أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير كاظم عبود - حقائق مخفية عن علاقة البعث















المزيد.....



حقائق مخفية عن علاقة البعث


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 979 - 2004 / 10 / 7 - 07:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجزء الأول
أيليا زغيب
زهير كاظم عبود

بدأت تظهر الى الناس القليل من الحقائق التي عمدت السلطات والقيادات الحزبية البعثية أخفائها في العراق أو أقطار عربية أخرى ، وكثيراً ماعمت الشائعات العراقية حول وجود علاقات مشبوهة للبعث وبعض من قياداته بالمخابرات المركزية والقوى الأستخبارية الأجنبية ، والتي أستطاع البعث من خلال التعاون معها أن يحكم العراق في فترتين مظلمتين من التاريخ السياسي العراقي الممتليء بالدم والموت والتخلف والتجاوزات على القانون والتعدي على الشعب العراقي وتدمير ثرواته الأنسانية والطبيعية وقيمه الأجتماعية ، قيل الكثير عن القطار الأمريكي والقطار البريطاني ونقل عن امين سر القيادة القطرية في حينها السيد علي صالح السعدي الكثير من الأقاويل والأسرار التي كان يتحدث بها أثناء جلساته المسائية حين يدب دبيبها الى موطن الأسرار ولايوقفها أحد كما يعرف الكثير من أهل العراق ، وقد رحل السيد علي صالح السعدي عن الدنيا بعد أن كان قبلها قد ترك التنظيم البعثي وأتجه الى أفكار سياسية أخرى مبتعداً عن البعث ، ولكن عقدة الأسرار بقيت تلاحقه وتربك حياته فأفقدته التوازن والشخصية وتوفي حاملاً أسراره وأسرار الكثير من رجالات البعث وتاريخه معه ، القليل من هذه الأسرار فضحته الصدفة وساهمت ردة فعل القيادي القريب من القرار والسلطة في تسليط الضوء والأشارة اليه ، كما كانت صحوة الضمير التي صحاها القليل قبل أن يرحل في أعادة مراجعته لنفسه وضميره وما ارتكبه من افعال والتي انتابت بعض قيادات البعث العراقي ، والتي أقدمت عليها عناصر قيادية بعثية تراجعت عن عملية الأستمرار في كتم الأسرار وتغييب الحقيقة وعدم الأعتماد على خلط الأوراق في كل حين ، الا ان بعض القيادات التي أصبحت معزولة وفقدت علاقتها بالسلطة وسنحت لها الفرصة لتراجع نفسها والتي شعرت بتأنيب ووخزة الضمير تجاه ماساهمت به يديها من خطايا بحق شعب العراق والأمة العربية والأنسانية ، وخاصة أذا شعرت هذه القيادات أنها باتت قريبة من قدرها وأنها ستواجه ربها لتترك خلفها أمام الله والشعب الحقيقة مكتوبة أو منقولة لأحد من ألامناء على الأسرار ، ظهرت العديد من المذكرات التي تكشف خفايا وأسرار ارتباطات وأسماء وعلاقات مشبوهة ، وأذا كنا نريد أن ننتقي أكثرها قرباً الى القرار السياسي البعثي وتأثيراً في سلطة البعث ، فأن قياديين غابوا وغابت معهم أسرارهم وأسماء عديدة أنتحر بعضهم وتم تغييب الآخربشتى الأساليب والطرق وأنتهت اسماء دون سبب ونسي الناس أسماء أخرى لتعمد السلطة أن تجعلهم منسيين وغائبين عن الذاكرة العراقية ، وبقيت أمامنا مذكرات لعدد من القياديين البعثيين الذين تركوا بصماتهم على حركة وتاريخ الحزب والسلطة في العراق ، وخصوصاً المذكرات التي كتبها الراحل هاني الفكيكي والراحل طالب شبيب وهما من اعلى القيادات الحزبية في تاريخ حزب البعث العراقي أذ كان كلاهما عضوين في القيادة القطرية للحزب ، ولكن بعض المصادر التاريخية والتي أشارت الى وجود علاقات مبهمة وسرية ويحيطها الغموض لم تكشفها الدوائر التي تعاملت مع هذا الحزب بالرغم من تبجح بعض القياديين أن لاشيء نشر بهذا الصدد لحد الآن ، في حين أن لغز أختفاء بعض الأشخاص من المتعاملين مع الدوائر الأستخبارية الأجنبية من الوجود دون أن يتعرف أحد على مصيرهم أو الأستعجال في قتل بعض منهم دون سبب مقنع ودون تبرير للدافع الحقيقي للقتل المستعجل والسريع ليؤكد بما لايقبل الشك أن جهة ما تريد التخلص من هذه الأسماء حتى يبقى دورها سراً محيراً ولغزاً من الغاز العلاقة بين البعث والمخابرات الأجنبية ودورها في العراق .
والأسماء التي تتناولها الحلقات الثلاث على سبيل المثال لاالحصر ، فثمة معلومات أخرى سيكشفها المنقبين في زوايا التاريخ العراقي ، وسيكشفها الزمن والأجيال اللاحقة وماستكشفه دوائر المخابرات الأجنبية بعد مرور فترة محددة عليها ، بالأضافة وهي الأهم تأنيب الضمير وأعترافات المعنيين كشهادة واضحة من شهادات تاريخ العراق السياسي المعاصر .

أيليا زغيب من اصل لبناني ويحمل الجنسية الأمريكية وهو صديق شخصي مقرب جداً من ميشيل عفلق ويزيد من تقاربهما كونهما من مذهب واحد ومدرسة واحدة ، وكان زغيب على علاقة شخصية بعراقيين منهم على سبيل المثال السيد فيصل حبيب الخيزران الذي كان يقيم في بيروت في الخمسينات ومن خلاله استطاع التعرف على عدد من الطلبة والسياسيين العراقيين ، وكان زغيب حينها يقوم بالعمل في المركز الثقافي الأمريكي ببيروت ، ويهتم بقضايا المنطقة العربية ويتابعها بأهتمام من خلال تقاريره المرفوعة للمركز عن هذه القضايا حسب ماتقتضيه مهمته المناطة به في المركز المذكور .
ومن ضمن أهتماماته الأطلاع على شؤون المنطقة العربية والقضايا والمشاكل التي يعاني منها العراق بشكل خاص ومتابعتها بشكل دقيق ومعرفة الواقع السياسي العراقي ، وكان زغيب يتعاطف مع افكار ميشيل عفلق وافكار البعث دون ان يكون قائداً ميدانياً او أن يكون واجهة قيادية من شخصيات البعث ودون أن يجازف بالأنتساب الى هذا الحزب .
ومن ضمن أهتمامات السيد زغيب أقامة العلاقات الوطيدة مع الطلبة الدارسين أو المتواجدين على الساحة اللبنانية من العراقيين في تلك الفترة سواء منهم السياسيين او غيرهم ، ومن اجل التوصل الى أقامة مثل هذه العلاقة ينبغي على السيد زغيب أقامة الدعوات والحفلات ( الخاصة ) لجذب أهتمام وانتباه العراقيين في بيروت . ومن خلال تلك الدعوات يسحب السيد زغيب المعلومات والأخبار والمستجدات عن الأوضاع العراقية بأساليب ناعمة ودون أن تنكسف نيته للمقابل .

كان السيد ايليا زغيب يعمل في هذه المؤسسة الأمريكية ذات الواجهة الثقافية في بيروت قبل انتقاله للعمل في الجامعة ، وهذه المؤسسة تدور الأقاويل والشكوك حول عملها الأستخباري ومهمتها السياسية لصالح المخابرات المركزية في المنطقة ومقرها بيروت ، ولم يكن السيد زغيب سوى عامل فاعل ضمن هذه المؤسسة ويتحرك بالتناغم والأنسجام معها ، وعلى هذا الأساس تم تكليفه بالأتصال بالطلبة والسياسيين القوميين العراقيين والعرب في بيروت ومعرفة افكارهم ومايدور في مخيلتهم من خلال الحفلات والدعوات التي يقيمها في شقته المستأجرة له من قبل المؤسسة الثقافية الأمريكية التي كانت تعمل للحد من انتشار النشاط الماركسي الشيوعي في المنطقة ، هذا الفكر الذي بدأ يأخذ مساحة كبيرة بين أوساط الناس في الأقطار العربية بالنظر لانتشار مجاميع الفقراء والمعدمين والعمال والفلاحين والمضطهدين طبقياً وأجتماعياً ودينياً في هذه البلدان ، ويسكن السيد زغيب الشقة التي يقيم فيها دعواته والتي غالباً ماسكنها السيد ميشيل عفلق الذي تعرف عليه عن طريق المسؤول الاقليمي لوكالة المخابرات المركزية في الشرق الأوسط الذي حضر الى بيروت اكثر من مرة واجتمع بالسيدين زغيب وعفلق أجتماعات مغلقة تم تدوينها في محاضر المؤسسة ، غير أن السيد زغيب تحدث بها الى احد الدارسين العراقيين بعد انقلاب 8 شباط 63 في العراق قبل ان يختفي نهائياً .
وكثيراً ماكان يحضر السيد ميشيل عفلق تلك الأجتماعات والحفلات ويتعرف على الموجودين ضمن تلك الدعوات من العراقيين ، ومن الأسماء التي دعيت الى مثل تلك الدعوات وحضرها كل من السيد سعدون حمادي لولاح ( الذي اطلقت القوات الأمريكية التي تحتل العراق الآن سراحه دون باقي المتهمين من أقطاب العهد الصدامي البائد) والسيد هاني الفكيكي وأديب الجادر والسيد طالب شبيب وفيصل حبيب الخيزران والسيد ناصر الحاني والسيد خير الدين حسيب وآخرين غيرهم من قيادات البعث أو من القوميين أو من الذين أسسوا حركة البعث في العراق .
يقول المرحوم طالب شبيب في كتاب علي كريم سعيد عراق 8 شباط 63 الصفحة 270 :
(( كنا نتهامس انا وأديب الجادر ونلمح لبعضنا بشكوك حول احتمال أن تكون للرجل علاقة بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية ، بل وصلنا الى قناعة بانه لايمكن ان يكون بعيداً عن ذلك )) .
استغل السيد أيليا زغيب الأجواء السياسية والثقافية في بيروت في فترة الخمسينات وتواجد أعداد من العراقيين وأكثرهم من الطبقات المتمكنة مادياً ومن ابناء الأثرياء والأقطاعيين والموظفين الكبار في المملكة العراقية ليعمل بين اوساطهم دون ان يلمس أي أستياء أو استغراب وأستهجان بالنظر للأسلوب الذكي والدقيق في العمل وبالتنسيق مع ميشيل عفلق الذي كان يتنقل ضمن الدائرة التي يرسمها ايليا زغيب لهوبالنظر للنزعات القومية والوطنية التي تطغي على مشاعر المذكورين ، حتى أن الرجل أمتثل لأمر أيليا زغيب بتغيير مسكنه حيث رفض عفلق السكن مع أي من الطلاب والسياسيين العراقيين والعرب عند بحث قضية تغيير مسكنه حفاظاً على سرية المسكن من المكتب الثاني للمخابرات السورية واللبنانية وفضل السكن مع عرابه وزميله ايليا زغيب في منطقة ( برمانا ) .
وبقيت علاقة زغيب مستمرة مع تنظيمات حزب البعث الجديدة دون ان تكون له صفة حزبية او قيادية معروفة ، غير أن للرجل تأثير شخصي كبير على مؤسس حزب البعث ، فقد أشار أكثر من كاتب وباحث الى هذا الأمر وكون عفلق كان ينقاد الى تعليمات أيليا زغيب بشكل ملحوظ وواضح .
ولهذا فقد اصبح السيد زغيب حلقة الوصل بين القيادة القومية لحزب البعث وبين القيادات العراقية في بيروت دون أن تسأل هذه القيادات نفسها عن علاقة زغيب بهذه المهمة أو عن الدرجة الحزبية التي يشغلها زغيب في التنظيم أو صفته السياسية ، وكان السيد طالب شبيب هو صلة الوصل بين التنظيم وبين ايليا زغيب في بغداد وفق ماذكره الكاتب علي كريم سعيد في كتابه ( من حوار المفاهيم الى حوار الدم ) الصفحة 271 .
وقبل قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق تقدم السيد ايليا زغيب بطلب الى الحكومة العراقية عارضاً خدماته كأستاذ جامعي للمساهمة في عملية النهوض العلمي للحكومة العراقية كما ورد بطلبه المقدم الى الجامعة ، وحقاً كانت الكليات والجامعة العراقية تشكو من قلة الكادر العلمي فتم قبول طلبه ، وحضر الى بغداد للعمل منتدبا من الجامعة اللبنانية كأستاذ جامعي في جامعة بغداد .
وبقي السيد أيليا زغيب يتحرك بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 وأزدادت أتصالاته بأسماء محددة ومعروفة ومؤثرة في حركة البعث في العراق .
وبقي السيد زغيب يتحرك في بغداد ويكثر من اتصالاته بالأسماء التي حفظها وأنتقاها من خلال علاقاته بالدارسين والسياسيين في بيروت مستغلاً سهولة حركته وقدرته على التنقل في بغداد التي تعج بالتطاحن السياسي وأختلاط العديد من الأمور مستغلاً علاقته بالسيد طالب شبيب وبعض الأسماء العراقية في تغطية الحركة ومد جسور العلاقات مع بعض الأوساط في العاصمة العراقية ، غير أن السيد زغيب لم يغب عن بال الأمن العراقي ومديرية الأستخبارات العسكرية حيث كان تحت الرصد الدقيق في حركته وأتصالاته وعلاقاته بالأسماء المشبوهة بالتعامل مع المخابرات المركزية التي يتصل بها ، حيث تم اعداد ملفين له ممتلئة بالتقارير الأمنية التي تشير وتؤكد علاقة الرجل بالمخابرات المركزية ، وقد اكد هذه المعلومات المرحوم هاني الفكيكي في كتابه اوكار الهزيمة ، وقد عرضت التقارير على عبد الكريم قاسم باعتباره القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع الا انه اوصى بتشديد المراقبة عليه ورفع المعلومات عنه بدقه وأبقاءه في العراق وأستمرار تعاقده مع جامعة بغداد ، ربما كان قاسم يريد أن يتم القبض على زغيب متلبساً بالجرم المشهود .
كانت التقارير تشير الى أن للسيد ايليا زغيب علاقات وطيدة مع اربعة اشخاص في العراق يزورهم في بيوتهم ، اتضح أن الأسماء هم صالح مهدي عماش ومحمد المهداوي وناصر الحاني وعلي عبد السلام ، الأخير كان من اهالي منصورية الجبل ويتردد على بغداد ولم يتعرف احد على المكان الذي يقيم فيه وسنفرد حلقة خاصة للتحدث عنه تفصيليا .
بقيت حركة ايليا زغيب مرصودة ولم يتم الغاء عقده في جامعة بغداد ، غير انه غاب عن الدوام في الجامعة دون ان يشير احد ما اذا كان قد غادر العراق من عدمه فأنذرته الجامعة بأعلان في الصحف العراقية بلزوم الدوام وبعكسه يعتبر مستقيلاً من العمل وهو ما صار عملياً ، حتى حدوث انقلاب شباط 1963 .
القادة البعثيين ممن لم يخشوا الحقيقة ادلوا بشهادتهم عن ايليا زغيب ، فقد سرد السيد هاني الفكيكي في كتابه ( أوكار الهزيمة ) ماعرفه وماتجمعت لديه من شكوك بحق الرجل ، كما أفاد بمثل هذا الأمر االسيد طالب شبيب في مذكراته ضمن كتاب الدكتور علي كريم سعيد عراق 8 شباط 63 ، الا أن السيد حازم جواد القيادي السابق في البعث العراقي لم يشأ أن يذكر السيد ايليا زغيب بخير أو بشر بالرغم من معرفته الوثيقة بالرجل وأجتماعه به مرات عدة سواء في بيروت أو في بغداد وبالرغم من معرفته بأسرار كثيرة تخص الرجل الا انه آثر التغطية وتجاوز التحدث عنه ، الا أنه قام بسرد علاقة علي عبد السلام المشبوهة بصدام التكريتي حين أقدما بمصاحبة السيد حاتم حمدان العزاوي لمقابلة القنصل البريطاني في البصرة قبل حصول انقلاب 17 تموز 1968 ، والحقيقة التي يخشى السيد حازم جواد أن يذكرها أن المقابلة جرت في البصرة بحضور صدام كممثل لحزب البعث ( الجناح اليميني في العراق ) وعلي عبد السلام بأعتباره خيط الأرتباط بين المخابرات البريطانية وجماعة البعث في العراق في حين بقي حاتم حمدان العزاوي في مقهى البدر المطلة على شط العرب في منطقة كورنيش البصرة ينتظر قدومهما مايشير الى تدخل المخابرات البريطانية في الأنقلاب الذي جاء به وزيراً في السلطة ، وكونه يمثل جزء من منظومة العاملين تحت هذه الذريعة وهذا السبب .
وبأمكان السيد حاتم حمدان العزاوي الذي عمل مع صدام رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية ، وكان من المساهمين في عملية اغتيال عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد عام 59 والتي فشلت بعد أصابته بأطلاقه في يده ، أن يدلي بشهادته بالوقت الحاضر وخصوصاً انه في ايامه الأخيرة لأصابته بالسرطان قبل أن يترك الدنيا ويواجه ربه بدلا من أن يكتم الحق فيعذبه الله وتلعنه الأجيال العراقية القادمة ، مع أن الأخبار تشير الى كتابته أعترافاً خطياً بهذا الشأن أودعه لدى زوجته لنشره بعد رحيله والله اعلم .
وحين نجح انقلاب شباط 63 وجد الأنقلابيون ملفاً على طاولة الزعيم عبد الكريم قاسم بوزارة الدفاع يخص الدكتور ايليا زغيب الأستاذ اللبناني المنتدب للتدريس في العراق ، فحولوا الملف الى لجنة مشكلة من المقدم محمد يوسف طه والمقدم علي عريم وجعفر قاسم حمودي لدراسة ماورد في الملف من تقارير وأدلة وتقديم خلاصة ورأي به الى المجلس الوطني لقيادة الثورة ، وبقي الملف لدى جعفر قاسم حمودي حتى قيام انقلاب 18 تشرين الثاني 63 وبعده اختفى الملف !! دون ان يعرف احد سر اختفاء الأضبارة وتوفي جعفر قاسم حمودي بعد ان تم اقصاءه وتحجيم دوره الى درجة النسيان !!
وخلال حكم البعث بعد انقلاب شباط 63 تنقل ايليا زغيب بين القيادات البعثية في بغداد ، وكانت علاقته بصالح مهدي عماش وطيدة ، وكان للرجل دور مهم في تفقد القيادات البعثية والألتقاء بها وأهمية الأشخاص الذين يتصل بهم بحكم ارتباطه بأجهزة المخابرات الاجنبية التي تتطلب مدها بالمعلومات والتحليلات والمستجدات في الساحة العراقية ، وبقي يستخدم اساليب استثنائية في التقرب اليهم وادامة الصلة بهم ومدهم بالأفكار والخطط التي يراها من وجهة نظره لصالح سلطة البعث في العراق وأدامة السيطرة على السلطة .
وحين افتضح امر ارتباطه وعلاقاته المشبوهه لشريحة كبيرة من العراقيين التي بدأت تتناقل القصص والأشاعات والأقاويل عن أرتباط ايليا زغيب بالمخابرات الأمريكية ، وحين افتضح امره بالرغم من حالة الفوضى التي كانت تعيشها قوات الحرس القومي والأجهزة الأمنية في العراق حيث تفرغت تماماً لملاحقة وقتل الشيوعيين ، بادر كل من علي صالح السعدي وهاني الفكيكي بالأتصال بطالب شبيب الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية شارحين له ماتوفر لهما من معلومات دامغة تؤكد تعامل الرجل مع المخابرات الأمريكية ، وطلبا منه العمل للقبض على ايليا زغيب ، لكن طالب شبيب طلب امهاله فترة من الزمن للتأكد من صحة المعلومات !! دون أن يبرر سبب منطقي لهذه الفترة والمماطلة متحججاً بوجود اجتماع لديه مع بعض السفراء في ذلك الوقت ، والغريب في هذا الأتصال الذي اكده كل من الفكيكي وطالب شبيب وعلي السعدي أن الأمر لايتعلق بوزارة الخارجية للقبض على مشتبه به سيما وأن علي صالح السعدي وزيراً للداخلية ونائباً لرئيس الوزراء وقيادي من قيادات البعث بالأضافة الى كون الفكيكي من قيادات البعث وبأمكانهما أن يوعزا لأي سيطرة من سيطرات الحرس القومي للقبض على المشتبه به ، غير انهما لم يقدما على ذلك مالم يطلبا الأذن من السيد شبيب ؟؟ دون أن يذكرا سبب ذلك صراحة ، ولم يتم القبض أو التحقيق مع السيد أيليا زغيب ، أذ غادر الدكتور أيلي زغيب بنفس اليوم عن الطريق البري عبر منطقة الحدود العراقية – الرطبة – الأجفور بالرغم من الأيعاز بمنعه من السفرمن وزارة الداخلية لاحقاً وخرج عبر المنافذ الحدودية للعراق ، و دون أن تتمكن السلطات العراقية من أعتقاله ، مما يوحي أن خبراً تسرب الى السيد زغيب بسرعة يطلب منه المغادرة والنفاذ بجلده بعد افتضاح امره ، فتم له النفاذ من المنفذ البري ، ودون أن يتم تسجيل أسمه في سجلات المغادرة للمسافرين عبر المنفذ الأردني ليختفي الى الأبد ودون أن يعرف عنه مكان ، سوى أن اشاعات انطلقت أنه اجتمع لاحقاً بميشيل عفلق في البرازيل مرة أخرى ليختفي مطلقاً بعد ان ارسل توصيته الأخيرة بأعتماد الدكتور اللبناني الياس فرح بديلاً عنه في القيادة القومية للحزب البعثي العراقي ومن ثم مفكراً قومياً للتنظير في هذا الحزب فكان له ما اراد .
كان ظهور ايليا زغيب واختفاءه سر من اسرار العلاقة البعثية وقضية استلام السلطة التي كان زغيب كثيراً مايتحدث عنها ، وكان اللغز الأكثر حيرة أن جميع من أرتبط بهم زغيب أصبحوا قياديين في السلطة والبعث في العراق ، وأن التقارير المحفوظة في مديرية الأمن العامة العراقية والأضابير المتفرعة عنها لدى جهاز الاستخبارات العراقي قد اختفت برمتها ، حتى أن كاتباً رصيناً مثل حنا بطاطو خاض في تفاصيل تاريخ العراق السياسي لم يتطرق الى قضية أيليا زغيب ، بالأضافة الى أختفاء الملف الذي استلمته اللجنة التي شكلتها قيادة البعث من جعفر قاسم حمودي ومحمد يوسف طه والمقدم علي عريم عند العثور على ملف زغيب فوق طاولة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة يوم 9 شباط 6391 عبد الكريم قاسم مع مرفقها تقارير الأمن التي تفيد بثبوت قناعة الأمن العراقي كون الرجل كان جاسوساً للمخابرات الأمريكية ، وكانت التقارير تشير الى علاقة زغيب بقيادات البعث العراقية وتطلب من قاسم اعتقاله أو ابعاده عن العراق ، غير أن عبد الكريم قاسم علق على بعض التقارير بخطه مايفيد أن يتم أبقاءه تحت المراقبة الدقيقة .
وفي كتاب ( اوكار الهزيمة ) للمرحوم هاني الفكيكي أشارة واضحة الى اتهام طالب شبيب بتسريب خبر نية القيادة اعتقال ايليا زغيب الذي قلل من شأن التقارير الأمنية المرفوعة عنه وعدم التسرع في تصديق كل ماتكتبه هذه الاجهزة ، وطلب تأجيل البت في الأمر ، حتى حانت الفرصة لزغيب للأفلات من قبضة العراقيين بالرغم من منعه من السفر خارج العراق .
كان السيد ايليا زغيب سراً من أسرار بيروت وبدأ ينفذ كالسهم ضمن تنظيمات البعث من خلال ميشيل عفلق وكان ساعده الأيمن في التخطيط ورفيق رحله عمله السياسي ، وكان حضوره الى بغداد قبل ثورة 14 تموز 1958 منتدباً للعمل كأستاذ زائر في جامعة بغداد ليس سراً يماط اللثام عنه وعن اسبابه ودوافعه الحقيقية ، كما كان عمله ومهماته في بغداد طيلة الفترة من أنتدابه عام 57 ولغاية مغادرته العراق بعد انقلاب شباط 1963 بأشهر أيضاً فترة تكتنفها الأسرار والغموض .
كان السيد ايليا زغيب سراً من أسرار العلاقة المبهمة مع قيادات البعث وحقيقة يحاول العديد من القياديين البعثيين ان ينفوها أو يقللوا من أهميتها أو يتفادوا الأشارة اليها دون أن يجدوا مايسند نفيهم أمام الأسانيد والوقائع والتقارير والشهادات التي تحضر عند الأشارة الى أرتباطات الرجل المشبوهة والمغلفة بالكتمان ، حتى أن القائد المؤسس للبعث ميشيل عفلق لم يذكره أو يتذكره مطلقاً في أي مناسبة علنية أو صريحة في مذكراته أو تصريحاته .
بعض ممن كتب بضمير مفتوح وبردة فعل من يشعر بتأنيب الضمير أورد أسم زغيب والملابسات التي احاطت أرتباطاته والشكوك التي دارت حوله وكونه ضمن دائرة الشك والأتهام في قضية عمله لصالح المخابرات الامريكية ومنهم المرحوم الفكيكي والمرحوم طالب شبيب في مذكراتهما ، اما البعض فقد بلع اسمه عبر المذكرات ولم يشأ أن يتذكره معتقداً أن الذاكرة الجمعية العراقية كانت قد نسيت الرجل وأن التاريخ لم يعد يتذكره فأقدم على تناسيه وغض الطرف عنه وعن علاقته المريبة والممتلئة بالأستفهام كما فعل السيد حازم جواد في مذكراته المنشورة بجريدة الحياة مؤخراً .
وعليه فقد جاء زغيب الى العراق ورحل عنه دون ان يتعرف احد على الجهة التي رحل اليها ودون ان نتعرف على المكان الذي حل فيه وما أذا كان حياً أو ميتاً فقد كانت الجهة الوحيدة التي تعرف بحقيقيته الجهة التي عمل لحسابها ووظفته لصالحها بالأضافة الى معرفة السيد ميشيل عفلق بمكان اقامته .
لم يعرف عن السيد ايليا زغيب انه ارتاد نادياً اجتماعياً أو مقهى أو حفل أو مكان عام في بغداد ، ولم يعرف أنه شوهد في الأماكن العامة ، الا انه كان يرتاد اماكن النخبة في الفنادق التي يرتادها السفراء والقناصل وكبار القوم ، كما شوهد غيرمرة يدخل نادي العلوية صحبة شخصين لم يستطع أحد التعرف عليهما أو مشاهدتهما مرة أخرى ، غير أن السيد زغيب زعم انهما من أقرباءه حضرا اليه من بيروت في اعمال تجارية .


**************
( علي عبد السلام )
زهير كاظم عبود

علي عبد السلام ( الملقب ابو ربيع ) اللغز المحير الآخر بعد ايليا زغيب في حزب البعث العراقي ، وكان الرجل معروفاً في منطقة المنصورية ( منصورية الجبل التابعة الى قضـــاء جلولاء الواقعة في منطقة الشمال الشرقي من بغداد بالقرب من الحدود الآيرانية ) بأمتهانه التهريب في المنطقة بكل انواعه الى آيران ، ولم يعرف عنه نشاط سياسي أو أنتماء الى حزب عراقي في منطقته ، غير انه معروف بعداءه الشديد وغير المبرر للحزب الشيوعي العراقي ، وهذا الرجل كان المحرك الفعلي لمجموعة حزب البعث في المنطقة دون ان يستلم مركزاً قيادياً في التنظيم بل ودون ان يثبت انه ارتبط بالتنظيم الحزبي البعثي يوما ما ، ويمكن أن نطلق عليه صفة الصديق والمساند للحزب غير أن الحقيقة غير ذلك ، وكان للرجل دور معروف ومميز في حركة العقيد عبد الوهاب الشواف في مدينة الموصل برغم كونه من غير ابناء الموصل ومن غير العسكريين ودون أن يرتبط بأية علاقة صداقة بالشواف أو ضباطه من قادة الحركة ، غير انه كان يعرفهم جميعاً معرفة دقيقة وتفصيلية ، وكان المسؤول عن استلام أجهزة الأذاعة التي سلمتها المخابرات البريطانية صحبة مهندس بريطاني للعمل في بث الأناشيد والبيانات الخاصة بحركة الشواف بأعتبارها مرسلة من الجمهورية العربية المتحدة عبر أقليم سوريا ، وكان قد قدم الى الموصل قبل الحركة بشهر واحد حيث أقام في الدار الخاصة بمعاون مدير أمن الموصل في حينه ، و بقي في الموصل بعد فشل الحركة بفترة مختفياً في بيوتات عدد من اهالي الموصل المتعاطفين مع حركة الشواف ، وأشرف على عمليات التصفية الجسدية لعدد من المواطنين في المدينة ثم غادر الموصل بأتجاه الحدود السورية بالتعاون وتسهيل من شيوخ العشائر المتعاطفين مع حركة الشواف والمعارضين للحكم الوطني في العراق ، حيث تم استقباله عند الحدود القريبة من مدينة البعاج ( احد أقضية الموصل القريبة من الحدود العراقية – السورية ) التي سلكها في الهروب الى سورية ، وعند لجوءه في سورية عمد مكتب المخابرات الخارجي الى اعتماد تقاريره واعتباره مصدراً معلوماتيا مهما ووثيقاً ، وكانت تزكيته كافية لقبول لجوء المواطن العراقي في سورية ، وكان على علاقة وطيدة بالسيد فيصل حبيب الخيزران وعلي صالح السعدي وعلى اتصال مستمر لم ينقطع بأحمد حسن البكر وبطاهر يحيى التكريتي بالأضافة الى علاقاته بأكثر قادة الفرق والوزراء في عهد عبد السلام محمد عارف بما فيهم رئيس الجمهورية ، وكان يرتبط بعلاقة خاصة بصدام التكريتي في سورية حين كان لاجئا ثم تطورت العلاقة بينه وبين طارق عزيز وامتدت الى صدام حين سافر لاجئا الى مصر وبقيت هذه العلاقة مستمرة حتى نهايته المأساوية غير المأسوف عليها ، وكانت علاقاته الواسعة غير المحدودة تشير الى مكانته وقدرته على الحركة وجمع المعلومات والربط والتأثير ، وبالأضافة الى كل هذا يتميز بشخصية اجتماعية وهو بالأضافة الى ذلك كريم ومضياف وله العديد من الصفات الشخصية الأيجابية ، و ورد اسمه كثيراً خلال محاكمات المتهمين بحركة الشواف في محكمة الشعب ( المحكمة العسكرية العليا الخاصة في وزارة الدفاع التي يترأسها العقيد فاضل عباس المهداوي ) ، ويبدو ان له دورا بارزاً ومهما في الحركة ، وبعد نجاح انقلاب شباط 63 عاد الى العراق حيث منحه احمد حسن البكر رئيس الوزراء وبموافقة عبد السلام عارف رئيس الجمهورية والمجلس الوطني لقيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث العراقي رتبة ( رائد – رئيس ) في الجيش العراقي دون ان يكون علي عبد السلام قد ادى الخدمة الألزامية المقررة على كل مواطن عراقي ، ودون ان يعرف عنه انه يحمل شهادة الدراسة الابتدائية ، وقد شوهد في بغداد وهو يرتدي الزي العسكري ويحمل رتبة رائد في الجيش العراقي ، وبعد نجاح حركة عبد السلام عارف في تشرين الثاني 1963 ضد البعثيين وأقصاء العديد من الضباط لم يجر اقصاء علي عبد السلام لامن رتبته ولامن مكانته اذ بقي يتمتع بكل الحقوق التي تم منحه اياها ، و شوهد وهو يعلق رتبة عقيد فوق كتفيه حينذاك ويراجع رئاسة الجمهورية لأستلام راتبه الشهري ، وبقي يتوسط للبعثيين لدى دوائر الأمن والأستخبارات العسكرية للتخفيف عنهم اثناء التحقيق وأخلاء سبيل من يستطيع ذلك ، وتمكن من اعادة العديد من ضباط الجيش العراقي من البعثيين الى الخدمة بعد أنقلاب تشرين 63 ، كان يمتلك شقة صغيرة في مدينة البصرة خلف ملهى الوطني الواقع في شارع الوطني يرتادها حين يزور مدينة البصرة وتبقى فارغة دون شاغل في فترة غيابه ، وتم تكليف مدير شرطة البصرة بالمحافظة عليها بأيعاز من قبل الداخلية والشرطة العامة في بغداد ، ولعل الشقة المذكورة كانت وكرأ من أوكار الأجتماعات التجسسية أو المكان الذي يلتقي به القنصل أو المسؤول الأمني في القنصلية البريطانية في مدينة البصرة ، وقد كان علي عبد السلام الى جانب احمد حسن البكر وزمرته اليمينية عند حدوث الأنشقاق البعثي الشهير في المؤتمر السادس حين تم طرد عفلق والبكرومجموعته .
كان لعلي عبد السلام دور مهم في محاربة وملاحقة البعثيين من الجناح اليساري التابع لقيادة سورية المناويء للبكر وصدام ، وكان له الدور المهم في السيطرة على المطبعة الحزبية والدلالة على الوكر الذي كان يضم أجهزة الطباعة ومستلزماتها في دار بمنطقة الكسرة في الأعظمية ببغداد ، وفي موقف تم رفض وساطة علي عبد السلام في قضية خاصة كلفه بها صدام والبكر لم يتم تنفيذها من قبل مدير الأمن العام السيد انور ثامر ولم يشأ السيد طاهر يحيى أن يتدخل بها مما حدا بالسيد علي عبد السلام الى نزع ملابسه العسكرية ورتبته ووضعها في كيس ارسله الى عبد السلام عارف والتحق بمجموعة صدام التي تخصصت في عمليات التصدي والأغتيال للمناوئين من حزب البعث والأحزاب الأخرى ، وبعد نجاح انقلاب 17 تموز 68 كان علي عبد السلام يرتدي بزة عسكرية دون رتبة وكان ضمن مجموعة جهاز حنين وتحت مسؤوليته كل من سعدون شاكر وحسن المطيري ، وأرتكب الرجل خلال عمليات مواجهة جرائم في تصفية بعض الشيوعيين من كلا الجناحين ( اللجنة المركزية والقيادة المركزية ) ، وبقي حتى تم اعتقاله بموقف منفرد بأمر من صدام شخصياً وبقي فترة ليست بالقصيرة تعرض خلالها الى تعذيب واهانات حيث حل ضيفاً في قصر النهاية ، ومن الطريف أن يقوم كل من سعدون شاكر وحسن المطيري بالأشراف على تعذيبة والتحقيق معه تحت أشراف صدام حسين شخصياً وهم جميعاً رفاقه في منظمة حنين وفي عمليات الأغتيالات والتصفية ، وقد كتب على ملفه ملاحظــة مهمة تفيد أن تقرير مصيره مرهون بأمر النائب (صدام التكريتي ) ، وبناء على توسط حماد شهاب وكان حينها وزيراً للدفاع والذي كانت له صله وثيقة وغامضة بعلي عبد السلام وبناء على الحاح احمد حسن البكر تم اخلاء سبيله بشروط قاسية وتعهد بأن لايثرثر ولايتحدث عما يعرفه من أسرار وكذلك يمتنع من أن يقابل السياسيين ولايتحدث عن ظروف اعتقاله ومن قام بالتحقيق معه وماذا يراد منه ؟ بعد أن كانت السلطات قد قلعت له جميع أسنانه ومارست التعذيب البشع على جسمه كما تم احضاره ليشاهد بشكل حي عملية قطع جسد سياسي يساري بالمنشار الكهربائي ، لغرض بث الخوف والروعة في نفسه ، الا أن علي عبد السلام لم يستطع الالتزام بكل هذا الأمر بعد خروجه من المعتقل حيث أن أزلام السلطة وعيونها التي انتشرت تراقب وتحصي أنفاس علي عبد السلام بدقة كانت له بالمرصاد ، يشير السيد حازم جواد في مذكراته المنشورة في جريدة الحياة ( الحلقة الأخيرة ) بصدد علي عبد السلام مايلي :
(( علي عبدالسلام , من منطقة منصورية الجبل شمال شرقي بعقوبة, وهي منطقة تعج بمعسكرات الجيش, وهو يعمل اما مزارعاً او راعي اغنام ومهرباً, وله علاقات وطيدة مع ضباط الجيش العراقي ويعرف كثيرين منهم. فجأة برز اسمه في حركة عبدالوهاب الشواف, وفي محاكمات المهداوي التي تلت الاعتقالات, وجاء لاجئاً هارباً الى سورية. تعرفت اليه هناك, فهو كان مع الشواف ومن قادة الحركة وساهم في تهريب بعض الاسلحة وايضاً اجهزة الارسال التي زودت الجمهورية المتحدة العقيد الشواف بها, وعندما جاء الى سورية جاء كزعيم سياسي.
جلست معه للتعارف فرأيته اكبر من حجمه بكثير, فمن هو وما هي كفاءته؟ لم نسمع بإسمه من قبل. ابتعدت عنه, وظل هو في سورية ويعتمد عليه "المكتب الثاني" الى ان عاد مع ثورة 14 رمضان, واذا بـ"ابو ربيع" يعرف رئيس اركان الجيش طاهر يحيى واحمد حسن البكر, وطبعاً في هذه الاثناء وبصفته لاجئاً في الجمهورية العربية المتحدة تعرف الى صدام وعلي السعدي وفيصل حبيب الخيزران وجميع البعثيين, وهو اجتماعي ويتنقل من بيت الى بيت, فصار شخصية معروفة. وفي 18 تشرين الثاني 1963 يقال انه كان يرتدي بزة رائد, ومع طاهر يحيى وايضاً مع مجموعة صدام حسين التي واجهت الحرس القومي عندما قرر عبدالسلام عارف مواجهتهم.
علي عبدالسلام كان مشتركاً متطوعاً. وبعدما استقر الوضع لعارف لم يقبل "ابو ربيع" الذي يرتدي بزة رائد. طرده, وطلب منه نزع البزة والرحيل وإلا سجنه. فنقم علي عبدالسلام على الرئيس عبدالسلام عارف, لكنه ابقى على علاقته بطاهر يحيى الذي عيّنه عبدالسلام عارف رئيساً للوزراء, ويبدو ان صدام في تلك الفترة كوّن علاقة معه, وكلّفه نقل بعض المعلومات او غير ذلك. لكن الحادثة التي نحن بصددها نرويها نقلاً عن حاتم حمدان العزاوي الذي كان هو ايضاً أحد اعضاء زمرة تنفيذ اغتيال عبدالكريم قاسم وكان هارباً الى القاهرة. يقول انه مطلع عام 1964 "فاتحني صدام لمرافقته الى البصرة مع علي عبدالسلام لأنهما يريدان مقابلة القنصل البريطاني وهو رافقهما وذهب متطوعاً. يبدو ان صدام كان يبغي طلب الحماية او وجود شهود, اذا حدث شيء. لا ادري لماذا لم يحضر العزاوي المقابلة.
بعدها انشق الحزب الى جناح يساري والى الحزب القومي الموالي للقيادة القومية, وهو الاصلي. وقسم من جماعة علي السعدي انشقوا واطلقوا على انفسهم الحزب اليساري وانضم اليهم حاتم حمدان العزاوي, وكتب تقريراً لقيادة الجناح عن تلك الحادثة. اخبر عنها قيادة تنظيم القطر, اي جناح علي السعدي, وعلم اعضاء هذا الجناح بهذه الواقعة, وسُجلت نقطة ضد صدام. عرفت هذه القصة متأخراً في عام 1968 او 1969. سمعتها من هاني الفكيكي ومن حميد خلخال الذي كان ايضاً متعاطفاً مع علي السعدي على رغم انه تركه بعدئذ وعاد الى الحزب القومي, وسمعتها ايضاً من عبدالستار الدوري, وعلمت ان الرسالة التي كتبها حمدان كانت محفوظة عند السيدة زوجة علي السعدي, ولسبب ما ولظروف الارهاب, أتلفت الرسالة مع وثائق التنظيم الاخرى, خوفاً من ان تقع في يدي صدام وجماعته, وهذه الرسالة عقوبتها الاعدام. الذي لم استطع فهمه في كل هذه القصة ان حاتم حمدان عاد الى التعاون مع صدام وعيّنه في فترة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية.
< هل يمكن ان يكون صدام اجتمع بالقنصل البريطاني مع علي عبدالسلام؟
ـ نعم, ويبدو ان علي عبدالسلام هو القائد او المدبّر وهنا الغموض. فعلي عبدالسلام (ابو ربيع) يعرف الضباط ويشترك في عملية الشواف ويذهب الى الجمهورية المتحدة ويعود. في بعض العمليات تكون الامور متشابكة. طبعاً هو لم يذهب الى الشواف بصفته عميلاً بل بصفته قومياً ضد عبدالكريم قاسم ومع عبدالسلام عارف, فماذا تسمي هذا؟ على كلٍ, بعد عام 1968 وفي حملة الارهاب التي بدأت, اعتقل علي عبدالسلام, وكان من جملة ضحايا قصر النهاية, ولم يعرف سبب هذا الاعتقال, وقبل عام 1968 كان علي عبدالسلام لولب هذه الحركة, وكان يدعو بعض الضباط الى داره, حتى انه في يوم ما كان حماد شهاب قطب المؤامرة وآمر اللواء المدرع العاشر, في دار علي عبدالسلام. )) . ( انتهى الأقتباس )
هذه شهادة بعثية من داخل قيادة التنظيم بعد ذلك فأن علي عبد السلام تم اعتقاله بعد نجاح أنقلاب عام 68 وتم تعذيبه دون أن يكون متهما بألانتساب الى حزب معادي أو جهة سياسية ، غير ان التحقيق كان يدور حول معلومات كان يمتلكها علي عبد السلام ماكان لها أن تبقى حية ويتم تداولها أو الخوض في النقاش بها ، وخلال التحقيق تم أقتلاع جميع أسنان عبد السلام وبقي فترة طويلة ، ثم قامت السلطات في زمن البكر بأطلاق سراحه ، غير انها لمست مدى خطورته في كشف بعض الأرتباطات مع الدوائر الأجنبية فعمدت الى أعتقاله مرة أخرى ، وحضر الى المعتقل صدام حسين بنفسه حيث اطلق رصاصتين من مسدسه داخل فمه ليريحه ويرتاح منه ومن ثرثرته حيث كان شاهداً على واحد من الأتصالات الممتلئة بالأسرار بين المسؤول البريطاني وبين صدام حسين قبل استلامه السلطة .
كان لعلي عبد السلام علاقات مع قيادات البعث في العراق ، كما أن الرجل حظي بأحترام وتقدير البعثيين العراقيين المتواجدين في سوريه بعد لجوءه اليها أثر فشل حركة العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل ، وقد تم منحه اللجوء السياسي ، وسكن في منطقة ابو رمانه بدمشق وهي مكان سكن الأثرياء والنخبة من الموظفين والقياديين السوريين ، وكانت شقته محل تجمع العراقيين من البعثيين .
والغريب أن المخابرات السورية كانت بالأضافة الى مراقبتها لشقة وتحركات السيد علي عبد السلام ، فانها كانت تشعره بهذه المراقبة بحجة المحافظة على حياته وحمايته ، وكان علي عبد السلام يعرف هذه الحقيقة التي طالما أفشاها لزواره .
والغريب أيضاً أن يحل السيد علي عبد السلام ضيفاً على معاون مدير أمن الموصل قبل قيام عبد الوهاب الشواف بحركته وعصيانه على سلطة عبد الكريم قاسم ويسكن في بيته قبل المباشرة بالحركة ، وكان يمثل حلقة الوصل بين الضباط العسكريين من البعثيين والقوميين وبين المدنيين المناوئين لسلطة عبد الكريم قاسم بالأضافة الى علاقاته بشيوخ العشائر في المنطقة مما جعله اللولب في هذه الحركة .
وبالرغم من الكتابات العديدة عن حركة الشواف وأسبابها ونتائجها الا ان قلة من الكتاب من تذكر اسم علي عبد السلام واهميته ودوره فيها .
وبقي سر علي عبد السلام من الأسرار الخفية داخل حزب البعث في العراق لم يلجها أحد ولم يتعرض لدراستها أحد ، وقد نجد العذر من أن الدراسات التي قدمت من بعض الباحثين كانت أثناء حكم البعث الصدامي التي لايمكن المجازفة بالتلميح أو الأشارة الى علي عبد السلام .



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقائق مخفية عن علاقة البعث - الجزء الثاني
- كردستان واسرائيل
- أين صار قانون السلامة الوطنية العراقي ؟
- الدماء الأيزيدية البريئة
- انهم يعودون مرة اخرى !!
- كردية اسمها شادمان
- حرب الأرهاب على فقراء العراق
- مستقبل العلاقات العراقية الكويتية
- حالة انعدام الجنسية
- هل ينتحر صدام ؟؟
- الدكتور كمال مظهر احمد
- هزائمنا وخيباتنا التي نحتفل بها
- محاكمة المتهم صدام وأعوانه - القسم الأول - من يختص بالتحقيق ...
- الفيدرالية واللعبة السياسية
- الجميع مدعو دون أستثناء
- ابو حمزة المصري يقع في المصيدة
- أين سيقف السيد حسن نصر الله ؟
- الأكراد سبب بلاء الدنيا
- ذكريات عبقة من الديوانية
- الكلمة حين تقاتل عبد المنعم الأعسم


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير كاظم عبود - حقائق مخفية عن علاقة البعث