أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - كيف تسرق الثورات؟















المزيد.....

كيف تسرق الثورات؟


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 3266 - 2011 / 2 / 3 - 08:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تثور الشعوب عندما تشعر بالمهانة، حيث يصل احتقار الحكام لها حدا لا يطاق، غير أنّ الثورات ليست دائما ذات نتائج إيجابية، فإذا كان النموذج الفرنسي الرومنسي قد ظلّ يداعب مخيال الناس على مدى قرنين من الزمان، حيث أدت الثورة إلى بلورة حقوق الإنسان والمواطن في الحرية والمساواة والعدالة، فإن ثورات أخرى أدّت إلى خلاف ما أرادته الشعوب الثائرة.
ولهذا تزايد قلق التونسيين ومتابعي أحداث ما أصبح يسمى ثورة الياسمين، قلقهم من المجهول ومما يمكن أن تسفر عنه الأمور بعد الثورة، وكثر الحديث عن "سرقة الثورة" أو "تهريبها"، خاصة بعد أن ظهر بأن التيارت الدينية في كل من مصر والمغرب وبلدان أخرى، لم تفهم جيدا الدرس التونسي الكبير، الذي يتلخص في الفكرة الرائعة والثمينة جدا التالية: إنّ السبب الحقيقي للإستبداد الذي تطاول على الناس لعقود طويلة إنما هو في وقوع الأحزاب ومختلف التيارات السياسية والمدنية في فخ السلطة عندما تشرذمت وتناحرت فيما بينها مما أنهكها وأعطى قوة كبيرة للسلطة التي أصبحت تقدم نفسها كبديل مطلق للكل، وجعل كل حزب أو تيار يواجه معزولا السلطة ويكتوي بنارها وحده، دون أن يستطيع لوحده تعبئة الناس وراءه، وهذا ما فشل فيه الإشتراكيون لوحدهم وفشل فيه الإسلاميون لوحدهم وكذا الليبراليون، وتفرقوا بين السجون والمنافي، وعندما تعب الشعب من الضغط والتفقير والإستعباد وأيقن بأن لا أحد يمكن أن ينقذه مما هو فيه إلا هو نفسه انتفض وتقدّم إلى الأمام تاركا وراءه كل الأحزاب والتنظيمات المتشرذمة والمتناحرة والمتباغضة، والتي عليها كلها أن تلتحق به في الشارع دون أن يحاول أي منها أن يسبغ على الثورة طابعه أو لونه الخاصّ، لم يفهم هذا الإسلاميون المغاربة الذين ما زال همّهم هو التفكير في حظوظ الإسلاميين في الحكم في تونس، و لم يفهمه الإخوان المسلمون في مصر الذي يبدو أنهم يقومون بجهود كبيرة لإضفاء طابع ديني ضيق على ثورة الشعب المصري وتضحياته من أجل تغيير جذري لواقع البؤس والتخلف، من أجل الكرامة والتحرر للإنسان المصري، و ليس من أجل عقيدة أو مذهب أو لون أو عرق معين.
ما يلم يفهمه الإسلاميون هو أن الناس لم ينتفضوا لكي يغيروا حاكما بآخر، ولا لكي يقدموا حزبا على آخر، بل قاموا بذلك بعد أن تعبوا من الإستبداد، من أجل الإنتقال الجذري نحو الديمقراطية التي تسمح لكل واحد بأن يتقدم لتحمل المسؤولية عبر صوت الشعب وقراره، ولكن ليس لكي يفرض نفسه على الناس مدى الحياة، أو لكي ينصب نسقه ومرجعيته واختياراته لوحدها إلى أبد الآبدين، أو لكي يغير القوانين الديمقراطية بعد أن يكون قد استفاد منها للوصول إلى الحكم، لأن معنى ذلك هو سرقة الثورة واغتيالها عن طريق استبدال نموذج من الإستبداد بآخر أسوأ منه، و تغيير الحكام بمن هم أشرس منهم وأكثر دموية وقسوة، وإفراغ السجون من المعتقلين السياسيين لهذا التيار من أجل ملئه بأتباع تيارات أخرى، وإتاحة الحرية لمنابر إعلامية معينة بعد إغلاق غيرها وتكميم أفواه الناس من جديد.
فكيف تسرق الثورات، و كيف يتم تحويل أحلام الشعوب إلى كوابيس؟ سنستدل على ما نقول بنموذجين اثنين من الثورات التي انبثقت من أعماق الشعب، ثم انتهت إلى خلاف ما أراده منها الثائرون. إحداهما انهارت بعد 72 سنة من القهر الأسود وهي الثورة الشيوعية الروسية، والثانية ما زالت تحاول الإستمرار في سياق لم يعد يسمح باستمرارها، وقد بدأ يدبّ إليها الوهن والتآكل من الداخل وهي الثورة الإسلامية الإيرانية.
تتمّ سرقة الثورات عبر الخطوات التالية:
1) تخدير الثورة عبر إنامة الثائرين وإيهامهم بأن الهدف قد تحقق بوصول هذا الشخص أو هذا التيار إلى الحكم، والعمل عبر الإيديولوجيا على إشاعة الإعتقاد بأن الثورة قد حققت أهدافها بمجرد التخلص من الدكتاتور الذي يصبح رمزا للشر المطلق، حيث تبدأ حركة تحريض كبيرة ضدّ "العهد البائد"، و تصويره في شكل المرحلة المظلمة بشكل مطلق (عهد القيصر في روسيا وعهد الشاه في إيران)، وذلك لإضفاء الصفات الإيجابية على "الثورة".
1) وضع مرجعية وحيدة شمولية جامعة مانعة واعتبار ما سواها محظورا ومضادا لـ"روح الثورة". مما يؤدي بالدولة إلى العزلة عن العالم وتحولاته. هذا ما حدث مع "الحزب الوحيد" في الإتحاد السوفياتي، ومع "ولاية الفقيه" وسلطة "المرشد" المطلقة في إيران.
2) إنهاء الحريات بزعم "حماية الثورة" من المؤامرات، التي تتجسد في تهديد الرأسمالية في الإتحاد السوفياتي ، وتهديد "الإلحاد" و"الكفر" و"قيم الغرب" في إيران، ويتم بهذا الصدد تقديم المعارضين كأكباش فداء عبر إبادتهم بقسوة.
4) تنميط المجتمع في نماذج شكلية موحدة بشكل قسري في اللباس والسلوكات والقيم والفكر الأوحد، (شخصية الشيوعي أو الإشتراكي "الجيد" لدى السوفيات، وشخصية "المؤمن الصالح" لدى الملالي، اللباس العمالي في الشيوعية، و"التشادور" الإيراني الأسود المفروض على النساء في إيران).
5) صناعة رموز لـ"الثورة" وتحويلها بالتدريج إلى مقدسات عقدية، مثل صور وتماثيل ستالين وصور الإمام الخميني ومجسم الثورة بطهران.
6) جعل وظيفة الإعلام الوحيدة هي الدعاية لنظام "الثورة"، و للحكام باعتبارهم "منقذين" للشعب وللأمة، واعتبار الأمة بدونهم مهدّدة بأن تتعرض لضياع خطير وتيهان وانزلاق عن درب الثورة.
7) التطلع إلى التحول إلى قوة إقليمية كبرى، واعتبار البلد منطلقا لإشاعة "الثورة" وتصديرها إلى البلدان المجاورة، لصرف النظر عن السياسة الداخلية التي تتميز بالقبضة الحديدية، مما يؤدي إلى تبذير كل أموال الشعب في صنع القلاقل وإثارة الفتن في الدول المجاورة، (مثال ذلك حروب السوفيات في بلدان المعسكر الشرقي، وفي أفغانستان، وحروب إيران مع العراق ومخططاتها المثيرة للنزاعات في لبنان وبلدان الخليج، وتدويلها لمشكلة المفاعل النووي الإيراني).
8) تحويل المدرسة والنظام التربوي إلى فضاء عسكري لغسل الأدمغة وتكوين الأجيال على فكر "الثورة" عبر تعليبهم وتنميط شخصياتهم، وجعلهم يشعرون بأنهم أبناء الثورة وصنائعها، وأنهم بدونها ضائعون بلا مستقبل، لأنهم لا يستطيعون لوحدهم الإستمرار بدون هديها وترشيدها ومبادئها الخالدة.
9) صنع الأعداء الخارجيين وتهويلهم وتبرير كل أشكال الظلم والغطرسة بحجة التصدّي لهم، وتحويل المواطنين إلى قطعان مهيجة ضد خطر أجنبي، وتشجيعهم على الوشاية والإشاعة والكيد لبعضهم البعض، ومن هنا شعار مواجهة "الرأسمالية الغربية"، أو إعلان الحرب صباح مساء على "الشيطان الأكبر".
10) جعل الإبداع الأدبي والفني في خدمة "الثورة"، عبر وضع خطوط حمراء له وتسخيره بوقا للسلطة وللنظام، و جعله يقتصر على موضوع الثورة ومنبرا لشعاراتها، والحجر على ملكات الإبداع والخيال والتفكير والبحث والسؤال. واعتبار هذه العسكرة أمرا ضروريا لحماية "الثورة" والحفاظ على مكاسبها، وهو أمر يؤدي إلى التغطية على تناقضات المجتمع والدولة، ويحول دون كشف عوراتهما المتمثلة في واقع متردي يغطي بالدعاية والطابوهات السياسية والأخلاقية على بؤس الإنسان وقهره وعبوديته لأصنام السلطة، باسم "المساواة" الشيوعية وباسم "الإيمان" الإسلامي.
هذان نموذجان من الطرق التي لمسناها في أسلوب سرقة الثورات خلال القرن العشرين، وقد نبهنا إليها للتذكير بأن التاريخ لا ينبغي أن يعيد نفسه، لأنه سيكون من باب العبث وهدر المال والطاقة أن تثور الشعوب الإفريقية من أجل الإنتقال من نسق استعبادي إلى آخر، حيث لن يجعلها ذلك تعيش الإستقرار المطلوب من أجل التنمية والإبداع، إذ ستكون مشغولة من جديد بالتفكير في أساليب الثورة على
"الثورة" المغدورة، و إنه لرهان ضائع.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصوات المغرب غير النافع
- حتى لا يضيع الحلم التونسي الجميل: الحرية أولا !
- الأمازيغ، القذافي وسيادة الدولة المغربية
- التربية وثقافة الحوار
- الأب نويل في بلاد المسلمين
- دموع الوزراء
- الإسلام القسري
- الصحراء السلطة و المجتمع
- صورة المغرب بين -الإجماع الوطني- و الموقف النقدي
- عيد الأضحى والسلوك المدني
- الهوية والتاريخ والسياسة، متابعات
- إلى المدافعين عن العربية: هذه أخطاؤكم فتداركوها!
- الفن و الدين بين الذات و المجتمع إلى الممثلة لطيفة أحرار
- عن التعدد اللغوي ووظائف اللغات بالمغرب رسالة مفتوحة إلى الدك ...
- تعقيب على -إعلان دمشق-: هل تهدد الديمقراطية مستقبل اللغة الع ...
- -تعريب الحياة العامة- مقترح مكانه الطبيعي سلة المهملات
- الأمازيغ و التلفزة المغربية
- الأمازيغ بين التقرير الأممي و الدراسة الإسرائيلية
- مجلس الجالية و عقلية -أهل الكهف-
- الخطبة و الخطباء


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - كيف تسرق الثورات؟