أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الحسين شعبان - مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!















المزيد.....

مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3258 - 2011 / 1 / 26 - 22:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ما حدث في تونس من غليان شعبي جاء رد فعل ضد الظلم الذي ساد عقوداً من الزمان، وجعل التونسيين على الرغم من مظاهر النمو والتمدّن، يعيشون ظروفاً اقتصادية قاسية، لاسيما باستفحال مشاكل البطالة خصوصاً بين الشباب، ناهيكم عن قهر معتّق وغياب الحريات. ولعل الحدث التونسي، يذكّرنا كيف انفجر الشارع الإيراني في العام 1979 ضد نظام الشاه، مع اختلاف الظروف والأهداف والتوجّهات.
جاءت الانتفاضة التونسية عفوية ودون تخطيط، احتجاجاً على البطالة والفساد وسرعان ما تحوّلت إلى حركة عارمة، تجاوزت جميع التقديرات، لاسيما في آفاقها وفي تحديد مداها. وأصبحت الشرارة التي انطلقت كرد فعل على إحراق البوعزيزي نفسه حريقاً هائلاً التهمت نيرانه سلطة الرئيس بن علي برمشة عين، وسط تأييد شعبي منقطع النظير، فانكسر حاجز الخوف، وهيمنت المفاجأة على الجميع.
وسارعت القوى السياسية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني وإن اختلفت توجهاتها، لتعلن بصورة جماعية إصرارها على رحيل الرئيس زين العابدين بن علي.
إن غياب قيادة سياسية ميدانية، واستمرار حالة الفوضى والعنف، وضع البلاد أمام خيارين قاسيين فإمّا الانفلات وإمّا تسليم السلطة إلى الجيش. وإذا كان الجيش التونسي قد تدخّل لحسم الأمر، وعقد صفقة لإخراج الرئيس بن علي، فهذا لأنه قرأ المشهد جيداً، إذْ لا يمكن تهدئة الخواطر دون إحداث التغيير المنشود، على الرغم من أن الوضع لم يستقر بعد والاستنفار ما زال قائماً والاستقطاب شديداً.
لقد حسم رحيل بن علي "مضطراً"، المعركة لصالح الشعب وجنّب تونس المزيد من المآسي والدماء، وهكذا فرضت الاحتجاجات السلمية حضورها وإرادتها في أرقى ممارسة للحق من خلال اللاعنف، وفي التعبير عن الرأي بالسلم، ومواجهة الرصاص بصدور عارية، وفي المحصلة انتصر هذا الخيار على الخيار العنفي الذي ظلّ النظام متمسكاً به حتى لحظات احتضاره الاخيرة.
وكعادة الأنظمة الاستبدادية الفردية فقد اعتمد بن علي في حكمه على الدعم الخارجي أيضاً، إعتقاداً منه أن خضوعه لصالح القوى الخارجية سيحميه، دون الالتفات إلى مشاكل الشعب وهمومه وآلامه، التي تمّ الاستهتار بها على نحو من اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية، الأمر الذي فاقم الأوضاع سوءًا، وهو ما أدّى إلى عزلة النظام وساعد بالتالي على إسقاطه بتلك الطريقة المدنية الحضارية السلمية المثيرة.
لقد هرب بن علي لينجو بنفسه وكانت آخر إطلالاته على الشعب التونسي المنتفض هو إستجداء التسامح والعفو، لأن هناك من "غرر" به قاصداً بطانته السيئة، وفي محاولة للمناورة اختار تكتيك التراجع المنظّم، ليتبنّى بعض مطالب الشعب وليؤكد على "صدقية" حديثه، فوعد بالانفراجات وتأمين الحريات مؤكداً أن لا رئاسة مدى الحياة، وكان يحسب أن الجيش والقوى الغربية، لاسيما فرنسا ستعمل على حمايته، ولكن حديثه لم يهدئ من روع الشعب، ولم يزرع في قلوب الجماهير الطمأنينة، كما وأن الجيش كان في طريقه إلى الانحياز إلى جانب الشعب ضد السلطة.
وهكذا تكرّر السيناريو الإيراني في تونس فقبيل هروب الشاه، تسلّم السلطة الجنرال بختيار، مثلما أعقب هروب بن علي تسليم السلطة إلى فريق من حزب التجمع الدستوري، الذي حكم البلاد نحو ستة عقود من الزمان.
تولّى السلطة محمد الغنوشي بموجب "تفويض" أثار جدلاً دستورياً، لاسيما وأن بن علي لم يعد له من أمل في العودة إلى بلاده كرئيس، نظراً لما صادفه من تخلّي أصدقائه عنه، وكما حدث مع الشاه أيضاً عندما طار هارباً من طهران، فلم تستقبله واشنطن ولا باريس، بل حطّ في القاهرة، وهكذا أعاد التاريخ نفسه مع بن علي، فواشنطن حليفته دعت إلى احترام إرادة الشعب التونسي، لاسيما بعد حسم الأمر، ومعها باريس التي تعتبر الشريك التجاري الأساسي للنظام التونسي، بل وعرّابه، استدارت 180 درجة ورفض الرئيس ساركوزي استقبال بن علي، فحطّ في جدّة ضمن صفقة تشبه صفقة الشاه، وضمن شروط محددة طالبته بها الرياض ووافق عليها دون نقاش.
لعل هذا المصير المأساوي الذي واجهه زين العابدين بن علي، لاسيما دراما تنقّل طائرته الرئاسية بين مطارات العالم تبحث لها عن أرض تحطّ فيها وسط رفض أغلب الدول الغربية وتنكّرها له بدءًا من فرنسا ومروراً بالجار المالطي وانتهاءً بإيطاليا، له دلالة بالغة الرمزية ليس بالعودة إلى الماضي فحسب، بل في النظر إلى المستقبل، فقد يتكرر مثل هذا السيناريو مع زعماء آخرين في المنطقة ما لم يستوعبوا الدرس جيداً.
وثمت مفارقة أخرى ففرنسا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وجدت في الإطاحة بالنظام التونسي فرصتها للتنصّل من التزامات سابقة لدعم نظام استبدادي وتقديمه كنظام متمدن يؤمّن أهم مستلزمات حقوق الإنسان مثل الغذاء والتعليم والصحة كما جاء في رد قاسي للرئيس الفرنسي جاك شيراك على احتجاجات لدعمه نظام بن علي العام 2003، كما وجدت واشنطن وباريس الفرصة سانحة للدعوة إلى قيم الديمقراطية والحرية واحترام إرادة الشعوب، وهو جوهر ما تضمنته رسالة الرئيس الأمريكي أوباما ، لكنها في الوقت نفسه تخشى من مخاطر جدية على الوجود والمصالح الأمريكية والأوروبية الغربية في المنطقة، الأمر الذي سيعتمد على إمكاناتها في إطفاء الحرائق من جهة، وفي استتباب الأمن وعودة الحياة الطبيعية من جهة أخرى.
وليس من قبيل الصدفة أن يصرّح نائب رئيس وزراء الكيان الصهيوني سيلفان شالوم التونسي الأصل بقوله: "أخشى ما أخشاه أننا نقف حالياً أمام مرحلة جديدة وبالغة الخطورة في العالم العربي، فإن سقوط النظام التونسي القائم، قد لا يؤثر حالياً بشكل كبير على الأمن القومي الإسرائيلي، لكن يمكن الافتراض أن هذا التطور سيشكل سابقة قد تتكرر في دول يؤثر استقرار نظامها علينا بشكل مباشر".
كما أكّد على أنه في حال تمّ استبدال الأنظمة في الدول التي تحيط بـ"إسرائيل" بأنظمة ديمقراطية فإن هذا يحمل في طياته خطراً كبيراً على الأمن القومي الإسرائيلي، على اعتبار أنه يفترض أن تعتمد الأنظمة الجديدة أجندة تشكل بحد ذاتها مسَّا بالمصالح القومية الإسرائيلية وتلك إحدى مفارقات الحدث التونسي.
لعل الحدث التونسي يطرح دلالة مهمة أخرى هي أن الحلول من خارج الحدود لا تشكل ضمانات للحكام أو للمعارضات، بل ستؤدي إلى إضعاف الهوية الوطنية والوحدة الوطنية، كما أن أول دروس الديمقراطية لا تبدأ بالفوضى، سواءً كانت خلاّقة أو غير خلاّقة، ولن يتحقق مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد طبقاً لوصفات خارجية لا تستجيب لطموحات وشعوب المنطقة وحقوقها، ولاسيما وأن في المقدمة منها حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة، وحق اللاجئين في العودة.
ومن دلالات الانتفاضة التونسية، الدور الكبير الذي لعبه الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات، فلم تعدْ أية وسيلة قمعية قادرة على الوقوف في وجه التكنولوجيا الحديثة التي تمكّنت من تخطي الزمان والمكان ونقل الصورة والصوت إلى أقاصي الدنيا في لحظات قليلة من الحدث، عن طريق الفايس بوك والانترنيت والهاتف النقّال، لتخرج صورة البوعزيزي بثوان من سيدي بوزيد إلى كل مدينة وقرية وشارع في تونس والعالم أجمع لتشعل ثورة الغضب وتؤدي إلى رحيل الرئيس بن علي.
والدلالة الأخرى تكمن أهميتها في أن التونسيين نجحوا في تحقيق ثورة سلمية بامتياز، بوسيلتها الناجعة وهي اللاعنف، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على بلوغ التونسيين مرحلة من الوعي والثقافة والوطنية لحماية الوطن من الاحتراق وصون الدماء الوطنية. وقد آن الأوان للملمة الوضع وتضميد الجراح والتخلّص من مظاهر التخريب والعبث واليأس، والسير إلى الأمام، فنصف الانتصار قد تحقق ومهمة البناء والتنمية والديمقراطية والرفاه ستكون طويلة وهي النصف الأهم من المعركة.
أضف إلى ما سبق دلالة هامة ألا وهي الوحدة الوطنية لجميع التيارات والقوى بمختلف مشاربها وتوجهاتها الفلسفية والسياسية، تلك التي ساهمت في إنجاح المدّ الجماهيري، لاسيما بوحدة الهدف وعدم تجزئة المطالب، فقد التقت الأحزاب والقوى السياسية والمدنية حتى الآن على أهداف مشتركة، على الرغم من تباين وجهات نظرها وبذلك فوتت الفرصة على السلطة لإستعداء بعضها ضد بعضها الآخر.
وقبل كل ذلك فقد كشفت أحداث تونس عن مدى استهتار "الأنظمة" بإنسانها المثقف، فالبوعزيزي وأمثاله الذين درسوا وحصلوا على الشهادات الجامعية، لم تتاح لهم فرصة العمل في أي مكان، بينما القوى الحاكمة وأقاربها وذيولها يرتعون بالمناصب والمراكز ويكدّسون الأموال سواءً حصلوا على الشهادات أم لم يحصلوا عليها؟



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الانسان في الوطن العربي:المنظمة العربية لحقوق الانسان ف ...
- الأمن الغذائي .. الحق في الطعام!
- بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟
- ساحل العاج دولة برئيسين
- حرب باردة في خليج ساخن
- الاستفتاء السوداني: بين الديناميكية والسكونية !
- بعد 50 عاماً مصير -حق- تقرير المصير
- العمل العربي المشترك: أي دور للمجتمع المدني؟
- استفتاء أم استثناء؟
- الحداثة وما بعدها !
- رمزية القرار 1514 و«متحفية» الكولونيالية!
- ما وراء تسريبات -ويكيليكس-؟
- المواطنة.. من دولة الحماية إلى دولة الرعاية
- بُعيد تسريبات «ويكيليكس» وعشية الذكرى الثانية للعدوان على غز ...
- ما أشبه اليوم بالبارحة
- المواطنة في الإسلام .. إرهاصات الدولة الحديثة وكوابح الواقع
- من مالك بن نبي إلى المهاتما غاندي
- سُليمى مولوي الخطيب: إمرأة حالمة ومسكونة بالقلق الانساني الب ...
- العدوان الإسرائيلي على غزة في ضوء قواعد القانون الدولي الإنس ...
- لحظة الهند .. البحث عن الشراكة والتعاون.. لا تريد أن تكون قو ...


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الحسين شعبان - مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!