أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أيمن بكر - أوطانهم ليست أوطاننا














المزيد.....

أوطانهم ليست أوطاننا


أيمن بكر

الحوار المتمدن-العدد: 3264 - 2011 / 2 / 1 - 17:27
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    



أوطانهم ليست أوطاننا
خرج زين العابدين بن علي من تونس بليل، هاربا كأي مجرم، وتناثر أفراد عائلته وعائلة زوجته كالفئران المذعورة محاولين الفرار من أي شق في جدار البلد الذي أنهكوه نهبا وإفسادا . الفعل نفسه قام به شاه إيران ومن والاه من عائلته في السبعينات وجعفر النميري رئيس السودان الأسبق في الثمانينات، وجميعنا يعرف أن أي ديكتاتور عربي سيقوم بالتصرف نفسه إن حالفه الحظ ولم يقع في قبضة أبناء البلد الذي حكمه. جميعهم يخرج مضحيا بالوطن الذي تغنوا به طوال فترات استنزافهم له، ليعلن في نهاية الأمر عن الوطن الحقيقي لمعظم الحكام العرب، بل والعقيدة التي تمثل دينا وحيدا لديهم: السلطة هي وطنهم ودينهم، بل يمكن القول إن السلطة قد تحولت إلى حالة جنونية تنفي أي احتمال لأن يقوم الحاكم العربي بنقد أو مراجعة ما يفعل، بحيث يبدو وعيه، على المستوى الظاهري، في حالة فصام بين ما يعلنه في خطبه ويروج له إعلامه، وبين واقع الحال البائس الذي تعاني منه معظم الشعوب العربية. الدكتاتور العربي على استعداد لفعل أي شيء مهما كان دنيئا وإجراميا ومضحكا أحيانا من أجل الاحتفاظ بالسلطة.
في الحالة التونسية قدم بن علي ثلاثة خطابات متتالية تعكس خطوات الحل التي ورثها الدكتاتور العربي حين تواجهه ثورة شعبية؛ الخطوة الأولى هي استخدام العصا والضرب بلا هوادة على رؤوس الثوار، مستعدا للتضحية بأرواح أي عدد من أبناء الشعب الذي يحكمه دون أن يرتعش له جفن، ويصحب ذلك خطاب تهديد يصم الحركة الشعبية التحررية بأوصاف من مثل انتفاضة الحرامية (السادات 1977)، أو العصابات الملثمة (بن علي 2011) أو غير ذلك من التسميات التي تسعى، في العمق، لترهيب كل من تسول له نفسه من أبناء الشعب الانضمام لهؤلاء الثوار. توقع هذه الخطوة عددا أكبر من الضحايا - دون أن تتمكن من قمع الثورة الشعبية الشاملة - حين يتواطؤ الجيش مع الشرطة في حماية النظام الدكتاتوري، وهو ما لم يستطع بن علي تحقيقه في الثورة الأخيرة.
الخطوة الثانية تأتي حين تفشل الأولى في السيطرة على الوضع، وهي المهادنة المتشحة بالكبرياء، كأن يزيح الدكتاتور بعض أعوانه معلنا أنه لا يريد إراقة دماء المزيد من أبناء "وطنه" (مازال متمسكا بنبرة التهديد)، وأنه سيقوم ببعض التغييرات التي من شأنها أن تغير الأوضاع إلى الأحسن. ثم تأتي الخطوة الثالثة وهي اعتراف الطاغية بأنه قد تم خداعه، وبأن أعوانه قاموا بتضليله، وبأنه مستعد لعمل أي شيء من أجل إرضاء شعبه، وبأنه لن يستمر في الحكم مدى الحياة (غالبا يكرر هذه الجملة ثلاث مرات كمن يعرف أن أحدا لا يصدقها)، وبأنه الآن يفهم ما يحتاجه الشعب بكل طوائفه من عاطلين عن العمل وباحثين عن الحرية وباحثين عن الكرامة الإنسانية (الكلام السابق مستقى مباشرة من خطاب بن علي الأخير) إنها خطوة ما قبل الهرب، أو هي محاولة الدكتاتور الأخيرة للتعلق بقشه لعله يتمكن من إنقاذ سلطته/ وطنه. الوعي الشعبي التونسي لم ينخدع بالخطوتين الأوليين، بل أدرك بعمق - نتمناه لكل الشعوب العربية- أن النظام الدكتاتوري في حقيقته هش، وهو الآن في سبيله للانهيار، فشدد الناس قبضتهم على عنقه.
ثم يأتي الهروب المخزي للحاكم كاشفا عن أمور كثيرة منها:
أولا: إن الدكتاتور يعرف في أعماقه ودون أدنى شك أنه مجرم في حق الشعب الذي يحكمه وأنه لن ينجو إن هو تعرض لمحاكمة عادلة. قد يبدو الدكتاتور لدى العامة شخصا يعاني من الفصام، أو ربما يبدو كشخص مخدوع من بطانته لكنه ليس كذلك. إن الهروب هو إعلان إدانة يقدمه الدكتاتور للتاريخ.
ثانيا: هروب الدكتاتور يعلن كذلك أن وطنه الذي يلجأ إليه ويحتمي به ليس هو الوطن الذي كان يذيق أبناءه العذاب، تسقط كل الأقنعة، وتتجلى السلطة بوصفها الوطن الحقيقي للديكتاتور، الذي يستخدم ما تبقى منها للاتصال ببعض ذوي السلطة في أماكن أخرى، هاربا نحوهم؛ إذ يراهم إخوانه في الوطن/السلطة.
ثالثا: يحارب الدكتاتور بكل ما يستطيع ليحتفظ بثروته من البلد الذي حكمه، بوصفها غنيمة حرب استطاع أن يستخلصها من أعدائه/ شعبه المدعى. إنها الجزء الباقي من سلطته وهو ما سيؤسس وطنه القادم؛ إذ بدون الثروة التي اختلسها بطرق إجرامية من دماء الشعب المحكوم لن يتمكن الدكتاتور اللص من تأسيس سلطته/ وطنه في أي مكان، فمن الجائز أن ترفض وجوده بعض البلدان من اللحظة الأولى، كما فعلت فرنسا مع بن علي، ومن الجائز أيضا أن تتراجع السلطات التي استضافته، بدافع الشهامة، عن شهامتها حين تكتشف أن وجوده يمكن أن يجر عليها مشكلات هي في غنى عنها. اللص يهرب بغنيمته ثم يغير قناعه ويبدأ حياته مدعيا أنه شخص شريف في مكان آخر مشكلا بما تبقى من سلطته وطنا يعرفه.
السيناريو السابق هو ما حدث مع بن علي، وهو ما سيحدث غالبا مع باقي الدكتاتوريات العربية قريبا، فقط حين يكتمل لدى عوام الشعوب الوعي العميق بحكامهم كما اكتمل على نحو راق لدى أبناء الشعب التونسي. إن الفزع الذي أصاب بعض دكاترة العرب فجعلهم يخرجون على الناس بآراء مضحكة أحيانا؛ كأن يلوم بعضهم الشعب التونسي لأنه لم يحتفظ بزين العابدين بن علي رئيسا مدى الحياة. وأحيانا أخرى تعلن بعض الأنظمة مواقف مرتجفة مصحوبة بإجراءات أمنية غير مسبوقة، كما حدث في مصر، حيث حاصر النظام السفارة التونسية خوفا من أن تنطلق من عندها الشرارة الأولى للشعب المصري، كما أصدر النظام - بسذاجة يحسد عليها – تعليمات بعدم استفزاز الشعب، وتأجيل الضرائب الجديدة التي كان من المتوقع فرضها، بما ينطبق عليه مقولة "يكاد المريب يقول خذوني"، وهو ما يشجع الكثيرين على التبشير بأن دورهم قد اقترب. ما حدث في تونس يعلن لمعظم الشعوب العربية حقيقة أصبحت جلية كالشمس: لقد فر بن على إلى وطنه/ سلطته ولم يفر من وطنه تونس كما يتم تصوير الأمر، كما أن من يحكم الشعوب العربية ليسوا من بني جلدتهم، ولا ينتمون للوطن نفسه، إنهم أكبر أعداء الشعوب، ووطنهم الوحيد هو سلطتهم.



#أيمن_بكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أيمن بكر - أوطانهم ليست أوطاننا