أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد سيد رصاص - الجغرافية المتقلصة للسودان















المزيد.....

الجغرافية المتقلصة للسودان


محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 15:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


شكَل الخارج السودان بحدوده الجغرافية التي كانت يوم استقلاله في 1كانون ثانييناير1956:أولاً محمد علي باشا بين عامي 1821و1822،ثم الإنكليز(في فترة الحكم الثنائي الانكليزي- المصري للسودان منذ عام1899) في 1916لمااستولوا على سلطنة دارفور بعد أن أعلن سلطانها استجابته،متأثراً بسنوسيي ليبيا، لدعوة "الجهاد" التي أطلقها العثمانيون الذين كانوا في الطرف الآخر المضاد للندن في الحرب العالمية الأولى.
خلقت هذه الآلية الخارجية للتأسيس الجغرافي استجابات متباينة من عناصر الداخل السوداني،ليس فقط تجاه الخارج الذي كان بالنسبة لهم متعدداً وتباينت مواقفهم تجاه عناصره،وإنما كذلك في نظرة عناصر الداخل السوداني إلى بعضها البعض.
حكمت هذه الحالة تاريخ السودان طوال190عاماً الممتدة منذ غزو محمد علي باشا للحوض الجنوبي للنيل المصري وحتى يومنا هذا:ظهرت هذه الحالة ،أولاً،في الثورة المهدية ضد الحكم المصري- التركي في آباغسطس1881-1882ثم بعد احتلال الانكليز لمصر إثر هزيمة أحمد عرابي في معركة(التل الكبير)يوم13أيلولسبتمبر1882ضد لندن وخديوي مصر.لم تشمل الحركة المهدية كل السودان وإنما كانت طرفية،بدأت في1881من جزيرة(آبا)عند النيل الأزرق ثم تركزت قواعدها في الغرب عند كردفان وأطراف دارفور قبل أن تستولي على الخرطوم في الشهر الأول من عام1885.ظل سكان منطقة مابين النيلين،الأبيض والأزرق وسكان الوسط وشمال النيل السوداني على ولائهم للعثمانيين ومصر وغلبت عليهم الطريقة الصوفية(الختمية) التي تزعمها آل الميرغني، الذين أتوا من الحجاز في عام1835، ولم يشمل هذا فقط العرب وإنما أيضاً قبائل(البجا)المتناثرة في الشريط الممتد بين مدينة كسلا وحتى مرفأ سواكن على ساحل البحر الأحمر.
في فترة الحكم الثنائي،حصلت فترة انتقالية استمرت حتى نشوب الحرب العالمية في 1914:في بداية تلك الفترة نظر الجنوبيون إلى لندن والقاهرة من خلال نظرة واحدة،وقد قامت في 1901ثورة من قبل قبيلتي(النوير)و(أزاندي) قتل فيها الحاكم البريطاني لمنطقة بحر الغزال .في العام التالي بدأت سياسة بريطانية جديدة من قبل الحاكم العام للسودان ريجينالد ونجيت(1899-1916)تم من خلالها اعتبار ثلاث أقاليم جنوبية كمناطق مغلقة عن باقي السودان.بالتوازي،وعندما كان المهديون و(أنصارهم)يضمدون جراح الهزيمة ،إثر انهيار دولتهم أمام الغزو البريطاني- المصري المشترك في صيف1898،حاول السيد علي الميرغني التقرب من البريطانيين إلى حدود إقامة صداقة شخصية قوية مع ونجيت.كانت الذروة في تموزيوليو1919لماذهب الميرغني وابن مؤسس المهدية،أي السيد عبد الرحمن المهدي،إلى قصر باكنجهام لتهنئة الملك البريطاني جورج الخامس بالنصر على الألمان والعثمانيين،وقد قام المهدي بإهداء الملك"سيف نصر"والده لماهزم الانكليز والمصريين في خرطوم1885،وقدكان الملفت لماكان استباق تلك الزيارة متمثلاً في تبرأ الميرغني (والمهدي) من ثورة(الوفد)المصرية في القاهرة.
قبيل نهاية ولايته في الخرطوم،كتب ونجيت إلى لندن الكلمات التالية:"مادمنا نحتفظ بالسودان فإننا نحتفظ بمفتاح مصر لأننا نسيطر على منابع مياهها"(مدثر عبد الرحيم:"الامبريالية والقومية في السودان"،دار النهار،بيروت1971،ص ص56-57).ساهمت ثورة 1919المصرية في محاولة نقض لندن لشراكتها مع القاهرة في الحكم الثنائي(الكوندومينيوم)للسودان.أعطى وقوداً لتلك السياسة ماأبداه الزعيمان الكبيران للسودان،أي الميرغني والمهدي،تجاه لندن مع إدارة الظهر من الميرغني للقاهرة،ثم لينضاف إلى هذا مابدأت تثمره "السياسة الجنوبية" التي بدأها وينجيت مع تشجيع البعثات التبشيرية،،ثم تابعها أسلافه في1918 مع اعتبار يوم الأحد عطلة للجنوب،من نظرة جنوبية أصبحت فيه لندن "حامية"للجنوبيين بالترافق مع عدائية عندهم ل"الشماليين" وللمصريين،ويلاحظ هنا أن اتجاه البريطانيين إلى الفصل الإداري للجنوب في 1922عن الشمال السوداني قد سبقته ثلاث سنوات من بدء لندن في سياسة سودنة الوظائف ثم أتت بعده بسنتين وثمانية أشهر في 24تشرين ثانينوفمبر1924أوامر الجنرال اللنبي للوحدات العسكرية المصرية،وللموظفين المدنيين،بالإنسحاب من السودان.
خلال النصف الأول من العشرينيات،وضعت لندن في صفها كلاً من الختمية والمهدية والجنوبيين.قامت بتفضيل المهدي في تسهيلات اقتصادية،ثم شجعته على أن يظهر كمرشح"محتمل"للملكية في السودان،ماأثار حنق الميرغني،الذي شعر أن ابتعاده عن القاهرة قد أصابه بالخسران،بخلاف الجنوبيين الذي لمسوا أن اقترابهم من لندن يمكن أن يقود إلى الحاقهم بإدارة شرق افريقيا البريطانية بعيداً عن عالم مابعد1821.
أمام هذه العناصر الداخلية السودانية الثلاث بدأ يظهر عنصر داخلي مضاد لهم وللندن:ظهرت في أوائل1920(جمعية الاتحاد السوداني)من متعلمين وموظفين سودانيين دعت إلى "وحدة وادي النيل"مع مصر،ثم تبعتها بعد أربع سنوات(جمعية اللواء الأبيض)التي قامت بثورة عسكرية بعد أربعة أيام من أوامر اللنبي بإنسحاب الوحدات المصرية قبل أن يهزم البريطانيون الوحدات العسكرية السودانية التي عانت من خذلان المصريين لها.هذا الاتجاه نحو القاهرة،ضد لندن والمهدية والجنوبيين ،تابعته منظمة جديدة ،أسَست ل"الاتجاه الاتحادي" ضمت متعلمي وخريجي السودان الجامعيين، تحت اسم(مؤتمر الخريجين)في 1938،الذي انبثق عنه في1944(حزب الأشقاء)المنادي بالوحدة مع مصر،وقد رأى السيد الميرغني مصلحة في أن يركب هذا المركب،وخاصة بعد عودة الجيش المصري(والموظفين المدنيين،وحرية هجرة المصريين) للسودان بعد توقيع معاهدة1936المصرية- البريطانية.
عندما بدأت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها،حاولت لندن قلب معادلات مابعد1936ضد القاهرة والاتجاه"الاتحادي":شجعت ورعت نشوء(حزب الأمة)من قبل المهدية في شباط 1945والذي بدأ يطرح شعار "السودان للسودانيين"،ثم تخلت في ضربة محكمة عن سياستها بفصل الجنوب عن الشمال عبر مؤتمر جوبا(حزيرانيونيو1947)لخلق توازن سوداني داخلي يقلب الطاولة ضد القاهرة و"الاتحاديين"عبر قوتي(المهدية)و(الجنوبيين)،وهو مانجحت فيه لندن ضد الملك فاروق لماأعلن في 16تشرين أولأوكتوبر1951دستوراً يسمي فيه نفسه"ملكاً على مصر والسودان"إثر أسبوع من الغاء حكومة الوفد برئاسة النحاس باشا لمعاهدتي1899و1936،وضد اللواء محمد نجيب لماأتى في يوم1آذارمارس 1954لحضور جلسة افتتاح البرلمان السوداني بعد فوز(الحزب الوطني الاتحادي)الذي ضم منذ تأسيسه في 10كانون ثانييناير1953كل الاتجاهات"الاتحادية"بأغلبية المقاعد البرلمانية في انتخابات(211-10121953) وواجهه المهديون بمظاهرة مسلحة عطلًت الجلسة وأفشلت مانصت عليه معاهدة 12شباط1953البريطانية – المصرية في "حق الشعب السوداني في تقرير مصيره"عبر البرلمان الذي فاز "الاتحاديون"بأكثرية مقاعده.
ربما،كان هذا مادفع السيد علي الميرغني ،قبيل أسابيع قليلة من اعلان البرلمان لاستقلال السودان في 19كانون أولديسمبر1955وفق صيغة"السودان للسودانيين" ك"تنفيذ لتقرير المصير"،إلى الالتقاء من جديد مع السيد عبد الرحمن المهدي،على طراز ماجرى في صيف1919،وأيضاً من جديد ضد القاهرة و"الاتحاديين"بزعامة رئيس الوزراء اسماعيل الأزهري،الذي ساهم السيد الميرغني آنذاك في المساعي لشق حزبه.
في نبوءة ليس فقط لماحدث في فترة1948-1956،وإنما كذلك لماحدث بين يومي1كانون ثانييناير1956و9كانون ثانييناير2011،كتب المحامي أحمد خير،وهو العقل المفكر للنزعة "الاتحادية"في (مؤتمر الخريجين)،الكلمات التالية في كتابه"كفاح جيل"الصادر في القاهرة عام1948:"إذا كنا نحن أبناء شمال السودان نتمسك ونتشبث بقيام دولة سودانية منفصلة فإنما نحن بلاريب،عن وعي أوعن غير وعي،نمد للإستعمار في أسباب البقاء،في مصر والسودان على السواء،حتى يواجهنا في المستقبل القريب بحركة انفصالية من(حزب أمة في الجنوب)على غرار الشعارات التي يرددها الإنفصاليون اليوم"(طبعة الخرطوم،الدار السودانية،1970،ص37).
السؤال الآن:هل ستقتصر مفاعيل هذه النبوءة على سيلفا كير في9كانون ثانييناير2011،أم ستمتد مفاعيل الجغرافية المتقلصة،نزولاً من "السودان للسودانيين"،المبتعد عن "وحدة وادي النيل"، ليس فقط للإقتصارعلى "انفصال الجنوب"،وإنما نحو نزول تقلصي جغرافي نحو ماهو أبعد؟......



#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة شعبية بلاأحزاب أطاحت بالحكم التونسي
- المصريون والسودان
- السودان:تصدع البيت المشترك للعرب والأفارقة
- البيئة الخارجية للنزعة الانفصالية
- دمشق وبيروت
- مابعد لشبونة: بداية احتواء روسيا في المنظومة الغربية
- مأزق نموذج الديموقراطية المصرية المحدودة
- الهند والولايات المتحدة في مرحلة مابعد الحرب الباردة
- التوتر اللبناني وعملية التسوية للصراع العربي الاسرائيلي
- محمد سيد رصاص في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: التنمية ...
- اشكاليات العلمانية في العالم الاسلامي
- الدولة – الساحة
- المحتل الفاشل
- الحراك في بنية النظام الشرق الأوسطي الحديث
- بيروت وبغداد
- تفارق المصائر بين جوبا وأربيل
- واشنطن ومحاولاتها ايجاد تسوية للصراع العربي الاسرائيلي
- التصنيع الأيديولوجي للعدو
- الإنقسام الاجتماعي أمام الاحتلال
- 11سبتمبر:الحضور العسكري الأميركي المباشر للمنطقة وتناقص وزن ...


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد سيد رصاص - الجغرافية المتقلصة للسودان