|
خيوط الغربة بين البصرة ولندن ووطن ... مستباح
حامد كعيد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 3258 - 2011 / 1 / 26 - 23:27
المحور:
الادب والفن
من الصعوبة الإحاطة والإلمام بما تكتبه الشاعرة العراقية المثابرة ( وفاء عبد الرزاق ) ، ومن الصعوبة أيضا أن تتناول مجمل دواوينها الكثيرة ،باللغة الفصحى ، أو الشعبية الدارجة ، بل قل ديوان واحد ، الديوان الواحد يحمل بين طياته قصائد شتى ، ورؤى كثيرة ، وأفكارا جديدة ، ومواقف متناغمة ومتنافرة بآن واحد ، وحقيقة أن ( وفاء عبد الرزاق ) تملك من الجرأة ما لا يملكه الرجال ، فإن كتبت بباب الغزل فتجدها متحررة وكأنها ليست من هذه البيئة العراقية ، ولا أعني بذلك أنها تكتب بما يخدش حياء الأنثى ، حاشا لله ، بل هي تفصح عن مكنوناتها ، بطريقة متحضرة غير التي ألفناها في قرانا ، وحواضرنا العراقية ، وأجد أن خيوط الغربة ، جلية واضحة بقصائدها عامة ، بل قل الحزن العراقي المتجذر الذي نرضعه من أثداء معاناتنا كل يوم ، لذا سأترك كل الدواوين الشعبية وقصائدها الكثيرة ، وسأتجنب الحديث عن الشعر البلورامي ، ولربما سأكتب عنه لا حقا ، وسأغادر عمدا الكتابة والتقصي عن الشعر الذي يصلح للمسرحة ، وسأغادر الخوض في الكتابة عن الأوزان التي تكتب بها المبدعة وفاء عبد الرزاق ، ولا أعيد النظر وأسلط الضوء بالتجربة الحداثوية لدى وفاء عبد الرزاق ، علما أنها تستحق الكتابة عنها بهذا الباب ، وأعني التجربة الحديثة ببناء القصيدة الشعبية ، ووفاء تمتلك من الخبرة ما يؤهلها لولوج القصيدة ما بعد حداثتها ، ، والشاعر الشعبي عموما متهم بعدم الخبرة والدراية بمدارس الشعر الحديث ، ووفاء عبد الرزاق وآخرون أعادوا للقصيدة الشعبية رونقها وجمالها وألبوسها الحلة التي تستحق . ( تبللت كلي بضواك ) ، حررت قصائد هذا الديوان للشاعرة وفاء عبد الرزاق بين العام 2006 م – 2010 م ، بمعنى أنه آخر نتاج شعبي للشاعرة وفاء عبد الرزاق ، ومعلوم أن هذه القصائد كتبت في غربتها الدائمة بلندن الضباب ، وبين ضباب لندن وشمس البصرة بون شاسع ، فلو تقصيت مواطن الغربة والألم في هذه القصائد لزدت هما جديدا للقارئ المغترب ، وبما أني أجد أن الوطنية الحقة تلاحق الوطنيين كظلهم ، لذا سأبحر في قصائدها للوصول لمكامن الوطن ، والتعشق بالمحبوب الأول ، بل التربة الأولى ، بل الهواء الأول ، وهو العراق ، وبما أن العراق آلت أليه ظروفه لما لا يحمد عقباها ، إذن على وفاء ومن مثلها حملة الفكر التنويري ، توعية ممن حولهم من الناس ، وبهذا العصر الذي أصبح كقرية واحدة بيد العولمة الجديدة ودعاتها ، فلا بد لوفاء أن تطرق قلوب وعقول العراقيين لتوعيتهم بشتى أنواع الصور الحسية ، والتراثية ، والأسطورية ، (آه ياشعبي / كاشفتك بالله تراويني /وجهك بـِيَّه / او وجهي بشامات أمّك رَضعة / توصّخ ضينه / وآنه استاحش / رفـّة عيني / ياحالوبة تزوجي الطينة ) ، بهذه الأبيات تبدأ خطابها متحدثة مع الجمهور الذي تظن أنه قد استكان لواقع مفروض ، ( يل متغاوي.. / شلون تراوي الخضرة توجّ / وشلون الشبّاچ يفور؟ / يَ ابن حسين / ويَ ابن العشبة / تمـّوزك وحسينك چَفْ إيدكْ / يَ ابن الجرح اليغري النجمة / تضوّي الحيرة /سيفك تايه؟ ) ، ويزداد نداءها لأبناء وطنها ، فتحاول أن تستفزهم بموروثهم الذي آمنوا به وضحوا لأجله ، (دلـلـّول الولد يَ ابني / يَ عصفور الدمَـه من تشبّ / يابذرة وكت / يَ مگشّرة من اللـّب / رف جبريل براس حسينه / ومارفـّت كوفة اطفالي / چنها مطـَفيَة ) ، تحاول إيقاظهم ولكن السبات يغلبهم ولا تحصل بيدها شئ مما توقظهم به ، فتبدأ صراعها معهم بأكثر من ذلك فتقول ، ( تفر عارين عـْلى الكلـّة / ياگاع الرخوة اشتاليتچ؟ / مثل اليعصر ميّت حيّ ) ، فتعود لتؤنب نفسها ، ولربما هذا الابتعاد أحد أسباب سبات الشعوب التي لا تجد من يدلها الطريق ، ( البارحة / نكـّسِتْ رايات روحي / واخـْجلتْ / خجل منـّي الوطن / من شاف اخجلت / البارحة / شفت روحي بالمراية / وإجفــَلتْ / لا ملامح / لا علامة اتدلّ علـَي / دمِّي مخبوص عـْلى لحمي / ولحمِّي ينزفني ﭽَـلِتْ ) ، ويوكد ما أزعم الأبيات التالية التي تحاول أن تجد لنفسها مخلصا مما تعتقد به ، (عمـِّي / يا وطن ملـﭽـوم بينه / محد خضَّر بـﮕـلبه حنينه؟ / فز النوم والكاروك تايه / عين والهزة حزينة / دللو دللو يَ الجسمك سفينة / دللو دللول / الوطن ملـﭽوم بينه ) ، فتعود لجذور طفولتها غير ناسية ما مر به عراقها وشعبها ، (طير إيدي الربها صعدت / ياسفينة جسمي ردّي / ردِّي ردّي ماكو مينه / انشلع جسمي يعمي من الأرض / شـَلـعْ تنـّور ورغيف / ذيـﭻ ﭽبدة آدمي معلـِّﮔة حدر الجسر / وذيـﭻ كـِتلة لحم خانكها الرفيف /وذاك راس أمـِّي حلـَب طيبه على الرصيف) ، فتستمع بتمعن لصوت أمها التي تحاول أن تجد لها عذرا بمقدس موعود ، ( يمـَّه لا توِّن / صوت ونـَّك / مهدي ميعاده جريب /بين هاي الريح جسمك / زهـرة شذرت بالتمايم / بالوعَدْ والوعَدْ صايم / غابة عمية تغربـَت / والوطن بيها غريب / وبينا حاير ) ، وهناك في لندن الغربة ، ومحطات كل الغرباء تتوصل لحقيقة مرة ، النفط وأطماع الآخرون ، والخيانات المتكررة التي آلت بهم لهذه الغربة القاتلة ، (غابة عمية غلـِّسَتْ / مطرت الدنيه نفـُط / والأرض لفـَّة جـﮝـاير / وين يا يمـَه تحط ) ، وتستنكر وفاء ما حصل للبلاد والعباد ، وتهزأ بسخرية مرة لتاريخ شوّه وجه الدنيا ، واستخدمت الأموال للذبح وللتمويه ، ( بفلسيـَن يَ الرايد زِبِـيب / فلسين يا سعر الحراير / يا عراقي الأمس متلفك دواير / وين صاير؟؟ / وين راح او وين بات / "شعريـَة وشَعر بنات" / يانبي النهرين وذِّ ِّن ، اللـِّشش فوﮒ المناير / كلها حيـَّت عَ الصلاة) ، كل ما تريد قوله وفاء أوضحته جليا بهذا المقطع ، (وفارت الدنية علينه / جت قيامة ومطرت الدنية جثث / وفجـِّرت عين المدينة ) ، ولا يعني أنها أستكانت وقبلت بحال مفترض ، بل تصرخ لكل العقول لتقول ما لا يقله إلا أهل الوطن المذبوح ، ( اليبوﮒ الوطن / مثل الزنى بإخته ) .
#حامد_كعيد_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحلام ثلجية
-
عضو مجلس محافظة كربلاء ووجوب استقالة الحكومة العراقية
-
الشكوى
-
التغيير التونسي والعراقي والفرق بينهما
-
الدكتور سعد الحداد شلال حلي متدفق
-
المجالس الحلية
-
يعيش البعث المجتث
-
صناعة الدكتاتور
-
دموع السيد طارق الهاشمي وقناعات السيد ظافر العاني
-
الضربة القاضية ومدارس النقد الأدبي
-
صوت الحقيقه / مهداة للصديق الشاعر عريان السيد خلف
-
توظيف الشعائر الحسينية سياسيا
-
البعث ، والحصان الخاسر
-
اليسار العراقي وتوظيف الشعائر الحسينية
-
حمد / مهداة لشيوعي العراق
-
( وقفوهم أنهم مسئولون ) تهنئتان
-
( لزكة مومن )
-
( صبرا أيها المتقاعدون إن موعدكم العذاب )
-
( أذهبوا فأنتم الطلقاء )
-
( السيد نوري المالكي وأحلامنا الوردية )
المزيد.....
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|