أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد علي ثابت - الطريق إلى ثورة يناير - الجزء 1 من 2















المزيد.....

الطريق إلى ثورة يناير - الجزء 1 من 2


محمد علي ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 13:37
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


النظام المصري الحاكم الحالي لا يصدق أن مصر انتفضت ضده وثارت عليه ولقنته درساً هو بالتأكيد الأقسى في تاريخه وربما يكون الأخير فيه.. النظام كان يتصور أن المصريين استقالوا تماماً من الحياة السياسية أو ماتوا أو انقرضوا أو أصبحوا يستلذون العذاب والمعاناة ولا سبيل لديهم إلى الاعتراض عليهما والسعي للخلاص منهما. أو ربما كان رأس النظام يصدق أو يريد أن يصدق التقارير الكاذبة التي تُرفع إليه باستمرار من معاونيه المُضِلين التي كانت توهمه بأن كل شيء على ما يرام وأن الناس يعيشون في أحسن حال وأن الاقتصاد يسير من حسن إلى أحسن وأن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والإحصائيات الآخذة في التحسن هي بالفعل حقيقة ملموسة على الأرض وفي حياة المصريين.. ثورة الشباب المصري، والشعب المصري، بداية من 25 يناير جاءت مفاجئة تماماً لنظام الحكم في مصر. الثورة عقدت لسان النظام لعدة أيام وجعلته يتخبط وغير قادر حتى على الخروج المبكر إلى الناس قبل يوم الغضب الجمعة 28 يناير لامتصاص غضبهم ولو بإجراءات صورية ووعود وهمية أو بتقديم تنازلات حقيقية يتم الانتقاص منها لاحقاً عند التنفيذ.. النظام تعامل مع ثورة المصريين بشكل فيه استخفاف واستهزاء كبيران رغم أن كل الظروف المحيطة بالثورة والسابقة عليها كانت تحتِّم عليه التعامل معها بجدية ومحاولة وأدها في مهدها.. ثورة الشعب التونسي الناجحة، تصاعد الظلم والفقر والفساد والتعذيب والبطالة في مصر وتصاعد تذمُّر الناس من ذلك كله، التزوير السافر الفج لانتخابات مجلس الشعب الأخيرة، قيام أكثر من مصري بإحراق نفسه أو بمحاولة الانتحار حرقاً اعتراضاً وتظلماً في أكثر من محافظة مصرية بعد أحداث تونس، ونشر موعد الثورة المصرية على الفيسبوك وتحديده مسبقاً بيوم 25 يناير الموافق لعيد الشرطة ونشر أرقام هواتف محمولة ليتصل بها الراغبون في المشاركة في الثورة وهي أرقام كان كل مَن يتصل بها يجدها تعمل وكان يتلقى رداً ثم معاودة اتصال من نفس الأرقام في صبيحة يوم اندلاع الثورة لتحديد التفاصيل بعيداً عن أعين الأمن وآذانه.. كل تلك العوامل كان من المفروض أن تجعل النظام المصري يأخذ الثورة المصرية الوشيكة على محمل الجد وأن تجعله يأخذ خطوات استباقية جدية ضدها، لكن النظام – لحسن الحظ ولصالح مصر والمصريين – لم يتحرك ولم يصدق أن المصريين قد يثوروا ليتخلصوا من ظلمه وفساده وتزويره. النظام ربما أصابه جنون العظمة لدرجة أنه أصبح لا يتصور إمكانية إقدام الناس على خلعه أو إزاحته أو إهانته أو توجيه ضربات ساحقة له، أو ربما كان مخدوعاً أو يحب أن يتصور ويظن أن المعارضين هم بالفعل فئة قليلة "تتسلَّى" مثلما وصف رئيس الجمهورية المعارضين الذين همشهم النظام في الانتخابات الأخيرة والذين أسسوا برلماناً موازياً، حيث وصفهم مبارك أثناء خطابه أمام المجلس في ديسمبر الماضي، أي قبل اندلاع الثورة بنحو شهر واحد، بقوله: "خليهم يتسلّوا"، بالحرف الواحد

تلك المفاجأة التي أصابت النظام وزلزلت أركانه وأهانته أشد الإهانة وبدأت تكشف عوراته على الملأ أمام المصريين وأمام العالم وتجبره على تقديم التنازل تلو الآخر – تلك المفاجأة، رغم قوتها، لم تفلح في تلقين النظام المصري درساً أساسياً مفاده أنه يجب أن يعترف بالحقائق كما هي على الأرض لا كما يحب هو أن يراها. تلك المفاجأة لم تنجح في إقناع النظام بأنه كان مسؤولاً عما حدث أو كان المسؤول الرئيسي عنه، ولم تنجح حتى في لفت نظره إلى أن الثورة ضده كانت متوقعة جداً ووشيكة جداً ولازمة جداً وأنه كان الطرف الوحيد في مصر وربما خارجها الذي لم يكن يتوقعها أو يستشعرها. ولأنه نظام دأب على خداع شعبه وإرضاء غروره الذاتي عبر إعلامه الرسمي الكاذب الهزلي الكرتوني، فإن النظام سرعان ما راح – بعد انطلاق الثورة وبعد أن كادت تطيح برأسه وبرمزه إطاحة كلية – راح يوهم نفسه من جديد بأكذوبة أن كل ما حدث هو نتاج مخططات أجنبية وأن هناك أطرافاً في مصر تم تدريبها على تنفيذ "أجندات" معينة وتم تمويلها من أجل ذلك جيداً بل وإطعامها وجبات "كنتاكي" لقلب نظام الحكم وإشاعة الفوضى الخلَّاقة في مصر.. النظام المصري بلغ في الكذب والصلف وغرور القوة حداً لا يمكن تصوره أبداً، بلغ فيهما حداً مَرضياً بكل معاني الكلمة لدرجة أنه بات يتبنى نظرية سياسية تمر فيها التحولات السياسية عبر بوابات مطاعم الوجبات السريعة الأجنبية ولا يمارس السياسة الداخلية وفقاً لها إلا المأجورون من قِبل الخارج. وإذا كنا لا نستبعد كلياً أن تكون أطراف خارجية أو داخلية لها مصالح في تغيير النظام في مصر أو إحراجه وإضعافه قد سعت، سواء قبل ثورة يناير أو أثناءها، إلى زعزعة استقرار النظام، إلا أننا نرى أن تحميل أصحاب تلك "الأجندات" المسؤولية بالكامل عن ثورة المصريين إنما هو ضرب من ضروب العته السياسي والتمادي في الغش والتزييف وفي احتقار إرادة الشعب والاستهانة بها وبه. فالادعاء بأن المصريين لم يثوروا من تلقاء أنفسهم وإنما هناك أطراف خارجية وداخلية صاحبة مصالح وأجندات مغرضة هي التي دفعتهم إلى الثورة والخروج إلى الشارع بالملايين وبمنتهى الحماس لأكثر من أسبوعيْن متواصليْن حتى يومنا هذا للتظاهر ضد النظام والمطالبة بإسقاطه وبرحيل رئيسه – مثل هذا الادعاء لا يمكن أخذه أبداً على محمل الجد في بلد كمصر بوضعها الراهن وبالنظر إلى أحوالها وإلى جرائم حاكميها. فالظلم والفساد والفقر والبطالة والتعذيب في مصر هي كلها أمور بلغ فيها السيل الربى وأصبح ناكرها إما مجنوناً وإما مخدوعاً وإما مزوراً وقالباً لحقائق الأمور زيفاً. والأرجح أن النظام المصري ينتمي إلى الفئة الأخيرة، وهي الأسوأ

وإذا كانت إحدى القواعد الأساسية في تفسير الحوادث السياسية تقول "فتش عن المستفيد"، فإننا إذن مطالَبون – كيّ ننفي وندحض مزاعم النظام المصري بأن الثورة لم تكن عفوية ولم تكن سوى تجسيد على الأرض لأجندات حشد وإشاعة فوضى – فإننا مطالَبون بأن نحدد كافة الأطراف التي لها مصلحة في إسقاط النظام المصري والمرشحة للاستفادة من سقوطه أو ضعفه، ثم الحكم على مدى إمكانية قيامها فعلاً بحشد الجماهير على النحو الذي رأيناه ومازلنا نراه في ثورة المصريين الرائعة، والحكم من ثم على مدى صحة أن تكون قد قامت تلك الأطراف بذلك فعلاً. وسنفرد الجزء الأكبر من السطور التالية في هذا المقال – بجزءيه – لعملية التحديد والحكم هذه، لكن سيتم هذا بشكل مبدئي وغير موغل في التفاصيل لأن التحليل في هذا الصدد متشعب جداً خصوصاً وأن تفاعلات الثورة مازالت متواصلة على الأرض وزخمها لا يتراجع

فبالنظر إلى الساحة الداخلية في مصر، وإلى جانب القطاع الأكبر من الشعب المصري الذي عانى الأَمَرَّين في سنوات حكم مبارك والذي لعب بلا أدنى شك الدور الأكبر في إشعال الثورة دفاعاً عن مصالحه، نجد أن هناك أربعة أطراف أساسية تستفيد في حالة سقوط نظام مبارك أو ضعفه ولديها دافع للعمل من أجل ذلك. هذه الأطراف الأربعة هي: جماعة الأخوان المسلمون، وتيار التجديد أو الحرس الجديد في الحزب الوطني بقيادة جمال مبارك، والجيش المصري، واللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة السابق ونائب الرئيس الحالي

نبدأ بجماعة الأخوان المسلمون. فهي بالتأكيد لها مصلحة في الإطاحة بنظام مبارك لأنه يحاصرها ويضيِّق عليها ويعتقل أفرادها ويصادر أموالها ويعتبرها جماعة محظورة بل وقام مؤخراً بطردها بالكامل من مجلس الشعب الحالي بعد أن كان للجماعة 88 عضواً بالمجلس السابق. ومما لا شك فيه أن الجماعة لعبت دوراً لا يمكن إنكاره في تصاعد الأحداث في مصر وصولاً إلى الثورة وأن الجماعة ربما هي الطرف السياسي الأكثر استفادة من الثورة في أسبوعيْها الأوليْن حيث تم الاعتراف ضمنياً بها وتم إشراكها في المفاوضات الحالية مع اللواء سليمان نائب الرئيس بعد أن ناشد المشير طنطاوي وزير الدفاع المعتصمين في زيارة تفقدية له لميدان التحرير إقناع زملائهم من الأخوان بالمشاركة في الحوار، بل وبعد أن تمنَّعت الجماعة لأكثر من يوميْن ثم حددت شروطاً مسبقة للمشاركة في الحوار قبل بدئه وسقفاً زمنياً له بعد جولته الأولى بالنسبة لها.. لكن الأحداث على الأرض تقطع بأن دور الأخوان الأكبر لم يكن في التحضير للثورة بقدر ما كان في محاولة القفز عليها وتطويعها لمصلحة الجماعة بداية من جمعة الغضب 28 يناير، حين تأكدت الجماعة من أن مصر بصدد ثورة حقيقية تستحق التدخل الانتهازي من جانبها. فالجماعة لا تحب المجاهرة بمعاداة النظام في الشارع وتفضِّل تسيير مسيرات بالآلاف تضامناً مع سكان غزة على تسيير مظاهرات بالملايين اعتراضاً على سوء الأوضاع في مصر، ربما لأن تياراً قيادياً بارزاً في الجماعة يؤمن بالقومية الإسلامية أكثر مما يؤمن بالوطنية المصرية. كما أن هناك مؤشرات كثيرة تدل على وجود نوع من التنسيق المباشر أو التنسيق عبر وسيط بين الجماعة والحكومة في انتخابات مجلس الشعب 2005 وفي انتخابات العديد من النقابات المهنية البارزة مثل نقابة المحامين ونقابة الأطباء، وتلك المؤشرات لها بالتأكيد دلالات هامة. والأهم أن المشاركين في صنع الحدث على الفيسبوك لم يكونوا من الأخوان وأغلبهم ليس لهم انتماءات أصلاً وحتى الذين لهم انتماءات فإن انتماءاتهم كانت تميل إلى حزب الجبهة أو حركة 6 أبريل أو الجمعية الوطنية للتغيير وغيرها من الحركات وليس إلى الأخوان، وكذلك فإن المشاركين في الاعتصام في ميدان التحرير حتى ساعتنا هذه يؤكدون أنهم ليسوا كلهم من الأخوان وأن نسبة الأخوان بينهم ليست الغالبة وأنهم يشددون باستمرار على أن الثورة هي للشعب كله ولا يحق لأي تيار التحدث باسمها أو القفز عليها

أما تيار التجديد أو الحرس الجديد في الحزب الوطني، ذلك التيار الذي يتزعمه جمال مبارك وأعوانه وأصدقاؤه من رجال الأعمال سواء في وزارة أحمد نظيف أو في أمانة السياسات بالحزب الوطني أو من خارج الوزارة والأمانة، فهو تيار له مصلحة مؤكدة – وإن كانت ضمنية وغير ظاهرة – في رحيل نظام مبارك أو على الأقل في إحراجه وتشويه صورته. فموعد الانتخابات الرئاسية في سبتمبر يقترب ومبارك الأب لم يعلن بعد موقفه من الترشح فيها، ولكن مبارك الابن يعلم جيداً أن والده لا ينوي عدم الترشح – على عكس ما أعلنه الرئيس مضطراً بعد أحداث جمعة الغضب – لأن مبارك الأب قال في خطاب له ما يعنيه جيداً وينوي تنفيذه بالحرف من أنه سيظل في خدمة مصر حتى "آخر نفس" في صدره. وعليه، فالوقت يجري ومبارك الابن يتسرَّع الحصول على السلطة الشرفية الكاملة والوصول أخيراً إلى سُدة الرئاسة، بدعم ربما من والدته وبالتأكيد من جماعة المنتفعين المحيطة به، ولا سبيل إلى ذلك سوى برحيل الأب طوعاً عن الرئاسة في الانتخابات القادمة لأن اللجوء إلى العنف العائلي هنا غير وارد، والأب ونظامه العتيق قد يرحلان إذا تم تشويههما وإحراجهما في الشارع بشدة قبل أربعة أشهر من فتح باب الترشح للرئاسة، بحيث يبدو جمال مبارك وتياره كمجموعة من الإصلاحيين في مواجهة حرس قديم فاسد يكرهه الشعب بقيادة مبارك الأب. وربما يكون ذلك التحليل صحيحاً أو فيه بعض الصحة، وربما يكون جمال ومعاونوه وأصدقاؤه من رجال الأعمال الذين يستأجرون البلطجية في الانتخابات لإرهاب الناخبين المعارضين ويستأجرون البلطجية الذين يمتطون الخيل والجِمال لتأديب المتظاهرين في ميدان التحرير، ربما يكون جمال وفريقه هذا هم الذين دفعوا بشكل أو بآخر باتجاه تصاعد العضب في الشارع ضد نظام مبارك الأب بحيث يصبح الشاب الإصلاحي "دمث الخلق" جمال مبارك هو الخيار الطبيعي والأمثل من بعد حسني مبارك، ثم حدث عفوياً أن انقلب السحر على الساحر وخرجت الأمور عن السيطرة في الشارع وتحولت التظاهرات الرمزية المقصود منها مجرد توشه النظام و"قرص ودنه" إلى ثورة عارمة أطاحت ليس فقط بمبارك الأب – سواء الآن فوراً أو في سبتمبر القادم – ولكن أيضاً بمبارك الابن الذي بدأت كل مفاسده تنكشف هو ومجموعة اللصوص المحيطة به والذين بدأت محاكمة بعضهم الآن فعلاً.. ربما يكون هذا السيناريو صحيحاً، رغم ما فيه من غرائبية ولعب زائد على أوتار نظرية المؤامرة ورغم أنه يقتضي أن يكون جمال مبارك وفريقه على علم بسُبل الاقتراب من الشارع وفهمه وتحريكه، وهو ما تشهد السنوات العشر التي انقضت منذ ظهور جمال على الساحة السياسية بقوة بأنه ليس صحيحاً على الإطلاق لأن جمال وتياره بأكمله إما متعالون على الشعب وإما مكتفون بالتقارير التي تتحدث عن تحسن الأوضاع ولا يهمهم قياس أثر ذلك التحسن على أحوال الناس. وبالإضافة لذلك، فإن ما تشهد به تفاعلات الثورة منذ يومها الأول من أن صور جمال مبارك المنتشرة في الشوارع كانت تتعرض للتمزيق الحانق تماماً كصور أبيه وأن نصيبه من الشتائم والهتافات الهازئة لم يكن بأقل من نصيب أبيه، هذا مما يكاد يقطع بعدم صحة هذا السيناريو.. ولكن حتى لو كان هذا السيناريو صحيحاً فإننا لن نستطيع التأكد من ذلك، على الأقل الآن، لأن الأسرار الداخلية لآل بيت مبارك لم تبدأ في التكشُّف بالكامل حتى يومنا هذا

والطرف الثالث على الساحة الداخلية هو الجيش. فربما يكون الجيش المصري قد استشعر بشكل شبه يقيني أن مبارك الأب لم يعد قادراً من الناحيتين الصحية والذهنية على الاستمرار في حكم البلاد وأنه قرر تنفيذ سيناريو التوريث لمبارك الابن في سبتمبر المقبل، فقرر الجيش التحرك الاستباقي وإطاحة الاثنين معاً أو على الأقل إحراج مبارك الأب ووأد فرص مبارك الابن – غير المنتمي إلى العسكر – في تولي الرئاسة، بحيث يضمن الجيش أن الرئيس التالي سيكون – كالعادة منذ ثورة يوليو – عسكرياً. ولعل مما يدعم هذا السيناريو أن غاياته المفترضة قد تحققت تماماً بعد بضعة أيام فحسب من اندلاع الثورة بإعلان مبارك عدم الترشح للرئاسة من جديد وبتعيينه نائباً عسكرياً هو عمر سليمان ورئيس وزراء عسكرياً هو أحمد شفيق وباستحالة تولي جمال مبارك أي منصب تنفيذي في مصر إلى الأبد. وهكذا يبدو الجيش مستفيداً ضمنياً من الأحداث السياسية الأخيرة، بل ويبدو مستفيداً أيضاً من تراجع قوة ونفوذ الشرطة المصرية التي باتت تحظى بامتيازات ومنافع تفوق ما يحصل عليه الجيش وبات عدد أفرادها يفوق بأكثر من الضِعف عدد أفراد القوات المسلحة من الصف والاحتياط معاً. لكن هذا السيناريو أيضاً يبدو مستبعداً بدرجة كبيرة لعدة أسباب أهمها أن الجيش المصري أكثر نزاهة ووعياً ومسؤولية من أن يتورط في مثل تلك المؤامرات والحركات الرخيصة التي تؤذي البلاد بشدة في التحليل الأخير وتجعلها مكشوفة أمام الأعداء، فضلاً عن أن القيادة العليا للجيش المصري ممثلة في المشير حسين طنطاوي لا تحب ولا تجيد لعبة الظهور واستعراض القوة والنفوذ وإلا فلماذا لم يقفز المشير على الحكم ويعلن البيان رقم واحد من مبنى التليفزيون بماسبيرو يوم ذهب إلى هناك ليتفقد الأوضاع؟!. وكذلك، فإن الجيش المصري أثبت في الأحداث الأخيرة أن ولاءه للرئيس مبارك بوصفه من كبار قادة حرب أكتوبر وبوصفه رئيساً يمنح الجيش كما يمنح الشرطة امتيازات وعطايا فائقة هو ولاء كبير جداً وغير قابل للزعزعة

أما الطرف الرابع، أو اللواء عمر سليمان، فهو بلا شك قد استفاد من تطورات الأحداث الأخيرة كلها، بأن أصبح في غمضة عين نائباً للرئيس وهي خطوة لم يكن مبارك ليقدم عليها أبداً لولا أن اضطرته الأحداث لذلك، وبأن ضمن أن جمال مبارك الذي كان يريد وراثة كرسي الحكم في مصر قد ذهب إلى غير رجعة ولم يعد منافساً محتملاً له في هذا المضمار إن هو أراد خوضه. وبالمثل، فإن سليمان بوصفه رئيس المخابرات العامة المصرية، يملك أدوات لا حصر لها للعمل السري والتنظيم والحشد والتأليب، وربما يكون دوره في اندلاع الثورة تحريضياً مباشراً وربما يكون مجرد دور سلبي بأن امتنع عن تحذير النظام من أن القادم هو ثورة حقيقية قد تطيح بالنظام وليس مجرد حركة اعتراضات محدودة على غرار 6 أبريل وأحداث الغضب التي تلت قتل الشاب خالد سعيد على يد الشرطة. لكن من الصعب جداً القول بإن سليمان هو المسئول عما حدث. فالرجل مشهور بولائه لمبارك وبحبه اللعب بعيداً عن الأضواء، كما أن صحته المعتلة وسنه المتقدمة لا تتيحان له أملاً كبيراً أو فرصاً حقيقية في الرئاسة. وفوق ذلك كله، فإن رجلاً مثله لديه حس أمني مرتفع للغاية لابد أن يكون مدركاً تماماً لحقيقة أن اللعب بالنار في السياسة هو من أخطر ما يمكن وأن السحر فيها كثيراً ما ينقلب على الساحر وأن ثورة صغيرة مفتعلة قد تتحول بسهولة في ظل الظروف السيئة الراهنة في مصر – وما أكثرها – إلى ثورة حقيقية يشارك فيها الملايين وتتسبب في إسقاط مبارك وسليمان معاً، وهو ما كان ممكن الحدوث بشدة يوم الجمعة 28 يناير حين انهارت الداخلية أمام الشعب ثم انسحبت بالكامل وفقد النظام ورقة التوت الرئيسية التي تستر عوراته وتحول بين الشعب وبينه

... ... ... ... ...

هكذا نكون ناقشنا الأمر على الصعيد الداخلي وفنَّدنا أغلب،إن لم يكن كل، المزاعم حول وجود "أجندات" داخلية وحول أن الثورة المصرية الجديدة لم تكن عفوية ولم تكن شعبية. وفي الجزء الثاني من المقال نتناول الأمر من المنظور الخارجي أو الدولي، ثم نشرح رؤيتنا المتواضعة وتفسيرنا لما حدث فعلاً وما سبَّب الثورة بحق، وهي بالتأكيد رؤية تقبل الخطأ كما تقبل الصواب



#محمد_علي_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زحام
- مشوار
- السعادة بإيحاء من مندليف
- مساراتٌ شتى - قصة قصيرة
- حكايات النظريات: ماكيافيللي والمتنبي، بين الغاية والوسيلة
- حكايات النظريات: سبينوزا وشمول الألوهية
- قبل أن تضع حرب البسوس 2009 أوزارها
- من دفتر يومياتٍ معتاد
- حكايات النظريات: رفاعة الطهطاوي، والتنوير عبر بوابة الاستغرا ...
- حكايات النظريات: ماركس والحتمية المادية للتاريخ
- حكايات النظريات: طه حسين ونظرية التأويل السياقي
- حكايات النظريات: الإدارة الإنسانية والحق في الإبداع
- حكايات النظريات: ابن رُشد ومحاكم التفتيش
- حكايات النظريات: اليد الخفية وحرية السوق
- حكايات النظريات: الشك المنهجي ونظرية الأفكار
- متوالية، بين نقل وعقل
- حكايات النظريات: الماجنا كارتا وحقوق المحكومين
- حكايات النظريات: البقاء للأصلح
- سيميترية التطرف - الجزء الأول
- سيميترية التطرف - الجزء الثاني


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد علي ثابت - الطريق إلى ثورة يناير - الجزء 1 من 2