|
قصة قصيرة بعنوان الصرخة
هيثم نافل والي
الحوار المتمدن-العدد: 3285 - 2011 / 2 / 22 - 14:37
المحور:
الادب والفن
يقفزُ أخوها أكرم من مكانه كالملدوغ صارخاً ، سأقتلها !.
ودمدمَ قائلاً ، بعد أن غلى الدم في وجهه فصارَ بلون الجمر ، لو مسكتها بأصبعي الصغير هذا ، لأزهقت روحها ، والشيطان وحده يعلم ما يدور في رأسي الآن !.
تمسكهُ الأم بقوه من يده ، كما يمسك الضرير عصاه ، وتقول منهكة والقلق يبدو عليها ، متوسلة من خلال دموعها : أرجوك يا بني لا تتهور ، أعطنا فرصة كي نفكر لنتدارك الموقف ، ما هذا يا ربي .. !،
إنك تبدو كالمجنون ، تجعلنا لا نستطيع أن نحدد ما علينا فعله ، قل لي ما هذا الذي تحمله بيدك المرتجفة أرني إياه ؟!.
يشدُ أكرم شعره ويضربُ صدره ويطقطقُ أسنانه كالكلب المسعور ، وقد بحَ صوته ، فيرددُ ما قالهُ للمرةِ الألف : سأقتلها ، سأطهر شرفنا من عارها الذي لحقَ بنا ، سألقي لحمها بعدَ أن أقطعه صغيراً للكلاب الضالة ، سأنظف سمعتنا التي لوثتها بفعلتها المشينة ، لا يمكن لي الجلوس هكذا وشرفنا وسمعتنا ملوثة ، قولوا لي كيفَ سنعيش بعد اليوم ؟، كيفَ سنواجه الناس وبأي شكل ؟، لقد كتبت لنا أختنا العزيزة الجميلة الدلوعة تاريخاً أسود بلا رحمة أو شرف ، سأقتلها لأكون رجلاً يستحق الحياة بكرامة ؟!.
ينظرُ لهم الأب بوجه شاحب وبصمت قاتل دونَ حراك وكأنه ميت ، فصرخت به زوجته بأسى قائلة : ماذا عنك يا تحسين ، لماذا لا تقولُ شيئاً ؟، فإنك ومنذُ أن عرفت بالمصيبة لم تبدِ تعليقاً سوى جلوسك الصامت هكذا كالصنم !، فطأطأ رأسه ، وصرَّ على أسنانه بقوة كالذئب عندما يريد أن يهجم على ضحيته ، حتى بدا الحقد والغيظ يخنقه ، فقالَ باكياً كما يبكي السكران : اصمتي يا أمرأة ، إنَ الذي حصلَ لابنتنا سعاد كانَ بسببك ، والآن تريدين مني أن أتخذَ قراراً ، كيفَ ذلك ؟!. لقد جعلتِها مدللة ، لاهية كالطفلة بل كالدمية لا تفقه من الحياة سوى طرفٍ من ظل ، وعندما أخطأت وأصبحت حاملا دونَ زواج وبهذا السن ، رأيتكم تنتحبون وتتوعدونها بالقتل غسلاً للشرف الملطخ ، كيفَ هذا ؟، إنها أمور لا يستقيمُ لها العقل ، فكلما تدخلت في حياتكم قليلاً تذمرتم صارخين : لا تتدخل ، نحنُ أعلم بما نفعل ، لا تجهد نفسك ، يكفيك عملك و .......... والنتيجة هي أن ابنتي تموت ، بل إنها ماتت ، ماذا تظنون ؟!، وأنت قل لي ( ينظرُ إلى ابنه باشمئزاز) ماذا تحمل في يدك ، ها ..... ؟، أتريد أن تقتلها ؟، ألم تقتل نفسها في اللحظة التي وثقت بها بذلك الرجل الذي أغواها وعشمها بالزواج كذباً ؟، لقد ماتت أختك فعلاً ، فلا داعي بعد من قتل الميت !. فنكسَ رأسه ودخلَ إلى حالة الغيبوبة والصمت المرعب الذي كانَ فيه من جديد ليبدو كالحجر .
تدخلُ سعاد الغرفة صامتة كالظل ، وبطنها منتفخة وكأنها في الشهر التاسع من حملها ، تتعثر بخطواتها مثل الذي يساق إلى ساحة الإعدام ، بدأت شاحبة وضعيفة ومنهكة وهي تلهث ونفسها يكاد ينقطع ، كأنها انتهت من ارتقاء درجاً عالياً للتو ، فقالت بصوت مرتبك غير مسموع ، وكأنها تحدثُ نفسها :
أنا أعترفُ بجرمي أمامكم ، لكنني لم أكن قد أخطأت بمفردي ، فقد ساعدتني أمي بدلالها المفرط اللذيذ ، وأخي بتهوره وعدم السماح لي بمصاحبته ، لم يحاول يوماً أن يفتح لي قلبه أو حتى أن يكسبُ ودي ، كما أنه لم يعاملني كإنسانة لها مشاعر وأحاسيس ، ما كانَ يؤمن به شيءٌ واحد ، هو ، أنه الرجل ، لقد كانت نظراته لي سما وكلماته خنجرا ، لأبقى لا شيء في عرفه ، لقد فعلت ما كانَ يفعله كل يوم ، لكنه يحرمُ عليّ ما يحلله لنفسه ، حتى بتُ أهيم بلا معنى وأعيش دون جدوى كدمية كما قالَ أبي بالضبط أحيا بلا حياة ، ثم أردفت ، أنا لا أدعي بأني غير مخطئه ، بل أنا فاسدة ، زنديقة ، كافرة وحقيرة ، بل لا أستحق منكم حتى أن تلوثوا أيديكم بدمي ، لأنني في عرفكم يجب أن لا أكون ، إلا كما ترغبون فأحيا بلا قلب ، خاوية مقفرة كالقبر ، إذن سأقتل نفسي بإرادتي ودون مساعدتكم ، سأعدم نفسي لأكون نسياً منسيا ، تتقهقر ، تتشنج ، فتنهار ساقطة على الأرض ........
تصرخ الأم باكية ، سعاد ابنتي .........
لم يعد أخوها أكرم قادرا على الصبر أو الانتظار ، يهجم عليها كالأسد حاملاً سكينهُ الحادة التي تلمع كلمعان الذهب ، يمسك بقبضته الحديدية رأسها ، فيلوي عنقها ، يتدخل الأب في هذه اللحظة الحاسمة الحرجة ، ليقف كما السد الذي يحجز المياه ، ويقول صارخاً ، كفاكم كفراً وغباء ، دعوها ......... أنها ............
تخرجُ من غرفة سعاد صرخة عارمة مدوية تهز أركان المنزل كله ، فتهرع الأم راكضة إلى غرفة ابنتها التي تجاور غرفة نومهم ، فتفتح الباب على ابنتها النائمة ، بقوة وبخفة ساحر ، بينما يدخلُ أخوها مسرعاً وكأنه يود إطفاء حريق قد شب في الغرفة ، بينما كانَ الأب يقفُ على رأسهم كالصقر ، ليجدوا سعاد وهي جالسة على سريرها تبكي بهلع جنوني ، تتقدم أمها نحوها ، فتقول لها وهي تمسح الدموع من على وجنتيها ، ماذا جرى لكِ يابنتي ؟، إنه مجرد كابوس ، لا تقلقي أبداً ، خذي اشربي هذا الكأس من الماء ، بللي ريقكِ أولاً ، نحنُ وكما تشاهدين جميعنا بجانبك ، هدئي من روعك ، يتوجه الأب نحوها ويقول مبتسماً كالطفل ، لقد شغلتنا عليك يابنتي وجعلتنا نركض كالغزلان ، نظرت سعاد لهم بعيون لامعة فاضت فيها الدموع ، فتقول ضاحكة ، أنا أعتذر منكم يا أحبائي ، لم يكن في بالي قط أن أوقظكم في ساعة متأخرة من الليل؛ لكن للنائم عذرا فيما يحلم به !.
يأخذُ أخوها يدها فيقبلها بحنان أم ، ويقول باسماً كالصبح ، سوف ننتظر بفارغ الصبر وعند الإفطار أن تخبرينا بقصة الكابوس اللعين هذا ، لكي نضحك معك وعليك يا دلوعة !.
#هيثم_نافل_والي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة
المزيد.....
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|