أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - احذروا التقليد















المزيد.....

احذروا التقليد


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 3255 - 2011 / 1 / 23 - 23:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما تزال الثورة التونسية مستمرة تنشر القها في محيطها الداكن وترسم لنفسها ملامحها وتؤسس لقواعد صيرورتها وتقاليد عملها. ولكن بالرغم من أنها لم تكتمل بعد ولم تتضح أبعادها ولم يتحقق بعد المدى الأوسع لمالاتها ولا لثمارها، إلا أنها تمكنت من إشاعة عدواها ونثرت فيما حولها أريجها فاخذ بأشكال اشتعالها بعض أبناء المجتمعات الأكثر حرقة وتأثرا بواقعهم كأبناء مصر والجزائر؛ فقد حاول بضعة شبان حرق أنفسهم في الجزائر وكذلك في مصر لكن لم يحدث عندهم هناك شيئا مثل الذي حدث في تونس.

والسؤال: لماذا؟.

بتقديري إن استنساخ طريقة الاحتجاج (البوعزيزية) حرفيا عبر عن معنيين، أولهما؛ هو القدر الكبير من الضيم والقهر الاجتماعي والسياسي والنفسي الذي يعيشه الفرد في البلدان العربية للحد الذي يدفعه أن يقدم حياته لأجل فعل التغيير. لكن هاجس التغيير لا يمكن له وحده، برأيي، أن يحرك هكذا فعل. فهكذا فعل جذري وعنيف تحركه وتحدد طريقته عوامل أقوى لعل من بينها أو أهمها هو حجم اليأس والغضب وكراهية الحياة التي يولدها البؤس والقهر. ويمكننا في هذا السياق أن نتساءل: ألا يضيء لنا هذا الفعل بحد ذاته وبالطريقة التي تجسد فيها بعض جوانب الغموض النفسي والدافعي لشخصية الانتحاري الذي أنتجته مجتمعاتنا بوفرة مغيظة في السنوات الأخيرة؟.

المعنى الثاني الذي قدمته حالة استنساخ الانتحار حرقا هو الشغف السطحي في تقليد تجارب الآخرين دون وعي لخصوصيات وظروف بيئية وبنيوية محيطة بالفعل الأصلي تدفع على التفكير والتساؤل في ما إذا كان هذا الفعل، إن حدث في بيئة أخرى، حتى وان كانت شديدة الشبه بالأصلية، سيؤدي إلى نفس النتائج. وهذا الشغف ناتج، بتقديري، من تفكك أو تشوش وحدة الوعي في المجتمع الذي يفرز ظاهرة الاستنساخ. ووحدة الوعي هي إدراك اجتماعي عام يحدد ملامح المشاكل الاجتماعية والسياسية وطرق علاجها ضمن السياق الاجتماعي والسياسي الخاص بالمجتمع نفسه وبالضد من حلول السلطة وخارج سياقاتها. بمعنى أن المجتمع يدرك ماهية مشاكله ويتفق ضمنا على طرق حلولها وفق طبيعتها وليس وفق نمطية شكلانية تستنسخ تجارب الآخرين بأخذ المظهر وإيثاره على سواه. لكن يبدو أن مجتمعاتنا، وحتى بعد العصف التونسي، هي في حالة تكلس، وتعيش حالة انسداد أفق على مستوى الواقع ومستوى الوعي معا، لهذا لم يكن احد مهيئا لالتقاط الإشارات العملية التي أفرزتها التجربة التونسية. ولكن من جانب آخر، وكما بدا من سياق الأحداث، فان الثورة التونسية قد فاجأت الجميع، بمن فيهم أبناؤها والفاعلين فيها. فلم يكن هناك، بظني، ولحد سقوط نظام (البهيم تاع البوليس) من كان يخطر في باله، مجرد خاطر، أن هناك إمكانية لانتفاض شعب عربي يمكن أن يؤدي إلى إسقاط نظام مستبد. ولهذا أسباب عديدة.

لذا فان المفاجأة زائدا اليأس الذي كان مهيمنا على مشاعر الجميع كانا إلى حد ما وراء ردود الفعل المتعجلة التي أدت إلى شيوع ظاهرة الاستنساخ.

لكن هذا التوصيف وتلك الدلالات لا يمنعان ولا يتعارض مع ما لهذا الفعل، (حرق النفس احتجاجا)، من بعد رمزي أشر إلى حجم الغضب وأرسل رسالة بليغة ودقيقة الفحوى لأنظمة الحكم مفادها إن ما عندنا هو مثل ما كان عندهم، بل وأسوء، وإننا نريد أن نغير واقعنا مثلما غيروا هم واقعهم. كما ان هذا الشكل من الاحتجاج كفعل واقعي – رمزي، قد تحول، أو رٌغب في أن يكون له معنى محددا، مثلما حدث في موطنه الأصلي، وهو إعلان إشارة البدء للتحركات الجماهيرية.

من نافل القول أن تكرار ونسخ التجارب لن يجدي لأكثر من سبب؛ أولها أن كل مجتمع له خصوصيته وله معاناته ومشاكله الهيكلية الخاصة به وان تشابهت ظروفه مع مجتمعات أخرى، وعليه ينبغي لكل مجتمع أن يبتكر حلوله الخاصة وطرق عمله، وهذا، بقدر ما انه يعني إبعاد فكرة استنساخ المظاهر أو بعض الوسائل من تجارب أخرى، فهو يدعوا في نفس الوقت إلى استلهام روح تلك التجارب والأخذ بالأمور الجوهرية وبعض أشكال التطبيق المناسبة فيها. فشكل الاحتجاج السلمي، وشكل توحد وتوحيد الشارع وطريقة نشر الوعي التي سادت في الشارع التونسي أيام ثورته، على سبيل المثال، كانت مثالا إنسانيا رفيع المستوى ينبغي استلهامه واستيعاب أبعاده. هذا بالإضافة إلى بعض العناصر والخصائص الأخرى ذات الأهمية الكبيرة التي ميزت المثال التونسي من مثل التأكيد على الطابع الشعبي العام للاحتجاج دون تسييسه بإفراط، للحد الذي يفقده صيغته الجامعة، ولا ادلجته ليجير لصالح اتجاه فكري معين، وكذلك في الإصرار على الحفاظ على روح العفوية التي تفجرت بها الثورة وجعلها الإطار الناظم لكل فعاليات الاحتجاج اللاحقة. فكما لاحظ الجميع أن ليس هناك من قوى سياسية فرضت أو حاولت أن تبرز نفسها على حساب المجموع العام، ولم تحمل أي جهة شعارا مركزيا أو عنوانا رئيسيا للاحتجاج، عدا الاتحاد التونسي للشغل، وهو إطار مهني نقابي واجتماعي عام وجامع يحظى بقبول اجتماعي وسياسي واسع. وحتى الشعارات السياسية لم تتوحد، فكل مجموعة وكل فرد رفع شعاره الخاص الذي كان يتضمن المطلب العام المشترك لكن كما فهمه وصاغه هو بنفسه.

والآن هدأت عاصفة الانفعال الأولى في الشارع العربي( أنبه هنا إلى أني استخدم مفردة عربي بدلالة جغرافية وثقافية وليس عرقية) وكل طرف من أطراف المواجهة المحتملة، حكومات الأنظمة والشعوب، يعيد ترتيب أوراقه وجدول أولوياته. ولهذا فان الحكومات تعول وتراهن على فسحة الزمن وبعض اجراءات التخفيف من أعباء سياسات شد الحزام الخانقة والضغوط الاقتصادية التي كبلت بها الشعوب لعقود طويلة، باعتبارهما العاملين الكفيلين بتهدئة الخواطر وعودة النسيان والركود الذي هيمن لعقود على وعي الشارع. لكن هل سيقبل الشارع العربي وتسمح له كرامته، بعدما أنجز الشعب التونسي انجازه الباهر، بان تتصدق عليه الحكومات ببعض الفضلات من ما هو اقل القليل من حقوقه من خلال إجراءاتها الترقيعية بخفض الأسعار أو إبقاء الدعم لبعض السلع وغيرها من المعالجات المختزلة والهامشية وتقديمها كرشوة لتهدئته؟.

إن الشعب الذي يقبل بهكذا مساومة مبتذلة سيحكم على نفسه بالموت إلى الأبد.

إن المشكلة لا تكمن في الإجراء بحد ذاته، سواء كان تحسين ظروف معيشة أو غيره، وإنما في طريقة اتخاذه وفي الآليات التي تتّبع لتنفيذه، وقبل هذا وذاك في آليات ضمانته. وهذه كلها عناصر تتعلق بالبنية السياسية. فبدون قاعدة سياسية تقوم على الديمقراطية وإشراك الطيف السياسي والاجتماعي بالقرار لا يمكن لأي إجراء اقتصادي أو تنموي أن يضمن حياة ورفاه المجتمع. ثم إن التجربة التونسية قد قررت بوضوح بان الأزمة الاقتصادية والتدهور الاجتماعي ليسا وحدهما المشكلة، ولا يقبع كذلك فيهما وحدهما مفتاح الحل كما يراد الإيهام. فالمشكلة – المعضلة هي في تعطل المشاركة السياسية الواسعة والمتعددة، والتي فيها يتحمل المجتمع ، كل المجتمع، مسؤولية مايؤول إليه الواقع والقرار الاقتصادي والسياسي، وهذا لن يتحقق عادة بغير إعادة هيكلة الحياة السياسية وإعادة ترتيب النظام السياسي لأنهما الطريق المقنع والوحيد لأي تنمية اقتصادية ولأي ضمان اجتماعي وبالتالي لأي استقرار سياسي. وهذا لن تفعله أنظمة الحكم المستبدة ما لم ترغم عليه.

ما لم يتم استيعاب هذا الدرس وما لم يتخذ المثال التونسي كملهم وليس كوصفة جاهزة قابلة للتطبيق في كل مكان وزمان لن يكون هناك تغيير ينقذ الشعوب العربية.

فهل سيحذو بقية العرب، المكلومين بالاستبداد والقهر، حذو شعب تونس الشجاع ليحرروا أنفسهم ويمتلكوا زمام أمرهم أم سيبقون (دهماء) مهمشين ومرميين على هامش الحياة وخارج التاريخ كما تصفهم وتريده لهم أنظمة حكمهم؟.



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى الشارع سر!
- كومونة تونس
- التعليقات في الحوار المتمدن
- لمحة قصيرة عن النقد عند اليسار العربي
- العنصرية ضد الذات
- ‌أسرى في ضيافة الأنصار لشيوعيين
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (3)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (2)
- ملامح من مشاكل الاندماج في السويد (1)
- هل هناك تجربة اشتراكية ناجحة؟
- مشكلة الحجاب في المجتمعات الاوربية
- صفقة خاسرة
- أللاجئون في أوربا
- الانتخابات السويدية2
- انتخبابات السويد 1 انبعاث العقلانية
- احداث بشتاشان
- شيء من لوثة الايدلوجية
- تشاركوننا جرائمنا أو نشارككم براءتكم
- شبح التطرف في كردستان
- شهداء منسيون


المزيد.....




- كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما ...
- على الخريطة.. حجم قواعد أمريكا بالمنطقة وقربها من الميليشيات ...
- بيسكوف: السلطات الفرنسية تقوض أسس نظامها القانوني
- وزير الداخلية اللبناني يكشف عن تفصيل تشير إلى -بصمات- الموسا ...
- مطرب مصري يرد على منتقدي استعراضه سيارته الفارهة
- خصائص الصاروخ -إر – 500 – إسكندر- الروسي الذي دمّر مركز القي ...
- قادة الاتحاد الأوروبي يتفقون على عقوبات جديدة ضد إيران
- سلطنة عمان.. ارتفاع عدد وفيات المنخفض الجوي إلى 21 بينهم 12 ...
- جنرال أوكراني متقاعد يكشف سبب عجز قوات كييف بمنطقة تشاسوف يا ...
- انطلاق المنتدى العالمي لمدرسي الروسية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد صبيح - احذروا التقليد