أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الناصر حنفي - دعوة إلى الاحتجاج- من الحظيرة إلى التخشيبة ، وقاحات مركز الإبداع وحفلي افتتاح وختام المهرجان التجريبي















المزيد.....

دعوة إلى الاحتجاج- من الحظيرة إلى التخشيبة ، وقاحات مركز الإبداع وحفلي افتتاح وختام المهرجان التجريبي


عبد الناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 975 - 2004 / 10 / 3 - 05:51
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


الأصدقاء الأعزاء :
عبر تجوالي لمشاهدة عروض مسرح الثقافة الجماهيرية في العديد من مدن مصر الصغيرة وقراها كنت دائما أشعر بالمرارة وينتابني الألم عندما أرى أحد العمال ينهر طفلا ، أو يمنعه من دخول العرض ، وعادة ما يكون هذا العامل شبه أمي ، مرتديا جلبابا بسيطا أغبر اللون ، ويرتعد خوفا من أن يلومه أحد بسبب الضجة التي يحدثها الأطفال أحيانا ،إنه مقهور دائما وينتظر أي فرصة للتعبير عن هذا القهر بعنف مضاد حتى ولو كان ضد الأطفال ، ولكنه أيضا عادة ما كان يستجيب لتعليقاتنا حول ضرورة معاملة الأطفال بطريقة كريمة وعدم إهانتهم ، وأن حقهم في الخدمة الثقافية المقدمة بقصور الثقافة لا يقل عن حق الكبار ، وأننا جميعا نتلقى مرتباتنا مقابل خدمتهم وليس مقابل أي شيء آخر ، والأطفال لا ذنب لهم فيما يعانيه هو من قهر .

هذا عن العامل البسيط ، أما غيره من الزملاء القائمين على إدارة الموقع فقد كانوا يبدون قناعتهم بان معاملة الأطفال على هذا النحو ربما ستؤدي إلى قتل إمكانية إبداعية لدى الموهوب منهم ، ولكنها أيضا وبالتأكيد ستخلق منهم أعداء للثقافة ولكل ما يمت لها بصلة .

ومن الممكن أن يكون موقف كل من العامل البسيط وزملائه مجرد رياء مصطنع أمام الأفندية القادمين من القاهرة ، وهو كذلك بالفعل في بعض الأحيان ، ولكن أيا كان رد الفعل هنا فهو يشي في كل الأحوال بوعيهم أنهم أمام خطاب لا يمكنهم نفيه بسهولة ، ذلك الخطاب الذي يحمل وقع أو أثر واحد من أهم أحلام ودعاوى الحداثة المصرية منذ مطلع القرن التاسع عشر ، حلم نشر وإتاحة الثقافة للمجتمع ، للناس بمختلف طوائفهم ومستوياتهم الاجتماعية ، الثقافة بوصفها انفتاحا على المنجز الحضاري الإنساني ، وعلى عالم يحتفي بالجمال والفن والمعرفة و بقيمة الفرد الإنسانية وكرامته وأحلامه ورغباته وقدرته على الإبداع .
وبالطبع فهذا الحلم لا يقتصر على الحداثة في مصر فحسب ، ولكنه قد أصبح جزءا أصيلا من تراث هذه الحداثة ومن قواها الدافعة ، إلى درجة أنه برغم عدم تحققه ، وبرغم أن الواقع يمضي بنا أحيانا بعيدا عنه ، بعيدا جدا ، إلا أنه لم يوجد أي مسئول مصري ( بدءا من الفراش المسكين لبيت ثقافة في قرية صغيرة ، وصولا إلى أعلى المناصب ) استطاع أن ينفي هذا الحلم ، أو أن ينفي خطابه علانية ، فلا زلنا جميعا ، مثقفين وغير مثقفين ، نحلم بهذا الأفق من العدالة والإنسانية ، وقد نطيق أن نعيش في واقع ينفي هذا ويبتعد عنه ، وهذا حالنا جميعا ، ولكن أن تصل الوقاحة إلى نفي صريح ومنظم ومعلن رسميا لهذا الأمل ، ومن الجهة التي يفترض أن تعمل على تحقيقه ( أي وزارة الثقافة) ، فهذا ما لا يطاق ، بل ولا ينبغي له أن يطاق ، و إلا فلنعترف أننا قد فقدنا كل قدرة على الأمل ولم يبق أمامنا سوى موت صامت بطريقة أو بأخرى .

إنه مصير مرير بلا شك ، ولكن يبدو أن هذا هو ما نواجهه الآن ما لم نستطع التعبير عن احتجاجنا .

ولنبدأ بسرد بعض الوقائع .
في أحد أيام المهرجان التجريبي ( الذي انتهى بالأمس) ، وقف جمع من المصريين والعرب أمام مركز الإبداع بالأوبرا يتفرجون ( ويتندرون ) على أربعة أشخاص مفتولي العضلات ، يسدون باب المركز بوقفتهم شبه العسكرية وقد انتفخت صدورهم وتكورت قبضاتهم بعزم وكأنهم مجموعة من المصارعين ينتظرون نزولهم إلى الحلبة ، وعيونهم ترقب هؤلاء الخصوم الذين يقفون أمام المركز ( نحن) وتفحص بقسوة جهمة كل ما يصدر عنهم من حركات في انتظار لحظة الانطلاق إلى معركة الدفاع المجيدة عن " الباب" الذي يقفون أمامه .
كان هذا المشهد مستفزا للجميع ، ومثيرا للخجل أمام ضيوف المهرجان من عرب وأجانب ، ولكنه فضلا عن ذلك أيضا كان مشهدا غبيا على نحو فائق ، فما الذي يدافع عنه هذا الحرس الشرس ، وما التهديد الذي يمثله مجموعة من المثقفين والمسرحيين الذين أتوا لمشاهدة عرض مسرحي .
ولكن في اليوم التالي علمت أن المعركة التي كان يقف هذا الحرس الثوري المقاتل في انتظارها قد وقعت بالفعل ، وأسفرت عن تمكنهم من ضرب مثقف و أستاذ جامعي جليل طاعن في السن ، هذا فضلا عن إهانة جمع كبير من المثقفين المصريين بسلوكيات لا يمكن وصفها بما هو أقل من البلطجة .
والآن ، فلنفكر فيما يدفع مدير المركز ، وهو موظف عام ، فضلا عن كونه مخرجا معروفا ، وشابا أتيحت له من الفرص ما لم يتح لأحد من جيله ، ما الذي يدفعه لاستئجار مجموعة من البلطجية خصيصا لمواجهة وتأديب جمهور مهرجان مسرحي دولي ، ما الخطر الذي يمثله هذا الجمهور المثقف والنخبوي عادة ، وما الكارثة في أن يدخل إلى المسرح عدد أكثر من طاقة استيعابه ، فهذا يحدث في كل مكان أثناء المهرجان ، بدءا من المسرح القومي ، وصولا إلى دار الأوبرا ، وإدارات هذه الأماكن تترك للمثقفين أنفسهم تحديد ما إذا كان العرض المقدم يستحق أن يشاهدوه وهم واقفين أو جالسين على الأرض ، أم أنهم سينصرفون ، فهذا الجمهور النخبوي قادر على أن يقيم ما يراه ، وعلى تحديد مدى أهميته بعد عدة دقائق لا غير .

لا توجد مشكلة إدارية إذا تسمح لمركز الإبداع باستفزاز وإهانة وضرب المثقفين ، وحتى إذا وجدت مثل هذه المشكلة ، فليس من المطروح أن تحل على هذا النحو الهمجي الوقح والأحمق . ولا نحتاج إلى أمثلة حول طريقة المواقع الثقافية في التعامل مع جمهورها ، فبجوار مركز الإبداع يوجد مركز الهناجر ، والذي أصبح موظفوه قادرين على التعامل مع الجمهور المسرحي المثقف وامتصاص غضبه إن لزم الأمر ، بل إن دار الأوبرا بموظفيها ذوي مسحة الانضباط العسكرية الغير مريحة للمثقفين ، يفسحون صدورهم للتعامل الهادئ مع جمهور المهرجان التجريبي مهما حدث من زحام ، ويتفهمون رغبة شباب المسرحيين أحيانا في حضور حفلي افتتاح وختام المهرجان دون دعوة .

لا توجد إذا تبريرات في الأعراف الإدارية لما يقوم به مركز الإبداع من بلطجة ، وحتى لو افترضنا أن مدير المركز مذعور من احتمال تحطم اللوح الزجاجي الذي يمثل واجهة المركز ( وهو أمر بعيد الاحتمال ) فهل تبرر تلك الجنيهات ( تكلفة اللوح) تحطيم كرامة مثقف مصري ، وتحطيم سمعة مصر أمام ضيوفها ، إن كل مجتمع تتحدد درجته الحضارية بقدرته على إنتاج ظاهرة " المثقف" بوصفها أضخم استثمار اجتماعي ممكن ، فهل يفوق ثمن ذلك اللوح الزجاجي كل ما أنفقته الدولة المصرية ( على قلته ) في الاستثمار الثقافي ، وهل أقيم هذا المركز للمحافظة على ألواح الزجاج ، أم لتنمية النشاط الثقافي ، ولإتاحة المجال أمام المثقفين للتعبير عن إبداعهم والتواصل مع إبداع الآخرين ، وهل يتقاضى مدير المركز مرتبه فقط من أجل حماية لوح زجاجي ؟ بحيث يضحي بأي قيم ثقافية أو أخلاقية أو حضارية من أجل الدفاع عن " لوح زجاجي " ؟ هل هذه هي الطريقة التي يفهم بها عمله كمسئول ثقافي ، مجرد بواب أو حارس يهين أساتذته وزملاؤه من أجل أداء مهمته الغبية والحمقاء تلك ؟ وهل هذا هو التدريب الراقي الذي تلقاه ( بأموالنا ) على الإدارة الثقافية ؟ وهل هذه هي طريقة تفكير الجيل الجديد من الكوادر الثقافية الذي طالما بشرنا الوزير بأنه يجري إعداده ليتولى المسئولية خلال سنوات قليلة ؟ وإلى أي مدى يمكننا القول أننا أمام حالة "فيتشية " غريبة وشاذة ، فيتشية زجاجية يحتاج فهمها إلى جهد المحللين النفسيين .

إن ما يفعله مدير مركز الإبداع يشي – بكل تأكيد – بمستوى ثقافته وتحضره ، ويعبر عن أخلاقياته الخاصة ، ويشكك في كفاءته الإدارية ، وقدرته على التعامل مع ما هو ثقافي ، تلك القدرة التي قد يفوقه فيها ذلك الفراش الأمي البسيط في بيت ثقافة يقع في قرية مصرية صغيرة ، فهذا الفراش يعرب عن إدراكه أن تنظيم الدخول في مكان ثقافي يختلف عن تنظيم طوابير السجن ، ولكن إذا كان الحال كذلك ، فما هو تفسير ما يفعله هذا الشخص ؟ للإجابة على هذا السؤال علينا أن نعود إلى سرد وتحليل وقائع أخرى .

في العام الماضي ، وأيضا أثناء انعقاد المهرجان التجريبي ، حدثت في هذا المركز موقعة حربية كبيرة ، وتم الاستعانة بقوات شرطة حرس الأوبرا بالإضافة إلى موظفي الأمن بالمركز لضرب مجموعة من المثقفين كان منهم واحد من أهم نقاد المسرح في مصر ، وصحفي شاب ، بالإضافة إلى العديد من المسرحيين ، والذي وصف لي هذا المشهد أكد لي أن الأمر لم يقتصر على مجرد الدفع أو الإبعاد ، بل ضرب حقيقي قاس وشرس وصل إلى مرحلة السحل على الأرض ، ضرب لا يستهدف منع أحد ما من القيام بشيء معين ، بل يستهدف انتهاكه وإيلامه وإيذائه جسديا على نحو شخصي ، أي أنه كانت هناك معركة حقيقية ، معركة همجية بقدر ما هي حقيرة .
ولكن نتيجة أنه لم يتحرك أحد أو جهة ما للاحتجاج على ما حدث ، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات ، فقد شعر مدير المركز ( ولا بد ) بنشوة انتصار ساحق على هؤلاء المثقفين المزعجين ، وطبقا لتصوره عن نفسه بوصفه فرعون صغير ، فقد كان بحاجة إلى صرح ما ليدون عليه انتصاره التاريخي ، فتلك الفيتشية التي تحدثنا عنها، وسواء كانت تتعلق بما هو زجاجي أم بشيء آخر ، تحتاج - مثلها مثل أي خلل نفسي - إلى تأكيد مستمر لوجودها ، تأكيد يستنفد ذلك التوتر والقلق الهائلين اللذين تنتجهما تلك الأعراض السيكولوجية ، و بمعنى آخر فإن ذلك الفرعون الصغير كان بحاجة إلى ما يؤكد أن انتصاره العظيم هذا الذي وهبه الشعور بالرضا والتحقق ، لم يكن مجرد حادث عابر غير قابل للتكرار ، لم يكن وهما ، أو صدفة ، لم يكن شيئا يراه هو وحده فحسب ، بل كان إنجازا حقيقيا لا يمكن نفيه أو إنكاره . وقد وجد ما يبحث عنه في حفلي افتتاح وختام المهرجان التجريبي ، باعتباره موكل بتنفيذهما منذ عدة أعوام !
ففي حفل الافتتاح ، الذي جرى وصفه لي ، قدم الفرعون الصغير مجموعة من الهمجيين الذين يمسكون بشوكة بدائية ويحاولون إعاقة مسار المهرجان التجريبي ! إلى أن يأتي مجموعة أخرى ترتدي شعار المهرجان ليخوضوا " معركة " تنتهي " بضرب" وهزيمة هؤلاء الهمج واقتيادهم إلى الحجز .
والآن فلنفكر من هم هؤلاء " الهمج " الذين تم الانتصار عليهم ، وهل هناك من يشعر أو يهتم بالمهرجان التجريبي في مصر سوى فصائل المسرحيين وبعض المثقفين ، وهل يليق بشخص محسوب على المثقفين ( على الأقل بحكم عمله ونشاطه ، بل وموهبته أيضا ) أن يهين أساتذته وزملاءه على هذا النحو المعلن .
أما حفل الختام - الذي ذهبت خصيصا لمشاهدته – فيقدم ما هو أفظع ، فعبر ديكور يمثل فرح شعبي غارق في لون أحمر فج وبدائي ، ستتراص جهة اليسار مجموعة تصفق ببلاهة ( ترتدي شعار المهرجان ) وفي اليمين فرقة شعبية ، أما المنتصف ، أمام "كوشة " العروسين ، فمتروك بأكمله لحركة أمين شرطة يحمل جهازا لا سلكيا يخاطب به – باستمرار – رؤسائه الباشوات ، ليطلعهم ويطمئنهم على مجريات سير " فرح" التجريبي ، ثم ليبشرهم في النهاية بالقبض على شخص يدعى " قفص" ( وهي كلمة سباب بالعامية! ) والذي سيبدو أنه الوحيد الذي تمكن من الإفلات والهرب من المعركة التي سجلها حفل الافتتاح ، ويدخل " قفص" مرتديا أسمالا بالية ، وقد ثبت على رأسه قفص حقيقي ، ويسير منكسرا وذليلا من يمين الخشبة إلى يسارها وقد أمسك به أمين الشرطة بفظاظة ، إلى أن يعبر به أسفل لافتة في اليسار مكتوب عليها " قسم شرطة التجريبي" ، بحيث نفهم أنه قد ألقي في الحجز ، وعندما تأتي المذيعة التي ستقدم فقرات الختام ، يحضر أمين الشرطة " قفص" مرة أخرى من التخشيبة ، ويكلفه ( بوصفه عبدا أو خادما ) بحمل المنصة التي ستجري عندها فقرات الختام .

وهنا لم يعد الأمر يتعلق بفيتشية قلقة وغريبة وشاذة ، بقدر ما يتعلق بتقديم نموذج مبتذل وحقير في التعامل مع المثقفين ، فالذين يعارضون أو يعوقون التجريبي ليسوا سوى همج بلا رؤوس ، ولا توجد طريقة للتعامل معهم أنجح من ضربهم ، وسجنهم ، ثم استخدامهم عبيدا لخدمة المهرجان ، فالقمع الأمني فقط هو ما يمكن أن يكفل استمرار هذا المهرجان ، وهكذا ، فجميع الكلمات التي ألقيت في الختام ، تمت أسفل لا فتة " قسم شرطة التجريبي" التي كانت تعلو رؤوس المتحدثين بما لا يزيد على نصف متر .

والسؤال هنا كالآتي : هل نحن أمام شخص حاقد وكاره للمثقفين لسبب أو لآخر ، لدرجة أنه لا يرى وسيلة لبقائه واستمراره في العمل معهم سوى التوسل بالقمع والبطش الأمني لإجبارهم على قبوله والتعاون معه رغما عنهم ؟ هل نحن أمام مجرد موظف صغير يقدم لرؤسائه تبريرا فنيا لما قام به من وقاحة وهمجية بحق المثقفين في المهرجان الماضي ؟ وأن ما فعله ليس خطأ غير مقصود ، أو نتاج لأعراض نفسية قبيحة ، ولكنه سياسة ناجحة ينبغي إتباعها .

وأيا كانت الإجابة التي يمكن أن نتوقف عندها فهذا لا ينبغي له أن يحجب عنا أن الأمر قد أصبح يتجاوز شخص هذا الفرعون الصغير ، فوقائع وفقرات افتتاح وختام أي مهرجان أو تجمع ( ثقافي أو غيره ) لا تعبر عن وجهة نظر منفذها ، بقدر ما تعبر عن وجهة نظر الجهة المنظمة ، أو فلنقل أن هذا هو المفترض ، سواء أكانت خبرة القائمين على تنظيم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ( والتي اكتسبوها على مدى ستة عشر عام ) تسمح لهم بإدراك هذا أم لا .

لم يعد الأمر إذا متعلقا برعونة طفل مدلل في وزارة الثقافة ، ولا بمشاكله النفسية ، أو طيشه وافتقاره للنضج الشخصي والخبرة الإدارية وللأفق الثقافي والأخلاقي المفترض لدى كل من يتصدى للعمل العام ، فحفلي افتتاح وختام المهرجان التجريبي يحضرهما كل قيادات العمل الثقافي في مصر ، فضلا عن العديد من الرموز الثقافية ، وأن يمر ما حدث أمامهم في الافتتاح مرور الكرام ، ليعود فيتأكد بطريقة أشد في الحفل الختام ، فإن هذا يعني أن ثمة تحول دفين قادم في سلوكيات وطريقة تفكير هذه القيادات ، أو بعضها على الأقل ( فقد أعرب لي أحدهم هامسا عن امتعاضه مما يحدث ) ، تحول يتجه ناحية كره المثقفين واحتقارهم ، وهو أمر ربما كان قد بدأ في الظهور مع واقعة الاحتجاج المدوية التي قام بها " صنع الله إبراهيم " العام الماضي ، فمنذ تلك الواقعة بدأ خطاب بعض قيادات الوزارة يعرب عن أن هؤلاء المثقفين مجرد كائنات مزعجة وجاحدة .
ولنفكر مثلا في وزير الثقافة الذي صرح يوما ما بأنه قد أدخل المثقفين إلى الحظيرة ، ومنذئذ لم يتوقف الهجوم على هذا التصريح الذي لم يعد لتكراره ، وهو ما يدعونا للتساؤل عما شعر به عندما رأى تلميذه وطفله المدلل يتجاوز ما صرح به في غرفة مغلقة أمام جهاز تسجيل ، لينادي أمام وسائل الإعلام والبث المباشر ، وجموع المثقفين من مصر والعالم بأن موضوع الحظيرة قد أصبح تقليدا قديما باليا ، وان الأمر أصبح بحاجة إلى " تخشيبة " ، وأنه لا ضرورة لاسترضاء المثقفين أو شراؤهم ، بل يكفي أن نضربهم ونهينهم – ونسجنهم إن لزم الأمر- وبعد ذلك سيصبحون أداة طيعة للاستخدام . وهل شعر الوزير ( المثقف ، والفنان ) بالفخر لتفوق تلميذه عليه ، أم شعر ببعض الغيرة ؟
وماذا عن تلك القيادات التي شهدت ما حدث واستوعبته ، هل هم حاليا يعدون خططهم لمجاراة ومواكبة هذا التحول الراديكالي في سياسة الوزارة ؟ وكم من الوقت سيتعين علينا أن ننتظر قبل أن تتحول هذه البشارة إلى إجراءات يومية تفصيلية تحكم مسار العمل الثقافي في مصر ؟

وهل نشهد الآن نكوصا رجعيا خطيرا عن كل ما حاولت الحداثة المصرية أن تحلم به وتدعو إليه؟ وهو أمر لم يجسر الحكم الاستعمار والملكي أو حتى العسكري الصريح أن يفكر فيه .

ليكن ما يكون ، فسواء كان مقدرا لهذه الموجة الفاشية أن تسود صراحة ، أو تتوارى لتعمل في الخلفية ، أو تنكسر بلا رجعة ، ففي كل الأحوال سيتعين علينا أن نعرب عن احتجاجنا بقوة ووضوح وصراحة وبغض النظر عن النتائج ، فالصمت الذي قوبلت به همجية مركز الإبداع في العام الماضي جعل هذه الهمجية تندفع إلى المقدمة لترشح نفسها بوصفها نموذجا ناجحا وفعالا، أما الآن فالصمت سيصبح تواطؤ مكشوف يفسح الطريق لانتشار هذا النموذج الهمجي والفاشي .

لا أحد ، لا أحد على وجه الإطلاق يملك منعنا من إبداء احتجاجنا وإعلانه ،ومهما كان هذا الاحتجاج خافتا وهادئا فهو بالتأكيد سيغير من طبيعة المعادلات والحسابات على أرض الواقع .

لندع هذا الاحتجاج ينطلق ، وهو سيعرف طريقه جيدا .

1 – 10 – 2004



#عبد_الناصر_حنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول ظاهرة المسرح المصري
- نمط حضور المدينة : تأملات أولية


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الناصر حنفي - دعوة إلى الاحتجاج- من الحظيرة إلى التخشيبة ، وقاحات مركز الإبداع وحفلي افتتاح وختام المهرجان التجريبي