أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل محمد الربيعي - ليبيا .. الثورة الحمراء تطمس آيات الكتاب الأخضر















المزيد.....

ليبيا .. الثورة الحمراء تطمس آيات الكتاب الأخضر


خليل محمد الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 3285 - 2011 / 2 / 22 - 16:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يعلم الناس أن في حياة كل واحد منهم ثقوبا سوداء شبيهة بتلك الموصوفة في المجرّات الكونية تتكون من كثافة مادية هائلة بحيث تجذب كل جسم قريب منها ليفقد مادته ويندمج فيها؟ نعم، حيث تمر على الإنسان في حياته أيام يفقد خلالها إحساسه بالزمن لسبب أو لآخر، فإذا تذكر بعد أمـّة وجد نفسه كأنها قد دخلت فترة احتجاز عن الحياة ثم أطلق سراحها، أو كأنّ أيامه في تلك الفترة قد ســُرقت من بين يديه وهو لا يدري..وإذا كانت ثقوب الكون تجذب الأجسام فإن أشباهها في حياة الإنسان تجذب الأحداث فلا يعود يذكر منها شيئا، ومؤكد أن كل البشر قد اختبروا هذا الأمر في أنفسهم عندما يجلسون لتذكـّر أيامهم الخالية، إذ يصلون إلى نقاط معينة من مسيرة حياتهم يحسون أنها مضت أسرع من غيرها وأنهم كبروا وتقدمت بهم السن سريعا منذ دخلوا تلك الفترات.
وللشعوب والمجتمعات شيء شبيه بذلك في حيـَواتها، إذ تنسى نفسها خلال حقبة معينة كأنها تـُنوّم تنويما مغناطيسيا فلا تشعر بحالها ولا تدري ما يجري حولها، على أنّ الفترة هنا تطول وتطول حتى تصل إلى سنوات وعقود..وما ذلك على الله بعزيز وهو الذي أمات العزيرَ مئة عام وأصحاب الكهف ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا، ثم بعثهم من بعد موتهم وجعلها آية للناس ولعلهم يؤمنون..فإذا قضى الله بانتهاء فترة الاحتجاز تلك نظر الشعبُ فوجد نفسه يعيش في غير زمنه ويفعل ما لم يكن يريد أن يفعل وينظر..فإذا على رأس السلطة والحكم أناسٌ استغلوا نومة الشعب وسباته فعاثوا في الأرض وأهلكوا الحرث والنسل..فتزول العماية وتنكشف الغمامة وتعود الغاية التي يؤمن بها الشعب أن ينهض ثانية ليستعيد حياته وتاريخه من هؤلاء السـُـرّاق !
... ليبيا والذين يسكنون صحراءها وما أدراك ما هم ! شعبٌ عنيد جبار لا يرضى الإقامة على الضيم والهوان، تلـوّح وجهه أشعة الشمس فتعطيه السمرة والإباء معا، وتنجذب إلى شواطئه أمواجُ المتوسط كأنها تريدُ أن تستكشفَ طبيعته العتيـّة المتحدية، وتلفه الصحراء الكبرى بجوها القاسي فيطويها هو بكريم أخلاقه وأصالة معشره.. شعبٌ إن هدأ وبدا أنه ساكت على الظلم حينا ً فكما تهدأ الصحراء في الليل حتى إذا تنفس الصبح وطلعت الشمس أثار من رمالها عواصف دوارة تأخذ بثورتها كلّ باغ ٍ وظالم ٍ وتلقي به في وادي الموت، كأنها رمال القبر انتفضت تطلب صاحبها.. شعبٌ كـُتب عليه القتال قـُدما من أجل الحرية وهو اليوم يؤدي بجدارة وإيمان ما كـُتب عليه.
إنني أحس اليوم أن الثورة الليبية هي الثورة العربية الأولى في هذا الوقت..لأن كل ما سبقها من ثورات بدت للمستكشف المراقب كأنها ثورات مسيطر عليها، كالتجارب المختبرية المصغرة، وبدا كأن جهة خارجية تشرف على حركة الثائرين، تعبد لهم الطريق بالتعليقات والتصريحات السياسية مرة وبالضغط على الجيش في ذلك البلد كي يقف على الحياد ويحرس الثورة تارة وبدعوة الرئيس المنتهية صلاحياته إلى تقبل الواقع والرحيل طورا آخر..لكنّ ثورة الشعب الليبي اليوم كأنها تبدأ من حيث لم يتوقع أحد وتنتشر كما لم يتخيل أحد وتقوى وتشتد في تيار ضد الواقع لم يتكهن به أحد..وكأنها روح الصحراء الليبية ظهرت من مفازاتها لتفاجئ العالم وتقرّب الآجال البعيدة إلى القادة الفاسدين ومرتزقتهم..إنها ثورة شعب أفاق بعد سبات طويل ونوم هوّمت فيه بقايا أحلام الاستقلال – ليجد أنّ الطريق إلى الاستقلال لم يكتمل بعد وأنّ هناك حجرة كأداء تسدّ الطريق إسمها: القذافي.
طاغية أخرجته بلدة (جهنم) ليذيق الناس بعض أصناف عذابها، فتربى على استغلال الفرص والصعود على المناكب وتصفية المنافسين حتى وصل في غمرة تخلخل سياسي واجتماعي إلى كرسيّ السلطة..وإذا كان حبّ هذا الكرسي قد أدهش كثيرا قبله وبعده من حكام العرب وأذهب شيئا من عقولهم، فقد أذهب الكرسي عقل القذافي كله..فلم يعد يرى الشعب ولا الأرض ولا الدولة ولا المؤسسات إلا وعليها طابع من نفسه وسمة من مرضه..وكان الرجل متهيئا بالخلقة لهذا النوع من الجنون، فبدأ بإعداد ما حوله جميعا ليكونوا جزء من عالمه الإفتراضي، ولما نجح في ذلك وطاوعه بعض الضعَفة والمصلحيّين زادت ثقته بجنونه وانطلق يفسد من حيث أراد أن يصلح، ويدمر وفي نفسه أنه يبني أمة وينشئ دولة كبرى..فلما استتب له الأمر وطال عليه الأمد بلا رقيب أو نصيح أو منتقد تغشته غمامة المجانين وانعزل عن واقعه وعاش عالما نرجسيا ً من هواجسه وخيالاته وجعل أمامه مرآة نفسه ينظر إليها ثم يخرج على شعبه ليأمرهم بما رأى ويحفزهم على تطبيق ما وجد..ثم طال به الأجل وغرّه سكوت من حوله فرأى فيما رأى أنه لا ينبغي له أن يخطئ، إذ لو أخطأ لم يبقَ من لا يخطئ في هذه الدنيا، وأنّ هذه الصفة لا تكون في البشر، فكل ابن آدم خطــّاء، فلا بدّ أن يكون هو شيئا أرقى من البشر بشكل من الأشكال، ولما كان أمره مطاعا وكل رغباته مستجابة ومنفذة صورت له نفسه –وهو ينظر إليها في المرآة– أنه خالقٌ مصور يكاد أن يقول لأي شيء أراده: كن فيكون..ولما كانت قدرة الخلق مقرونة بالآلهة فلا بدّ أن يكون هو نفسه إلها..فلا جرمَ ينبغي له أن يكون واحدا..ومن هنا بدأ ذلك المغرور يتصرف على هذا الأساس ويفكر بهذا الأسلوب وينسج في هذا المنوال..فأمر بتغييب كل المعارضين ومنع كل الأحزاب وطرد كل المناوئين، ثم أوعز أنْ تـُنصب له التماثيل والصور في كل بقاع ليبيا، وغيّر العلم والنشيد وزاد في عنوان الدولة وأسمائها ما شاء له فكره وسمحت به قريحته فجعلها الجماهيرية الليبية الديمقراطية الاشتراكية العظمى..وهي صفات –إذا تأملتها– تعكس الرغبة العميقة لدى الرجل في الوصول إلى حالة الكمال اللاواقعي والتمام المطلق الخيالي حتى في اسم الدولة، كي يقنع الشعب والعالم بأن مجرد وجوده في ليبيا يجعلها متصفة –في الاسم على الأقل– بكل امتيازات الدول العظمى..وإن كانت صفات متناقضة فيما بينها ومجرد تركيبة خرافية في عقل رجل مريض..
ومن تلك العقدة الخفية في نفس الطاغية وتفكيره نشأت عنده الرغبة في إطلاق الألقاب والأسماء الحسنى على نفسه فهو الزعيم وملك ملوك أفريقيا وعميد الحكام والعرب وهلمّ صعودا من أوصاف خاوية المعنى وسخيفة المأخذ..فلما استمر له الحكم وأصبحت له كل الألقاب المستعملة وغير المستعملة بدأ يسأم من الألفاظ والكلام المجرد ورأى أن ربوبيته ينبغي لها أن تتعدى ليبيا إلى العالم كله، ولا بد للرب من مربوبين يسبحون بحمده ويقدّسونه..فأرسل حملة جديدة صوبَ إفريقيا لجذب ضعفاء الحال وتجنيدهم لخدمته وإعطائه شرعيته كإله. ثم استطال وتجبر وحسب أنه أصبح مهيئا لنشر (حقيقته) الكبرى وجعلها حركة عالمية فاتصل بالزعماء القريبين والبعيدين وعرض عليهم مشاريع الوحدة المزعومة وأفكار التعاون الوهمية التي لم يتحقق منها شيء لأنها كانت في الحقيقة محاولة من الطاغية لأنْ يسيطر ويهيمن ويبسط تحكمه في المنطقة، فنشأت نتيجة ذلك حروب كثيرة منها العسكري المعلن ومنها المخابراتي الخفي ومنها الخطف وتمويل المعارضين وإثارة الفتن وغيرها.
إنّ المراقب لتاريخ القذافي وتصرفاته خلال أكثر من أربعة عقود يجدُ آثار انفصام نفسي حادّ في كل ما قاله وفعله..فهو كان ولا يزالُ أسير فكره المريض ورغباته المستحيلة، وتسهل ملاحظة تلك الآثار عند الرجل فخيمته التي يأخذها معه أينما حل وارتحل هي في الحقيقة تجسيد لعالمه البعيد الذي يجلس لينظر إلى نفسه فيه، وحراسه من المجندات الإناث صورة لهوسه الجنسي المختلّ، وكتابه الأخضر هو تأكيد للرسالة التي توهم أنه مبعوث بها، وتحديد المرتبة العليا في الجيش إلى رتبة العقيد إشارة إلى أنه الحد الذي وصله هو..وهو حدّ لا ينبغي لأحد تعدّيه أبدا إلا إذا زعم أنه إله أيضا !
لقد طغى وبغى وتجبر لكنّه لم يهيئ نفسه أبدا لوقت يكفر فيه شعبه بربوبيته ويثور ليحطم صنمه وينسف عقيدته..وهو الخطأ الذي يقع فيه كل المستبدين لأنهم لا يتصورون، لطول المدة، أن يأتي هذا اليوم أبدا..لكنّ الشعب الليبي ثار..وكأنما ثارت معه أرواح كل المجاهدين ضد الاستعمار الإيطالي ملتفين بالعباءة الليبية وحاملين أسلحتهم وهم على ظهور الخيل يقودهم عمر المختار ويتجهون إلى قصر العزيزية ليكملوا معركة التحرير الأخيرة.
نعم..إن الثورة الليبية اليوم تنطلق ضد إرادات كثيرة منها الإرادة الأميركية والأوربية، وإرادات الزعماء العرب الذين أخرسهم العار فلم يقولوا شيئا ولم يصرحوا بتصريح، وإرادة أمين الجامعة العربية الذي تعنيه الآن الخسارة الناتجة عن تأخير القمة المقبلة أكثر مما تعنيه المجازر التي يرتكبها القذافي ونظامه بحق الثوار الليبيين، وإرادة المرتزقة الأفارقة الذين يمثلون جوع أفريقيا عندما يشتريه الاستبداد..لكنّ الشعب الليبي ثار..ومن صحراء ليبيا انتفض ليكمل معركة التحرير الأخيرة ويدفع ضريبتها التي كتبت عليه وإن كانت ضريبة غالية توزن بدماء شهدائه..لأنها ثورة يراد منها أن تحرر ليبيا من قيود الوهم وطغيان الجنون..إن حروف الكتاب الأخضر ترتعد وتتساقط تباعا أمام ثورة هذا الدم الثائر المتفجر ويوشك الشعب الليبي أن يخط ّ فيه أول حروف حريته الحمراء.



#خليل_محمد_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الشعر (3)
- صناعة الشعر (2)
- صناعة الشعر (1)
- الموضوعية المحمديّة الباهرة
- فلنتثقف أولا ...
- أثر الإختلاط بين الجنسين في أداء مؤسساتنا المدنية
- الغُربة
- الشعر الحر وخمسون عاما ً من العقم (1)
- تسونامي الثورات العربية: إلى أين؟
- النظرة الإزدواجية للمرأة في المجتمعات المتمدنة


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل محمد الربيعي - ليبيا .. الثورة الحمراء تطمس آيات الكتاب الأخضر