أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل هلال هلال - الطغيان الشرقي بين الكواكبي وبلفور وأرسطو (المقال الثاني من تراث العبيد)















المزيد.....

الطغيان الشرقي بين الكواكبي وبلفور وأرسطو (المقال الثاني من تراث العبيد)


نبيل هلال هلال

الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 23:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قال بلفـور الوزير البريطانى -صاحب وعـد بلفـور المشئوم : إن الأمم الغربيـة فور ظهورها فى التـاريخ تظهرالقـدرة على حكم الذات، لأنها تمتلك مزايا خاصة بهـا، ويمكنك أن تنظر إلى تـاريخ الشـرقيين بأكمله فيمـا يسمى بشـكل عـام، المشرق، دون أن تجـد أثـرا لحكم الذات على الإطلاق. وكل القرون العظيمة التى مرت على الشرقيين- ولقـد كانت عظيمة جـدا، انقضـت فى ظل الحكم المطلق. وكـل إسـهاماتهم العظيمة فى الحضارة الإنسانية- ولقـد كانت عظيمة -أنجـزت فى ظل هـذا النمط من الحكم. فقـد خلف فـاتح فـاتحا، وتلت سـيطرة سـيطرة، غير أنك فى دورات القـدر والمصير كلها لاترى أمة واحـدة من هـذه الأمم تؤسـس بدافع من حركتها الذاتية ما نسميه نحن من وجهـة نظـر غربيـة، حكم الذات .انتهى كلام بلفور.
ويقول الكواكبى: "إذا لم تحسن الأمة سياسة نفسها أذلهـا اللـه لأمة أخرى تحكمها كما تفعل الشرائع بإقامة القيِّم على القاصر أو السـفيه وهـذه حكمة، ومتى بلغت أمة رشدها استرجعت عزها وهذا عدل، وهكذا "إن اللـه لا يظلم الناس شـيئا ولكن النـاس أنفسـهم يظلمون" .
ووصف أرسـطو الطغيان الشـرقى بأنـه النموذج الحقيقى للطغيـان، وهـو أيضـا وصف ظل يتكرر منذ عصر أرسـطو حتى يومنا الراهن! حتى إن الأوروبيين عنـدما "يسـبُّون" ملكا أو حاكما لاستبداده يصفونه بأنـه أقرب إلى الطاغيـة الشرقى؛ فالطاغية الشرقى "الشهير" يعامل المواطنين معاملة السـيد للعبيـد، وهاهنـا نجـد أصل الفكـرة الهيجيليـة التى تقـول إن الشرقيين كانوا جميعا عبيـدا للحاكم الذى ظل هـو وحده "الرجل الحر" فى الدولـة! والغريب أن أرسـطو أرسـل إلى تلميـذه الإسـكندر الأكبر رسـالة ينصحه فيها بمعاملة اليونانيين كقائـد، وأن يعامل الشرقيين معاملة السيد لأنهم بطبيعتهم عبيـد ، كما يقـول: "إن الرجل الحر لا يسـتطيع أن يتحمل حكم الطاغية، ولهـذا فإن الرجل اليونانى لا يطيق الطغيان، بل ينفر منه، أما الرجل الشرقى فإنه يجده أمرا طبيعيا، فهو نفسـه طاغية فى بيته، يعامل زوجته معاملة العبيـد، ولهـذا لا يدهشه أن يعامله الحاكم هـو نفسـه معاملة العبيـد . وكان أرسطو يقصد بالطغيان الشرقى، ذلك الطغيان المستشرى فى الهنـد والصين وفارس ومصر وبابـل وآشـور ,وكانت العادات فى فارس والصين تقضى بالسجود تحت قدمى الملك، وكان اليمنيـون يفعـلون ذلـك مع "الإمـام"حتى السـتينيات من القـرن الماضى وإلى أن قـامت الثـورة ضـده، إذ كان يتعين تقبيـل ركبـة الإمـام بزعم أن ذلك واجب دينى يفرض على الرعية أداؤه لبنى هاشم!!!
وتخـاذل المشايخ وأهمـلوا أداء واجب تبصرة الناس بحقوقهم، واكتفوا بتعليمهم فقـه الحيض والنفاس، فهم سكوت عندما يجب عليهم الكلام , أما المساندون منهم للسـلطان الجائر فهم خونة، يخونون دينهم والنـاس. ووظفوا الدين فى ترويض المسلمين وامتـلاك أعنة أمورهم، وإحكـام القبضة على رقـابهم وأفواههم، فأفهمـوا النـاس أن طاعـة ولى الأمـر واجبـة على إطلاقهـا وإنْ سلَب مالك وجلد ظهرك ، وأن الخروج على المسـتبد غير شـرعى فالخليفـة هـو ظل اللـه فى الأرض، وعلى الناس طاعته، وأن البـؤس الذى يغرقهم فيـه اسـتبداد مولانا وولى النعم هـو قـدَر اللـه ومن لـه أن يغير الأقدار؟ وأنـه لا يجوز تقييـم الخليفـة بأعمـاله بل يكفى نيته، فأنشـأ الأمويـون حزب المرجئـة الذى يقول "بإرجاء" الحكم على الخلفـاء الأمويين إلى أن يحاسـبهم اللـه! فلا يجـوز تقييمهم من واقـع أعمالهم، بل الفيصل هـو إيمـان الفـرد لا عمله!! ومثـل ذلك من الأضـاليل المفضوحة. وطاعة أولى الأمر ليست مطلقة وإنما هى مشروطة بطاعـة الحاكم للـه، ورهن بإقامـة العـدل.
وخلال المـدة التى اسـتغرقتها خلافة الشـيخين( أبي بكر وعمر) والتى بلغت 12 عاما، لم تكن هنـاك حاجـة عمليـة إلى ممارسـة المساءلة للشـيخين، ومرت هـذه المـدة دون ممارسـة حقيقيـة لها ، ودون محاولـة جـادة لإرسـاء أسـس أى شـكل "مؤسسى" لممارسة المساءلة من قبـل الأمـة لحكامهـا، كذلـك فـإن هـذه المسـاءلة لم تكن أبـدا محل دراسـة أو تمحيص أو تقنين من قبـل النـاس، إذ لم يُظن أن ذلـك أمـر يتطلب النظـر فيـه بتحـديد شـكل تنفيـذى ما لتطبيقه، فكان المتصـور والمسـلَّم بـه أن الخليفـة إذا تجـاوز يكفى أن توجهـه الأمـة أو تلفت نظـره إلى موطن الخلاف، فيبـادر الخليفـة من فـوره، بوازع من دينـه وخشـيته للــه، إلى الرجوع إلى الحق دون ممـاراة أو مجـادلة، هكـذا ببسـاطة.
وسـارت الأمور بهـذه البسـاطة، فلم تنشـأ الحاجـة إلى مؤسسة رقابيـة تتولى الأمـة من خلالهـا مساءلة الحكام، حتى درجت الأمة على عـدم ممارسـة سـلطتها الرقابيـة فى ظل هـذه الظروف ولم تستشعر حاجتها إلى مثـل هـذه "المؤسسة" أو "المجلس"، وبالتالى لم تتبين السبيل لممارسة مساءلة الحاكم ومراقبتـه، وما إن دعت الحاجة، بعـد عهد الشـيخين وتطور الأحداث وتعقـدها، إلى مساءلة الحاكم وإخضاعه لرقابـة الأمـة وانصـياعه إلى أمرها، وامتثـاله لتوجيهاتها، حينئـذ لم تعـرف الأمـة كيف تنهض بإنفـاذ هـذه المساءلة، ولم يعرف الحاكم كيف يخضع لمطالب الأمـة على نحـو لا يرى فيـه نزولا منـه عن حقـوقه واختصاصاته . وكان ذلـك أول صدام بين الرعية والحاكم فى زمن خلافة عثمـان بن عفـان ، عنـدما أنكـر النـاس عليـه محاباتـه لأهله وإيثـارهم بالإمـارة والعطايا، وغير ذلـك من الأمـور التى رأى النـاس أنهـا تتطلب مسـاءلة الحاكم. ولكن نظـرا لعـدم وجـود أصول متفق عليها لآليات ممارسة هـذه المساءلة ، فإن إنكـار المسلمين لمـا رأوه مآخـذ على عثمـان وامتنـاعه عن النـزول على رأى المسلمين، لم يتعـد حـدود الإنكـار من جانب النـاس، والرفض من جانب الخليفـة، فانتهى الأمـر بهم جميعـا إلى طريق مسـدود، فوثبـوا عليـه وقتـلوه، فلم تكن هنـاك وسـيلة سلمية للتفـاوض يعرض فيهـا الطرفان الرأى والرأى الآخر، ولم يكن هنـاك جهة ملزمة تقـوم بالتحكيم وإنفـاذ الرأي بعـد تبين جليـة الأمـر، فتلكم وظيفة-الجهة التنفيـذية-أو المجلس التنفيـذى، وتتطور الأحداث بعـد ذلـك، أو قـل تفاقمت وآل الأمـر إلى معاويـة الذى كان وراء الأحداث يحركها كيف يريـد، واستولى الأمويـون على مقـاليد الحكم، وحرصوا على مزاولته فى غيـاب هـذه المؤسسات الرقـابية التى كان ظهورها يعنى تقويض ملـك الأمويين من القواعـد، ولم تنشـأ مثـل هـذه المؤسسة الرقابية فى بلاد المسلمين منـذ ذلـك الحين . ولا يكفى أن يكون الحاكم ورعا حتى يمكن القـول بعـدم الحاجـة إلى الآليـة الرقابيـة التى يمكن بهـا مساءلته، فقـد يكون الحاكم ورعـا تقيـا، ولكن الورع فى حد ذاته لا يكفى لعصمة الحاكم والحيلولة دون وقوعه فى تجاوزات قد لا يرى فيهـا أي خروج على المسموح به، بل يراهـا اجتهـادات يصيب فيهـا أو يخطئ، وقد لا يرى الحاكم الحـد الفاصل بين سلطاته وبين حقـوق المواطنين. ومهمـة الجهة الرقابية هى تحـديد هـذه الحـد الفاصل، وعـدم السـماح للحاكم بتجاوزه بأى حال من الأحـوال، سـواء بالقهـر، أو سـن القوانين الاسـتثنائية، أو باسـتثارة عواطف الجماهير فيدفعهـا دفعـا فى اتجـاه مضاد لمصالحها.



#نبيل_هلال_هلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبيد يحكمون الأحرار: هل تراثنا هو تراث العبيد؟ (حديث في عد ...
- أيها الجبان ..أنعمنا عليك بحرية النباح , لكن تذكر ..إياك أن ...
- ما أشبه الليلة بالبارحة
- ورثة الأنبياء و مس العفاريت
- نحن المسلمين رقيق العصر , مددنا للذل أعناقنا فامتطانا كل راك ...
- هل المسيحي كافر- أو الدين عند الله الإسلام ..ولكن..
- آية السيف وأسرارها بين الفقيه والسلطان (الجزء الثاني والأخير ...
- آية السيف وأسرارها الخفية بين الفقيه والسلطان -مقال في عدة أ ...
- في ظل انعدام ثقافة المقاومة يفترع العمدة العروس قبل زوجها
- قالت العرب :جوِّع كلبك يتبعك ,لكن من يضمن ألا يأكل الكلبُ مج ...
- لهذه الأسباب لا يجوز قتل المسيحي – آية السيف والفكر المؤسس ل ...
- القابلية للاستنعاج
- من يرتق الفتق غير من يفتق الرتق –ومحنة فيلم الرسالة
- الدكتور البرادعي ومحاكم التفتيش - تعقيب على الفتوى بإهدار دم ...
- تسييس الدين وتديين السياسة


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل هلال هلال - الطغيان الشرقي بين الكواكبي وبلفور وأرسطو (المقال الثاني من تراث العبيد)