أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - جمعةُ الغضب الساطع














المزيد.....

جمعةُ الغضب الساطع


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3266 - 2011 / 2 / 3 - 13:59
المحور: حقوق الانسان
    


يقول جَدُّنا العظيم تحتمس الثالث، أقوى أباطرة التاريخ، ورجل العسكرية العبقري الذي مازالت خططُه الحربية تُستلَهم في الحروب الكبرى: "إن الإلهَ يحبُّ أن تسود العدالةُ بين الناس، مثلما يبغضُ أن يجورَ إنسانٌ على إنسان." من أجل هذا، ومليون سبب آخر، نفخرُ بجذورنا المصرية، ونردُّ لمصرَ مصريتَها، ونغسلُ عنها الهويّاتِ التي تحاول، زورًا، أن "تتمحّك" بها، وتتعلّق بثوبها الناصع.
أعترفُ أن شبابَ مصرَ كسر قناعاتي السابقة؛ إذ كنتُ فقدتُ الرهانَ على مقدرة الجيل الراهن، على صنع غدٍ أفضل لبلادي. في مؤتمرات كثيرة شاركتُ فيها، كنتُ ألمح الغضبَ ساطعًا في عيون الشباب، فأسألهم: "ولماذا لا تثورون؟" فتأتيني إجاباتٌ منهزمة يقول لسانُها: "أصل مفيش فايدة!"، مع إلماحات اتهامٍ يقول لسانُها: "إن أبناء جيلي الثمانينيّ، والجيل السابق لجيلي، تقاعسوا أيضًا، حتى أورثوا جبينَ مصرَ الكريم هذا التردّي." نعم تقاعس جيلي. لكن السبعينيين لم يتقاعسوا، بل أُحبِطت أعمالُهم. لم يشهد شبابُ اليوم "انتفاضةَ الجياع"، 18-19 يناير 77، التي أسماها السادات، جَوْرًا، "انتفاضةَ الحرامية"، تمامًا مثلما أطلق أرستقراطيو فرنسا على الثوّار الفرنسيين العظام اسمًا ركيكًا هو: Les sans culottes! انتفاضة 77 النبيلة، لم ينقصها إلا طليعةٌ توجّه طاقاتِها لكي تغيّر وجه مصر. ومنذ 77، قرأت الحكومةُ المصريةُ "كتالوج" الشعب بدقة، ونجح المسئولون في فكّ شفرة المواطن المصري، ومعرفة آليات غضبه. عرفت الحكومةُ كيف تُمرِّرُ الفسادَ والسرقة والتزوير والقمعَ وانعدامَ العدالة، تحت غيمة عابرة من الأحداث التافهة، تُلهي بها الشعبَ، فلا ينتبه للكارثة وهي تمرّ من تحت ذقنه. ألهتنا الحكومةُ في حوادث كاميليا ووفاء قسطنطين، والتي أسلمت والذي تنصَّر، فخرج الناسُ في مظاهرات ومشاحنات لا معنى لها يفتتون بعضهم بعضًا، وغفلوا عن الغلاء الفاحش الذي واكب تلك الأزمة المفتعلة! كذلك خرجت جحافل الأمن تروّع سكّان العمرانية، فمرّ تزوير الانتخابات، مرور الكرام!
لكن شباب بلادي صحا اليومَ، في يناير أيضًا، صحوته الكبرى، لينقذ مصرَ من طاغوتها. المصريُّ يصبر على الحاكم مرّة ومرّات، فإن تمادى في غِيّه ثار عليه، ثورةً ساطعةً تليق باسم مصر العريق، التي كان أبناؤها القدامى أول من نظّموا إضرابًا عماليًّا في التاريخ، بسبب انخفاض الرواتب.
وراء كل شابٍّ من أولئك أمٌّ عظيمة جسورٌ ربطت على قلبها، قائلة: "اذهب يا بُنيّ الله معك!" صمد الغاضبون أيامًا، منذ الثلاثاء إلى جمعة الغضب، يصِلون الليلَ بالنهار، أبتهل لله ألا يدخلوا البيتَ إلا وقد قُضي الأمر. مطلبهم هو "التغييرُ". التغييرُ في مطلقه. والمواطنُ حين يريد تغييرًا، فلأن الواقع سيئ. سيئ جدًّا.
خرج الشباب النبيلُ من شوارع مصرَ وحواريها، رغم محاولات رجال الدين من الجانبين إثنائهم عن التظاهر. أكد الشعبُ وحدتَه ضدّ العدو الحقيقي. يدًا واحدةً، طلابًا وعمالاً ومهنيين ومثقفين وفنانين وأدباء وصحفيين في ثورة بيضاء. ومع قواتنا المسلحة الباسلة، صنعوا من أجسادهم درعًا بشرية تزود عن أخطر كنوز البشرية وأثمنها، المتحف المصري، حين حاول المندسّون من الدهماء واللصوص السطو عليه، بعد إطلاقهم من السجون وفرار الشرطة.
في الأيام السابقة لجمعة الغضب، غاب البرادعي عن المشهد الغاضب. لكن شباب المتظاهرين لم يعبأوا، وربما حتى لم ينتبهوا لغيابه. وهنا سرُّ عظمة هذه الانتفاضة الجسور؛ أن قوّتَها لم تُستمد من طليعة تقود، أو ريادة مركزية تُنظّم، أو حزب يعبّئ، بل مستمدةٌ، وفقط، من كتلة هذا الشباب الضخمة وحقيقية أحلامه الموءودة في عهد مبارك. غيابُ البرادعي، وكذا تباطؤ الحاكم عن توجيه كلمة للغاضبين لأكثر من تسعين ساعة من الغضب والترقّب من جانبهم، وجانب الشعب بأسره، ثم خروجه عليهم ببيان مُخيّب لكل الآمال، ذكّرني ذلك بقول الإمبراطور الأثيوبيّ هيلا سيلاسي: "عبر التاريخ، كان ثمة تراخ عن الفعل من أولئك الذين يجب أن يفعلوا؛ وثمة لا مبالاة من أولئك الذين يعلمون أكثر؛ وثمة صمتٌ لصوت العدالة حينما يتحتم وجودها، كل هذا يمهّد الطريق لانتصار الشر."



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشرف ثورة في تاريخ مصر
- شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم
- حوارٌ مع صديقي المتطرّف
- يا نعيش سوا يا نموت سوا
- هديةُ الرئيس لأقباط مصر
- دماءٌ على وجه البحر
- وجوب قتل مليون برادعي في مصر
- كاهنُ إيطاليا ومتأسلمو مصرَ!
- نعم، قدرُنا واحد!
- بطلوا اإفترا بالتي هي أحسن!!
- الشعبُ، يدُ الحكومةِ الباطشةُ
- السوبر غاندي-آينشتين
- فلنعدْ للخطّ الهمايوني، إلا قليلا
- إنها دارُ عبادة يا ناس!
- بِدّي خبِّركم قصة صغيرة
- غاضباتٌ وغاضبون
- أنيس منصور، حنانيك!
- «أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح ...
- أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ
- القتلُ الرحيم


المزيد.....




-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - جمعةُ الغضب الساطع