أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - هشام القروي - ثمرة الوعي التونسي















المزيد.....

ثمرة الوعي التونسي


هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)


الحوار المتمدن-العدد: 3281 - 2011 / 2 / 18 - 16:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


لا يوجد اليوم من هو أسعد من التونسيين، كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء . وهم يعبرون عن ذلك يومياً بعد عهود من الصمت والذل . فثورتهم شعبية، مدنية وديمقراطية، صنعها الناس ولم يسلطها عليهم أحد . ولم يكن مفاجئاً أبداً أن تحتشد الجموع في شارع بورقيبة أمام وزارة الداخلية، فلا توجد في تونس وزارة يكرهها الناس أكثر . ومن الطبيعي تماماً أن يطالبوا بتغيير إطاراتها، وخاصة العقلية السائدة فيها . ومن الطبيعي ألا يعطوا ثقتهم بسهولة لمن اقترن اسمه بالنظام السابق .

ولن يتم لهم ما يريدون إلا بتغيير النظام تغييراً هيكلياً، عبر إنهاء العمل بالدستور القديم ووضع دستور جديد، يفصل بين الدين والدولة، ويفصل بين السلطات، وينهي النظام الرئاسي ويعوضه بنظام برلماني منتخب . وكما في جميع الثورات المدنية، فإن المد الشعبي يتجاوز الساسة في حين يستمد قوته من ايديولوجية التحرر المنغرسة في الوعي، ويتوجب على النخبة بعد ذلك أن تفهم رسالة الشعب .

ما كان أحد ربما يتوقع أن يسقط ابن علي بهذه السرعة، ولكنه سقط فعلاً، وأصبح التونسيون على وعي تام بأنهم قادرون كلما أرادوا الضغط على الحكومة وتغيير واقعهم بأيديهم . وليس بالإمكان العودة إلى الوراء، لأن ما وقع يتجاوز أي إرادة فردية، أو حزبية، أو تكتل مجموعة مصلحية على حساب الشعب . ولقد سمعت البعض يحاولون التشكيك والحد من طموحات الناس وتطلعاتهم . ولن يكون هذا الأمر ممكناً لأن الثورة بالرغم من أنها فاجأت المراقبين، فقد كانت بذورها كامنة في الوعي والمجتمع . ولئن لم يكن بإمكان النخبة الحاكمة أن ترى ذلك فلأنها عمياء ومنجرفة وراء مصالحها الخاصة .

ولئن لم تكن الديمقراطية جاهزة، فبناؤها ممكن تماماً . وخلافاً لما قاله يوم 19 يناير/ كانون الثاني السفير الأمريكي ديفيد ماك على قناة “الجزيرة”، بإمكان تونس تغيير دستورها ونظامها، وإرساء قواعد جديدة للحكم . هذا ممكن لأن التجربة التاريخية موجودة، والتونسيون لن ينطلقوا من الصفر .

فالوعي لم ينزل عليهم من السماء . هناك جيل جديد في تونس يعرف تماماً أن البلاد أسهمت مساهمة كاملة في ما يسميه المؤرخون “النهضة العربية” منذ القرن التاسع عشر، وأنه عندما ساد الشعور بالضعف وقويت الرغبة في إصلاح جهاز الدولة إصلاحاً يسد المنافذ على الامتيازات الأجنبية، جاء الإعلان عن “عهد الأمان” (1857) ثم تبعه الدستور (1861) .

وبالرغم من محدودية ذلك الدستور الأول، فانظروا ما يقول عنه رائد الصحافة التونسية زين العابدين السنوسي في بدايات القرن الماضي، أي قبل الاستقلال: “إن غرس النظام الديمقراطي بإقامة سيادة الأمة وتفريق السلطة ومسؤولية الحكومة لدى نواب الأمة قد بلغتها الأمة التونسية منذ 10 سبتمبر/ أيول ،1857 وأخذت بحقوق الإنسان عهداً لقبته (عهد الأمان) أقسم عليه الأمير محمد باي المشير الثاني . كما أعاد القسم عليه المشير الثالث محمد الصادق يوم ولايته، وختم على قانون النظام السياسي للدولة التونسية يوم 26 ابريل/ نيسان 1861 ( . . .) كان الدستور التونسي لعصرها هو أكمل الدساتير للدول وأمكنها في الديمقراطية التي ترد كل شيء إلى سيادة الأمة وتجعل الكلمة الأخيرة لمجلس النواب” .



والحقيقة أنه بالرغم من إيجابية ذلك الإنجاز، فإنه من الصعب القول إن الشعب هو من فرضه . فقد كان ثمرة جهود النخبة السياسية في ذلك الوقت . ومن ثم، كان ممكناً تعليق العمل به، خاصة أن الاستعمار الفرنسي سيغزو تونس محركاً ثورة من نوع آخر .



ولا يمكن مقارنة أحداث تونس بأحداث العراق ولا إيران قبلها . فسقوط رأس الدولة في تونس لم يقع على خلفية غزو أجنبي، وإنما هو إرادة الشعب ووعيه الخاص . وليس ثمة ما يدعو إلى مقارنة ثورة تونس بثورة إيران . فليس هناك أي زعيم ديني أو سياسي أو عسكري قاد هذه الثورة أو وجهها من الخارج أو من الداخل . ومن ثم فليس هناك من يزعم أنه محركها أو أن الشعب مدين له بالإنقاذ والولاء .



الوعي السياسي الموجود حالياً في المجتمع المدني بإمكانه مقاومة كل حركة جذب إلى الوراء وكل تدخل أجنبي . وليس هذا الكلام أمنيات، وإنما هو قائم على التجربة والملاحظة . فهناك خط متصل بين الوعي الحالي وتشكل هوية سياسية للبلاد التونسية منذ القرن التاسع عشر، ومن خلال هذا التواصل حدثت تراكمات تدريجية وتفاعلات ثقافية وسياسية واجتماعية أدت إلى ما وقع يوم 14 يناير/ كانون الثاني .



وكيف يمكن للتونسيين أن يخشوا الحرية بعد أن أسقطوا طاغيتهم؟ كيف يمكنهم أن يرضوا بالاستعباد مجدداً وهم من أعطوا العالم الإسلامي منذ القرن التاسع عشر فكرة دستور وقانون وضعي، وأفكاراً كالتي كتبها خير الدين التونسي في “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك” الصادر في 1867؟ وكيف يمكن نسيان أن تونس كانت مع مصر وتركيا تتقاسم الريادة في ميدان التحديث في الفترة السابقة للاستعمار؟ فكان خير الدين في تونس، ومحمد علي باشا في مصر، والسلطان محمود ومدحت باشا في تركيا العثمانية من الذين يعتقدون أن السبيل إلى نهضة المسلمين هو أخذهم بالتقنية والعلم .



وكتاب خير الدين “أقوم المسالك” هو إحدى الوثائق النادرة التي خطتها أقلام رجال الفكر والسياسة في القرن التاسع عشر في العالم الإسلامي . وهو بالطبع يذكر بالتغييرات الجذرية التي أحدثها محمد علي باشا في مصر، وما نتج عنها من حركة فكرية بدأها رفاعة الطهطاوي وتابعها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما، ويعيد إلى الأذهان التنظيمات الإصلاحية في الدولة العثمانية ومشاريع الدستور في تونس ابتداء من سنة 1857 .



وقد دافع خير الدين في كتابه عن الحرية، وهي في رأيه تنقسم إلى حرية شخصية وحرية سياسية . فيقول عن الأولى: “هي إطلاق تصرف الإنسان في ذاته وكسبه مع أمنه على نفسه وعرضه وماله ومساواته لأبناء جنسه لدى الحكم، بحيث إن الإنسان لا يخشى هضيمة في ذاته ولا في سائر حقوقه ولا يحكم عليه بشيء لا تقتضيه قوانين البلاد المتقررة لدى المجلس . وبالجملة، فالقوانين تقيد الرعاة كما تقيد الرعية” . ويقول خير الدين عن الحرية السياسية: “وهي تطلب الرعايا التداخل في السياسات الملكية والمباحثة فيما هو الأصلح للملكة ( . . .) على نحو ما أشير إليه بقول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه . .)” .



فهل يعتقد أحد أن الشباب والنساء والرجال الذين خرجوا إلى الشوارع منشدين “إذا الشعب يوماً أراد الحياة . .” فعلوا ذلك بالمصادفة؟ ألم يسبق ذلك استبطان هذه الايديولوجية التحررية التي تشكلت على امتداد الأجيال وشكلت الوعي التونسي ضمن عملية الجمعنة التي تبدأ منذ الطفولة؟ وهل بإمكان أحد الآن اجتثاثها من العقول أو ترهيب التونسيين؟

دار الخليج



#هشام_القروي (هاشتاغ)       Hichem_Karoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امتحان أوباما
- «حماس» والعجز عن فهم حقائق السياسة
- اسرائيل والاسلام
- أوروبا تحت المراقبة
- اعلام على الطريقة البولندية واعلام على الطريقة المالوية
- هل العرب يكرهون الديمقراطية أم هل هناك مشكلة مع أسلوب الادار ...
- وقائع ساحة معهد العالم العربي بباريس
- مشاكل كويتية
- لغة القوة والتهديد لا تجدي
- كل التفاصيل عن برنامج ايران النووي
- مقالة بلا عنوان
- هل يمكن مقارنة التيار الاسلامي الجهادي بالحركة الشيوعية؟
- الشرق الأوسط حتى عام 2020
- امبريالية في عصر غير امبريالي
- هل تكون سوريا الهدف القادم ؟
- دستور بلا وفاق
- شافيز في نظر واشنطن
- انتهت -جنة الاسلاميين- في الغرب
- افريقيا والشرق الأوسط أسوأ الأمكنة للعيش في العالم
- روسيا تتبنى برنامج ايران النووي


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - هشام القروي - ثمرة الوعي التونسي