أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - حديث عن الثورة.















المزيد.....


حديث عن الثورة.


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 3286 - 2011 / 2 / 23 - 00:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(1) وصف ما حدث:


- تصل حركة الجماهير أو أية حركة شعبية لنقطة تحتم وصفها بالثورة عندما يتحقق لها مشاركة أعداد كبيرة من الشعب وكذلك عندما تحدث تأثيرات وتجلب متغّيرات كبيرة على أرض الواقع. ولاشك أن أعداد المصريين والمصريات اللذين شاركو في الحركة التي بدأت يوم 25 يناير 2011 لم تكن فقط كبيرة ، بل كانت الأكبر على عدة أصعدة . فعدد الجماهير المتحركة المطالبة بالتغيير لم تصل فقط لاكثر من مليون مصري ومصرية في ميدان التحرير (لأيام عدة) وانما بلغت أكثر من عشرة مليون مصري ومصرية في بعض الأيام على مستوى مصر كلها . ومع مرعاة الفوارق في عدد ابناء الشعوب ، فإن الجماهير التي خرجت تطلب التغيير في مصر كانت أكبر بكثير من الجماهير التي شاركت في ثورة 1919 وأكبر بكثير من كل من خرجوا يؤيدون حركة الجيش يوم 23 يوليو 1952 بل وأكبر بكثير من الجماهير التي أسقطت الحقبة الأشتراكية في كل دول ما كان يسمي بأوروبا (أو الكتلة) الشرقية. وعليه ، فإن الجانب المتعلق بالكم ، يثبت بوضوح اننا كنا بصدد أكبر حركة شعبية في تاريخ مصر الحديث ، وبصدد واحدة من أكبر الحركات الشعبية في تاريخ العالم خلال القرنين الأخيرين.

وأما من حيث "الأثر" ، فلا شك ان ما بدأ في مصر يوم 25 يناير 2011 قد أحدث ( ولا يزال يحدث ) متغيّرات عملاقة وجذرية في الواقع المصري كان أهمها إسقاط رأس نظام حكم مصر بإستبداد متصاعد طيلة ثلاثين سنة ووصل في سنواته العشر الأخيرة لشكل من أسوأ أشكال تحالف السلطة والثروة .

وإلى جانب إسقاط رأس النظام ، فقد ضعضعت الثورة النظام بأسره ، وان كانت أجزاء عدة من بنيته لا تزال موجودة ، بل وتقوم بما لامناص من وصفه بالثورة المضادة . لا شك اذن ان الأحداث التي بدأت في مصر يوم 25 يناير 2011 كانت "ثورة" ، بل "ثورة كبيرة ورائعة" وأيضاً "ثورة بيضاء" ( فكل الدم الذي سال ، انما سال على يد النظام وأعوانه وعدد من أتباعه من رجال الأعمال).

وتستحق ثورة 25 يناير 2011 ما قيل عنها من أعداد كبيرة من أكبر قادة العالم ، الذين لم يكتفو بوصفها بأنها ثورة عظيمة بل وأشادوا بإرادتها وعزمها وعبقرية أداءها وسلميتها ، وطالب كثيرون منهم أن تدرّس في معاهدهم العلمية.





(2) خلفية الثورة وأسبابها:

لا شك ان النصف الأول من مدة حكم الرئيس مبارك لمصر (1981 - 1996) كانت إستبدادية (سياسياً) وراكدة (إقتصادياً وإجتماعياً). ومع ذلك فلم تكن هناك قوة دافعة لثورة ضد الرئيس مبارك الذي كان يحكم بمفرده . أما خلال النصف الثاني من مدة حكم الرئيس مبارك ، فقد إشتركت أسرته (وبالذات زوجته وأبنه الأصغر) في حكم مصر على كافة الأصعدة وقام ابن الرئيس الأصغر بتكوين أوليجاركيا (حلف) ما بين بعض رجال السلطة وبعض رجال الثروة. وتصاعد نفوذ وسلطان هذا الحلف حتى أصبح الحاكم الحقيقي للداخل ( اذ ترك الشأن الخارجي للرئيس). وخلال تلك السنوات تصاعد الاستبداد السياسي والفساد المالي لأعلى درجات خبرها المصريون في تاريخ مصر الحديث . وقام هذا الحلف بغلطته الكبرى في سنة 2010 عندما قام الابن الأصغر للرئيس بمساعدة امين عام الحزب الحاكم ( حزب الرئيس) وهو (أي صفوت الشريف) شخص أجمع المصريون على سوء الظن به، وشخص آخر (أحمد عز) كان هو أقرب رجال المال والأعمال لإبن الرئيس ، بتزوير الإنتخابات مرتين: إنتخابات مجلس الشورى ثم (وهذا هو الأهم) إنتخابات مجلس الشعب ، وإحتكروا قرابة 98% من مقاعد مجلس الشعب لأتباعهم وتركوا لباقي مصر 2% (من المقاعد) فقط ! كانت تلك الغلطة هي القشة التي قصمت ظهر البعير. ولكن لابد من رؤية الأمور من مكان مرتفع بالكيفية التالية : الرئيس خلال النصف الثاني من فترة حكمه ضعف امام أسرته وبالذات أمام زوجته وأبنه الأصغر ، فأشركهما في إدارة الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية والتعليمية ، ثم ترك معظم هذه الأمور لهم وإكتفي بالشأن أو الشئون الخارجية. وقد أدى هذا لتكوين حلف شيطاني بين السلطة والثروة عرّبد في مصر فساداً ( على كافة الأصعدة ) طيلة عقد ونصف العقد من الزمان. وهي "العربدة" التي بلغت ذروتها في تزوير ( لا نظير له ) للأنتخابات البرلمانية. وبعد أسابيع قليلة من هذا الفصل الأخير من فصول عربدة حلف السلطة والثروة في عهد مبارك جاء الطوفان يوم 25 يناير 2011 .

(3) هل كانت الثورة متوقعة:

أزور (وأحاضر في) معظم كبريات كليات ومعاهد ومراكز دراسات الشرق الأوسط الأمريكية والأوربية . وأظن أن ذلك يسمح لي ان أقول ان جميع خبراء الشرق الأوسط كانو يتوقعون ان تحدث ثورة في مصر ، ولكنهم ( بما في ذلك كاتب هذه السطور ) كانوا يتوقعون مجيء الثورة إما من العشوائيات أو من المسجد . وهو ما لم يحدث . إذ جاءت الثورة ( أول ما جاءت ) على يد أبناء وبنات الطبقة الوسطى وجلهم من خريجي الجامعات ، وكلهم من مستعملي أحدث مبتكرات تكنولوجيا العصر في مجال المعلومات والأتصالات . بل ويجب إيضاح ان كون هؤلاء ( الأبناء والبنات ) من جيل تكنولوجيا المعلومات وعلى رأسها الأنترنيت والفيس بوك والتويتر ، قد أتاح لهم فهما عصرياً لأمرين: الأول ، هو المواطنة .... وثانيهما : دور الحكومة . فمعظم أبناء وبنات هذا الجيل ( الكمبيوتري ) يعرفون حقوق المواطنين والمواطنات أكثر من الأجيال الأخري . وفي نفس الوقت فأنهم يعرفون ان الحكومات وجدت لتخدم لا لتحكم ، فهم يروون بوضوح الفوارق بين الحكومات الخادمة في الدول المتقدمة والحكومات الحاكمة في دول مثل مصر.

(4) يوم 25 يناير 2011 :

رغم ترسانة أمن الدولة ، ووزارة داخلية زاد عدد رجالها من مائة ألف سنة 1981 إلى أكثر من مليون في أوائل 2011 ، ورغم التجسس والتنصت ومراقبة كل الإتصالات والتحكم في معظم وسائل الأعلام . رغم ذلك ، جاءت ثورة 25 يناير 2011 منظمة ومسلحة بإرادة فولاذية وحققت "جماهيرية" مذهلة من البداية . وكلها جوانب تستحق الدراسة كما تستحق الإشادة . وعندما قامت الدولة البوليسية بقطع الفيس بوك والإنتيرنيت ثم رسائل الهواتف المحمولة ، وأخيرا الهواتف المحمولة ذاتها (وكلها أعمال مزرية لا تقوم بها حكومات محترمة أو حكومات تحترم شعوبها)، وينبغي محاكمة من أمر بمثل هكذا إجراءات مزرية). رغم ذلك ، فإن الثورة سارت وكأنها تتبع "نوتة موسيقية" فيها كافة التفاصيل . والخلاصة ، ان "العلم" هزم بدائية سلطة لا تنتمي للعصر. كان زعماء حركة كفاية يحدثوني (كأصدقاء) عن إحباطهم (لسنوات) بسبب عدم قدرة أحد على إقناع ألف شخص فقط بالتجمهر. واذا بشباب 25 يناير يقفزون من الحلم بتظاهرة ألفية إلى ثورة مليونية في ميدان واحد ! والسبب (بكل بساطة) إنهم كسروا حائط الخوف وآمنوا برسالتهم وبنفسهم .... وفي ذات الوقت آمنو أن خصمهم قوي في الظاهر ، شديد الوهن في الحقيقة.

(5) ثورة حرية لا ثورة خبز.

ورغم أهمية أن يعيش الإنسان حياة كريمة ، فإن "الكرامة" و"الحرية" قد سبقت "الخبز" و"الوظيفة" كمحرك لثورة 25 يناير 2011 . وفي الحقيقة ان هناك علاقة جدلية بين الامرين أدركها شباب الثورة. فعدم توفر الظروف الحياتية الكريمة لكل أبناء وبنات مصر هو نتيجة لنظام سياسي إستأصل الحرية واجتز كرامة المواطنين من جذورها . فالشعوب التي تحظى بالحريات وبالكرامة تشارك في الحياة السياسية ، وتبدل الحكام ، وتبدل قواعد الحكم ، وتصل في النهاية لكفالة الحقوق الأنسانية لكل مواطن ومواطنة في حياة كريمة بكل ما تعنيه الكلمة (من مسكن لطعام لتكوين أسرة لتنشئة أبناء لعلاج صحي...إلخ).

(6) مطالب الثورة:

كانت مطالب الثورة من جهة سياسية في المقام الأول (الحرية +ا لكرامة + المشاركة + العدالة الأجتماعية). وكانت مطالب الثورة من جهة أخرى داخلية ، فلم يخدع الثوار بالشعارات الكبرى لما هو خارج حدود الوطن . فهمهم الأكبر كان إصلاح شأن الوطن وليس إصلاح شأن العالم . وترتيب الأوليات ترتيباً صحيحاً هو من علامات النضج العقلي والإتزان الفكري.

(7) مدنية الثورة:

من اللحظة الأولى وحتى أسقطت الثورة رأس النظام كانت الثورة في كل ملامحها "مدنية صرف" وفي الحالات القليلة التي رفع فيها البعض شعارات دينية كانت الجماهير تصمته بهتافها الرعدي "مدنية .... مدنية" .

ومن مزايا هذه الثورة الكبرى العديدة أنها أظهرت الأحجام الحقيقية لكل من : حكومة الرئيس مبارك وأحزاب المعارضة التي تكونت في سنوات حكم الرئيس مبارك وأخيراً حركة الإخوان المسلمين. وظهر للعالم جلياً أنه بينما لايمكن إنكار وجود وتأثير حركة الإخوان المسلمين ، فإن مبالغة النظام في تخويف العالم من الإخوان كانت لخدمة غرضه الكبير في تأصيل فكرة أنه (أي الرئيس مبارك) اهو لبديل الوحيد للإخوان المسلمين.

(8) أيام الثورة:

ستكتب عشرات المقالات والمؤلفات عن وقائع أيام الثورة وماشابها من عظيم التفاصيل التي أظهرت المعدن النفيس للشعب المصري ولكن أهم ما أظهرته لي (كمتابع تواجد كثيراً في ميدان التحرير) هو: أولاً: الإرادة والتصميم على بلوغ الهدف بشكل كان الكثيرون يظنون أن المصريين ما عادوا يتحلون به. ثانياً: التآلف والتآخي والتكاتف والتعاون والتآذر بشكل أظن أن العالم لم ير له نظيرا . ثالثاً : الجلد بشكل اسطوري في مواجهة قوى بطش جهنمية حاربت شعبها بالأسلحة والسيارات وراكبي الخيول والجمال المأجورين وقنابل المولوتوف. وطيلة ما يقرب من ثلاث أسابيع كان"جلد الثوار" كما هو ، أو بالأحري كما الجرانيت الذي أدمن المصريون القدماء ترويضه. وعندما يكتب تاريخ هذه الثورة ، فلا بد من تسليط الضوء على جرائم بعينها لحكومة الرئيس مبارك مثل محاولة ترويع الثوار بهجمة همجية بربرية قوامها رجال الأمن وعدد كبيرمن أصحاب السوابق ومالكي الخيول والجمال التي يستعملها السائحون . وهي هجمة بربرية خطط لها ومولها أشخاص من جانبي النظام (جانب السلطة وجانب الثروة) ينبغي أن يقضوا ما تبقى لهم من العمر في زنازين السجون (بعد محاكمات أمام القضاء العادل لا القضاء العسكري الذي أدمن نظام حسني مبارك محاكمة المدنيين أمامه).

(9) السقوط المروع للشرطة المصرية:

شهدت أيام ثورة 25 يناير سقوطاً مروعاً لجهاز الشرطة المصري الذي أنفق عليه النظام عشرات مليارات الجنيهات وزوده بأجهزة ومعدات وأسلحة جعلته أقرب ما يكون لجيش لا لجهاز شرطة ... وزاد النظام عدد رجال هذا الجهاز حتى تخطى عددهم المليون ضابط وأمين شرطة وجندي ومجند. وقد شهدت أيام الثورة تحلل وتهاوي هذا الجهاز الضخم الذي بدَل وزيره السابق عقيدة الشرطة المصرية من "خدمة الشعب" إلى "خدمة النظام" . وكان عدوان هذا الجهاز على أبناء وبنات الشعب المصري هو اللعنة التى هوت بجهاز الشرطة لأسفل سافلين . وظني أن جهاز الشرطة كان ولا يزال يضم مصريين شرفاء يودون أن يخدموا وطنهم ومواطنيهم أجل الخدمات. ولكن قيادة هذا الجهاز (أي وزراء الداخلية ابان سنى حكم مبارك) وقيادة قيادتهم (أي الرئيس مبارك) هم الذين غيروا بوصلة هذا الجهاز الوطني ، وجعلوه قليل الإهتمام بالأمن الجنائي ، شديد التركيز على الأمن السياسي . وتحت تلك القيادات ذات الهدف الفاسد والتكوين الضعيف (وأنا هنا أتكلم منطلقاً من معرفة شخصية بكل وزراء الداخلية المصريين خلال العقود الثلاثة الماضية). وهذه القيادات (غير المؤهلة) هي التي أدارت بعلم محدود وضيق أفق منقطعي النظير ما سمى بوقائع وأحداث الفتنة الطائفية ، كما أنهم أستعملوا قانون الطورائ بهدف واحد هو حماية رأس النظام لا حماية مصر والمصريين . كذلك ، فإن الكثير من قيادات وزارة الداخلية المصرية (خلال العقود الثلاثة الأخيرة) شاركت رأس النظام في ترويج كذبة العهد الكبرى وهي أن النظام هو البديل الوحيد لعفريت المتأسلمين ! ونظراً لان الحس التاريخي والثقافي لم يكونا من مكونات قيادات النظام والأمن ، فقد تعامل هؤلاء مع العفريت الذي خوفو الخارج والداخل منه تعاملاً أمنياً صرفاً خلى من الأبعاد الثقافية والتنافس السياسي. وحتى هذا التعامل الأمني فأنه كان في كثير من الحالات غير قانوني وبالغ البطش وشديد الحمق واالنزق وقصر النظر. وفي إعتقادي أن اللوم ( كل اللوم) يجب أن يوجه لرأس الداخلية وليس لضباطه وجنوده ، فهؤلاء أبناء لمصر لا يعيبهم إلا سياسات وتوجهات وأغراض وأهداف قادتهم بوجه عام وحبيب العادلي بوجه خاص .

(10) حلف السلطة والثروة:

هناك الكثير الذي يمكن (بل ويجب) أن يعري وتكشف تفاصيله للشعب المصري من سلبيات العقود الثلاثة (1981 / 2011) على كافة الأصعدة . ولكنني أظن أن أهم وأبرز وأخطر تلك السلبيات (أو المثالب ) كان ذلك الحلف الذي تكوّن خلال النصف الثاني من فترة حكم الرئيس السابق أي من 1996 وحتى قيام ثورة 25 يناير بين بعض رجال السلطة وبعض رجال الأعمال. هذا الحلف الذي لم يكن موجوداً خلال النصف الأول من مدة حكم الرئيس السابق. ولكن ما أن عاد الأبن الأصغر للرئيس السابق من بريطانيا ، حتى بدأت ملامح هذا الحلف تتشكل . وهو حلف يقوم على إحتكار بعض رجال السلطة ومعهم بعض رجال المال والأعمال للحياة السياسية وللحياة الأقتصادية في ذات الوقت. وقد زحف رجال هذا الحلف على الحزب الحاكم وبجانب سيطرتهم على الحزب فإنهم كونوا داخله كيانا متميزا لهم تحت مسمى لجنة السياسات. ثم إمتد الزحف لمجالات وقطاعات هامة . فخلال سنوات قليلة ، أصبح معظم رؤوساء البنوك من أتباع هذا الحلف. ثم إمتد نفوذ الحلف داخل دنيا الصحافة والاعلام فوضع العديد من أتباع الحلف على رأس عدداً من المؤسسات الإعلامية (صحف وتلفزيون) ذات التأثير بالغ القوة على الرأى العام المصري . وفي مرحلة تالية ، تغلغل نفوذ هذا الحلف الشيطاني داخل العديد من المؤسسات الهامة كانت الجامعات في مقدمتها . هذا الحزب هو اللعنة التي حلت برئاسة الرئيس السابق وخلفت روح الثورة داخل عقول وصدور الشباب الذين أغلقت ثورتهم صفحة رئاسة الرئيس السابق ودمغتها بالعديد من النعوت السلبية التي ستبقى ما بقت الحياة تشير إلى حقبة من أسوأ حقب التاريخ المصري و. لاشك عندي ان مصر والمصريين يؤدون أجل خدمة لمستقبل وطنهم وللأجيال القادمة بالإصرار على فتح ملفات العهد السياسية والأقتصادية والحض على التحقيق (وربما المقاضاة اذا رأت النيابة العامة ذلك). حتى يدان كل من خالف القانون بأي شكل وكل من نهب مصر بأي شكل ، وكل من عاث فساداً في مصر خلال السنوات الثلاثين الماضية. ويجب أن يتسع تعريف الفساد ليشمل كل تضخم في الثروة بسبب الإرتباط بالسلطة.

(11) مسلسل تنازلات النظام أمام طوفان الثورة:

يبدو أن ضفيرة "طول البقاء في السلطة" و"ضآلة المحصول الثقافي" قد جعلت قادة النظام السابق لا يفهمون حقيقة وحجم وإتجاه وقوة وعزم وصلابة الثورة التي إندلعت يوم 25 يناير 2011 . عدم الفهم هذا ، جعل بعض قادة المرحلة يظنون أنهم أمام "تظاهرات" يمكن أن تحتوى بإجراءات أمنية تواكبها تنازلات مثل إقالة الوزارة (وزارة نظيف) ثم تعيين نائب للرئيس (ليشغل المنصب الذي قال الرئيس السابق أنه ظل أكثر من ربع قرن يبحث عمن يصلح لشغله ولكنه لم يجد أحدا !! ) ثم الأعلان عن أن الرئيس ، وبعد ذلك "ابن الرئيس" لن يترشح أي منهما لمنصب الرئيس في إنتخابات سبتمبر 2011 الرئاسية ، ثم إقالة قيادات الحزب الوطني (التي حظت بالقسط الأوفر من كراهية المصريين) .... ثم تفويض نائب الرئيس في سلطات رئيس الجمهورية. وكان مسلسل التنازلات دالاً على عدم فهم النظام المتضعضع لما كان يحدث . فالثورة لا تعطى "لقماً" (صغيرة أو كبيرة) لتلزم الهدوء . واذا كنا يجب أن نشكر ابن الرئيس على قيامه بتكوين حلف السلطة والثروة ، فبدون ذلك ماكان غضب الشعب سيصل للكتلة الحرجة التي تستدعي الثورة التي بدت للبعض مخالفة لطبيعة المصريين اللينة والقابلة لما تسوقه الأقدار ... فأن المنطق يلزمنا أن نشكر أولئك الذي لم تسعفهم قدراتهم لفهم طبيعة ما بدأ يوم 25 يناير 2011 ! لأن ذلك كان سيؤدي لإجراءات كان من شأنها إراقة المزيد من الدماء الطاهرة الزكية (ولا يقلل هذا من هول قتل النظام لأكثر من ثلاثمائة مصري ومصرية لا بد أن يحاكم قاتلوهم وأن يعلقوا على المشانق).

(12) خطب الرئيس السابق أثناء الثورة:

فضحت خطب الرئيس السابق أثناء الثورة (ثلاث خطب) الكثير من أفكار ومشاعر الرئيس السابق إتجاه وطنه وشعبه . فقد أظهرت تلك الخطب عناداً لا يمكن ألا أن يصدر عن آفاق ذهنية بالغة الضيق. وأظهرت تلك الخطب أن الرئيس السابق كان يرى أنه صاحب العديد من الأفضال على مصر(!). وأظهرت تلك الخطب تعالياً لم يكن يظهره من قبل . وأظهرت تلك الخطب قدرة غريبة وعجيبة على الإصرار على عدم رؤية الواقع. فالرئيس السابق لم يشر مرة لما حدث بصفته ثورة ولم يشر مرة لواحدة لحلف السلطة والثروة الذى أدي ليوم 25 يناير الأمجد . ولم يشر مرة لتزوير إنتخابات مجلسي الشورى والشعب ، هذا التزوير الذي كان أكبر إهانة للشعب المصري . والرئيس السابق لم ينطق بكلمة إعتذار واحدة للشعب عما إقترف في حقه قبل وأثناء ثورة 25 يناير. والرئيس السابق لم يعتذر عن قتل نظامه لأكثر من ثلاثمائة من أبناء وبنات مصر وكانت خطب الرئيس تأتي بعد ساعات من الوقت الذي كان الشعب يتوقع منه فيها الكلام. وهو ما أضاف دليلاً آخر على عدم إحترام الشعب. وكانت الكلمة الآخيرة للرئيس (24 ساعة فقط قبيل التنحي) أسوأ خطبة منذ أصبح رئيساً لمصر يوم 14 أكتوبر 1981 . وكلي ثقة ان تلك الخطب ستلقى من التحليل والتعليقات ما تستخلص منه عشرات الدروس.

(13) عدم الفهم... الصلف... العناد... السقوط... التنحي.

شهدت أيام الثورة مسلسلاً ( من طرف النظام) قوامه"عدم الفهم" الذي يؤدي إلى مزيداً من"الصلف"... وهذا الصلف يضاعف من حجمه "عناد أسطوري" عُرف عن الرئيس السابق أنه كان يفتخر به. وهذا المسلسل ساعد الثورة والثوار (الذي قدموا أروع الأمثلة وضحوا بالكثير وثابروا بشكل مذهل) على الوصول للحظة النصر الأول وهي لحظة سماعهم لنبأ تنحي الرئيس السابق . وقد ذكرت عمداً تعبير "لحظة النصر الأول" ، لان هناك أهدف أخرى للثورة لا تقل أهمية عن تنحي الرئيس السابق، لم تتحقق بشكل كامل بعد .

(14) سقوط الرأس ... تضعضع النظام وليس سقوطه:

لا شك أن ثورة 25 يناير قد نجحت في أمرين واضحين هما "إسقاط رأس النظام" و"ضعضعة النظام" . ولكن النظام لم يرحل بكل رموزه ورجاله وروح عهده وطرائق وأهداف عمل مؤسسات الدولة. وربما يكون ذلك هو البديل الوحيد للفوضى والفراغ . ولكن الشهور الستة القادمة ستكون هي ما سيحدد : هل يفرز النظام الذي تضعضع وسقط رئيسه نظاماً جديداً من نفس مادته ونسيجه وروحه أم أن القوات المسلحة (أمل ورجاء الشعب المصري) ستنجح في إدارة الأمور إدارة تؤدي بنا إلى بداية عهد جديد تماماً يوم 14 أكتوبر القادم ... عهد يحظي فيه المصريون بحريات سياسية كبيرة ، ويشاركون فيه فى صياغة الواقع والمستقبل ... عهد يتراجع فيه الفساد وتنجلي فيه غمة حلف السلطة والثروة ... عهد يتبدل فيه الرؤساء ويحاسبون وتكون فيه الحكومات مجرد "خدم للشعب " ؟

(15) القوات المسلحة:

لا شك أن القوات المسلحة قد حمت الثورة والشعب بأسره من سيئات عديدة كان رأس النظام وقيادة عدد من أجهزته السياسية والأمنية لن يترددوا في أحداثها للبقاء في السلطة . حمى الجيش مصر والمصريين من إقتتال ودمار داخليين وكانت كل تحركات وخطوات وقرارات الجيش آية في الوطنية وحب الشعب والحفاظ على مرافق مصر وثرواتها . وتم كل ذلك بمودة واضحة وسلاسة فذة. والأمل معقود أن يسلم الجيش للسلطة لرئيس منتخب عبر إنتخابات حرة ونزيهة ولحكومة مدنية من أصحاب الكفاءات بحيث نبدأ معاً عهداً أفض وأكثر حرية وأكثر أمانة ونزاهة وشفافية ... عهد يكون فيه الكل قابلاً للمساءلة.


كانت تلك "صورة بانورامية" مقتضبة لأروع ثورة فى تاريخ مصر ... وسيعقب هذا المقال مقال آخر سيتضمن روشتة تفصيلية لما ينبغي أن يتم خلال هذه المرحلة الإنتقالية.



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراق ثورة اللوتس (7) : الشكر والإمتنان لجمال مبارك ...
- أوراق ثورة اللوتس - الورقة السادسة.
- لا بد ... لا بد ... لا بد - المقال الخامس عن ثورة اللوتس .
- المقال الرابع عن ثورة اللوتس.
- متابعة طارق حجي لتداعيات الثورة المصرية - التقرير الثالث
- اليوم ... اليوم ، وليس غدا
- دانات أسيفات ...
- تعليق على ما حدث
- الثورة المتوخاة فى التعليم الديني
- خواطر لندنية
- خواطر وشذرات
- دانات - بمناسبة تحرر الشيطان من أغلاله الرمضانية !
- حجر الأساس للإصلاح في المجتمعات العربية.
- د.طارق حجي في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول العلمانية و ...
- سجون العقل العربي - النص الكامل
- موجز الكلمة التى سيلقيها طارق حجي بجامعة الزيتونة بتونس يوم ...
- عن كتاب فذ : الإختلاف فى الثقافة العربية - دراسة جندرية للبر ...
- أدبيات تحقير الاسلام : الى اين ؟
- ثقافتنا: ... بين الوهم والواقع (كتاب أصدرته -دار أخبار اليوم ...
- اختلال الميزان فى مقال الامير سلمان !


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - حديث عن الثورة.