أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - تونس تشق طريقها إلى المستقبل















المزيد.....

تونس تشق طريقها إلى المستقبل


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3263 - 2011 / 1 / 31 - 01:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خلال الأحداث الكبرى التي تشهدها المجتمعات تنكشف الفوارق بين السلطة والدولة: سلطة الأفراد ودولة المؤسسات. وإذا كان عنوان المرارة والمعاناة هو الذي سيطر على التونسيين في العقدين الأخيرين، فإنّ عنوان التفاؤل هو السائد الآن، على خلفية ثورة الحرية والكرامة والإرث الحضاري والسياسي والنضالي العريق للشعب التونسي الحر، بعد أن احتكرت السلطةُ الاستبداديةُ الوطنيةَ والحقيقةَ, وأسقطت مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان, ومارست الفهلوة وسياسات الإفقار والتمييز والفساد. أما العدالة وسيادة القانون والمساواة في الدولة الحديثة فغدت الاستثناء, فاستكانت الناس، أو هكذا شُبّه لهم, فأمعنوا استهتاراً وتهميشاً للشعب وسادت ثقافة الإقصاء والتجويع والسجون.
ولكن بعد أن تحطم حاجز الخوف والرهبة من قمع السلطة وانفجار الانتفاضة الشعبية إثر لجوء الشاب محمد بو عزيزي إلى الانتحار، تحدى الشعب التونسي الرصاص القاتل، ومنح المطالب الشعبية في التغيير شرعية حيازة إجماع اجتماعي عام، بالرغم من غياب تأطير نخبوي أو سياسي فعال للانتفاضة، مما بعث الروح في جسم المعارضة السياسية.
وهكذا، فإنّ تونس قدمت مثلاً مختلفاً: انتفاضة احتجاجية شعبية من دون إطار سياسي ناظم، على اعتبار أنّ نظام الرئيس السابق أضعف كل الحركات السياسية المعارضة. وإذا كان صحيحاً أنّ دور الجماعات السياسية والمجتمعية والنقابات مهم جداً، لكنه ليس مهماً إن تأخر بعض الشيء، إذ يستطيع الشعب أن يصنع ثورته وأدواتها السلمية بنفسه، خاصة مع زخم الحراك الشبابي والنسائي التونسي، وبعدها سيحدث كل شيء، سيسقط الجهاز الأمني، وسيهتز رأس النظام ويترنح تمهيداً لسقوطه كثمرة نضجت وبالتالي هروبه، وستلتحق الأحزاب والنخب المثقفة بالثورة الشعبية. وثمة مسؤولية كبيرة جداً ملقاة على عاتق التونسيين اليوم ليكرّسوا هذا الدرس، ويؤكدوا قدرة الشعوب على التغيير.
إنّ ما حدث في تونس يقدم لنا دروساً وعبراً كثيرة وعلينا أن لا نتجاهلها بأي حال من الأحوال، إنها فرصة تاريخية لمراجعات كبرى في المنطقة العربية: قدرة الأنظمة المستبدة على ممارسة الظلم والعبث بالبلاد والتصرف كيفما اتفق في مقدرات الشعوب وثرواتها، لا تعني أبداً القدرة على الاستمرار في ذلك، بل إنّ التمادي في هذه الممارسة يزيد من احتمالات ردود الفعل الشعبية. فما كان صعباً على الناس في السابق لم يعد كذلك اليوم، فقد تغيرت الظروف، وتغيرت معها أشياء كثيرة وكبيرة، واحتمالات الثورة أقرب ما تكون في غير بلد عربي، إذ أحياناً لا تحتاج سوى حادثة رمزية لتحرك الجماهير الغاضبة.
ولعل ما يزيد من ثقة الشعوب في نفسها فشل النظام الأمني التونسي، المعروف ببطشه وشدة بأسه، في احتواء الاحتجاجات التي خرجت عن السيطرة وأرغمت الرئيس وبعض عائلته على الإفلات بجلودهم قبل فوات الأوان.
إنّ أروع وأهم ما في الثورة التونسية هو أنها سلمية، وهي بذلك تخلق أنموذجاً مهماً، يفترض فيه ألا ينسحب لفوضى لاحقة، تضيع منه كل المكاسب التي تحققت. وينبغي الانتباه أيضاً إلى أنّ الحراك الشعبي التونسي كان أقل تسييساً، وأكثر تطلباً، بما يتعلق بالمسائل الحياتية. ولكنه أسقط الخوف بامتياز، وهذا ليس أمراً فردياً، بل حالة جماعية تلبست التونسيين وتغذت بمشاعرهم الجماعية ومواقفهم.
وهكذا، بدا تصرفاً مسؤولاً ما قامت به حركات سياسية ومدنية من تحديد مطالب واقعية تشق الطريق إلى تونس المستقبل، حين دعت إلى تشكيل حكومة انتقالية، أو الدعوة إلى تشكيل مجلس وطني للثورة، للإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية ومحاسبة المسؤولين عن إطلاق النار على المتظاهرين، والإفراج عن معتقلي الرأي والضمير، وإطلاق الحوار في شأن مستقبل الوضع السياسي في البلاد، بما فيه حق تشكيل الأحزاب والجمعيات، إذ من المتوقع ظهور أحزاب سياسية تونسية جديدة، إضافة إلى تشكيل جمعية تأسيسية تعد دستوراً جديداً لتونس المستقبل.
إنّ من حق الشعب التونسي الشقيق، وقد حقق التغيير الذي يريده، أن يتطلع إلى المستقبل حتى يتمكن من تحقيق طموحه في إعادة بناء دولته الوطنية الحديثة‏، مما يستوجب طي صفحة الماضي، مع الاحتفاظ بحق مقاضاة كل من أساء إلى الشعب والمصالح العليا لتونس، وعودة الهدوء والاستقرار إلى كل ربوع البلاد، ‏والتوصل إلى توافق وطني حول سبل إخراج البلاد من أزمتها‏,‏ وبما يضمن احترام إرادة الشعب التونسي وطموحاته في الحرية والكرامة والعدالة والتنمية المتوازنة بين الجهات.‏
وفي هذا السياق يبدو أنّ إصرار بعض الأطراف السياسية والاجتماعية على إقصاء التجمع الدستوري الديمقراطي عن الحياة السياسية يشكل بداية خطيرة وسلبية إلى أقصى الحدود، إذ الأولى أن يقدم كل الفاسدين والقتلة التجمعيين إلى محاكم عادلة وشفافة، وفتح المجال لرجالات الحزب ذوي السمعة الحسنة واليد النظيفة لإعادة تشكيله بما ينسجم مع المرحلة الديمقراطية الجديدة، التي تقتضي فصل الدولة عن الأحزاب السياسية. وهذا ليس دفاعاً عن الحزب الذي كان حاكماً، بل دفاع عن مبدأ الحرية والمساواة والديمقراطية.
إنّ الأهم من الثورة الشعبية التونسية هو أن يكون هناك حسابات دقيقة لنتائجها، وألا تكون دماء الشهداء مجرد مطايا للطامعين والمغامرين من أي جهة سياسية أو اجتماعية. المهم هو الحذر من أن تنحرف أو تنجرف هذه الثورة عن مسارها الطبيعي، حتى يُكتب لها النجاح وتمنع ظهور ديكتاتوري آخر، حيث أنّ نهاية الديكتاتور شيء ونهاية النظام الديكتاتوري شيء آخر. فالحذر كل الحذر من خطابات المزايدة السياسية، فالتونسيون أمام فرصة تاريخية لبناء نظام سياسي ديمقراطي أنموذجي يساعد العالم العربي على التحرر من حالة التيه الراهنة التي يعيشها.
لقد اقتضت تجارب الانتقال الديمقراطي تحلّي قيادات القوى السياسية والاجتماعية بقدر كبير من السمو الأخلاقي وقيم التسامح و التجاوز و التركيز على المستقبل بدل الغرق في متاهات الماضي و الخصومات الشخصية والحزبية، التي يمكن أن تضيّع على الشعب التونسي فرصته التاريخية و دماء الشباب الذين ضحوا بأرواحهم من أجل بناء دولة الحق والقانون.
ومن المهم أن تواصل الثورة التونسية النهج السلمي في التغيير، ومن المهم أيضاً أن يفرز الشعب، من خلال انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، نخبةً حاكمة تمثله وتنصفه. خاصة أنّ التغيير لم ينتج عن صفقات سياسية بين الحكم والمعارضة أو عمليات مراجعة من داخل النظام، إنما أتى جراء ثورة شعب، وهذا الشعب سيكون قادراً على حماية ثورته ولن يقبل بغير نظام ديمقراطي فعلي. وخلاصة القول: على التونسيين أن يضربوا مثلاً رائعاً في الوحدة الوطنية والحوار الديمقراطي مثلما ضربوا أروع الأمثلة في تصميمهم على التغيير.
ومن المؤكد أنّ الشعب التونسي ليس حالة منفردة، بل هو نتيجة لتراكمات سابقة وتكرار لما سيحدث من زلازل مشابهة في بلدان عربية أخرى بعدها. خاصة إذا لم يدرك الحكام العرب أنّ العالم من حولهم قد تغيّر إلى غير رجعة، وأنّ ما كان يصلح بالأمس لم يعد يصلح لليوم والغد. فكم محمد بو عزيزي في المدن والأرياف العربية تنتابهم تلك الرغبة في أن ينهوا حياتهم احتجاجاً على ما يعيشون، لأن أبواب الرزق والرأي الحر سُدت في وجوههم، فلا هم بقادرين على نيل فرصة العمل لأنفسهم ومقعد الدراسة لأبنائهم والدواء لذويهم، ولا هم بقادرين على أن يعبّروا عن احتجاجهم على ذلك، فيكون مآلهم الموت كمداً وحسرة. فلا تنفع مع الوقائع الجديدة الوعود والتصريحات، ولا اللجان والمؤتمرات، ولا المخططات الورقية والأرقام الكبيرة والدعاية المبرمجة.
في مجتمعاتنا العربية كوامن قد تنفجر على حين غرة هنا أو هناك، مغيّرة الوقائع والتوقعات، ومحررة الإرادات والأذهان. وقد نرى في أيام قريبة الاحتجاجات الاجتماعية كتمارين أولية في الاعتراض العام على عهد الحكام المستبدين، الذين يحكمون بلدانهم من دون مراقبة ومن دون مسؤولية ومن دون مشروع عام من أي نوع وبثروات فاحشة.
إنّ ما حدث في تونس يدل على أنّ أي شعب مهما ساير قائده، ومهما صبر على استبداد سلطته، وسكت عن تجاوزات أجهزته الأمنية، سيأتي اليوم الذي ينتقم فيه منه، ويرد له الصاع صاعين، ليعيد الأمور إلى نصابها، وليسترد كل ما أخذ منه بالقوة.
لقد فتحت ثورة تونس الباب على مصراعيه نحو تغيّرات حتميه في بعض البلدان العربية, بعد أن فقدت الشعوب العربية إنسانيتها على يد حكام الانقلابات وحكام الشعارات الفارغة.
إنّ أملنا كبير بأن تستعيد تونس عافيتها في القريب العاجل، استناداً إلى الشرعية الدستورية الثابتة، وإعادة تأسيس دولة الحق والقانون، دولة المؤسسات والتنمية والعدالة والديمقراطية الحقة والحريات.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداعيات ثقافة الخوف
- إنذارات البطالة والمجاعة في الوطن العربي
- حول دور المثقف في الزمن العربي الصعب .. حراس الفساد المقيم
- في الحاجة العربية إلى التغيير .. قمع وتهميش واستبداد
- حول مستقبل العروبة
- في الحاجة العربية إلى الإصلاح السياسي
- الثقافة العربية وصدمة المستقبل .. لماذا تراجع العرب ؟
- وحش الفساد في العالم العربي
- كونية وشمولية حقوق الإنسان
- التحديات المغاربية في عالم متغيّر
- دروس الإسلام والحداثة في التجربة التركية
- تفكيك الرابطة العربية ومخاطره
- سبل الحل التوافقي الممكن في الصحراء الغربية
- عن تعثر الإصلاح في العالم العربي
- قراءة في منظومة المفكر السياسي السوري ياسين الحافظ
- أدوات التنشئة السياسية
- أي مستقبل للشراكة الاقتصادية العربية ؟
- هل يستجيب النظام الإقليمي العربي للتحديات ؟
- هنيئاً لموقعنا الأغر
- البعد الثقافي للمحنة العربية الراهنة


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - تونس تشق طريقها إلى المستقبل