أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - مصر والمنازلة التاريخية الكبرى















المزيد.....

مصر والمنازلة التاريخية الكبرى


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3278 - 2011 / 2 / 15 - 15:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن النزاع الأخير كالنزع الأخير، هو إما طريق للخلود في ذاكرة الأحياء وإما حفنة تراب على جثة عفنة. من هنا عنف الوجدان الحائر في أعماق النفس من اجل استجلاء آفاقه باعتباره حقيقة القدر، أي حقيقة القدر الفعلي للإنسان والمقدرة الكامنة في أعماقه الروحية في مواجهة "مفترق الطرق". وتشبه هذه الحالة لحد ما حال الوقوف أمام هوة الامتحان الأخير للإرادة الإنسانية وهويتها الفعلية. وليس مصادفة أن يبدع الروح الإنساني مختلف أشكال الوحدة المتناقضة عن هذه الحالة بعبارات مفارقة مثل "الحياة أو الموت"، و"الحرية أو الموت" و"الموت أفضل من هكذا حياة" وما شبه ذلك. مع أن الموت ينتظر الجميع دوما ليبتلع كل ما يتدحرج إليه!
إننا نعثر في هذه الحالة المفارقة على تحد تتكشف حقيقته ومعناه، باعتباره حبا للحياة بأحسن معانيها. من هنا قيمة التحدي، الذي ينتعش في أعماق الروح والجسد كما لو انه المؤشر الظاهري الفعال عن معاني البطولة والمروءة والحرية والعدل وما شابهها مما تغلغل في منظومات الوعي العقلي والضمير الأخلاقي للأمم. وقد أبدعت العربية مفهوم المطاولة، أي المواجهة الطويلة بوصفها الصيغة التي تتآلف فيها معاني التحدي والصبر الجميل حتى بلوغ الغاية.
وما جرى في تونس واستكملته مصر ليس إلا الصيغة الأولية التي تكشف عن أن حقائق الوجود الكبرى تكمن في منظومات الوعي العقلي والضمير الأخلاقي، بوصفها حقائق الإرادة الحرة. وأن الإرادة الحرة هي صانعة الحق والحقيقة والمعنى. ومطاولة الخروج عليها، أي تحدي الخروج عليها من جانب أي كان، يعني كسب النفس الحرة من جديد والعيش بمعاييرها. إذ لا قيمة ولا معنى للحياة الحقيقية بغيرها.
لقد تطاول المصريون بقواهم الفتية في مواجهة السلطة وتحديها حتى كسروا قيودها فوّلت هاربة! وبهذا يكونوا قد فتحوا الطريق أمام حرية الجميع، أي حرية الفرد والجماعة والمجتمع والأمة والنظام السياسي والدولة. إنهم برهنوا على حقيقة جوهرية تقول، بان المطاولة هي الصيغة البليغة لروح التحدي العاقل، أي للإرادة الإنسانية الحرة. وإذا كانت مصادفة الأحداث تقوم في بلوغ هذه الحالة في اليوم الثامن عشر منها، فأنها تشير بدورها الى ما يمكن دعوته بموسيقى القدر الطبيعي والتاريخي.
فالثمانية عشر تتطابق بمعايير الطبيعة والتاريخ مع "سن البلوغ"، أي سن الشباب والفتوة العاقلة. الأمر الذي يعطي لنا إمكانية صياغة ما جرى من أحداث دامية ودرامية بمعايير البلاغة والبيان. فالأحداث الكبرى، والتحولات الكبرى، والبدائل الكبرى هي الصيغة الأجمل للروح الإنساني، ومن ثم هي مصدر الإبداع الأعمق والشامل. وبالتالي، الأكثر بيانا وبلاغة عن هوية الأمم، بغض النظر عن معاناتها من اجل بلوغ المرام. مما يعطي لنا إمكانية القول، بأن مصر قد بلغت سن البلوغ في ثورتها كما لو أنها تتطابق مع روح الشباب! ولا مجاز في الأمر! فقد جرت الأحداث ونتائجها الأولية كما لو أنها تستجيب لقدر الطبيعة والتاريخ بقدر واحد! وكشفت عن أن الرمزية الطبيعية والمتسامية لسن البلوغ هي الوجه الآخر لرمز المطاولة الفتية في مصر، أي رمز قوتها المستقبلية. وبالتالي، تحسس ما جرى ويجري فيها على انه رمز المطاولة التاريخية. وليس هذا بدوره سوى الإشارة الحية الى أن ما جرى ويجري هو بديل المستقبل.
فالبدائل الكبرى كالحياة الحقيقية! أنها مطاولة وليست سياحة حديثة! أنها تبدأ بفصول الموجهة الحقيقة للنفس وتحدي خللها الذاتي لتنتهي بالعمل الفعلي من اجل تقويمها الدائم بمعايير الحق. وفي هذا المجرى المعقد والدرامي تنعكس حقيقة النفس والإرادة والآفاق. وفيما لو اختصرنا كل مكونات ومراحل هذه المطاولة الكبرى، فإننا نعثر فيها على ظاهرة جديدة، وروح جديد، وجيل جديد، وأفق جديد.
• إنها ظاهرة جديدة من حيث محتواها وغايتها وأسلوبها في مواجهة النظام السياسي وتغييره.
• إنها تتمثل وتصنع بقدر واحد روحا جديدا في مواجهة إشكاليات المجتمع والأمة.
• إنها تجري وتتطور وتتكامل بعقول وأفعال جيل جديد متحرر من ثقل العقائد الحزبية المزيفة وريائها السياسي.
• إنها ممثلة الأفق الجديد لبناء الدولة والأمة بمعايير التراث القومي الخاص والرؤية المستقبلية.
إن الحصيلة العامة لكل ذلك تكشف عن أن المطاولة الحقيقة للسلطة الفاسدة هو أسلوب صنع الإرادة الاجتماعية والوطنية الكبرى وتهذيبها. إنها تبرهن في الوقت نفسه على أن مطاولتها الاجتماعية والسياسية والوطنية الكبرى هي منازلة تاريخية قومية أيضا. وذلك لأنها تجلي معدن الحقيقة القائلة، بأن قيمة الأمم وعظمتها على قدر منازلاتها التاريخية! وما جرى ويجري في تونس ومصر هي الصيغة الأولية لهذه المنازلة، أي لاستعادة الأمة كينونتها التاريخية، ومن ثم دورتها الجديدة في ولادة جديدة.
تضع المطاولة الكبرى والمنازلة التاريخية العرب، كما جرت وتجري في تونس ومصر، أمام امتحان المستقبل وتحدياته. فمن الناحية الأولية والظاهرية كشفت عن أن العرب امة واحدة متوحدة في الهموم. وان ما جرى ويجري يشير الى أنها بدأت تستعيد قوتها التاريخية، أي وجودها الذاتي الفعلي.
فالعالم العربي من حيث مكوناته، هو ارض الروح والجسد الثقافي. فيه نشأت وتأسست مراكز الدولة. وفيه تشكلت بؤر الحضارات القديمة والروح الثقافي الكوني. ومن ثم فانه محكوم بماضيه. بمعنى أن المنازلة التاريخية الحالية ليست إلا الخطوة الأولية لما يمكن دعوته بمهمة الاستعادة الضرورية لكينونته التاريخية الثقافية، أي مهمة الرجوع الى النفس. إنها مهمة القطيعة مع الانقطاع بمختلف أشكاله ومستوياته. وليس هناك من طريق واقعي وعقلاني لذلك غير مواجهة هذا الخلل عبر مواجهة النفس أولا وقبل كل شيء..
فالذي جرى ويجري هو الذي يصنع للمرة الأولى مقدمات التاريخ الفعلي للعالم العربي. إذ يجري فيه تمثل المسار الحقيقي للطبيعة والوعي القومي الذاتي. وذلك لأنه يصنع للمرة الأولى في تاريخه الحديث مهمة بناء الإرادة القومية السليمة في الموقف من النفس والنظام السياسي والدولة والمصالح الكبرى. وبالتالي، فإننا نقف أمام منازلة التحدي الكبير لزمن المصادرة الذي لازم أسلوب وعمل النظام السياسي الاستبدادي، مع ما ترتب عليه من ترميم دائم لهشاشة الدولة وبنيتها الرخوية.
إننا نقف أمام مهمة صنع الإرادة والمستقبل عبر القطيعة التامة مع زمن السلطة، والنخبة الخائبة، والأحزاب العقائدية المتهرئة. وليس هروب زين العابدين بن علي، و"تنازل" حسني مبارك سوى الصيغة الرمزية لتلاشي الزمن العابر، شأن تلاشي حبة رمل في رمال عاتية!
إننا نقف أمام ثمانية عشر يوما هي ثمانية عشر لحظة من العمر والروح والعقل والوجدان والذاكرة والضمير. إنها اللحظات التي خطفت الزمن وجعلته تاريخا.
فقد أفرغت السلطة الاستبدادية كل شيء مما فيه وجعلته هامشيا على أطراف الوجود. مما جعل من وجودها حجرة عثرة أمام حركة الحياة نفسها. ذك يعني، أن الحياة قد بدأت! وهو جوهر المنازلة التاريخية الحالية، بوصفها مشروع المستقبل القومي الحر.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرادة والإلهام في انتفاضة مصر
- حسني مبارك – شبح المقبرة المصرية!
- ياسمين الغضب التاريخي
- إسلام -فاشي- أم يسار فاشل؟
- الانقلاب التونسي ومشروع المستقبل
- الحوار المتمدن وقضية الاحتراف المعرفي
- تيار (دولة القانون) ومشروع مركزية الدولة والهوية الوطنية
- دولة القانون وقانون الدولة
- -افتراق الأمة- بين التاريخ والثقافة(2-2)
- -افتراق الأمة- بين التاريخ والثقافة (1-2)
- فكرة افتراق الأمة بين التاريخ والسياسة (2-2)
- افتراق الأمة بين التاريخ والسياسة - البحث عن اليقين العقائدي ...
- إشكاليات البديل العراقي ومشروع العيش المشترك
- اجترار الزمن وتبذير التاريخ – التجربة العراقية الحديثة
- الراديكالية والخروج على منطق التاريخ القومي (العربي)
- الزمن الراديكالي وتهشيم بنية الوعي التاريخي للدولة والأمة
- إشكالية الزمن والتاريخ في ثروة الأمم
- المثلث العربي الفارسي التركي وفلسفة الرجوع إلى النفس
- المثلث العربي الفارسي التركي ومشروع المستقبل
- ابن طفيل- حكمة التجانس والاعتدال!


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - مصر والمنازلة التاريخية الكبرى