، فى الأعم، بتحويلها إلى قرى نفطية.
وتتركز حقول النفط على طول الشواطىء الشمالية الشرقية للبحيرة، مع وجود بعض الحقول فى الغرب والجنوب الغربى، وعلى طول الأراضى المنخفضة الساحلية لخليج فنزويلا.
ثالثاًً: إقليم سهول الأورنيكو:
والتى تعرف باسم سهول اللانوس، ويشكل هذا الإقليم ثلث مساحة فنزويلا، وتحيط بهذه السهول المرتفعات الانديزية من الشمال ومن الغرب، وهضبة جيانا من الجنوب.ويمثل الإقليم منطقة رعى رئيسية؛ حيث تربى الماشية، التى تمثل، تاريخياًً، نشاطاًًً رئيسياًًً للسكان منذ أن أدخل الأسبان الماشية إلى هذا الأقليم مع بدايات الحركة الإستعمارية. وبفعل النمو غير المتوازن، كخصيصة رئيسية للرأسمالية، منذ الإندماج فى منظومة الفائض، فإن الإقليم يتسم بالخلخلة السكانية، حيث يعيش السكان فى مجموعات مبعثرة على جوانب النهر، من حول المراكز الرئيسية لكل من المزارع الحيوانية، ومناطق التعدين النامية. يُُذكر أن رافائيل راميريز، وزير الطاقة كان قد صرح فى 13/4/2010، بأن فنزويلا ستستثمر 120 مليار دولار فى حزام أورنيكو النفطى شرقى البلاد على مدى السنوات السبع المقبلة، وقال راميريز إن إستثمارات واسعة النطاق فى الشرق سوف تجعل" من الممكن إنتاج ما يقرب من ثلاثة ملايين برميل يومياًً فى منطقة حوض أورينوكو وحدها" ، ووفقاًً لتصريحات راميريز كذلك فأن الحكومة قد إستثمرت حتى الآن نحو 80 مليار دولار فى المنطقة الشرقية، كما وافقت فنزويلا على عرض للتنقيب لتحالفين أحدهما بقيادة شركة شيفرون الأمريكية، ومجموعة أخرى تضم ريبسول الاسبانية، وبتروناس الماليزية، وشركة أو جى سى الهندية، وبتلك المثابة تكون فنزويلا قد منحت أكبر إستثمارات فى قطاع النفط، فى عهد تشافيز لتحالف يضم شركات شركات أجنبية منها شيفرون الأمريكية لتطوير حزام أورنيكو النفطى الذى يحتوى على إحتياطات هائلة. ولقد فازت شركة ريبسول وشركة بتروناس، وثلاث شركات هندية بعرض كارابوبو(1) وهى منطقة واسعة، مع إحتياطات تقدر بنحو 235 مليار برميل من النفط الثقيل. فى حين تم الإتفاق مع شيفرون على إستغلال كارابوبو (3) مع إمبكس و ميتسوبيشى اليابانيتين، ولم يمنح حقل كارابوبو (2) لأى من الشركات. ولقد كان نصيب الشركة الوطنية الفنزويلية من كل تلك التعاقدات ما يفوق 2,5 مليار دولار.
رابعاًً: إقليم هضبة جيانا:
وتحتل تلك الهضبة جنوب شرق فنزويلا إلى الجنوب من نهر الأورنيكو، وإذ ما إستثنينا إنتاج الذهب المحدود والذى يُُعدن فى منطق الكالاو، وإذ ما إستثنينا كذلك الماس والذى يُُعدن من التكوينات الرسوبية لوادى نهر كارونى، فإن الإقليم قليل الأهمية، ويُُعتبر من أقل مناطق فنزويلا سكاناًًً وأكثرها تدهوراًًً.
ويمكن القول بأن فنزويلا لا تزال تعتمد اعتماداًً كبيراًًً على عائدات النفط التى تشكل نحو 90 % من عائدات التصدير، وحوالى 50 % من إيرادات الميزانية الإتحادية، وحوالى 30 % من الناتج المحلى الإجمالى. وكان للإضراب الذى إستمر من ديسمبر 2002 وحتى 2003 عواقب إقتصادية بعيدة المدى، إذ إنخفض الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بنسبة حوالى 9 % فى عام 2002 و 8 % فى عام 2003 ، ولكن تعافى الناتج الاقتصادى بشدة منذ ذلك الحين. سجل ساعد الإنفاق الحكومى بدافع من إرتفاع أسعار النفط، لزيادة الناتج المحلي الإجمالى 10 % فى عام 2006 ، و 8 % فى عام 2007 ، وما يقرب من 5 % فى عام 2008 ، قبل فترة الركود العالمى الذى أدى إلى إنكماش فى عام 2009. والجدول التالى يوضح أهم البيانات، إلا أنه من الأفضل، وقبل مطالعة الجدول، السماع إلى جاليانو وهو يحكى لنا حكاية فنزويلا:
حكاية فنزويلا
يقول إدواردو جاليانو :" . . . ومن فنزويلا يأتى نصف الأرباح التى تجنيها رؤوس الأموال تُُحقق أعلى دخل للفرد فى أمريكا اللاتينية، وتمتلك أكمل وأحدث شبكة طرق، وبالنسبة لعدد السكان، ليس هناك بلد فى العالم يشرب كُُل هذه الكمية من الويسكى الأسكتلندى . . . لقد إستخرجت الحفارات خلال نصف قرن، أرباحاًً بترولية هائلة بحيث تعادل ضغف موارد خطة مارشال لتعمير أوروبا، ومنذ أن تفجرت أول بئر بترولية بشلالات من البترول، تضاعف عدد السكان ثلاث مرات وتضاعفت الميزانية القومية مائة مرة، لكن جزءًً كبيراًً من السكان، الذين يتنازعون فضلات الأقلية المسيطرة، لا يتغذى أفضل ما كان يفعل خلال الحقبة التى كانت تعتمد فيها على الكاكاو والبن. . . لقد كبرت كاراكاس، العاصمة، سبع مرات خلال ثلاثين عاما، المدينة البطريركية ذات الأفنية الرطبة، والميدان الرئيسى والكاتدرائية الصامتة، أخذت تنبت فيها ناطحات السحاب كلما نمت أبراج البترول فى بحيرة ماراكايبو، وهى الآن كابوس ذو هواء مكيف، كابوس صاخب أسرع من الصوت، أحد مراكز ثقافة البترول التى تفضل الإستهلاك على الخلق. . . إن كاراكاس تنام بصعوبة، إذ لا يمكن إطفاء نهم الكسب والشراء والإستهلاك والإنفاق. نهم تملك كل شىء، ومن منحدرات التلال يتأمل الملايين من المنسيين، من عششهم الصفيح المكدسة بالقمامة، يتأملون تبديد الآخرين، وتبرق الألاف والألاف من السيارات من آخر طراز فى شوارع العاصمة الذهبية. . . كانت النشوة قد إنبعثت من سنوات طويلة، فحوالى عام 1917، كان البترول يوجد جنباًًً إلى جنب مع اللاتيفونديات القديمة، حيث يُراقب أصحاب الضياع إنتاج قوة العمل بجلد الأجراء ودفنهم أحياء حتى الخصر. وفى أواخر عام 1922. . . هبت العاصفة البترولية. . . نبتت الحفارات والروافع فى بحيرة ماراكايبو. . . وتدفق الفلاحون واستقروا فوق الأرض التى تغلى بين الألواح وعلب الزيت. . . ورنت لهجات أوكلاهما وتكساس لأول مرة فى السهول والغابات، وفى لحظة ظهرت ثلاث وسبعون شركة، وكان مالك الكرنفال هو الديكتاتور جوميز. . . وحينما أُُسقط خيمينيز عام 1958 كانت فنزويلا بئر بترول كبيرة تحيطها السجون وغرف التعذيب، وتستورد كل شىء من الولايات المتحدة : السيارات والثلاجات واللبن المركز والبيض والخس، والقوانين والمراسيم. . ." (3)
بوجه عام، لقد قامت شركات النفط الإحتكارية، بل وقبل تفجر النفط من باطن الأراضى الفنزويلية بعدة ممارسات فى جوهرها لا تختلف بشكل أو بآخر عن ممارساتها الطبيعية، إبتداءًً من تدمير البيئة ونهب الأرض، ومروراًًً بإستغلال قوة العمل على نحو عبودى، وإنتهاءًًً بفرض هيمنتها على مؤسسة الحكم بما يحقق مصالحها، ودوماًًً ما تكون الحكومات القمعية الديكتاتورية هى أنسب الحلفاء وأكثرهم إخلاصاًً.ً



الناتج المحلى الإجمالى تعادل القوة الشرائية معدل النمو الحقيقى سعر الصرف الرسمى للفرد
بالألف دولار
بالبليون دولار 3493 -3,3 (أرقام 2009) 3373 13000
المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
الناتج المحلى الإجمالى
حسب القطاع زراعة صناعة خدمات
% (أرقام 2009) 4 36,8 59,2
المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
القوى العاملة (4) زراعة صناعة خدمات
% (أرقام 1997) 13 23 64
المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
إجمالى القوى العاملة/ بالمليون معدل البطالة % سكان يعيشون تحت خط الفقر
1293 7,9 37,9
المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
الإستثمار % من الناتج الإجمالى الميزانية/ بالبليون دولار معدل التضخم (أسعار الإستهلاك)
22,1 الإيراد النفقة
6637 8647
27,1

المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
النفط الإنتاج الإستهلاك الصادرات الواردات الإحتياطيات
بالمليون برميل 2472 740 ألف برميل/يوم 2180 0 142,2
مليار برميل
المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
الغاز الطبيعى الإنتاج الإستهلاك الصادرات الواردات الإحتياطيات
بالمليون
متر مكعب 3306
2486 0 1800 49830
المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
الصادرات بالبليون دولار (2010) الواردات بالبليون دولار (2010) الديون الخارجية بالبليون دولار
64,7 31,7 55,6

المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
ولقد بدأت الطفرة النفطية فى عام 1914، ومع ذلك يمكن القول بأن نشاط الحفر والتنقيب قد بدأ قبل ذلك بسبع سنوات كاملة. ففى أوائل القرن العشرين عندما أخذت شركات النفط فى التوسع على نطاق عالمى؛ بالتزامن مع صعود الإقتصاديات الرأسمالية الكبرى: الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمانيا، وفرنسا، فقد إقتحمت شركاتا النفط: ستاندرد أويل كومبانى، وشركة النفط الهولندية الملكية، وهما من الشركات الإحتكارية دولية النشاط، ومن خلال كونسرتيوم شرعت الشركتان فى ترسيخ تواجدهما والعمل بدأب منذ 1907، ولم يأت عام 1964 حتى صارت هناك 64 شركة تنهب النفط وعمال النفط.
ديكتاتورية النفط
وفى أغسطس 1905، أصدر كاسترو سيبريانو قانون التعدين الجديد، وبموجبه تم منح الشركات العاملة فى قطاع النفط إمتيازات لمدة خمسين عاماًً، ومع توتر العلاقات فيما بين كاسترو سيبريانو، وبين القوى العظمى آنذاك وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومع وصول خوان فيسنتى جوميز الى السلطة عام 1908، فقد بدأت فترة تاريخية جديدة، هى فترة الحكم الديكتاتورى، التى إمتدت حتى 1935، ومن ثم بدأت حقبة ديكتاتورية النفط. ففى عهد الحكم الديكتاتورى الذى حكم به جوميز، فنزويلا قرابة الأربعين عاماًًً، تمتعت الشركات النفطية الإحتكارية(وعلى رأسها ستاندرد أويل كومبانى) بنفوذ كبير، فشُرِِعت القوانين إبتداءًً من رغبة الكونسرتيوم الإحتكارى ومصالحه، دون أى إعتبار لمصالح الشعب المسحوق الذى أذاقه جوميز ضرائب وإتاوات لا تطاق.
وفى عهد فيسنتى جوميز، كذلك، عَرفت فنزويلا تدفقاًً غير عادى من الإستثمارات الإجنبية (والأمريكية على وجه التحديد) التى كان يجب عليها البحث عن المكان القريب والمناسب من أجل تفريغ التراكم الرأسمالى، وكانت فنزويلا فى عهد الديكتاتور جوميز أفضل، وأقرب مكان يستقبل رأس المال الإمبريالى، وبخاصة قطاع النفط، الذى صار قطاعاًً مفتوحاًًً بلا قيود، لرأس المال الإحتكارى. وبحلول عام 1935، وفى 17 ديسمبر على وجه التحديد كان يجب على لوبيز كونتريراس العازار (1935-1941) كرئيس للدولة، خلفاًًً لجوميز، أن يواجه إضرابات شاملة فى أهم القطاعات وهى قطاع النفط، بالمطالبة بعلاقات تعاقدية أكثر عدلاًً وأقل إستغلالاًًً.
وبإنتهاء الحرب العالمية الثانية كانت فنزويلا دولة بلا نفقات أو إيرادات، مُتجِهة إلى الإفلاس، وهو الحال الذى تزامن مع قصف بيرل هاربور، التى كانت أحد المعاقل التى تتغذى على النفط الفنزويلى.
ولم تمض فترة طويلة حتى يقود مجموعة من المدنيين والعسكريين(الإتحاد العسكرى الوطنى)فى 18 أكتوبر 1945، حركة من أعنف حركات التمرد ضد الحكومة، وإقامة حكومة ثورية يرأسها بيتانكور رومولو، وعلى الرغم من عدم إستمرار تلك الحكومة لفترة طويلة إلا أن فترة حكمها شهدت مجموعة مهمة من الإجراءات الإصلاحية، فمن بين تلك الإنجازات التى حققتها الحكومة الثورية فى هذه الفترة المضطربة فى تاريخ فنزويلا، إصلاح النفط فى عام 1945، وإنشاء شركة تنقيب وطنية، مع إعادة النظر فى اللوائح الانتخابية عام 1946، وصدور الدستور 1947. وبموجب المرسوم رقم 112، من 31 ديسمبر 1945، فقد تم إعادة النظر كذلك فى الضرائب المفروضة وبخاصة على الدخول، وخفضها إلى الحدود التى تتماشى مع الأوضاع والأحوال الإقتصادية السائدة.
إلا أن العام 1948 قد شهد الإنقلاب على حكم روملو، وإستعادة الحكومة السابقة للسلطه بقيادة جاليجوس 1948 والذى لم تر طموحاته النور، من تحسين الطرق والمواصلات ووضع خطط جديدة لتعظيم عوائد النفط، إذ قامت حكومة المجلس العسكرى بالإنقلاب الذي أطاح بالرئيس رومولو جاليجوس، فى 24 نوفمبر 1948، وجاء الانقلاب بالكولونيل ماركوس بيريز جيمينر الى السلطة والذى مارس مهامه، فى النهب والقمع وإعتقال المعارضين، فعلياًً إبتداءًً من 1953 وبقى فيها الى أن أُُقصى عام 1958، بتولى رومولو بيتانكور جاليجو، الحكم إبتداءًًً من 1958، فى تلك الفترة بلغت مساحة الأراضى التى يتم فيها الحفر والتنقيب نحو 7% من إجمالى الأرض الفنزويلية، وكان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب العنقاء. وفى عهد تلك الحكومة التى لم تستمر إلى أكثر من 1963، تم إنشاء الشركة الوطنية للنفط.
ولقد عاشت فنزويلا ردحاًًً من الزمن تحت الأحكام الديكتاتورية من عهد الإستقلال حتى نهاية الخمسينيات. وإتسمت الفترة التى أنتخب فيها مرشح حزب العمل الديمقراطى رومولو بيتانكور بالإستقرار السياسى وبداية عهد التعددية الحزبية فى فنزويلا، وساهم فى إرساء الإستقرار السياسى وجود عائدات النفط إلى جانب الإتفاق بين الأحزاب السياسية الرئيسية.
ويمكن القول ان فنزويلا لم تخرج من قبضة الحاكم الفرد، إلا لتدخل فى عهد الهيمنة الحزبية، حيث سيطر على السلطة حزبا العمل الديمقراطى والاجتماعى المسيحى لمدة أربعة عقود. وقد أسفرت إنتخابات عام 1983 عن فوز الدكتور خاييم لوزنسى، حيث أعلن أن الحكومة ستقود حرباًًً وطنية ضد الفساد ومعارضة أي تدخل أجنبى فى أمريكا الوسطى. تم تنصيب الرئيس كارلوس أندريس بيريز، من حزب العمل الديمقراطى رئيساًًً للجمهورية ،للفترة (1989-1994) وأولت حكومته إهتماماًًً خاصاًًً بقضية النزاع القائم بين فنزويلا وجاراتها «كولومبيا، البرازيل، جوايانا» على الحدود المشتركة.
وفى 1992 قامت مجموعة من العسكريين يقودهم هوجو تشافيز بمحاولة إنقلاب فاشلة، وألقى القبض على تشافيز وأُُُدخل السجن.
وفى عام 1994 خرج تشافيز من السجن بعد أن تولى رافائيل كالديرا السلطة. وفى عام 1997 ترأس تشافيز حزب حركة الجمهورية الخامسة الذى أسسه لويس ماكالينا، حيث تسلم وزارة الداخلية ثم تحول بعدها إلى المعارضة بسبب بعض الخلافات وحظى تشافيز بمساندة اليساريين والطبقات الفقيرة.
وفى عام 1998 خاض تشافيز الإنتخابات الرئاسية وقدم وعوداًًً لمساعدة الفقراء وإستخدم أسلوباًًً خطابياًًً نارياًًًً ألهب حماسة الناخبين خاصة الطبقات الفقيرة والعاملة، فحصل على نسبة 2ر56%من الأصوات منهياًًً بذلك هيمنة دامت ثلاثين عاماً لحزب العمل الديمقراطى والحزب الاجتماعى المسيحى، وأدى تشافيز اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية فى شباط عام 1999. وفى 2000 جرت إنتخابات الجمعية الوطنية، وإختار تشافيز أن يطرح نفسه لإنتخاب جديد مرافق لتلك الإنتخابات، فأحرز 60% من الأصوات لمصلحته وتمت إعادة إنتخابه. وفى نيسان 2002 وقع انقلاب فاشل ضد الرئيس تشافيز رتبته طبقة رجال الأعمال وزعماء النقابات العمالية القدامى الذين فقدوا إمتيازاتهم بسقوط الأحزاب السياسية المرتبطة بالخارج، إلا أن هذا الانقلاب لم يدم أكثر من 48 ساعة. وفى 2004 نشأت أزمة إستطاعت بفضلها المعارضة، ووفقاًًً للدستور إجراء إستفتاءًً رئاسى صوّت فيه 95% من الناخبين لمصلحة بقاء تشافيز فى السلطة. وبتاريخ 3/12/2006 جرت انتخابات رئاسية فى فنزويلا، حيث فاز تشافيز مجدداًًً بمنصب رئيس الجمهورية، وعقب فوزه بالإنتخابات أعلن حل حزب حركة الجمهورية الخامسة وتأسيس الحزب الإشتراكي الفنزويلى الموحد الذى سيقوم بتطبيق نظام اجتماعى قائم على المساواة والعدالة الإجتماعية فى إطار نظام اشتراكى خاص بالفنزويليين ويتناسب مع متطلباتهم فى القرن الحادى والعشرين، وأكد تشافيز على حرية إنضمام الأحزاب الموالية له إلى الحزب الاشتراكى الجديد.
وبتاريخ 8/1/2007 أدى الرئيس تشافيز القسم، وأعلن عن عدد من الإصلاحات الإقتصادية والسياسية ضمن حملة التطهير التى يقوم بها ولاسيما بعد تأكيده على تحطيم الدولة البورجوازية. وبتاريخ 9/1/2007 قرر تشافيز تشكيل حكومة فنزويلية جديدة مع تغيير أسماء كافة الوزارات الفنزويلية، مضيفاًًً عبارة السلطة الشعبية إلى عبارة الوزارة.
إن التعرف على أرض الصراع على النحو المذكور عاليه إنما يستلزم التعرف على السلعة التى يدور حولها الصراع، وهو ما سننشغل به فى مبحثنا التالى:


المبحث الثانى : سلعة الصراع(النفط)
النفط(5) أو البترول(كلمة مشتقة من الأصل اللاتيني "بيترا" والذى يعنى صخر و"أوليوم" والتى تعنى زيت) ويُطلق عليه أيضا الزيت الخام، كما أن له إسم دارج هو: "الذهب الأسود" وهو عبارة عن سائل كثيف، قابل للإشتعال، بني غامق أو بنى مخضر، يوجد فى الطبقة العليا من القشرة الأرضية. وهو مصدر هام جداًً من مصادر الطاقة الأولية، وهو المادة الخام لعديد من المنتجات الكيماوية، بما فيها الأسمدة، والمبيدات، واللدائن وكثير مِن الأدوات البلاستيك والرقائق والأنابيب والأقمشة والنايلون والحرير الإصطناعى والجلود. والمسلم به بوجه عام، لدى علماء النفط، أن جميع أنواع النفط من أصل عضوى، على إنها يمكن نظرياًً أن تتكون من تفاعلات معادن قلوية وكربورات معدنية مع الماء يتولد منها الهيدروجين والإستيلين أو من تفاعلات تركيبية تستطيع بفضل وجود حفازات أن تنتج هيدروكربورات مختلفة. وقد بنى هذا الإفتراض على نتائج مختبرية بينت أن المواد العضوية من نباتية وحيوانية تستطيع بمعالجة ملائمة أن تعطى هيدروكربورات. وإلى ذلك فإن التحليل الطيفى يكشف فى أكثر أنواع البترول عن وجود برفرينات، وهى مواد مشتقة من اليخضور (الكلوروفيل: عبارة عن صبغة خضراء يكسب النباتات اللون الأخضر كما أنه يقوم بدور أساسي فى عملية التمثيل الضوئى التى تشكل أساس الحياة على الأرض. كلمة كلوروفيل مشتقة من كلمات يونانية وهي "كلوروس" والتي تعنى أخضر، و"فيلون" والتي تعنى"ورقة" (ليس هنالك علاقة بين الكلوروفيل وعنصر الكلور). أهمية اليخضور لا تكمن فقط فى إعطاء اللون الأخضر للنبتة إنما أيضا نجد أن اليخضور يلعب دورا هاما فى عملية التركيب الضوئى) فهى إذاًًً من أصل عضوى صرف.
ففى الطبيعة، خلال تاريخ الأرض الطويل، حصلت إنطلاقاًً من علق البحر وهو كتلة من الجسيمات البحرية المجهرية، حيوانية ونباتية، التفاعلات التى أفضت إلى تكون النفط. وقد ترسب ذلك العلق فى أعماق المياه الملح وتحول تحت تأثير بكتريات، إلى وحول عفنة سميت " فحم أشى" بعد تفاعلات معقدة من التصبين أو التكثييف، تحولت بعد ذلك إلى مادة معقدة وغير متجانسة أطلق عليها" نفط أولى" والتى تحولت بدورها عن طريق الهدرجة إلى "نفط".
غير أن تكون النفط يتطلب كميات وفيرة من الرواسب العضوية وعدم وجود الأكسجين. وتتوافر هذه الظروف فى الأحواض التى تكون مغلقة ولا تتصل بعرض البحر، إلا عن طريق منافذ ضيقة وقليلة العمق، وهذه هى حال البحار الداخلية والبحيرات الشاطئية الآخذة بالتجفف. فيجتمع فيها ما يقذف به البحر من جراء صعوبة عودته إلى أدراجه، وتصبح الطبقات العُليا المحل المفضل لعلق البحر فيتكاثر فيها بسرعة فائقة. أما فى الأعماق فيبلغ التجمع درجة تجعل الحياة مستحيلة فتتراكم جثث الجسيمات وتتحول، فى مأمن من أكسجين الهواء إلى"وحول عفنة" ثم إلى "نفط أولى" ثم إلى نفط.
تاريخ النفط(6) :
يبدأ التاريخ الحديث للنفط فى عام 1853، بإكتشاف عملية تقطير النفط. فقد تم تقطير النفط والحصول منه على الكيروسين بمعرفة إجناسى لوكاسفيز، وهو عالم بولندى. وكان أول منجم نفط صخرى يتم إنشائه فى بوربكا، بالقرب من كروسنو فى جنوب بولندا، وفى العام التالى تم بناء أول معمل تكرير(فى الحقيقة تقطير)فى يولازوفايز،وكان أيضاًً عن طريق لوكاسفيز. وإنتشرت هذه الإكتشافات سريعاًً فى العالم، وقام ميرزوف ببناء أول معمل تقطير فى روسيا فى باكو عام 1861.
وبدأت صناعة النفط الأمريكية بإكتشاف "إيدوين دريك" للزيت فى عام 1859، بالقرب من تيتوسفيل، بنسلفانيا. وكان نمو هذه الصناعة بطىء نوعاًً ما فى القرن الثامن عشر الميلادى. وكانت محكومة بالمتطلبات المحدودة للكيروسين ومصابيح الزيت. وأصبحت مسألة اهتمام قومية فى بداية القرن العشرين عند إختراع محركات الإحتراق الداخلية مما أدى إلى زيادة طلب الصناعة بصفة عامة على النفط. وقد أستنفذ الإستهلاك المستمر الإكتشافات الأولى فى أمريكا فى بنسلفانيا وأونتاريو، مما أدى إلى "أزمة نفط " فى تكساس وأوكلاهوما وكاليفورنيا، الولايات التى تعتمد كلية على النفط.
وبحلول عام 1910 تم إكتشاف حقول نفط كبيرة تباعاًً فى كندا، وجزر الهند الشرقية، وإيران وفينزويلا، والمكسيك، وتم تطويرهم لإستغلالها صناعياًًً. وبالرغم مِن ذلك فقد كان الفحم وحتى عام 1955 أشهر أنواع الوقود فى العالم. وبعد أزمة طاقة 1973 وأزمة طاقة 1979 ،والتى فى الأساس أزمة نظام إقتصادى عالمى(7)، ركزت الحكومات على وسائل تغطية إمدادات الطاقة. فلجأت بلاد مثل ألمانيا وفرنسا إلى إنتاج الطاقة الكهربية بواسطة المفاعلات النووية حتي أن 70 % من إنتاج الكهرباء فى فرنسا أصبح من المفاعلات النووية. كما أدت أزمة الطاقة إلى إلقاء الضوء على أن النفط مادة محدودة ويمكن أن تنفذ، على الأقل كمصدر طاقة اقتصادى. وفى الوقت الحالى فإن أكثر التوقعات الشائعة مفزعة من ناحية محدودية الإحتياطى المخزون من النفط فى العالم. ويظل مستقبل النفط كوقود محل جدل. وأفادت الأخبار فى الولايات المتحدة فى عام (2004) أنه يوجد ما يعادل إستخدام 40 سنة من النفط فى باطن الأرض.
التأثيرات البيئية للنفط(8)
للنفط تأثير ملحوظ على الناحية البيئية والإجتماعية، وذلك من الحوادث والنشاطات الروتينية التى تصاحب إنتاجه وتشغيله، مثل الإنفجارات الزلزالية أثناء إنتاجه. فى نفس الوقت يزعج إستخراج النفط بالقرب من الشواطيء الكائنات البحرية الحية ويؤثر على بيئتها. كما أن إستخراج النفط قد يتضمن الكسح، الذي يُحرك قاع البحر، مما يقتل النباتات البحرية التى تحتاجها الكائنات البحرية للحياة. كذلك نفايات الزيت الخام والوقود المقطر التى تنتشر من حوادث ناقلات النفط تؤثر بطريقة كارثية على بيئة الكائنات الحية المهددة بالموت والفناء فى ألاسكا، وعديد من الأماكن الأخرى. ومثل أنواع الوقود الحفري الأخرى، يتسبب حرق النفط فى انبعاث ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، وهو ما يساهم فى ظاهرة الإنحباس الحرارى.
مستقبل النفط : قمة "هوبرت"
نظرية قمة هوبرت، وهى محل خلاف فيما يخص الإنتاج والاستهلاك طويل المدى للنفط وأنواع الوقود الحفرية الأخرى. فهى تفترض أن مخزون النفط غير مُتَجدد، وتتوقع ان إنتاج النفط المستقبلى فى العالم يَجب حتماًً أن يَصل إلى قمة ثم ينحدر بعدها نظراًً لإستمرار إستنفاذ مخزون النفط. وهناك كثير من الجدل حول ما إذا كان الإنتاج، أو بيانات الإسكتشاف السابقة يُمكن أن تُستخدم فى توقع القمة المستقبلية. ويمكن إعتبار الموضوع على درجة من الأهمة بالنظر للعالم كََكُُل. فقد لاحظ كينج هوبرت(1903- 1989) أن الاكتشافات فى الولايات المتحدة وصلت لقمة فى الثلاثينيات من القرن العشرين، وعلى هذا فقد توقع وصول الإنتاج إلى قمته فى السبعينيات من القرن العشرين. وإتضح أن توقعاته صحيحة، وبعد وصول الولايات المتحدة لقمة الإنتاج فى عام 1971 بدأت فى فقدان السعة الإنتاجية. ومنذ هذا الوقت وصلت مناطق عديدة لقممها الإنتاجية. فققد أكدت الصين، مثلاًً، أن 2 من أكبر مناطق الإنتاج لديها بدأت فى الإنحدار، كما أعلنت الشركة القومية لإنتاج النفط بالمكسيك أن حقل كانتاريل يُتوقع أن يصل لقمة إنتاجه عام 2006، ثم يكون معدل انحداره 14% سنوياًً. وهذا ما حدث فعلاًًً. ولأسباب عديدة (يمكن أن يكون منها عدم الشفافية فى الإبلاغ عن المخزون الحقيقى فى العالم) من الصعب توقع قمة النفط فى أى منطقة بالعالم. بناءًً على بيانات الإنتاج المتاحة، ويوجد توقع جديد بمعرفة مصرف جولدمان ساكس الأمريكى بحلول قمة النفط عام 2007، وبعدها بوقت ما للغاز الطبيعى، وهوالتوقع الذى لم تثبت الأيام خطأه حتى الأن بشكل قاطع. وأحد المؤشرات هو النقص الكبير فى مشاريع الزيت الجديدة منذ عام 2005 .
وتيرة الإستهلاك
وتيرة الاستهلاك الحالى والتى تقدر بــ 3.5 مليار طن سنوياًً تعمل على نضوب معظم الآبار النفطية فى العالم ما عدا الدول العربية حيث من المتوقع أن تنتج البترول كما فى حالة الكويت حتي عام 2100. ولكن من الواضح أيضاًً أن نضوب النفظ فى بلاد كثيرة مثل الولايات المتحدة واسكتلندا والنرويج خلال الثلاثين سنة القادمة ستزيد صراع الدول الصناعية على إستفرادها ببترول الشرق الأوسط، وسيعمل هذا الصراع على إرتفاع أسعار النفط مما سيؤدى إلى زيادات مستمرة على صعيد الناتج الإجمالى، والفائض النقدى. إلا أن الصراع قد يؤدى فى نفس الوقت إلى القلقلة السياسية والاجتماعية فى تلك البلدان بسبب التدخل الأجنبى.
إنها حقاً لسفاهة أن يستهلك الإنسان ما تولد فى الأرض عبر مئات ملايين السنين عن طريق حرق ذلك الناتج القيم. فالنفط فى المقام الأول مادة كيميائية مفيدة قابلة للتحويل إلى مواد أخرى قيمة ونافعة مثل الأسمدة وصناعة الدواء والبلاستيك ومقاومة الحشرات والأوبئة والأقمشة والحرير والجلود الصناعية. ولا يمكن للمصانع الكيميائية تعويضه بتلك الغزارة فهو المادة الأولية لتلك الصناعات، ولكننا نحن البشر سنُجهِز عن طريق الحرق على هذه الثروة (الكيميائية) القيمة المخزونة تحت الأرض خلال فترة أقل من قرنين إثنين من تاريخ العالم.
تصنيف النفط
يصنف خام النفط طبقاًًً لمكان المنشأ (مثلاًًً وسط غرب تكساس، أو برنت) وغالباًًً عن طريق وزنه النوعى API (American Petroleum Institute API) أو عن طريق كثافته (خفيف، متوسط، ثقيل) كما أن من يقومون بعمليات التكرير يطلقوا عليه "حلو أو مسكر" عند وجود كميات قليلة من الكبريت فيه، أو "مر" مما يعنى وجود كميات كبيرة من الكبريت، ويتطلب مزيداًًً من التقطير للحصول على المواصفات القياسية للإنتاج.
الوحدات العالمية
مزيج برنت(9)، ويحتوى على 15 نوعاًً من الزيت من حقول برنت ونظام نينيان بحوض شيتلاند الشرقى. وبصفة عامة فإن إنتاج النفط من أوروبا، وأفريقيا، والشرق الأوسط يتجاوز الحدود الغربية التي تسعى لتحديد أسعار النفط، مما يؤدى إلى تصنيفها طبقاًً لعلامة إسترشادية. خام برنت. ووسط وغرب تكساس "دبليو تى أى" لزيت شمال أمريكا. وتستخدم دبى كعلامة إسترشادية لمنطقة أسيا، ولزيت الشرق الأوسط. وتابيس الماليزى، يستخدم كمرجع للنفط الخفيف فى منطقة الشرق الأقصى. وميناس الأندونيسى، يستخدم كمرجع للنفط الثقيل فى منطقة الشرق الأقصى.
وتتكون سلة الأوبك من: النفط الخفيف المملكة العربية السعودية، بونى نفط خفيف نيجيريا، فاتح دبي، إسمس المكسيك (لا يتبع أوبك) ميناس إندونيسيا، مزيج شهران الجزائر، تيا جوانا لايت فينزويلا.
وتحاول الأوبك إبقاء سعر سلة الأوبك بين الحدود العليا والدنيا، بزيادة أو تقليل الإنتاج. وهذا يجعل من تحليلات السوق عاملاًًً فى غاية الأهمية. وتشمل سلة الأوبك مزيج من نفط الخام الثقيل والخفيف، وهي أثقل من برنت، دبليو تى أى.
تقييم أسعار النفط
تقدر مكاسب شركة إكسون موبيل فى عام 2007 بما يزيد عن 40 مليار دولار. والمرجع فى سعر النفط غالباًًً ما يرجع إلى السعر الوقتى إما لسعر (دبليو. تى. أي، الخام الخفيف)فى بورصة نيويورك لتسليمات كوشينج أوكلاهوما، أو سعر البرنت فى بورصة البترول العالمية لتسليمات سولوم فو.
فسعر برميل النفط يَعتمد بشدة على درجته(والتى تحدد بعوامل مثل الثقل النوعى أو API، ومحتواه من الكبريت) وموقعه.
والجدير بالذكر إن الأغلبية العظمى من النفط لا يتم الإتجار بها فى البورصة ولكن عن طريق التعامل المباشر بين السماسرة، وغالباًًً ما يتم هذا قياساًًً على نقطة مرجعية للنفط الخام تم تقييمها عن طريق وكالة التسعير بلاتس. وتزعم (IPE) أن 65% من التعاملات فى سوق النفط تتم بدون الرجوع لتقييمها لخام البرنت. كما أن هناك تقيمات أخرى مهمة منها دبى، وتابيس ، وسلة الأوبك. وتستخدم إدارة معلومات الطاقة بالولايات المتحدة السعر المتوسط لكل أنواع النفط الوارد إلى الولايات المتحدة "كسعر النفط العالمى".وهناك زعم بأن الأوبك تقوم بتسعير النفط والسعر الحقيقى للبرميل تقريباًًً حول 2.0 دولار أمريكى، وهو ما يعادل قيمة إستخراجه فى الشرق الأوسط. وهذه التقديرات، طبقاًً لنفس الزعم، لسعر البرميل تتجاهل سعر التنقيب وسعر تطوير مستودعات النفط. علاوة على ذلك فتكلفة الإنتاج أيضاًً عامل يجب أن يؤخذ فى الإعتبار، ليس على أساس إنتاج أرخص برميل ولكن بناءًًً على تكلفة إنتاج البرميل المختلط. وتقليل إنتاج الأوبك إدى لتطور الإنتاج فى مناطق الإنتاج ذات التكلفة الأعلى مثل بحر الشمال، وذلك قبل إستنفاذ المخزون الموجود بالشرق الأوسط. ومما لاشك فيه أن للأوبك قوة بالغة. فبالنظر بصفة عامة فإن الإستثمارات فى هذا المجال مُكلِفة للغاية ومجرد تقليل الإنتاج فى أوئل التسعينات من القرن العشرين أدت إلى تقليل الإستثمارات التى يتم ضخها لمجال إنتاج النفط.وذلك بدوره أدى إلى سباق إرتفاع الأسعار فى الفترة ما بين 2003-2005، ولم تستطيع الأوبك بسعة إنتاجها الكلية الحفاظ على ثبات الأسعار.
الخام الفنزويلى
تم إكتشاف النفط فى فنزويلا، كما سبق القول، عام 1917، حيث تم كشف بعض الحقول من حول بحيرة ماراكايبو تغطى مساحة قدرها 30 ألف ميلاًًً مربعاًًً، وتم إستغلاله الفعلى عام 1922، تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وحتى التأميم عام 1976، فى عهد كارلوس بيريز، وتهيمن حالياًًً على الإستغلال شركتان أمريكيتان إلى جوار"الشركة الوطنية"،"إكسون موبيل"(أصولها 149 مليار دولار موزعة فى أكثر مِن 820 شركة تعمل فى نحو 100 دولة) أما الثانية فهى شركة "شيفرون" (أصولها 78 مليار دولار) وأضف إلى إكسون موبيل وشيفرون، شركة ربسول الأسبانية. وهناك ثلاث مناطق رئيسية لإستغلال النفط وهى: منطقة حوض بحيرة ماراكايبو فى الغرب وشرق فنزويلا بين المرتفعات الشمالية والأورنيكو الأدنى والسهول الوسطى الغربية من حوض نهر بارنياس أبور.
المعادن
أُُُكتشف خام الحديد عام 1883، وحيث منحت الحكومة آنذاك إمتيازاًًً لبعض الشركات للبحث عنه، ولكن تأخرت عمليات المسح وتقدير الإحتياطى حتى عام 1939، حيث تم إكتشاف كميات ضخمة من خام الحديد فى الهوامش الشمالية لهضبة جيانا، وتتركز مناطق خام الحديد فى منطقة تقع على بعد 300 ميل شرق نهر كورا وجنوب الأورنيكو شمال كتلة جيانا.
وطبقاًًً لأرقام تعود إلى 1991، فقد بلغ إنتاج الذهب نحو 430 كجم، والماس نحو 500 قيراط، من مقاطعة الأمازون، والنيكل نحو 530 ألف طن، أما الفحم فقد بلغ قرابة 2,9 مليون طن.
التجارة البينية والإندماج فى السوق العالمى
ومن جانب أخر، وإضافة إلى كون فنزويلا تمثل إمتداداًً طبيعياًً لسوق النفط العالمية، وإنما إبتداءً من قانون القيمة، فإن إرتباطها بالولايات المتحدة الأمريكية فى مجال التجارة البينية قد أخذ فى التراجع منذ عام 2002 وحتى 2009، فوفقاًً لأرقام 2002 كانت تَستورد فنزويلا نحو 60%، من الولايات المتحدة الأمريكية، وتُصدر لها نحو 35,8%، على حين أن أرقام 2009، تشير إلى ان الواردات تقلصت إلى23.66 %، مع بقاء قيمة الصادرات عند نفس الرقم تقريباًً. يتعين هنا الوعى بالوزن النسبى لأهمية الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأجزاء المتقدمة الأخرى(إيطاليا، أسبانيا، ألمانيا) من الإقتصاد الرأسمالى العالمى فى واردات فنزويلا وصادراتها، ويرتبط هذا الوعى بوعى ملازم لمدى الإندماج فى السوق العالمية، والسوق العالمية للنفط بصفة خاصة، ولقد عبر باتريك لارسن، الكاتب اليسارى، عن حجم الإندماج بقوله :" على العكس مما يروجه بعض الإصلاحيين فى فنزويلا، سوف يكون للأزمة الإقتصادية العالمية تأثير على فنزويلا. وفى الواقع لقد بدأ هذا التأثير يظهر فعلاًً. فخلال نصف سنة فقط، إنتقلت أسعار برميل البترول من 147 دولاراًً إلى أقل من 40 دولاراًً. وقد وجه هذا ضربة هائلة لإقتصاد البلد. كما أن أسعار المواد الخام الأخرى، من قبيل الألمنيوم والفولاذ، التي تُنتجها فنزويلا بكميات ضخمة، عرفت بدورها انهياراًًً مأساوياًًً. سوف يؤدى هذا بالتأكيد إلى تلغيم أسس المكاسب التى حققتها الثورة. ولقد أعلنت شركة النفط العمومية PDVSA، التى تمول العديد من المشاريع الإجتماعية، عن تقليص ميزانية هذه السنة بـ 40 %. كما قفزت معدلات التضخم إلى مستويات عالية، حيث سجلت الآن حوالى 30 %، وقد إرتفعت أسعار المواد الغذائية فى كاراكاس بـ 50 % خلال عام واحد. هذا يخلق مشاكل عويصة لآلاف الأسر العمالية التى لا تحصل على ما يكفيها. وإذا لم يتم حل تلك المشاكل، فإنها سوف تجعل الدعم الذى تتمتع به الثورة فى خطر كبير. المشكل الرئيسى هو أن الاقتصاد الفنزويلى لا يزال إقتصاداًً رأسمالياًًً، ومن ثم يتوجب عليه أن يمتثل لقوانين السوق. للقضاء على هذا الوضع يجب تطبيق مخطط اشتراكى من أجل إعادة تعبئة إمكانيات البلد الإنتاجية وضمان السير السلس للإقتصاد. لكن من أجل القيام بهذا يجب القضاء على السيطرة الإقتصادية للأوليجارشية، التى لا تزال تسيطر على مفاتيح الاقتصاد الرئيسية بين أيديها".
الهوامش
(1) إعتمدت فى سبيل العرض على: الدكتور زين الدين عبد المقصود، نصف الكرة الغربى الأمريكى، دراسة فى الجغرافيا الإقليمية، منشأة المعارف. الإسكندرية 1984. وكذلك دينكسون وآخرون: جغرافيا العالم الثالث، ترجمة الدكتور عيسى على، ووالدكتور فايز العيسوى، دار المعرفة الجامعية. الإسكندرية 1994.
كما رجعت بصفة أساسية للمقارنة والمطابقة إلى:
L.Dudley Stamp. A Regional Geography.partI.Longmans.London1959
J.Preston.Latin America, Odyssy press.NewYork 1959
وقد إستعنت فى سبيل عرض التاريخ الفنزويلى على الموقع الالكترونى:
http://www.presidencia.gob.ve/venezuela_historia.html
كما إعتمدت فى تأليف وعرض ومقارنة الأرقام الواردة بالمتن على:
CIA- The world fact book (2002) (2003) (2004) (2005) (2006) (2007) (2008) (2009) Human Development Report (1998) (1999) (2001) (2003) (2004) Report of The World Social Situation (1993) (2008) Venezuela National human Development (2002) (2003)World Development Report (1995) (1999) (2001) (2006) (2009)World Investment Report(2002)World Economic Outlook (2002) (2007) (2009)
(2) زين الدين، نصف الكرة الغربى الأمريكى، سالف الذكر (ص348)
(3) لا يسعنا سوى أن نحيل، باطمئنان وحماس، للوعى بمجرى الأحداث غير العقلانية، فى أمريكا اللاتينية، إلى كتاب: إدواردو جاليانو، الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية- تاريخ مضاد، الذى وضعه فى مونتفيدو عام 1970، وألحقه بإضافات تحت عنوان: " بعد سبع سنوات" أشار فيها إلى مسألة تأميم البترول الفنزويلى، أضافها فى برشلونة عام 1978، ولقد رجعنا إلى الترجمة العربية التى قام بها : أحمد حسان، وبشير السباعى، والصادر عن: دار النيل . الإسكندرية.1994. ولقد ذكر الموقع الالكترونى لجريدة اليوم السابع المصرية، بتاريخ 26/8/2010 ان فى قمة الأمريكتين، التى انعقدت مؤخراًً فى ترينداد وتوباجو صافح الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز نظيره الأمريكى باراك أوباما بحرارة وأهداه كتاباًً. فوجئ أوباما بالهدية، إرتبك قليلاًً ثم إبتسم وتناول الكتاب من يد شافيز وصافحه مرة ثانية بحرارة. لم يمنح تشافيز أوباما قلادة أثرية ذهبية من ثروات بلاده العديدة، ولم يقدم له قناعاًً هندياًً تاريخياًً يعود لأجداده، وإنما أهداه إنجيل المعذبين والمقهورين فى قارة أمريكا الجنوبية كلها، «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» لمؤلفه الأورجوانى إدواردو جاليانو، الذى يحكى تاريخ النهب والاستغلال الذى تعرضت له قارة أمريكا اللاتينية بكاملها منذ وطئت رايات كورتيس وكولومبس أراضيها محملين بالبنادق والأحصنة والأوبئة والرغبة الدفينة فى الحصول على الذهب والفضة والبهارات. ولد إدواردو جاليانو فى مونتفيديو عاصمة أورجواى وعمل صحفياً ورساماً كاريكاتورياً فى العديد من الصحف، قبل أن يهرب من الحكم العسكرى فى بلاده إلى الأرجنتين عام 1973 بعد نشره «الشرايين المفتوحة» فى أسبانيا عام1971، ثم انتقل إلى أسبانيا عام 1977، وظل فيها حتى عاد إلى بلاده عام 1985 وعلى الرغم من أن كتاب «الشرايين المفتوحة» ظل ممنوعاًًً من دخول أورجواى، 7 سنوات كاملة، فإنه أصبح الكتاب الأكثر شعبية هناك، وطبع منه حتى الآن ما يزيد على 60 طبعة وترجم إلى معظم لغات العالم على حد تعبير المترجمين أحمد حسان وبشير السباعى، اللذين إعتبرا الكتاب سيرة ذاتية لأمريكا الجنوبية، الأخت الشقيقة للعالم العربى، والذى تعرض مثلها لعمليات النهب المنظمة منذ قرون ولم يزل، كما تعرض مثلها لإرساء صناعة التخلف حتى يبقى بقرة حلوباً، تدر الموارد الطبيعية للدول الكبرى المنتفعة.
(4) يَعتمد التعريف القياسى للبطالة(ILO83) على ثلاثة معايير يتعين توافرها فى نفس الوقت، وهى: بلاعمل، ومتاح فى الوقت الراهن، وباحث عن العمل. فالعاطلون إذاًًً يتألفون من جميع الأشخاص فوق العمر المحدد لقياس السكان النشيطين إقتصاديا (فى فنزويلا من 10 سنوات) والذين كانوا خلال الفترة: 1- من الأشخاص الذين بلا عمل، بمعنى انهم لم يكونوا فى عمالة مأجورة أو عمالة للحساب الخاص، تبعا للتعريف الدولى للعمالة. 2- من المتاحين فى الوقت الراهن للعمل، بأجر أو للحساب الخاص، 3- من الذين قاموا بإتخاذ خطوات محددة من مدة قريبة محددة كذلك للبحث عن عمل؛ فلكى يعتبر الشخص فى حالة بطالة، وفقا للمعايير الدولية، فإنه يلزم أن يكون فى حالة بحث عن عمل.
ILO.Surveys of Economically Active. Geneva 1990
ILO, the World of Work, the magazine of the ILO, 1996 (No, 16(
(5) أنظر على سبيل المثال: كتاب أيتين دالمون، النفط، تعريب: خليل الجر، المطبعة البوليسية. جونيه 1979
(6) أنظر:
http://ar.wikipedia.org/wiki
(7) أنظر فى شرح مفصل: أستاذنا الجليل الدكتور محمد دويدار، محاضرات الإقتصاد الدولى، مرجع سالف.
(8) أنظر على سبيل المثال، الكوارث البيئية التى تحدث نتيجة التسربات النفطية، مقال: جويل كيه، وبورن جونيور، معضلة الأعماق، النسخة العربية لمجلة ناشيونال جيوجرافيك، أكتوبر 2010
(9) يستخدم خام برنت كمعيار لتسعير ثلثى إنتاج النفط العالمى، خاصة فى الأسواق الأوروبية والأفريقية، ويتكون برنت من مزيج نفطى من 15 حقلاًًً مختلفاًً فى منطقتى برنت وتينيان فى بحر الشمال، اللتين تنتجان نحو 500 الف برميل يومياًً، ويُُعتبر من النفوط الخفيفة الحلوة بسبب وزنه النوعى البالغ 38 درجة وإنخفاض نسبة الكبريت التى تصل الى 0.37 فى المائة. وبناء على الفروق بينه وبين الخامات الأخرى، فانه بشكل عام يباع بسعر أعلى من سلة نفوط أوبك بنحو دولار للبرميل، وبسعر أقل من خام غرب تكساس بنحو دولار أيضا، وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تستهلك أغلب إنتاج خام برنت، لكنه يصدر أحيانا إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأفريقية، وتوجد أكبر أسواق النفط فى العالم فى لندن ونيويورك وسنغافورة، لكن النفط الخام والمنتجات المكررة، مثل الجازولين وزيت التدفئة، تباع وتشترى فى جميع أنحاء العالم.وللنفط الخام أنواع وخواص مختلفة تتوقف على وزنه النوعى ومحتواه من الكبريت وهما عاملان يختلفان باختلاف موقع استخراجه. وفى حال عدم تقديم معلومات أخرى، فإن سعر النفط الذى يظهر فى وسائل الإعلام فى المملكة المتحدة وغيرها من الدول الغربية قد يشير على الأرجح إلى سعر البرميل من خام برنت المستخرج من بحر الشمال والذى يباع فى بورصة البترول الدولية فى لندن. ويتم ذلك عادة فى صورة عقود آجلة تسلم فى الشهر التالى.وفى مثل هذا النوع من المعاملات يتفق المشترى على تسلم الشحنة ويوافق البائع على توفير كمية محددة من النفط بسعر متفق عليه مسبقاًًً فى موقع معين. ولا يتم تداول العقود الآجلة إلا من خلال معاملات مالية منظمة تُُُسدد يومياًًً بناءًًً على قيمتها الحالية فى السوق. والحد الأدنى للشراء هو ألف برميل. ولأنه توجد أصناف ودرجات مختلفة من النفط الخام فقد وجد البائعون والمشترون أن من الأسهل الإشارة إلى عدد محدود من خامات النفط وجعلها معياراًً. أما الأصناف الأخرى فيتحدد سعرها بعد ذلك إما بخصم أو زيادة بحسب جودتها. يقبل خام برنت بوجه عام على أنه المعيار العالمى برغم أن كمية المباع منه تقل بكثير عن بعض خامات المملكة العربية السعودية على سبيل المثال. ووفقاًً لبورصة النفط الدولية فإن خام برنت يُستخدم لتسعير التعاملات فى ثلثى إمدادات النفط الخام فى العالم. وفى منطقة الخليج العربى، يستخدم خام دبى كمعيار لتسعير مبيعات خامات المنطقة الأخرى المباعة لدول آسيا.
الفصل الرابع
المدخل الهيكلى لفهم الظاهرة

ولكى يكتمل تصورنا النظرى، مِن خلال إستكمال خطنا المنهجى، فإنه يتعين أن نعاين مُجمل القارة، كخطوة فكرية تالية، حتى نستوعب فنزويلا بشكل أكثر دقة، وإنما إبتداءً من كونها أحد أجزاء القارة غير المتجانسة، بالتأكيد على أن عدم التجانس هذا لا يُمثل معطى، وإنما يلزم إثارة كيفية تحققه فى إطار عملية تطور الإقتصاد الرأسمالى الدولى، وتكونه التاريخى، إذ أنه، أى عدم التجانس، نتيجة يتعين البحث عن أسبابها خارج نطاق الجغرافيا، بشكل مؤقت منهجياًًً بالطبع، إبتداءًًً من الوعى بالعملية التاريخية التى أفقدت المجتمع شروط تجديد إنتاجه، كى يندمج فى منظومة الفائض. إنها العملية التاريخية التى تَتَحدد خطوطها العريضة بما يلى:
(1) العدوانية المباشرة لرأس المال الأوروبى الإستعمارى على مجتمعات الإقتصاد المعاشى(بكل خصوصيته، وحضارته المدهشة: الإنكا، والأزتك)فى أمريكا اللاتينية (وفنزويلا جزء لا يتجزء من أجزائه غير المتجانسة) وبحصول الصراع الجدلى بين أسلوب الإنتاج الرأسمالى، الناشىء بمنتهى العنفوان، ومجابهة المنتج الوطنى فى المستعمرة، والذى كان فى الأصل مالكاًًًً لشروط تجديد إنتاجه، تبدأ العمليـة التاريخية (الدامجة)(1) المتزامنة مع ضخ المزيد من قـوة العمل(المستورََدة، المقتَنََصة) من خـلال تجارة، سَيطر عليها أنذاك التاج الأسبانى والتاج البرتغالى، وتبعهم فى ذلك فيما بعد باقى القوى الإستعمارية الأوربية. لا بد إذاًً، مِن البحث فى دور الغزو الإستعمارى الأوروبى (الأسبانى والبرتغالى تحديداًً) فى دَمج الإقتصاديات المستعمرة (أمريكا اللاتينية بصفة عامة، وفنزويلا بصفة خاصة) ذات الإكتفاء الذاتى، أى الإنتاج خارج فكرة التداول المعمم، فى إقتصادياتها المستعمرة كأحد الأجزاء التابعة.
فلقد ظل الأسبان، عقب إستقرارهم فى جُزر الهند الغربية، يُرسلون البُعوث الإستعمارية لإستكشاف شواطىء أمريكا الوسطى، حينما سمعوا عن بلاد فى الغرب، يكثر فيها الذهب، والفضة بكميات لا تُحصى؛ فعَهدوا إلى حملة صغيرة بقيادة "كورتز" لغزو هذه البلاد، المكسيك حالياًً، والتى كانت موطن قبائل ذات كُُنوز وحضارة وفنون وديانات. إنها حضارة الأزتك، التى أُُبِيدَت ومُسحت مِن على خريطة العالم. ومِن هنا فقد سَمع الأسبان عن"بيرو" موطن قبائل الإنكا، وهى ذات كنوز وحضارة لا تَقل فى روعتها عن الأزتك، فأعدوا حملة بقيادة "بيزارو" للإستيلاء عليها، وتَحكى المراجع المختلفة فى هذا الشأن؛ أن أهل تلك البلاد أهل سلام وسلم وسكينة، يَملكون مِن الذهب مالم يَخطر على بال أوروبى؛ حتى أن مَلِك الإنكا، أتاهوالبا، لما أُُسر، إفتدى نفسه، كما يُروى، بملء الحجرة التى كان فيها ذهباًً، فأخذه بيزارو، وغََدر به، وذلك عام 1533، ودخلت "بيرو" ضمن أملاك أسبانيا، ولم يمضْ وقتٌ طويل حتى أصبحت مُعظم بلاد أمريكا اللاتينية فى قبضتهم. ويتمكن الجدولان التاليان من بيان كيف فقدت بلدان القارة تاريخياًً شروط تجديد إنتاجها، ومن ثم فقد وسائل الدفع الدولية، وعلى الجانب الآخر يظهر الجدولان(2) حجم التراكم الرأسمالى الذى تحقق فى أوروبا خلال الفترة من القرن الخامس عشر وحتى نهايات القرن الثامن عشر.
البلد المنهوبة الفترة بملايين الماركات الفضية
بوليفيا 1545- 1800 5282,16
بيرو 1533 – 1800 1610,3
المكسيك 1522 - 1800 8280,64
المصدر : الدكتور/رمزى زكى، التاريخ النقدى للتخلف.

البلد المنهوبة الفترة بملايين الماركات الذهبية
المكسيك والهند الغربية 1500- 1800 642
بيرو 1543 – 1800 1050
تشيلى 1500 - 1800 470
البرازيل 1701 - 1800 2410
المصدر: الدكتور/رمزى زكى، التاريخ النقدى للتخلف.
(2) فرض الزراعة الأحادية على أغنى أراضى قارة أمريكا اللاتينية وأخصبها وأوفرها إنتاجاًً: البرازيل، باربادوس، جـزرسوتابنتو، ترينـداد وتوباجو، كوبا، بورتوريكو، الدومينيكان، هاييتى، الأمر الذى كََون، تاريخياًً، بلداناًً كالأكوادور يَتوقف مصير سُكانِها على تقلبات الأثمان العالمية للبن أوالكاكاو، أوالموز!! هنا يجب الوعى بالكيفية التى تمت مِن خلالها عملية تعميق هذا الشكل مِن الزراعة مِن خلال هيكلة إقتصاديات بُلدان القارة على نحو يَخدم، بإخلاص، إقتصاديات الأجزاء (الإستعمارية) بجعل بلدان القارة مورداًً دائماًً للمواد الأولية، الحال الذى أفضى، بعد إستنزاف التربة، إلى إستيراد الطعام؛ فالأرض أقسمت ألا تُنتِج سوى المحصول الواحد، المحصول الإستعمارى: سكر، كاكاو، مطاط، بن، قطن.
(3) تعميق هذا الشكل من الزراعة من خلال هيكلة إقتصاديات بلدان القارة(وسطاًًً وجنوباًًً) على نحو يخدم(بإخلاص يكاد أن يكون فطرياًًً) إقتصاديات الأجزاء المتقدمة(الإستعمارية) بجعل بلدان القارة موردا دائما للمواد الأولية، الحال الذى أفضى، بعد إستنزاف التربة، إلى إستيراد الطعام، وبعد أن أقسمت الأرض أن لا تنتج سوى المحصول الواحد: سكر، كاكاو، مطاط، بن، قطن. والسؤال الأن: من الذى كان (ولم يزل) يستورد هذا الطعام؟ ومن (من؟) (ولمن؟) الإجابة ستكون يسيرة إذ ما كان الواقع يشير إلى طبقتين: المالكـة والمملوكة. المالكـة: تملك الأرض ومحصولها(المعد أساسا للتصدير، للسوق العالمى، ومن ثم للثمن العالمى) والمملوكة: لا تملك سوى قوة عملها المنهكة والمأجورة غالباًًً عيناًًً، والمهددة فى بقائها حية من جراء سوء التغذية والعمل العبودى فى أراضى المحصول الواحد!!
(4) كما يَتعين التقدم، لفهم تسرب القيمة، ومِن ثم التبادل غير المتكافىء، خطوة إلى الأمام، تاريخياًً ومِن ثم منهجياًً، بالبحث الواعى فى دور الشركات الأجنبيـة العملاقـة ورؤوس أموالها القومية فى تعميق الدور الذى تلعبه أجـزاء القارة المختلفـة كمورِِد رئيسى للمـواد الأولية، دون أى مشاركـة مِن هذه الأجزاء فى عملية التجارة فى أى مرحلة مِن مراحلها، مع الحفاظ دائماًً على إثارة القلق فى أسواق تلك المنتجات، حفاظاًً على التحكم فى أثمانها العالمية وإمكانيـة التلاعب بها. وتُُعتبر شركات النفط العالمية الكبرى مِن أقدم الشركات المتعددة الجنسية فى هذا الشأن.
(5) يتعين الإستمرار فى البحث وصولاًً للكيفية التى مِن خلالها يظهر الإقتصاد الفنزويلى، كإقتصاد متخلف، مُركََب مِن قطاعات مُنعزلة أو شبه مُنعزلة، لا تُقيم فيما بينها إلا مُبادلات هامشية، بينما يتم الجزء المهم والجوهرى مِن مبادلاتها (وبخاصة النفط) مع الخارج، وبينما يَعكس قطاع الزراعة (الذى يقع تحت وطأة إعادة الهيكلة العالمية) مظاهر الإندماج كافة فى السوق الدولية، بمعنى الإنتاج إبتداءًً مِن السوق وتبعاًً لقوانين السوق، أى الإندماج فى منظومة الفائض والهدر الإجتماعى، وإنما إبتداءًً مِن سيادة قوى إنتاجية متخلفة(تَركُُز ملكية، تخلف أساليب الإستغلال، الإحتفاظ ببعض مظاهرالإقتصاد المعاشى، الإنفصال التاريخى للريف عن المدينة) وعلاقات إنتاج شفافة (أقرب إلى القنانة أو العبودية) لم يسمحا بعد، أى قوى الإنتاج وعلاقاته، بتطورات جدلية ملحوظة على صعيد رد الفعل الإجتماعى، فإن القطاع الصناعى يَتكون، إضافة إلى الشركة الأم، مِن منشأت عملاقة (أجنبية أو فروعاًً مِن وحدات محليّة) تقع مراكزُها المحركة خارج الإقتصاد الفنزويلى، وعلى حين تقوم تلك الوحدات الضخمة بإستخراج الثروة المنجمية (فحم، حديد، نفط) فإنها تَستخرجها لا لكى تغذى بها صناعات وطنية وليدة، بل تُصدرها، أو تمتص أموالها، من أجل تغذية مجموعات صناعية مُعقدة فى الأجزاء المتقدمة وبخاصة بداخل الإقتصاد الأمريكى؛ الوريث التاريخى للهيّمنة الإستعمارية الأوربية.
(6) الأمر الذى تزامن مع نشوء المزرعة الإستعمارية(اللاتيفونديات) وتبلور الطبقات الإجتماعية المكونة تاريخياًً فى ركاب رأس المال الأجنبى(الأسبانى والبرتغالى والإنجليزى والهولندى والفرنسى، ثم الأمريكى كأمتداد للهيمنة والسيطرة) ومن هنا نشأت أرستقراطية السكر، وأوليجارشية الكاكاو، وبخاصة فى كاراكاس الفنزويلية مع نهاية القرن السادس عشر، كما ظهرأثرياء الغابة (المطاط) وأباطرة البن.
(7) تنهض هذه الطبقات(فى حركتها الإجتماعية المتعادية والمتناقضة، بلعب دور البطولة المطلقة من خلال الأرباح التى تجنيها بفعل القانون الموضوعى للقيمة، فى تدعيم بنية الخضوع والهيمنة، وتكريس عوامل التخلف التاريخى لدول القارة، إذ لا توجه(ولا يمكن أن توجه) تلك الأرباح إلى الحقول الإستثمارية الوطنية، بل يُعاد ضخها فى نفس العروق...إلى الخارج!! تتبدى هنا دعوة منهجية لمقارنة عملية التكون التاريخى للتخلف عبر ثلاثة قرون فى عالمنا العربى، التابع كلية إقتصادياًًً وسياسياًًً وثقافياًً.
وقد يكون إلقاء النظر على مجمل القارة مفيداًً فى سبيل إستيعاب مقولة " الشعوب الجائعة":
ففى بيرو حيث ترتفع نسبة السكان تحت خط الفقر إلى 50%، وحيث يباع الأطفال لإستعمالهم فى التنقيب عن الذهب فى أيام عمل تصل إلى 18 ساعة يومياًًً، وحيث تصل نسبة البطالة إلى 76% فإن جميع الأرقام تؤكد على حقيقة واحدة وهى أن دخل الفلاح المنتج للكوكا(المادة الخام للكوكايين) يفوق أضعاف المرات المرتب السنوى لعامل المنجم والعامل العادى، ومن ثم يفوق المزارع غير المنتِِِج للكوكا(3).
وفى بنما حيث يرتفع عبء المديونية إلى 75% من الناتج القومى، يرتفع مستوى الفقر إلى 74%، أما البرازيل، والتى بلغ حجم ديونها نحو 238 مليار دولار، وتستهلك خدمة هذه الديون نحو 110 % من قيمة الصادرات البرازيلية، فقد تملك 1% نحو 50% من الأرض، مع إرتفاع نسبة الفقر إلى 40% ، وذلك بعد أن تحولت إلى مركز عالمى لإستعباد الأطفال، إذ يعمل، وفقاًً لأدنى الأرقام المعلََنة، قرابة 7 مليون طفل كعبيد أو داعرات، ولقد كان للشركات دولية النشاط والتى صار لها حق المعاملة الوطنية بموجب نصوص الجات، نصيب الأسد فى هذه الدولة، إذ سيطرت، برعاية الهيمنة الأمريكية، على 85% من إنتاج الكاكاو، و90% من إنتاج البن، و60% من إنتاج السكر، و90% من إنتاج القطن، و80% من إنتاج البوكسيت، و100%من سوق إنتاج وبيع وتسويق الكوارتز عالى الجودة والذى يُُعد حيوياًًً للألكترونيات.
وفى كوستاريكا، تعجز 56% من الأسر عن تلبية حاجاتها الأساسية، مع إزدياد مستمر فى معدلات الفقر، وتدهور فى القدرة الشرائية. أما السلفادور فنحو 90% من السكان فقراء، وطبقاًً لبرنامج التصحيح الهيكلى المملى من قبل صندوق النقد الدولى، فقد صار 25000 عامل خارج سوق العمل. إنه نفس البرنامج الذى أدى إلى إغلاق 180 منشأة وطنية فى نيكاراجوا، التى زادت فيها نسبة العاهرات بمقدار 80% فى عام واحد(2002) ويبدأ الطفل حياته هناك وهو مدين بدين قدره 1213 دولار، ولا محل للإستغراب إذ ما علمنا أن عبء المديونية بلغ 306% من الناتج القومى. وفى جواتيمالا، فقد أفادت التقارير الصادرة عن وزارة الصحة أن 40% من التلاميذ يعانون من سوء التغذية المزمن، وأن 87% من السكان تحت خط الفقر.
وربما تكون الأرجنتين، التى بلغت ديونها نحو 146,2 مليار دولار ، مع معدل تضخم بلغ 39% ، أفضل حالا؛ إذ تبلغ نسبة من يعيشون تحت خط الفقر نحو 60%، فى الوقت الذى جمد فيه القضاء السويسرى حسابين مصرفيين قيمتهما 10 مليون دولار باسم كارلوس منعم، أما الإكوادور، وحيث بلغ عبء المديونية نحو 87% بالنسبة للناتج القومى الإجمالى، فيعمل هناك قرابة 100 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 8و12 عام، فى نوبات عمل تمتد ما بين 10و16 ساعة يومياًًً(قيمة زائدة مطلقة ونسبية) ويقع معظمهم ضحية للإعتداءات الجنسية.
وعلى وجه الإجمال، فقد بينت الأرقام أن 69 مليون طفل فى القارة يشتغلون بالعمل اليدوى والسرقة والدعارة وتوزيع المخدرات، كما أشارت الأرقام كذلك إلى كون 85% من سكان أمريكا الوسطى (البهاما، وبنما، وكوبا، وجاميكا، والدومينيكان، وهندراوس، ونيكاراجوا، وجواتيمالا، والسلفادور، وكوستاريكا) فقراء . . . جوعى، ويموت فيها سنوياًًً قرابة 120 ألف طفل تقل أعمارهم من خمس سنوات بسبب سؤ التغذية. هذا بالإضافة إلى أنه لم يُعد بالأمر الخفى، وفقاًًً لبيانات مؤتمر تجارة الأطفال الدولية الذى عقد بالمكسيك، أن هناك نحو 20 ألف طفل من أنحاء متفرقة من القارة اللاتينية يرسلون سنوياًً إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصورة غير مشروعة لإمداد التجارة غير المشروعة بالأعضاء البشرية والإستغلال الجنسى(على نطاق متسع) أو لإجراء الإختبارات والتجارب عليهم .
ومن جهة أخرى متممة، فلعل ما يميز إقتصاديات القارة، نسبيا، وإضافة إلى إندماجها فى النظام الرأسمالى الدولى(السؤال هنا إلى أى حد هى مندمجة) كأحد الأجزاء المتخلفة، هو غلبة الطابع الخدمى الذى يُُعد إمتداداًً لنشاط إقتصادى محدد(بنوك، إتصالات، دعاية ، تسويق(4) تهيمن عليه رؤوس الأموال القومية المنتمية إلى الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى الدولى، وبخاصة رؤوس الأموال الأمريكية.
وإستكمالاًً للأسس المنهجية التى صدرنا عنها، فيتعين فحص المسألة الفنزويلية من زاوية الدور الأمريكى الذى يمكن، بل يجب، إعتباره إمتداد تاريخياًً للدور الإستعمارى الأوروبى: فلاشك فى أن الولايات المتحدة الأمريكية ذات تاريخ حافل بالأحداث المثيرة، والدموية غالبا، المتعلقة بأمريكا اللاتينية (غزو نيكاراجوا1823- ثم بيرو 1825- إحتلال تكساس المكسيكية 1846، وكى تضم نهائياًً فى أعقاب 1948- تدمير ميناء جاجراى تاون فى نيكاراجوا 1854- غزو كولومبيا 1873- التدخل فى هاييتى 1888- ثم فى تشيلى- ثم فى نيكاراجوا 1894- الحرب الأمريكية الأسبانية المفتعلة طبقا لأرجح الأقوال 1898- التدخل فى كولومبيا 1901و1902- الإستيلاء على ست مدن فى هندوراس 1907- دخول المارينز هاييتى وقيامهم بالسطو على البنك المركزى سدادا لأحد الديون، ثم إحتلالها من 1915 وحتى 1934- قصف المكسيك 1916- غزو خليج الخنازير 1961- الحصار الجوى على كوبا- غزو الدومينيكان 1965- نشر الأسطول على سواحل الدومينيكان 1978- غزو جرينادا 1983- التدخل فى تشيلى 1988- غزو بنما وإختطاف رئيسها 1989- أضف إلى ذلك تورطها المفضوح فى العديد من الإنقلابات الداخلية فى بعض الدول حينما وضعوا شامورو على العرش فى نيكاراجوا، والإطاحة ببارستد فى هاييتى، فضلا عن إدارة مذبحة ريو سمبول على الحدود السلفادورية الهندوراسية 1980) ولا شك كذلك، وفقاًً للأرقام والإحصائيات بل والمشاهدة، فى أن الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن، كما هيمنت أوروبا الإستعمارية من قبل، على معظم إقتصاديات القارة اللاتينية إن خجلنا من أن نقول كلها، والجدول أدناه يوضح حجم تلك التجارة والذى يوضح حجم التجارة البينية فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين بعض بلدان أمريكا اللاتينية.
البلد الأرجنتين البهاما بوليفيا البرازيل كولومبيا السلفادور تشيلى جيانا نيكاراجوا

تصدر إلى الولايات المتحدة
(%)

27



28,2


32

24,4

43

65

17,8

22

88,4


تستورد من الولايات المتحدة
(%)

18,1

31,1

24

23,2

35

50

19

29

53.3



الهياكل الإقتصادية لدول أمريكا اللاتينية
تم تصميم الجدول على أساس من بيانات تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية
مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة


الدولة عدد
السكان بالمليون
تقريباًً عدد المشتغلين بالمليون
تقريباًً
زراعة % من الهيكل
% من المشتغلين
صناعة % من الهيكل
% من المشتغلين
خدمات % من الهيكل
% من المشتغلين

الأرجنتين
41

15

6
غير متاح
28
غير متاح

66
غير متاح

البهاما

307,899
165,000
4
5
7
5
90
90

بوليفيا

10
3
14
غير متاح
31
غير متاح

55
غير متاح

البرازيل

698
79
9
23
32

24
59
53

كولومبيا

41
19
19

30
26
24
55
46

السلفادور

6
3
10
30
30
15
60
55

تشيلى

17
6
8
14
38
27
54
29

جيانا

10
3
36
غير متاح
32

غير متاح
33
غير متاح

كوستاريكا

4
2
11
20
38

22
52
58

كوبا

11
غير متاح
8
24
36
25
60
51

الدومينكان

10
غير متاح
11
17
34
24
54
60

هايتى

9
4
30
66
20
9
50
30

نيكاراجوا

6
2
33
42
23
15
44
43

بيرو

30
7
10
غير متاح
35
غير متاح
55
غير متاح

المكسيك

111
40

5
20
26
24
29
56

جواتيمالا

13
غير متاح
23
50
20
15
57
35
تلك السيطرة الموروثة من تركة الإستعمار الأوروبى لم تكن بالطبع وليدة اليوم، بل هى نتاج تكون تاريخى تم عبر (خمسة قرون) تعين لإستيعابهم، الوعى بمجموعة من الحزم الفكرية، والتى تتمكن من أن تبلور الكل التاريخى المراد فهم الدور الأمريكى، بل وطبيعة الصراع الدائر فى فنزويلا من خلاله.
أولاًً:حقيقة التكون التاريخى لإقتصاد المبادلة النقدية المعممة(5) إبتداء من أوروبا القرن الخامس عشر، والمعزز بالتواطؤ بين رأس المال التجارى( عقب تبلوره الطبقى والإجتماعى) وبين السلطة المعبرة عن فكرة الدولة القومية الساعية إلى تحطيم الإصطفائية الناهض عليها نمط الإنتاج الإقطاعى، والمتحهة نحو الإنسلاخ من الجسد اللاتينى(6) ولك حتى آواخر القرن السابع عشر، ثم توسع رأس المال الصناعى حتى أوائل القرن الثامن عشر، والذى تزامن مع هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالى فى طريقه إلى خلق السوق العالمية وتدويل الإنتاج من خلال أنماط مختلفة للتقسيم الدولى للعمل والتغلغل فى هياكل المجتمعات المتخلفة؛ مشكلا بذلك أجزاء للإقتصاد الدولى بمستويات مختلفة من التطور. فأضحى هناك الإجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى الدولى كما امست كذلك أجزاء متخلفة من الإقتصاد الرأسمالى الدولى. نقطة الإرتكاز إذا إنما تكمن فى إجراء الفهم الواعى لطبيعة الإقتصاد الرأسمالى كإقتصاد يتم فيه الإنتاج بقصد المبادلة النقدية. الإنتاج الذى تبدأ دورته من السوق حيث تتحول النقود كيفيا إلى شروط لعملية الإنتاج، ويجرى الإنتاج بعيدا عن السوق وإنما من أجل السوق. من أجل الفائض، وقد سبق وأن عالجناه فى المبحث الثانى من الفصل الأول.
ثانياًً:طبيعة الصراع الإستعمارى الدائر، فى القرن الخامس عشر، بين التاج الأسبانى(الذى هيمن على القدر الأكبر من أغنى أراضى القارة بعد إبادة حضارتى الأزتك والأنكا بديانتهما وفنونهما) وبين التاج البرتغالى(الذى سيطر على مجمل البرازيل) وذلك كدولتين قوميتين، الأمر الذى قام البابا عام 1494 على أثره بمحاولة وضع حدا له فقام بتقسيم العالم من القطب إلى القطب بخط يمر فى المحيط الأطلنطى(خط طول 35) كحد فاصل بين ممتلكات كل من الدولتين.
ثالثاًً: دور الغزو الإستعمارى الأوروبى (الأسبانى والبرتغالى تحديداًً) فى دمج الإقتصاديات المستعمرة (أمريكا اللاتينية بصفة خاصة) ذات الإكتفاء الذاتى، أى الإنتاج خارج فكرة التداول المعمم، فى إقتصادياتها المستعمرة كأحد الأجزاء التابعة . والإمبراطورية الهولندية، فلقد ظل الأسبان، عقب استقرارهم فى جزر الهند الغربية، يرسلون البعوث الإستعمارية لكشف شواطىء أمريكا الوسطى، حينما سمعوا عن بلاد فى الغرب، يكثر فيها الذهب، والفضة بكميات لا تحصى؛ فعهدوا إلى حملة صغيرة بقيادة"كورتز" فتح هذه البلاد، المكسيك حاليا، والتى كانت موطن قبائل ذات كنوز وحضارة وفنون وديانات. . . إنها حضارة الأزتك، التى ابيدت ومسحت من على خريطة العالم. ومن هنا فقد سمع الأسبان عن "بيرو" موطن قبائل الأنكا، وهى ذات كنوز وحضارة لا تقل فى روعتها عن الأزتك، فأعدوا حملة بقيادة" بيزارو" للإستيلاء عليها، وتحكى المراجع المختلفة فى هذا الشأن؛ أن أهل تلك البلاد اهل سلم وهدوء، يملكون من الذهب مالم يخطر على بال أوربى؛ حتى أن ملك الأنكا لما أسر، إفتدى نفسه بملء الحجرة التى كان فيها ذهبا، فإخذه بيزارو، وغدر بخصمه زعيم الأنكا، وذلك عام 1533، وبذلك تم له ما أراد وفقدت بيرو إستقلالها، ودخلت ضمن أملاك أسبانيا، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت معظم بلاد أمريكا اللاتينية فى قبضتهم.
رابعاًً: تتبلور تاريخياًًً فى هذه اللحظة ظاهرة جديدة تفضى إلى تدويل عملية الإنتاج على الصعيد العالمى، تلك هى ظاهرة التقسيم الدولى للعمل، ليس فقط على أساس المتاح من الموارد الطبيعية والقوة العاملة فى كل مجتمع؛ وإنما أساسا من إحتياجات رأس المال فى الأجزاء المتبوعة، فعلى سبيل المثال إتجه الإستعمار البرتغالى إلى الإقتصاد الزراعى، وبخاصة زراعة قصب السكر على السواحل البرازيلية الشمالية الشرقية وبوجه خاص فى منطقة نورديست فى باهيا وبرنامبكو، وذلك تلبية لإحتياجات الإقتصاد القومى البرتغالى. ثم إندفاعه إبتداء من القرن السابع عشر نحو الغرب، تحديداًًً سيرامانتيكويرا على الشاطىء الغربى لحوض نهر سان فرانسيسكو الأعلى ما وراء خط التقسيم البابوى بحثا عن الماس والذهب وذلك بعد الإطمئنان للمساحات المزروعة .
خامساًً: دور متطلبات الدمج المذكور عاليه فى قلب الميزان الديموجرافى فى معظم أجزاء القارة(7) وهو الأمر الذى يتعين معه الوعى بأمرين: أولا : طبيعة نمط الإنتاج الذى إستخدمته الإقتصاديات المستعمرة فى سبيل إنهاك الإقتصاديات المستعمرة وتصفيتها ماديا، وسلبها لشروط تجديد إنتاجها، ونمط الإنتاج هذا والذى إستخدمته القوى الإستعمارية إنما يحتاج(لتمحوره حول السخرة والعبودية) إلى قوة عمل وفيرة، أكثر من وسائل الإنتاج(مواد العمل وأدوات العمل) ولذا سيكون من الضرورى أن تقوم قوى الإستعمار الأوروبى بضخ نحو 8 مليون إنسان (عبد) إفريقى إلى مناطق البرازيل وغرب الإنديز وجيانا فى الفترة من 1550 وحتى 1850 بعد أن قضى الإستعمار على السكان الأصليين. تركز هذا الضخ فى معظم جزر الكاريبى ومناطق زراعة القصب ومناجم الذهب ومزارع البن.كثر من أكك
الأمر الذى أفضى إلى تكون طبقة (الكريوليس) والتى ستنهض بدور هام فى سبيل ترسيخ الهيمنة الإستعمارية حتى بعد تحولها شطرالقارة الإفريقية إبتداء من النصف الثانى من القرن الثامن عشر، فلقد كرس الإستقلال فى بداية القرن التاسع عشر تحويل السلطة إلى أيدى الملاك العقاريين والبورجوازية الكمبرادورية، عقب ذلك استمر التحويل وتدعيمه على أمتداد القرن إزاء تكثف التبادلات مع المتروبول الجديد، بريطانيا العظمى.
سادساًً: الكيفية التاريخية التى من خلالها تبلور التاريخ النقدى "للهيمنة" الأمريكية فى القرن التاسع عشر، بعد سلسلة متصلة من العلاقات الجدلية بين القوى الأوربية (8) المتصارعة(هولندا، إنجلترا، فرنسا، روسيا، النمسا، المانيا، إيطاليا، بروسيا، الدولة العثمانية) وإنتهاء بالحرب العالمية الأولى التى خرج منها الإقتصاد الأوروبى حطاما ، بينما خرجت الولايات المتحدة الأمريكية كأغنى وأقوى دولة رأسمالية فى العالم، يزيد مجموع أرصدتها الذهبية عن مجموع الأرصدة الذهبية التى تملكها روسيا وفرنسا والمانيا وبريطانيا وكأن الحرب لم تفعل شيئا سوى نقل ثروات أمريكا الجنوبية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. يتعين هنا الوعى بالظروف التاريخية التى سادت فى القرن التاسع عشر، والتى تمكن الذهب من خلالها من إرساء الأثمان المعبر عنها بعملات وطنية مختلفة نظير سلع تم إنتاجها فى أماكن متفرقة من العالم وفى ظل ظروف إنتاجية مختلفة . ولم يكن من الممكن للذهب أن يؤدى هذه الوظيفة إلا إبتداءًًً من تداوله كنقود فى داخل الإقتصاد الرأسمالى القومى الأكثر تطوراًًً والذى كان فى سبيله للسيطرة على الجزء الأكبر من المعاملات الدولية: الإقتصاد البريطانى. وتمكن قاعدة الذهب الدولية بدورها رأس المال البريطانى من تأكيد هيمنته فى داخل الإقتصاد العالمى، وهى هيمنة استمدها من تفوق الإنتاجية النسبية للعمل عمقا ومدى،وبفضل هذه الهيمنة يصبح الإسترلينى،العملة الوطنية البريطانية، سيد العملات دولياًًً، ويمكن أن يحل محل الذهب لعملات بلدان أخرى تخضع لهيمنة رأس المال البريطانى. وهكذا تحل هيمنة رأس مال إحدى البلدان على الصعيد الدولى محل سلطة الدولة على الصعيد القومى، وتمكن هذه الهيمنة عملة رأس المال المهيمن من أن تلعب فى المعاملات الدولية دور النقود الدولية، سواء أكانت هذه العملة تستند إلى الذهب أو لا تستند، وإن كان من الضرورى أن تبدأ فترة سيطرتها التاريخية، بحكم تاريخية النقود، بالإستناد إلى الذهب. ويكون من الطبيعى عند إنتقال الهيمنة من رأس مال قومى إلى رأس مال قومى آخر أن ترث عملة المهيمن الجديد وظيفة النقود الدولية حالة بذلك محل عملة رأس المال الذى فقد هيمنته على الإقتصاد الرأسمالى الدولى. ذلك هو ما حدث فى فترة الحربين العالميتين عندما فقد رأس المال البريطانى هيمنته على الإقتصاد الدولى( تاركاًًًً الإقتصاد الدولى كى يُُُُقسََم عدة كتل نقدية) فقد ظهر رأس المال الامريكى كى يفرض هيمنته ، ولكى تأتى الحرب العالمية الثانية لتؤكد الهيمنة الجديدة التى تفرض كل تبعاتها فى الفترة التالية للحرب.
فى تلك النقطة الفكرية يتعين الوعى بمجموعة من الأحداث الهامة، ففى الفترة ما بين سنة 1688 وسنة 1815 إشتبكت فرنسا وإنجلترا فى سبعة حروب، كان من أهم أسبابها على الإطلاق، التنافس فى المستعمرات، وفرض السيادة والهيمنة على البحار، وكانت كلما نشبت حرب بين دولتين فى أوربا، إمتد لهيبها إلى ما وراء البحار، واشتعلت نيران الحرب كذلك فى المستعمرات.
ومن جهة أخرى، ففى أوائل القرن السادس عشر، ورث عرش الإمبراطورية الهولندية، الإمبراطور شارل الخامس، وفى عهده نظمت الإدارة وتحسنت الأحوال الداخلية، كما أن إتسعت الحركة التجارية، إلا أنه لما ظهرت حركة الإصلاح الدينى، فقد اعتنق كثير من سكان الشمال مذهب كلفن فاشتد شارل فى معاملتهم، واحرق عدداًً كبيراًًً منهم، ولما خلفه إبنه فيليب الثانى، واصل سياسة الإضطهاد بعنف، مما أدى إلى إندلاع الثورات ضد الحكم الأسبانى(والذى بلغ حدود المستعمرات)، واستمر النضال بين الفريقين طوال النصف الثانى من القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر؛ حتى إنتهى الأمر بإستقلال هولندا. وما كادت هولندا تستقل حتى صارت من أقوى دول أوربا فى البحر، وأوسعها تجارة، ولا سيما فى الشرق. ساعدها فى ذلك إزدياد قوتها البحرية خلال حرب الإستقلال، وسطوها على السفن الأسبانية، وكذلك الإستيلاء على بعض المستعمرات الأسبانية التى آلت لها من البرتغال بعد إخضاعها وضمها إليها سنة 1580. هذا إلى جانب ضعف قوة البرتغال بعد فقدانها لإستقلالها، وكذلك إضمحلال قوة أسبانيا البحرية، بعد إنهزام اسطولها الكبير المعروف بـ " الأرمادا" الذى لا يقهر أمام الأسطول الإنجليزى سنة 1588، مما شجع السفن الهولندية على معارضة تجارة أسبانيا فى البحار، بل وإنتصار أسطولها على الأسطول الأسبانى عند جبل طارق سنة 1607.
لقد قادتنا خطواتنا الفكرية الأربع، التى بدأنها برصد الأحداث، بشكل أساسى فى الفترة من 12/4/2002، وحتى 19/2/2003ـ ثم التعرض للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية من خلال فهم فنزويلا "التاريخ والجغرافيا" وإنما إبتداءً من إعتبارها أحد الأجزاء المتخلفة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، وبوصفها كذلك أحد الأجزاء غير المتجانسة من القارة اللاتينية، وهو الأمر الذى دفعنا كى نلقى النظرة، المنهجية، على مجمل الأوضاع فى القارة، ولقد إنتهت خطواتنا تلك، بفرضية تدعى لزوم درس المجتمع الفنزويلى فى تطوره الإجتماعى عبر الزمن.
ويمكننا القول بأن خطواتنا تلك بالإضافة إلى أنها قد قربتنا كثيراًً من الإجابات على الأسئلة المعنية بأطراف الصراع ودور الولايات المتحدة الأمريكية والدائرين فى فلكها، بالإضافة إلى ذلك، فقد لاحت، بالمناسبة، فى الأفق خمسة ملاحظات أساسية يمكن بلورتها فى:
(1) يظهر الإقتصاد الفنزويلى، كإقتصاد متخلف، مُُركََب من قطاعات منعزلة لأو شبه منعزلة، لا تُُقيم فيما بينها إلا مبادلات هامشية، بينما يتم الجزء المهم والجوهرى من مبادلاتها(والنفط بصفة خاصة) مع الخارج، وبينما يعكس قطاع الزراعة(الذى يقع تحت وطأة إعادة الهيكلة العالمية) جل مظاهر الإندماج فى السوق الدولية، بمعنى الإنتاج إبتداءًً من حاجة السوق، وتبعاًً لقوانين السوق، أى البإندماج فى منظومة الفائض والهدر الإجتماعى، وإنما إبتداءًً من سيادة قوى إنتاجية متخلفة(تركز ملكية، الإحتفاظ ببعض مظاهر الإقتصاد المعاشى، الإنفصال التاريخى للؤيف عن المدينة، تخلف أساليب الإستغلال: كما يحدث على سبيل المثال فى القطاع الزراعى ومع الغاز الطبيعى) وعلاقات إنتاج شفافة(أقرب إلى القنانة والعبودية) لم يسمحا بعد، أى القوى والعلاقات، بتطورات ملحوظة على صعيد التطور الإجتماعى.
(2) النفط هو السلعة الرئيسية التى تتخصص فنزويلا فى إنتاجها على الصعيد العالمى، الأمر الذى يدعو إلى الإلتفات إلى عدة أمور تخص تلك الملاحظة، من جهة:
- الدور التاريخى للنفط فى تثوير الإنتاج على الصعيد العالمى، وبصفة خاصة فى الأجزاء المتقدمة، وما إستصحب ذلك من تبديل فى الهياكل الصناعية، بعد تقليص الدور الذى كان يلعبه الفحم، إبتداءًً من النصف الأول من القرن العشرين.
- طبيعة النفط، وقيمة إستعماله، كسلعة محولة، ويُُعد فعل التحويل هذا فى ذاته شرط تحقق تلك القيمة(البنزين، المازوت، زيوت التشحيم، الكيروسين، البتروكيمياء).
الأمر الذى يستلزم فحص أدوات تحويله، ومن باب أولى يوجب الوعى بأدوات إنتاجه(صوراى الحفر ومصاطبه" البحرية والبرية" ، الروافع، المناضد، الدورات، الكلابات، الحفارات، المضخات، المحركات، الأنابيب، المصافى) وإذ ما أضفنا إلى ذلك الوسائل المساعدة (النقل مثلاًً) فإنه يمكن وببساطة إستنتاج إفتقاد فنزويلا، وبمعنى أدق القوى الإجتماعية المهيمنة على النفط الفنزويلى، لشروط تجديد الإنتاج، إذ تعتمد فى سبيل الإنتاج، تبعاًً لما لاحظنا أعلاه، على سلع وأثمان السوق الدولية وإنما إبتداءًً من التبادل غير المتكافىء.
(3) تبرز شريحة البتروليتاريا النفطية(البتروليتاريا) كشريحة أفقدها الزيت وعيها الطبقى، ذات طبيعة خاصة تمكنها من ناصية شروط التفاوض على الصعيد العالنى، لا سيما مع المنظمات الدوليةـ تلك الطبيعة الخاصة لهذه الطبقة التى تكونت بفعل حركة رؤوس الأموال النفطية فى أوائل القرن العشرين بداخل فنزويلا، أهلتها من التحالف مع رأس المال وإنما إبتداءًً من سعيها نحو الحفاظ على المكاسب التى حققتها على الصعيد الإجتماعى، إذ ولدت كطبقة محدودة، وظهرت شرائحها العليا كفئات ذات إمتياز نسبى، على حين كانت الأزمة الزراعية تبدو عبر الإفقار المتواصل للفلاحين وتعميق الإنفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة. ترتبط تلك الملاحظة إرتباطاًً جوهرياًً بالوعى بما لحق تكوين البروليتاريا (لا سيما الصناعية) من تغيرات هامة منذ العقود الأخيرة من القرن الماضى، وترتبط تلك التغيرات بالطفرات العلمية المعاصرة التى قادت إلى إزدياد الوزن النوعى للفئة البروليتارية التى تعمل فى الصناعات التحويلية كما جرى إنتقال قسم كبير منها إلى تلك القطاعات التى تلعب دوراًً حاسماًً فى تطوير القوى الإنتاجية الحالية؛ فالتيار الرئيسى لحركة إنتقال القوى العاملة يتجه ناحية قطاعات الصناعات الألكترونية والبتروكيميائية. والقطاعات تلك تتميز بدرجة عالية من الإحتكار على ثعيد كل من رأس المال والإنتاج.
(4) فنزويلا دولة نفطية، وبالتبع ريعية، وحيث أن تحكم طبقة إجتماعية خاصة فى عملية النفاذ إلى المورد فى الإقتصادات الريعية المنجمية والوعى بما يثيره ذلك من علاقات جدلية بين باقى طبقات المجتمع، هو من أبجديات فهم الطبيعة الخاصة تلك الإقتصادات، فإن فنزويلا لم تمثل أدنى إستثناء فهى تنتمى إلى صلب القاعدة. إذ تحكم كبار الملاك العقاريون، وعائلاتهم من بعدهم، والبورجوازية الكمبرادورية، منذ البدء فى عملية النفاذ هذه، كطبقات كونت تاريخياًً. . . كونت كطبقات مهيمنة ثم ونامية فى ركاب رأس المال الأجنبى المسيطر،
(5) وحينما تنتقل الثروة الأساسية للبلاد إلى أيدى البورجوازية الوطنية، فإن هذا الإنتقال يرتكز على أربعة أمور، تحتوى حين تحققها إمكانية النجاح فى السيطرة الكاملة على شروط التراكم، فى الوقت الذى يقود على العكس حين الفشل فى هذه السيطرة، إلى عدم تمتع عملية التراكم بالحد المطلوب من الإستقلال الذاتى، وبالتالى لا تعد هذه العملية إلا إنعكاساًً وتكملة لعملية تراكم مركزها الذاتى فى مكان آخر، وتلك الأمور هى( والتى لم تصل إليها بعد بورجوازية الأجزاء المتخلفة بوجه عام والفنزويلية بوجه خاص) :
- السيطرة على إعادة تكوين قوة العمل أى بعبارة أخرى إنتاج غذائى بالكميات والأسعار المطلوبة لإستمرار الأيدى العاملة الأجيرة فى القطاع الرأسمالى والتوسع فيه.
- السيطرة على أسواق السلع الداخلية وإلى حد ما النجاح فى المنافسة الدولية.
- السيطرة على الأسواق النقدية والمالية بحيث أنها تسيطر على مركز رؤوس الأموال تحت تصرفها.
- السيطرة على تكنولوجيا الإنتاج الإنتاج المعمول بها فى مختلف تطور النظام الإنتاجى.
(6) فى حقل الإقتصاد الريعى المنجمى(9) يتعين إجراء التمييز بين الدولة صاحبة الدخل وبين الشركة الرأسمالية المستثمِرة (أجنبية أم وطنية) إذ أن ناتج المنجم(البير) يجرى تصديره، ومن هنا تتحدد شروط ضخ الإستثمارات فيه، بمراعاة كلفة الإستبدال المنجمى، تلك الشروط تتيح فى نفس الوقت تحقيق ربح للرأسمال المستثمر، وريع بالتناقض على الصعيد الدولى بين الدولة(المالكة) وبين رأسمال الإحتكارات التى تهيمن على ظاهرة الأثمان الدولية، ولذا سيكون مفهوماًً سبب الصراع الجدلى بين الربح(الذى تحصله بتروليوس دى فنزويلا، والمطروحة سنداتها فى أسواق المال الدولية) وبين الريع(الذى تجنيه الحكومة) ولا سيما فى اللحظة التاريخية التى يتعادى فيها رأس المال كقوة إجتماعية مع رأس المال كقوة مضادة.
إن تلك الملاحظات، التى ظهرت على مستوى الطرح، إنما تؤكد ما سبق وأن ذهبنا إليه، إنما تتمكن من القيام بنفى أى محاولة لإختزال الصراع الدائر فى فنزويلا إلى صراع بين هوجو تشافيز كرئيس دولة يسارى(وهو نعت يلزم أن يتجاوز الفهم الإنطباعى) وبين قوى المعارضة. ومن ثم فهى تتيح مساحة أرحب للوعى بطبيعة الصراع الجدلى، كذلك بين محورى قوى المعارضة الأساسيين(رأس المال فى تناقضه مع قوة العمل) كما تتمكن تلك الملاحظات فى مرحلة ثانية من تقديم خط منهجى، لا يدعى العصمة كما نكرر دوماًً، يقود إلى الوعى بتحديد، لا تعريف لأطراف الصراع الإجتماعى الراهن كطبقات تكونت تاريخياًً عبر عملية طويلة من الإندماج فى منظومة الفائض. وترتكز تلك الخطوط العريضة لهذا الخط المنهجى على الوعى بست أفكار رئيسية :
أولاًً: فى كُُل مجتمع طبقى، وبالتبع متناحر، توجد طبقات إجتماعية أساسية تتحدد العلاقات القائمة بينها على أساس من نمط الإنتاج السائد، وفى فنزويلا نستطيع أن نُميز، تاريخياًً وفى مجرى فهم الأزمة، بين أربع طبقات أساسية: الأولى: البروليتاريا، وإنما غير النفطية، إذ هناك ثمة محاولة للحديث عن البروليتاريا النفطية ذات الإمتياز النسبى، بخطاب رسمى تدمج بروليتاريا النفط فى البروليتاريا غير النفطية. البروليتاريا بنوعيها إنما تتصادم مع مع طبقة ثانية هى رأس المال( الذى نمت فى ركابه البورجوازية الكمبرادورية التى آلت لها السلطة ومارستها ضمن إطار المنظومة العالمية) وثالثاًً: طبقة كبار الأراضى(التى سبق وأن سيطرت على السلطة بجوار الأرض) وتتناقض مصالح تلك الطبقة مع الطبقة الرابعة، طبقة الفلاحين.
ثانياًً: وعليه، فإنه يتعين الحرص من فهم مقولة(الطبقات الاجتماعية الأساسية) بمفهوم المخالفة لقولة الطبقات الإجتماعية غير أساسية لما يجر ذلك إلى خلط ما بين المفاهيم، ومن ثم طمس معالم الجدل، من جهة إختزال طبقات المجتمع إلى نمط الإنتاج السائد فيه، وهو أمر شاع كخطاب أييولوجى للصراع الإجتماعى، وحصره، طبقأًً لرغبة مؤسسة الحكم ونفسوية القيام بالدور التاريخى، فى طبقتين محددتين إجتماعياًًوتاريخياًً، وعندئذ تصبح الطبقات الأخرى غير أساسية وخارج دائرة الصراع الإجتماعى. وتكمن الخطورة الأساسية هنا فى تهديد النظرية الكمية والموضوعية فى القيمة بإلقائها خارج ما هو (علمى) فتبعاًً لغض البصر، بلا معنى، عن أهمية فهم الوسط التاريخى والإطار الإجتماعى اللذين طرح فيهما إصطلاح رأس المال والرأسمالى، مع إستمرار العمل ولفترة طويلة(بشكل مؤسسى سياسى رسمى) على ترسيخ المصطلحين(الرأسمال والرأسمالى) فى سياق حزمة المفاهيم البغيضة، كالإستغلال والغبن والغش، اللذين يقعوا موقع التضاد مع نعوت وأحوال سامية كشرف النضال الثورى(مع رفض الثورة الدائمة) والإيمان الراسخ بالتطور الجدلى للمجتمعات (خارج بوابات الحزب طبعاًً، بإستثناء فهم ماو) وكتحالف قوى الشعب العامل( لصالح مؤسسة الحكم. الحزب)
نقول تبعاًً لهذه التفرقة الأيديولوجية بين الطبقات الإجتماعية الأساسية و"غير الأساسية" صار قانون القيمة والذى تتمفصل حوله مجموعة القوانين التى تتيح معرفة كيفية إشتغال النظام الإقتصادى مهدداًً فى وجوده الفاعل، بعد بتره التاريخى عن أصوله، كما صار فاقداًً لشروط تطوره الجدلى( وهى مشكلة نعى تماماًً أنها نظرية فى المقام الأول) بعد أن قُُُدم كتراث ممزوجاًً بالنصوص، خارج حقل الجدل.
ثالثاًً: فالإقتصاد هو الشكل الظاهرى للصراعات الطبقية فى الرأسمالية، وفى العلاقات الجدلية بين صراع طبقات المجتمع وبين القاعدة الإقتصادية، ليس هناك من تعادل بين الإثنين، وإنما تفوق فى المرتبة لصالح الأولى(10). إبتداءًً من هنا تعين تكوين الموقف الرافض من أمرين: أولاًً: فحص المسألة بنزعة إقتصادية ترى أن النظام الإقتصادى الفنزويلى، كأحد أجزاء المنظومة العالمية، محدد بشكل كامل بقوانين موضوعية غير قابلة للتبدل، وصراع الطبقات، المعترف بوجوده، يكون عاجزاًً عن تغيير هذه القوانين. ثانياًًً: الإرتماء فى أحضات الأدلجة، ونقصدها بمعناها السلبى، وإتخاها نقطة بدء للفحص. . . إن نقطة البدء يتعين أن تصدر عن الوعى بأن ما يجرى بداخل فنزويلا(إضافة إلى بعده التاريخى) يقوم فى الأساس على صراع طبقات لا طبقتين، هذا الصراع يعمل إنطلاقاًً من قاعدة إقتصادية(علاقات إنتاج تلائم نظاماًً إجتماعياًً معلوماًً) ويقوم بدوره بتكييفها، وإنما إبتداءًًً من قانون القيمة.
رابعاًًً: إن التحالفات الطبقية الوقتية، أو العرضية، لا تعنى على الإطلاق النفى التاريخى للتناقض. فتحالف رأس المال مع قوة العمل(النفطية) فى فنزويلا فى الوقت الراهن؛ إنما يبدأ فهمه إبتداءًً من فهم التناقض ذاته. إذ أن التناقض التاريخ بين ضدين لا يعنى قيام أحدهما بنفى الآخر، كما لا يعنى إحتواء أحدهما للآخر، إنما يعنى بداية. بداية تولد مع كل نهاية. إبتداءًً من هنا لزم الوعى بأن تشافيز(كسلطة) لا يواجه عناصر مستقلة (ممثلة فى رأس المال وقوة العمل) وإنما يواجه علاقات . . . متناقضة كذلك. ولذلك يمكن القول بأن الصراع الراهن فى فنزويلا يتحصل فى مجابهة بين السلطة(بما تعبر عنه راديكالياًً عن مصالح شعبية متناقضة كذلك) وبين العلاقات المتناقضة بين رأس المال وقوة العمل. والصراع لا يخرج عن السياق العام إلا من جهة طبيعة السلعة التى تعانق حولها رأس المال مع قوة العمل. النفط.
خامساًًً: من مصلحة الطبقة التى تضمن لها علاقات الإنتاج الراسخة المستقرة إمتياز تملك وسائل الإنتاج أن تبقى على هذه العلاقات وعلى البنيان العلوى للمجتمع( الذى يتضمن العلاقات الإجتماعية الواعية وتلك الأفكار الإجتماعية والإتجاهات الإجتماعية السيكولوجية اللازمة لوجود أسلوب محدد من الإنتاج) والتى تجعل فى الإمكان إستمرار علاقات الإنتاج القائمة وتدعم بوجه خاص النظام الراسخ لملكية وسائل الإنتاج. هذه الطبقة تجاهد فى سبيل مصلحتها عن وعى متفاوت الدرجة؛ كى تحافظ على الأساس الإقتصادى والبنيان العلوى الموجودين، وبهذا تزيد العقبات فى وجه أى ميل للتغير (10)
ومن أجل إدراك تلك الغاية، تستخدم التشريع وجهاز الدولة(فما ظنك وهى الدولة نفسها) والنتيجة أن الطبقة أو الطبقات (وهنا تتبدى البورجوازية البوليفارية) التى ترتبط مصالحها بتطور القوى الإنتاجية، تقاتل فى سبيل نزع الإمتيازات النسبية للطبقة المضادة والناشىء عن علاقات إنتاج مستقرة، وتطالب بتغييرات فى البنيان العلوى(من خلال تقديم أيديولوجى للإشتراكية)وفى فنزويلا ينطبق الأمر حرفياًً ولا سيما بعد أن فقدت البتروليتاريا وسيلة إخضاع الأغلبية. القانون والقوة المادية؛ بعد أن إنقلبت السلطة عليها بدعوى إعادة توزيع الثروات. ولكن على من ؟
سادساًً: عند نشؤ حركة(ثورية) ما فإنه يتعين أن يسير التحليل الواقعى فى الإتجاهات الآتية(11):
(أ) المحتوى الإجتماعى لجماهير أنصار الحركة.
(ب) ما الدور الذى تمارسه هذه الجماهير فى ميزان القوى الآخذة فى التحول، وهو تحول يتجلى بوضوح فى ظهور الحركة الجديدة ذاتها؟
(ج)ما هى الدلالة السياسية والإجتماعية للمطالب التى يتقدم بها قادة الحركة، والتى تلقى القبول العام؟
(د) لزوم بحث ملائمة الوسائل للغايات المتوخاة.
(هـ) إن إفتراض أن هذه الحركة سوف تنحرف حتماًً، وتخدم أهدافاًً تختلف كل الإختلاف عما توقعته الجماهير، لن يكون إفتراضاًً جديراًً بالإعتبار إلا فى التحليل النهائى.
وفى فنزويلا، عنصر الزمن هو الجوهرى فى تحديد معالم بعض العناصر المطروحة عاليه، إلا أن التحليل الأولى يتمكن من أن يؤكد على البعد الجماهيرى(النسبى) لحركة الجمهورية الخامسة التى تقودها السلطة البورجوازية(المنتََخبة) المعززة بقوة السلاح.
ديّالكتيك الريع والربح
عبر خطواتنا الفكرية التى مشيناها بات جلياًً أنه من غير العلمى فصل ما هو أدائى عن ما هو هيكلى، بل ومن غير العلمى، من باب أولى، إهدار أحدهما لصالح الآخر، ولذا صدرنا عن الرؤيتين، أدائية وتهتم بالتعرف على مُجمل الأحوال والأوضاع الآنية جغرافياًً وسياسياًً وإجتماعياًً وإقتصادياًً، وهيّكلية وتَنشغل بالمعاينة التاريخية للكيفية التى تَكونت معها (إقتصادياًً) بُلدان القارة اللاتينية، على هذا النحو مِن التخلف، بوجه عام، وفنزويلا بوجه خاص، بحثاًً فى أسباب التخلف، منذ الإدماج، وليس فى أثاره، الأمر الذى يُمكننا مِن فهم طبيعة الصراع الجدلى بين الربح، الذى تُحصله بتروليوس دى فنزويلا، شركة النفط الوطنية الفنزويلية، وبين الريع، الذى تجنيه الحكومة الفنزويلية، ولا سيما فى اللحظة التاريخية التى يتعادى رأس المال فيها مع السلطة المسلحة كََقوة مضادة، وهو أمر لديهم جلى، خفى لدينا.
أقول إن ما يَحدث فى فنزويلا هو فى حقيقته صِراع بين ما قد أسميتها بــ (البتروليتاريا) وبين السلطة. بين قوةِ العمل المتحالفة مع رأس المال والمتناقضة معه فى نفس الوقت وبين النظام المعَبِر عن الجماهير ومصالحها، هى أيضا متناقضة وإن جمعتها مصلحة أنية واحدة. وبعبارة أكثر دقة وتحديداًً فإن الصراع الراهن إنما يَتبدى فى مظهَرين:
أولهما: صراع جَدلى ما بين(الربح) وبين(الريع) مِن جهة.
وثانيهما: صراع جَدلى بين (البتروليتاريا) وبين (السُلطة) مِن الجهة الثانية. والمظهر الثانى هو التعبير الجدلى عن المظهرالإقتصادى الأول.
ولأن التيارات المهيمنة(ومِن باب أولى تيارات التَنظير الإمبريالى) مُنشَغلة بحيازة الإستنتاجات المضمونة والسهلة، كما ذكرنا أعلاه، فلم تُبصر، ومَن أََبصَر أََصابهُ الإرتباك، مدى أهمية ما ثيره المسألة مِن إمكانية فََتح العديد مِن الملفات المطوية ومدى قدرتها على إعادة طََرح اليسار نفسه، إن أراد، بذهنية تَتَجاوز الرؤية الميكانيكية (التى إرتد لها كثيرون) إلى رحابة الفََهم الجََدلى للظواهر الإجتماعية... الرَحَابة التى تُتيح فََهم أوضَح وأعمَق وغََير مُلتَبس لإمكانية "تحالف الأضداد".
فلقد أفرز الصراع التاريخى الجََدلى الطويل بين قوة العمل وبين رأس المال، وهو صراع جَدلى لا خطى، فى ظروف تاريخية وجغرافية معينة، تحالفاًً بين قوة العمل وبين رأس المال فى مواجهة السلطة، إذاًً هناك ظاهرة (الصراع الجدلى بين قوة العمل وبين رأس المال) تلك الظاهرة تُفرز ظاهرة (البتروليتاريا) فى مواجهـة ظاهرة ثالثة (السلطة) فيتطور الصراع الإجتماعى مِن صراع بين قوة العمل وبين رأس المال، تطورا جَدلياًً كى يَنتقل الصراع إلى مرحلةٍ أخرى تظهر فيه السلطة كأحد الأطراف المتَنَاقضة مع المفرز الديالكتيكى المتمثل فى (البتروليتاريا) هذا تحديداًً ما لا تقوله كراسات التعميم، ومِن ثم لا مَفر مِن لّىّّ عنق الظاهرة لحشرها حشراًً فى الأدراج المعدة سلفاًً، سيمسى إذاًً عماد الإشكالية النظرية التى نَنَشغل بها ها هنا متعلقاًً بالمنهج الجََدلى بوجهٍ عام، والذى يَتَمثل هنا فى فََهم إمكانية"تحالف الأضداد" بصفةٍ خاصة، والذى يُعد أحد أوجه الجََدل. لكن التيارات المهيمنة(والتنظير الإمبريالى مِن باب أولى) ولإعتيادها النظرة الخطية لم تَتَمكن مِن إستيعاب هذا الوجه الذى يَظهر به الجََدل على المسرح الفنزويلى. بل على جَميع أراضى البُلدان التى يَتبلور عليها الصراع الإجتماعى الراهن فى أية بقعة مِن بقاع الإقتصَاد الرأسمالى الدولى المعاصر، بشقيه المتقدم والمتخلف.
إن تجاوز النظرة الخطية والرؤية الميكانيكية والمدخل الأدائى، إلى رحابة الفهم الهيكلى والجدلى للظواهر الإجتماعية هو بمفرده القادر على تمكيننا من الفهم. وعندئذ نتمكن ليس فقط من رصد الظاهرة وأطرافها(وإنما كجوهر. كعلاقات) فى إطار الكل الذى تنتمى إليه بل ومآلها، وهو الأمر الذى ستتكفل الأيام بالبرهنة على صحته، كما تكفلت دوماًً. . . بل وبرهنت. إن النظرة الجدلية إنما ترتبط بالأدوات الفكرية التى يقدمها الإقتصاد السياسى فى سبيل الإنشغال بتحليل الظاهرة وبالأخص من جهة أطرافها (رأس المال وقوة العمل والسلطة) وهذا الإرتباط يتيح التقدم لفهم الإمكانية التاريخية لتحالف أضداد تاريخية كرأس المال وقوة العمل. إنها الإمكانية التى تثرى الوعى بقانون صراع الأضداد ولا تنفيه.فها هو الحدث(البروليتاريا) وها هو النقيض(رأس المال) وتحت ظروف محددة إجتماعياًً تتبلور(البتروليتاريا) كى تنهض بإتمام عملية من عمليات التطور الإجتماعى للمجتمع الفنزويلى كمجتمع طبقى، بدخولها فى علاقة متناقضة مع السلطة التى تعبر من زاوية ما عن بورجوازية وطنية.
وهكذا يقودنا المنهج الجدلى والمدخل الهيكلى إلى تكوين الوعى بشأن الدور الأمريكى، كدور حتمى الأداء قبل كل رئيس دولة مزعج لطموحات الهيمنة العالمية لواشنطن.
إن تشافيز بالقطع لا يريد، بل لا يستطيع اللعب خارج الحلبة أو اللعب بداخلها بقوانين مختلفة عن القوانين الحاكمة لأداء الرأسمالية العالمية، ولا يستطيع كذلك القيام بفك الروابط على الأقل فى الوقت الراهن، إذ يتطلب منه التصحيح( من خلال فك الروابط، وهو أمر على ما يبدو لا يريده فعلاًًً، حاله كحال كل حكم بورجوازى وطنى، إذ كل ما يسعى إليه يتلخص فى تحسين المكان الذى تحتله البلاد فى التقسيم الدولى للعمل) نقول يتطلب الأمر عدة إستراتيجيات ذات أبعاد سياسية وإجتماعية وفنية، لا يمكن تحقيقها حالياًً فى فنزويلا فى الوقت الراهن وربما فى المستقبل المنظور، وإن بدت بعض ملامحها(ظاهرياًً). إن كُُل ما يملكه تشافيز، بفعل السلطة، هو الظهور فى حقل التوزيع، المؤقت وغير المتوازن للثروات الفنزويلية، وذلك، كذلك دون شك، من الأمور التى تزعج واشنطن بالقدر الذى يتعلق بما يمس النفط الفنزويلى نفسه؛ ومن ثم يصبح طبيعياًً جداًً تأييد الإنقلابات وتأجيج المظاهرات والإضرابات ضد ذلك الرئيس المزعج، ولنطالع التقرير الصادر عام 1980 (ولم يزل يحتفظ بأهميته) عن الكونجرس الأمريكى،إذ جاء فيه :"يجب على الولايات المتحدة بالإتفاق مع حلفاءها دفع وتدعيم البرامج الخاصة بالإسراع فى إستكشاف النفط وتنميته خارج منطقة الشرق الأوسط، فإن المكسيك"وفنزويلا"هما أكثر الدول التى يمكن أن(تنتج للولايات المتحدة وحلفاءها) فرصا كبيرة لتقليل إعتمادها على نفط الشرق الأوسط، لذا يجب أن تظهر الولايات المتحدة إستعدادها لتنمية مصادر الطاقة بالمكسيك. ومن ناحية أخرى، يجب على الولايات المتحدة، إعطاء أولوية قصوى لتنمية الثروة الضخمة"لفنزويلا"وذلك بمنح المساعدة المالية والتعاون الفنى مِن خلال هيئة تأمين الطاقة، كما يجب إمداد"فنزويلا"بما تحتاجه من القروض اللازمة لتنمية مواردها الضخمة من الوقود ومن خلال عقد إتفاقيات ثنائية أو متعددة الجوانب"(12)
إن فهم ما يجرى فى فنزويلا، وهو مرتهن فى المقام الأول بالمنهج المقترح الذى يتركب بنائياًًً من خطوات فكرية محددة تبدأ برصد الواقع وإنما بغرض تكوين وعى هيكلى، ثم التعرف على التكوين الإجتماعى وإنما إبتداءًً من تكونه التاريخى فى ركاب رأس المال كظاهرة تاريخية وتبلوره كقوة إجتماعية، مع الوعى بخطورة فصل هذا التكوين الإجتماعى، وإستيعابه بمعزل عن الكُُُل الذى ينتمى إليه على الصعيد العالمى. نقول إن الوعى بما يجرى فى فنزويلا، إنما يدور وجوداًًً وعدماًً مع تكوين أو عدم تكوين الموقف الرافض من النظرة الخطية والمداخل الأدائية كمداخل نهائية للفهم، النظرة الخطية التى لا ترى فى حالة فنزويلا سوى مجرد حالة إصطدم من خلالها(فكر ثورى راديكالى) مع (فكر إنتهازى رجعى) أو المدخل الأدائى الذى لا يتمكن من الذهاب أبعد مِن إعتبار الصراع لحظة تاريخية إصطدمت فيها السلطة مع معارضيها. فلعل جُُل المعالجات الخاطئة لجل الإشكاليات، وليست الفنزويلية فحسب، والتى تطرح نفسها على أرض الواقع إنما تعود لفساد المنهج ذاته وتشوشه، ولا شك فى أن تشوش المنهج يعرب عن تشوش فى العقل، هذا التشوش الذى يتبدد أمام الرؤية الجدلية والتصورات الهيكلية. فلن نتمكن من المضى قدماًً فى سبيل مشروع واع لمستقبل آمن طالما رفضنا، عن جهل، فهم الواقع فى ضوء المستقبل لفائدة مستقبلنا.
والأن، وبعد أن وقفنا على عناصر طرحنا المنهجى للمسألة الفنزويلية، التى ثارت فى القارة اللاتينية، والتى تركزت فى الوعى بالواقع فى سبيل تكوين تصور للهيكل فى أبعاده الإقتصادية والإجتماعية والتاريخية، وبعد وصولنا لتكوين الوعى بعملية تسرب القيمة الزائدة إلى خارج مسام المجتمع الفنزويلى، لتغذية الأجزاء المتقدمة، بما يُُُرسخ مفهوم التخلف، الذى لا يتوقف تحققه على عملية تاريخية كان أساسها تصفية المجتمعات ذات الخصوصية الإجتماعية(فى أمريكا اللاتينية، وأفريقيا) من ثرواتها فى سبيل تكوين رأس المال المركم فى أوروبا، وإنما يمتد ذاته كعملية مستمرة فى الحاضر أساسها المزيد من التسرب إلى خارج الإقتصاد، بما يسلب المجتمع شروط تجديد إنتاجه، ومن ثم يُعجِِزَه عن التنمية المستقلة عن الأجزاء المتقدمة التى تربطه بها علاقة تبعية تفرض وجودها لا تاريخياًً فحسب وإنما فى الحاضر كذلك، بفعل علاقة التواطؤ ما بين السلطة وبين رأس المال، وهو بطبيعة حالة تابع للرأسمالية الدولية، نقول وبعد أن وقفنا على عناصر الطرح على هذا النحو، فلنتوجه الآن صوب القارة الأفريقية، التى شهدت ولم تزل تشهد عملية من أكبر عمليات تسرب القيمة الزائدة، فلننتقل إلى السودان.
الهوامش
(1)Rosa Luxembourg, The Accumulation Of Capital, Translated from Germany by: A. Schwarzchild, Routledge and Kegan, London 1963
(2) الدكتور رمزى زكى، التاريخ النقدى للتخلف، دراسة فى أثر نظام النقد الدولى على التكون التاريخى للتخلف بدول العالم الثالث، عالم المعرفة. الكويت 1987 العدد (191)
(3) تمثل تجارة المخدرات 8% من مجموع التجارة العالمية، وهى بذلك تحتل المركز الثالث بعد النفط والسلاح، ويمكن حصر المناطق الرئيسية المهيمنة على إنتاج وتصدير المخدرات بأنواعها فى ست مناطق: الأولى: منطقة الهلال الذهبى والتى تضم أفغانستان، وبصفة خاصة بعد الغزو الأمريكى لللمزيد من التحكم فى أسواق المخدرات ومنع إنفلاتها، وباكستان وإيران، والتى تعتبر المعبر الرسمى لأوروبا، وتتخصص هذه المنطقة فى إنتاج الأفيون. المنطقة الثانية: منطقة المثلث الذهبى: وتشمل بورما ولاوس وتايلاند، وتمثل هذه المنطقة مركزا عالميا لتصدير الأفيون. المنطقة الثالثة: هولندا، وهى تعد المنتج الأول للمخدرات المركبة، مثل: الإمفيتامين والإكستاسى (وهما من قبيل المنبهات التى يصاحبها حالات ذهانية فصامية أو شبه فصامية، مع هذاءات سمعية وبصرية، مع إضمع حماية المهربين الدوليين فى المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا. الرابعة: المغرب: وهى من كبار الدول المنتجة للحشيش، وتعد إلى جانب لبنان، بعد إستئناف الزراعة فى سهل البقاع، المزود الرئيسى لأوروبا حيث تصدر المغرب بمفردها نحو 1000 طن سنوياًً عبر مضيق جبل طارق. المنطقة الخامسة: كولومبيا: وتعد مركزا عالميا لتكرير نبات الكوكا الذى يجرى إنتاجه فى منطقة الإنديز، وقد اصبحت المنتج العالمى الأول وأكبر مصدر للكوكايين. المنطقة السادسة: بوليفيا وبيرو كأكبر منتجين لنبات ومعجون الكوكا. وبوجه عام يمكن إعتبار تجارة المخدرات ذات دور هام فى دعم وتمويل العديد من الحركات الإرهابية والإنفصالية: القاعدة وطالبان والأفيون. حزب الله وحركة حماس والحدود الثلاثية بين أورجواى والأرجنتين والبرازيل. التنظيم اليسارى المسلح فى كولومبيا والسيطرة على الأقاليم الجنوبية. حزب العمل الكردستانى والرسوم والاتاوات على شحنات المخدرات. . . وللإحاطة العامة والعميقة بتجارة المخدرات فى بعض أجزاء أمريكا اللاتينية، أنظر: تجارة المخدرات، الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية، المجلة الدولية للعلوم الإجتماعية، الصادرة عن اليونسكو، العدد 169/2001، تحديداًً: موضوع كريستيان جيفراى حول دورة الكوكايين الأمازونية بدءً من أوائل ثمانينات القرن العشرين فى ولاية روندونيا البرازيلية، وكيفية تشكل الشبكات الكبرى المصاحب لوصول بعض عناصر هذه الشبكات إلى السلطة، تحت عنوان: البرازيل، تجارة المخدرات فى ولاية روندونيا الفيدرالية. وأنظر له كذلك: المقدمة، الدولة وتجارة المخدرات. كذلك مقال ميشيل شيراى، الراصد للعلاقة بين تجارة المخدرات وبين الأنشطة الإجرامية الأخرى، مع تحليل لأشكال التنظيم المهيمن فى هذه التجارة، تحت عنوان: تهريب المخدرات والجريمة المنظمة وعلاقتها بالسياسة العامة للسيطرة على المخدرات. أيضاًً مقال أوزوريو ماكادو: حوض الأمازون الشرقى ومجمع الكوكا والكوكايين .
(4) أنظر فى إمتصاص الفائض الإقتصادى من خلال النشاط التسويقى، الفصل الخامس فى كتاب بول باران، وبول سويزى، رأس المال الإحتكارى- بحث فى النظام الإقتصادى والإجتماعى الأمريكى، ترجمة: حسين فهمى مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة 1991.
(5) لتكوين الوعى حول هذه الحزمة الفكرية المتعلقة بتاريخ الرأسمالية، والكيفية التى تم بها نمو إنتاج المبادلة فى أحضان التكوين الإجتماعى الإقطاعى، أنظر العمل الخلاق لأستاذنا الدكتور/ محمد دويدار، حول العصور الوسطى الأوروبية، فى الباب الثانى من الجزء الأول فى: مبادىء الإقتصاد السياسى، منشورات الحلبى الحقوقية. بيروت 2001. كما يوجد بحث موجز ومهم من تأليف كارل ستيفنسن، تحت عنوان: الإقطاع فى العصور الوسطى(وبخاصة الفصل الأول، حيث يستعرض وبوعى أصول هذا النظام) ترجمة: الدكتور/محمد فتحى الشاعر، دار المعارف. القاهرة 1993. كذلك :
M. Dobb, Studies in the Development of Capitalism, Routlede& Kegan, London 1954
(6) فى تفصيل ذلك: بول هازار، أزمة الضمير الأوروبى، ترجمة: جودت عثمان ومحمد المستكاوى(مع مقدمة للدكتور طه حسين) دار الشروق. القاهرة 1978( وبخاصة: الفصل الأول من القسم الثانى، والفصل السابع من القسم الثالث، والفصل الرابع من القسم الرابع) أيضاًً يمكن مراجعة: الفصل العاشر من كتاب: كرين برنتن، أفكار ورجال- قصة الفكر الغربى، ترجمة: محمود محمود، مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة 1965.
(7) من الدراسات القيمة، على سبيل المثال، فى هذا الصدد، وبخاصة بشأن البرازيل، دراسة "ماريا فيليلا بتيت" تحت عنوان: إلتحام الكثيرين فى واحد: التجربة البرازيلية. وهذه الدراسة، وعلى الرغم من إستهدافها أساساًً الدفاع عن الهوية البرازيلية؛ فإنها تمدنا بفكرة عامة وجدية فى نفس الوقت عن تركيبة "شعب البرازيل ذات الطبيعة التى جعلت تزاوج الأجناس يأخذ وضع واقع حقيقى وأيضاًً موهبة صادقة" على حد ما ذكرت فى دراستها، وكذلك أنظر دراسة بارتولمى بيناصر، مناس جيريس: ذروة عالية لإمتزاج الأعراق. أنظر: مجلة "ديوجين" الصادرة عن المجلس الدولى للفلسفة والعلوم الإنسانية، مركز مطبوعات اليونسكو. القاهرة 2002 (العدد 191)
(8) V.A.Renouf, Outlines of General History, Macmillan&co.London 1910
(9) أنظر: أطروحة الدكتور/ سمير أمين، والتى نرتكز عليها، حول الريع المنجمى، قانون القيمة والمادية التاريخية، مرجع سالف الذكر.
(10) أوسكار لانج، الإقتصاد السياسى- القضايا العامة، ترجمه عن البولندية إلى الإنجليزية: أ. ووكر، وترجه إلى العربية: راشد البراوى، دار المعارف، القاهرة 1966، ص(61و62)
(11) تلك العناصر إستخدمها جرامشى بصدد الحركة البولانجية فى فرنسا، وقد آثرنا إستخدامها لمناسبتها ومنهجيتها، أنظر: كراسات السجن، ترجمة: عادل غنيم، دار المستقبل العربى. القاهرة، ص (180 و181)
(12) الجغرافيا السياسية للنفط – تقرير الكونجرس الأمريكى، ترجمة: على فهمى، دار سينا للنشر. القاهرة 1991(ص113)



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإقتصاد السياسى للتخلف (2)
- الإقتصاد السياسى للتخلف (1)
- الإقتصاد السياسى للتخلف (3)
- حينما يتأسلم القضاء
- فى نقد أسطرة الدين
- خمسائة عام من الإنحطاط
- كارل ماركس
- فرضيات جرامشى
- أزمة فهم الأزمة
- إعادة إنتاج السلطة
- رسالة الشيخ الأكبر محى الدين بن عربى، إلى فخر الدين الرازى
- مَن الذى يبنى إسرائيل الكبرى؟
- تلخيص العمل المأجور والرأسمال
- من كتاب (الإقتصاد السياسى للتخلف) ل محمد عادل زكى
- الديالكتيك، بين إبن خلدون وماو تسى تونج
- الصراع الإجتماعى فى السودان. منهج مقترح للفهم
- البتروليتاريا
- جدلية الصراع الإجتماعى فى فنزويلا


المزيد.....




- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...
- النيجر: آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع نيامي للمطالبة برحي ...
- تيسير خالد : قرية المغير شاهد على وحشية وبربرية ميليشيات بن ...
- على طريقة البوعزيزي.. وفاة شاب تونسي في القيروان


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد عادل زكى - الإقتصاد السياسى للتخلف (4)